منوعات

بقلم نهي طلبه ج 3

الخاتمة.

وضعت نورا سماعة الهاتف بعد ان اطمأنت من والدتها على أخبار منذر..

فعلى الاقل استطاع والدها الوصول إليه والحديث معه.. ولكنها كانت في غاية القلق على شقيقتها والتي تركت هاتفها في غرفة نورا.. ولم تجد طريقة للا

طمئنان عليها_بعدما قام رؤو ف بايصالها_ الا بمحادثة عمتها.. وهي لم تجد لديها رغبة في ذلك..

ناداها رؤوف برقة وهو يشير إلى الاريكة بجانبه:. ـ تعالي لتستريحي قليالً.. فاليوم كان مرهقاً بالنسبة لك

تحر كت لتجلس بجانبه وهي تضع رأسها على كتفه: ـ أنت محق.. لا أصدق أن كل تلك الاحداث مرت في يوم واحد فقط..

قبل خصلات شعرها الثائرة بخفة.. و أدارها ليكون ظهرها مستريحاً على صدره و أخذ يمسد لها كتفيها برقة وهي استكانت على وضعها ذلك

ومددت قدميها على الاريكة أمامها.. تشعر أنها آمنة ومحمية بين ذراعيه..

فأغمضت عينيها بوداعة عندما سمعت سؤاله: ـ نورا.. هل تلوميني على ما فعلته نعمات؟..

صمتت لحظات شعر فيها بالقلق.. فعاد يسألها:

قمر .. هل استغرقت فى النوم؟

اجابته وهي تتهرب الرد الصريح يجب أن تجد حلا لمنادتي بـ قمر قد تسمعك عمتي يوماً.. وتظن أنك تقصدها هي ـ.. فتشك في قواك العقلية!..

وضع رأسه على كتفها ورفع ذقنها بيده وهو يهمس بجوار اذنها:

لا ترواغي.. ولا تتهربي من الاجابة

.. لفت له وجهها وهي تعبس في وجهه وتبرم شفتيها ولماذا يسمح لك أنت بالمراوغة دائماً !..

ـ همس بحزم: ـ نورا!!..

حاولت نورا التملص من قبضته التي تتمسك بذقنها بقوة, لكنه لم يفلتها.. فاستسلمت لتخبره

: ـ نعم.. نوعاً ما.. أنا ألومك.. كما ألوم نفسي.. لقد جرحت سهير بشدة بفعل تلك المشاهد…. وكل ذلك بسبب انتقام سخيف من امراة مجنونة

.. وازدادت مشكلتها تعقيدا

سمعت صوته منبهاً: ـ نورا.. لا تفعلي..

جذبت ذقنها بعنف من قبضته وهي تعتدل في جلستها على الاريكة هاتفة:

ـ لا أفعل ماذا؟.. تلك السيدة حاولت هدم زواج شقيقتي.. و أنت غاضب لانني دعوتها بالمجنونة

.. قطعت نو ار كلامها.. وهي تضع يدها على بطنها.. وتطلق تأوهاً خفيفاً

.. جعله يتحرك بسرعة وهو ينزل أمامها على ركبتيه ويضع يده فوق يدها المستريحة على بطنها ويسألها بقلق:

ماذا بك ؟ ما الذى يؤلمك .

قبل أن تجيبه شعر بيدها تتحرك بخفة تحت يده.. فجذب يده بخوف وهو غير مدرك لوصف ما حدث.. فما كان من نورا الا انها سحبت يده لتضعها على بطنها مباشرة..

فشعر برجفة خفيفة تحت يده.. حركة تشبه رمشة الجفن عندما تستشعرها بباطن يدك..

ارتعد جسده بالكامل متجاوباً مع تلك الحركة

.. وهمس بتأثر: ـ هل هذا… لم يستطع اكمال جملته..

فأكملتها له نورا: ـ نعم.. أنه الطفل.. إنها ركلة بسيطة..

سألها بخوف: ـ هل تؤلمك؟

.. هزت أرسها نفياً: ـ كلا.. احياناً تؤلم قليلاً لكن أنني اعتبرها وسيلة اتصال بيننا..

ابتسم لها: ـ وماذا أخبرتك ابنتي الان؟.

عاندته بقوة: ـ ابني يتحالف معي.. فهو شعر بصياحك علي لانني دعوتها بالمجنونة.. أنا لا أفهم.. إذا كانت مشكلتها تنحصر بييننا نحن.. لم تحاول ايذاء سهير.. فزواجها لا يحتمل تلك التدخلات..

عاد ليجلس على الاريكة وهو يسحبها بين ذراعيه ويريحها في نفس وضعها الاول

وهمس لها:.. فأن ر على ِت ـ وهذا ما أقصده.. أقصد لا تفعلي.. أ ي لا تلومي نفسكفانت لم تجبري منذ ر ايضاً الذهاب إلى تلك الممرضة… و أ يضا لم تكوني السب ب في ايذاء سهير له بالكلمات وما يحدث بينهما هو مسئوليتها.. وما قامت به نعمات… غلطتها وستتحمل مسئو ليتها

… أراحت راسها على كتفه وهي تخبره بهمس: ـ هل تعتقد ذلك؟.. أتمنى أن تفكر سهير بتلك الطريقة..

ساد الصمت لفترة ظل رؤوف فيها يمسد بطن نورا برقة وكأنه يبحث ركلة أخرى.. عن وسيلة للاتصال تلك التي أخبرته عنها

.. قالت نورا بهدوء: ـ لقد أخبرتني أمي أن تلك الحرباء قد رحلت.. ولكني b أعلم هل رحيلها هذا دليل على خسارتها.. أم خسارة سهير.. جدي لم يوضح ما حدث لامي.. كما أنه منعها هي وعمتي قمر من الحضور إلى القصر ليتفاهما مع نعمات..

واطلقت ضحكة صغيرة: ـ يتفاهما معها!!..

تلك ما أخبرتني به أمي..

جعلت الامر يشبه تدابير عصابات المافيا

.. صمتت مرة أخرى ثم عادت تسأله: ـ هل تعتقد أنه فعلها؟..

زاد من ضمها وهو يقبل قمة رأسها: ـ كلا.. لا أعتقد أنه فعلها!

همست بذهول: ـ حقاً!!.. لقد رأيت الصور والمقاطع المسجلة. أ

جابها بثقة: انت أخبرتني بقصة عشقهما الطويلة.. لو كان ما أخبرتني به صحيحاً فهو لم يفعلها..

سألته: .ً ـ أمممم… تبدو واثقاً جدا

حملها ليضعها في الفراش وهو يهمس لهاجدا ـ جدا

وتمتم لنفسه.. “أنا أعرف تماماً ما أتحدث عنه

” ورفع صوته قليالً: ـ وشقيقتك أ يضاً واثقة.. و الاما كانت عادت الى بيته.. هيا.. لتنامي فأنت بدو علي الارهاق جدا

أنا سأنهي بعض الاوراق في المكتب.. ثم أنام.. ً..

و غمغمت برقة: ـ كلا.. احتضنني حتى أنام.. ثم أذهب لاوراقك.

. لف إلى الجهة الاخرى من الفراش وصعد إليه ليضمها بين ذراعيه.. ويحتضنها بقوة.. وهو يخبرها: ـ حسناً.. كما تريدين يا طفلتي

جلست سهير في نافذتها كالعادة تتأمل اختفاء الخيوط السوداء من الافق وظهور آشعة الشمس على استحياء وكأنها تشعر بمدى اللالم الاسود الذي تراكم بداخل سهير حتى ظنت أن خيوط الشمس نفسها والتي تغمر الكون بضيائها عاجزة عن كشف ولو جزء صغير من ذلك الحزن القاتم والذي سكن روحها وقلبها..

عندما لفت انتباها صوت الباب الخارجي للجناح فرفعت عينيها لتلمح منذر يدخل الغرفة وهو يجرجر قدميه وقد بدا الارهاق على ملامح وجهه.. وما أن رآها حتى ظهرت الدهشة على وجهه.. فيبدو أنه لم يتوقع و جودها في المنزل.. أربكه مظهرها لوهلة.

. ثم حاول الحفاظ على هدوئه وهو يتجاهل و جودها تماماً..

فبدأ بخلع مالبسه بهدوء.. ألقى قميصه على الفراش بإهمال.. وفتح خزانته ليلتقط مالبس نظيفة..

ثم دخل إلى الحمام في صمت تام.. ظلت سهير ترقبه حتى أغلق باب الحمام خلفه.. وهنا سقطت دموعها بغزارة..

لقد تجاهل وجودها تماماً, صحيح أنه لم يستطع اخفاء دهشته لرؤيتها في البداية الا أنه تصرف بعد ذلك وكأنها غير موجودة.. كأنها طيف غير مرئي.. أو شبح خفي المرأة اعتاد على وجودها

.. تحركت لتقف أمام مرآتها, فصدمت من تلك التي تطلاعها في المرآة.. متى قامت بتحويل مظهرها إلى تلك المرأة التي تطل عليها من المرآة.. أنها لا تتذكر.. مهلا.. إن آخر ما تتذكره هو إصرارها على دخول منزلها بمفردها

ومنعت رؤوف من اصطحابها للداخل.. لا تدري من أين اتت بتلك الارادة الحازمة.. ولكنها وجدت نفسها تأمره بحزم بأن ينصرف و أن يمنع والدتها من اللحاق بها..

ثم دخلت منزلها وحيت عمتها قمر بشرود لتصعد إلى غرفتها بعد ذلك.. وماذا بعد؟.. أنها لا تتذكر.

أغمضت عينيها وهي تضغط على خاليا عقلها وتجبرها على التذكر.. فرأت نفسها تملا مغطسها بالماء والكثير.. الكثير من العطور القوية لتغرق نفسها بداخل تلك المياه ذات الرائحة النفاذة والخانقة حتى أوشكت بالفعل على الاختناق.. ثم أنهت حمامها لتذهب وتقلب بين غالالت نومها وبدأت تضع لترتدي أكثرهم كشفاً لجسدها..

التفتت نحو منضدة الزينه لوجهها ولكنها وجدت أصابعها ترسم ملامح امراة مختلفة.. فبدلاً من أحمر الشفاه الوردي الهادئ استخدمت الا استخدمت حمر الداكن.. وبدلاً من ظلالل جفونها بلون السماء الصافيه .. له آخر لون رمادي يكاد يقترب من الاسود.. ووجدت يدها تقترب من الكحل لاول مرة لتحدد عينيها ببراعة لم تعتقد أنها تمتلكها. اخيرا ا نتهت رمقت تلك التي تقابلها في المرآة وقد تحولت إلى امرأة ذات أنوثة متوحشة

لم تدري لما قامت بذلك.. من الممكن أنها أرادت دعم ثقتها بنفسها.. أو أنها رغبت في أن تكون سهير مختلفة عن تلك المتخاذلة التي لم تعرف كيف تدافع عن بيتها.. بل دفعت بزوجها إلى أحضان امرأة أخرى.. أم أنها أرادت أ منذر فيدرك ما فات ّ ن تبهر عيني ه بترك نفسه يسقط بين أحضان الخيانة.

. كل ما أدركته وأرادته أنها أرادت أن تخرج من عباءة المرأة الطفلة.. لتصبح أنثى تدافع عن كرامتها التي أضاعها زوجها بخيانته لها.. هي لا تنكر أنها ضغطت عليه و أهانته بشدة برغم أنها لم تتعمد ذلك, ولكن هل رده عليها يكون بالخيانة.. لقد أباح لنفسه الخيانة حتى يسترد رجولته التي جرحتها بغبائها.. ولكنه لم يفكر في كيفية جبر كسر أنوثتها المهدرة وهي تصارحه بأنها زوجة عاجزة وفاشلة.. لم استمع فقط إلى كلماتها التي انتقصت من عنفوانه

ولكنه اختار صم أذنيه عن ما قالته في حق نفسها.. لقد ازداد الموقف تعقيدا . ولم تعد أن ً تعرف الحل. هل تتغاضى عن خيانته مقابل ما يسامحها على زلتها في حق رجولته؟…, هل هذا هو الحل؟..

تشعر أنه حل مشوه وملوث.. ولن يغير في الوضع الحالي شيئاً.. سيستمران في اداء تمثيلية سخيفة أمام الجميع حتى يسأم أحدهما من لعب دوره فيهدم كل شيء مثلما حدث اليوم

أخرجها من أفكارها انقطاع صوت المياه بداخل الحمام.. مما يعني قرب المواجهة.. مسحت دموعها بهدوء.. وتحركت ناحية الفراش لترفع ملابس منذر الذي ألقاها بإهمال,

فلفت انتباهها لطخة حمراءعلى ياقة قميصه.. تأملتها قليلا, ثم أدركت ماهيتها..

فجعدت القميص وألقت به بقوة نحو باب الحمام في نفس اللحظة التي خرج بها منذر من الحمام

.. فالتقط القميص الطائر بإحدى يديه وهو يحاول اخفاء ارتباكه بعودتها والتغلب على ما يعتريه لرؤويتها بذلك المظهر المهلك.. لقد فوجيء بعودتها.. لم يظن ً أنه سيعود ليجدها أبدا في انتظاره.. كان يتمنى أن يمدد جسده فقط ليحصل على قسط بسيط من الر احة.. ويرتب فكاره جيدا ثم يذهب لي ارها ليحاوال معاً أ تحديد مصير زواجهما ومقدار التنا زل المطلوب ً.. من كلاهما ليستطيعا النجاة بحياتهما معاً بعد أن جنحت علاقتهما وكادت أن تتحطم على صخور الواقع.. الواقع الذي ظلت تهرب منه سهير لشهور.. ولابد من مواجهته الان

حسناً فعلت بعودتها إلى المنزل فالمواجهة ستتم حتماً.. والافضل أن تكون عاجلاً وليس آجلا.. ولكن هل يجب عليها أن تبدو بتلك الروعة!..

همس لنفسه بغيظ.. “يا الهي.. هل تحاول قتلي بمظهرها ذاك.. هل من الممكن أن تكون تلك الانوثة الصارخة غير قادرة على الشعور بشيء.. أنها تبدو مهلكة.. برغم زينة وجهها المبالغ فيها والتي حاولت بها الظهور بمظهر مبتذل الا أنها لم تنجح.. فهي تبدو كما ينبغي أن تكون الانثى الكاملة”..: ابتلع لعابه بصعوبة محاوالً السيطرة على انفعالته فتبنى أسلوباً ساخرا من قذفها لقميصه

حسنا .. ذلك القميص قذر بالفعل ويجب غسله.

اجابته بقوة وهي تحاول التمسك بقناع المرأة الواثقة: ـ بل يجب حرقه

ألقى القميص من يده بإهمال وهو يلتفت إ. ليها متسائالً وهو يحرك سبابته لاعلى و أسفل: ً مشيرا إليها محاوالً الا يبدو متأثرا بها : ماذا فعلا بنفسك؟..

ـ أجابت بثقة واهية: ـ تغييرلا أكثر.. فهذا القناع هو ما يعجب الرجال على ما يبدو..

تخلى منذر عن هدوئه وهو يصيح بها: ـلا تقلبي الادوار يا سهير.. مازالت كلماتك تدوي في أذني ولم يخف تأثيرها بعد

. قررت مصارحته.. فتحركت حتى وصلت إلى القميص الملقى أرضاً.. وتناولته لترفعه في وجهه وهي تشير إلى بقعة أحمر الشفاه: ـ أعرف أين قضيت ليلتك..فلاداعي للعب دور الضحية..

فوجئ بمعرفتها, بل صدم.. هل علمت أنه ذهب لخيانتها.. خيانتها فعلا.. ورغم ذلك عادت إلى بيته.. عادت إليه.. هل من الممكن إنه يوجد بصيص من الامل لتلك العلاقة بعد كل شيء..

سألها بحيرة: ـ تعرفين.. ولكنك هنا..

همست بألم:

ـ نعم.. أنا هنا

. سألها: ـ هل تستطيعين الغفران؟

.. سقطت يديها إلى جانبها فسقط معها القميص أرضاً وجرت دموعها على وجنتيها: ـلا أعلم.

. سألها ثانية: ـ و الى أين يؤدي بنا ذلك؟

.. همست ثانية: ـ لا أعلم..

أجابها بنفس همسها:ولكنك هنا.. ـ

ولكن أومأت بعجز: ـ ولكنني هنا..

تحرك مقترباً منها يختصر المسافة التي بينهما فخطى فوق قميصه الملقى أرضاً.. وحاول أن يتمسك بيديها الا أنها أبعدتهما وهي تخبره: ـ لا تقترب.. لا تلمسني

.. لم يستمع لها وهو يمسك بيديها ليخبرها:

تعرفين أنني لم أفعلها

.. اندفعت العبرات من عينيها وشعرت أنها ستختنق بشهقاتها وهي تجهش بالبكاء: ـ أعرف..

ارتفعت يديه إلى ذراعيها ليقربها منه وهو يهمس بعذاب:

ـ لكن أن وجودك هكذا قريبة مني أكاد أشعر بدقات قلبك تعانق دقات قلبي.. ِ الا تعلمين و أنفاسي تداعب جبهتك فتطاير خصلاتك لتداعب وجنتي.. هذا القرب..

هذه النظرات الحائرة التي تصرخ بحبك لي.. تؤثر بي.. اكثر من اآلالف من قبلاتها..

ـ آآآآآآآآآه

صرخة انطلقت من اعماقها وهي تتهاوى ارضاً على ركبتيها.. دافنة أرسها بينهما.. جسدها ينتفض من عنف بكائها.. تسأله وهي تكاد تختنق من شهقاتها: ـ قبلتها!!..

هبط منذر أمامها وهو يحاول ضم جسدها المنتفض لصدره و أراح رأسه فوق خصالتها المنتشرة: ـ سهير.. لا تفعلي ذلك بنا.. دعينا نبدأ من جديد.. وننسى كل ما فات..

رفعت رأسها فكانت جالسة على ركبتيها في مواجهته: ـ كلا.. يجب توضيح كل شيء.. لا يمكن أن نبدأ من جديد

وهناك خيوط قوية تشدنا للخلف.. لن يستقيم الامر..

أمسك منذر بوجهها بين يديه وهو يمسح دموعها بإبهاميه:

ـ أنا أعلم

.. شهقت متفاجأة: ـ تعلم!!.. كل شيء؟

.. أومأ ب أرسه موافقاً: ـ كل شيء.. كل ما أرد اخباري به.. ولكن غروري.. منعني من الاستماع.. فزعك ل زفافنا.. نظ ارتك الضائعة ونحن معاً.. لقد فهمت.. كل شيء.. وهذا ليس خطأك..

دفعته عنها بقوة وهي تتماسك وتحاول النهوض: ف ليس خطأي.. لقد دفعتك بعيدا ألقيتك بيدي إلى امرأة أخرى لتمنحك ما عجزت أنا عنه وبعد كل ذلك.. تخبرني أنه ليس خطأي خطأ من اذا

نهض هو الاخر ليواجهها: ـ حسناً.. كلانا أخطأنا.. ولكننا نستطيع تعديل الامور و اصالحها.. نحن من نتحكم بحياتنا آخر.. وليس أحدا

هزت رأسها بعجز: ـ أنك تجعل الامر غاية في السهولة..

أمسك وجهها بين كفيه ثانية ليرفعه له: ـ كلا.. إن الامر لن يكون بتلك السهولة.. وسنواجه عقبات ومصاعب عدة.. ولكنه سمح ل أن تكوني مع رجل ِك يستحق.. زواجنا يستحق.. فأنا لن أرغب بامرأة غيرك.. ولن أ سواي.. لذلك لا حل أمامنا الا أن نصلح من حياتنا ونعمل على انجاح زواجنا..

سألته بحيرة: ـ ماذا تعني؟

.. اجابها بحماس: ـ لقد قضيت الساعات الماضية اتصفح على شبكات النت كل ما يتعلق بموضوع الختان

.. قاطعته وهي تبتسم وسط دموعها الغزيرة: ـ قضيت ليلتك بالمكتب

.. سألها بلوم: ـ أين تظنين أنني قضيتها؟..

لقد .ا خبرتك.. لا امراة لي سواك

أومأت برأسها في سعادة: ـ

كم أحبك.. أنت وحدك من تملك سعادتي و شقائي.. أحبك.. ومستعدة أن أبتعد عنك.. أن أضحي بوجودي إلى جوارك, لو كان في ذلك سعادتك

.. ضمها لصدره بقوة فشعرت كأنه يريد زرعها بين دقات قلبه.. وهمس لها بحب جارف: ـ لن أتركك تبتعدين عني.. لاصلاح ما بدا أفسدناه في حياتنا سهل جدا بخطواته هو التحدي..

وهو يسألها بتردد: ـ حبيبتي.. تعلمين أن الخطوة الاولى هي اللجوء لطبيب نفسي..

أومأت موافقة

أعلم.. وأمي منتظرة إشارة مني حتى تحدد لي موعد مع طبيبة مؤتمنة وهي على علاقة طيبة بها

.. زفر بارتياح.. فقد هونت عليه نصف المسافة..

شكر بينه وبين نفسه خالته شموس.. أنها سيدة رائعة بالفعل..

ابتسم بسعادة: ـ لقد ارحتني بشدة.. ولكن الخطوة الاخرى هي التحدي الفعلي

.. اخفضت رأسها بحرج وهي تغمغم: أعلم مدى التضحية التي ستقوم بها ـ أعلم.. لقد بحثت أنا في الموضوع. ايضاً طويالً. و لنخطو تلك الخطوة

.. رفع ذقنها بأصابعه حتى ـ هل تعلمين.. و أنا جالس في مكتبي أفكر في الامر وكيف أ انني سأدع شخصاً آ خر يخبرني كيف أعامل زوجتي.حتى ولو كان مختصاً… ولكن ما.. انتابتني الهواجس وترددت كثيرا بذلك ِلكن بعد أن دخلت إلى جناحنا لا جدك بتلك الروعة.. في كامل زينتك وروعتك.. ولكن لكل الاسباب الخاطئة.. حتى تبخر كل ترددي واختفت

كل هواجسي.. فأنا أريدك بكل تلك الروعة.. ولكن لتكوني.. سهير وليس آخر تختفين خلف قناعه

.. رمت نفسها على صدره وهي تبكي قائلة: ـ ماذا فعلت لا ستحق رجالً بمثل روعتك؟.

اجابها ببساطة:

لقد احببتينى لدرجه انك سمحت لى بجرحك حتى لا تكونى انت البادئه بجرحى كيف

تريدين مني الاستغناء عنك!!..

ثم رفع رأسها عن صدره وهو يتناول إحدى المناشف النظيفة.. ليمسح زينتها الكثيفة.. ويخبرها بهدوء: ـ هكذا.. أريد استعادة سهير خاصتي

.. ابتسمت له بحب وهي تساعده بإزالة القناع المخادع الذي حاولت االاختفاء خلفه.. فهي لم تعد بحاجة إلى الاختباء بعد الان.. فقط تحتاج للدعم والحماية الامان والحب.. الكثير من الحب.. وهو ما يمنحه لها منذر بلا حدود..

بعد مرور أربعة أشهر

… كانت سهير تسير بجانب منذر وهما متشابكي الايدي.. على كورنيش الاسكندرية.. وهي تشعر براحة لا حد لها.. راحة لم تتصور يوماً أن تعرفها

.. أغمضت عينيها بارتياح وهي تسأل منذر: ـ هل سنسافر إلى بلدتنا في نهاية هذا الاسبوع؟

.. ترك يدها ليحيط كتفها بذراعه: ـ كما ترغبين يا حبيبتي

.. اجابته بابتسامة: ـ نعم.. فأنا أفتقد نورا بشدة.

قهقه ضاحكاً: ـ نورا فقط!

..كلا بالطبع…

ولكنك تعلم كم أ نا مرتبطة بها.. ولا تنسى أن لها الفضل الاو ل في نقلك إلى فرع الا سكندرية.

. ضحك وهو يشاكسها.. ِـ أنت مخطئة.. فانتقالنا إلى هنا كان بفضل رؤوف و أفكاره

هتفت بذهول: ـ حقاً

.. اجابها بموافقة من رأسه..

فعادت تعانده: ـ ولكنه فعل ذلك من أجل نورا.. هي .. ذا صاحبة الفضل

رفع يديه باستسلام: ـ حسناً ومن أنا لاعارض.. كما تشائين

.. ابتسمت له بسعادة لم تظن أ نها ستجدها يوماً .. حتى بعد مصارحتهما, بل مواجهتها الاخيرة.. لم تكن تعتقد أنها من الممكن أن تعود لتبتسم بسعادة حقيقية وليست ادعاء أو تظاهر.. ا

سترجعت في ذهنها أول لقاء مع طبيبتها النفسية.. تلك المرأة الهادئة صاحبة الابتسامة الدافئة والنظارة ذات الاطار الفضي الانيق.. والنظرات التي تمنحك إحساس بأنك في بيتك.. لقد فهمت لحظتها لما أصرت والدتها على مقابلة تلك الطبيبة.. فهي تدعى حنان وهي بالفعل ينبوع من الحنان والاطمئنان.. بالاضافة لمهارتها الطبية.. ففي لقاءها الاول أدخلتها الطبيبة وطلبت من منذر الانتظار بالخارج..

كانت سهير خجلة ومحرجة للغاية.. لكن الطبيبة.. امتصت كل ذلك في سرعة و سهولة غير عادية.. حتى وجدت سهير نفسها تبوح بكل ما في نفسها.. حتى ما خجلت عن الافصاح عنه لامها أو منذر.. تذكرت معها تجربتها المؤلمة في الختان..

و أخبرتها الطبيبة بحزم: ولا أن تعلمي.. أنه لا عيب أن تكوني انثى جميلة.. بل ذلك يدعو إلى الفخر.. ـ أ يجب مرتان وليس مرة واحدة.. مرة لكونك أنثى ومرة لكونك جميلة.. لا تجعلي ملاحظة جدتك حول جمالك وربطك لما قامت به بذلك الجمال.. لا تخشي جمالك.. اتركي زوجك يتمتع به.. حتى بمتعة النظر له.. لا تخفيه.. أو تداري أنوثتك خلف ملابس فضفاضة.. و أنا اتكلم عن وجودك في منزلك ومع زوجك بالطبع

ثم التقطت.. أنفاسها.. وهي تخبرها بجدية

ناتى للنقطه الاهم …. حادثه الختان وما سببته لك من الالم لكن ذلك كان بسبب اتباع

جدتك لذلك الاسلوب البدائي.. بينما لو لجأت لطبيبة أو جراحة.. لمر الامر بدو ن أي ن تخطي إرادتك.. ورغبتك ِك ذكريات تذكر من جانبك.. إ لتلك الذكرى بالذات يعتمد على قوة الحقيقية في وضعها في الحجم البسيط الذي تستحقه.. مجرد تجربة و ان كانت صعبة.

ولكنك أقوى من تدعيها تتحكم بحياتك أو تفسد علاقتك مع زوجك…

لقد تكلما معاً لساعات.. حتى انتبهت الطبيبة فجأة.. وهي تخبرها بمزاح:

لقد خصصت لك اليوم بالكامل وذلك من اجل عيون والدتك ولكنى المره القادمه ياعملك كسائر مرضاى فلا يمكنى اهمالهم جميعا اليس كذلك ؟

ضحكت سهير بحرج وهي تغمغم: ـ أنا آسفة

.. ابتسمت لها الطبيبة وهي تخبرها بمودة: ـ ماذا بِك يا فتاة أنني أمازحك فحسب ـ

أنا اعلم.. ولكن لماذا تقولين أن هناك مرة أخرى؟

.. سألتها الطبيبة بطريقتها المرحة:

ـ هل سئم ِت مني بتلك السرعة!..

ثم تحولت لجدية دافئة ولكن حازمة:

ـ سهير لقد بدأنا اليوم أول خطوة في طريق العلاج.. مازال أمامنا طريق طويل.. يجب ايضاً أن يكون في مثل التزامك.. فسأطلب منه االالتزام بمواعيد الجلسات.. وعلى زوجك أ حياناً الانضمام إلينا.. هل هذا واضح؟..

أومأت سهير بموافقة صامتة.. لتكمل الطبيبة:

هناك ايضا مستشاره العلاقات الزروجيه وهى طبيه وصديقه لى ومن حسن حظك انها تقيم بالاسكندريه انت اخبرتينى انك على وشك الانتقال هناك ستبدان تلك الجلسات بعد فترة بسيطة.. فأنا أفضل أن نمر بعدة جلسات نفسية أولا.. حتى تكوني في وضع أفضل لتقبل نصائح تلك الطبيبة..

اومأت سهير مرة أخرى.. فربتت على كتفها الطبيبة برقة:

.. ـ حسنا ار ِك الاسبوع القادم

عادت سهير من ذكريات ذلك اللقاء لتمسك بيد زوجها بقوة.. ذلك الرجل الذي أثبت لها قوة حبه بكل طريقة ممكنة.. لقد تعاهدا على أن يبدآ من جديد.. وهو مازال بجوارها إلى الان يتحمل خجلها الذي لم تستطع التخلص منه بالكامل.. حتى بعد مرور شهرين على وصولهما الاسكنرية ومقابلة الطبيبة التي رشحتها الدكتورة حنان..

لقد ترددا يومها في الذهاب.. حتى أنها اتصلت بالعيادة حوالي خمس مرات لتلغي الموعد ثم تعود وتتصل لتأكيده.. كان منذر أيضاً متوجساً.. ويراقبها وهي تلغي الموعد تارة وتأكده تارة أخرى وهو صامت.. متخوف من الذهاب… ولكنه في المرة الاخيرة التي حاولت فيها إلغاء الموعد.. منعها.. وطلب منها بحزم أن تستعد للذهاب..

وكان الموعد الاول نقطة تحول.. في حياتها.. فالطبيبة كانت تحاورهما بسالسة.. وكانت في غاية الاحتراف.. وهي تضع معهما بضع قواعد لتجعلهما يتبعانها بحزم.. يومها ابتسمت باحترافية وهي تنظر لمنذر: ـ

أنا لن أفرض عليك.. طريقة تعاملك مع زوجتك.. أو أضع لك الئحة بما عليك القيام به

.. لحظتها اصطبغ وجه سهير باللون القرمزي..

فنظرت لها الطبيبة.. ثم عاودت النظر لهما معاً: ـ يجب أن اتأكد في رغبتكما القوية في التمسك بزواجكما.. وتخطي أي عقبات تقابله.. اندفعا معاً في االجابة: ـ بالطبع

.. ابتسمت الطبيبة بدفء:

ـ حسناً.. لقد درست ما أرسلته لي الطبيبة حنان بكل دقة.. واستطيع أن أخبركما الان..أن المشكلة.. ليست عويصة كما تتخيالن.. والحل منحه لنا اهلل سبحان وتعالى في كتابه الحكيم..”وقدموا ألنفسكم”..

رمقت منذر بنظرة فاحصة: ـ أعتقد أنك بدأت تفهمني يا سيد منذر.. إن تلك اللايه الصغيرة.. تعددت تفسيراتها.. ولكن ما يهمنا الان هو ما يختص بحالتكما.. هل تفهما ما أتكلم عنه؟..

أومأ منذر برأسه.. بينما التفتت الطبيبة إلى سهير:

والان يا سهير ان تقرير الطبيبه النسائيه مبشر جدا لكننى اريد منك بعض التعاون مع منذر

حاولى ان تستيرخى لا تراقبى ما يحدث بينكما تذكرى دائما انك طرف فاعل

وليس متفرجة على ما يقوم به زوجك.. والاهم.. ان ِس أن لتلك التجربة القديمة أي أثر على

. لا تجعلي من خجلك حاجز منيع بين أن الحياء ِك مشاعرك الحالية. وبين زوجك.. تذكري

أمر مرغوب في الرجل والمرأة.. ولكن الافراط فيه غير مطلوب كأي شيء آخر.. و.

. كانت سهير تشعر بلونها يتحول إلى الاحمر القاني..

ولكنها كانت منتبهة لحديث الطبيبة ومشدودة له بقوة.. فهي أخذتهما في رحلة بسيطة ولكنها مفيدة لتساعدهما على تكوين علاقة زوجية ترضيهما معاً.

وهذا ما حدث تقريباً.. لقد توطدت علاقتهما الروحية قبل الزوجية.. واتبعا تعليمات الطبيبة بدقة.. وتستطيع الان أن تقول أنها حقاً سعيدة.. هذا لا يعني أن حياتهما كاملة..

فهما مازاال يتابعان مع كلتا الطبيبتين ولكن عدد مرات ترددهما أصبح أقل بكثير عن البداية لا تنكر أنه تمر بينهما بعض الاوقات يشعران فيها بالقلق.. والخوف من العودة إلى الوراء..

الا أن الصلة الروحية التي زادت بينهما بشدة نتيجة تشاركهما تلك المشكلة.. كانت ما

ينقذهما من الوقوع في براثن الفشل.. فهما مصران على إنجاح زواجهما.. وتقو ية علاقتهما عن الجميع

.. مهما كلفهما الامر من مجهود.. ووجودهما هنا في الاسكندرية وحدهما وبعيدا ساعدهما على ذلك كثيراً

.. التفتت لمنذر بسعادة: ـ منذر.. أنني أريد بعض الترمس!..

اندفعت سهير تركض بسرعة بين طرقات المستشفى.. حتى وصلت إلى طابق الوالدة.. فوجدت.. الجميع متواجد.. والدها ووالدتها.. ورؤوف وعمتها قمر بالطبع.. ولكن ر ؤوف كانت تبدو على وجهه ملامح الرعب الشديد.. وهو يذرع ممر المستشفى ذهاباً و ياباً متمتماً ببعض الايات القرآنية

.. فاقتربت سهير من إمها التي هللت لرؤيتها وهي تحتضنها وتسألها: ـ متى وصلتما؟

.. أجابتها سهير: ـ الان.. كيف حالها؟

طمأنتها شموس: ـ لا تقلقي.. كل شيء على ما يرام..

التفتت إلى رؤوف الذي كان يحادث منذر..

وعادت ألمها: ـ إن رؤوف يبدو على وشك قتل أحدهم

. مطت شموس شفتيها: ـ فلندعو الا يقتل الطبيب.. فنورا ما زالت تحتاجه

.. كادت تفلت قهقه من سهير ولكنها تحكمت في نفسها..

وهي تعاود السؤال: ـ منذ متى هي بالداخل؟.

أخبرتك الا تقلقي..

لقد قضينا الليلة بالمشفى في انتظار اللحظة التي يقرر فيها ابن أختك الخروج إلى النور.. وهي بالداخل منذ نصف ساعة فقط..

ضحكت سهير وهي تسأل: ـ ابن!!.. لماذا يصر رؤوف على إنها فتاة اذا

تأملت شموس التغيير الذي أصاب ابنتها.. فهي أصبحت أكثر انفتاحاً.. أكثر ارتياحاً.. وبالطبع تبدو سعيدة.. أجابتها: ـ

لا تهتمي.. إنه يريد فتاة.. وهي عندما علمت أن الطفل صبي..

كانت تجاريه فحسب.. أظن أنه متأكد أنها تحمل ولده وليست ابنته ولكنه يشاكسها فحسب

.. ابتسمت سهير بمرح وهي تتبادل نظرات دافئة مع منذر الذي كان يلوح لها خفية..

وعندها انطلق صوت صراخ طفل صغير لينبأ باشراقة حياة جديدة.. تحرك رؤوف بسرعة.. نحو غرفة العمليات

فخرجت إحدى الممرضات وهي تبتسم له: ـ ألف مبروك.. لقد رزقك الله بصبي وسيم كوالده..

خر رؤوف ساجدا ه أولاً على ً ليشكر ربه على المنحة الرئعة وكذلك عبد السلام الذي حمد رب سلامة ابنته فهو كتم رعبه منذ أن علم أن نورا داهمتها الالم المخاض.. لا يريد تذكر ذلك اليوم الذي دفن فيه ابنه.. بدون حتى أن يرى عينيه مفتوحتين حتى ليعر ف ما كان لونهما..

ضحكت الممرضة بسعادة وهي تبارك لهما ثانية: ـ ألف مبروك مرة ثانية

وتوجهت لرؤوف وهي تسأله:

ـ ألا تريد أن تهنئ زوجتك بنفسك؟

اندفع رؤف نحو حجرة الوالدة.. ليجد نو ار تحتضن ابنهما.. قريباً من قلبها.. وتبدو على ملامحها معالم الارهاق الممتزجة بسعادة صافية

.. تحرك ليجلس بجوارها.. ولفها بذراعه.. ليضمها هي وابنهما تحت جناحه.. ويطبع قبلة طويلة على جبهتها..

وهو يهمس:

شكرا لك …. شكرا لك .. واسف ذلك

همست بعجب وهي تريح رأسها على كتفه: ـ لماذا الاسف؟

.. اجابها بحب لقد:ارهقك ابني حتى يخرج إلى الدنيا.

ابتسمت وهي تجيب ببساطة: ـ أحبك

.. دخل والديها عليهما وشموس تصيح:

ـ لن أستطيع الانتظار حتى تنقلوها إلى غرفة خاصة.. سأراها الان.. وماذا في ذلك.. أنها غرفة والدة.. وليست مكتب رئيس الجمهورية

.. ابتسمت نورا لوالديها واندفعت والدتها لتحتضنها:

وحمدا لله على سلامتك.. الف مبروك يا حبيبتي..

ـ سلمك اله يا أمي..

والتفتت لوالدها: ـ ألا تريد أن ترى حفيدك يا أبي؟

.. اقترب أبو ها ليحمل الطفل الصغير ويتجه نحو رؤوف الذي نهض ليقف بجانب الفراش عند دخولهما.

. مد عبد السلام الطفل لرؤوف: ـ هيا يا رؤوف.. احمل ابنك حتى يتعرف الصبي على والده..

حمل رؤوف الطفل برعب شديد.. كان خائفاً أن يسقطه.. ولكن ما أن حمله حتى فتح الصغير فمه الوردي كأنه يتثائب ثم ظهرت بسمة خفيفة على وجهه..

فصاح رؤوف: ـ إنه يبتسم لي..

هتفت نورا بغيرة: ـ لا أصدق بعد كل ما عانيته في حمله ووالدته يبتسم لك.. و أنت من كنت تدعوه بالفتاة طوال فترة الحمل.

. اجابها رؤوف: ـ هذا يعلمك أن تستمعي لكالمي المرة القادمة.. و أنا أخبرك من الان أنني أريد فتاة صغيرة

.. ارتفع ضحكات الموجودين من حولهما..

وتنحنحت الممرضة تطالب الجميع بالخر وج حتى يمكن لألم الصغيرة أن ترتاح..

قبل أن يخرج أذن رؤوف في أذن ابنه اليمنى.. وأقام الصلاة في أذنه اليسرى.. ثم سلمه لنورا كي تبدأ أولى مهامها في اطعامه.

وقف منذر وسهير يراقبان الطفل الصغير والذي بدا هادئاً كملاك صغير

.. داعبت سهير وجنته الناعمة بدفء وهي تسأل منذر: ـ هل ترى كم هو جميل وناعم

. أسكتها ـ هشششش.. ابتعدي عنه.. إن شقيقتك في الغرفة المجاورة وقد نامت للتو.. و لو علمت أ نك

السبب في ايقاظه.. قد تفتك بك

ضحكت سهير وهي تسأله: ـ ألن تدافع عني؟

.. بحلق عينيه بذعر مصطنع: خوفاً ـ أنا!!.. أواجه أختك المتوحشة.. إن الجميع يمشي على أطراف أصابعه منذ والدته منها.. ألن تعود الى بيتها؟.

ابتسمت سهير وهي تتأمل الرضيع الصغير الذي بلغ أمس شهره الاول.. ـ ستعود غدا إن شاء الهي.. إن رؤوف في غاية السعادة لعودتها ً

أجاب بوقاحة: بالطبع.. فأنا أدرك شعوره انت تلازمين شقيقتك منذ شهر كامل أنا في غاية الشوق..

صاحت به بحرج: ـ منذر.. أيها المحتال.. لقد كنت معك منذ ثلاثة أيام

. ضمها لصدره بقوة:

حقا لماذا اذا شعرت بهم وكانهم ثلاثون يوما

تملصت منه: ـ دع عبثك الان.. فوالدتي ممكن أن تدخل في أي لحظة

.. ثم أردفت بشقاوة:

ـ آه.. أعتقد إنك يجب ان تعتاد على الشوق قليلاً.. فالطبيبة أخبرتني اليوم أنني حامل فى الاسبوع الخامس

صرخ منذر بقوة: ـ حقاً!..

ارتفع صراخ الطفل مفزوعاً من صوت منذر المرتفع.. فهتفت سهير

ستقتلك نورا

.. اجابها بجدية: ـ كلا من المستحيل أن تقتل والد زوجة ابنها!

حملقت به بحيرة..

فأخبرها بحزم: ـ نعم.. أنني أريد فتاة صغيرة!..

جاء من خلفه صوت نورا وهي تخبره بنزق: ـ ألم تعلمكم التجربة يا أحفاد الجيزاوي الا تتحدوا بنات شموس!

كانت الوليمة المعدة.. للاحتفال بعقيقة

.. “نور الدين عبد الرؤوف عبد الله الجيزاوي”

يوماً مشهودا بحق .. وقف فيه الجيزاوي الكبير بنفسه ليشرف على الذبائح والموائد التي

متدت في حديقه قصره.

. وجاءت جموع الناس لتهنئ العجوز وحفيده الشاب بوريث عائلة الجيزاوي الصغير.. ابتسم عبد الرؤف..

لقد أطلق ر ؤوف على ابنه اسم نور الدين.. يعلم أنه أطلقه عليه لانه مشتق من اسم نورا.. تلك الفتاة الرائعة التي اضاءت حياة حفيده.. بعد أن عاش سنوات عجاف..

أخذ يتأمل احفاده جميعا وقد رفرفت السعاده عليهم …. وحمد ربه ان مد فى عمره حتى يرى ذلك اليوم

جاء عبد السلام ليقف بجواره ويربت على كتفه: ـ أنه يوم جميل أليس كذلك؟

.. أومأ عبد الرؤوف موافقاً.. ثم قال لعبد السلام: ـ هات ما عندك..

هز عبد السلام رأسه في أسى

ـ صح توقعك.. لقد تزوجته..

هز العجوز رأسه بحزن:

ـ لله في خلقه شئون.. حمدا أن رؤوف لم ينجب منها.. لكان اضطر أن يدفن باقي ً لله سنواته معها..

اتهمه عبد السلام: ـ أنت من زوجته اياها

.. وافقه العجوز:

ـ لقد اضطرت لذلك.. وحمدا أنها كانت تعيش في فترة تخبط فوافقت بسرعة بدون أن ً لله تحصي بدائلها وتقرر مساومتنا على ما امتلكته من ثروة العائلة

.. ايده عبد السلام:

حمدا أن رؤوف استطاع على مدار السنوات الماضية شراء ممتلكاتنا منها مرة أخرى.. ً لله وبهامش خسارة لا يذكر

ـ نعم.. لا أصدق أنني كدت أخدع بدموعها

عندما أتى رؤوف في صباح ذلك اليوم بعد ما حاولت بدناءة تحطيم سهير..

لقد ارتفع صوته عليها لاول مرة حتى أنني كدت أن أنهره على ذلك واخيرا ألقى يمين الطالق..

لقد شعرت أنه ازاح جبالً من على صدره

هز عبد السلام رأسه بأسى: ـ إنها غبية.. غبية من تستبدل رؤوف بقاسم..

قال الجد بهدوء:

ـ إنهما يستحقان بعضهما.. فقاسم ونعمات.. كلاهما أغرق نفسه في الحقد..

وقفت نو ار بجانب سهير وهما تتلقيان التهاني من نساء البلدة.. فأخيرا دخل الفرح قصر

الجيزاوي.. بعدما هجرته السعادة لفترة ليست بالقصيرة

.. لمحت نورا شقيقتها وهي تراقب زوجها بمحبة..

فاقتربت منها أكثر لتبعدها عن آذان النساء اللاتي يبحثن عن أي شائعة لتلوكها السنتهن..

وسألتها برقة: ـ تحبينه يا سهير؟

.. مسدت سهير على بطنها وكأنها تداعب طفلها وهي تجيب على سؤال نورا:

أ نت من تسألين يا نو ار!!.. أنا لا أحبه فقط.. أنا أعشقه.. ِ ـ

عادت نورا لتسألها بخوف:ها تمكنت من مسامحته؟..

ـ هل تمكن ابتسمت لها سهير بتفهم:

ـ لقد منحته السماح عن كل اخطائه الماضية والمستقبلية عندما أحببته.. أنني سامحته نعم.. منذ سنين من قبل حتى أن يجرحني.. لكن هناك النسيان.. وهو يسعى جاهدا أنسى.. وسوف ينجح بإذن الله

استمعت شموس التي كانت قريبة من ابنتيها إلى حوارهما.. وقد أدركت اخيرا مكمن قوه

سهير قد تبدوا نورا جامحه ومسيطره احيانا …. لكن القوه التى تملكها سهير اكبر بمراجل

فالقوة التي تمكن الانسان من المسامحة وغفران الاساءة ليس سهل امتلاكها..

وسهير منحت تلك القوة كما منحت الهبه لاستغلاها

. استيقظت نورا على صوت بكاء نور الدين.. فتحركت من فراشها لتجد إن رؤو ف يرفع ابنهما من مهده ويهدهده بين ذراعيه..

كما لاحظت وجود دفتر رسم كبير ملقى بجوار الكرسي المجاور للمهد

.. فسألت رؤوف مداعبة: ـ إلن تمل من رسمه؟!

ضحك بسعادة: ـ كلا.. ولكن الحل في يدك.. امنحيه شقيقة..

حتى ابدأ في رسمها لكزته في كتفه: ـ إن نور الدين عمره أربعة أشهر

فقط رفع حاجبه باستفهام:

اذا هل استخدمت العلبه الموجوده فى درج المنضده ام لا ؟

اجابته بهمس: ـ نعم استخدمتها

. سأل بأمل: ـ و…

عاد لتلكمه ثانية: وارح نفسك … اخيرا ستحصل على ابنه صغيره

وضع ابنه في مهده برقة ثم التفت ليرفعها ويدور بها في الهواء.. وهو يصرخ بسعادة

: أ خيرا . ً.. ستصبح عندي نسخة صغيرة منك

ضحكت بعبث: ـ لا أعرف إذا كنت تستطيع التعامل مع اثنين مني

.. ضمها إلى صدره وهو يمنحها قبلة طويلة.. ثم همس لها: ـ صباحك سكر

.. وضعت يدها في خصرها: ـ

الان بعد أن تأكدت أنني حامل في ابنتك تذكرت أن تمنحني تحيتي الخاصة!

نظر إلى عينيها وكل ملامحه ترسم لوحة لعاشق مغرم بحبيته

: إذا مر يوم ولم أتذكر به أن أقول صباحك سكر

وراحت اخط كطفل صغير

كلاما غريبا على وجه دفتر

فلا تضجرى من ذهولى وصمتى

ولاتحسبى ان شيئا تغير

فحين انا لا اقول : احب

فمعناه انى احبك كثيرا

تمت بحمدلله.

بقلم الكاتبة نهى طلبه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل