منوعات

اباطره الغر..ام من الخامس عشر ل العشرون بقلم ايه محمد رفعت

[٣/‏١٢ ٨:٥٩ ص] نودي: (الفصل السادس عشر)

اندفع باب مكتب أحمد فجأةً ليظهر من خلفه آسر بوجهه وعينيه المحمرتين وآثار الدموع تملؤها، اتبع خطواته نحو أبيه الذي وقف مصدومًا لرؤية حالته هكذا، همس آسر بصوت مبحوح:
_ بابا!
قطب جبينه بدهشةٍ، يتابع سير ابنه نحوه، ليحتضنه بقوةٍ و سمح بتحرر دموعه مجددًا، انفطر قلب أحمد لحالة ابنه، فسأله بقلقٍ ولهفة:
_مالك يا آسر في أيه ياحبيبي ؟!
شدد آسر من عناق والده يخشى فقدانه، وأجابه بصوتٍ مليء بالخوف و الألم :
_ماتسيبنيش يا بابا أنا بحبك اوي، متسيبنيش.
عاد يبكي بمرارةٍ أكثر، ثم رفع بصره نحو والده، وأردف بندمٍ ظاهر في صوته:
_أنا آسف مش هضايقك تاني بس ما تسيبنيش.
دُهش أحمد من حديث ولده، ليوجه بصره لعصام مستفسرًا عن حديث آسر وندمه، فقد كان يراقب الموقف بحزنٍ دفين، فأجابه بنبرة يكسوها الحزن لحالهما:
_ آسر عرف كل حاجه يا بابا.
مسح أحمد على ظهر آسر، وأخذ يهون عليه:
_ خلاص يا آسر ياحبيبي أنا كويس أهو قدامك.
كرر آسر أسفه بدموعٍ مليئة بالندم و الخوف من فقدان والده:
_أنا أسف…متسيبنيش.
ابتسامة شاحبة اعتلت وجه أحمد، ثم قام بإحتضان ابنه وبث حبه إليه منه ومن كلماته الإيجابية:
_ بس ياحبيبي، أنا روحت فين أنا معاك أهو يا آسر.
ثم أردف مازحًا ليهون عليه :
_ده أنا إفتكرت إنك عايز تخلص من أبو لهب اللي مضايقك على طول.
ترك آسر حضن والده ليندفع إلى كفيه وقبَّلهما مراتٍ عديدة، وهتف من بين دموعه:
_أنا بحبك أوي يا بابا.
_ أنا يعني يلي بكرهك يالا دا أنت ابني الصغير.
هتف بها أحمد ممازحًا إياه، ثم جفف دموع ابنه بإبهاميه، فقال خالد:
_ ألف سلامة عليك ياعمي.
_ الله يسلمك.
نظر إليهما بشكلٍ متبادل، ثم أردف بنبرةٍ تحذيرية :
_خالد، آسر مش عايز أي مخلوق يعرف حاجة.
أومأ خالد رأسه باحترام لأمر عمه وهتف آسر بطاعة:
_حاضر يا بابا، بس أنا هاجي معاك.
نظر إليه والده الذي كاد أن يعترض، فهدده بمرحٍ من بين حزنه:
_ هاجي وإلا والله يا أبو لهب إن مخدتنيش معاك لأكون مسيَّحلك هنا أنك رايح فرنسا تتفسح وتسيبنا هنا.
ظهرت ضحكة أحمد لمزاح ابنه رغم حالة الحزن التي كانت تخيم عليه، فهتف موافقًا:
_ ماشي هخدك
**********
صباح اليوم التالي، جلبةٌ كبيرة حدثت في القصر، كان العمال يعملون بجهد شديد فاليوم مميزٌ و مهمٌ جدًا لحدوث أكبر حفل خطوبة لكل من عصام وخالد الدالي الورثة لإمبراطورية وشركات الدالي، فكانت ياسمين وندى تستعدان للحفل الكبير بمساعدة فريقٍ كامل من مركز التجميل.
**************
دقَّ آسر الباب وعندما لم يجد ردًا، دخل الغرفة يبحث عن سها، فوجد على سريرها الفستان الذي سترتديه، أخذه مستبدلًا إياه بآخر قد اشتراه لها، ثم غادر الغرفة بهدوءٍ، في حين خرجت سها من الحمام تتقدم نحو المرآة تعد نفسها للحفل.
**********
وقف عصام أمام المرآة في غرفته يصفف شعره بعد أن ارتدى حلته السوداء، فبدا بها جذابًا تفوح من رائحته الخاصة بعد أن نثر عطره .
في حين ارتدى خالد بِذّلةً أنيقةً بذات اللون، وصفف شعره، فاكتملت طلته بوسامته التي لا تقل عن عصام و أخذ ينظر إلى نفسه برضًا وسعادة.
وأخيرًا تأنق آسر باللون الأزرق الذي أظهر جمال عينيه التي تشبه العسل، وبعد أن أنهى تجهيزه، نظر إلى نفسه بالمرآة وغازل نفسه قائلًا:
_ البت سها محظوظة بالجمال ده ، قسمًا بالله لو في مني نسخة كان الكوكب خرب!
***********
كانت التجهيزات و حضور المدعويين إلى حفل على أعلى مستوى، حيث حضرها أكبر رجال الأعمال والصحافة فهو حفل خطبة نجليّ عائلة الدالي.
تركزت انظار الحضور على هبوط العريسان اللذان خطفا الأنظار بوسامتهما وطلتهما الساحرة أشبه بنجوم السينما.
بعد دقائق نزل أحمد يمسك إلى جانبيه العروستين، عن يمينه ندى التي تأنقت بفستانٍ أحمر من قماش الستان يتسع عند الخصر بشيءٍ بسيط و يحيط عنقها بشالٍ من ذات اللون ، بدت كأميرة تبحث عن أميرها، عيناها تتلقف نظرات عصام الذي تسمر أمامه عند رؤية ملكة قلبه أمامه، خاصةً وعيناها الخضراء تشع عشقًا.
وعن اليسار تحركت ياسمين مع والدها بفستانٍ باللون السماوي الذي يضيق من الخصر إلى الأسفل وتبرجها الهادئ فكانت تشبه الحورية، اتسعت ابتسامة خالد لرؤياها، فأسرع نحوها تضع يده بذراعه، ثم هتف بفرحةٍ عارمة:
_ألف مبروك يا روحي.
_ الله يبارك فيك.
همست بها بخجلٍ، فهمس لها بحبٍ:
_ إيه الحلاوة دي، زي القمر ده أنتِ أحلى من القمر نفسه!
_ احترم وجودي وبعدين دي خطوبة.
هتف بها أحمد بشيءٍ من الغيرة بعد أن سمع مغازلته لابنته، فحمحم خالد بحرجٍ ونظر إليه مبتسمًا باقتضاب قائلًا:
_ الله يصلح حالك ياعمي دايمًا فاتح نفسي والله.
ابتسم والدها له مبتعدًا عنهما، ثم توجه العريسان بعروسيهما للجلوس في المكان المخصص لهم.
**********
ساعد عصام ندى بجلوسها، ثم جلس إلى جانبها يتأمل ملامحها بانبهار وهو يتمتم بسره “سبحان الله، ما شاء الله” ثم أخرج صوته بعدما لاحظ طول نظراتهما لبعض فهمس إليها:
_ إيه الجمال ده يا ملكتي! أنا حاسس إنك ملكة مش بس على قلبي على الدنيا كلها.
أنزلت رأسها للأسفل بخجل تسكته:
_متكسفنيش بكلامك!
ضحك على خجلها، وعلم أنه قد توردت وجنتيها، فقال بحبٍ يعتريه غيرة:
_ ماشي بس عشان محدش يشوف الفراولة دي اللي ليا انا بس.
***********
وقف آسر إلى جانب عمه وأبيه يراقب الحضور ، وما إن لمح سها تهبط للأسفل، حتى اتسعت عينيه وكست وجهه علامات الانبهار و عدم التصديق لما تراه عيناه من جمالها ، لكز عمه وهتف بصدمة :
_ إلحق ياعمي
فزع محمد لتنبيه آسر ، ليسأله بقلق :
_ في إيه يا بني؟!
رفع إصبعه مشيرًا نحو سها وسأله بدهشة:
_مش دي سها ولا أنا بحلم ؟!
دفعه والده بغيظٍ وهتف بسخرية :
_يعني تخض عمك كدا عشان سها وأنا مش فاهم مبحلق في ايه؟!
_ كوباية العصير .
هتف بها دون وعيٍّ، لينظر إليه عمه بحيرةٍ ثم سأله:
_ إيه؟!
_ يعمي ألحق الكوباية هتقع.
هتف بها آسر لينظر محمد إلى والده ووجه حديثه موجهًا حديثه لأحمد :
_ إبنك ده مجنون..
اتسعت ابتسامة آسر وهو يراها تقترب من الحضور، فهتف مغازلًا:
_قشطة الحلاوة دي ليا لوحدي بس مزة مزة يا بنت الإيه لازم أخد بوسة.
_ ولد إحترم نفسك إحنا واقفين ياحيوان.
هتف بها والده بحدة، لينظر إليه آسر ساخرًا:
_ياعم اتلهي أنت من ساعة ما شوفت أمال وأنت واقف مش على بعضك، ولا جيت عليا وهتعمل محترم، و أنت ياميدو عينك هتنط من مكانها على سهير إحترموا نفسكوا بقا.
تركهما وهو يلوح بيده متجهًا نحو سها، وقف قبالتها مبتسمًا ثم همس:
_ مكنتش أعرف إن الفستان هيكون حلو عليكي كدا، قمر يابت بس إيه رأيك؟ جبتهولك أزرق وأنا بدلة زرقا عشان نعمل قفلة.
ضحكت سها لتشبيهه ثم هتفت بمرح يشابه مرحه:
_لأ بس إيه الحلاوة دي يا آسورة؟!
عدّل من بذلته وهتف بغرورٍ و ثقة:
_ٱومال إيه يابنتي ده أنا آسر الدالي…
قاطع حديثهم حضور معتز الذي هتف:
_سها إزيك ؟
_ الحمد لله يامعتز أنت عامل ايه ؟
أجابته لتطمئن هي الأخرى عليه، وعند آسر تقدما رودينا منه تسأله:
_إزيك يا آسر؟
_ كويس.
هتف بها ببرود لينسحب من أمامها يمسك كف سها متجهان نحو ساحة الرقص حيث بدأ الرقص على شكل ثنائيات على أنغام موسيقى هادئة.
_تعالي نرقص.
هتف به آسر لينضم لخالد وعصام اللذان يرقص كلٌّ منهما مع عروسه.
_ بحبك ومش مصدق إنك خلاص بقيت ليا حتى لو دبلة بس ارتبطت بيكي وبقيتي بتاعتي أنا بس .
همس بها خالد وهو يراقص ياسمين، وينظر لها بعشقٍ إلى ورَّد وجنتيها، همست له هي الأخرى بخجلٍ:
_ عارف لو فكرت تلعب كدا ولا كدا والله ياخالد لوريك .
اتسعت ابتسامته لتهديدها الرقيق مثلها، ليطمئنها :
_ لا متخافيش أنا معاكي في نفس البيت يا غبية هلعب إزاي؟
توقفت عن الحركة والتمايل دقيقةً لتدرك بعدها أن حديثه صائب فهتفت:
_ آه تصدق نسيت…
ضحكت بخفوت ليشاركها الضحك وعادت تتراقص على الأنغام.
إلى الجانب الآخر ، يتحرك عصام وندى بانسجامٍ وكأنهما عشاقٌ منذ دهر، يتحرك معها عصام وعيناه تركزان عليها فقط، نظراته لها أربكتها فسألته بخجل:
_بتبصلي كده ليه؟
_مش مصدق إني حبيتك أوي كدا وإني ارتبطت بيكِ، عارفة يا ندى بعد لميس كنت مفكر إني هفضل كده مش هحب حد، ندى أنا عارف إيه السؤال يلي نفسك تسأليه بس مش عارفة أو خايفة من إجابته…
اتسعت عينيها لاعترافه وإدراك ما تشعر به، فسألته:
_سؤال إيه ؟
_ إذا كنت لسه بحب لميس أو لاء؟
سؤاله الصائب أشعرها بالخوف من الجواب، أطالت النظر في عينيه تبحث عن إجابة تطمئنها، همس بمشاعرٍ اتضحت في صوته وعيناه:
_ أنا إذا كنت حبيت لميس فكان حب لكن أنا بعشقك يا ندى عارفة يعني إيه، بسمع دقات قلبك بحس بيكي لما تكوني خايفة بسمع صوتك و أنتِ بتناديني قبل ماتتكلمي، أنا عديت مرحلة العشق بمراحل.
استمعت لحديثه وقد تبدد ارتباكها وخوفها لفرحةٍ كبيرة ، فالإجابة منحتها درجة كبيرة من الراحة و الطمأنينة لقلبها.
وعلى الجانب الآخر تعجب آسر من صمت سها وتحاشي النظر له، فهتفت متسائلًا:
_ ساكتة ليه يا سها ؟
_ أقول إيه؟
سألته وهي تتحاشى النظر إليه، فأجابها عن درايةٍ بتفكيرها :
_سها أنا بحبك وعارف أنتِ بتفكري في إيه، رودينا معدتش تفرق معايا في حاجة يا سها أنا محيتها خلاص أنتِ ليه مش عايزة تصدقي أني بحبك أنتِ؟
لم تعطه جوابًا ، فازداد قلقه وترقبه حينما سألها:
_ أنتٍ مش مصدقاني؟
بقيت على حالها صامتةً، فشعر بالغيظ لسكوتها ، فهتف منفعلًا :
_يابنتي اتقي شري أنا مجنون .
لم تحرك شفيتها حتى، ليزداد غيظه، توقف عن الحركة معها ثم انطلق إلى الميك، يوقف الأغاني التي تشتعل يقول بصوتٍ عالٍ:
_ بحبك يحبك.
وضعت يدها على فمها تردف بصوتٍ مرتجف:
_ أنزل يا مجنون خلاص صدقتك.
_انزل يا حيوان فضحتنا، وأنتِ يا أختي الواد أول ما يقولك بحبك عاملة فيها تقيلة عليه ده أنتِ هتموتي إحنا مصدقنا.
هتف بها أحمد بحدةٍ تبعتها سخرية، فنزل آسر مفكرًا في آخر ما تفوه به والده، نظر إليها بدهشة متمتمًا:
_ يقصد إيه الوالد بكلمة مصدقنا دي؟!
ابتسمت سها بخجلٍ، متذكرة خطتهم ، ثم أقرّت معترفٍة:
_ بصراحة خالو كان هو سبب خطة التغير عشان أعلمك الأدب.
_ كده ماشي يا أبو لهب الجايات كتيرة.
هتف بها آسر متوعِدًا وعاد يكمل رقصته معها.
بعد ساعات انتهى الحفل الذي حمل أسعد لحظات عاشها الجميع.
**************
في صباح يوم جديد..
هبط عصام من أعلى الدرج يتوجه نحو السفرة، يتمتم للجميع:
_ صباح الخير
أجاب الجميع بصوتٍ واحد بطريقةٍ غير مخطط:
_ صباح النور
تفحص بعينيها الجالسين، ليردف بدهشة:
_ أمال فين خالد ؟
اجابته سهير بهدوءٍ:
_ لسه منزلش ياحبيبي.
رفع حاجبيه بدهشة، ثم تمتم بتعجبٍ:
_ غريبة.
علق أحمد بهدوءٍ، ينظر نحو ابنه:
_ يمكن يابني عشان سهر أمبارح في الحفلة.
حرك رأسه بعدم اقتناع وردد وهو يعاود الصعود:
_ هطلع أشوفه.
***********
طرق عصام الباب ولم يجد استجابة، فقرر الدلوف بهدوءٍ وبالفعل ما أن دلف حتى ابتسم ثم تحولت البسمة لضحكة صاخبة وهو يرى خالد يغفو على الفراش وإلى جواره آسر يضع قدمه عليه ويبسط يده على وجهه، تقدم نحو وهو لا يزال يضحك، ثم قام بلكز خالد متمتمًا:
_ خالد خالد أنت يابني قوم اتأخرنا على الشركة..
نزع خالد يد أسر عن وجهه ثم استدار يردد بصوتٍ ناعس:
_ سبني ياعصام الله يخليك منمتش طول الليل من الحيوان ده.
عاد للكزه مرة أخرى يردف بإصرارٍ:
_ النهارده عندنا إجتماع مهم مع الوفد الإيطالي.
نهض خالد بغيظٍ منه، يمسح على وجهه بحنقٍ، يتمتم بكلماتٍ تشتعل من شدة غضبه:
_ ربنا يخدك أنت وأخوك ياشيخ أنتم حد مسلطكم عليا عايز أنام ياجدعان.
منحه بسمةً باردة ثم استدار يغادر الغرفة، يتمتم ببرودٍ وهو يقف على اعتاب الغرفة، يدير رقبته فقط يتطلع له بنظرةٍ يعلمها خالد:
_ خالد معاك ربع ساعة وتكون قدامي تحت والحيوان ده يكون قبلك تحت فاهم.
نهض من أعلى الفراش، يردف بحنقٍ:
_فاهم بس متقلبش عينك كده.
************
خرج عصام من الغرفة متوجهًا إلى غرفتها، قام بطرق الباب وحينما لم يأتيه ردها، دخل ليجدها غافلة كالطفة الصغيرة تمسك بكتابٍ بين يديه،
فتحت عيناها الخضراء بنومٍ عندما تسللت اليها رائحة العطر الخاص به، ابتسمت ندى بنعاسٍ ثم أغلقت عينيها تظن أنه حلم، ولكن قطع هذه اللحظة دلوف ياسمين تهدر بصوتٍ عالي:
_ أنتِ يازفتة كل دا نوم.. عصام أنت بتعمل إيه هنا؟!
أشار لها بأن تصمت متمتمًا بهمس :
هوش كنت بصحي ندى بس واضح إنها إفتكرته حلم!
ضحكت ياسمين بخفوتٍ، ثم اشارت له بأن يختفي مرددة بمكرٍ :
إستخبى هصحيها ونشوف رد فعلها إيه!
نالت الفكرة اعجابه فاختبئ بغرفة الملابس المرفقة لغرفتها، عادت ياسمين تنادي بعدما تأكدت من اختبأ عصام:
_ ماتقومي يابت بقا الله
ابعدت ندى يد ياسمين متمتمة بنعاسٍ:
_ سيبيني يا ياسمين!
ضحكت على طريقتها ثم سحبت الغطاء من عليها، مرددة:
_ قومي مش قولتي إنك هتروحي المكتبة تجيبي كتب وهتاخديني معاكِ!!
انتفضت غاضبة، تردد بحنقٍ:
_منك لله ياشيخة فصلتيني من الحلم الحلو ده.
ابتسمت ياسمين ثم قالت بمكرٍ :
_ حلم إيه ياندي؟!
انتظر عصام الاجابة وعلى ثغره بسمة هادئة، فاجبتها بإبتسامة وهي تلوح بيدها في الهواء بسعادة :
_ حلمت إن عصام كان هنا بيصحيني و..
تعجبت من صمتها لتسأل بترقبٍ :
_ و إيه كملي ياحبيبتي كملي؟!
تلون وجه ندى بحمرة الخجل متمتمة :
ها لا ولا حاجة.
حركت ياسمين رأسها تردف بخبثٍ :
_ فهمت.
أسرعت ندى بالحديث دون وعي:
_ لا والله العظيم ده مشى ايده على شعري بس.
انفجر كلًا من عصام وياسمين من الضحك، بينما نظرت ندى لعصام الذي ظهر أمامها فعلمت أنه بالفعل كان موجود ولم يكن حلم، هتف من بين ضحكاته:
_ مكنش حلم حبيبتي أنا قدامك أهو مادام حلم جميل أوي كده مستعد أصحيكي كل يوم.
حمحمت ياسمين تردد بمرحٍ:
_ أحم أحم أحنا واقفين إحترموا نفسكم شوية.
أمسك عصام ياسمين من تلابيب ملابسها يردف بغيظٍ :
_ بتقولي لمين يابت يحترم نفسه
امسكت بيده في خوفٍ، تردد بتوترٍ:
_عيب كدا يابوص ده أنا لسه مساعداك دلوقتي لحقت تنسى.
تطلع لها ببرودٍ، ثم اردف بصوتٍ أخافها:
_ اوك هسيبك المرادي بس عشان ساعدتني.
رفعت ياسمين سبابتها في الهواء، تدعو قائلة :
_ ربنا يكتر من أمثالك يابني.
تحرك عصام نحو الأسفل متمتمًا بعدما تطلع للساعة:
_ أنا نازل أفطر عشان متأخرش باي.
أغلق الباب خلفه وما أن استدارت ياسمين حتى وجدت عصا مرفوعة أمام وجهها، نظرت لها بتوترٍ وإلى ندى التي تمسك بها، ثم صرخت وهي تركض ما أن اقتربت منها ندى :
_ عيب ياندى ده أنا حبيبتك.
ركضت خلفها وهي تصيح بحدة:
_ده أنتٍ واقعتك سودة أنا يابت تعملي بيا الجلاشة.
علقت ياسمين وهي تركض بسخطٍ :
_جلاشة إيه إحنا ده محل حلاويات
ركضت خلفها بسرعةٍ أعلى من ذي قبل في حين حاولت ياسمين الفرار منها مشيرة لها بتعبٍ:
_ ياندي يا حبيبتي ده خطيبك وعارف إنك واقعة مش جديدة!
اتسعت عينيها بصدمةٍ ثم قالت بأعينٍ مشتعلة:
_ انا واقعة تعالى هنا والله لازم العصايا دي تسلم عليكي النهاردة.
***********
_ قوم ياحيوان أنت إيه مانمتش بقالك سنة ده أنت نايم طول الليل وعجبك السرير أوي كل شوية تزقني من على السرير هو ضيق ياحيوان.
قالها خالد بغيظٍ شديد منه، في حين نهض آسر يفرد ذراعيه باريحية، يردد ببسمةٍ اثارت غضب خالد :
_صباح الخير يا خالود.
اجابه خالد بحنقٍ، ينظر إلى ساعته:
_صباح الزفت على دماغك قوم خلص إتأخرنا خمس دقايق كمان وهتلاقي عصام جايبك من قفاك
نهض آسر وأسرع على الحمام يغسل وجهه وهو يركض، يردف بهلعٍ:
البوص مفيش عنده هزار.
رمقه بنظرةٍ غاضبة، فنظر آسر نحو خالد الذي يبحث في الخزانة عن قمصيه، ليردد بتعجب :
_هو أنت بتعمل إيه؟!
اجابه وهو يرفع الملابس عن مكانها لعله يجده:
_بدور على القميص الأسود مش عارف فين؟!
اجابه آسر بسخطٍ، وهو يغير ثيابه:
_عشان أنت غبي القمصان مش في الدلفة دي في التانية
تطلع خالد نحوه بغضب، ثم قال بحدة :
وأنت عرفت أزاي؟!
اجابه آسر، يربط رابطة عنقه:
_ مش بقولك غبي أنا طلبت من الخدم ينقلوا القمصان في الأول.
_ ليه
اندفع بها خالد ليجد اجابة مستفزة من آسر:
_عشان أحفظ المكان وأعرف ألبس.
اندفع نحوه ثم جذبه من القميص يهدر بعصبيةٍ :
_ يعني أنت استوليت على سريري وهدومي كمان يا حيوان.
أفلت آسر يد خالد ثم قال بحنقٍ:
_سيب القميص أوعى هضطر أقلعه إتكسر
تمتم خالد بإستفزازٍ:
_تستاهل يلا سلام يا أسورة.
حاول آسر اللحاق به متمتمًا:
_أستنى يا خالد.
هبط خالد من غرفته يجلس على الطاولة التي يجتمع بها الجميع، ثم نظر للطاولة ليجد سها فقط من تجلس فتساءل بدهشةٍ:
_فين ياسمين وندى؟!
اجابته بحيرةٍ:
_مش عارفة والله أنا لبست وقاعدة أستناهم عشان خرجين.
أتى الرد على سؤالٍ دار برأسه أحمد، حينما ارتفع صوت صراخ ياسمين، فنهض الجميع ينظرون نحو مصدر الصوت ليجدوا ندى تركض خلفها بالعصا، صرخت ياسمين بألمٍ:
_إهدي يا نادو والله ما هعمل كده تاني إلحقني ياعمي.
تعجب محمد مما تفعله ندى، ليتسأل بصدمة:
_ في إيه؟!
ترك عصام الحاسوب الخاص به ونهض في حين أسرع خالد نحوهما لتحتمي ياسمين خلفه، تعالى صوت ندى قائلة:
_ بصي هتضربي هتضربي هي خلاص كبرت في دماغي.
بقيت ياسمين خلف ظهر خالد قبل أن تمسكها ندى في حين صرخت ندى بغيظٍ بعدما فشلت بالوصول إليها:
_ أوعى يا خالد
هدرت ياسمين برفض يعتريه الرعب :
_ لا ياخالد دي إتجننت هتموتني.
أمسك خالد بالعصا التي تمسك بها ندى ثم قال بدهشةٍ :
_ندى خلاص سيبي البتاع اللي في إيدك ده.
نظرت سهير لها بحدة، ثم قالت بضيقٍ:
_ ندي إرمي الزفتة دي.
عبست ملامح ندى بضيقٍ، ثم قالت بتذمر:
_ يامامي بس…
قاطعتها ياسمين تردد بتأيد:
_ أيوه إسمعي كلام أنطي وإعقلي يا ندى.
نظرت ندى لها بحدة، ثم قالت بغيظٍ:
_ ليه حد قالك إني إتجننت طب تعالي بقى!!
هبط آسر سريعًا من غرفة خالد يبتسم ببلاهةٍ متمتمًا:
_إيه ده خناقة..
تقدم نحوهم يردف بجدية زائفة:
_ أنا عايز أعرف إيه اللي بيحصل بالظبط؟!
اجابته ياسمين بإصطناع البراءة:
_ أنا راحية أصحيها لقيتها بتجري ورايا بالعصايا زي ما حضرتك شايف.
نظر آسر لها بتعجبٍ، يتسأل بدهشةٍ :
_ليه إيه اللي حصل ؟!
اشارت ياسمين نحو ندى ببراءةٍ ممزوجة بمكرٍ متمتمة:
_ أسألها هي أنت بتسألني أنا!!
نظر آسر نحو ندى ثم باغتها بنفس السؤال:
_ليه بس كده يا ندى دي ياسمين بتحبك وعلى طول بتشكر فيكٍ حتى كانت بتقول أمبارح أنك مجنونة ومتخلفة عقليا و أزاي عصام قبل يتجوز واحدة زيك!
_إيه !!
قالتها ندى بصدمةٍ، في حين أكد آسر حديثه ثم نظر نحو ياسمين قائلًا:
_أيوة وندى بتحبك جدًا يا ياسمين ده حتى كانت بتقولي إنك متكبرة جدًا وشايفة نفسك وهي مستحملاكي بالعافية.
حدقت كلًا من ندى وياسمين بصدمة ثم ظهرت علامات الشر على ملامحهما، تركت ياسمين خالد ثم انقضت على ندى التي بدأت بضربها بعنفٍ، اتسعت عين عصام وخالد وحاول كلاهما سحب شقيقته ولكن لم يجدوا فائدة، هتف خالد بمحاولة سحب شقيقته:
_بس يا ندى إهدي ياحبيبتي.
ليرتفع صوت عصام هو الأخر :
_بس يا ياسمين سيبي شعرها هيطلع في إيدك.
صفق آسر بسعادة، يردد بشرٍ :
_ قشطة ولعت.
ثم جلس يحتسي العصير بتلذذٍ، ارتفع صوت محمد بغضبٍ:
– بس كفاية.
توقف كلًا من ندى وياسمين يستمع الجميع لصوت أنفاسهم، غمغم أحمد بتهكم:
_ سيبهم يا محمد كملوا ما أنتم مش عاملين إحترام لحد.
هتف آسر بتأكيد:
_ لاء.
حدجه أحمد بنظرة نارية، ثم قال:
_ إخرس أنت ياحيوان.
منخه عصام نظرة متوعدة، يردد بهمسٍ مخيف :
_حسابك بعدين.
ابتلع آسر لعابه بخوفٍ، في حين هتفت ندى بتذمر:
_ياعمي ما..
قاطعها أحمد بحدةٍ :
_ مش عايز أسمع أي كلمة فاهمين!
جلسوا جميعهم على السفرة ليتناولوا الفطور، ولكن رفضت ندى الجلوس بجانب ياسمين فجلس خالد بجانب ندى وعصام بجانب ياسمين ثم شرعوا بتناول وجبة الإفطار بهدوءٍ.
نظرت ندى إلى ياسمين في حين لاحظت ياسمين نظراتها وفجأة إنفجروا في الضحك، دهش الجميع ، لتردف سهير بيأسٍ إلى خالد وعصام:
_ ربنا معاكوا ياحبايبي هتتجوزوا مجانين.
وزع كلًا من خالد وعصام نظراته على هاتان المجنونتان ثم قالت ندى بضحكٍ عالي:
هو أنا جبت العصايا دي منين!
اجابتها ياسمين بضحك هي الأخرى :
_ أنا اللي كنت عيناها عندك عشان آسر بيضربني بيها.
اندمج أحمد بالضحك على طفلتاه اللتان لن يستطيعان أن يتباعدا عن بعض دقيقة واحدة.. يتشاجران ثم يعودان بنفس اللحظة.
نهضت ياسمين تتوجه محو خالد مرددة:
_قوم يا خالد أرجع مكانك مش بعرف أكل إلا جنب ندى.
رد خالد بسخطٍ :
_ وكان فين الحب ده لما كنتوا هتموتوا بعض من شوية!
احتضنت ندى ياسمين ثم أردفت بحبٍ :
_ سيبك منه و أقعدي.
ضرب محمد كف بالأخر، يردد بتعبٍ من جنونهما:
_ لاحول ول قوة إلا بالله العلي العظيم.
تمتم آسر رافعًا حاجبه بدهشةٍ ممزوجة بضيق :
_ إيه ده أنتم كده أتصالحتم خلاص!
ضرب خالد مؤخرة رأس آسر يردف بتهكمٍ:
_ آه يا أخويا انت ما بتصدق تلاقى مشكلة عشان تولع الدنيا.
حرك آسر رأسه في ايجابية متمتمًا بسعادة غريبة:
_بعشق الخناقات بمووت فيها.
سحبه عصام من قميصه يردد ببرودٍ:
_طب يالا ياخفيف أتأخرنا.
ركض آسر خلفه يردف بإعتراضٍ:
_يابني حرام عليك برستيجي قدام خطيبتي!!
اشاحت سها بوجهها ثم قالت وهي تلوك الخبز بفمها:
_ عادي يا بوص خد راحتك.
نظر لها آسر في غيظٍ، ثم قال بضيقٍ :
_واطية من يومك ده بدل ما تقومي تضربيه!
علقت سها ساخرة :
_ مستغنية عن عمري أنا.
*************
دخل عصام مكتبه ثم جلس على مقعده، ثم بدأ يباشر عمله ولكن أقتحم آسر المكتب فجأة يردد بسرعةٍ:
_ إستخبى بسرعة يا بوص.
انتفض عصام بعصبيةٍ منه، ثم قال بحدةٍ :
_ عايز إيه يا زفت أنت!
_ الحق عليا جاي ألحقك
قالها آسر بنبرة قوية يعتريها التزييف، في حين ردد عصام بسخطٍ:
_من إيه يا أخرة صبري!
ردد آسر ببلاهةٍ:
_ أحمد السيوفي برة وشكله ناوي يخلص عليك فقولت أجي أقولك بدل ماتتقتل والشبح بتاع سيادتك يطاردني تبقى معكنن عليا دنيا وآخره.
قطب عصام جبينه بدهشة، ثم قال بهدوءٍ :
_أحمد السيوفي وهو فين ؟
اجابه آسر سريعًا:
_ في مكتب أبوك.
ارتدى عصام سترته ثم ذهب نحو مكتب أحمد الدالي ليرى ما الذي يحدث!
***************
انتفض أحمد من مكانه بصدمةٍ من اقتحامه المفاجئ، وردد بعصبيةٍ:
_ في إيه؟ أنت أزاي تدخل عليا المكتب بالطريقه دي!!
ردد أحمد السيوافي بانفعالٍ:
_ أسمع يا أحمد يادالي أنا صبرت عليك أوي بس لحد كده وفوق، حصلت إن إبنك بيشغل جواسيسه يجبوله كل أخبار شركتي!
ضرب أحمد مكتبه بحدة، يردد بغضب:
_ إخرس إبني عمره ما يعمل كده.
رفع حاجبه باستنكارٍ، ثم قال بنبرةٍ مخيفة:
_ انا جيت ابلغك، خليه يعقل بدل ما أخليه يندم.
_ و هو يقولي ليه ما أنا سامع كل حاجة من الأول.
قالها عصام وهو يدلف إلى المكتب بثقةٍ واضعًا يده بجيب سرواله، استرسل حديث بهمس فحيح يقترب منه بدرجة مخيفة:
_ إعتذر لوالدي على صوتك العالي!
نظر له بتهكمٍ ثم قال بغرورٍ:
_ أحمد السيوافي مبيعتذرش أنت فاهم!
هدر عصام بصوت غاضب:
_ أعتذر.
توتر أحمد السيوفي من نظرات عصام التي تحولت تمامًا، زرقة عينيها تحولت موجًا هائج، ردد أحمد من بين أسنانه عندما رأى بروز عروق يده عصام:
_ آسف
ابتعد عصام عنه يردف ببرودٍ:
_أحمد ربنا إنك قد والدي عشان كده هتخرج على رجليك حي و إلا وقسمًا عظمًا لكنت خرجت من هنا على نقالة.. بس إن عيدت الغلطة دي أوعدك إنك هتخرج من هنا للمقبرة على طول أنا مش محتاج أزرع جواسيس أنت اللي زرعتهم بإيدك.، مطلعتش بني آدم ذكي للأسف بره و إلا هطلب الأمن يرموك رمية الكلاب غور!
خرج أحمد السيوافي وهو يتوعد لعصام بغلٍ، في حين دلف كلًا من محمد وخالد، ليتسأل محمد بدهشةٍ :
_في إيه يا أحمد الراجل ده كان هنا ليهم؟
تمتم خالد بقلق:
_فهمنا يا عمي في إيه؟!
نظر لهما أحمد مجيبًا بدهشةٍ :
_ إذا كان أنا مش فاهم هو بيتكلم عن إيه شركة إيه وجواسيس إيه ؟!
تنهد عصام ثم اجابه بتوضيح:
_ هفهمكم على كل حاجة ببساطة كده إحنا كسبنا المناقصة اللي قصاد أحمد السيوافي.
قطب أحمد جبينه بدهشة، ثم قال بتساؤل:
_بس إحنا مانزلناش في المناقصة أنت ياخالد مش إنسحبت!
أجابه خالد ببسمةٍ على دهاء صديقه:
_ أيوة.
_ أنا مش فاهم حاجة!
قالها محمد بعدم فهم، في حين اجابه خالد بهدوءٍ :
_ بابا إحنا إتنازلنا عن المناقصة دي بإسم شركنتا و شركة جديدة هي اللي كسبت.
نظر أحمد بتعجبٍ أكبر، يتمتم بحيرةٍ:
_ أمال أحمد ده جاي لنا ليه؟!
اجابه عصام بمكرٍ:
_عشان ببساطة أنا وخالد اللي عملنا الشركة دي.
علت الدهشة على وجه كلًا من محمد وأحمد ليسترسل عصام حديثه:
_يعني هي دلوقتي بقت تبع إمبراطورية الدالي.
نظر لهما محمد بانبهارٍ، ثم قال بفخرٍ:
_ ياولاد الإيه دي ضربة معلم يعني أنتم واهمتوه أنكم إنسحبتم من المناقصة بس أنتم دخلين بورق جديد وشركة جديدة!
حرك خالد رأسه، يؤكد حديث والده:
_بالظبط كده.
****
في المكتبة..
وقفت سها بتعب بعدما ساروا لوقتٍ طويل بالمكتبة كي يجدوا الكتاب، تردد بجوعٍ:
_حرام عليكم أنا جعت كفاية لف.
أمسكت ندى بكتابٍ أخر تراه، ثم رددت بإصرار :
_ لازم ألاقي الكتاب ده!
نظرت ياسمين محو سها تعلق على حديثها بسخطٍ :
_أنتٍ دايما جعانة كده!
ضحكت ندى على تعليق ياسمين ثم قالت من بين ضحكه:
_سيبك منها روحي دوري في الركن التاني لو لقيته قوليلي
حركت ياسمين رأسها، تردد بإيجاب متجه نحو هذا الجانب الذي أشارت عليه ندى:
_ أوك.
انطلقت ياسمين لهذا الركن، فاصطدمت بأحدٍ دون قصدًا منها، استدارت لتعتذر عن خطأها هذا،فصعقت حينما وجدت من يقف قبالتها!
…… يتبع……
[٣/‏١٢ ٨:٥٩ ص] نودي: (الفصل السابع عشر)
حدجته بارتباكٍ وخاصة حينما ردد ببسمة ماكرة:
_ ياسمين إزيك عاملة إيه؟
هتف بها آدم من خلفها، فنظرت إليه، ثم أجابته باقتضاب:
_ أنا كويسة عن إذنك.
أوقفها آدم بسؤالٍ آخر:
_ استني هو أنتِ لسه زعلانة مني ؟
_أنت مكنتش تعرف إننا بنحب بعض، على العموم حمد لله على السلامة، عن إذنك.
هتفت بها بنبرتها المقتضبة لتنسحب من أمامه، وقف مكانه يحدث نفسه بخبث:
_ماشي يا خالد، حسابك ثقل معايا أوي، بس أنا هاخذ منك أغلى حاجة في حياتك وقريب أوي كمان…
**********
تحرك مقبض الباب يُفتح فجأة ليطلَّ آدم من ورائه هاتفًا بمرح:
_ممكن أدخل؟
نهض خالد من مكانه مبتسمًا ليرحب به قائلًا :
_ آدم أنت رجعت أمتى؟
_حالا وقولت آجي أسلم عليك الأول وبعدين أروح أحجز في أي أوتيل.
أجابه آدم مداعيًا ابتسامته ومرحه ، ليستنكر خالد قوله ويهتف بكرم طبعه:
_أوتيل وقصر الدالي موجود؟!
ثم أضاف بلهفة شوق :
_ده أنت متتصورش واحشني قد إيه؟ بقى يا حيوان تسافر ولا حتى ترفع سماعة التلفون وتقول أما أكلم صاحبي أشوفه عامل إيه، ولا حتى أباركله على الخطوبة.
ابتسم آدم بمكرٍ دفين لم يلاحظه خالد، وهتف بحماس مصطنع:
_ما أنا نزلت مخصوص عشان أباركلك بنفسي.
_حبيبي يا دومي.
هتف بها خالد معانقًا إياه ليضحك آدم وقال:
_قولت بلاش الإسم ده.
دخل آسر مندفعًا للداخل ، يهرول في خطواته وهو يصيح دهشة:
_آدم أنت رجعت امتى ؟
_ حالًا، أنت عامل إيه يا اسورة؟
هتف آدم بمرح ليجيبه آسر:
_ أحسن منك يا أخويا.
وجه آسر بصره لخالد ثم أردف إليه:
_ في حتة موزة برا حاجة كده تحل من على حبل المشنقة عايزة تقابل البوص.
_ أنت مش هتعقل خالص؟!
هتف خالد بيأسٍ بعدما استمع إليه ليجيبه آسر بذات المرح المرافق له:
_ده لو أنا عقلت أُمال مين اللي هبيقي مجنون.
_ أنت جاي عشان تقول المعلومة الخطيرة دي؟
قالها وهو ينظر له بعد أن أشار لآدم بالجلوس، فحرك الآخر رأسه نافيًا، ليهتف مجددًا بحدة:
_ أنت هنتقطني ما تخلص.
_ بصراحة أنا مستخبي هنا من أبوك .
قالها بصوتٍ منخفض قليلًا، وهو يراقب حركة الباب خوفًا من دخوله المفاجئ ، ليهتف خالد باستغراب :
_أبويا… ليه ؟!
بدأ آسر يشرح ما فعله وكأنه شيءٌ بسيط ، استفز خالد :
_أصل أنا كنت رايح على مكتبي ولقيته قاعد مركز أوي على اللاب فقولت لازم أسورة ياخد وضع المراقبة ليكون بيكلم واحدة ولا حاجة إن كان كده أقوم بالواجب مع سهير عشان تفوق…
_ولقيت إيه يا أستاذ آسر ؟
هتف خالد بسخرية ليجيبه الآخر ضاحكاً :
_ الراجل قاعد على اللاب من الصبح بيكتب ملف للصفقة وبيحاول يحفظه، قومت أنا إيه قولتله هات أنسخهولك
_وطبعًا كالعادة عملت كارثة؟
أجابه آسر بلامبالاة وهو يرمي بجسده على الأريكة:
_لا ولا حاجة الملف أتمسح.
_ نهارك مش فايت.
هتف خالد بصدمةٍ ليلمح آسر بعدها يشير إليه ويقول :
_ماهو ده نفس الكلام اللي أبوك قاله قبل ما يتجنن .
_غور يالا من وشي أحسنلك.
هتف بها خالد بعصبية لما فعله هذا الغبي وللا يبالي له، في حين ضحك آدم ضحكته باردة وهتف بسخرية:
_ لسه زي ما أنت كل يوم كارثة؟
نظر إليه آسر باشمئزاز ، و ردّ إليه سخريته:
_ وأنت لسه زي ما أنت بارد.
قاطع خالد حديثهم عندما أخذ مفتاح سيارته وهتف لآدم :
_ يلّا يا أدم تعال زمانك جاي تعبان من السفر .
تحرك آدم معه ونظر إلى آسر بنظراتٍ مستفزة وحدثه بسخرية :
_سلام يا أسورة.
نفث آسر بضيقٍ و هتف بنفور :
_ أسورة في عينك ، عيل رزل.
لم يُعيرله انتباه فما في داخله رغبةٌ خبيثة لكونها للمكوث في قصر الدالي، التي تحققت و بذلك سيسهل عليه تنفيذ مخططه.
***********
كان يهدئ من غضب عمه بعد كارثة شقيقه، أخبره مطمئنًا إياه :
_ اهدى يا عمي أنا هكتب الملف تاني مفيش مشكله.
_الواد ده غبي أوي.
هتف بها محمد، ليبتسم عصام بسخرية داراها بحديثه :
_أنت عارف أنه غبي بتدي له الملف ينسخه ليه ؟
_ ده هو إللي عامل فيها أبو العُريف و أنا أقوله هتعرف يا آسر يقولي عيب يا عمي، أوعي يا آسر يقولي متخافش ، الظاهر إن كان لازم أخاف وأنا معرفش.
لم يتمالك عصام نفسه لينفجر ضاحكًا ، ثم قال من بين ضحكاته:
_ متزعلش هجيبلك حقك.
**********
جلس آسر في مكانه يستمع إلى حديث الموظف الباكي، ليمد الآخر يده تحمل منديلًا إليه، وهتف باشفاق:
_خد خد بس متعيطش طب مراتك دي تعبانة من إيه؟
تابع الرجل كذبه المصحوب بدموع كاذبة :
_مراتي و إبني الإتنين.
تعاطف لحالته تلك وهتف باشفاق :
_ متعيطش ياعم خلاص والله ماهقول للبوص ده ظالم ومفتري، متقلقش أنت أتأخر كل يوم عشان مراتك وإبنك وأنا هغطي عليك وطول ما أنت ماشي يا إبني ادعي عليه حسبي الله ونعم الوكيل فيك ياعصام يا ابن آمال… لا بلاش أمي قول ياعصام يا ابن أبولهب.
خلف الباب و في هذه اللحظات، كان عصام يستمع لما يُقال منذ بداية حديثهم.
هتف الرجل يشكره :
_متشكر يا آسر بيه ياريت الباشا كان طيب كده في تعامله معنا، إنما هو قاسي ومعندوش تفاهم عكسك أنت ذوق أوي.
ابتسم آسر لإطراء الرجل ثم هتف :
_ميرسي يالا أمشي بدل ما يقفشك.
_متخفش أنا قفشتكم أنتم الإثنين.
هتف بها عصام وهو يتقدم نحوهما ليفزع كلاهما بخوفٍ منه في حين برر الرجل بخوف شديد منه :
_ عصام باشا أنا…
_ أنت مرفود برا.
هتف بها عصام بكل ما لديه من برود أوجل الرجل ليندفع مكررًا تبريره :
_يا فندم أنا…
قاطعه عصام بصرامةٍ مخيفة :
_ الكلمة بقولها مرة واحدة بس… تاني مرة مش بتكلم، إيدي هي اللي بتتكلم.
انسحب الرجل مذعورًا من نبرته المخيفة، فانفعل آسر بحدة:
_ أنت طردته ليه يامفتري، حرام عليك ياشيخ مفيش في قلبك ذرة رحمة؟
_لا.
ردد بها بسخرية ثم انقض عليه يقبض قميصه رافعًا إياه وغادر به إلى مكتبه تحت صيحات آسر معترضًا:
_لا فوق مش انا اللي يتعمل فيا كده.
نظر إليه نظرة مميتة، وهتف بفحيحٍ مرعب :
_بتقول حاجة يا آسر؟
_ يابني عشان برستيجي قدام الموظفين يعني يقولوا إيه لما يلاقوا المشرف عليهم مسحول كده عيب؟
برر بخوف، فابتسم عصام ابتسامةً ماكرة اابعها قوله:
_ هيقولوا أخوه الكبير بيربيه.
وقام بجذبه للمكتب ومن ثم حمله لسقف الغرفة من بذلته، وجلس ببرود يكمل أعماله وكأن شيء لم يكن ، فصرخ اليه مستغيثًا:
_نزلني. يا عصام نزلني.
أكمل أعماله وكأنه غير موجود ولا يبلي له ، طرقات الباب ترتفع ، دخل والده يسأله :
_عصام أنت خلصت العقود اللي همضيها قبل ما أسافر ؟
رفع رأسه يحركها بايجابية ثم أردف بقوله:
_ أيوه يا بابا كل حاجة جاهزة على مكتب حضرتك.
ابتسم والده إليه ثم شكره داعيًا له:
_الله ينور عليك يا ابني و….
قطع كلماته آسر الذي يهتف بتوسل لمساعدته :
_إلحقني يا أبو لهب.
تلفت حوله باحثًا عن مصدر الصوت، فآتاه الجواب من الأعلى:
_ بص فوق
نظر أحمد للأعلى و ظهر الاندهاش واضحًا على ملامحه ليسأله بتعجبٍ:
_ آسر إيه إللي طلعك عندك كده ؟!
_طالع أتفسح تيجي تتفسح معايا.
هتف آسر بسخرية، فأجابه والده بسخطٍ مماثل:
_ لا يا حبيبي شكرًا لذوقك، أنا مبسوط على الأرض.
تابع خطواته مغادرًا، فصرخ آسر به:
_ إستنى رايح فين فكني..
رجع أحمد بخطواته ووقف أمامه ثم رفع نظره إليه متحدثًا بخفوت :
_ أخاف أقوله يفكك ينزلك ويعقلني مكانك خليك كده أحسن.
_أخص على رجالة العيلة.
هتف بها باستنكارٍ، فضحك وغادر المكان دون أن يعبئ به، ارتفع صياح آسر وتهديده:
_نزلني يا عصام أحسنلك.
_ بطل دوشة مش عارف أركز منك.
هتف بها ببرودٍ ولا يزال يتابع عمله، فصاح بحنق :
_حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا شيخ.
دُقّ باب المكتب مجددًا و دلف عددٌ من الموظفين. حدّثهم عصام بجديةٍ وصرامة:
_ أنا مش عارف أيه كمية الاخطاء دي، الملفات دي تتراجع وتكون على مكتبي خلال نص ساعة.
_حاضر يافندم.
هتف بها أحد الموظفين بهلع، ثم انسحبوا بعدها إلى الخارج لكنهم توقفوا فجأة عند ملاحظتهم لآسر المعلق، شعر بتوتر أزاحه بمرح خلال حديثه:
_ أزيكم ياحبايبي عاملين إيه؟ أصل مفيش شبكة تحت قولت أشوف هنا.
هتف عصام ولم يرفع نظره من على حاسوبه:
_لو خلصتم فرجة ياريت كل واحد يروح على مكتبه يشوف شغله أحسن أعلقه جنبه.
ما إن أنهى حديثه حتى اختفوا من المكتب، فهمس بسخط :
_ أبو شكلك راجل ظالم بتفتري على الأضعف منك .
_بتقول حاجة يا آسر؟
هتف عصام من الأسفل بنبرةٍ تحذيريةٍ أربكته، جعلت الآخر يجيب بخوف:
_لا ده أنا بدعيلك ياحبيبي.
وتمتم داخليًا:
_ بس هو خالد اللي هيقدر للواد ده.
**********
_إعتبر البيت بيتك يا آدم.
كرر خالد بها ترحيب بصديقه، بعدما جلسوا معًا على طاولة الطعام لتناول الغداء ، فشكره الآخر بودّ :
_ مش عارف أقولك إيه ياخالد متشكر جدًا.
_مفيش شكر بين الصحاب
رد بها خالد مبتسمًا، في حين قالت سهير وهي تمد إلى آدم بـ “زوج حمام” مشوي قائلة:
_كل يا آدم ياحبيبي أنت محروج ولا إيه؟
اجابها ببسمة هادئة:
محروج فين يا طنط ما أنا باكل أهو.
اضاف خالد ساخرًا:
_كل ده ومش بياكل أُمال لو بياكل هياكلني أنا بقى.
إنفجر الجميع ضاحكًا على حديث خالد، لينظر إليه آدم بغيظ وأشار لوالدته قائلًا :
_شايفة إبنك يا طنط.
_ بس يا خالد .
هتفت بها سهير محذرة إياه وهي ترفع الشوكة في وجهه، فقال خالد بيأس:
_ أنت بتاخد أمي في صفك على طول .
فجأة دقَّ جرس القصر، فأسرعت هنية لفتح الباب، والذي ظهر من خلفه بنات عائلة الدالي، وعلى رأسهن ندى التي هتفت بمرح:
_ إيه يانونا كل ده عشان تفتحي.
ضحكت ياسمين لتستفز ندى وهتفت بمكرٍ بعد أن غمزت لسها:
_ تلقيها لما عرفت إن أنتِ مكنتش عايزة تفتح.
صدحت ضحكة سها على مكر ياسمين، وهتفت وهي تضرب كفها بكف ياسمين:
_عسل يا ياسو.
_ كده شكلكم عايزين علقة من بتاعت الصبح.
هتفت بها ندى محذرة، لتتذكر كلتا الفتاتين ما أصابهما منها، في حين هتفت ياسمين بذعر:
_عيب كدا يا سها دي ندوش قمر.
_ أيوه كده اتعدلي.
هتفت بها محذرةً لكلتيهما، ثم التفتت إلى هنية وسألتها :
_ مامي فين ؟
_ احنا هنا .
صوت أخاها يصدح من المجلس، اتجهت ندى اليه، غير منتبهة لنظرات ذلك الوقح ذو النظرات القذرة وقالت:
_ أنت جيت امتى؟
اجابها ببسمة هادئة:
_ من نص ساعه كده.
ردت عليه باستغراب:
_ ليه؟
لتسمع الجواب من خلفه:
_ كان بيوصلني
انتبهت ندى لذلك الصوت الغريب الذي اخترق أذنيها التفتت تنظر إليه، ثم نظرت لشقيقها تسأله بصوتٍ خافت :
_ خالد مين ده ؟
وكأنه سمع حديثها لينهض من مكانه مقدمًا عن نفسه:
_ اسمي أدم صديق خالد .
_هو أنت بقى آدم أهلا.
هتفت بها مرحبة، ثم قال متسائلًا عن هويتها :
_وأنتِ مين؟
_أنت عندك فقدان ذاكرة مش فاكر ندى اختي.
قالها خالد بسخرية، جعلت آدم يتحدث باندهاش :
_أنتِ ندى؟ بجد آخر مرة شوفتك كان من أربع سنين تقريبًا.
اوضحت له:
_ لأني كنت مسافرة أمريكا بكمل دراستي.
برر آدم نسيانه متغزلًا بجمالها :
_ عندي حق أتوه أنتِ أحلويتي أوي؟
_ لا عندك البوص لو سمعك يجيب رقبتك دي تخصه.
تدخل خالد محذرًا إياه بمرح، تعجب آدم متسائلًا:
_ تخصه إزاي ؟!
_ يبقى خطيبي.
هتفت بها ندى بفخرٍ، في حين ازدادت دهشة آدم مما قالته، ليردف بدهشة :
_ بس عصام كان خاطب لميس…
_ الله يرحمها.
نطق بها الجميع، لتتسع عيناه غير مستوعبًا التغييرات التي لحقت بالعائلة:
_هو أنا فاتني كثير للدرجة دي؟
_ باليل هحكيلك اللي فاتك كله.
قالها خالد وهو يضرب على ذراعه برفق، وفجأة دخلت ياسمين، ثم تحدثت عندما رأت خالد :
_ خالد أنت هنا؟!
_ أيوه يا قلب خالد.
قالها بعشق أخجلها بشدة و حولت وجنتيها لحبة فراولة شديدة الاحمرار، في حين هتفت آمال من خلفه:
_حرام عليك ياخالد أنت كل شوية تكسف البنت كده.
ردت سهير ساخرة ليضحك خالد على حديثهم:
_مش عارف بمسك نفسه
_ خلاص يا جماعة مكنتش كلمة.
تحدث آدم بمرحٍ لكن مليء بالخبث :
_ أخيرًا حد وقعك.
إنتبهت ياسمين لذلك الذي ينظر لها بطريقة غير مريحة و عيناه المليئة بالقذارة التي دائما ما ينظر لها بها، حدث آدم ذاته بشر و خبث يملأ نفسه المريضة بالحقد و الغضب:
_صحيح ندى دي حلوة أوي بس ياسمين جميلة برضه ودي اللي لازم أحقق إنتقامي منها أخته مش هتكسره زي حبيبته واضح من عنيه قد إيه بيحبها.
عاد من شروده على رنين هاتف خالد معلنًا عن وصول اتصال من آسر، أردف خالد بتوجس بعد رؤيته اسم المتصل :
_ إيه ده آسر ربنا يستر…ألو.
تحدث آسر بسرعة صارخًا:
_ إلحقني ياخالد عصام معلقني في السقف.
_ ما أنا على طول بلحقك أنجز عملت إيه المرة دي؟
_مش وقته إلحقني دلوقتي وبعدين أبقى أقولك كل حاجة.
_إقفل أنا جيلك حالًا.
اغلق الهاتف فسألته أمال بتوجس :
_في إيه ياخالد ؟
_ كالعادة آسر عمل كارثة وعصام معلقه.
قالها ببرود أخاف آمال ، التي هرعت وهتفت بلهفتها:
_ إيه ؟! ياحبيبي يابني قوم ياخالد روح الحقه.
وجدها خالد فرصة مثالية لتبرير سفر آسر معه، فابتسم بمكرٍ ثم قال:
_مش عارف هيعمل إيه لما أسافر ده ممكن عصام يخلص عليه.
شعرت آمال بالخوف على ابنها من أخيه الأكبر، في حين اقترحت سهير حلًّا:
_مش أنت مسافر شغل ؟
حرك رأسه بايجابية، جعل سهير تتشجع وتردف باقي حلها :
_خده معاك.
_شكل هو ده اللي هيحصل يا سوسو .
قالها بابتسامة نصرٍ تلوح على شفتيه في حين سأله آدم بدهشةٍ :
_ أي ده هو أنت مسافر؟
_ أيوه عندي شغل هسافر كمان يومين .
شعر آدم بفرح داخلي لقرب تنفيذ مخططه ، في حين رسم على وجهه حزنًا مصطنع وقال:
_ كده ياخالد أنا جاي أقعد معاك وأنت تسافر .
اجابه بآسف:
_معلش يا آدم أنا مينفعش أعتذر لهم يومين بس وهكون هنا.
فابتسم بمكر:
_ تروح وترجع بالسلامة ياصاحبي.
أمّن خلفه، وانسحب مغادرًا لإنقاذ آسر من براثين البوص، فهتف مودعًا:
_طيب سلام بقى ألحق آسر.
ودعه الجميع، أما ذلك ادم الذي لم يزح عينيه عن ياسمين و ينظر لها بنظرات مليئة بخبث حدث نفسه بشر كأنها تسمعه:
_ فاضللك يومين ياحلوة عيشيهم بالطول والعرض لأنك هتكوني ملكي أنا وبس.
**********
اندفع خالد إلى الداخل دون استئذان متسائلًا:
_ آسر فين ياعصام ؟
أتاه الجواب من الأعلى بصوت آسر الساخر:
_أنا هنا يا خالّود..
نظر خالد إلى الاعلى و انفجر ضاحكًا على حالته تلك ، ثم تابع من بين ضحكاته:
_ فكه يا عصام .
تراقص حاجبي عصام نفيًا لطلبه، فاندفع خالد يحلّ وثاقه قائلًا:
_كده طيب أفكه أنا.
_ مابلاش ياخالد.
قالها عصام محذرًا إياه و يرسم على شفتيه ابتسامةً، لكن خالد أصرّ وقرر عدم المبالاة بحديثه، وصعد ليحل وثاقه،فاندفع جسد آسر ليسقط من فوقه، فصرخ متألمًا :
_ اااه ظهري منك لله يا آسر.
_مش قولتلك بلاش .
هتف عصام شامتًا به، في حين هتف آسر بمرح وقد نال حريته أخيرًا:
_ عسل يا خالّود كنت واثق إنك أنت إللي هتفكني.
نهض عن الأرض يحتضنه فجأة ليتأوه خالد بصراخه المتألم:
_ آآه أبعد عني ياغبي ضهري مش قولتلك نهايتي على إيدك.
دخل أحمد ومحمد فجأة بعد سماع تأوهات خالد، فاندفع أحمد نحو خالد يسأله بلهفة:
_مالك ياخالد في ايه؟
_ مالك يابني ؟
هتف محمد أيضًا في محاولةٍ للاطمئنان عليه، في حين أنَّ خالد متألمًا :
_ اسندني بالله عليك يا والدي، آه.
_ مين إللي عمل فيك كده؟!
هتف بها والده بذعر ليشير خالد إلى آسر وأردف بألمٍ :
_كنت بفك الحيوان اللي جنبك ده واقع فوقي آه ظهري.
_ أنت مبيجيش من وراك إلا وجع القلب.
هتف أحمد بحدة في حين اندفع آسر يلقي اللوم على عصام مذنبًا إياه :
_ اتشطر على ابنك يا أخويا يلي هيموت الراجل عشان اتأخر وكان بيجيب علاج لمراته وإبنه.
_ يا غبي الراجل ده مش متجوز أصلا.
هتف عصام بغضب، جعل آسر يتجمد مكانه وقال بصدمةٍ :
_ إيه؟ إزاي ؟! يعني كان فكرني غبي بيستغفلني ؟
_أنت لسه عارف إنك غبي.
أجابه خالد وآلام ظهره لم تزول، فقال آسر بتفكير :
_لازم بعد كده أشغل عقلي ومصدقش أي حد.
هتف والده ساخرًا بغيظ :
_ لا أوعى تشغله هو مش بيشتغل وبيعمل الكوارث دي أمال لو إشتغل هتعمل إيه؟!
***************
اوقف سيارته أمام القصر بإهمال، ثم تراجل منها بتعبٍ بعدما ظل وقت طويل بالعمل وحل عليه الليل، تحرك نحو غرفته يبدل ملابسه بأخرى مريحة، فتح الحاسوب الخاص به وبدأ ينهي ما تبقى من عمل، ولكن شتت انتباه صوت دقات الباب، تعجب قليلًا من الآتي ولكن تمتم بصوتٍ مسموع لمن بالخارج:
_ أدخل.
_ أنا لقيتك مطنشني ومش بتسأل قولت أسأل أنا.. عامل إيه!
ضحك عصام على صراحتها، ثم قال باعتذارٍ :
_اعذريني يا ندى بس كان عندي شغل كثير أوي النهاردة.
مطت شفتيها باستياء مرددة:
_ وحتى لما جيت أقعد معاك برضه بتشتغل.
أغلق عصام الحاسوب، ثم نظر لها متمتمًا ببسمةٍ حنونة:
_ أهو الشغل اللي واخدني من حبيبتي ومزعلها مني.
ضحكت ندى بسعادة تجلس على مقعد الموجه له، تردد بغرورٍ:
_ايوة كده.
ابتسم على طريقتها الطفولية، ثم تسأل ببعض التعجب:
_ إيه اللي مصحيكي لحد دلوقتي؟!
اجابته بنبرة طفولية:
_مش جاي لي نوم خالص..
وبتردد نادته:
_ عصام!
انتبه لما تريد قوله، لتسترسل ندى حديثه بخوفٍ:
_ هو أنت لسه بتحب لميس؟!
قطب جبينه بدهشة متمتمًا:
_ ليه ياندى بتقولي كده هو أنتِ لسه مش واثقة إني بحبك؟!
حركت رأسها في نفيٍ ثم رددت بخفوتٍ:
_لا أبدًا بس مش عارفة ليه بحس إنك لسه بتحبها!
تنهد عصام من خوف ندى المستمر، ثم تمتم بكلماتٍ أحسن اختيارها:
_عمري ماهكرها ياندى مهما كان كانت بنت عمتي الله يرحمها وعمري ما هنسي أنها كانت خطيبتي و أنا كنت بحبها بس أنا دلوقتي يا ندى بموت فيكِ أنتِ اللي خلتيني أتغير وكسرتي كل الحواجز.
تسللت الابتسامة لها، لتردف بهدوءٍ:
_ الله يرحمها
نظر لها عصام بهدوءٍ، ثم قال بنبرة دافئة:
_ممكن معدتيش تتكلمي في الموضوع ده.
حركت رأسها بايجابية، تردد بسعادةٍ:
_ أوك يا بوص.. تصبح على خير.
تركته مغادرة الغرفة، في حين حرك عصام رأسه بتعبٍ من تفكير ندى المستمر بلميس.
***************
بقيت ياسمين تنتظر خالد، تحرك قدمها بغضبٍ، بقيت وقت طويل حتى غفت مكانها.
دلف خالد إلى القصر بتعبٍ، يتجه نحو غرفته ولكن لاحظ ضوء خافت يأتي من الجوار نظر نحوه ليجد ياسمين قد غفت على المقعد تقدم منها يردد بتعجبٍ:
_ياسمين ياسمين!!
فتحت ياسمين عينيها بتعبٍ من حركة جسدها الغير معتدل فرددت بنعاسٍ:
_خالد أنت أتأخرت كده ليه؟!
اجابها بدهشةٍ:
_كان عندي شوية شغل أنتٍ بتعملي إيه هنا وإيه اللي نيمك كده؟!
ياسمين :
_كنت مستنياك.. انت اتاخرت أوي ه ليه أنا قلقت عليك!
تهللت اساريره، متمتمًا بحب :
_بجد ياحبيبتي كنت خايفة عليا!
اندفعت ياسمين بالحديث، تردد بانفعال:
_لا يا حبيبي ده أنا مستنياك عشان أعرف عرفت كام واحدة غيري ياخاين طلقني!!
_أطلقك إيه يا هبلة مش لما أتجوزك الأول.
قالها خالد بسخطٍ، في حين بقيت ياسمين دقيقتين، ثم قالت بعبوسٍ :
_بردو خاين!
تهجب من نعتها له بـ (خاين)، ليتسأل بحيرة:
_فهميني بس إيه اللي مزعلك؟!
رفعت ياسمين يدها تضربها بأخرى، تردد بسخريةٍ :
_صاحبك الصبح بيقولك اخيرا عقلت وخطبت قولي انت عرفت كام واحدة عليا يا خاين!
ما أن استمع لحديثها حتى انفجر ضاحكًا على ما تتفوه به، ليردف بمزاحٍ:
_ أنتِ بتغيري عليا ياسو
اشاحات بوجهها بعيدًا، في حين هتف خالد بهدوءٍ متخلصًا من ضحكه:
_ خلاص إهدي .
ردت باقتضاب:
_ لاء.
ردد بحنو:
_بصيلي ياحبيبتي.
نظرت له بضيقٍ، لي حين استرسل خالد حديثه مرددًا بهدوءٍ ممزوج بحنو:
_ أنتِ شايفة في حد في قلبي غيرك أنتِ مسيطرة على قلبي وعقلي وكل حاجة فيا
أنا كنت ايام الجامعة بعرف اكتر من واحدة بس مفيش واحدة منهم قدرت تأخد قلبي . أنتِ ساكنة في قلبي من زمان من لما كنتِ صغيرة وانا حبي ليكي بيزيد
رضت اجابته قلبها، بل اشبعت ظمأه، لتزحف بسمة صغيرة على شفتيها، في حين ردد خالد بمرحٍ
_ أموت في ضحكتك اللي بتنسيني دنيتي.
حركت رأسها في نفيٍ، مرددة بمكرٍ:
_هسامحك بس لو عملتيلي بيتزا
اتسعت عين خالد بصدمةٍ، ثم ردد بغيظٍ:
_ طقم الشيف اللي جوه ده مش عجبك!!
نظرت له ياسمين بحزن مصطنع، ثم رددت بعبوسٍ:
_ كده ماشي معتش تكلمني المرة اللي فاتت كان نفسي أدوقها بس إتحرقت مكنتش أتوقع منك كده ياخالود أخص.
علق خالد بضحكٍ :
_ يا إيه!!
_خالود
اجابته بنبرة طفولية، ليتمتم خالد بضحكٍ :
_ أنا كنت بكره دلعي بس شكلي هبتدي أحبه حاضر هغير هدومي وأعملك أحلى بيتزا.
اتسعت عين ياسمين بصدمةٍ، ثم قالت وهي تحاول اللحاق به:
_تعال هنا مجنون أنا عشان أخليك تطلع لآسر مش هيرضى يخليك تنزل.
_تصدقي صح!
قالها بعد تفكير بحديثها، لينزع سترته وقام كشف عن ساعديه، مردفًا:
_ يلا بينا نعمل البيتنزا.
صفقت ياسمين مثل لأطفال، تردد بحماسٍ
_ ده الكلام
ضرب خالد كف بأخر، يردد بيأسٍ:
_ أنا قولت انك مجنونة يلا ياختي.
******
ظل آسر يتحرك بالغرفة في حنقٍ، ينتظر خالد بأن يأتي، ليردف بصوتٍ غاضب:
_ مجاش لحد دلوقتي ليه مش عارف إني مبعرفش أنام إلا لما يجي أعمل إيه دلوقتي أحسن حل أروح لسها أرزل عليها.
*****
انتهى خالد من صنع البيتزا، ليتقدم نحو ياسمين التي تنتظره بحماسٍ مرددًا بسعادةٍ:
_أحلى بيتزا لحبيبة قلبي.
مدت ياسمين يدها سريعًا تمسك بقطعة، تقطم منها بحماسٍ، وما أن ابتلعت أول لقمة حتى هتفت بتلذذ:
_الله كان عنده حق عصام لما قال عليك شيف.
مدت يدها له بقطعة، تسترسل حديثها بحنوٍ:
_ مش هتأكل!
حرك رأسه نافيًا، يردد ببسمةٍ متعبة:
_لا ياقلبي مش جعان كلي أنتِ بالهنا والشفا.
حركت رأسها بايجابية، ثم عادت تلتهم البيتزا بمتعةٍ كبير، حتى دهش خالد بسؤالٍ من ياسمين مفاجئ:
_خالد هو أننت ممكن تزعل مني لأي سبب!!
عقد حاجبيه بتعجبٍ، ثم اجابها بسؤالٍ:
_ليه بتقولي كده يا ياسمين!!
_ أنا أسفة ياخالد المرة اللي فاتت كانت من غير قصد لكن المرة دي بقصد.
امسكت بعلبة الكاتشب لترشه بها، في حين نظر خالد لقميصه بصدمة ثم قال بتوعدٍ:
_كده طيب تعالي.
ركض خلفها حتى اصبحت محاصرة، ليشير خالد نحو قمصية متمتمًا:
_ينفع اللي عملتيه ده؟!
اجابته بضحكٍ:
_ لاء
زفر بتعبٍ يردد بصوتٍ حانق:
_ بطلي ضحك.. صبرك بس لما نكتب الكتاب.
ركضت ياسمين من أمامه بضحكٍ نحو غرفتها، في حين زفر خالد بيأسٍ من طريقتها التي بات يعشقها مرددًا بحب:
_ هيفضل حبي ليكي يزيد لحد فين!
لم يلاحظ أحدهما نظرات أحدهم الحاقدة.
*********
_هو أنت يا أحمد يعني لازم تسافر معاهم
قالتها آمال بدموعٍ تنساب على وجنتيها، في حين اجابها أحمد بحنو:
_ يا أمال لازم أسافر بنفسي ومحمد مش هيعرف يتصرف لوحده.. خلي انتي بس بالك من نفسك وأنا أوعدك إني هرجع إن شاء الله علطول.
شعرت آمال بريبة من طريقته، لتردف بشكٍ:
_مالك يا أحمد أنت مخبي عليا حاجة!!
شعر أحمد بتوتر شديد، ولكنه حاول اخفاؤه بقول:
_هخبي إيه يعني!!
*******
احتضنت ندى والدها بأعينٍ مدمعة، تردف بصوتٍ متحشرج:
_مع السلامة يابابا تروح وترجع بالسلامة.
نظرت لهما ياسمين بحزنٍ، تردف بكلماتٍ حزينة :
_ أنتم هتسافروا كام يوم!
اجابها محمد بحنو:
_3 أيام بس وخالد وآسر هيسافروا بكره وهنرجع مع بعض.
علا صوت أحمد من الخارج مرددًا:
_ يلا يا محمد أتأخرنا.
أمسك بحقيبته، يردد بحبٍ:
_حاضر سلام يابنات.
تقدمت ياسمين من والدها، مرددة ببسمة هادئة
_ مع السلامة يا بابي.
تقدمت باقي الفتيات من أحمد الي احتضنهم جميعًا مرددًا:
_سلام ياحبايبي
*******
_خلي بالك من نفسك يابابا وإن شاء الله هتقوم بالسلامة.
قالها عصام بألمٍ حاول اخفاؤه، في حين ضم أحمد ابنه يردف بجدية:
_ إن شاء الله يابني خلي بالك انت بس من أخواتك ياعصام.
حرك عصام رأسه بايجابية، يرد بصوتٍ ثابت:
_متخافش دول في عنيا.
وضع محمد يده على كتف أحمد يردف بهدوء:
_ يلا يا أحمد.
تمتم خالد بجديةٍ وقلق :
_ أنا هكون عند حضرتك قبل العملية.
حرك رأسه، ثم قال بصوتٍ حزين :
_ ماشي يابني بس إبقى خد بالك من آسر هو متعلق بيك ياخالد، قلبه ضعيف أنا مكنتش عايزه يجي بس هو هددني إنه هيقول للكل.
علق محمد بمرحٍ :
_ أنا خايف لما نرجع يقول لأمال إنك أتجوزت.
ضحك الجميع على حديثه، ثم لوح أحمد بيده متمتمًا :
_مع السلامة ياحبيبي.
*******
هبط آدم من غرفته يسير نحو غرفة الاستقبال حيث تجتمع الفتيات، ليدلف قائلًا بمكر:
_صباح الخير
اجابته ندى بهدوء:
_ صباح النور.
ردد آدم بخبثٍ:
_أمال خالد فين ؟
_ أنا أهو ياعم
قالها خالد وهو يدهل للريسبشن، فسأله بدهشة:
_كنت فين ياخالد؟!
اجابه خالد، يجلس على المقعد باريحية :
_كنا بنوصل عمي للمطار.
عتابه آدم بكلماتٍ مزيفة:
_مش كنت تقول كنت سلمت عليه.
ابتسم آسر بتهكم، يردف بصوتٍ ساخط:
_مش مستهالة دول هما يومين وهيكون هنا.
دلف عصام بحالةٍ لم يكن بمثلها من قبل، في حين ردد آدم بترحيب :
_البوص أخيرا قابلتك أنا أمبارح أستنيتك عشان أسلم عليك بس أنت أتأخرت أوي.
اجابه عصام بهدوءٍ:
_أهلا أدم حمدلله على سلامتك
اجابه ببسمة مرحة:
_الله يسلمك يا حبيبي بس إيه ده هموت وأعرف أنت بتكبر ولا بتصغر.
رفع آسر حاجبه بتهكمٍ، ثم قال بسخرية:
_ياراجل أزاي الكلام ده وريني كده ياعصام أنت أحول يالا ماهو زي ماهو أهو ياخويا!!
علقت سها بدهشة:
_ أنتم هتفضلوا واقفين كده؟!
انطلق الجميع إلى الردهة يجلسون سويًا، لتتمتم آمال بحنانٍ بعدما رأت ملامح عصام الحزينة:
_ إيه يا عصام مالك؟!
عصا:
_مفيش ياحبيبتي بس عندي صداع مش أكتر عن أذنكم
صعد عصام إلى غرفته وخوفه يزداد على والده كلما مر الوقت.
***************
اعد كلًا من آسر وخالد حقائبهم للسفر بطائرة خاصة، ليهمس آسر بخوفٍ:
_ خالد أنا خايف على بابا أوي
ربت خالد على كتفه، يردد بكلماتٍ مطمئنة:
_متخافش يا آسر إن شاء الله هيقوم بالسلامة.
_تفتكر؟!
قالها بخوفٍ شديد، في حين اجابه خالد بهدوءٍ:
_إدعي وقول يارب.
رفع يده يدعو بخوفٍ ممزوج برجاء:
يارب يا خالد يارب
***********
طرقات باب الغرفة ثم فتحت كي تستطيع ادخال رأسها لتردف ببسمةٍ مرحة:
_ممكن أدخل
نظر لها بتعجبٍ، يسألها :
_في حاجة يا ندى؟!
تعجبت من جموده، لتسأل بقلقٍ:
_مالك ياعصام فيك إيه من الصبح وأنت حابس نفسك في أوضتك حتى الغدا مرضيتش تتغدا!
أجابها باختناقٍ:
_مفيش ياحبيبتي تعبان شوية!
رددت بحنو:
_ ألف سلامة عليك، مالك طيب!!
شعر عصام باختناق، يجيبه بصوتٍ مقتضب:
_مصدع شوية.
عاتبته بصوتٍ رقيق:
_ عشان أنت من الصبح من غير أكل.
رفعت ندى سماعة الهاتف ثم طلبت طعام يأتي لغرفة عصام.
بعد دقائق احضر العاملين بالقصر الطعام، لتردف ندى ببسمة هادئة:
_ يالا عشان تاكل.
زفر باختناق، يجيبه باقتضاب:
_ماليش نفس ياندى.
حاولت أن تحضر طبق به القليل من الطعام تقربه له متمتمة :
_ طب كل دي بس عشان خاطري.
_ قولت ماليش نفس
قالها وهو يشيح بوجهه بعيدًا، لتردف ندى بتصميم:
_ بقولك عشان خاطري.
دفع عصام الصحن من يدها ثم أردف بعصبيةٍ:
_ أنتِ مبتفهميش قولت مش عايز، إيه هتأكليني بالعافية!
واستطرد بحدة:
_ يالا على اوضتك.
نظرت له بصدمةٍ، والدموع تغرق عينيها فانسحبت من الغرفة وبداخلها ألمٍ كبير مما فعله وارتكبه بحقها
******
بضع كلماتٍ خبيثة قالها عبر الهاتف يرددها بصوتٍ ماكر:
_ متخفش بكره كل شيء هيخلص وهرجع لبنان قبل ما خالد يرجع من السفر
ثم أضاف بضحكات شيطانية:
_ ماشي هصورلكم عشان تتبسطوا.
و أنهى اتصاله وهو يفكر كيف سيستلذ بما سيفعله.
*******
اقترب من غرفتها كي يطرق الباب، فاستمع لصوت بكائها الذي اخترق سمعه بسهولة، أغمض عينيه بندم، طرق الباب بخفة، لتفتح ندى الباب تنظر له بأعينٍ حمراء، شهقاتها التي تزداد بشدة، ردد باعتذار:
_ ندى أنا آسف مقصدش أزعلك والله.
هبطت دموعها بغزارة ومازالت تستدير بجسدها، ازداد تألمها من كلماته، ليعود عصام يتحدث بصوتٍ نادم:
_ آسف أنا كنت متنرفز شوية صدقني مقصدش ندى بصيلي.
لم تنظر له، يزداد بكائها شيئًا فشيء في حين تنهد عصام بألمٍ متمتمًا:
_ للدرجة دي ياندى مش طايقاني أنا أسف إني فرضت نفسي عليكي أوي كده تصبحي على خير.
كاد أن يغادر ولكنها اردفت بصوتٍ متعب:
_متسبنيش!
قالتها وهي تخشى فقدانه، في حين ردد بسعادة:
_ياحبيبتي آسف أنا كنت مخنوق صدقيني مقصدش أزعلك.
مسحت دموعها تتمتم بخفوتٍ:
_ خلاص سامحتك.. بس هات ليا شكولاتة حلوة.
ضحك عصام يجيبها:
_ موافق.
*************
اعد خالد نفسه للسفر سريعًا، وحمل حقيبته، وهو يشير له بعجلةٍ :
_آسر يالا عشان منتأخرش على معاد العملية.
نهض آسر و علامات الخوف ظاهرة على وجهه، نظر له خالد بزفيرٍ، ثم ردد بصوتٍ محاولًا بث الطمأنينة به:
_ إن شاء الله خير مش عايزين حد يحس بحاجة.
_يارب ماشي ياخالد أنت معاك حق
قالها آسر بتوترٍ، في حين اتي عصام لهما يردد بجدية :
_خالد أنت صحيت كويس، خلي بالك من آسر وطمني على طول أنا هبقى معاك على الفون على طول
اجابه خالد مطمئنا إياه:
_متقلقش ياعصام.
استعد آسر أخيرًا، ثم قال وهو يحمل حقيبته هو الأخر :
_ يالا ياخالد أنا جاهز.
أمسك عصام كتف شقيقه، يتساءل بقلقٍ:
_أنت كويس.
ارتمى آسر باحضان اخيه، يردد برعبٍ بطياته البكاء:
_ متخفش إن شاء الله هيقوم بالسلامة.
مسح آسر دموعه يردد بصوتٍ مبحوح:
_ أنا بحبه أوي ياعصام.
ردد عصام بضحك :
_أمال أبو لهب إللي أنت دوشنا بيها دي ليه؟!
اجابه آسر بضحك هو الأخر:
_بحب أعصبه.
تدخل خالد بحديث يردد بضيقٍ مصطنع :
_عود قصب أنا صح طيب و أنا فين من الحضن الأخوي ده.
فرد آسر ذراعه يرد بحبٍ أخوي:
_ أنت ياخالود أعز أخ عندي.
إحتضن الثلاثة بعضهم، يشعرون بوحدتهم و قوتهم.
************
سافر كلًا من آسر و خالد
وظلت الساحة لآدم يدير و يخطط لمأمرته الدنيئة، بينما بقى عصام في مكتبه كي لا يلاحظ أحد قلقه وخوفه الشديد على والده .
بعد مرور عدة ساعات
ارتفع رنين هاتف عصام فحمله بسرعةٍ، يجيب بلهفة:
_طمني!
_الحمد لله ياعصام العملية نجحت.
قالها خالد بسعادة عارمة، في حين جلس عصام على مقعده باريحية يتمتم براحةٍ :
_ الحمد لله ألف حمد وشكر ليك يارب.
ثم استطرد عصام بتسائل:
_هو فاق ؟
نفى خالد سؤاله، يجيب بهدوءٍ:
_ لسه أنا قولت أقولك الأول.
ردد عصام بلهفة لا تزال بكلماته:
_لما يفوق خاليه يكلمني.
_تمام سلام يابوص
اغلق مع عصام، الذي بقى مكانه شاردًا، لا يعلم بأن هناك مخططٍ سينفذ ضد شقيقته في تلك اللحظة!
…. يتبع……..
[٣/‏١٢ ٨:٥٩ ص] نودي: (الفصل الثامن عشر)

_حمد لله على سلامتك يا أبو لهب كنت عايز تموت وتسيبني أقرف مين؟.
هتف بها آسر لوالده بعد أن اطمئن عليه وعاد لوعيه، أغمض أحمد عينيه ثم فتحهما و أجابه بصوتٍ ضعيف :
_ الله يسلمك يا أبو لسان طويل .
جلس آسر إلى جانب قدمي والده، يريد أن يشاكسه ولكن حالة والده الصحية لم تسمح له بتقبل مزاحه، زفر والده بضيق شعر محمد ليقول بضجر :
_بس يا آسر يابني بقى الله.
تابع آسر مشاكساته ، ليشعر بعدها بضربة خالد على رقبته من الخلف وهتف بضيق وهو يجلس إلى جانب عمه:
_مش قالك بس؟
فرك آسر رقبته بألم، ثم رفع بصره لخالد وهدده قائلًا:
_كده ياخالد ماشي …
ووجّه بصره لعمه وأردف مهددًا الآخر:
_ أنا طالع أعمل تلفون هيتوقف عليه مصير حياتك.
_مصير حياتي ليه؟
سأله بدهشة، ليجيبه آسر بذات نبرة التهديد:
_في بت بره شعرها أصفر وعينها خضرة وحاجة إيه أخر مانجا! أمسكها كام صورة وأبعتها لسوسو وأقولها جوزك اتجوز عليكِ المزة دي وأنا وخالد اللي شهدنا على العقد.
ارتفع حاجبيهواتسعت عيناه بصدمةٍ ، لما ينويه هذا الطائش ، فهتف بنبرةٍ محتقنة:
_ اعمل ما بدالك يا أسوره خد راحتك.. قوم ياخالد من جنب عمك خلي اسورة يريح جسمه شويه
_ناس تخاف متختشيش.
هتف بها آسر وهو يرمقه بنظرة حادة، ويمط شفتيه مستهزئًا، صدم خالد مما حدث، فنظر إلى والده وسأله ساخرًا وقد أشار لآسر بسبابته :
_بابا أنت خوفت من كلام الواد المجنون ده؟!
_ أديك قولت مجنون وممكن يعملها، وسهير عقلها صغير ومش هتصدقني وهتطردني من القصر كله، يرضيك أبوك في السن ده يتطرد.
برر والده خوفه مما ينويه آسر خاتمًا تبريره بسؤال أجابه خالد نافيًا، وقد أضحك الحدث آسر فهتف بثقة:
_كنت عارف .
شعر أحمد بالضيق مما يحدث حوله من تهديدات، فأوقف ابنه الطائش بنبرته الضعيفة:
_بس يا آسر متضايقش عمك، و أنت ياخالد ارجع مصر عشان تشوف شغلك.
_لا ياعمي أنا هرجع معاك.
أصرَّ الآخر برأيه قائلًا :
_ أسمع الكلام ياخالد وخد آسر وارجع .
_متتعبش عمك يا ابني .
وافق محمد أخاه الرأي ليُلحَّ هو الآخر عليه بالرحيل والعودة إلى مصر، هزَّ خالد رأسه موافقًا ثم قال:
_هرجع بكره إن شاء الله، أنا لو سبتك النهاردة البوص هيعلقني .
_بجد هتتعلق؟!
سأله آسر بسخرية، ليجيبه الآخر بسخريةٍ مثله:
_وأنتَ قبلي.
امتعض وجه آسر وهتف بخوف:
_لا هنرجع بكره يا أبو لهب.
تعالت ضحكة خالد التي ملأت الغرفة، وسأل آسر بسخرية وهو يقرص خديه معًا:
_ أنتِ خوفتي يابيضة أومال فين طولة لسانك؟
_ بس يالا.
هتف آسر بحنقٍ وهو يدفع يديّ خالد عنه، ليعاود خالد الضحك، ثم كتم ضحكاته، وهو يخبرهم:
_ أنا هرجع الأوتيل أغير هدومي وأخد شاور.
_ أنا جاي معاك استنى.
تَفَوَّهَ آسر ناهضًا وهو يلحق به مغادرين الغرفة نحو الفندق.
**********
عاد عصام إلى القصر و صعد لغرفته ليأخذ قسطًا من الراحة بعد أن قضى معظم يومه من شركة للاخرى يراقب حركة المصانع والعُمال، استعدادًا لاجتماع مهمًا يحتاج كل طاقته بعد ساعة، ارتخى بجسده على السرير ليسمع رنين صوت هاتفه فرفعه مجيبًا:
_ ألو…
_ عامل إيه من غيري ؟
ردد خالد من الجانب الآخر بلهفةِ شوقٍ إلى صديقه وأخيه، فأجابه عصام بتعبٍ ظهر جليًا في نبرته:
_مشغول من الشركة للمصانع لباقي الشركات حاسس إني هموت.
انطلقت ضحكة خالد الساخرة وهتفه المليء بالسخرية:
_ أجمد يابوص عشان تعرف قيمتي بس .
ابتسم وهو يجيبه بجدية:
_مش محتاج للموقف ده عشان اعرف قيمتك إحنا بنكمل بعض، المهم بابا أخباره إيه دلوقتي؟
طمأنه خالد بإجابته المرضية :
_الحمد لله هو نام بعد لما أنت كلمته على طول.
تساءل بدهشة:
أومال أنت فين ؟
فأجابه خالد وهو يتثاءب :
_في الأوتيل بريح شوية منمنتش من امبارح، ودماغي فيها صداع رهيب والزفت أخوك حجزت له أوضة عشان يحل عني لقيته دخل الأوضة قبلي.
صدحت ضحكة عصام باستهزاء لحال خالد فقال شامتًا:
_ تصدق صعبت عليا أدهولي و أنا أخليه يسيبك.
_هتعرف ؟!
سأله خالد كأنه يشكك في قدراته، ليهتف عصام بثقة:
_عيب عليك ده أنا البوص يا معلم.
_ أصبر لما أنده له بقاله ساعة في الحمام معرفش بيعمل إيه ؟
قالها خالد وهو ينهض عن سريره، يطرق باب الحمام أكثر من مرةٍ الاخر مازال يردد مقطع الاغاني وكأنه ولد ليكون نجمًا لا يسمع الا بالمرحاض، فعاد ليناديه بحدة:
_ آسر…
لم يبلي له آسر رافعًا صوته أكثر في الغناء، فتمتم خالد بعبارةٍ ساخطة تبعها زعيقه بصوتٍ عالٍ:
_ أنت ياحيوان وطي صوتك هتطرد من الفندق بالبشكير!
توقف آسر عن أدائه المزعج ، ليرد عليه بنبرةٍ حانقة:
_ بلاش أغني يعني؟
_هو ده غنى دي تعويذة، يا ابني أنت مش شايف اللي أنا شايفه ، في أسراب الطيور مهاجرة من ورا صوتك .
هتف ساخرًا من أدائه، شعر آسر بحنق من سخريته، فقال بحدة:
_مالكش فيه ، اخلص عايز إيه؟
اجابه ساخرًا:
_مش أنا اللي عايز يا خفيف البوص اللي عايزك برا.
فزع آسر مما استمع اليه وهمس بخفوت:
_ جه امتى؟ هيخلص عليا هنا ولا ايه؟!
ابتلع ريقه بخوفٍ ثم سأل بتردد :
_هو البوص برا ؟
ابتسم خالد وقد شعر بخوفه ، ليجيبه مطمئنًا :
_ لا على التلفون.
خرج آسر من الحمام بعد أن لفً منشفة على جسمه دون أن يغسل جسده من سائل الاستحمام ، تصنَّم خالد لرؤيته هكذا ، فقال مصدومًا:
_الله يخرببتك أنت غبي يالا ؟
لم يجيبه والتقط الهاتف من بين يده وهتف بسرعة :
_ والله ماعملت حاجة خالص ولا عاكست أي واحدة والله أستغفر الله العظيم هم ثلاثة بس والله وكنت بهزر مع عمي مكنتش هقول لسهير كده و….
اندفع يعترف بأفعاله جزعًا ، فقاطعه عصام بحدة :
_بسسس!! إيه بكبورت واتفتح ، أخرس واسمعني.
_ اتفضل معاليك..
قالها مرعوبّا وخالد ينظر إليه مصدومًا يفرغ فاهه لحالة آسر وتأثير أخيه عليه رغم عدم تواجدهما معًا،أخبره عصام بنبرته التحذيرية مهددًا إياه :
_ الأوضة اللي أنت فيها دي تسيبها فورًا وعلى أوضتك ، وإلا وقسمًا بالله يا آسر لعلقك…أظن فهمت؟
لم يستمع إلى جوابه فقد كان يركض بعد أن رمى الهاتف لخالد الذي تحولت صدمته لابتسامةٍ لم يستطع أن يمحيها، رفع الهاتف إلى أذنه مجددًا، يسأل عصام بفضولٍ قد يمحو آثار صدمته :
_ أنت هببت إيه خليت الولد بيجري بالفوطة زي الأهبل؟
استمع لضحكة عصام المرحة، والتي تبعها بإجابةِ ثقة :
_ولا حاجة قولتله إني هعلقه بس..
_مدير الفندق هيطردنا أنا وهو بعملة الفوطة دي.
هتف بسخط بعد تبعه ضحكةً ساخرة بعد أن تذكر منظره وهو يخرج راكضًا، ثم قال عصام بعصبية :
_مين ده اللي يجرؤ يطرد حد من عيلة الدالي؟!
_بهزر يا رمضان.
اوقفه ساخرًا يمتص غضبه، فنجح في ذلك عندما ردّ عصام مرِحًا :
_ لا متهزرش يا شعبان اتخمد بقى.
تنهد بعدم تصديق:
_ أخيرًا هنام .
ودعه عصام قبل أن يغلق الاتصال:
_أي خدمة ؟ أقوم ألبس عشان خارج…
تساءل خالد عن سبب خروجه، ليجيبه عصام بعد أن زفر بعمق:
_عشاء عمل.
_مش مصدق نفسي ! البوص طالع عشاء عمل ؟
هتف خالد بانبهار للتغيير الذي طرأ عليه في غيابه، ليجيب الآخر بسخط :
_هعمل إيه ؟ ما حضرتك مش موجود!
_ربنا يستر ، عصام مش ضروري تروح متشيك عشان البنات، خلي الأمور تمشي
هتف خالد محذرًا، فردّ عليه بفخر :
_أنا أمشي متشيك في كل حتة يالا وميهمنيش حد، سلام.
أغلق الاتصال فتمدد خالد على الفراش بانهاكٍ لأخذ قسطٍ من الراحة.
أما آسر فقد كان يجري بالمنشفة لتوقفه سيدةٌ كبيرةٌ في السن فرنسية الجنسية، ظنته يحاول إغراءها فقامت بجذبه من يده نحو غرفتها.
_تعالى يا عزيزي غرفتي من هنا.
قالتها تلك السيدة وهي تحاول اغؤاه، دفع آسر كفها عنه باشمئزاز ، وهتف غاضبًا:
_ في إيه يا ولية أنتِ سيبي إيدي أنتِ ساحلة ابن خالتك…أوعي
_لا تخاف يا عزيزي تعالى معي.
قالتها وهي تحاول سحبه من يده مجددًا نحو غرفتها، ليفلت يده وهتف بغضب :
_أوعي يا ولية، وانتي شبه البوكسر بتاع اعلان قطونيل كده.
ظلت السيدة تقترب منه وتحاول أن تقبله، فدفعها آسر وهو يصرخ غاضبًا :
_يخربيتك اوعي ده أنتِ أكبر من أمي سبيني، ياخالد إلحقنــــــــي.
استيقظ من نومه على صوت صرخات آسر المستنجدة ركض ليرى ما الذي يحصل، فوجد تلك السيدة الكبيرة تجذب آسر إلى غرفتها و الآخر يصرخ برفض :
_ والله إن ما سبتيني لأموتك ، سبيني يا ولية.
_ الله يخربيتك.
تمتم خالد بها وهو يتقدم نحوهما ليخلصه من شِباك إغوائها الرخيصة، ابعد آسر عنها و تحدث بالفرنسية مع السيدة :
_ اتركيه ، ماذا تريدين منه؟
_هو من أشار لي أنه يريدني ؟
حاولت سحبه مجددًا، ليفلته منها خالد وهتف بنبرة اعتذارٍ بعدما احتدت نظراته تجاه آسر:
_ أعتذر لكِ نيابة عنه اتركيه من فضلك .
هزت رأسها نافيةً ، وقالت باغواءٍ:
_لا هو يريدني.
زفر خالد بعمق، وهتف كاذبًا:
_ اتركيه ، فهو مجنون وهارب من المصحة النفسية .
دُهشت المرأة لما سمعته، فأردف كلامه مقنعًا إياها :
_نعم، إنه مجنون، و أنا هنا لأعالجه .
احتضنت السيدة وجه آسر مواسيةً إياه:
_ يا للحظ هذا الشاب صغير جدًا، لا تحزن يا عزيزي ستكون بخير.
نفث بضيق وهو يدفع كفيها عن وجهه وهتف بسخط:
_إمشي يا ولية ده أنتِ لو عندنا في مصر كانوا ولعوا فيكِ كتك نيلة وأنتِ عاملة شبه الحاجة أطاطا كده.
جذبه خالد إلى غرفته مبتعدًا عنها، دفعه إلى الداخل وهو يهتف بحدة:
_أدخل يا اللي مفرج علينا مصر والاجانب.
احتدت نبرة آسر موضحًا ما كانت ستفعله المرآة العجوز:
_هي اللي ساحباني من دراعي شبه اللي شافت المرحوم فيا!
أجابه خالد بحدة:
_واحدة شايفة واحد واقف قدامها بالفوطة وبيشاور لها هتعمل ايه؟
رد عليه بسخط:
_يعني أي واحد واقف بفوطة يشاور لواحدة تقوله شوبيك لوبيك.
واستكمل بعنجهية:
_ مكنتش أعرف ان امكانياتي عالية كده!
وتقوس جبينه بضيق:
_ببس التوقيت غلط وجاي مع واحدة شبه الزومبي، يعني لو كانت مزة صاروخ ميضرش كنت هكمل حياتي كلها بالفوطة عشان الدنيا تمطر كريز مش صبار!
وضع خالد كفه على رأسه يفركها متعبًا، واستطرد متألمًا:
_ أنا هروح أتخمد أبوس إيدك بطل مصايب.
_ أنا عملت حاجة يا خلّود؟ آجي أنام جنبك ؟
هتف بها آسر متمسكنًا، فلاحظ تحرك خالد في الغرفة يبحث عن شيءٍ ما قائلًا:
_أوك ، ثانية وحدة…
استغرب آسر تتحركاته، و دُهش عندما رآه يحمل هاتفه بين يده ، فسأله بذهول:
_ بتعمل إيه ؟
_بكلم البوص…
لم يكمل جملته حتى ، ركض آسر على السرير يداثر نفسه ومدعيًا النوم ببراءةٍ، ترك خالد هاتفه مرددًا بسخرية:
_ أيوه كده.
ثم ذهب إلى غرفة آسر لينام فيها.
***********
اجتمعت السيدات في البهو بعد أن تجهزن لحضور أحد الحفلات، ينتظرن ندى، توجهت آمال بنظرها إلى ابنتها الجالسة بملابسها البيتية وسألتها :
_ ما تيجي يا ياسو معانا ما سها جاية هي وندى؟
حركت رأسها برفضٍ، وأوضحت ذلك في حديثها:
_ لا يا ماما ماليش في جو الحفلات ده.
_ليه بس يا بنتي؟
سألتها سهير مستفسرةً، ورغبةً في الاطمئنان عليها، لتجيبها ياسمين بتعب :
_معلش يا طنط مش هقدر صدقيني.
ربتت على ظهرها بحنان:
_خلاص براحتك يا حبيبتي، واحنا مش هنطول.
**********
ارتدى حلته السوداء من أحدث التصميمات فوق قميصٍ أبيض، وصفف شعره و نثر عطره ، نظر لطلته الجذابة برضا، ليسمع طرقات الباب ثم أطلت ندى من ورائه ، تتقدم نحوه بخطواتٍ ملؤها الإعجاب ، ثم سألته بعد أن أطلقت صفيرًا مغازلِاً :
_إيه الجمال ده كله؟! أنت رايح فين؟
ابتسم وهو يبادلها نظرات الإعجاب بينما يداه منشغلتان في ارتداء ساعته، تلقفت الساعة من يده تساعده بها بينما عيناه الهائمة منشغلةً بها، أجابها بعد صمتٍ قليل :
_عشاء عمل.
انهت عقد ساعته ، ونظرت إليه وطيف غِيرة يلوح أمامه وقد شعره به في سؤالها:
_ وعشاء العمل ده فيه ستات ؟
_أكيد .
أجابها لتكرر جوابه أمامها وهي تحرك رأسها تبعه قولها :
_رجلي على رجلك.
_ندى أنا تأخرت مش فاضي للدلع ده.
لم يشعر بأن غيرتها عليه قد أوصلتها بأن ترافقه إلى عمله، فقد ظنَّ انها تتدلل عليه كعادتها، لكن حدتها المعاندة في قولها جعلته يوافق:
_أنا قولت هجي معاك ، يعني هجي معاك.
_أوك ياندى بس انجزي.
اتسعت ابتسامتها لمرافقته، وهتفت مغادرة :
_هوا.
هتف بعد أن غادر وقد عاد يعدل من شكله:
_ لما أشوف الهوا بتاعتك دي بعد كام ساعة.
**********
حضر آدم من غرفته، ولاحظ تأنق السيدات ، فسأل:
_إيه ده أنتم خارجين؟!
_أيوه ياحبيبي معزومين على بارتي .
مشَّط عينيه عليهن وقد لاحظ ياسمين بملابسها المنزلية فسألها بخبث:
_ أنتِ لسه مش لبستي ليه يا ياسمين
تحاشت ياسمين نظراته التي تعكر صفوها، فأجابته سها بدلًا عنها:
_مش راضية تيجي معانا.
_ليه؟!
_ياسمين ملهاش في جو الحفلات ، هو أنت خارج.؟
أجابته أمال مجددًا، فتراقص الشر بمقلتيه، عندما علِم بقاءها في القصر، تذكر سؤال أمال فتصنع النظر إلى ساعته وأجاب بمكر :
_أيوه أنا خارج حالًا وهتأخر بره.
هبط عصام مع ندى التي تتأبط ذراعه بحجة “بروڤة” لمشهد دخولها معه في حفل زفافهما، هتفت سها من أمامها بضيق:
_كل ده يا ندى؟
اتسعت ابتسامة ندى وهي تنظر لعصام ، ثم هتفت :
_روحوا أنتم أنا هروح مع عصام.
_أوك ياقلبي خلي بالك منها يا عصام.
هتفت أمال وهي تجذب أشياءها عن الطاولة ، فطمأنها عصام بقوله:
_ماتخافيش عليها يا ماما.
ثم فصل تأبطها وأردف بحنوٍ:
_اتدربنا بما فيه الكفايا، يلا هنتأخر!
_ يلا .
هتفت بها بابتسامةٍ ثم غادرت معه، اتبعهما آدم نحو موعده المزيف، حتى لا يقلقون على وجوده برفقة ياسمين بالقصر بمفردهما، ابتعد بسيارته مسافةً كبيرة، منتظِرًا خروج الجميع ، وبعد أن اطمئن عاد للقصر زاعمًا بأنه قد نسي شيئًا، فدخل من المطبخ مستغلًّا زيارة هنية لابنتها، فأعد عصيرًا، وقد وضع بها حبات منومة، لينفذ مخططه، فقام بصنع عصيرًا ووزعه على الخدم بعدما نادى على أحدهم، متصنعًا طيبة قلبه ليشربوه ويسقطوا فاقدين للوعي.
**********
كانت تحترق من شدة الغيرة على من تخترقه نظرات الإعجاب من الفتيات من حوله، وكأنه لا يوجد رجلًا غيره ، نظرت إليه ولنظراته اللامبالية بهن ، ثم هتفت بضيق:
_ عصام يلّا نمشي.
_ اللي يشوفك وأنتِ هتموتي وتيجي ميشوفكيش دلوقتي .
هتف عصام ساخرًا، ليزداد غيظها عندما لاحظت فتاتتين تتهامسان مشيرة إحداهما إلى عصام ونظراتهما تتركز عليه ولضحكته التي سخر بها منها، فهتفت بضيق :
_ أنا عايزة أروح أصل والله أقوم أجيبهم من شعرهم والكل يقول عليك هتتجوز واحدة لوكال.
_ خايفة على منظري؟
سألها عصام من بين ضحكاته التي صدحت فجأةً ، فاحتدت نظراتها صوبه وهتفت بضيق من بين أسنانها :
_أنت بتضحك وأنا هموت.
_بعد الشر عليكِ معدتيش تنطقي الكلمة دي ثاني ، سامعة؟
هتف بصوتٍ عالٍ أرعبها ، ذكر كلمة الموت أمامه أعاد له خاطر فقدان لميس قبلها، شعرت ندى بفادحة ما تفوهت به، فأخفضت صوتها تحدثه :
_ خلاص ، بس وطِّي صوتك ، بقولك إيه؟
سألته وهي تضرب كتفها بذراعه ، فالتفت إليها ليرى ماذا تريد ، فأردفت بطلبها:
_ ما تيجي نرقص ؟
_عصام الدالي يرقص؟ ، متفكريش …
هتف بها مشيرًا إليها بسخرية من طلبها ، فتضيق عيناها وهتفت بحنق بعد رفضه:
_ كده؟! ماشي يا عصام.
**********
جلست ياسمين على فراشها تحدث خالد للمرة التاسعة خلال اليوم:
_ روح قلبي بتعملي إيه؟
سألها بنبرته العاشقة لتجيبه وهي تضم الكتاب الذي بين كفها :
_ أنا قاعدة بقرأ رواية وأنت بتعمل إيه؟
_مفيش قاعد لقيتك وحشتيني قولت أكلمك.
هتف بمللٍ أضحك ياسمين التي قالت بسخرية:
_ أنت لحد دلوقتي مكلمني 8 مرات و دي المره التاسعة.
_بتوحشيني أعمل إيه؟
قالها متصنعًا الحزن ، لتجيبه مغازلة:
_وأنت كمان وحشتني أووي ياحبيبي .
رفع خالد الهاتف عن أذنه يتحقق من صدق ما سمعه ، فصاح بفرحة:
_وحياة عيالك ياشيخة ده أنا هركب وآجيلك فورًا ، أخيرا حبيبتي حنت عليا بكلمة حلوة ياناس إيه ده؟! هموت مش مصدق .
_بعد الشر عليك ياقلبي.
نَبَسَت بها من بين ضحكاتها ، لتسمع هتافه الفرِح مجددًا:
_وقلبك كمان لا كده كتير والله الكلام الحلو مبيجيش إلا وأنا بعيد ما أنا كنت متلقح جنبك .
تعالت ضحكاتها فتراقص قلبه معها، وقال محذرًا:
_ ضحكة كمان من دي وهحجز حالا وأجي.
وسألها باستغراب:
_هي ندى فين بكلمها مش بترد!
ردت عليه مسرعة:
_ندى بره مع عصام.
أعاد سؤاله يسأل عن والدته، فأجابته بأنها قد خرجت إلى الحفلة مع أمها وسها ليسألها مجددًا:
_يعني أنتِ لوحدك ؟
_لا ، أنت معايا ياخالد دايمًا معايا.
أجابته بهمسٍ عاشق، لتسمع بعدها صوته الذي يحمل ذات العشق:
_بعشق اسمي لما بتناديني بيه يا ياسمينا؛
طرقات باب غرفتها قطعت محادثتهما فهمست وهي تهم بالنهوض:
_هشوف مين بيخبط واكلمك.
_لا انا معاكي مش هقفل ناوي أرغي معاكي للصبح .
أجابها رافضًا إغلاق مكالمته، فضحكت وهي تترك الهاتف على الكومود، وفتحت بابها،لتتفاجئ بآدم أمامها، سألته بضيق:
_عايز حاجة يا آدم ؟
_لو سهرانة تعالي نقعد مع بعض شوية؟
سألها فشعرت بالتوجس من نظراته الماكرة التي يحيطها بها، فقالت وهي تحاول أن توصد الباب:
_لا أنا هنام عن إذنك.
دفعته القوية للباب الموصد في وجهها جعلتها تسقط أرضًا ، دخل غرفتها وهتف بفحيح :
_ أنا كده جبت آخري معاكِ تعالي.
وأمسكها بشدة من شعرها، ليستمع إلى تأوهاتها وصراخاتها المستنجدة بإسمه:
_خالـــــــــــد..
صرخ عبر الهاتف:
_ألو، ياسمين في إيه، ألو.
_أنت عايز إيه؟
رددتها من بين صرخاتها في محاولةٍ لفهم سبب ما يفعله، فأجابها بنبرةٍ قذرة وهو ينظر لجسدها بجرأة :
_عايزك أنتِ ؟
لم يشعر بعدها إلا بصفعةٍ هوت على وجهه، فازداد غضبه، ليردها إليها بأخرى أشد، كاد خالد بأن يفقد صوابه يناديها ويستمع لصرخاتها وتأوهاتها لكنه لا يعلم ماذا يحدث لها.
_ ابعد عني ليه بتعمل كده؟
صرخت وهي تدفعه عنها، لتسمع جوابه وهو يحاول تمزيق فستانها عنها ويهمس بنبرته القذرة:
_هو اللي اضطرني لكده هو أحسن مني في كل حاجة في الجامعة هو الأشطر والأغنى ويوم ما حبيت الإنسانة الوحيدة اللي حبيبتها مطلعتش بتحبني ، كانت بتحبه هو ليه دايما هو بيبقى الأحسن ليه حتى أنتِ أخترتيه هو… بس خلاص أنا هخليكي ليا أنا هكسره في حبيبته زي ما كسرني في عين البنت اللي مشافتش غيره.
أعاد جذبها من شعرها ، فنظرت إلى الهاتف تصرخ مستنجدةً بخالد :
_ إلحقني ياخالد.
لاحظ آدم أنها تنطق باسمه و نظراتها على هاتفها، فعلم أن خالد على الهاتف، أمسكه و فتح مكبر الصوت فانطلق صوت خالد الخائف في الغرفة :
_ ياسمين حبيبتي مالك بتصرخي ليه ألو ، ردي عليا مالك ألو….
_مش هتعرف ترد عليك ياصاحبي.
قاطعه آدم بحديثه الساخر ، فسأله خالد بصدمة:
_آدم أنت بتعمل إيه عندك في أوضة ياسمين؟
_ ولا حاجة كنت حابب أعين بنفسي، أصلهم بيقلوا عليها مزّة و أنا حبيت أعين وأحكم
هتف آدم ساخرًا تبعت حديثه ضحكةً قذرة ، جحظت عينيه بعدم استيعاب فاندفع يهدده بنبرته الحمائية:
_قسمًا بالله إن لمست شعرة وحدة بس منها لاكون دافنك يا آدم، مش هرحمك يا كلب.
تعالى صوت بكائها فهمس لها بوجع:
_ متخافيش ياحبيبتي مش هسمحله يأذيكِ
هتف جملته الأخيرة مطمئنًا التي تستنجد باكيةً، في حين اتسعت ابتسامة آدم بقذارةٍ وهتف بخبث عبر الهاتف:
_ أنت حبيبي يا خلّود وعشان بحبك هخليك تسمع صوت حبيبتك وأنا بآخذ منها أغلى حاجة عندها.
_لا أبعد عني خالد خالد
صرخت بعنف وهي تشعر باطن عبارته الوضيعة، فانقض عليها يضربها وشرع في تمزيق ثيابها وياسمين تقاوم بكل قوتها ، انهار ذلك الذي يستمع صراخ حبيبته وهي تضرب وهو غير قادر على إنقاذها وإحساس العجز يسطير عليه، أمسك هاتفه و اتصل برقم عصام الخاص، ليجيبه على الفور :
_ ألو إيه يابني أنت مش كنت مكلمني دلوقتي؟
أجابه خالد بدموعٍ ونبرةٍ مرتجفة، هتف باسمه فانتصب عصام فجأةً وسأله بقلق:
_خالد ، في إيه؟! بابا ماله؟
_ الحق ياسمين.
لم ينتظر عصام الاستماع لبقية حديثه فنبرته الباكية كفيلةً لتدفعه راكضًا إلى سيارته، وقبل أن يغادر أوصى عثمان بإيصال ندى معه إلى القصر، وانطلق لينقذها، تحركت السيارة لتنهب الطريق بقيادته المجنونة، فسأل خالد الذي لا زال على الهاتف:
_مالها ياسمين ياخالد ؟!
_ الحيوان آدم بيتهجم عليها ، عصام الحقها عشان خاطري.
**********
جذبت ياسمين مزهريةً بعد أن حررت نفسها بصعوبة من بين يديه وهوت بها على رأسه، لتهرب بعدها إلى حمام غرفتها وأغلّقته عليها، ليصرخ الآخر متألمًا تبعه تهديده :
_ آه.. كده ماشي يا ياسمين أنتِ فاكرة إن الباب ده هيحميكي؟
وبدأ يركل الباب برجليه وياسمين تقف في آخر زاوية في الحمام وتصرخ باكية:
_حرام عليك أنت عايز إيه سيبني أبوس إيدك ليه بتعمل كده ؟ دا خالد صاحب عمرك.
تعالت ضحكاته بشرٍ ليرتجف جسدها خاصةً مع الضربات الموجهة للباب ،وهتف بحقد:
_صاحب عمري ! أنا مبكرهش حد قده في الدنيا
أنا فضلت أدور له على نقطة ضعف ولقيتك أنتِ نقطة ضعفه لازم أكسره بيكي!
**********
أوشك عصام على الوصول، فهاتفه خالد محاولًا الاطمئنان :
_عصام…
همس بتوجس شعر به عصام فطمأنه قائلًا:
_ أنا قربت أوصل.
جلس خالد على الأرض و العجز يسيطر عليه ، وساوسه تقوده لأشياء سيئة قد أصابتها، تمتم بضعف شديد :
_ياسمين … روحي …عشان خاطري ياعصام متخليهوش ياخد روحي مني أرجوك
استشعر عصام ضعفه وعجزه، تذكر لميس وما حصل لها أمام عينيه، لكن هذه المرة لن يسمح بذلك، خاصةً بعدما استمع لأول مرة لخالد يتحدث بذلك الضعف ، فطمأنه وهو يزيد السرعة :
_متخافش أنا خلاص قربت أوصل إن شاء الله هلحقها.
_أوعى تقتله أنا اللي هقتله.
هتف بها خالد في محاولةٍ لاستجماع قوته وقد أراد عصام إنقاذ ياسمين أولًا لكن خالد أصرّ بذلك مع طلبه :
_أوعدني.
_أوعدك .
وصل عصام إلى القصر فوجد الحرس يتمددون أرضًا بأهمال، وكأنهم لاقوا حتفهم فهمس بتوعد:
_ يا إبن ال*** والله ما هرحمك.
************
نجح آدم في كسر الباب بعد عدد من المحاولاتر فجذب ياسمين ودفعها للفراش، قاومته مجددًا وتلك المرة أعنف من ذي قبل، فضربها بعدد من الصفعات إلى أن فقدت وعيها بالكامل، فدنى منها وهو يردد بحقد:
_هنزع روحه بايدي، وانتقامي مش هيكونله دوا!
همست له بضعفٍ ورجاءًا:
_ سبني.. أرجوك أبعد عني.
نجح اخيرا باقتحام الغرفة،ليجده قريبًا من شقيقته فغلت الدماء بعروقه،فأمسك بآدم و هو يضربه بشدة :
_ يا ابن ال*** بتقطع الايد اللي اتمدتلك، بعد ما أمنّالك على بيتنا وأهلنا.
جنّ جنونه عندما رأى أخته في هذه الحالة وأخذ يضربه ضربًا عنيفًا، بدأ آدم يفقد وعيه من كثرة الضرب الموجه إليه، فكان كلما رفع بصره ليرى منظر شقيقته وكل تلك الجروح تغطي وجهها من شدة الضرب يزداد غضبه وقوته، حتى فقد الوعي تمامًا، فبصق عليه وهو يردد:
_هندم طول عمري إني مخلصتش عليك بنفسي بس للأسف أنا وعدت خالد أنه هو اللي هيخلص عليك.
هتف بحدةٍ وهو يمسكه من رقبته ثم ألقاه أرضًا وهرع إلى أخته، يُربت على وجهها في محاولةٍ لإفاقتها، همس باسمها مراتٍ عديدة، لتستيقظ فجأةً بدموعٍ وصراخٍ هستيري :
_لا، ابعد عني، لأ.
_متخافيش ياحبيبتي أنا عصام.
حاول عصام احتضانها ليهدئ من حالتها و يزيل قلقها لكنها دفعته وصراخها يتعالى أكثر :
_ ابعد عني..
ابتعد عنها وقد فقد قوته عند رؤيته لشقيقته هكذا، أجج ذلك غضبه لينقد فوق آدم مجددًا يسدد له الضربات ويدمي وجهه، حتى سقط عن الدرج للاسفل، حالة من الغضب سيطرت عليه، لا يزال يلكمه بقوةٍ على ما حاول فعله، ولجت ندى للداخل فصعقت مما رأته وتساءلت: :
_عصام في إيه؟!
لم يجيبها بل ارتفع صوته يهدر بعنفٍ:
_يا عثمان.
آتى عثمان يهرول سريعًا يجيبه بهدوءٍ:
_ نعم يا فندم.
اشار عصام على آدم الملقى أرض يحاول أن يتنفس، يردد بعصبيةٍ مفرطة:
_الحيوان ده يتكتف في المخزن لحد لما خالد يجي وطقم الحراسة اللي على البوابة ده كله يتغير أنت فاهم.
أمسك عثمان بآدم يجيبه بهدوءٍ :
_حاضر يا فندم.
صعد عصام لأعلى يتجه نحو شقيقته ومن خلفه ندى التي لم تفهم شيء، فعادت تتساءل من جديد بدهشة أكبر:
_ عصام في إيه؟!
دلفت معه نحو غرفة ياسمين تنتظر أن يجيبها ولكن ذاك المشهد كان كفيل بالاجابة عليها ركضت نحو صديقتها تتمتم بصدمةٍ:
_ ياسمين!!
لم تجد استجابة منها، لتعيد حديثها وهي ترى ملامحها المتألمة، وجهها المليء بالكدمات، ملابسها الممزقة:
_ مالك! مين اللي عمل فيكٍ كده
تدخل عصام بصوتٍ لا يزال غاضب مما فعله هذا الوغد، يردف بصوتٍ مختنق:
_ندى لبسي لياسمين هدوم تانية غير دي عشان أكلم الدكتورة تيجي تشوف مالها!
اومأت برأسها بايجابيةٍ، تذرف الدموع على ما حدث لصديقتها تحاول معها مجددًا كي تحدثها:
_ياسمين ردي عليا ياسمين!!
لم تجيبها، لتزداد دموع ندى المنهمر، تبدل ملابسها قبل دلوف الطبيبة، وبالفعل دقائق أتت بها الطبيبة وقامت بفحصها جيدًا، وما أن غادرت حتى تقدم منها عصام ينتظر إجابة لما بهِ شقيقته:
_طمنيني يا دكتورة؟!
اجابته بعمليةٍ:
_مخبيش عليك يا فندم الحالة صعبة جدًا واضح إنها إتعرضت لمحاولة إغتصاب ودا نتج عنه صدمة عصبية حادة.
علق عصام بصدمة :
_لدرجة أنها تخاف مني كده أنا أخوها!!
حركت رأسها في ايجابية، تردد بهدوءٍ:
_ده شيء طبيعي جدًا ممكن كمان تخاف من والدها نفسه وارد جدًا.
_لدرجة دي!!!
قالها بصدمةٍ مما يحدث لشقيقته، في حين اكملت الطبيبة حديثها:
_هي هتابع معايا وإن شاء الله خير بس أوعى تعرضها لضغط عصبي وإلا حالتها هتسوء أكثر من كده شوف اللي يريحها وأعمله.
عتمة كست ملامحه، يردف بصوتٍ مختنق:
_شكرا لحضرتك، مع الدكتورة ياعثمان.
تقدم عثمان بعدما اشار له عصام بأن يوصلها، يردد:
_حاضر يافندم.
دخل عصام إلى ياسمين وجدها تبكي بين أحضان ندى وترتعش بشدة، تألم قلبه لما يراه، شقيقته ترتعش بهذا الشكل، وحبيبته بحالة يرثى لها، ترك الغرفة يدلف لغرفته يشعر بألم يعتصر قلبه.
******
صعد خالد أول طائرة عائدة لمصر وما أن وصل القصر حتى ركض نحو غرفة ياسمين، وما أن فتح الباب حتى وجد ندى تحتضن ياسمين باحتواء، تقدم نحوها يردد بأسف:
_ياسمين أنا أسف يا عمري.
صرخت ياسمين بقوة، تتمسك بندى بشدةٍ وتهذي بكلماتٍ ألمت قلبه:
_ أبعد عني متلمسنيش أبعد عني.
حاول التقدم منها يردف بصوتٍ متألم:
_ أنا خالد ياحبيبتي متخافيش.
حاولت ندى السيطرة عليها، تردف بصوتٍ عالي لخالد:
_ خالد أطلع برة.
لم يستجب لها خالد بل ظل مكانه بحالة ذهول مما تفعله، لتركض نحو غرفة عصام كي يلحق بها. في حين حاول خالد الحديث مع معشوقته بحنو:
_ ياسمين طمنيني عليكي أنتِ كويسة!
وضعت يدها على اذنها، تنكمش على نفسها بشدة، تردد بهستريةٍ:
_ أبعد عني لا سبني!
ضمت قدميها لصدرها تحاول حماية ذاتها، في حين بقى خالد بحالة صدمة مما فعلته ياسمين، ترك الغرفة بأعينٍ حادة، يهدر بصوتٍ عالي:
_عثمان عثمان..
آتى عثمان يهرول نحو خالد مرددًا :
_نعم ياخالد بيه.
_ آدم فين؟!
قالها بصوت حاد شرس، في حين اجابه عثمان بهدوء:
_في المخزن.
انطلق خالد نحو المخزن ليجد آدم ملقى على الأرض بحالة سيئة، تقدم منه يمسكه من تلابيب ملابسه يهدر بصوتٍ عالي:
_ ليه أنا عملت فيك إيه لكل الكره ده ليه؟؟
لكمه بقوة شديد، كلما تذكر خوف ياسمين منه يزداد عنف لكمته، لصرخ به في شرسة:
_ ليه مرحمتهاش، انا أزاي معرفتش وساختك دي!
تحدث آدم بصوت يكاد يكون مسموع :
_عشان غبي فكرت أني ممكن أحبك بعد لما أخذت روما مني!
صرخ به خالد في حدة :
_ أنا مخدتش منك حد هي حبتني أنا ذنبي إيه وأنا رفضتها عشانك كان ممكن لو عايز أتسلى لكن أنا مش وسخ زيك.
تمتم آدم بضحك :
_ بس فلت منها المرادي أنا كنت خلاص!
لكمه خالد بقوة، يردف بشرسة عنيفة:
_اه يا ***** يا ****** والله ما هرحمك.
وضع يده على رقبته ضاغطًا عليه بقوة، في حين دلف عصام يجد خالد على وشك قتل آدم، أسرع نحو يمسك بيده مرددًا:
_لا يا خالد سيبه.
حدجه بنظرةٍ شرسة، يردد بحدةٍ:
_لا لازم يموت الـ***** صدقني لازم يموت.
نجح عصام في تخليص آدم من يد خالد بصعوبةٍ، يردد بلهثٍ:
_ده أوسخ من أن توسخ إيدك بدمه.
حاول خالد تخليص نفسه من يد عصام، يصرخ بقوةٍ:
_سبني انا ناري مش هتبرد إلا لما اشوفه ميت.
_هيموت بس مش أحنا اللي هنموته.. عثمان..
قالها ثم نادى على عثمان الذي أتى على الفور ومعه صديقه حازم، تمتم عصام بهدوءٍ بعدما سيطر على خالد:
_حازم الـ**** ده يترمي في السجن أحرص أنه ياخذ واجبه كل يوم.
حرك حازم رأسه بايجابية، يردد بمكرٍ:
خلاص يا عصام فهمتك تعالى يا ****.
سحبه حازم بقوةٍ، في حين نظر عصام إلى خالد الذي كان على حافة الانهيار، فأشار لهم بصرامة:
_عثمان خد الحرس و أطلعوا
نفذ عثمان ما قاله، وترك المخزن، ليجلس خالد على الكرسي بتعبٍ ، وضع عصام يده على كتف خالد متمتمًا :
_مالك يا خالد؟!
اجابه بصوتٍ يغزو الألم :
_هموت أنت مشفتش ياسمين خايفة مني أزاي!!
_فترة وهتعدي
قالها عصام بحزنٍ، في حين نظر خالد لعصام نظرة طويلة ثم قال :
_ أنت أزاي إستحملت الإحساس البشع ده أزاي؟!
قطب عصام جبينه متسائلًا:
_ إحساس إيه؟!
أجابه بصوتٍ متألم:
_ إحساس العجز أنك عاجز تساعد أقرب الناس ليك إحساس إنك ضعيف وعاجز أزاي قدرت تنسى!
تنهد عصام بتعبٍ من تلك الذكرى ثم ردد بهدوء :
_ مين قالك اني نسيت يا خالد،انا كل يوم بسمع صوتها وهي بتستنجد بيا عشان أخلصها من الس…كينة اللي على رقبتها.
أخذ نفسًا طويلًا يسترسل بألم:
_سنين يا خالد مش أيام دي حب عمري اللي ضاع سنين عشان أقدر أنسى بس مانسيتش غير لما ندى دخلت حياتي مرة تانية قدرت تخليني أحلم من جديد.
ردد خالد بأعينٍ مدمعة:
_عصام أنا مش هقدر أستحمل إن ياسمين تخاف مني كده الموت أحسن ليا من كده.
ربت عصام على كتفه، يردد بمواساة:
_مسألة وقت يا خالد مش أكتر بس أهم حاجة أبعد الفترة دي.
_مش هقدر بس هحاول
قالها بتعبٍ، في حين أتت ندى مرددة:
_عصام.
أدار عصام رأسه ينظر لها بقلق متسائلًا:
_في إيه يا ندى؟!
رددت بضيقٍ:
_أنت تلفونك فين أنا زهقت رن عليك!
_في أوضتي في إيه؟!
اجابها ببعض التعجب، تسترسل ندى حديثها:
_ الكل رجع وياسمين بتصرخ أرجوك يا عصام أتصرف!
**************
_ في إيه يا ياسمين خالد نزل في الوقت ده ليه ومين اللي عمل في وشك كده ما تتكلمي!
اجابة آمال بدموع وهي تحتضن ابنتها:
_ أنا كنت بره معرفش حاجة مالك يا ياسمين؟!
صرخت ياسمين ببكاء من رؤية آسر :
_ لا لا أبعدوه عني لا أبعد!
_ آسر أبعد.
قالها عصام محاولًا ابعد آسر الذي ملأ وجهه الذهول، تقدم خالد منها يحاول معها:
_ إهدي يا حبيبتي محدش هيأذيكي إهدي.
ازداد صراخ ياسمين ببكاءٍ هستري :
_ أبعدوا عني لا!
نظر آسر بصدمةٍ مما حدث لشقيقته، يردد بكلماتٍ تحمل الصدمة:
_في إيه ياسمين مالها!!
أتى عصام بحقنة، يردد بجدية:
_ خالد آسر كتفوها بسرعة..
كان لا يزال يحدقان به، ليزمجرهما بحدة:
_أنتم لسه بتبصلوا بسرعة قبل ما حالتها تسوء!
أمسك آسر قدميها في حين أمسك خالد يديها، حاولت ياسمين أن تفلت يدها تردد بصراخ:
_ أبعد عني!
همس خالد بصوتٍ متألم:
_مش هسيبك تاني أوعدك يا حبيبتي إن إللي حصل ده عمره ما هيتكرر.
انتهى عصام من حقن ياسمين التي مر بها دقائق وغفت من تأثير الحقنة المهدئة.
نظرت لهم آمال تردد بألمٍ:
_فهموني بنتي مالها؟!
اجابهم عصام بعدما أخذ شهيقًا كبير ثم زفره:
_ياسمين إتعرضت لمحاولة اغتصاب!
ألجمت الصدمة ألسنتهم عن الحديث، ليقطع هذه الصدمة صوت آسر محتقن :
_أزاي ومين الحيوان ده أنطق!!
روى عصام لهم ما حدث، لتردف سهير بحزنٍ:
_ أنا عرفت ليه ياسمين مكنتش بتحب تقعد معانا وهو موجود.
تنهد عصام يردف بهدوءٍ:
_إللي حصل حصل والكلب ده هياخد عقابه.
**************
جلس خالد إلى جانبها على مقعد بجوار السرير، يردف بندمٍ يحمل نفسه الذنب:
_ ياسمين أنا أسف والله عمري ما هسامح نفسي على إني دخلته بيتي بإيدي ليه مقولتليش!!
بدأت تذرف الدموع وهي نائمة، ترتعش يديها بشدة، مد خالد يده يدثرها أسفل الغطاء يرسل لها رسالة بأنها في آمان الآن يردد بحنو:
_ لا يا حبيبتي متخافيش أنا جنبك.
دلف عصام إلى الغرفة، يتمتم بهمسٍ:
_خالد أرجع لأوضتك لو صحيت و لقيتك هنا حالتها هتسوء أكتر.
أجابه خالد بحزن شديد :
_ متخافش همشي قبل ما تفوق.
وضع عصام يده على كتفه كأنه يبادله الدعم، ثم غادر على الفور
********
_ممكن أدخل.
قالها عصام بعدما دلف يقف على اعتاب الغرفة، ينظر إلى ندى التي تركت الباب مفتوح، مسحت ندى دموعها، تردد بصوتٍ مبحوح:
_ أتفضل ياعصام.
جلس عصام على مقعد بمواجهتها، يردد بحنو:
_مالك ياقلبي؟!
اجابته بدموعٍ منهمرة:
_ ياسمين صعبانة عليا أوي يا عصام، ليه يعمل فيها كده ياسمين طيبة متستاهلش كده وخالد هيموت عليها أنا مش هقدر أشوفهم كده.
_بس ده نصيب يا ندى.
قالها بهدوءٍ، ثم استرسل بحنو لها:
_ياسمين هتبقى كويسة بس محتاجة شوية وقت مش أكثر هي محتاجاكي جنبها الفترة دي.
رددت بألمٍ:
_مش قادرة أشوفها كده.
حرك رأسه في نفي، يردد بتشجيع:
_لازم تكوني قوية يا ندى ياسمين خافت مننا كلنا إلا أنتِ.. ارتاحي دلوقتي عشان من بكره تكوني جانبها. تصبحي على خير.
**************
ظل جالسًا إلى جانبها طوال الليل، الى أن شعر أنها بدأت تستيقظ فركض بعيدًا يختفي تمامًا من أمامها، استيقظت ياسمين تجلس على السرير ضامة قدمها إلى صدرها لتنسدل الدموع بغزارة على وجنتيها تتذكر ما فعله معها آدم وكلماته المقززة لها، بينما بقى خالد خلف الباب يستمع لأنينها بألم، تتمزق روحه بقسوةٍ مما أصبح به في يوم وليلة!!
******
هبطت سها من الدرج، تتجه نحو الحديقة، ولكن قبل أن تتجول بها وجدت آسر يقف شاردًا، هتفت بدهشةٍ ظاهرة:
_ آسر أنت لسه صاحي؟!
أشار لها آسر بأن تأتي متمتمًا:
_ تعالي يا سها مش جيلي نوم.
تقدمت منه لتقف جواره، تردد بحنو:
_آسر أنا عارفة ان الموقف صعب… حاول تنسى.
اجابها آسر بصوتٍ متألم:
_ياسمين مش بس أختي يا سها دي كل حياتي، أنا عيلتي كل حياتي، ليا سند بوجود عصام وخالد وياسمين وندى بحس قد إيه أني عندي أختين أفضل من بعض بيحاولوا يساعدوني وعمي وبابا أنا مش عندي أب واحد بالعكس إثنين وماما وخالتي أفضل أمهات عمرهم ما ميزوا بينا في التعامل.
نظرت سها لآسر بدهشة، ليتمتم
آسر بتعجب:
_ بتبصيلي كده ليه؟!
_مستغرباك أوي
قالتها بتعجبٍ، في حين ابتسم آسر بحزنٍ يردد:
_متستغربيش ياسها أنا يمكن بحب الهزار الكثير بس بردو أنا إنسان وعندي مشاعر.
شعرت بازدياد حبها له، لتردف سها بصوتٍ عاشق:
_ أنا بحبك أوي يا آسر عارفة أنه مش وقته بس انا كل يوم بكتشف فيك حاجة جديدة.
_هو أنتِ جعانة وبتضحكي عليا عشان أجي أحضنك وتاكليني!
قالها آسر بمرحٍ لن ينتهي، في حين غضبت سها، لتردف بضيق:
_كده طب أنا ماشية.
ركض آسر خلفها يردد:
_ أستني يابت تعالي لازم بعد الكلام الحلو ده نختم بأي حاجة كويسة زي الأفلام إن شالله حضن يتيم!!
…. يتبع…
[٣/‏١٢ ٨:٥٩ ص] نودي: (الفصل التاسع عشر)

كانت جالسةً على سريرها تشخص بصرها في الفراغ، بعدما لم تستطيع النوم جيدًا، ساكنة جسد بلا روح عقلها مشوش، وعلى كرسيٍّ قريب جلس خالد طوال الليل ينظر لها بحسرة وحزن على حالها، فتح هاتفه فوجد خمسة عشر رسالة وعشرين مكالمة من آسر ، نهض عن كرسيه متجهًا إلى الخارج من غرفتها، والتي في الواقع لم تلاحظ وجوده من الأساس .
توجه إلى غرفته حتى يبدل ملابسه، تفاجأ بآسر عندما فتح الباب، الذي نهض بسرعة وسأله بقلق:
_خالد أنت كنت فين طول الليل أنا كنت قلقان عليك.
لم يجبه خالد وهو يحضر ملابسه من خزانته، فاندفع آسر نحوه يحدِّثه:
_ أنا مش بكلمك رد عليا كنت فين ؟
التفت خالد إليه وهتف بنبرته المتعبة بحدة :
_ آسر أطلع من دماغي أنا اللي فيا مكفيني وأنت رايق.
_كل ده علشان كنت قلقان عليك على العموم كويس أنك بخير يا ابن عمي .
قالها آسر بحزنٍ وقد همَّ بالرحيل، ليزفر خالد بضيق من نفسه لما فعله، فأوقفه ممسكًا ذراعه:
_ استنى يا آسر أنا آسف مقصدش أنا بس مخنوق.
_ أنت بتتأسفلي؟! طب هات حضن بقى.
هتف آسر بصدمةٍ بعد اعتذاره، فضحك خالد لصفاء قلبه وعانقه بقوة، فهمس آسر بمزحٍ :
_حبيبي يا خلّود نيمني بقى عشان معرفتش أنام طول الليل من غيرك
هتفه الساخر أفسد عناقهما، ليدفعه خالد بضيق صاحب نبرته:
_ مش أنا قولت أنت رايق ؟!
_ الله؟! يعني ما أنا معرفتش انام من امبارح يا ظلمة.
تابع هتافه الساخر ليدفعه خالد إلى خارج الغرفة وقد هتف بنبرةٍ حادة:
_غور يا آسر من هنا.
_براحة يا أخويا متزوقش .
فتح الباب مغادرًا ليتفاجأ بعصام أمامهم تبادلوا تحية الصباح ، فنظر عصام إلى آسر بضيق وهتف بحدة:
_برا يا زفت.
_أنا كل ما أشوف حد يقولي برا
برا برا يا عم يعني بتطرد من الجنة أبو شكلك أنت وهو.
رفع عصام نبرة صوته يسأله:
_ بتقول حاجة يا آسر؟
_لا يا حبيبي ده أنا بدعي عليكم أقصد بدعيلكم.
قالها آسر نافيًا بابتسامةٍ صفراء ثم انسحب مغادر الغرفة، صافقًا الباب خلفه بقوة، نظر خالد إلى عصام بريبةٍ ثم سأله عمّا به ليُجيبه الآخر:
_بابا راجع بكره ولازم الكل يعرف الحقيقة.
اجابه ببسمة هادئة:
_سهل نقولهم هو الحمد لله بقى كويس .
ظهر الشك على ملامحه حينما قال عصام:
_مش دي المشكلة.
ضيق عينيه بعدم فهم:
_طب ما تفهمني إيه المشكلة ؟
شرح له عما يقصده بحديثٍ مقتضب :
_ بابا لو عرف اللي حصل لياسمين حالته تسوء خصوصًا إنه لسه عامل العملية.
فرك خالد لحيته مفكرًا بحلٍّ لهذه المعضلة ، ثم قال بعد هنيهةٍ:
_خلاص بلاش حد يقوله.
_ماهو أكيد هيطلب يشوفها.
قالها وهو يرتخي بجسده على السرير ، ليزداد قلق خالد فتمتم بقلة حيلة:
_ربنا يستر تعال نشوف هنقولهم إزاي ؟
**********
دخل آسر للغرفة وهو يتلفت حوله خشيةً من ألا يراه أحد، وما إن رأته ياسمين يقترب بخطواته منها تسارعت أنفاسها نبضات قلبها، شعرت بالذعر كأول مرة، تابع سيره نحوها بحذر ، ثم قال بصوتٍ هادئ:
_ياسو أنتِ صاحية…هشش متعمليش صوت.
هدأت ياسمين وبدأت تُنصت إلى آسر الذي رفع الغطاء من يده ليُظهر طبقًا مغلف، جلس جوارها فعاد الخوف يتسلل إليها ورددت:
_ أنت عايز إيه؟
_هشش وطي صوتك لأحسن سها تسمعنا.
همس بصوتٍ خافت لياسمين التي بدأت تخرج من حالتها وتهتم و تسمع لآسر :
_ إيه ده؟
سألته وهي تشير ببصرها إلى الطبق ، فقرّبه منها وهتف بمرح :
_ده سندوتشات كفتة وشاورما وكاتشب سرقتهم من أوضة سها….
في هذا الوقت دخل عصام وخالد كي يطمئنا على ياسمين من بعيد فتفاجؤا بآسر ، حاول خالد الاقتراب منهما للفتك بذلك الغبي لكن عصام جذبه نحوه وهو يقول بدهشة :
_ أستنى ياخالد مش ملاحظ ياسمين هادية وبتسمعه.
نظر خالد باهتمام فوجده محقًا، فاسترقوا السمع حديثه خاصةً ياسمين التي تستمع باهتمام :
_ أنا دخلت عليها لقيتها بتخبي حاجة تحت السرير بس أنتِ عارفة إن آسر أخوكِ ذكي فضلت وراها لحد لما دخلت الحمام وسرقت الأكل وجربت.
ابتسامةٌ شاحبة اعتلت وجهها، فابتسم آسر مردفًا:
_يالا ناكل قبل ما تقفشنا.
مدَّ يده يطعمها، فتفاجأ الواقفان على الباب لهذا التقدم ، خاصة خالد الذي قال مندهشًا :
_ ياسمين ضحكت؟.
_ الغبي ضحكها…
_ ياسمين كلت؟.
_الغبي أكلها…
_مش خايفة منه؟.
_واضح إني ابتديت أحب آسر نوعًا ما .
حوارهما البسيط ثنائي الكلمة المتفاجئ، تبعه جملة إطراء لآسر من عصام، نظرا إليهما مجددًا ليتفاجأ به بعد أن أنهت طعامها، يدثرها بالغطاء لتنام ، انسحب آسر من الغرفة بهدوء وقد كانا قد اختفيا ، ليشعر بعدها بقبضة أحد تتسلط على رقبته، تبعها صوت خالد مندهشًا:
_ أنت عملت كده إزاي ؟
_أنا اسر الدالي يا خفيف.
هتف آسر بتفاخر وهو يلوح لخالد بكفه، ليزداد إحكام قبضة عصام على رقبته ، ثم هتف مهددًا :
_ اسمع ياض أنت هتقولي عملت إيه وإلا…؟
أجابه آسر:
_مبلاش وإلا اللي بتودي في داهية ، ولا حاجة اتسحبت ودخلت وعاملتها عادي جدًا ومش جبت سيرة اللي حصل.
شعر بارتخاء قبضته عنه بقوة ودفعه بحدة:
_طب يالا غور من هنا.
انسحب آسر من أمامهما راكضًا، وهتف خالد بحيرة :
_ تصدق الغبي ده طلع بيفهم عننا ؟!
_ ممكن تكون جيت معاه بالبركة.
قالها عصام مفكِرًا، ثم أردف وهما ينزلان للأسفل :
_سيبك منه وتعال نشوف هنقولهم على موضوع بابا ازاي!
_ على رأيك يلا ؟.
راقبهما آسر وهما يتجهان للاسفل بينما تسلل سريعًا للتراس، فتنحنح مردفًا :
_ كويس إنكم متجمعين كلكم، في موضوع مهم لازم تعرفوه.
اجابته سهير بريبة:
_خير يا آسر… ربنا يستر…
ساد الصمت قليلًا في المكان ، لتهتف سها :
_ قول يا أسورة، في إيه ؟
أطال النظر إليهن وخاصة والدته ثم حدثها بمرح :
_ أُمال جوزك فين يا أمال؟
_ اتكلم عدل يا آسر الله هيكون فين مهو مسافر معاكم.
أجابته بضيق أضحكه وهتف من بين ضحكاته:
_ لا، كذب عليكِ.
اعتلت الصدمة الوجوه، فأردف آسر وهو ينظر إلى أمه:
_ أيوه أبولهب أتجوز جاكلين.
_ أنت بتقول إيه؟
لم تكن الصدمة من نصيب من يحدثهم آسر فقط، بل دُهش الواقفان خلفه من ذلك ، ليهمس خالد:
_ الحق الغبي ده.
_نفسي أقتله وأخلص هموت وأعرف بيلحق يعمل الكوارث دي إزاي ؟
همس عصام بضيقٍ وقد لاحظ بعدها صوت بكاء والدته التي هتفت من بين شهقاتها:
_لا ، أحمد ميعملش كده ، لا…
اندفع عصام نحو أمه يهدئها ، وأخبرها وهو ينظر لعيني آسر بتوعد :
_متصدقيش الواد ده ياماما ده مجنون .
_اسمعي بس يا أمال الراجل كان فقد الذاكرة.
اقترب آسر موضحًا الأمر ، فمسح خالد وجهه وهو يهتف بحدة من بين أسنانه :
_ الله يخربيتك ذاكرة إيه يا متخلف أنت؟
_فقد الذاكرة…
هتفت أمال وهي تكفكف دموعها فتابع آسر قصته :
_ أيوه وسافر عشان يعمل عملية عشان ترجعله .
_ورجعتله؟!
سألته بترقبٍ كطفل صغير، فأجابها إجابةٍ أسعدتها:
_ آه وطلق جاكلين بالتلاتة أول ما الذاكرة رجعتله على طول، وقالها الذاكرة رجعتلي أنا لازم أرجع مصر لآمال حبيبتي.
_بجد ، ياحبيبي يا أحمد و أنا بموت فيك.
نظر عصام وخالد لبعضهما مصدومين بعدما حلّت المشكلة دون أن تدري أمال ما السبب الحقيقي، ورغم غباء طريقته إلا أنها أجدت نفعًا، سمعت هتافه المحفز قائلًا :
_ اطلعي بقى يا أمال ظبطي نفسك أصل الواد يبص بره تاني..
صعدت نحو غرفتها على الفور لتستعد لرؤيتع
، في حين اقتربت ندى من عصام تسأله بقلق:
_ عصام ، هو عمي ماله؟
_متخافيش بقى كويس العملية نجحت وراجع بكرة.
أجابها آسر مطمئنًا، لتنظر إليه سهير بقلق وسألته:
_عملية ايه أنا مفهمتش حاجة ؟!
_عمي كان عنده كانسر يا ماما.
تفوه خالد بالسبب الحقيقي فتفاجؤوا جميعًا :
_وأنتوا خبيتوا علينا كل ده؟.
نظرت إليهم سهير تسألهم بضيقٍ لإخفاء أمرٍ كهذا عنهم ، فأخفض عصام رأسه مجيبًا:
_بابا مكنش عايز حد يعرف…
_ بالذات أمال بس أنا قومت بشرف المهمة دي.
قاطعه آسر مردفًا حديثه، فضحكت سهير بعدما تذكرت خطته التي قام بها قبل قليل وقالت:
_ أنا مش عارفة أنت بتعمل إيه لأمال بتخليها تصدق أي حاجة تقولها؟
_دي امكانيات!
تحدث بغرورٍ وهو يعبث بخصلات شعره ، فنظر عصام إليه قائلًا:
_ طب يالا ياخويا أطلع غير عشان أتأخرنا على الشركة.
صعد خالد وأبدل ملابسه،ثم اتجه للهبوط فتوقغ أمام غرفتها بتردد، كسره بدخوله اليها، فوجدها نائمة كما تركها آسر، جلس إلى جانبها بخفةٍ وحاول أن يلمس يدها فشعرت به فاستيقظت مفزوعةً خائفة، ارتعش جسدها ورجعت إلى آخر الفراس تضم ساقيها إلى صدرها، حدثته بصوتٍ متقطع لشدة خوفها:
_ أنت عايز إيه؟
_ياسمين اهدي…
حاول الاقتراب منها لكن صراخها الباكي بأن يبتعد عنها، شعر بالخوف بأن تدخل نوبةً جديدة ليطمئنها قبل أن يغادر :
_ طب خلاص اهدي و أنا هخرج حالًا بس اهدي.
انسحب مغادرًا ، محطم القلب لما يحدث معها، كيف تهابه وهو حبيبها ؟ كيف يبتعد وهي روحه؟ هل تفارق الروح الجسد في الحياة، أم فقط عند الموت؟.
**********
في مكانٍ مخيفٍ جدًا ، جلس أحمد السيوفي مع أيوب البحيري، يتحدثان فقال أيوب مذكِرًا :
_مش قولتلك مش هتقدر عليه؟
اشتعل فتيل غضب أحمد وهتف بحقد متوعدًا :
_والله لادفعه ثمن اللي عمله ده كله غالي أوي أنا أحمد السيوفي أتطرد…لا ومن حتة عيل قد ابني.
_مش عيل يا أحمد ده عصام الدالي اللي قدر في وقت صغير يبقى الحوت على كل الشركات وكبر وبقى ليه اسمه من غير أملاك الدالي اللي بقت تحت سيطرته، احنا لازم نخلص منه في أسرع وقت طول ما هو موجود مش هنعرف نرجع زي الأول في السوق.
استنكر أحمد وعيده بقوله:
_لا ده مش هيقع بالبساطة دي أنا شوفت في عنيه قوة عجيبة خلاني أخاف منه وأنفذ اللي عايزه.
_طب هنعمل إيه ؟
سأله أيوب لاستدراج خطته ومعرفتها، فابتسم الآخر بشر ونادى مساعده :
_مصطفى.
حضر مساعد ووقف إلى جانبه ينتظر أمره فقال أحمد:
_هات الصورة.
مدّ مصطفى الصورة المنشودة لأحمد الذي مدها هو الآخر لأيوب وقال متفاخرًا بثقة:
_ اتفضل دي الورقة الرابحة .
أخذ أيوب الصورة يتأملها ، صورة فتاةٍ بعينين خضراوتين، جميلة، نظر إلى أحمد ليستفهم ما يحدث فقال أحمد :
_دي ندى الدالي بنت عمه وأخت خالد .
_مش فاهم دي ورقة رابحة إزاي ؟
هتف ساخرًا ، ليبتسم الآخر بثقة متابعًا حديثه:
_ندى تبقى خطبية عصام وهو بيحبها موت.
_و أنت أش عرفك ما يمكن جواز مصالح عشان الأملاك متخرجش بره.
سأله فارضًا احتمالًا آخر ، لكن أحمد تعالت ضحكته وهو يخبره :
_ أنت معاك حق بس من يوم ما الحيوان ده طردني وأنا عينت واحد يراقبه عشان أعرف مين الورقة اللي هلعب بيها فطلعت دي.
قالها متلقفًا الورقة من بين يديه يرميها على المكتب ، تبعه قوله الشيطاني:
_جهز نفسك للجاي يا آآ.. يا بوص .
**********
جلس عصام مع خالد يحدثه بأشياءٍ تخص العمل، لكنه على ما بدا كان يحدث نفسه ، فخالد شارد الذهن لا يستمع إليه.
_خالد أنت يا ابني.
صاح عصام بها ينتشله من شروده فسأله بقلق:
_ها ؟ في حاجة ؟
_مالك ياخالد بكلمك وانت مش معايا خالص ؟
سأله بريبةٍ ، فزفر خالد بعمق، ونهض من مكانه يأخذ أغراضه قائلًا بنبرته المرهقة:
_ أنا فعلا مش معاك أنا هرجع القصر مش عارف أركز في أي حاجة.
_سلام
رحل خالد إلى القصر ، وبقي عصام حزينًا عليه في المكتب، أرتخى جسده على كرسيه يفكر كيف يمكنه مساعدته
**********
_ ياسو حبيبتي .
هتفت ندى بمرحٍ فالتفتت ياسمين إليها مكتفيةً بابتسامةٍ جافة، تقدمت ندى بخطواتها إليها ثم أردفت وهي تشد على يدها:
_ يلّا نغني أنا مخنوقة.
_ماليش مزاج يا ندى.
همست بها بصوتها المتعب، تصنعت ندى الحزن، وكسته في نبرتها قائلة:
_ كده؟! خلاص يا ياسمين.
أوشكت ندى على النهوض لتهتف ياسمين بنبرةٍ أشد قوة عن سابقها :
_طب أعزفلك على البيانو و أنتِ تغني؟
شعرت ندى بسعادةٍ وسحبتها من يديها إلى خارج الغرفة، لتقف بها أمام الجميع مبتسمة.
_ياسمين تعالي يا حبيبتي.
هتفت أمال تحتضنها وأجلستها إلى جانبها، ثم نظرت لندى تشكرها لما فعلته، ابتسمت ندى إليها ثم نظرت لسها قائلة:
_ يلا يا سها هاتِ العود ويلا هنغني كلنا .
بدأت ياسمين تعزف على البيانو وإلى جانبها سها تعزف على العود، وندى تغني . ثم صممت أن تغني ياسمين، بعد إلحاحٍ كبير غنت ياسمين أغنيةً بثت فيها جراحها وتعبها وما عانته خلال هذه الأيام.
دخل خالد مستمعًا لصوت ياسمين وهي تغني من الخارج ، وقف قليلًا يراقبها، لكنه لم يستطع الصمود فصعد لغرفته حزينًا.
**********
كان عصام منهمكًا في الأعمال التي تراكمت عليه بعد رحيل خالد، انتفض فجأةً عندما فتح آسر الباب بقوة وهو يركض، فنهض عصام من مكانه وحدّثه بحدة :
_في إيه ياحيوان أنت داخل سوق؟
تلفت آسر حوله يبحث عن خالد ، ثم سأله بقلق:
_مش وقته، بكلم خالد مبيردش هو فين؟
_في القصر .
أجابه ولا يزال الآخر يبحث بعينيه عن مخبأٍ ، وهتف بضيق:
_يعني مفيش اللي أنت؟.
_هو فين اطلع يا زفت.
صوت عادل يعلو من الخارج ، فاختفى آسر وراء ظهر عصام وقال مستنجدًا :
_افاكر اني اخوك مرة ودافع عني!
_ أطلع والله لأموتك.
صوت عادل يرتفع أكثر ، فدخل المكتب يبحث عنه بعينيه ، تفاجأ عصام من هيأته وقال منصدمًا :
_ في إيه ياعادل ؟ ومين اللي عمل في وشك كده؟
_ الزفت اللي وراك .
هتف بحدة ، تبعها تبرير آسر بخوف:
_والله ما عملت حاجة ده هو اللي قالي متعرفش عصام بيحط إيه على بشرته عشان تبقى صافية كده فكتبتله على الكريم اللي شوفته عندك في المكتب.
_الله يخربيتك يا غبي .
احتدت نبرة عصام وهو يصرخ به ، اقترب عادل منهما في محاولةٍ لإمساكه قائلًا :
_والله لأقتله.
_ اهدى يا عادل إن شاء الله خير .
قالها عصام وهو يخفف من حدة غضبه في حين اندفع آسر بحديثه الساخر :
_ أعملك إيه ما أنت اللي غبي أنت حطيت كام مرة ؟
_مرتين.
أجابه وكأنه نسي ما أصابه، فارتفع صوت آسر يؤنبه :
_غبي مش أنا قولتلك أربع مرات ؟
_بس ياحيوان .
اسكته عصام بحدة ، في حين اندفع الآخر مجددًا في محاولةٍ لإمساكه :
_والله لأقتله ده وشي باظ خالص يا أنا يا هو النهارده.
ابعده للخلف وهو يشير له:
_خلاص يا عادل أنا هطلب الدكتور فورًا يجي يعالجك متقلقش .
قال بضيق وهو ينسحب للخارج :
_ماشي يا عصام أنا في مكتبي لحد لما تجيب الدكتور .
أمسك عصام أخاه من رقبته من الخلف يضغط عليها بقوة ويهتف ساخطًا :
_أعمل فيك إيه ؟ قولي على حل واحد بس!!
_ الحق عليا إني ساعدته.
حمّل آسر نفسه الذنب وهو يهتف بندم من خلال نبرته ، دفعه عصام بقوة فترنح في وقفته واستمع إلى صراخ شقيقه الأكبر عليه بغضب:
_دي مساعدة بتدليه بودرة حشرات وتقولي مساعدة يا غبي ؟! اه دماغي فينك ياخالد ده أنت شايل عني بلاء كبير وأنا معرفش.
****************
عاد عصام إلى القصر ثم صف سيارته وتوجه إلى الداخل فوجد ندى تجلس بالحديقة، اقترب منها فوجد آسر يحاول مواساتها لتردد ندى بصوتٍ مبحوح:
_ليه ياسمين متستاهلش كل ده أنا مش قادرة أشوفها كده ولا قادرة أشوف خالد حزين ومهزوم بالشكل ده.
ردد آسر بهدوءٍ:
_خالد قوي يا ندى هيقوم تاني وهو اللي هيرجع ياسمين زي الأول.
دعت ندى برجاءٍ:
_ يارب يا آسر يارب
فجأة دفع آسر ندى من أعلى مقعد يردد وهو يجلس باريحية أكثر مستحوذًا على المكان بأكمله:
_ إيه ياختي أستحليتي المكان أنا كان مالي قاعدة زعلانة ولا حتى تموتي أبو شكلك عكننتي مودي.
احتقن وجه ندى بغيظٍ، تنهض من على الأرض متمتمة بحنقٍ:
_ أنت بتقول لمين الكلام ده يالا!!
ردد آسر بخوف مصطنع :
_ إهدي يا رمضان مقصدش!
نظرت بجانب عينيها، تردف بحدة:
_ بحسب.
ألقى آسر بمزحة سخيفة:
_لا أطرحي.
احتدت نبرات ندى المغتاظة، تردف بغيظٍ :
_إحترم نفسك يا زفت أحسنلك.
زمجر آسر بغضبٍ:
_أنتِ بتقولي لمين زفت ده أنتِ نهارك مش فايت.
تراجعت ندى بخوفٍ، مرددة بتوترٍ:
_ خلاص يا أسورة ياعسل.
اجابها آسر بغرورٍ:
_ خلاص عفونا عنك.
_ يا خراشي ياناس على الحلاوة
قالتها ندى بمزاح، في حين ضحك آسر يردد من بين ضحكه:
_خلاص يابت الله.
لم تتوقف ندى بل اكملت مرددة وكأنها تداعب طفل:
_ يختي بيضة وطعمة.
ازداد ضحك آسر يردف بصعوبةٍ:
_بس يابت بقى.
رددت ندى بضحك:
_ أنا عملت حاجة الله.
صعد عصام إلى غرفته بعدما تركهم يضحكان،وعلى شفتيه بسمة هادئة.
*******
_ندوش أنتِ هنا يا حبيبتي كويس أنا قلبت عليكِ القصر.
قالتها سها بحماسٍ، في حين وقف آسر أمام ندى، ثم همس لها بتفكيرٍ :
_ ندوش وحبيبتي تبقى عايزة دليفري.
ضحكت ندى تبتعد من أمام آسر مرددة وهي تتجه لسها :
_ عايزة إيه ياسها!
اجابتها سها بحماسٍ:
_ أنا كنت عايزاكِ تيجي معايا بكره أشتري شوية حاجات ليا وأنتِ عارفة ذوقي زبالة فعايزاكِ تيجي معايا.
نظرت ندى نحو آسر مرددة بضحك:
_ إن بعد الظن إثم يا آسر.
تعجبت سها من ضحك ندى لتتمتم بتعجبٍ:
_بتضحكِ على إيه وظن إيه!!
اجابتها ندى بضحك لا يزال مستمر:
_ آسر مفكرك عايزة دليفري.
حركت رأسها بفهمٍ، تردف ببلاهة :
_ما أنا خلاص طلبت وأكلت وزمان الطلب التاني على وصول.
ظهرت علامات الصدمة على ملامح كلًا من ندى وآسر، لتردف ندى بدهشة :
_ بس أنتِ أكلتِ معانا من نص ساعة.
علق آسر بصدمةٍ:
_دي أكلت الطلب الأول والتاني في السكة.
تحركت ندى من أمامهما تردد :
_طب عن أذنكم أنا لازم أنام.
_ أوك ياحبي تصبحي على خير.
قالتها سها وهي تلوح بيدها لها، في حين ردد آسر بمرحٍ :
_هي مالها بردت كده ليه أستني ياندى خديني معاكِ
اوقفته سها تردد بجدية:
_ أقعد أنا عايزاك.
تجمد آسر مكانه، وكاد أن يسير مجددًا ولكن اوقفته سها مرددة وهي تشير لندى أيضًا
_ الله مش قولتلكم أقعدوا عايزاكم.
_ إتفضلي ياهانم السندوتشات اللي حضرتك طلبتيها
قالتها هنية وهي تحمل صينية كبير بها سندوتشات، في حين علت الصدمة وجه كلًا من آسر وندى، لتردف سها وهي تحمل منها الصينية:
_ أتأخرتي كده ليه هاتي.
جلست ندى تتطلع برعبٍ نحو السندوتشات، في حين ردد آسر بصدمة:
_قولي عايزة إيه بس من بعيد متقربيش أيوه كده كويس.
جلست سها بعيدًا عنهما بتعجبٍ من طريقتهما، في حين نظر آسر لندى متمتمًا:
_مش صح كده كويس!
رددت ندى بتفكيرٍ:
_تفتكر.
اجابها آسر بصدمةٍ لا تزال عالقة به :
_ربنا يستر.
أكلت سها كل الشطائر، وما أن شبعت حتى رددت بجدية:
_أسمعوا بقى بما أن خالو راجع بكره أنا عندي الحل لمشكلة ياسمين.
همس آسر وكأنه بمهمة رسمية:
_ إيه الحل يا معلمة!
اجابتهم سها ببساطة:
_ إن نقول أن ياسمين إتعرضت لإغت…صاب.
علق كلًا من آسر وندي بتهكم:
_والله ده الحل !!
حركت رأسها بنفيٍ، تتمتم سها بجدية:
_ لا يا غبي هنقوله أن اللي إغتص…بها هو خالد.
ازداد تلون وجه ندى و آسر بصدمة، لتكمل سها بكلماتٍ بلهاء :
_وأهو مننا وعلينا.
_ إتفضلي الدليفري ياهانم
قالتها هنية وهي تضع حقيبة الطعام، في حين جحظت عين ندى وآسر بشدة، لتكمل سها بضيقٍ:
_مش معقول كل ده تأخير متدلوش تبس.
علقت ندى بصدمةٍ:
_ أنتِ لسه هتاكلي!
ردد آسر بصدمة:
_الفرح بعد شهرين هقعد معاها أزاي دي! هو أنا لو جريت هيحصل حاجة؟!
اجابته ندى بذات الصدمة:
_ لاء.
ثم ركض الأثنان بعيدًا تاركين سها منسجمة مع الطعام.
********
صعد عصام إلى غرفته، ثم ابدل ثيابه و توجه إلى غرفة ياسمين ليطمئن عليها، فوجد خالد يجلس بجانبها ويبدو عليه الحزن الشديد، تقدم منه عصام متمتمًا:
_عاملة إيه دلوقتي؟!
اجابه خالد ببؤس:
_زي ماهي مفيش جديد.
وضع عصام يده على كتف محاولًا مواساته :
_هتبقى كويسة ياخالد متخفش!
_ولو ده محصلش!
قالها بصوتٍ خالي من الأمل، ليردف عصام بحزم:
_متستسلمش بالسهولة دي.
ردد خالد بألم:
_ صعب أووي يا عصام إحساس بشع أنت مش حاسس بالنار اللي جوايا.
ثم نظر إلى ياسمين النائمة بفعل المهدئ يسترسل بحزنٍ دفين :
_عارف يعني إيه لما حبيبتك اللي كانت بتتحمى فيك من الدنيا كلها عايزة حد يحميها منك
أنا لسه فاكر لما أي حد في القصر كان بيديقها كانت بتدور عليا عشان أحميها.
ردد عصام بجدية:
_ أنت لو ضعفت مش هتعرف ترجعها زي الأول.
ادمعت خالد عينيه بألمٍ، يؤدف بصوتٍ متعب:
_غصب عني، حاسس أن قلبي هيقف لما بشوفها خايفة مني كده، بس هحاول
غادر خالد الغرفة يحمل خيبة آماله، في حين نظر عصام بحزنٍ على حال شقيقته، ثم داثرها بالفراش جيدًا مقبلًا جبينها بحبٍ، ثم سار نحو غرفته ولكنه وجد ندى وآسر يقفان بتعبٍ من الركض، نظرت ندى لآسر ثم انفجرت ضاحكة، ليردف آسر بدهشة:
_بتضحكي
واصلة نوبة الضحكة دون توقف، في حين ازداد تعجب آسر ليردف محاولًا اسكاتها:
_إسكتي.
وضعت يدها على فمها تحاول كبحها، لتردد ندى بضحكٍ خافت :
_ آسفة.
توقفت قليلًا ثم إنفجرت مرة أخرى، لتردف بضحك، ممسكة بطنها :
_مش قادرة دي كلت خمس مرات و إحنا قاعدين.
عوج آسر فمه، ليردف بتوترٍ :
_ أنا خايف بعد الجواز أصحى مالقيش رجلي.
هتفت ندى بضحك :
_ أشمعنا رجلك ما ممكن تأكل إيدك!
اجابها آسر بدهاء:
_لا يا غبية عشان معرفش أجري
واسترسل بتذكرٍ:
_شفتيني و أنا بجري بعد ما وقعت.
حركت رأسها بايجابية، تتعالى صوت ضحكتها مرددة :
_ كان شكلك مسخرة هموت مش قادرة.
ردد آسر بغضب :
_طب إتلمي بدل ما ألمك ما أنتِ هتعيشي مع مصاص دماء أعوذ بالله.
شهقت ندى بغيظٍ، تردف بحدة:
_ نعم قطع لسانك مين ده اللي مصا..ص دم..اء ده البوص يعني عمي وعم الشباب كلهم، يخرابي على جماله ولا عينيه الزرقة بتوه فيهم، بصة واحدة منه بتخليني فوق في السما.
علق آسر بتهكم:
_ طب إنزلي ياختي على الأرض.
_ليه ما أنا كويسة فوق.
قالتها ندى بتعجبٍ، ليتمتم آسر بغرور :
_ يابت سيبك منه وتعالي وأنا أتجوزك.
ضحكت ندى على حديثه، تردد بسخطٍ :
_ أتجننت عشان أتجوزك أنت!
عبست ملامحه آسر، ليردف بغيظٍ:
_مالي ياختي مال وجمال وخفة د….م.
اشاحت بيده له، تردد بسخطٍ:
_ خليهم يمكن ينفعوك
تقدم آسر منها بغيظٍ، يردد :
_يابت أتقي شري.
تحركت ندى، بعيدًا، تردد بسخرية:
_ ياعم روح و أنت شبه العرسة كده.
_عصام أنت بتعمل إيه هنا؟!
قالها خالد بدهشة من وقوف عصام، ليجيبه عصام ببسمة:
_بتفرج.
_على ايه
قالها خالد بتعجب، فأشار عصام على آسر وندى..
_ أنا عرسة طب تعالي بقى.
تقدم منها في غيظٍ، لتردف ندى بغرورٍ:
_ عيب يا أسورة ده أنا مرات أخوك الكبير.
رفع آسر حاجبه، يردد بلهجة صعيدية:
_و إيه يعني مرات الكبير إحنا حدانا في البلد إن اللي غلط لازم يتربى.
صفقت ندى بيدها بطريقة شعبية، تردد بكلماتٌ شعبية:
_هو مين ده اللي يتربى يا برطمان مربي.
علق آسر بضحك:
_ تصدقي ليقه
حركت ندى رأسها تتمتم بضحك :
_ أه شفتيني وأنا بشرشح بإيدي؟!
اجابها آسر بضحك :
_ عسل بس يا ندوش بلاش طولة لسانك عليا إتشطري على عصام اللي مروقك، أنتِ قدامه زي الفرخة.
رفعت سبابتها بوجهه، تردد بحزم مصطنع :
_ لا ما سمحلكش كله إلا كده..
وهدأت نبرتها فجأة وهي تشير له:
_عادي يا معلم.
اتسعت عين خالد، يردف بصدمةٍ:
_معلم عصام آسر جنن ندى!
استرسلت حديثها بضحكة عالية:
_ النجف يشهد على بطولاتك يا حبيبي، شكلك بيبقي تحفة لما بتتعلق في السقف!
_ أنتِ عرفتي
قالها بدهشة، لتجيبه ندى بضحكٍ :
_ القصر كله عارف .
ورفعت يدها لرأسها بتعب بدى بنبرتها المهتزة:
_آسر العصير اللي أنت أدتهولي ده تحفة طعمه حلو أوي لو لسه معاك تاني أديني كمان كباية.
لوى فمه بتهكمٍ :
_ما خلاص يا ندى أنتِ خلصتيها.
احتقن وجه ندى بضيق، تردد بثمالةٍ:
_كده يارب أشوف عصام معلقك كل يوم.
_متزعليش ياحبيبتي أنتِ هتتعلقي جنبه أنتِ كمان.
قالها عصام وهو يتقدم منهما، ليردف آسربتوترٍ :
_ أزيك ياحبيبي عامل إيه!
نظرت له ندى بثمل، تردد بعدم وعي:
_ كويس أنك جيت طلقني بسرعة عايزة أتجوز آسر.
صدم خالد فوضع يدها على جبينها، متسائلًا:
_ندى أنتِ كويسة!!
اجابته ندى بضحك عالي:
_ ده أنا عسل.
أمسك عصام آسر من رقبته، يردف بحدة:
_ عملت فيها إيه يا حيوان!
اجابته ندى بضحك وهي تترنح بين يد خالد:
_ آسر أنا عايزة كمان عصير.
نظر لها عصام، ثم نظر آسر بحدة يردد:
_عصير إيه ده أنطق لأموتك!
اخرج آسر زجاجة العصير، يردد بسخرية:
_هتموتني عشان شوية عصير أتفضل أهو.
اتسعت عين خالد بصدمةٍ، يردف بكلماتٍ صادمة :
_ينهارك مش فايت ده فيه كحول.
اتسعت عين آسر بصدمة، يجيبه بدهشة:
_يعني إيه هتموت، الواد طلعت صاحبي اللي مدهاني ماليش دعوة!
لكمه عصام بقوة، يردف بحدة:
_ده أنا اللي هموتك
أمسك خالد عصام، ثم قال بجدية:
_مش وقته ياعصام، عمي كلمني وقالي أنهم راجعين كمان نص ساعة ولو رجعوا وشافوا ندى كده هنتقتل إحنا الثلاثة.
اتسعت عين عصام بصدمة يعلق بدهشة:
_هم مش جايين بكرة!!
_معرفش عمي أتصل وقالي كده وزمانهم على وصول.
قالها خالد بحسرةٍ، في حين نظر عصام نحو آسر بشرسةٍ:
_ أقتلك وأخلص، بتشربها كحول!!
وضع آسر يده مكان اللكمة، يردف بألمٍ :
_ و أنا مالي ياعم حد قالها تشرب منه دي هي اللي أتحايلت عليا.
_ إيه ياحبيبتي هتخنقني سيبي الجرفات
قالها خالد محاولًا ابعد يدها عن رابطة عنقه، في حين تمتمت ندى بثملٍ:
_ أنت مش بترد عليا ليه بقولك طلقني.
رفع حاجبيه معهما بسمة متحسرة، ثم قال:
_ دي أحلوت.
ودفعها على عصام، يردد بضحكٍ :
_خد يا عم طلق.
استندت على يد عصام تردد بضحك :
_ يالا.
_يالا إيه
قالها عصام بدهشة، لترد ندى بضحك لا سبب له :
_ طلقني.
نظر عصام لآسر في غيظ، ولكن أتت هنية تتمتم بسعادة:
_ البيه الكبير وصل.
جحظت عين خالد بذعرٍ، وهمس :
_يانهار مش فايت هنعمل إيه؟!
امسك آسر بيد خالد مرددًا بخوف:
_أبوس ايدكم أتصرفوا ده ممكن يقتلني.
أمسك ندى كالقنفذ من ملابسها ، يردد بغيظٍ:
_ تعالى هنا أنتِ رايحة فين!
اجابته ندى بثملٍ:
_ هسلم على البيه الكبير.
ضرب خالد على وجنتي ندى برقةٍ، يردف بغيظٍ من آسر:
_الله يخربيتك يا آسر ندى يا حبيبتي فوقي.
رددت ندى وهي تترنح أمامهم:
_هو أنا إسمي ندى يا آسر يا كذاب أمال بتقولي أن إسمي تفيدة ليه!
حدجها آسر بغيظٍ، يردد بحنقٍ:
_ إخرسي هتودينا في داهية!
– إخفى من وشي أصل وقسمًا بالله أموتك وأنت ياخالد هات جزمة ندى و ورايا.
قالها عصام بغيظٍ يتجه نحو غرفته، في حين حمل خالد ندى على كتفه، لتصرخ ندى بصوتٍ عالي:
_ نزلني الجزمة وقعت، لا جزمتي أنا عايزة الجزمة.
همس خالد بتوترٍ:
_هوشش أديلها الجزمة ياعم.
مد عصام يده بحذاءٍ، يردد بغيظٍ:
_خدي.
اوقفه خالد، متمتمًا بتعجب :
_ أستنى رايح فين!
اجابه عصام بهمسٍ :
_هنخبيها فوق في أوضتي ممكن بابا يروحلها أوضتها.
_ ما تطلقني بقى الله
قالتها ندى وهي تضرب بظهر اخيها، وهو يحمل كشوال البطاطا، في حين ردد خالد بهمسٍ:
_ياحبيبتي أنا أخوكي.
امسكت بوجهه مرددة بشك:
_ وريني كده.
استدارت لعصام مرددة له وهي تصحح قولها بتلعثم:
_ أنت طلقني بقى.
حرك رأسه بايجابية، يردد بعدما دلفا الغرفة:
_حاضر هطلقك بس أسكتِ هتفضحينا.
نظر خالد نحو آسر يردف وهو يمسك ندى كي لا تسير بعيدًا:
_ أنزل يا زفت أشغلهم عما نتصرف في البلوة الجديدة بتاعتك.
تحرك آسر نحو الأسفل يردد بتوترٍ:
_ماشي هنزل.
************
ردد أحمد بدهشة من اختفاء ابنائه:
_هنية هم فين؟!
اجابته هينة بهدوءٍ:
_ناموا يا أحمد بيه مفيش غير الاستاذ عصام وخالد و أنا بلغتهم بوصول حضرتك.
ركض آسر يفتح ذراعيه مرددًا بصوتٍ عالي:
_بابا حمدلله على سلامتك.
احتضنه أحمد بحبٍ، يتمتم ببسمةٍ علت ثغره:
_ الله يسلمك يابني.
نظر آسر نحو محمد يتمتم:
_حمدلله على سلامتك ياعمي.
اجابه محمد ببسمة حنونة:
_ الله يسلمك يا آسر خالد فين!
اجابه آسر بتوترٍ:
_فوق هو وعصام وجايين ورايا.
*****************
نظرت ندى بدهشة للغرفة وكأنها أول مرة تراها، تردد بانبهار غريب :
_ الأوضة دي حلوة أوي أحلى من أوضتي أنا عايزاها.
_ماشي خديها
قالها عصام محاولًا اسكاتها، في حين ردد خالد بتوترٍ :
_ هنعمل إيه دلوقتي!!
اجابه عصام بحنقٍ من عبث ندى باغراضه في إهمال:
_ أنا خلاص زهقت!
نظرت ندى إلى عصام ثم قالت بعبو..س :
_ طلقني!
نظر نحو عصام بعدما أجلس ندى على الفراش يردد :
_ دور على طريقة نفوقها بيها!
امسك برأسه في تعبٍ، يجيبه:
_مش عارف أفكر دلوقتي!
ألقت ندى بالوسادة على عصام، تردد بحنقٍ:
طلقني بقى!
أمسك عصام بالوسادة، يردف ببسمةٍ:
_بس لقيتها نحطها في البانيو.
أمسك خالد بشقيقته، يردد:
_دماغك كانت فين من ساعتها.
رفضت ندى التحرك، تردد عاقدة يدها لصدرها:
_ياعم يالا عايزة أطلق.
حرك رأسه بايجابية، يردد:
_حاضر هطلقك بس لما اتنيل واتجوزك الاول، أخلص يا خالد خش أملي البانيو.
صرخت ندى بصوتٍ عالي:
_ طلقني طلقنييييي.
امسك خالد بندى يضع يده على فمها متمتمًا:
_هششش ألحق يا عصام أبوس إيدك أتصرف.
_ أنتِ طالق مرضية كده.
قالها عصام بغيظٍ، في حين ضحكت ندى تردد وهي تحرك رأسها بايجابية :
_ طب يالا نتجوز تاني.
حدق بها في حنقٍ، يردف بغيظٍ :
_منك لله يا آسر ياخويا واسع كده.
ملئ عصام البانيو ثم أشار لخالد بأن يحضرها وبالفعل امسك خالد بكفها يذهب يتوجه بها نحو البانيو، ولكن اوقفته ندى مردد:
_ أنا عايزة عصير
هاودها خالد يجيبها :
_ أوك هنجبلك عصير
امسكت ندى بالتي- شيرت الخاص بعصام تجذبه بشدة، مرددة وهي تغادر الحمام:
_يالا عشان نتجوز وأطلق بسرعة قبل أمشي.
اتسعت عصام بصدمة، يردد متطلعًا لخالد:
_سيبي التيشرت إلحقني ياخالد
أمسك خالد بيد ندى محاولًا افلتها متمتمًا بفزع:
_سيبيه يا ندى.
لم يجد عصام حالًا، ليترجع إلى الخلف وهي لا تزال تمسك بالتي-شيرت، حتى وقف أسفل الدش، ثم قال:
_ أفتح الميه مش هتفوق كده.
استجاب خالد سريعًا لطلبه وبالفعل فتح المياه لتهبط على ندى التي فقدت وعيها، حملها خالد ووضعها على الفراش يردد براحةٍ:
_الحمد لله كده تمام أوي
حدج عصام بنظرةٍ مغتاظة، يردف بغيظٍ:
_تمام فين ياغبي هدومها مبلولة!
خبط خالد على رأسه يتسأل بتعجب:
_ آه صح هنعمل إيه دلوقتي؟!
اشار له قائلًا :
_ أنزل هات هنية تغيرلها بسرعة.
أسرع خالد الى الأسفل ليجد آسر بوجهه يتمتم:
_ها يا خالد عملت إيه!
_ولاه أمشي من وشي أصل أطلع برقبتك
قالها خالد بحنقٍ، ثم استدار ينظر إلى هنية يخبرها بأن تصعد لتبدل ملابس ندى وبالفعل صعدت وبدلت ملابس، وأبدل كلًا من عصام وخالد ملابسهما وانطلق نحو أحمد كي يستقبلوه سويًا، ولكن لم يضع كلاهما خطة لكيفية أخبار أحمد بما حدث لابنته.
….. يتبع…..
[٣/‏١٢ ٨:٥٩ ص] نودي: (العشرون)

استيقظت ندى من نومها تفرك رأسها متألمة بتعب وقالت بتعب :
_ آه دماغي منك لله يا آسر آه هموت دماغي.
رفعت بصرها فوجدت عصام جالسًا على الكرسي يضع ساقًا فوق الأخرى ويتطلع لها بنظرة ساكنة مخيفة:
_ها فوقتي ولا لسه؟
سألها بصوته الهادئ المرعب، فأخفضت رأسها خجلًا وأجابته بخوف:
_الحمد لله.
نهض فجأة من مكانها يمكسها من منامتها بقوة ويصرخ بها بعنفٍ:
_ أنا عايز أعرف، حاجة متعرفهاش بتتزفتي تشربيها ليه ؟
شعرت بالرعب يتسلل إليها بعد موجة الغضب وأنفاسه التي تلامس وجهها كأسواطٍ من نار ، قبضت على يده تبعدها عنها وقالت بنبرةٍ هادئة، في محاولةٍ لامتصاص غضبه:
_عيب يا حبيبي تمسكني كده، وبعدين والله ما أعرف أن فيه كحول بس الفضول غالبني.
_والله؟! أبقي خليه ينفعك بقى.
هتف بوعيدٍ لم تفهمه، فحركت رأسها بعدم فهمٍ ليُردف بضيق :
_ أنتِ مش قولتي أنك مش عايزاني وطلقني و أنا طلقتك.
قالت بعدم فهم:_بس إحنا مش متجوزين.
أجابها بمكرٍ:
_ أفترضي كنا متجوزين .
_ماخلاص بقى يا عصام الله مكنتش أعرف .
قالتها بمسكنةٍ مصطنعة، فأجابها جوابًا قاطعًا :
_لا مش خلاص.
رفعت وتيرة دلالها ، تردد :
_ طب عشان خاطري؟.
رفع حاجبيه نافيًا دون صوت، ولته ظهرها تتصنع الحزن الذي غمسته في نبرتها الأنثوية الرقيقة:
_اخص عليك يا بوص ده أنا حبيبتك؟
ابتسم لدلالها المفرط ولقلبه العاشق الذي لا يُطيل خصامها، هتف بضيق:
_ حرام اللي بتعمليه فيا ده ، يابنتي الله يهديكِ عايزة أيه بالضبط ؟
_ ها سامحتني ولا أتدلع زيادة وتموت و أنت واقف كده؟
أجابته بدلال تقتص من نظرات عينيه المتمعنة بعينيها، ارتفع حاجباه بفهمٍ لما حدث وقال :
_ده أنتِ اللي قاصده تغريني بقى ؟
حركت رأسها موافقةً حديثه، فنظر لها بمكرٍ وقال :
_كده طب تعالي بقى.
حاول إمساكها لكنها ابعدته عنها وهي تهتف بصدق:
_اعقل يا عصام بهزر معاك .
_تعالي هنا والله ما أنا سايبك.
ركضت ليتبعها محاولًا اللحاق بها، وصلت الحمام فدخلته وعندما أوشكت أن توصد الباب دخل عصام وهتف آمرًا :
_تعالي…
حركت رأسها رافضة ، وركضت في داخل الحمام ، لكنها لم تنتبه إلى علبه سائل الاستحمام التي سُكبت على الأرض بفعل ركضها وأوشكت إيقاعها، هتف عصام محذرًا:
_حاسبي..
امسكها قبل أن تقع ولكن فقد توازنه بها وسقطا في حوض الاستحمام المليء بالماء ، انفجر..ت ندى ضاحكة، وهي تراه ينظر لملابسه المبتلة وينهض بعيدًا عنها، مرددًا بغضبٍ :
_بتضحكي؟ عجبك كده ؟!
ارتفعت ضحكتها أكثر بعد أن هتفت “جدًا” من بين ضحكاتها ، تجمد مكانه وهو يراها تصدح بضحكاتها هكذا، توقفت عن الضحك عندما لاحظت نظراته المراقبة لها، فنهضت من مكانها تركض إلى الخارج حتى اصطدمت فجأةً بوالدها ، تفاجأت لرؤيته وسألته بقلق:
_ بابا ؟! حضرتك رجعت إمتى ؟
_ امبارح يابنتي، إيه اللي عمل فيكِ كده؟
أجابها مرفقًا جوابه بسؤالٍ عن سبب حالتها المبللة تلك ، تذكرت الموقف وما حصل قبل قليل لتبتسم بخفوت، وأجابته :
_ أصل …وقعت في البيسين…هو عمي رجع ؟!
سألته لتغير مجرى الموضوع، فأومأ برأسها موافقًا، لتنسحب مغادرة بقولها:
_تمام ، هروح أسلم عليه.
_هتروحي كده؟!
أوقف حركتها بسؤاله مشيرًا إلى حالتها ، فارتسمت ابتسامة على شفتيها وهتفت بمرح:
_ تصدق نسيت أما أروح أغير بسرعة وأروحله.
تحركت بالاتجاه الآخر نحو غرفتها ، حينما هتف والدها ساخرًا :
_لا حول ولا قوة إلا بالله البت أتجننت.
**********
جلس خالد في غرفته مهمومًا، حالة ياسمين لا جديد بها لازالت تنفر منه، وهو عاجزٌ أمامها لا يستطيع فعل شيء، طرقات الباب الهادئة، جعلته ينهض من أمامه ليفتح الباب، فوجد والده أمامه، ابتسم بشحوب وقال:
_ بابا ، أتفضل..
دخل محمد الغرفة ليجلس على أحد المقاعد أمام الطاولة الزجاجية، وجلس خالد إلى جانبه ، نظر والده إليه بترقب ، وسأله :
_مالك يا خالد ؟
_مالي إزاي ما أنا كويس أهو يا بابا ؟
أجابه بتعب حاول إخفائه لكنه فشل ، نظر محمد إليه وأخبره بحدس أبوته :
_عليا ده أنا أبص في وشك أفهمك على طول ؟ ده أنا أبوك يالا.
شعر خالد برغبته في افشاء ما بداخله لأحد، نظر إلى والده بتعبٍ وعيناه تبرقان بالدموع ، وقصّ عليه كل ما حدث لياسمين وحالتها معهم في غيابه، شعر محمد بتشنج جسمه لهول صدمته وما تعرضت إليه ابنة أخيه التي يُعدها كأبنته، فردد بتأثرٍ:
_ يا حبيبتي يا بنتي أنا لازم أروح لها.
هتف محاولًا بالنهوض ليطمئن عليها ، لكن خالد أوقفه قائلًا :
_مينفعش يا بابا ياسمين بعد اللي حصل بقت خايفة مننا كلنا أي ضغط هتتعرض له حالتها هتسوء أكتر.
_طب و أحمد ده كل شوية يسألني عليها ؟
سأله والده بتوجسٍ خاصةً مع سؤال أحمد المتكرر عنها، رفع خالد كتفيه بقلة حيلة ثم قال :
_مش لازم عمي يعرف يا بابا هيتعب أكتر.
_هحاول وربنا يستر.
************
جلست أمال إلى جانب زوجها على الفراش تقبض على كفه برفق ، وقالت :
_حمدلله على سلامتك يا حبيبي.
ابتسم لها بعينين تكنّ عشقًا مخضرمًا لم يتغير مهما طالت السنوات ، ثم قال :
_ الله يسلمك ياقلبي.
_ أنا مبسوطة أنك رجعتلي بخير وطلقت العقربة دي.
هتفت بسعادة وقد ذكرت ما أخبرها آسر به، ضاقت عيني أحمد باستغراب ، وسألها:
_عقربة إيه؟ وطلقت مين ؟
_متخفش مش هزعل منك أهم حاجة أن الذاكرة رجعتلك.
اتسعت عينيه دهشة مما يسمعه وسألها ساخرًا :
_هو أنا كمان فقدت الذاكرة ؟ مين اللي قالك الكلام ده ؟
_ آسر.
فتح آسر الباب مقاطعًا والدته وهتف بمرح وهو يركض إلى جانب أبيه :
_مين عايزني؟
_ تعالى يا وش المصايب.
ناداه والده مقربًا إياه منه، فغمزه آسر وقال بمكر :
_عيب كده يا أبو لهب.
جلس إلى جانبه ودون قصد ضغط على يد والده فآلمته:
_آمال طلعي الحيوان ده بره مش قادر أزعقله .
_بعد كل اللي عملتهولك اخس عليك يا راجل يا ناكر الجميل.
هتف آسر لأبيه بسخرية، ونظرت آمال إليه تسأله :
_بجد يا أحمد يعني أنت متجوزتش عليا ؟
_ هتجوز أزاي و أنا متشدش قدامك مية حته؟ الحيوان ده كل مرة يستغفلك؟
احتدت نبرته المتعبة وتخلل حديثه سعلات، نظرت إلى ابنها وتمتمت بسبَّة سمعها، فقال مذكرًا :
_عيب يا آمولة ده أنا أسوره حبيبك.
_ده أنا هموتك النهارده بتستغفلني يا حيوان .
نهضت عن السرير تتوعد إليه بعدما ألقت إحدى فردتي حذائها المنزلي عليه لتصيبه في وجهه، ثم أخذ يركض بالغرفة وهي تلحق به، فتِح الباب فجأةً فدخل محمد وأخذ يضحك بصوتٍ عالٍ ثم سألهم :
_ آسر عامل إيه المرة دي ؟
_الحيوان قالها أني متجوز وفقدت الذاكرة.
أجاب أحمد أخاه فنظر إليه ضاحكًا وهتف من بين ضحكاته عندما لاحظ نظرات أخيه المستاءة منه :
_ هعمل إيه آسر ده نكتة والله.
_حمد لله على سلامتك يا أحلى عم في الدنيا كده تخبي على ندوش حبيبتك.
قالت ندى وهي تقترب منه ثم احتضنته وقبّلت رأسه ، ليجيبها بود :
_غصب عني ياحبيبتي محبتش أقلقكم .
_ تقلقنا ؟! إيه الكلام ده يا أبو حميد أخص عليك .
هتفت بنبرتها المرحة مستخدمةً إحدى الألقاب التي يستخدمها آسر معه ، فأضحكته على كلامها :
_أنتِ أتلميتي على آسر أمته؟
_ آسر أستحوذ على القصر كله.
قالها محمد الذي يقف وإلى جانبه يقف آسر ويحتضن رقبته بذراعه ، لاحظ أحمد اختفاء ياسمين منذ أن عاد أمس ، شعر بالقلق حيال اختفائها هذا، فسأل ندى مزيلًا القلق:
_ أومال فين ياسمين مجتش سلمت عليا امبارح ولا النهارده هو في حاجة ؟!
شعرت ندى بالتوتر لسؤاله، لم يبلغها أحد ما اتفقوا عليه ليقولوه لأبيها، أجابته بتلعثم :
_لا هي… بس تعبانة شوية.
فزع مما استمع اليه وهتف بقلقٍ ازداد في قلبه:
_تعبانة… مالها فيها إيه ؟! ساعدني يا محمد أشوفها.
_ مفيش داعي يا بابا هي كويسة ده دور برد مش أكتر.
حاول عصام الذي دلف مؤخرًا مع خالد منعه من النهوض، فأردف محمد بتوتر مؤكدًا حديث عصام:
_آه… أنا روحت بنفسي شوفتها، هي… خايفة تعديك.
القلق الجلي في حديث أخيه وابنته أشعر قلبه بالاضطراب، فسألهم بصوتٍ عالٍ:
_ في إيه أنتم مخبين عني إيه؟ بنتي مالها انطقوا ؟!
حاول خالد إقناعه:
_صدقنا يا عمي هي كويسة.
ولكنه لم يجدي نفعًا أمام عناده، هنهض عن الفراش بتعب في محاولة الذهاب إليه، وقف أخيه إلى جانبه يسانده ، ويحاول اقناعه من الذهاب للمرة الاخيرة :
_ يا أحمد الحركة غلط عليك إحنا هنجيبهالك تشوفها.
_ أنا هقوم أشوفها بنفسي أوعى.
هتف بحدةٍ وهو يزيح يد شقيقه عنه، متجهًا بخطواتٍ بطيئة متعبة إلى غرفة ياسمين والجميع يسير خلفه بقلق.
**********
جلست كما هي لا تتحرك من الغرفة ، وجهها قد تملك منه الحزن والعناء، وفجأة اقتحم أحمد الغرفة بعد فشل محاولات عصام وخالد في إقناعه، سار بخطواته المتعبة إليها، وما إن شعرت به يقترب منها، عاد الخوف يبسط سيطرته عليها، ارتعش جسدها، دموعها تجمعت في عينيها حركة رأسها النافية بألا يقترب منها، لم يفهم ما يحدث معها ، سألها بقلق:
_ياسمين مالك ياحبيبتي ألف سلامة عليكِ؟
اندهش حينما وجدها تنسحب للخلف ، وتضمّ ساقيها إلى صدرها، ارتجف صوتها الذي خرج بذعر:
_ لا ، لا ابعد عني.
تابع اقترابه منها ، لتنساب دموعها بشدة، وتشهق باكية، ثم هتفت بصراخ :
_اطلعوا بره.
شهقاتها الباكية ارجفت قلب والدها، تدفعه بعيدًا عنها ،أغمض عصام عينيه ألمًا لحالة أخته وتدخل على الفور يحتضن كتفي والده من الخلف :
_بابا كفاية من فضلك اخرج.
_بنتي مالها يا عصام ؟ فيها إيه؟
سأله بخوفٍ وقد رأى عصام لمعة عينيّ والده بالدموع، ثم قال :
_ اخرج و إحنا هنفهمك.
رفض أحمد الخروج و ازدادت حالة ياسمين سوًءا ، ليتقدم خالد منها في محاولةٍ لتهدئتها لتصرخ بشدة، مشاهد آدم تعود لتغزو عقلها ، تدخلت ندى على الفور واحتضنتها بقوة، فبادلتها الأخرى العناق، رعشة جسدها سكنت كأنها تحتمي بها منهم، دموع أحمد انسابت دون إرادته، فانسحب مكسور القلب عليها واتبعه خروج الشباب لتبقى ندى معها بالغرفة.
_ أنا عايز أعرف حالًا بنتي مالها ؟!
هتف أحمد بحدة أمام باب غرفتها الموصد لمن أمامه، ابتلع آسر ريقه بتوتر وأجابه متلعثمًا :
_ياسمين اتعرضت لمحاولة اغتصاب.
حلّ الوجوم على وجه أحمد وقد شعر بصدمةٍ عارمة، سألهم بصوت هادئ عكس نيران الغضب التي تؤجج داخله :
_ مين اللي عمل كده ؟!
ساد الصمت خوفًا، فكرر سؤاله بنبرةٍ أشد حدة، شعر خالد بالخوف من أن تسوء صحته لشدة غضبه، فأجابه وهو يخفض رأسه :
_ آدم ، الحيوان كان جاي ينتقم مني بيها.
_ هو فين دلوقتي؟
سألهم بتوعدٍ ليجيبه عصام:
_في السجن.
تركهم أحمد مغادرًا القصر، فقد فهم الجميع ما ينوي إليه، آدم يستحق ذلك و أي شخص يقوم بهذا الفعل الإجرامي يستحق أن يكون عقابه الموت، و هذا ما نوى إليه، ولكنه لن يلوث يديه بدمه، مكانته الكبيرة وسلطته تكفيان أن يصل بحكمه إلى الإعدام.
**********
في قاعة الجلوس جلس أحمد مع أخيه بتعب، ويأس فياسمين على حالها، حوقلَ بصوت منخفض ثم زفر بعمقٍ وسأل:
_ هتفضل حابسة نفسها كده كثير ؟
_هنعمل إيه بس يا أحمد ما أنت سمعت الدكتورة قالت إيه؟
أجابه مذكرًا حالة ياسمين التي ذكرتها الطبيبة، ما مرت به من مشهدًا عصيبًا، تحتاج وقتًا كي تتخطى ما حدث، وتتعافى كليًا، نكّس رأسه بحزنٍ وقال بحزنٍ :
_يا رب أنت عالم بحالي.
**********
دخل خالد إليها ليعود الرعب يتسلل إلى جسدها، فسألته بخوف:
_ أنت عايز إيه؟ اخرج.
_ياسمين حبيبتي اسمعيني أديني فرصة بس أتكلم معاكي.
تحدث معها بنبرة هادئة يسكّن بها خوفه، لكنها لم تستجيب فصرخت ملئ صوتها أفزعت جميع من بالقصر فتوجهوا نحوها.
_اخرج بره
صرخاتها تتوالى ودموعها انسابت كشلالات، فحدّثها بنبرةٍ مطمئنةٍ أكثر :
_ والله ما هأذيكي ، اهدي.
_في إيه ياخالد؟!
_سبها ياخالد اتطلع من هنا.
تحدث والدها وعصام معًا بعدما تجمهروا مع من في القصر ليطمئنوا عليها فهتف خالد بعصبية شديدة :
_ عصام ، عمي أرجوكم اخرجوا.
اجابه أحمد بحدةٍ:
_أنت مش شايف حالتها عاملة إزاي؟
أوقف عصام أبيه، عساه يمتلك فرصةً بالحديث معها، عساه يحقق ما فشلوا به، خرج الجميع من الغرفة إلّا ندى التي تعلقت ياسمين بها تستمدّ منها الأمان، نظر خالد لندى وقال بنبرةٍ هادئة:
_ اخرجي يا ندى.
_ لا مش هخرج يا خالد، ياسمين خايفة مش هسيبها.
لم يكن منه إلا أن أمسك بندى وفتح الباب وأخرجها ثم أقفل الباب بالمفتاح، لتتسع عين ياسمين رعبًا، فهتفت متلعثمةً بخوف:
_ أنت…بتقفل الباب ليه ؟ أنت عايز إيه؟
اقترب منها وقال بنبرةٍ هادئة:
_ياسمين اسمعيني بس .
حركت رأسها نافيةً وحركت قدميها بعنفٍ تبعده عنها ، شعر خالد بتجمع الدموع في عينيه وقال بنبرةٍ مكسورة:
_حرام عليكِ اللي بتعمليه فيا ده أنا مستهلش منك كده، أنا عمري ما هأذيكِ، في حد في الدنيا يأذي روحه!!
كلماته المطمئنة لم تجد نفعًا، قالت بخوفٍ شديد :
_ افتح الباب من فضلك وأخرج
يأست محاولاته ، فجلس على الفراش وأمسك رأسه بتفكير لينهض بعدها يصرخ بها بصوتٍ مرتفعٍ جدًا أسمع من في القصر كلهم :
_ أنتِ عايزة إيه بالضبط؟ ليه بتعملي كده؟ ليه بتحبي تشوفيني بتعذب، بس خلاص أنا فاض بيا هو سؤال واحد بس هيقف عليه كل حاجة أنتِ عايزاني ولا لاء ؟
شهقاتها الباكية تحولت إلى أخرى مكتومة، لم تعطه جوابًا ، فقط احتضنت ساقيها وانتحبت بصمت، شعر بالحزن، ثم قال بصوت يكاد يكون مسموعًا:
_خلاص يا ياسمين عرفت جوابك.
نزع دبلته من اصبعه ووضعها على الكومود بجانبها، ثم نظر إليها نظرةً أخيرة كأنه يودعها وخرج من القصر بأكمله.
أما ياسمين فما أن خرج خالد حتى إنفجرت في البكاء ، وعادت شهقاتها تعلو أكثر من السابق تحمل بين كفيها دبلته التي خلعها منذ قليل، ركضت ندى نحوها تحتضنها بقوة وسألتها بتوجس:
_ مالك يا ياسمين إيه اللي حصل؟
رفعت كفيها تريها الدبلة، وشهقاتها تزداد، جسدها ينتفض أكثر من السابق، حاولت استجماع أنفاسها المتقطعة وقالت:
_خالد …سابني …يا ندى.
تجمدت ملامح ندى من الصدمة ، لم تصدق ما حدث، عادت تحتضنها بقوة، لتهدئ من ارتجافة جسدها وحدة بكائها.
**********
_عصام اتصل بخالد فورًا شكله ميطمنش
أمر أحمد ابنه بذلك ، بعدما سمعوا ما حدث ورأوه يغادر القصر ووجهه شعلةً من نار ، فرك محمد جبينه بتعب وقال :
_ ربنا يستر ، أنا خايف عليه قوي.
حاول عصام الاتصال به مرارًا ولكن دون جدوى، هاتفه مغلق ولا أحد يدري ما به وأين ذهب؟
وبعد خمس ساعات عاد خالد إلى القصر وصعد لغرفته، فوجد عصام ينتظره داخل غرفته، لم يتحدث أيٌّ منهما، اتجه خالد لخزانته وأخرج حقيبة سفره، ووضع بها ملابسه وما يخصه، فاندفع عصام تجاهه مردفًا بغصب:
_ إيه اللي بتعمله ده ؟
_زي ما أنت شايف بحضر شنطتتي عشان مسافر .
أجابه باقتضاب أشعل غضب الآخر فهتف بحدة:
_مسافر فين؟ أنت مجنون صح ؟!
تقدم آسر بينهما يهتف بصدمة:
_خالد لا أوعى تسبنا.
نظر خالد لكليهما بحدة وقال:
_ أنا مبخدش رأيكم انا جهزت كل حاجة خلاص.
أكمل تجهيز حقيبته، فاقترب آسر منه يجلس على حافة الفراش، يسأله بحزن:
_هتسافر فين؟
أجابه بهدوء:
_ألمانيا هتابع شغلنا هناك.
شعر عصام بالحزن عليه وعلى شقيقته، فقال بعتاب:
_ ليه عملت كده مع ياسمين أنت بتحبها؟
نظر إليه خالد وقد تجمعت الدموع في عينيه، ليجيبه هذه المرة بصوتٍ يكاد يكون مسموعًا ومغموسًا بدمعاته :
_بس هي بتقتلني، بتقتلني بخوفها مني و أنا مش مستعد أعذبها يا عصام، الفرح بعد شهرين يعني هتبقى معايا في مكان واحد إزاي وهي خايفة مني كده؟ خلاص أنا حررتها من العلاقة دي، لازم أبعد هو ده الحل بس متعرفوش حد إلا لما أسافر لأن بابا وعمي مش هيسمحولي بكده.
احتضنه عصام بقوةٍ وقد شعر بدموعه تبلل قميصه، ابن عمه ورفيق دربه سيتركه، فصل عناقهما وهتف مودعًا:
_خلي بالك من نفسك.
ابتعد خالد بخطواته مغادرًا القصر بل والبلاد كلها، سافر كارهًا فراق حبيبته وقسوتها عليه، هو يعرف أنه دون إرادة منها، ولكنه تحمل فوق طاقته كثيرا فقرر أن يخلصها من هذا الألم.
مرت الأيام ببطءٍ شديد على ياسمين التي تسيطر عليها الرغبة في الموت دون خالد، وقد احتفظت بدبلته في سلسلة طوفتها حول رقبتها، تستمد منها عافيتها وطبيعتها التي كانت عليها.
**********
في صباح يومًا جديد، استيقظ عصام من النوم واغتسل ولبس حلى من اللون الأزرق لون جمال عينيه فكان وسيم كعادته، وهبط إلى الأسفل استعداد للذهاب إلى عمله، الذي أصبح يتراكم عليه بكثرة بعد غياب خالد.
_صباح الخير.
ألقى تحية الصباح عليهم قبل أن يغادر كعادته، فسأله والده بعملية تامة:
_ خلصت الإتفاقية؟
_متقلقش يا بابا كله تمام
طمأنه بكلماتٍ رائقة، وقد همّ للمغادرة ليسمع اعتذار عمّه :
_ معلش يا ابني من ساعة سفر خالد والدنيا إتدربكت فوق دماغك.
ابتسم عصام بحبورٍ ، فقد اشتاق لرفيق دربه، لكنه أجاب عمه متصنعًا سخريته:
_لا عادي ياعمي بس يارب يعقل وينزل بقى.
تابع خطواته تجاه الباب مغادرًا ، لكن أوقفه هذه المرة صوت ندى:
_عصام ، عصام استنى.
التفت إليه يبتسم بعشقٍ ثم همس بنبرةٍ أربكتها:
_ نعم يا روح قلبي
احمرّت وجنتيها خجلًا، ثم هتفت بخجل:
_ بس الله.
_ اوكي سكت أهو.
أجابها بسخرية وهو يضع سبابته على فمه، فابتسمت لمشاكساته وقالت مذكرة:
_ متنساش الحفلة.
_مش ناسي، هخلص شغلي بسرعة ونروح.
أغمض عينيه مبتسمًا وأجابها بأنه لازال يذكر موعد حفلة سيذهبان إليها، ردد بعدها قبل أن يغادر:
_سلام بقا اتأخرت .
_مع السلامة ياحبيبي.
حركت يدها مودعة إياه وغادر الآخر نحو عمله ، عادت ندى إلى حيث تجلس سها ، وجلست إلى جانبها تسألها:
_ها يا سها هتلبسي إيه في الحفلة؟
مطت شفتيها بتفكير ، ثم قالت:
_مش عارفة تعالي نختار لبس.
**********
حلّ المساء وعصام مازال مشغولًا بأعماله، وقد تراكمت عليه بعد غياب خالد جعلته منهمكًا فيها ونسى موعده، ملت ندى من انتظاره، وتفحصت ساعتها فوجدت إن الوقت بات متأخرًاللغاية،ة زفرت سها بضيقٍ وقالت:
_يلا يا ندى اتأخرنا تلاقيه مش فاضي يلا يا حبيبتي.
شعرت ندى بالحزن من نسيانه لموعدهما، وخرجت مع سها على مضضٍ إلى حفلة إحدى صديقاتهما.
***********
ملفاتٌ أخرى وضعتها السكرتيرة على طاولة عصام ليعود للانغماس في مراجعتها وتوقيعها، قاطع عمله رنين هاتفه برقمٍ مجهول، أجاب الاتصال ثم قال:
_ألو.
_اهلا يا بوص وحشتني أوي .
صوتٌ ماكر ونبرةٌ شيطانية تقتحم أذنيه ، فازداد استغرابه وتساءل:
_مين معايا ؟
_ حد عزيز على قلبك.
قالها المتصل بضحكةٍ شيطا….نية، شعر عصام بالغضب وسأله بنبرةٍ حادة:
_أنت مين وعايز إيه اخلص أنا مش فاضيلك؟
_لا عيب كده ده أنا معايا ليك مفاجأة حلوة أوي وهتعجبك؟
هتف ساخرًا وقد طلب تحويل المكالمة الصوتية لأخرى فيديو ، فتح عصام الفيديو لتقع عينيه على ندى التي هتفت بدموع :
_عصام… الحقني.
سقط القلم الذي كان يحمله بين أصابعه بصدمةٍ ، تذكر موعدها ، الذي غفل عنه، ثم همس باسمها :
_ندى!
_ إيه رأيك مفاجأة حلوة صح ؟!
قالها المتصل ساخرًا ، لينهض عصام وصرخ بعصيبةٍ شديدة :
_ أنت مين يا حيوان وعايز إيه؟
_عايز انتقم منك بس لقيت دي اللي هتوجعك .
يده قبضت على شعر ندى ، وصراخها بدأ يعلو ليعلو صراخ عصام الحاد :
_سبها ياكلب، إن لمست شعرة واحدة منها لكون دافنك مكانك.
ضحكاته الساخرة تعلو أكثر فتزيد استفزاز عصام ، وقال :
_ دي روح حبيبتك هي اللي في إيدي.
_اسمع اللي أنت عايزه هعملهولك بس سيبها.
بنبرةٍ خائفة أخبره بأن يتركها، ابتسم الآخر بسخريةٍ وقال بمكر :
_بس أنا عايز روحها.
مرر يده على وجهها بقوة ، وصراخ ندى كاد يصمّ أذني عصام الذي بدا عاجزًا ، ثم قال وقد تذكر لميس، هل سيخسر الأخرى مثلها؟:
_ اسمعني لو في أي عداوة بينا فهي ملهاش ذنب أرجوك سبها.. أنتقم مني أنا.
_ البوص بيتوسل قد كده بتحبها؟!
واستطرد بمكر:
_اسمع أنا عشان بحبك هعملك عرض إن قدرت تفوز ده ودي من رابع المستحيلات هتكسب حياتها ولو خسرت تبقى خسرتها للأبد ودي خسارة على الموت بصراحة حلوة أوي.
عرضه الساخر اشعل النير….ان داخل اوردته، فقال بشراسة:
_أنت عايز إيه ؟
_ معاك 15 دقيقة وتكون في المقا..بر ال**** وحبيبة القلب بتاعتك في قبر من القبور وريني هتقدر تتطلعها إزاي في الوقت ده ولو طلعت الله أعلم إذا كانت عايشة ولا لا ؟!
_ أن عملت فيها حاجة مش هيكفيني فيك رقبتك يا ابن ال***؟
صرخ عصام بصوته المرعب ليسمع تحذيره المبطن رافضًا لسماع حديثه:
_وقتك ابتدى من دلوقتي.. أنا بقول كفاية تضيع وقت!
كلمات صغيرة عبر اتصال وصلت لمسمع عصام جعلته كالمجنون، حمل هاتفه وكل متعلقاته ثم ركض نحو سيارته دون أن يعير أي من الواقفين حوله أهمية، ركض آسر خلف عصام بتعجبٍ متمتمًا:
_عصام.. عصام!!
لم يجيبه، واختفى تمامًا من أمامهم، تعجب محمد من طريقة عصام، ليتمتم بدهشة:
_هو في إيه يا أحمد عصام ماله!!
حرك أحمد رأسه في نفي، يتمتم بقلقٍ:
_أستر يارب.
انطلق آسر خلفه متمتمًا بصوتٍ عالي لوالده وعمه:
_أنا همشي وراه بالعربية أشوف في إيه.. سلام.
ركض آسر خلف عصام بسيارته، في حين قاد عصام سيارته يتحرك بسرعةٍ جنونية، كاد أن يصطدم بالسيارات ولكنه نجى بصعوبةٍ، وبالفعل وصل عصام للمكان المنشود وقف ينظر حوله حتى ظهر أحمد السيوفي، أسرع عصام نحوه يزمجر بعنفٍ :
_اه يا حيوان ياكلب أنا كنت عارف أنك اللي ورا اللي حصل والله لقتلك!!
نزع يد عصام ببرودٍ، ثم تطلع نحو ساعته ليردف بصوتٍ بارد خبيث:
_ الوقت مش في صالحك يا بوص كل ثانية بتعدي حبيبتك بتفارق الدنيا بس الصراحة ذوقك المرادي عجبني جدًا أنا والله لو مكنتش مسافر حالًا كنت أخدتها معايا أصلها خسارة في الموت.
أمسكه عصام مرة أخرى، يردد بجنون :
_ أنت أصلا مش هتلحق تطلع من هنا أنطق ندى فين!
أشار أحمد على رجاله فتجمعوا حول عصام، ليستكمل حديثه ببرود قاتل:
_ أنا ممكن أخليهم يقتلوك بس لا مش هعمل كده كفاية عليك تحفر في المقابر دي عشان تطلع حبيبتك ده لو أختارت المقبرة الصح عن أذنك سلام يا آ… يا بوص!
اختفى أحمد من أمامه وسط جمود جسد عصام، عدد المقابر التي أمامه لا نهاية لها، وقف عاجزًا أمامهم لا يعلم ما عليه فعله، وضع يده على وجهه محاولًا التفكير بحلٍ، ثم ردد بهمسٍ يتذكر باحدى المرات حديثهما:
_ أنا بحس بيكٍ وبسمع نبض قلبك لأنك قلبي يا ندى.
بقى دقيقتين يحاول أن يشعر تلك المرة بمكان وجودها، دقيقة أغمض بها عينيه ثم فتحها فجأة نحو مقبرة ما، ركض نحوها وبدأ بالحفر حتى وجد ندى بها شاحبة اللون، تغلق عينيها بعدما اختفت عنها الحياة، حملها عصام سريعًا يضعها بالهواء كي تتنفس يهمس بخوفٍ، لا يريد أن يعيد تلك الذكرى مجددًا:
_ندى حبيبتي فوقي!
لم تستجب له، فقد كانت أشبه بالموتى، أدمعت عين عصام، ينظر لها برجاءٍ متمتمًا ندى:
_ مستحيل تعملي فيا كده فوقي عشان خاطري.
لم يجد استجابة منها، فضرب وجهها برفقٍ ولكن كانت كما هي، ظل محله يعافر ذكرى وفاة لميس فقد حبيبته في الماضي واليوم سيفقد معشوقته صرخ بصوتٍ عالي:
_ لا لا مش هسمحلك تسيبيني قومي يا حبيبتي عشان خاطري متعمليش فيا كده أنا بحبك ومقدرش أعيش من غيرك.
هبطت دموعه دون ارادة منه لا يعلم ماذا يفعل، في حين تقدم آسر منه بعدما وجده بصعوبة بالغة، لاحظ ندى الملقاه ارضًا وعصام يذرف جوارها الدموع فهروال لها بتوترٍ:
_عصام ندى مالها و إيه اللي حصل ، لازم ناخدها على أقرب مستشفي.
نظر له عصام يحاول استيعاب ما قاله، ليردف آسر بصوتٍ عالي:
_يالا بسرعة.
بالفعل حمل عصام ندى وانطلق بها نحو السيارة التي قادها آسر بسرعةٍ جنونيو، والحزن يتوغل بملامحه وهو يرى لأول مرة عصام بهذه الحالة من الضعف.
***************
وصل آسر إلى المشفى في سرعة فائق، ليسرع الممرضين باحضار السرير المتحرك يضعوا بها ندى التي دلفت لغرفة العمليات.
بقى عصام وآسر بالخارج، فكلًا منهما بعالم آخر يشعر عصام بفقدان روحه، في حين أجرى آسر مكالمته للعائلة، وبعد ساعة كاملة، توافدوا جميعا للمشفى، فتساءل أحمد بصدمة:
_عصام في إيه اللي حصل لندى؟!
في حين ردد محمد بقلق :
_ بنتي مالها حد يرد عليا!
لم يكن بحالة تسمح له بأن يجيب، فتدخل آسر سريعًا يردد بتوضيح:
_معرفش ياعمي أنا مشيت ورا عصام ولقيت ندى كده معرفش إيه اللي حصل بالظبط!
تمتمت سهير بصوتٍ باكي:
_ياحبيبتي يابنتي!
احتضنتها آمال، مرددة بصوتٍ مواسي:
_ إهدي يا سهير إن شاء الله خير.
تقدمت ياسمين نحو عصام، تقف أمامه بأعينٍ مدمعة، تمسك بيده وسط دهشة الجميع تردد بألمٍ:
_ إيه اللي حصل!
****************
خرج الطبيب من الغرفة، فركض الجميع حوله، تمتم أحمد بقلقٍ:
_خير يا دكتور طمنا أرجوك!
اجابهم الطبيب بأسف:
_ماخبيش عليك يا أحمد باشا الحالة صعبة جدا الأوكسجين أتمنع عنها فترة وده أتسبب في أنها دخلت في غيبوبة.
_إيه
قالها محمد بصدمةٍ تدمع عينيه بقوة، في حين ردد أحمد بصوتٍ متألم:
_طب هتفوق أمتى؟!
حرك رأسه في نفي، يردد بصوتٍ هادئ:
_ الله أعلم يوم شهر سنة أو ممكن تفضل كده على طول.
دلو سقط على رأس عصام فقد النطق والقدرة على الحركة، حالة من الإنهيار الشديد تملكت الكل، فـ ندى تحتل مكانة كبيرة في قلوب الجميع.
دلف عصام للغرفة بقدمان متعبتان، يرى وجهها الشاحب، هذه الأجهزة التي تتصل بها، فأصبحت حياتها مرهونة عليها، جلس جوارها يتمتم بكلماتٍ مكسورة:
_ندى حبيبتي فوقي عشان خاطري أرجوكي يا ندى متعمليش فيا كده فوقي أنا مقدرش أعيش من غيرك!
*************
وصل خالد إلى المشفى بعدما اخبره آسر عبر الهاتف، فسأل على غرفة شقيقته ليركض نحوها ما أن اخبرته موظفة الاستعلام، وصل خالد يرى حالة الانهيار بالجميع ليردف بتوجسٍ:
_في ايه إيه اللي حصل وندى مالها؟!
اجابه آسر بألمٍ:
_ندى دخلت في غيبوبة!!
اتسعت عين خالد بصدمةٍ، يردف في محاولة لاستيعاب ما تفوه به آسر:
_ إيه !! إيه اللي حصل عشان تدخل في غيبوبة!
أشار آسر نحو الغرفة التي بها ندى، يردد بحزنٍ:
_السؤال ده جوابه عند عصام.
دلف خالد إلى الغرفة ليجد عصام يجلس على المقعد بهذه الحالة التي لأول مرة يراه به، تأكد بتلك اللحظة من عشق عصام لندى ومن صدق كل كلمة قالها بحقها، تقدم منه يضع يده على كتفه عصام متمتمًا:
_أحمد السيوفي صح!
فاق عصام من هذا العالم، ينتشله من قاع آلام حفرت بداخله، نظر عصام بشراسةٍ تحوله لها ما أن ذكرة اسم هذا الواغد، نهض من مكانه يغادر الغرفة بل المشفى بأكمل لينتقم من هذا الوغد.
علم خالد ما ينوي عصام القيام به، فتوجه نهو سيارته سريعًا ليلحق به.
*****************
وصل عصام إلى المخزن بسرعةٍ فائقة، في حين وصلت سيارة خالد ليسرع خالد خلف عصام مرددًا :
_ إيه اللي جابه هنا.
وقف عصام بصمتٍ، عينيه تتلون بحمرة قاتمة مخيفة، حتى أتى عثمان يردد بهدوءٍ:
_كله تمام ياعصام بيه أحمد السيوفي ورجالته جوه.
توجه عصام نحو الداخل دون أن يعير أي أحد اهتمام، نظرات مخيفة منحها لأحمد الذي تلون وجهه برعبٍ، ليردف عصام بهمسٍ مخيف :
_كنت مفكر أنك هتهرب بالسهولة دبي، فوق قبل ما تفكر تلعب مع أي حد لازم تقيم قوة عدوك الأول يا غبي
_عصام أنت ناوي على إيه!
قالها خالد وهو يدلف للداخل يشعر بالريبة مما سيفعله عصام، فهدر بصوتٍ عالي ارتجفت على أثره جسد أحمد :
_عثمان!!
أسرع عثمان له، يردد:
_ نعم يا باشا
أشار له متمتمًا:
_ فك الحيوان ده هو ورجالته.
_بس يا باشا.
نظرة واحدة منه كانت كافية لإخراس عثمان، توجه إلى تنفيذ أوامره، في حين ردد بنبراتٍ مرعبة:
_أنا بقى هعمل معاك عرض أحسن من عرضك مية مرة، لو هزمتني أنت ورجالتك هتخرج من هنا حي ومش كده وبس أنا هرجعلك كل الفلوس اللي أنت خسرتها بسببي.
علق خالد بصدمةٍ:
_ عصام أنت مجنون أنت عارف هم كام و أنت لوحدك!
أشار عصام لخالد أن يصمت، ليردف أحمد بشكٍ وهو يدلك أثر الحبال:
_و إيه يضمنلي أنهم بعدما يخلصوا عليك رجالتك هيسبونا.
اجابه عصام ببرودٍ:
_محدش هيتعرضلك لأن كلمتي هنا محدش يقدر يكسرها ها قولت إيه!
ابتسم أحمد السيوفي بمكرٍ، يتمتم :
_ ده أنت مستعجل على موتك بقى!
اجابه ساخرًا:
_ حاجة زي كده!
اشار أحمد بيده نحو عصام يردد بشرسةٍ:
_ أقتلوه!
هجم الرجال على عصام الذي تفادى ضرابتهم ببراعةٍ، ثم بقى يلكمهم بحرافية اسقطتهم أرضًا، تمزقت ثقة أحمد وثقته بنفسه رويدًا رويدًا، شعور إقتراب الموت منه أصعب من الموت نيله، .
أشار عصام بسخطٍ على رجاله الذين يفترشون أرضًا، يردد بسخرية:
_ هم دول اللي أنت بتتحمى فيهم مجرد حشرات أفعصهم تحت رجلي أما أنت بقى فعقابك معايا عسير.
سدد ضرباته القاتلة عليه، وهو يهدر بصوتٍ لاهث:
_ ليه عملت فيها ليه!!!
أخذ يكيل له اللكمات كأنه يخرج ما به من ألم على فراق حبيبته
في حين صرخ أحمد بألمٍ، يردد بضعف:
_ إرحمني!!
هدر عصام بصوتٍ عالي:
_وأنت مرحمتهاش ليه، أنا من غيرها بني أدم عديم الرحمة!
أمسك عصام رقبته، يضغط عليها بقوة، يهمس بصوتٍ مخيف:
_ أنت أتعديت على اللي يخصني واللي يتجرأ على كده عقابه الموت.
تركه عصام فجأة حينما فارقته روحه، في حين تقدم خالد منه يردد بحزنٍ :
_ليه يا عصام!
أجابه عصام بألمٍ:
_ العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم.
***************
رفض الطبيب دخول العائلة إلى غرفة العناية، ولكن بعد عدد من توسلات كي تدلف ياسمين، سمح لها بالدخول، تقدمت منها تجلس جوارها، تمسك بيدها برجفةٍ اصابتها، تتمتم بألم:
_ ندى فوقي مش أنتِ كنتِ عايزاني أخرج معاكي، هخرج بس قومي أرجوكي.
دلف كلًا من عصام وخالد إلى غرفة العناية، فلم يستطيع الطبيب ايقافهم، اتجه عصام نحو شقيقته التي هتفت بانهيارٍ:
_قومي ياندى
أمسكها برفقٍ، وهو يردد بصوتٍ مختنق:
_كفاية يا ياسمين!
نظرت له برجاءٍ، تخبره بصوتٍ مبحوح :
_خليها تقوم عشان نرجع القصر.
أغمض عينيه بقوة يحتمل الالم الذي يختلج صدره،فهمس اليهاس :
_خلاص يا حبيبتي اهدي.
أخذ نفسًا عميقًا، ثم فتح عينيه يمد يده يزيل دموعها، يردد برجاءٍ:
_عشان خاطري أنا مش متحمل أصلًا… آسر!
تقدم آسر بهدوءٍ مرددًا:
_نعم.
أشار له بألمٍ، يردف بهدوءٍ :
_خد ياسمين على القصر.
حرك رأسه وتقدم نحو شقيقته يمسك بكفها، يساعدها على النهوض متمتمًا بحنوٍ :
_يالا يا ياسمين تعالي .
نهضت ياسمين معه واتجهت لتغادر برفقته، فتوقفت حينما تقابلت عينيها بعينيه، شعرت بمدى اشتياقها له، في حين تألم خالد من وجود هذه المسافة البعيدة بينهما، همست ياسمين بحزنٍ:
_ أزيك ياخالد
تجاهلها تمامًا،وعاد للغرفة فبكت وهي تراقبه حتى اختفى من أمامها،احتضنها آسر مرددًا بحزنٍ على ما وصلت له عائلته:
_معلش ياحبيبتي!
…… يتبع….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
2

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل