منوعات

بقلم روز 2

بسم الله ولا حول ولاقوة إلا بالله
اللهم لا تبتلينا فيما لا نستطيع عليه صبراً

نوفيلا بسمة أمل

☆ الفصل الثامن ☆

بعد مرور يومان داخل منزل سحر

حضر أمير بصحبة والدهُ والمأذون الشرعي كي يتمموا إجراءات الطلاق بحضور أمل مثلما طلبت هي وأصّرت ، رفض أمير في بداية الأمر لعدم إستطاعته النظر داخل عيناها وهو يُثبت لها مدي خِسته وتخليه عنها ولكنهُ إضطُر مرغمً تحت إصرارها الشديد

أحضر معهُ كارما بجميع إحتياجاتها الخاصة لتمكث مع والدتها تحت سعادة الطفلة وأيضاً أمل التي شعرت ببسمة أمل بعودة صغيرتها رغم صعوبة ما تمُر به من عاصفة عصفت بحياتها بالكامل فقلبتها رأسً على عقب

دلفت إلي غرفة الجلوس بجانب والدتها، وجدت الجميع يجلس بإنتظار حضورها ،  مصطفي وأمير والمأذون ويُقابلهم إيهاب الذي يجلس ناظراً بغضبٍ تام علي ذاك الوغد خائن العهد والوعد

ألقت سلام الله ثم تحركت بكل شموخ وجلست واضعة ساق فوق الأخري بقوة لم تدري من أين أتتها

ثم نظرت بخيبة أمل وحسرة علي من كان ذات يومً أمانُها وسندها التي تختبئ داخل أحضانهُ من العالم أجمع،  أصبحَ بين ليلةً وضُحاها خِنجرها المسمُوم التي طُعنت به غدراً وتسممت حياتها بفضلهْ

أما هو فلم يستطع رفع بصرهِ والنظر لداخل عيناها المحتقرة لشخصه

تحدث المأذون كعادته بنفس تلك الكلمات التي تُقال في مثل هذة الظروف كي يحثهم علي التراجُع  :
_  ياريت يا جماعة تاخدوا فرصة تتكلموا فيها لوحدكم وتراجعوا نفسكم في القرار،  إن أبغض الحلال عِند الله الطلاق .

إبتسمت ساخرة وتحدثت بحديث ذات مغزي  :
_ ما طلعش بغيض ولا حاجه يا شيخنا،  بالعكس، فيه اللي أبغض منه ألاف المّرات،

وأكملت وهي تُثبت مِقلتيها بعيناه بعدما رفعهما ليقابل عيناها التي إشتاقها، فبرغم كل ما بدر منه من خسة وتخلي إلا أنه مازال يوجد لها محبة كبيرة داخل قلبه  :
_ الندالة والخسة والتخلي.

نزلت تلك الكلمات علي قلب أمير أحرقته وأشعرته كم أصبحَ ندلً وصغيراً في عيناها وأعيُن الآخرين

أردف إيهاب بنبرة جادة وهو ينظر لذاك الذي يجلس كالفرخ المبلول من شدة خجلهِ  :
_ ملوش لزوم الكلام ده يا أمل، مهما كان الناس في بيتنا وإحنا ولاد أصول ومش إحنا اللي نهين ضيوفنا، ده غير إن الكلام أصبح ملوش قيمة وزي عدمه .

هزت رأسها بموافقة وتحدثت بقوة إلي شقيقها :
_ عندك حق يا إيهاب،  الكلام فعلا أصبح ملوش قيمة،
ثم حولت بصرها ونظرت إلي المأذون وتحدثت :
_  إتفضل شوف شغلك يا سيدنا الشيخ وخلصني

كانت تجلس بجانب والدتها تتابع كلام المأذون وهو يُنهي إجراءات الطلاق بقلبٍ يتمزقُ ألماً، مّرَت حياتها معهُ كشريط لفيلمً سينمائىً ، بلحظات رأت جميع أوقاتها التي أمضتها بجانبه،  سعادتها، عشقها، راحتها وشقائِها وتحمُلها معهُ لأسوء الظروف التي مرت عليها طيلة حياتها

أخرجها من شرودها توجيه المأذون حديثه إليها مُتساءلاً  :
_موافقة علي الطلاق يا مدام أمل ؟

نظر لها أمير بإنكسار فأجابته بإبتسامة جانبية ساخرة  :
_طبعاً موافقة
ونظرت بقوة لداخل عيناه وتحدثت  :
_  ده تصحيح لقرار كان غلط من البداية .

قدم لها المأذون القلم وتحدث  :
_إتفضلي إمضي علي قسيمة الطلاق .

تناولت منه القلم وبكل قوة وضعت توقيعها

أما أمير فوضع أيضاً إمضاءهُ بقلبٍ مُشتت وكيانٍ ضعيف، يشعر بأنهُ خسر جوهرتهُ الثمينة-ولكن- لابد من المُضي قدماً في النظر إلي المستقبل لإستكمال حياتهُ القادمة ، هكذا كان حديثهُ النفسي الدائر بينه وبين حاله

إنتهت مراسم الطلاق وهبت واقفة من جلستِها ورمقت ذاك الجالس يشعر بخجل العالم أجمع بنظرة إشمئزاز وأنسحبت لداخل غُرفتها، وتحرك مصطفي ساحبً نجله بخيبة أمله به

أوقفهما صوت إيهاب الهادر الذي تحدث إليه بقوة  :
_ أنا كان ممكن أدمرك وأدفعك ثمن ندالتك وخِستك مع أختي غالي أوي، وكان ممكن ألففك علي محاكم مصر كُلها كعب داير، بس عملت حساب لكارما وللأستاذ مصطفي اللي إتدخل وطلب مني إننا ننهي الموضوع بهدوء.

وأكمل مشيراً بسبابته مُهدداً إياه  :
_  بس قسماً بالله ما تحاول تقرب لأختي أو تضايقها بأي شكل من الأشكال لأنسي كل شئ وأوريك اللي عمرك ما تتخيله.

سحب مصطفي أمير الذي بدا علي وجههِ الغضب وكاد أن يرُد عليه وتحركوا سريعً للخارج منعاً لإثارة المشاكل

وتفرق الجَمع، ودلف إيهاب وسحر ورانيا إلي أمل غرفتها وتحدثوا معها وتفهمت هي الموقف وعادت إلي طبيعتها الأولى معهم

ساءت حالة أمل النفسية بفعل حدوث الطلاق ودخلت بنوبة إكتئاب وعدم رغبه في الحياة حتي أن الأمر وصل بها أنها قررت عدم إستكمال جُرعاتها الكيماوية، فتحركت إلي المركز بعدما إنتوت العزم أن تُبلغ أحمد بما قررته وتُنهي معهُ موضوع علاجها بشكلٍ نهائي

وقفت أمام عامل الإستعلام الذي بالطبع يعرفُها جيداً وسألت إن كان بمقدورها مقابلة دكتور أحمد

فتحدث لها العامل بإحترام وهو يُمسك بكف يده سماعة الهاتف الموضوعة أمامهُ فوق المكتب إستعداداً للمهاتفة  :
_ثواني يا أفندم هتصل بالدكتور وأشوف إذا كان عنده وقت يقابل فيه حضرتك ولا لا.

وأكمل مُفسراً  :
_ حضرتك عارفة النظام وإنتِ جاية من غير ميعاد سابق.

هزت رأسها بتفهم وأجابته بملامح وجة مُبهمة :
_ مفهوم مفهوم.

إتصل العامل بأحمد الذي شعر بحالهُ يطيرُ من شدة سعادته لخبر رؤياها، وسمح لها بالدلوف الفوري

إستمع لطرقات خفيفة فوق الباب أجاب بلهفة لم يستطع السيطرة عليها  :
_  إدخل.

دلفت ونظرت له بملامح وجه حادة ونظرات ثاقبة ثم تحدثت بنبرة جادة :
_  أنا أسفة يا دكتور علشان جيت لك في غير ميعادي المُحدد،  بس أنا جاية أبلغ حضرتك بقرار مُهم وهمشي علي طول،  يعني ما تقلقش،  مش هاخد من وقت حضرتك كتير.

قطب جبينهُ وضيق عيناه مُستغربً حالتها التي تتحدث بها وأردف مُشيراً لها بكف يده  :
_ إتفضلي إقعدي وقولي كُل اللي إنتِ عوزاه وكُلي أذانٍ صاغية.

وأكمل بإبتسامة حانية:
_ وبعدين يا ستي خدي كل الوقت اللي يكفي ، أنا معنديش أي مانع أفضل أسمعك العُمر كله.

تحدثت بجمود وما زالت متسمرة بوقفتِها :
_  الموضوع مش مستاهل قُعاد،  قُلت لحضرتك هما كلمتين هقول لهم وهمشي بسرعة.

إبتسم لها بخفة ثم هب واقفً من جلسته وتحرك ليقف قُبالتِها وأردف بإبتسامة بنبرة رقيقة وعيون هائمة  :
_طب ومالك مقموصة مني أوي كده ليه وإنتِ بتتكلمي،  هو أنا زعلتك فى حاجه يا أمل  ؟

أجابته بنبرة حادة مُتلاشية رقته ورُقي تعاملة معها  :
_  أنا جاية أبلغ حضرتك إني خلاص مش هكمل جلسات العلاج،وقررت أوقف الجلسات من إنهاردة .

إستشاط داخلهُ من طريقة تعاملها معه وتفكيرها الكارثي لكنه تماسك وتملك غضبهِ وقرر التلاعب بها واللعب علي وتر الكرامة لديها كي يُثير غضبها ويخلق بداخلها روح التحدي،  ليجعلها تتراجع عن قرارها الكارثي بالنسبة لها والمُميت بالنسبة لهُ

رمقها بنظرة مُقلله من شخصها ثم أجابها بنبرة باردة إستفزتها  :
_  تمام، إتفضلي من غير مطرود ومش عاوز أشوف وشك مرة تانية هنا في المركز تحت أي ظروف .

إتسعت عيناها ونظرت إلية بذهول وهتفت بحده  :
_  إنتَ إزاي تسمح لنفسك تكلمني بالشكل المُهين ده؟

وأكملت بعدم إستيعاب لحديثهُ:
_ثم إنك الدكتور المعالج لحالتي والمفروض إن ضميرك المهني يُحتم عليك إنك تحاول تقنعني اتراجع عن قراري ده لأنه أكيد هيضُرني !

إبتسم بجانب فمهِ بطريقة ساخرة منها ثم أجابها بإستخفاف :
_  والله حضرتك مش صغيرة وأنا مش هعرف مصلحتك ولا هخاف علي حياتك أكتر من جنابك

وأكمل بإهانه لإستفزازها  :
_  ثم أنا قُلت لك قبل كده إن المكان ده مخصص للمُحاربات القويات .
وأكمل وهو يشملها بنظرة إشمئزاز مُصطنعة بالتأكيد  :
_  أما الضعيفة المُنسحبة من قلب المعركة ملهاش مكان عندي .

خطت بساقيها عدة خطوات حتي إقتربت من وقفته وهتفت بنبرة غاضبة :
_ تعرفني منين إنتَ علشان تتهمني بالضعف والهوان  ؟
، تعرف إية عن اللي عِشته خلال فترة مرضى غير التقارير اللي بتتكتب بالحبر وبتجيلك عن حالتي كل شهر يا حضرة الطبيب المحترم  ؟

وأكملت حديثها بنبرة مُتألمة ولمعة دمعة سكنت مقلتيها  :
_أنا جوزي سابني في عز ألمي وراح يتجوز ويعيش حياته، إنتَ عارف يعني إيه واحدة حبت بكل ما فيها وسلمت قلبها لراجل أقل منها في المستوي الإجتماعي والمادي والفكري بإسم الحُب ، أنا حاربت الدُنيا كُلها علشانه، أقنعت أمي وإخواتي بيه وبأهله بالعافية، ومع أول إختبار بينا رماني وباعني وباع عشرتي ورماهم في أقرب باسكت زبالة قابلة.

وأكملت بدموع حارقة تهتز لها القلوب  :
_ الراجل اللي سلمته قلبي بدل ما ييجي ياخدني في حضنه ويطبطب عليا ويطمني علي نفسي سابني بموت وراح رمي نفسه في حُضن واحدة غيري  ، إنت متخيل  ؟

وهتفت بصياح  :
_عاوزني أحارب ليه ولمين؟
وأجيب قُدرة المُحارب وإيمانه منين بعد كل اللي حكيتهُ لك ده؟

كان يستمع لها بقلبٍ يتمزق لأجلها، ود لو أن لهُ الأحقية لضمِها لداخل أحضانه وبث شعور الإطمئنان كي تشعُر روحِها الضائعة بالسلام الداخلي والطمانينة

نعم كان علي عِلم بكل قِصتها مُنذُ البداية عِندما أخبرته والدتها حين سألها عن أسباب حُزنها وعدم حضور زوجها معها، وقصت لهُ سحر بُعد زوجها التدريجي عنها وذلك ليتوخي الحذر ويكون بإستقبال الإنتكاسة التي ستُصيبها بالتأكيد إذا حدث التخلي الكُلي، وبعدها أتت إليه سحر وقصت لهُ رواية إنتواء أمير الزواج بآخري، لكنه لم يعلم إلي الآن بخبر طلاقِها

أجابها بقوة ليُجبرها علي إخراج كل غضبها وإفراغ تلك الشُحنة كي يرتاح قلبها ويهدئ :
_ المفروض إن اللي قولتيه ده كله يكون حافز ليكي مش سبب تعجيزي،  المفروض تظهِري كل قوتك وتُصري علي العلاج وفرصة الحياة أكتر علشان تثبتي له إن هو اللي خسرك مش إنتِ،  إثبتي له إن هو اللي ضعيف وخسر مُحاربة ما تتعوضش بستات الدُنيا كُلها

ثم تنفس عالياً ونظر لها بحنان وتحدث بنبرة هادئة  :
_كل اللي إنتِ مريتي بيه ده عادي بالنسبة للتغيرات الكبيرة اللي حصلت لك من المرض

وأسترسل حديثهُ بيقين  :
_مش يمكن ربنا إبتلاكي بالمِحنة دي علشان يكشف لك النفوس الضعيفة اللي حواليكي ويزيل عن عيونك غمامِة البريق القشرة اللي طول الوقت كنتي مخدوعة فيه وفكراه دهب خالص؟

وأكمل بنبرة حماسية :
_الحياة حلوة أوي يا أمل ومازال فيها اللي يستاهل إنك تحاربي علشانة.

ونظر داخل عيناها بهيام ومشاعر كان يحتجزها طيلة الشهور المُنصرمة مُنذ أن تعامل معها ولمح فيها فتاة أحلامة التي كان يبحث عنها في وجوة المارة،  نعم لقد وجد بها فتاتهُ المُنتظرة ،  لكن منعتهُ أخلاقهُ من البوح بما يكنهُ داخل قلبه لتلك الجميلة وذلك لزواجها المقدس من رجُلً أخر، ولكنهُ لم يعد بقدرتهِ الإستطاع علي التحمل وخصوصاً أنه بات متأكداً أن الطلاق حتماً سيقع

اكمل حديثهُ بعيون تنطقُ عشقً  :
_ مازال فيها اللي بيتمني رضاكِ ويتمني إنك تشاركية حياته الجاية.
مازال فيها كارما، مامتك، إيهاب ورانيا ، أظن دول يستاهلوا المحاربة يا أمل

إستغربت نظراته لكنها فسرتها علي أنها مؤازرة منه كطبيبها فقط لا غير

إبتسمت له بمرارة وتحدثت بيأس  :
_ أنا هتعالج يا دكتور، هتعالج علشان ما أوجعش قلوب إتعشمت في شفائي.

إتعالجي علشان أمل لأنها تستحق الحياة والفرصة التانية اللي مستنياها .
كانت تلك كلمات ذات مغزي قالها لها بنبرة رقيقة متطلعاً بعيناها الساحرة.

أومأت له بإبتسامة وأمل وحماس جديد لا تدري من أين حصلت عليهما وتحركت إلي الخارج عائدة إلي منزلها بحماس جديد

________________

تزوج أمير سريعً ومكث مع عروسهُ بمسكنه الذي شهد علي قصة عشقهُ المزيف بتلك الأمل تحت سعادة راوية وشيرين وحُزن مصطفي

وبعد مرور أكثر من أربعة أشهر وأنقضاء عِدتها الشرعية، إنتكست حالة أمل بفضل فِعل الطلاق التي مهما حاولت أن تُظهر أنهُ لم يؤثر بها وأن أمير أصبح صفحة طُيت بين طيات النسيان، وما زاد سوء حالتها هو عِلمها بخبر زواج أمير بعد طلاقهما بشهرٍ واحد،  كانت كُل تلك الصَفعات التي تلقتها أمل دافع كبير لإنهيارها وعدم قدرتها علي التحمُل

إقترح أحمد علي سَحر أن تمكُث أمل داخل المركز الفترة المُقبلة كي يستطيع هو شخصياً الإعتناء الجيد بها واللعب علي حالتِها النفسية بما درسهُ من تنمية بشرية لكي يرتقي بمعنوياتها ،  وبالفعل إنتقلت أمل بالبقاء في المَشفي

كانت الساعة قد تخطت منتصف الليل، وهي تقبع فوق تختها وتُقابِلُها بالتخت المقابل ممرضة مرافقة لها قد عينها لها أحمد خصيصاً لمرافقتها والمبيت معها كي تشعُرها بالأمان والحماية

كانت تشعر بملل لإنشغال تلك الممرضة عنها حيثُ كانت المُمرضة تتصفح هاتفها بتركيز شديد ، إستمعت إلي خبطات خفيفة فوق الباب،  إعتدلت بجلستِها وأرتدت غطاء الرأس خشيةً من أن يكون الطارق رجُلاً وبالفعل وجدت ذاك الفارس يطلُ عليها من فتحة الباب بطولهِ الفارع ووجههِ البشوش

وتساءل بإبتسامة سعيدة  :
_ تسمحي لي أدخل  ؟

إبتسمت له وأومأت بموافقة قائلة  :
_  إتفضل.
أشار للمرضة بالخروج والمكوث مع صديقاتها وبالفعل خرجت

ثم تحرك للداخل وتساءلت هي بإستغراب  :
_  هو حضرتك موجود ليه في المستشفي لحد الوقتِ ؟
_ مش المفروض إنك بتخلص جلسات الإشعاع وبتطمن علي الحالات وبتمشي الساعة عشرة  ؟

سحب المقعد المُلتصق بتختها وأبعدهُ كثيراً إتباعً للشرع وأيضاً ليترك لها المجال كي لا تخجل هي كعادتها من أي تقارب مما كان يسعد قلبه ويجعلهُ يشعر آن قلبه آُختير صح.

جلس وتحدث بنبرة حنون مُداعبً إياها :
_ للدرجة دي زهقانة مني ومش حابة تشوفيني قدامك؟

إبتسمت خجلاً وتحدثت مُبررة  :
_ ما أقصدش طبعاً يا دكتور، أنا بس إستغربت وجودك مش أكتر.

أومأ لها بتفهم ثم تساءل بإهتمام  :
_  عاملة ايه ؟

أومأت له وأردفت قائلة بنبرة راضية  :
_ الحمدلله أحسن كتير من إمبارح، بس زهقانة موت وكمان جعانة.

إنخلع قلبهُ لأجلِها وتسائل بلهفة  :
_ إنتِ ما اتعشتيش  ؟

هزت رأسها بنفي وأردفت قائلة بتفسير  :
_ مكُنتش جعانة لما هدي جابت لي العشا

وأكملت بملامح وجه مُكشعرة  :
_ وبعدين بصراحة كده أكل المستشفي وحش أوي،  تحس إن اللي طابخ ملوش أي نَفس في الأكل.

ضحك بخفة وأردف بإستحسان  :
_  مش كل من دخل المطبخ بقا سَحر عبدالسلام  يا أستاذة.

أخرج الهاتف من جيب سترته ثم تسائل بإهتمام  :
_  تحبي تاكلي إيه  ؟

قطبت جبينها وتسائلت بترقُب  :
_ ببساطة كده هتكسر قوانينك وهتطلب لي أكل من برة  ؟!

أجابها مُشيراً بسبابته بدُعابه  :
_ إنهاردة بس هديكي يوم فِري،  بس متاخديش علي كده
يلا قولي حابة تاكلي إيه؟

زمت شفتاها لتُفكر وتختار وما أن رأها بتلك الحالة حتي إهتز قلبهُ وأبتلع لُعابه من شدة جاذبيتها وجمالها الأخاد الذي يراها عليه دائماً، فبرُغم ما صنعهُ المرض بها إلا أنه دائما ما كان يراها إلا ساحرة مُبهرة، جمالُها مُنفرد كشخصيتها

تحدثت هي إليه  :
_  أنا جاي علي بالي أكل بيرجر بصوص الرانش.

إتسعت عيناه ومسح بلسانهِ فوق شفتاه بطريقة مُهلكة مما جعلها تخجل وتسحب بصرها بعيداً عنه فتحدث هو بتشهي  :
_تعرفي إن البرجر بصوص الرانش من أكلاتي المفضلة،  وورق العنب المستوي في طاجن وتحته شرايح موزة،  يااااه.

نظرت إليه سريعً وهتفت بلهفة  :
_  وأنا كمان بعشق ورق العنب بالموزة وعليه بقا شرايح لمون من فوق كده، وااااو.

شعر بسعادة عالية علي أنهُ إستطاع جذبِها من قاع عُزلتها التي أقحمت حالها بها
ثم تحدثت بنبرة حماسية  :
_ علي فكرة، أنا بعمل ورق العنب حلو أوي وكل اللي أكله من إيدي شكر جداً فيه.

إبتسم بجانب فمهِ وأردفَ بحديثٍ ذات مغزي  :
_ والله بكرة ندوق ونُحكم  ، ويكون في عِلمك، أنا ما بعرفش أجامل حد في الأكل بالذات.

ضيقت عيناها مستغربة حديثهُ فتحدث مُتسائلاً  :
_  مالك إزبهليتي أوي كده ليه؟
_ كِل ده علشان قُلت لك بالتلميح إني عاوز أدوق ورق العنب من إيدك علشان أحكم بنفسي

وأكمل مُداعبً إياها  :
_  إنتِ بخيلة ولا إيه يا مولي؟

نظرت إليه مُضيقة العينان وكررت كلمتهِ مستغربة حاله  :
_ مولي  ؟

ضحك بخفة وأجابها  :
_ مالك مستغربة كده ليه؟
بدلع المريضة بتاعتي، عادي جداً.

وتحدث سريعً وهو يضغط علي أرقام هاتفهُ ليُهاتف المطعم  :
_ شفتي إزاي الكلام أخدنا ونسيت أكلم المطعم علشان يلحق يجهز الأوردر .

بعد مرور حوالي الساعة،  تركها خلالها هو وذهب إلي مكتبة وجلس يسترجع بخيالهِ حديثهُ الشيق معها، وأبتسم بسعادة حين تذكر نبراتها الحماسية وحركات ملامح وجهها البرئ وهي تتحدث بسعادة،  كم كانت روحها جذابة ورائعة

إستمع إلي طرقات فوق الباب وطلت الممرضة لتُخبرهُ :
_ عامل الدليفري وصل وطالب تمن الفاتورة يا دكتور

هب واقفً وتحرك إلي العامل وأخذ منهُ الأكياس، وذهب من جديد إلي أمل وجلسا يتناولان الطعام سوياً،  قضمت قطعة من الشطيرة وبدأت بمضغِها بإستمتاع وتحدثت بإستحسان:
_ البرجر طعمهُ يجنن.

أجابها بشرح  :
_ده برجر بيتي علي فكرة،  المحل ده بيفرم اللحمة البلدي وبيعمله طازة يومياً
وأكمل مُفسراً :
_ ولولا كده عُمري ما كُنت هسمح لنفسي إني أأكلك حاجة ممكن تأذيكي

إبتسمت وسعد داخلها من إهتمامه الواضح بها وقضمت الشطيرة من جديد
نظر لها وأبتسم حين وجد بعضً من معجون الجُبن المطبوخ بجانب شفتاها،  وبدون أن يشعُر وجد حاله يُبسط إليها يده ويلتقط بإحدي أصبع يده الجُبن ثم قربهُ من فمه وأمتصهُ بفمهِ مُستمتعً وهو ينظر لها بعيون تصرخُ وتأنُ عِشقً

كانت تتابع حركاتهُ بعيون متسعة مذهولة مما حدث،  وبلحظة توقفت عن الطعام ثم وضعت شطيرتِها داخل طبقِها بهدوء

فتحدث هو إليها بنبرة حنون جراء حالة العشق التي سيطرت عليه  :
_  كملي أكلك.

إرتبكت بجلستها وأجابتهُ بعدما سحبت عنه بصرها  :
_  أنا شبعت وعاوزة أنام

وأكملت بهدوء  :
_  من فضلك يا دكتور تنده لي هدي علشان عاوزة أنام حالاً.

تنفس عالياً وأردف قائلاً بحديث ذات مغزي  :
_ كملي أكلك الأول وبلاش تهربي مني أكتر من كده.

نظرت إلية بحدة لرفضِها أية مشاعر من تجاهه هو أو أي شخص أخر، فيكفيها ما حدث لها من الغرام وأهله

نعم بدأت تشعُر مُنذ إسبوع وبالتحديد بعد إنتهاء عِدتها الشرعية بمشاعرهُ التي أطلق لها العنان بعدما كانت حبيسة لما يتخطي العام مُنذُ أن رأها هُنا بالمركز أول مرة ووقعت عليها عيناه وذابت داخل بحر عيناها الغميق

هتفت بنبرة حادة  :
_ من فضلك يا دكتور، قُلت لحضرتك أنا عاوزة أنام.

أغمض عيناه كي يُهدي ويخمد من ثورة مشاعرة التي ما عادت تتحمل كتمانها والضغط عليها أكثر من ذلك، لكنهُ مُرغمً علي التحلي بالصبر لتحمل الحالة المزاجية لتلك الساحرة التي تضع سداً منيعاً بينها وبينه بالتعامل وذلك لعدم رغبتها ورفضها القاطع لخوض تجربة الغرام من جديد

تحامل علي حالهِ ووقف وتحدث بنبرة متمالكة وكأن شئً لم يكن مما جعلها تستغرب حالهُ وبروده  :
_  تمام،  هبعت لك هدي علشان تشيل باقي الأكل ده وتنضف المكان،  وهبعت لك معاها برشامة هتريح معدتك من الأكل علشان ما تتعبيش، وحاولي تسترخي وتنامي كويس علشان الجلسة بكرة.

وتحدث وهو يُعطيها ظهرة متقدمً إلي الباب :
_ تصبحي علي خير.

كانت تطالعهُ بحيرة من أمرهِ العجيب حتي إختفي من أمام ناظريها بشكلٍ نهائي

دلف إلي مكتبهُ من جديد وبلحظة وضع كف يدهُ فوق شعرهُ وسحبهُ للخلف بضيق حتي أنهُ بات أن  جذورهُ من شدة غضبه وكظم غيظه،
وهُنا دار حديثُ النفس
_ لما لا تشعُرين بقلبي المُلتاعِ ساحرتي
أولم يحن الأوانُ بأن تُفسحي لي المجالُ وتدعيني أخطو بساقاي لقصركِ العالي
لقد سأمتُ البعد والهجران يا أمرأة،  أريد أن أقطف أولي ثمراتي بعشقكِ المُزلزلُ لكياني،  فقط فلتسمحي لي بالتقرب وسأزين حياتنا بعقد قراننا المُقدس وسأسحبكِ معي لداخل عالم أحلاميّ العظيم،
وبعدها سنذوب عِشقً وأقسم أني سآُذيقُك من شراب العسلِ ألوانً،  فقط فلتمسحي لي

إنتهي الفصل
بسمة أمل
بقلمي روز آمين بسم الله ولا قوة إلا بالله
اللهم لا تبتلينا فيما لا نستطيع عليه صبراً

نوفيلا
بسمة أمل

☆الفصل التاسع ☆

في اليوم التالي عصراً وبعد أن أخذت جُرعتِها،  كانت تجاورُها سحر وبلحظة تحركت مسرعة إلي الحمام لحاجتها للتقيؤ،  إرتمت فوق أرضية الحمام بجسدٍ هزيل لا يقوي علي التحرك أو التحمل، تحت إنهيار سحر ودموعها وألمها الذي أصابها علي حال صغيرتها

صاحت سَحر وصرخت بعلو صوتها  لتستنجد بأحدهم كي يساعدها بمساندة صغيرتها علي الوقوف ،  أسرعت الممرضة المرافقة لها كي تساعدها وبلحظة ظهر هو كالفارس وجري عليها مُسرعً وتحدث للجميع مطالباً إياهم بالإبتعاد ورفعها من تحت إبطيها بيداه سانداً إياها بقوة،
وطلب من الممرضة أن تأخذ سحر المنهارة إلي الخارج كي لا تنهار أكثر من مشاهدة إبنتها وهي في أسوء حالاتها،  أسندتها الممرضة وبالفعل تحركت بها إلي الخارج

وتحرك هو بها محاوطً إياها بعناية حتي وصل بها إلي قاعدة المرحاض وتحدث إليها بنبرة حنون  :
_  رجعي يا أمل .

بصعوبة حركت وجهها إليه وتحدثت بلهاث وضعف  :
_ سبني وأطلع برة يا دكتور،  مش حابه حد يشوفني في الحالة دي.

مسح علي شعر رأسها الذي ظهر من جديد بفضل أدوية حديثه قد جلبها هو لها من الخارج وأعطاها لها كي تنبتهُ حتي لا تحزن،  وقد تناست أن تضع عليه حجابها من شدة تعبها،
سحب خصلاتِها القصيرة وأرجعها خلف آُذنها وتحدث بعيون تكادُ تُدمع  :
_ مش هسيبك لوحدك ،  أنا وعدتك يوم ما مسكت إيدك في أول جلسة ليكي وقُلت لك إني مش هسيبك،  وأنا عمري ما أخلف وعدي أبداً

أومأ لها برأسه كي يشجعها في البدأ :
_ يلا يا حبيبي إبدأي،  أنا معاكي،  ما تخافيش.

كانت تنظر لعيناه التي تنطقُ عِشقً بذهول،  ماذا يري بها وبحالتها التي يُرثي لها ليجذبهُ ويجعلهُ ينظر لها بكِلتا العينان العاشقتان،  ماذا جذبهُ لها بحالتها الهزيلة تلك كي يعشقها وهي بتلك الحالة المزرية ،  أهذا ما يطلقون عليه عشق الروح !

أم أنهُ فقط يشفق  علي حالتِها،  ولكن، لما هي بذاتها التي يشفق عليها،  فهُناك الكثير من الحالات الكُثر داخل المركز ومنهم من هي أجملُ منها بكثير ومنهم من تُدمي القلوب لحالِها،  فإذاً لماذا هي  ؟

بعد قليل كانت قد إنتهت بمساعدته وتحرك بها وأجلسها علي مقعداً جانبياً موضوع لها خصيصاً داخل المرحاض كي تستريح عليه،

مسح علي شعرها بحنان وتسائل مُستفسراً  :
_ حاسه نفسك أحسن؟

نظرت له بصدرٍ يهبط ويعلو بشدة جراء تعبها وتحدثت بنبرة ضعيفة مُنكسرة :
_أنا تعبت أوي يا دكتور،  تعبت ومبقاش عندي قدرة أتحمل أكتر من كده.

تحدث لها بوجهٍ بشوش مبتسم  :
_هانت يا حبيبي،  الأشعه اللي عملناها أخر مرة نتيجتها هايلة،  خلاص يا أمل،  قربنا يا حبيبي،  قربنا قوي.

فاقت من حالتها وهي تنظر بإستغراب لشفتاه التي تنطق حبيبي مكرراً إياها بكثرة

حين أبتسم هو وتحدث بتأكيد  :
_  أيوة يا أمل، حبيبي وحلم عُمري اللي كُنت مستنية بقالي زمان.

هزت رأسها نافية وتحدثت متسائلة :
_  تفتكر إني ممكن أكرر غلطتي ومن تاني أفتح قلبي وأسلمه لراجل علشان يسيبني من جديد ويدبح روحي  ؟

ضحك بخفة وأجابها مفسراً  :
_طب بذمتك ده شكل واحد ممكن يتخلي عنك ويسيبك ،  أنا حبيتك وإتمنيتك وإنتِ في أصعب حالاتك وأضعفها يا أمل،  تخيلي كده لما تقومي بالسلامة قريب ونعيش حياتنا سوا بطبيعية هوصل معاكي لأيه،

سألته بإستفسار وتعجب:
_ حبيت فيا إيه وأنا بالشكل ده ؟!

إبتسم وأجابها بنظرات تنطقُ عِشقً :
_  حبيت روحك وعشقت قلبك ، إديني فرصة أخدك معايا لدنيتنا اللي مستنيانا علشان نعيشها سوا

تنفس عالياً بعدما رأي إستكانتها ثم تحدث بصوتٍ جهوري منادياً علي الممرضة التي أتت مسرعة

فتحدث هو  :
_  هاتي هدوم نضيفة لـ أمل وتعالي من فضلك ساعديها علشان تاخد شاور يفوقها

وهُنا رفضت أمل بشدة متحدثه بخجل أذاب قلب ذاك العاشق للنخاع  :
_  لا أنا مش محتاجة حد معايا

وهنا قد دلفت والدتها التي كانت تحمل بيدها المنشفة والثياب وتحدثت بضعف  :
_  أنا هقف معاكِ يا قلبي

أومأت لوالدتها بموافقة وخرج أحمد مصطحبً معهُ الممرضة

بعد مرور حوالي الساعة كانت تجلس فوق تختِها بعدما أخذت حمامها، تجاورها والدتها التي تحاول إطعامها ولكنها تأبي بشدة،طل عليها من الباب وتحدث بابتسامة مُشرقة:
_  البطلة بتاعتنا عاملة إيه؟

نظرت إلية ونوبة قشعريرة أصابت جسدها بالكامل من هيئته التي تكادُ تُجزم أنها تراهُ لأول مره،  نعم فهي تراه ولأول مرة حبيبها عاشق روحها،  إبتسمت برقة أذابت قلب ذاك المسكين وأعطته أمالاً وأمالا

تحدثت سحر التي كانت تراقب تلك النظرات العاشقة بإستغراب  :
_البطلة مغلبناني ومش راضية تاكل أي حاجة يا دكتور.

إقترب هو منهما وتحدث بنبرة جادة :
_  كلام إيه اللي بتقوله ماما ده يا أستاذة،  لازم تاكلي أي حاجة علشان تعوضي جسمك.

وأمسك بيده قطعة تفاح من الصَحن وقدمها لها وتحدث بهدوء  :
_ كُلي حتة التفاحة دي هتقويكي  .

وما كان منها إلا الإنصياع لأوامر ذلك الفارس وبالفعل مدت يدها وتناولتها منه وقضمتها تحت إستغراب سحر لحالة صغيرتها،  وتحت سعادة أحمد أنهُ وبالفعل إقترب كثيراً من تحقيق حُلمه

_________________________

بعد مرور حوالي سبعة أشهُر

داخل مسكن أمير كان يجلس فوق الأريكة يُشاهد شاشة التلفاز بعقل مُرهق ووجهٍ ذابل يدل علي عدم راحته بحياته التي أصبحت صعبة وكئيبة بفعل زوجته كثيرة المطالب دائمة الشكوي والتي لا تكفُ عن أذية الجميع بحديثها أبداً

خرجت عليه من المطبخ مرتديه ثيابً لا ترتقي للذوق بصلة وأما عن رائحتها التي تختلط بالبصل والثوم والعرق أيضاً فحدث ولا حرج، كلما نظر لها واشتم رائحتها التي لا تفارقها حتي عندما تذهب إلي تختِها مما كان يجعلهُ دائم النفور منها، مُتحسِراً علي تلك الجميلة التي طالما كانت لا تفارقها الرائحة العطرة

وقفت وربعت ساعديها فوق صدرِها وهتفت بنبرة حادة قائلة  :
_ هتروح معايا للدكتور نتفق علي العملية أمتي  ؟

زفر بضيق وتحدث بضجر :
_ هو آنتِ ما بتزهقيش أبداً من الكلام في الموضوع ده ؟
_ ده أنتِ كرهتيني في عِيشتي وخلتيني أكره العيل اللي هييجي من العملية دي من قبل حتي ما ييجي ، قُلت لك للمرة المليون مش معايا المبلغ اللي الدكتور طالبه للحقن المجهري ده

وأكمل بنبرة غاضبة  :
_ ادفع ليه خمسين ألف جنية في عملية زي دي وكمان نتيجتها مش مضمونة

واسترسل مشوحً بيده في للهواء بعدم أهمية:
_ جربي مع دكتور تاني يمكن عنده حل غير العملية دي .

تحدثت بحدة ونبرة عالية  :
_ موضوع الفلوس ده ميخصنيش يا حبيبي،  مش ذنبي إني إتجوزت واحد كحيان زيك، وبعدين انا روحت لأكتر من دكتور وكلهم قالوا إن الحمل عندي مش هيحصل غير بالحقن المجهري،  يعني تتصرف إنتَ وأهلك وتخلق لي فلوس العملية،
وأكملت متسائلة بإستفزاز:
_هو أنتَ مش راجل ولا أيه  ؟

إشتعل داخلهُ من حديثها المُثير للأعصاب، هبَ واقفً من جلسته وتحرك إليها بغضب ثم بدون مقدمات صفعها علي وجهها لعدم قدرته للأستماع لها أكثر من ذلك،فقد فاض به الكيل وطفح من حديث الصباح والمساء التي لم تكل من تكرارهِ يومياً

فتحدثت هي بغضب وجنون  :
_ إنتَ بتضربني يا عِرة الرجالة؟
بتداري خيبتك القوية بالضرب، مش كفاية إني رضيت بيك وإنتَ مطلق وأنا لسه ما دخلتش دُنيا،

وأكملت بنبرة تهديدة  :
_طب والله ما أنا قاعدة لك في البيت ولأروح عند ماما وأخويا وأخليهم يعلموك الأدب.

هتف بنبرة حادة وهيئة جنونية  :
_ في ستين ألف داهيه وياريت ما ترجعيش هنا تاني،  ده أنتِ كرهتيني في عيشتي وسودتي حياتي من يوم ما دخلتيها،  كان يوم إسود يوم ما سمعت كلامهم ومشيت وراهم .

وأكمل صارخً بندم:
_ ده أنا كُنت متجوز ست ستك وعايش معاها أحلا حياة، بس شكلي إفتريت عليها وربنا عاقبني بيكي

كانت تستمع إليه بقلبٍ يشتعل وهي تجمع ثيابها، تحركت وذهبت إلي والدتها،  وفي نفس اليوم تعدي أكرم زوج شيرين عليها بالضرب بعدما حرضته عنايات وهدير عليها وأمرته أن يطردها من منزلها مثلما فعل أمير والبادي أظلم

في منزل مصطفي عساف تجلس تلك الباكية بوجهها المُنتفخ نتيجة ضربها بشدة علي صدغيها مما جعلهما متلونين بمزيج من الأزرق والأحمر معاً ،  تجاورها والدتها التي تربت عليها وتتحدث بنبرة عالية غاضبة  :
_ إن شالله تتقطع إيده إبن عنايات ويحتار بيها بين الأطبا زي ما ممدها عليكي.

ونظرت إلي أمير ومصطفي الجالسان برأسان محنيتان وتحدثت بإستفسار :
_  هتعمل إيه معاه يا مصطفي  ؟

زفر بضيق قائلاً بضعف  :
_ هعمل إيه يعني،  هكلمه في التلفون وأشوف إزاي يمد إيده عليها كده.

هتفت شيرين من بين دموعها بحدة وهي تنظر إلي أمير   :
_ كل ده بسبب أمير وضربه للزفتة اللي إسمها هدير، وبعدين ما تتعبش نفسك بالإتصال يا بابا، حماتي قالت لي مش هتدخلي البيت تاني ولا هتشوفي ولادك غير لما أمير يعمل العملية لبنتها وتخلف.

تنهدت راوية وتحدثت وهي تخبط كفيها فوق فخديها  :
_ يا شماتت العدو فيكي وفي ولادك يا راوية، العيلين اللي حيلتي هيخيبوا والناس هتشبع كلام علينا  .

ثم نظرت إلي أمير وتحدثت بأمر  :
_إنتَ لازم تتصرف وتعمل لها العملية يا أمير، أختك بيتها هيتخرب  .

هتف بصياحٍ عالِ  :
_يا ناس هجيب لها منين خمسين ألف جنية،  إنتوا بتهرجوا  .

تحدثت شيرين بنبرة حادة  :
_ خد قرض من البنك بضمان شغلك وابقي سددة براحتك بعدين .

هتفت راوية بإستحسان  :
_ برافوا عليكي يا شيرين حلو الحل ده،
وأكملت وهي تنظر إلي أمير:
_  وأهو أبوك يبقا يساعدك في تسديده ، ولا إيه يا مصطفي  ؟

تنهد مصطفي بقلة حيلة وأومأ قائلاً  :
_اللي تشوفوه إعملوه،  أنا قايم أتوضا وأصلي المغرب قبل ما يفوتني،  وأهو علي الأقل أكون عملت حاجه واحده صح في حياتي .

نظر أمير إلي كِلتا الجالستان وهتف بنبرة حادة نادمة:
_ كُل اللي أنا فيه ده بسببكم إنتم الإتنيين،وأديكم بتحصدوا معايا اللي زرعتوه،

وأكمل بعيناي متألمة ونبرة صوت يملؤهُ الندم والمرارة :
_ اللي بيحصل لنا ده ذنب أمل،  ربنا بيخلص لها حقها من اللي عملناه فيها

هتفت شيرين بنبرة حادة:
_ إنتَ شمتان في اللي حصل لي بسببك يا أمير؟
وأكملت بنبرة لائمة:
_ يعني في الآخر طلع الحق عليا أنا وأمك علشان خفنا عليك وعلي عمرك اللي كان هيضيع جنب واحدة مصيرها للموت ؟

إبتسم بألم وهز رأسهُ بأسي وهتف متسائلاً بمرارة:
_ وإنتِ بقا شايفة إن حالي إتعدل مع أخت جوزك اللي بلتيني بيها ولا حتي عايش مبسوط؟
ده أنا عايش في سواد من تاني إسبوع في جوازنا، لا أنا اللي مرتاح في عيشتي معاها ولا أنا اللي قادر أتعود علي طباعها اللي زي الزفت

تنهدت راوية بأسي علي حال أولادها الذي أصبح مُزرياً

✧✧✧ ✧✧✧

توالت الأشهر وأمل تُتابع علاجها من منزلها بعدما تحسنت حالتها كثيراً وتوطدت علاقتها بأحمد ذاك العاشق الذي لم يضيعُ فرصة إلا وقام بالتعبير لها عن عشقهِ الهائل بشتي الطرق مما أسعد قلبها وجعلها تتماثل للشفاء بشكل أسرع

واليوم هو ظهور التحليل الأخير الذي أجراهُ لها أحمد،  كانت ترتدي ثيابها التي إختارتها بعناية وارتدت حجابها الأنيق وتحركت إلي خارج غرفتها، وجدت سحر ورانيا وأيضاً كارما يرتدون ثيابهم إستعداداً للذهاب

تحدثت شقيقتها وهي مُمسكه بكف يد كارما التي إرتدت ثوبً يشبة ثوب سندريلا ولفتها بسعادة موجه حديثها إلي أمل :
_ شفتي مين جاية معانا علشان وشها يبقا حلو علي مامي.

إبتسمت لها بسعادة وأكدت سحر علي حديث رانيا  :
_  إن شاءالله وشها يبقا خير ونسمع الخبر اللي يريح قلوبنا كلنا.

تحركت إليهم واحتضنت جميعهم ثم تحركوا للخارج، وبعد مده كانت تقف بمقابلة ذاك الذي رقص قلبهُ برؤياها البهية

تحدث وهو يحمل الصغيرة التي رأها من ذي قبل عدة مرات عندما آُحتُجزت أمل في المركز وقبلها قائلاً بإبتسامة وترحاب :
_ أهلاً أهلاً بدكتورة كارما.

إبتسمت الصغيرة وتحدثت بسعادة  :
_أهلا بحضرتك.

أشار لها إلي الغُرفة وتحدث بنبرة حماسية :
_علي فكرة، فيه هدايا كتيررررر أوي جوة في الأوضة دي مستنيه الدكتورة الصغيرة  .

أفلتت حالها من بين ذراعيه وجرت بسعادة نحو الغُرفة وهي تُهلل

إبتسمت أمل علي إبنتها وحولت بصرها لذاك الناظر عليها بتلهف وشكرته بإمتنان

في حين تحدثت سحر بنبرة مُرتبكة :
_ طمنا يا دكتور، التحاليل كويسة  ؟

أجابها بهدوء وأستكانة ويقين  :
_ أنا عن نفسي لسه ما فتحتش التقرير لحد الوقت،
ثم نظر إلي أمل وتحدث بنبرة حنون وعيون عاشقة  :
_ حبيت أفتح الظرف ونشوف التقرير وإحنا مع بعض.

وعي علي حالهِ وشعر أنه أزادها حين رأي خجلها المُميت فحول بصرهِ سريعً إلي سحر وأردف مُتحمحمً  :
_وإحنا مع بعض كُلنا يعني  .

ثم أشار لهم إلي الغرفة تحركت أمل ثم رانيا التي وشت بجانب آذن والدتها وهمست  :
_هي إيه حكاية الدكتور إنهاردة يا ماما   ؟

همست لها سحر :
_ مش عارفه بس نظراته لاختك غريبة أوي  .

ضحكت رانيا وتحركوا جميعاً للداخل وجدوا الطفلة تتفقد هداياها الكُثر بسعادة ومرح، إبتسمت لسعادة طفلتها وجلست وجلس الجميع أمام مكتب أحمد الذي جلس
ثم تنفس عالياً وأمسك التحليل الذي بعثهُ إلي معمل بألمانيا كي يأتي بالنتيجة الفيصلية الدقيقة وبدأ يقرأ ما بهِ بتدقيق

وتحدث إليها بعيون تكادُ تدمع من شدة تأثرهُ  :
_ خلاص يا أمل ، التقرير بيقول إن عينة دمك اللي بعتها للمختبر في ألمانيا بتقول إنه خالي تمامً من أي خلايا سرطانية.

كانت تستمع إليه بدموع تنهمر بغزارة من شدة سعادتها وعدم تصديقها لما يُقال،  أحقاً أفاض الله عليها بشدة كرمهِ وشفاها من ذاك المرض الصَعب

مالت برأسِها وتساءلت بدموعها الغزيرة  :
_ بجد يا دكتور،  كلامك ده فعلا حقيقي،  يعني أنا خلاص مش هشوف الموت كل يوم بعنيا وأنا باخد جلسات الكيماوي ؟

نزلت دموعهُ التي لم يستطع التحكم بها وتحدث بنبرة سعيدة :
_  خلاص يا أمل،  كان كابوس وإنتهي،  من إنهاردة هترجعي لحياتك زي الأول وأحسن.

إنتفضت سحر من جلستها وخرت علي الأرض ساجده لله وتحدثت بدموع السعادة  :
_اللهم لك الحمد والشكر ، اللهم لك الحمد

حين جرت عليها رانيا وأحتضنتها بحب وتحدثت بدموع  :
_ حمدالله علي السلامة يا قلبي  .

وأحتضنتها رانيا المواليه ظهرها لدكتور أحمد الذي إستغل إنشغال الجميع ونظر لوجه أمل المُقابل إليه وبعث لها قُبلة في الهواء مما أربكها وجعل القشعريرة تسري بجسدها بالكامل

تحركت إلي والدتها وأمسكت يداها وأوقفتها ثم قبلت كفاي يداها في حين إنهارت سحر من شدة بكائها من عدم تصديقها لما إستمعتهُ أذناها وتحدثت بدموع وهي تحاوط وجه صغيرتها بحنان  :
_مبروك عليكِ الشفا يا بنتي،  شُفتي عظمة ربنا وكرمُه علينا قد إية يا أمل.

إحتضنتها أمل وأنهار معاً من البكاء

في حين تحدث أحمد بدُعابة كي يخرجهم من تلك الحالة  :
_ إحنا هنقضيها عياط بقا وشكلكم كدة هتاكلوا علينا عزومة ورق العنب  .

إلتفتت إليه سحر وجففت دموعها سريعً بكفاي يداها وهتفت بنبرة سعيدة  :
_أحلا ورق عنب وأحلا عزومة هجمع فيها كل حبايبنا اللي وقفوا جنبنا في محنتنا،وإنتَ أول المعزومين يا دكتور

وأكملت بعيون ممتنة شاكرة  :
_أنا مش عارفة أكافئ حضرتك علي اللي عملته معانا إزاي  ؟

نظر إلي أمل وتحدث بنبرة حنون:
_ مكافأتي أخدتها خلاص يا أمي.

خجلت وتحركت طفلتها إليها وتحدثت بنبرة طفولية  :
_ هو حضرتك خفيتي خلاص يا مامي ومش هتموتي زي ما عمتو شيرين كانت بتقول؟

إبتسمت لها وتحدثت بدموع الفرح لطمأنة صغيرتها :
_لا يا قلبي خلاص، مش هموت بالمرض ده،  بس ممكن أموت من أي حاجه تانية عادي

وضحكت بسعادة، في حين هلعت سَحر وهتفت سريعً:
_ بعد الشر عليكِ يا حبيبتي،  ربنا يبارك في عُمرك وتربي بنتك وتجوزيها وتفرحي بأولادها كمان

إنتهي الفصل
بسمة أمل
بقلمي روز آمين
بسم الله ولا حول ولاقوة إلا بالله
اللهم لا تبتلينا فيما لا نستطع عليه صبراً

نوفيلا بسمة أمل

☆ الفصل العاشر ☆

بعد مدة تحركن عائدين إلي منزلهن لتبدأن بالتحضير للعزيمة الذي دُعي إليها أحمد وحسن وطارق خطيب رانيا وأيضاً حضر إيهاب وزوجته وأطفاله من السفر خصيصاً للإحتفال بنجاة شقيقته وشفائِها

حضر حسن ومعهُ هدايا قد أحضرها إلي الجميع بمناسبة ذاك الخَبر السعيد،  وحضر الجميع عدا من كانت بإنتظارهِ علي أحر من الجمر،  كانت تقف متوترة مرتدية أجمل وأرق ثيابها في مظهر يدعوا للإنبهار وكأنها تحولت وتبدلت بفضل سعادتِها فور إستماعها إلي خبر شفائها

وقفت رانيا بجانبها وتحدثت بدعابه  :
_ الجميل واقف متوتر ليه،  مستنية حد مُعين  ؟

إرتبكت بوقفتها وتحدثت بنبرة خجلة  :
_ وأنا هرتبك ليه،  وبعدين حد مين ده اللي أنا هستناه .

ضحكت رانيا وتحدثت بدُعابة :
_حد كدة حليوة طول بعرض وكل ما بيشوفنا عيونه بطلع قلوب وتملا المكان وتفضحه.

نظرت لها سريعً وتساءلت بإرتباك :
_تقصدي مين بكلامك ده يا رانيا  ؟

أجابتها بوضوح:
_ اقصد الدوك يا قلب رانيا.

إبتلعت لُعابها بتوتر ظهر علي ملامحها، وهُنا أتي طارق خطيب رانيا وتحدث إليها بدُعابه:
_ أظن كده يا أستاذة مبقاش ليكي عذر لتأجيل الجواز تاني،  أمل وربنا شفاها وبقت زي الفل قدامك أهي.

ضحكتا الفتاتان وتحدثت أمل لمداعبته :
_ أنا كده عملت اللي عليا معاكم وزيادة

ثم تحدثت بنبرة جادة متأثرة بتأسف  :
_انا حقيقي أسفه علي كل اللي حصل لكم بسببي.

أجابها طارق بإحترام :
_ما تقوليش كده يا أمل،  مين أصلاً كان هيجي له نفس يفرح وإنتِ تعبانه بالشكل كده،  الحمدلله كابوس وعدي  .

أردفت رانيا قائلة بسعادة :
_الحمدلله.

دق جرس الباب فأنتفض قلبها فغمزت لها رانيا وتحدثت بغمزة من عيناها :
_ روحي يا مولي شوفي مين علي الباب  .

تحدث طارق برجوله:
_خليكي إنتِ يا أمل أنا هفتح.

أوقفه صوت رانيا التي جذبته من يده قائلة:
_ تعالّ بس رايح فين، ده أنا عوزاك في موضوع مهم أوي .

ضحكت أمل علي مرح شقيقتها وتحركت نحو الباب وفتحتهُ ،  إنتفض قلبها وصار يدقُ كطبول الحرب من شدة وسامة ذاك الجذاب المبتسم وهو وينظر لها بعيون تكادُ تلتهمها،
سألتهُ متلهفة:
_إتأخرت ليه،  ورق العنب قرب يبرد .

أجابها بنبرة هادئة وعيناي سعيدة :
_ورق العنب ما بتظهرش طعامته وحلاوته غير وهو بارد  .

إبتسمت له وبسط هو ذراعيه ليقدم لها باقة الزهور التي بيده قائلاً بإحترام :
_إتفضلي

إبتسمت له وتناولتها منها وأشارت بيدها للداخل :
_إدخل،  الكل مستنيك جوة.

غمز لها بعيناه وأردف قائلاً بحديث ذات مغزي:
_عقبال ما يستنوني وأنا جاي ومعايا اللي هيوصِل الفؤاد ويحقق لي حِلمي.

خجلت من تلميحاته ودلف هو للداخل، تحرك إليه إيهاب وقابلهُ بترحاب وابتسامة سعيدة قائلاً :
_مهما حاولت أشكر حضرتك مش هوفيك حقك علي اللي عملته مع أمل.

إبتسم له وتحدث بتواضع :
_أنا معملتش غير واجبي والشفا من عند ربنا سبحانه وتعالي
واسترسل بيقين:
_هو الوحيد اللي يستحق إننا نحمده ونشكر فضله علينا .

أجابهُ إيهاب وهو يلف ذراعهُ حول شقيقته بحماية وتحدث بحنان وهو ينظر لها :
_ونعم بالله، إنتَ أصلك مش عارف إنتَ رجعت لنا إيه، إنتَ رجعت لنا روحنا من جديد.

إبتسمت لشقيقها وشددت من إحتضانه تحت إستشاطة أحمد وفوران مشاعره وهو يري حبيبته داخل أحضان غيره، نعم إيهاب شقيقها الحنون ولكن- هو أناني بعشقه يريدها بكل ما فيها لحاله وفقط

تحدثت أمل لشقيقها بعيون متأثرة :
_ ربنا يخليك ليا يا حبيبي.

هُنا أتت ندي زوجته التي تحدثت بدُعابه :
_هي بقت كده يا أستاذ، أحضان وبوس كده عيني عينك من غير ما تعمل لوجودي أي حساب  ؟

ثم نظرت إلي أحمد الواقف والغيرة ظاهرة عليه وتحدثت :
_ يرضيك اللي بيحصل ده يا دكتور؟

وتسائلت بإستفسار :
_مش دكتور أحمد بردوا  ؟

أجابها بإبتسامة خفيفة :
_أيوة يا أفندم  .

سحبها إيهاب هي الأخري ولف ذراعهُ الآخر عليها بحماية ووجه حديثهُ إلي أحمد قائلاً :
_دي بقي يا سيدي تبقا نصي الحلو، بل كُلي الحلو اللي مشاركاني حياتي ومنوراها.

إبتسم أحمد وتحدث إلي تلك الزوجة والتي تخطت سعادتها عنان السماء جراء إستماعِها لحديث زوجها الذي نزل علي قلبها وزلزلهُ :
_اهلا وسهلاً يا أفندم، إتشرفت بمعرفة حضرتك.

ردت عليه وشكرته وتحدث إيهاب الذي تحرك بزوجته قائلاً بإشارة من كف يده :
_إتفضل يا دكتور.

أخذ إيهاب زوجتهُ وتحرك أمامهُما

في حين إقترب أحمد منها وهمس بجانب أذنها مُحذراً إياها بهدوء :
_لو شفتك في حضنه بالشكل ده تاني هتتعاقبي علي فكرة، أنا راجل غيرتي نار ومبحبش حد يلمس جواهري، مرة تانية مش هعديها لك، فخلي بالك من غيرة العاشق لأن شرارتها بتدمر وأكيد هتطولك وهتحرقك  .

قال كلماته وتركها وتحرك إلي سَحر يلقي عليها التحية، كانت تنظر لظهرة بقلبٍ يصرخ يريد إحتضان ذلك العاشق المجنون، نعم.أحبته وبدأت بالتعلق به،  ليس لأنه طبيبها الذي ساعدها كثيراً،  وليس لأنهُ الشخص الوحيد الذي دعمها وأجبرها بإستماتة علي التمسك بالحياه

ولكن لشخصة الراقي ولرقة قلبه وعذوبة لسانه الرطب،  لقلبهِ الحنون الملئ بالحب لها وللجميع،  لإنسانيته وخلقه وأيضاً رجولتِهْ، بالإضافة إلي مظهره الذي يجذب أي آنثي تقع عليهِ عيناها

بعدما ألقي التحيه والسلام علي الحضور، إلتف الجميع حول الطاولة المليئة بأصناف الطعام المتعددة التي صنعتها سحر وإبنتيها وندي إحتفالاً بتلك المناسبة الجميلة، كان يجلس بجوارها

همست له قائلة بمغزي :
_ علي فكره، ورق العنب ده من صنع إيديا

نظر لها مضيق العينان ثم تحدث مُداعبً إياها ليستفزها :
_  ده بجد ولا هتطلع ماما هي اللي عملاه وإنتِ بتقولي كده علشان تجُري رِجلي .

قطبت جبينها وتسائت مُستغربه :
_  إيه أجُر رِجلك دي كمان  ؟

أردف قائلاً بنبرة دُعابيه  :
_  آه تجُري رِجلي  ،  طبعاً تلاقيكي قُولتي لنفسك ده دكتور حليوة طول بعرض ودمه زي الشربات، أما أجُر رِجلة بطاجن ورق العنب بالموزة اللي هو بيعشقه ده

هزت رأسها وتحدثت بنبرة رخيمة مصطنعة :
_ مغرور أوي حضرتك.

إبتسم بخفة وأجابها بنبرة حنون  :
_ مغرور بحُبك يا أمل، ده أنا بحُبك ملكت الكون بحاله، إزاي عوزاني ما أكونش مغرور

إبتلعت لُعابها بفضل نظرات عيناه الهائمة التي تكاد من فرط السعادةِ تصرخُ

أما ذاك الحسن الذي همس بجانب آُذن حبيبته الجالسه بجواره قائلاً بلوم :
_ مش لو كُنتي سمعتي كلامي ووافقتي إني أجي أفاتح أولادك إمبارح في موضوع جوازنا كان زمان مائدة العشا العظيمة دي علي شرف جوازنا، مش قرديحي كده.

ضحكت بخفة وتحدثت بنبرة خجِلة :
_ وبعدين معاك بقا يا حسن،  إنتَ مش ناوي تعقل بقا

هو حُبك خلي فيا عقل يا سحر هانم،  جملة قالها بعدم صبر

نظر أحمد إلي كارما التي تتناول طعامها وهي تتناقل النظر بين الجميع بإستغراب،  فكُلٍ يجلس بجانب حبيبهُ ويتبادلا النظرات والهمس ويضحكا في هدوء
تحدث إليها قائلاً  :
_ منورة القعدة والله يا كوكي.

إبتسمت له وتحدثت بأدب:
_ ميرسي يا أنكل.

نظرت أمل إلي أحمد وهتفت بنبرة صوت إستمع لهُ الجميع:
_ دكتور أحمد،  أنا عاوزة أتطوع في المركز علشان أقدر أساعد الحالات الموجودة عندكم

نظر لها بسعادة بالغة لسببين،  أولهما هو تأكدهُ من إنسانية تلك الجميلة التي إختارها لتكون شريكة لحياته القادمة،  والسبب الآخر هو أنه وبتلك الخطوة سيستطيع رؤيتها وإشباع عيناه من طلتها البهية يومياً

أجابها بنبرة عاقلة متجنبً حالة قلبهُ الصارخ من سعادته :
_ أنا موافق وأكيد معنديش أي مانع بالعكس ،  بس الأول خدي لك إسبوعين راحة سافري فيهم لأي مكان هادي وحاولي تستجمي وتصفي ذهنك

هزت رأسها بنفي قائلة بتصميم :
_ أنا راحتي هتكون في إني أقدر أساعد غيري وأنقل لهم تجربتي مع المرض اللي أكيد هتبث جوا روحهم العزيمة والأمل

نظر لها الجميع بفخرٍ وأعتزاز ووافقوها الرأي داعمين خطوتها النبيلة تلك ،  وأكملوا سهرتهم وهم يتبادلون الأحاديث الشيقة في ما بينهم، قضي الجميع سهرة سعيدة بوجود الأحباء والأصدقاء ثم إنصرف كُلٍ علي جهته

عاد أحمد إلي منزله بوجهٍ وقلبً هائمان تحت إستغراب والديه

مرت ستة أشهُر أخري، توطّدت بها علاقة أحمد بأمل حتي أنها وصلت للعشق الجارف من الطرفين وبرغم هذا إلا أنها كانت تتهرب منه ومن مصارحتهِ بالإعلان عن عشقها لهْ في كل مرة يسألها بها عن حقيقة مشاعرها تجاههُ ويتوسلها بأن تعترف لهُ بعشقها الذي يراهُ داخل عيناها كُلما هل عليها

لكنها أبت بل ورفضت عرضهُ حيث أنهُ أبلغها بإنتوائهِ التحدث مع عائلتهُ بشأن زواجهُ منها فور ظهور نتيجة الفحص الذي سيجريهُ لها بعدما مّر علي شفاؤها ستة أشهر كاملة، لكنها رفضت وبشدة مما أحزنهُ واضطرهُ لتغيير إستراتيچية التعامل معها

داخل مركز العلاج الخاص بدكتور أحمد
دلف إلي إحدي غُرف مرضاه لمتابعة حالتها،  إنتفض قلبهُ عِندما وجد أمل تجاور تلك المريضة الشابة التي تبلغ من العُمر ثلاثةً وعشرون عاماً وتمتلك الكثير من جمال ملامح وجهها وتُدعي ريتال

نظر أحمد إلي أمل بلا مبالاة متجاهلاً إياها وسألها بنبرة جادة بعدما إنتوي بينهُ وبين حالهُ إجبارها علي الأعتراف بعشقه :
_ التحاليل بتاعة ريتا وصلت من المعمل؟

حزن داخلها من معاملته الجافة علي غير العادة، ثم أجابته وهي تسحب ذاك الملف من فوق المنضدة الصغيرة وناولته إياه قائلة بنبرة عملية :
_ وصلت من حوالي ساعة يا دكتور ، إتفضل

بسط ذراعهُ وتناولها منها دون النظر إلي عيناها مما ألمها ، ثم نظر إلي التقارير بدقة وتركيز وظهرت علي ملامح وجههِ شبح إبتسامة وهو ينظر إلي المريضة وهتف بنبرة حماسية:
_ برافوا ريتا،  التقرير بيقول إن جسمك بيستجيب للعلاج بطريقة هايلة

أجابتهُ ريتا بإستحسان وإبتسامة تفاؤل :
_ الفضل يرجع لك يا دكتور إنتَ وأمل ودعمكم النفسي المتواصل ليا

إبتسم لها ثم تحدث بيقين :
_ الفضل كله يرجع لـ ربنا سبحانه وتعالى ثم إصرارك وقوة عزيمتك كمحاربة قوية
شكرته ريتا ثم تحرك إلي الخارج دون إضافةأي كلمات آُخري تاركً تلك المصدومة في حيرة من معاملته تلك، مما جعلها تُسرع وتتحرك خلفهُ داخل رواق المركز حيث أوقفهُ صوتها الذي خرج غاضبً رُغمً عنها جراء تجاهلهُ قائلة بنبرة حادة:
_دكتور أحمد

توقف عن الحركة وأبتسم بخُبث حيث أنه راهن  لذاتهِ أنها ستلحقهُ وها قد حدث ما توقع

إلتف بجسدهِ وتحدث إليها بنبرة جادة بعدما رسم علي ملامح وجههُ الجمود:
_ فيه حاجة؟

إبتلعت لعابها من شدة خجلها ثم إستجمعت حالها وهتفت بإستفسار:
_ هو أنا عملت حاجة زعلت حضرتك مني ؟

قطب جبينهُ بإصطناع وسألها بنبرة لئيمة:
_ ليه بتقولي كده؟

إرتسم الحزن فوق ملامحها ونظرت إليه بإنكسار أدمي قلبهُ، زفر بهدوء ولام حالهُ عندما شاهد حُزنها، ثم أردف قائلاً بنبرة جادة بعدما لانَ قلبه :
_ تعالي نتكلم عندي في المكتب

تحركت بجانبه ودلفا معاً إلي الداخل وتحرك هو إلي مكتبه وجلس فوق مقعده المخصص له وذلك بعدما أشار لها وانتظرها حتي جلست أولاً

نظر لها بألم وسألها بإستفسار واهن :
_ إنتِ عاوزة إيه مني بالظبط يا أمل ؟
لا إنتِ اللي راضيه تريحي قلبي وتوافقي علي جوزانا،  ولا إنتِ اللي مرتاحة لبعدي عنك وتجنبي ليكِ

وسألها مُستفسراً:
_ما تقولي لي يا بنت الناس إية اللي يرضيكي علشان ترتاحي وتريحي قلبي اللي تعبتيه معاكِ؟

نظرت إليه بضعف وعيناي صارخة تائهة ، فتحدث هو مستعطفً إياها بعيناه:
_وافقي يا أمل،  وافقي

هزت رأسها برفضٍ قاطع وتحدثت بنبرة متألمة وملامح وجه حزينة مستسلمة:
_  مينفعش يا أحمد، اللي بتطلبه مني ده مستحيل

رد عليها بنبرة حادة:
_ المستحيل هو إننا نبقي بنحب بعض وعاوزين بعض وإنتِ ترفضي لأسباب تافهه

هزت رأسها وتحدثت شارحة بعيناي حزينة تتألم :
_ أرجوك يا أحمد حاول تفهمني،  أنا واحدة مُطلقة وعندي طفلة، وكنت مريضة بمرض مُميت ومُعرضه إنه ممكن يرجع لي في أي وقت تاني ويقضي عليا

واسترسلت شارحة:
_وإنتَ واحد ما سبقلكش الجواز قبل كده، ده غير إنك شاب ناجح في حياتك ومليون بنت تتمناك

صاح بها وهتف بنبرة حادة:
_ وأنا مش عايز حد ولا بتمني غيرك إنتِ،
إفهمي بقا يا أمل ، أنا عمر قلبي ما دق ولا إتخطف لحد غير لما شافك

وأكمل بنبرة حنون صادقة وعيناي هائمة :
_  أنا ما صدقت لقيتك،  إزاي عوزاني أسيبك واتخلي عن أحلامي بعد ما كنت قربت أفقد الأمل في إني ألاقيها وألاقيكي

نظرت إليه وأردفت بإستعطاف بنبرة متألمة توحي بمّدي ألم روحها وتشتتها  :
_  بلاش يا أحمد، لو فعلاً بتحبني بجد زي ما بتقول وإني غالية عندك يبقا بلاش تحطني في الموقف المحرج ده،

وأكملت بتأكيد:
_ أهلك عمرهم ما هيوافقوا عليا ولا هيتقبلوا ظروفي الإجتماعية ولا هيتقبلوا حالتي

نظر لها بتدقيق وهتف بنبرة حنون:
_ ملكيش دعوة بالموضوع ده، أنا كفيل إني اقنعهم بيكِ وبظروفك،

وأكمل ليطمأنها:
_ علي فكره،أنا أهلي أبسط من كدة بكتير، زائد إنهم بيثقوا فيا وفي إختياراتي وعارفين إني أكيد هختار صح

واسترسل بنبرة رجُل عاشق:
_ وافقي وانا مستعد أحارب الدُنيا كلها علشانك

هزت رأسها من جديد رافضة حديثهُ وهتفت بنبرة مشتته:
_ وأنا لا يمكن أقبل إني أكون سبب في إنك تعادي أهلك وتحاربهم علشاني يا أحمد

إبتسم لها وتحدث بنبرة حنون موضحً لها الأمور  :
_ سبق وقولت لك إن أهلي عقلهم أكبر وأوعي من ما تتخيلي،
وأكمل بنبرة حنون:
_ أبويا وأمي كُل أمنيتهم في الحياة إنهم يشفوني مستقر في حياتي ومتجوز وليا أسرة

وأسترسل بنبرة صادقة:
_ أنا مش هنكر إن ممكن أواجه بعض الصعوبات في إقناعهم بظروفك الإجتماعية،  لكن أنا كفيل بإني أقنعهم ومتأكد إنهم بمجرد ما يشفوكي ويقعدوا معاكِ هيحبوكِ وهيغيروا رأيهم فوراً، وهيلمسوا فيكِ أمل الإنسانة

نظرت إليه بتردد فمال برأسهِ متوسلاً إياها بعيناه وهتف برجاء:
_وافقي إنتِ بس وسيبي الباقي عليا

نظرت إليه بحيرة ثم تنهدت بإستسلام وهزت رأسها بموافقة وأبتسامة لطيفة ظهرت علي شفتاها، مما جعلهُ يأخذ نفسً عميقً كما السجين الذي كان ينتظر الحكم عليه وأخيراً نطق القاضي ببرائته

كاد قلبهُ أن يتركهُ ويجري عليها ليحتضنها،  إنتفضت سريعً من جلستها وأسرعت نحو الباب متجهه إلي الخارج تحت خجلها الشديد وسعادتهُ التي لا تُوصف

 

في اليوم التالي ظهرت نتيجة الفحص، حيثُ قام أحمد بإرسال عينة لها للفحص جيداً داخل إحدي معامل التحليل الموثوق بها وتأكد من عدم ظهور المرض مرة أخري مما طمأن قلبهُ علي غاليتهُ، تحت سعادتها التي تخطت عنان السماء هي وأسرتها

إنتهي الفصل

السابقانت في الصفحة 1 من 3 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل