منوعات

بقلم إيمان محمود

-يعني إيه اتجوّز!
*بزعيق: يعني اتجوّز يا أستاذة، إيه اللي مش مفهوم يعني؟!
رجعت خطوة لورا وأنا بحاول أستوعب كلامها وطريقتها الهجومية، بس ثباتي اتبخّر لمّا سمعت صوت الباب بيتقفل، ومن بعدُه صوتُه هو، لفّيتلُه بذهول وأنا بحاول أستوعب ازاي قدر يعمل كدا من ورانا، قرّب خطوة منّي، رفع إيدُه وكان هيضُمني كالعادة، بس ملامحه اتجمّدت لما اتكلّمت.
-انت بجد اتجوّزت؟!
عينُه وسعت بتوتر أنا حفظاه، وبص لماما اللي كانت عطياه ضهرها ومُنهارة، ورجع بصّلي من تاني بخوف، حاول يقرّب، بس خدتْ خطوة لورا، والمرادي صوتي على، وبزعيق:
-انت بجد اتجوّزت على ماما؟!
~مها، أنا..
-بانفعال: اتجوّزت على ماما ولا لأ؟!
نفخ وخد خطوة لورا، فضل ساكت وأنا فضلت واقفة مكاني مش عايزة أفهم معنى سكوتُه الغريب، مينفعش يكون اتجوّز على ماما بجد، هو.. هو المفروض ينكر دا، أيوا المفروض ينكر، هو.. ليه مأنكرش!
بصّيت لماما اللي صوت عياطها بقى عالي، ورجعت بصّيت لبابا من تاني بوجع، خدت نفَس عميق، وبعد ثواني:
-بصوت مهزوز: بابا.. قولي إنك معملتش كدا.. أرجوك.
~مها، صدّقيني هي كويسة وأختِك..
*اتدخلِت بزعيق: واحنا مالنا ومال الغندورة بتاعتك؟! تكونش ناوي تاخد بنتي مني وطمعان في اني هسيبهالك ولا حاجة! لا دا بعينَك، اطلع بـرا، امشي من هِنـا.
صوتها على وبدأت تزقُه جامد عشان يطلع، وأنا فضلت مكاني مش قادرة أتحرّك، مش فاهمة إيه اللي بيحصل، ولا عقلي قادر يستوعب إن بابا عمل شيء زي دا، طب ازاي؟! وليه؟!

•بصوت نايم: حد ييجي لحد في وقت زي دا يا بت؟! والله على عيني وراسي إنك خطيبة أخويا، بس معلش دا هو الواد اللي حيلتنا وشرفُه يهمّنا.. تفتكري الجيران هيقولوا ايه لما..
-قاطعتها: بسنت.. بابا طلع متجوّز.
فتحت عنيها وبصّتلي، ورجعت غمّضتهم تاني وسندت على الباب.
•ما احنا عارفين إنه متجوّز يا مها، أومال انتي كُنتي فاكراه مخلّفك وعايش مع أمك بصفتُه ايه؟ عم محمد البقّال!
-زعّقت: قصدي طلع متجوّز على ماما يا بسنت.
شهقِت وعنيها وسعِت بذهول، رفعت إيدها على بوقها بصدمة، وبعد كام دقيقة، اتحرّكت وشدّتني لحُضنها، كُنا لسة على الباب، بس بمُجرد ما ضمّتني، دموعي نزلت.
هي أكتر واحدة فاهمة بابا بالنسبالي كان إيه، وعارفة معنى خبر زي دا هيعمل فيّا إيه.
صحيح عقلي لسة مش مُستوعب الصدمة نوعًا ما، لكنّي مصدومة، موجوعة، ومش قادرة أفهم ازاي قدر يهد استقرار بيتنا الصغير بالشكل دا.
بعدِت شوية ومسكِت إيدي بخوف بان في عنيها وخلّاني ابتسمت على مشاعرها الصادقة، وبقلق ملى صوتها:
•انتي كويسة طيب؟ عرفتي ازاي؟ و..
=مين جاي دلوقتي يا بسـ.. إيه دا، مها!!
بصّيت لملامحُه النعسانة اللي اتبدّلت لتانية مذهولة بمُجرد ما عينُه وقعت عليّا، وفضلت جامدة في مكاني، اتحمحم بعد ثواني فبصّيت بعيد، وهو باستغراب اتكلّم.
=انتي كويسة يا مها؟!
•اتحمحمِت: أيوا يا يونس، حصلت مُشكلة صغيرة بس هتتحل إن شاء الله، خُش اغسل وشك دا ولا شوف انت هتعمل إيه واحنا هندخل أهو.
=كشّر: مُشكلة إيه؟.. مها، حصل إيه خلاكي تنزلي من البيت في ساعة زي دي؟
فضلت ساكتة، وبسنت قالتلُه حاجة في ودنُه سابنا من بعدها ودخل أوضته، ثواني ولقيناه طلع ومعاه هدوم ليه، وبهدوء:
=أنا هطلع أنام في شقّتنا عشان مش هينفع أفضل هنا، والصُّبح لينا كلام تاني.
سابنا وطلع على الشقة اللي المفروض هنتجوّز فيها كمان شهرين، واحنا دخلنا أوضة بسنت بعد ما قولنا لمامتها إني هنا.

•عايزة تتكلّمي دلوقتي ولا لسّة مش قادرة؟!
بصّيت للأرض ومردّتْش، وهي قرّبت بهدوء وضمّتني، حاولت أقاوم لإني مش عايزة أبكي، بس هي كعادتها فضلت متبّتة فيّا.
ثانية، والتانية، وقناع الجمود وقع ومعاه دموعي، عقلي مش فاهم يعني إيه بابا اتجوّز على ماما وقلبي موجوع من مُجرد فكرة إنه استغنى عنّا ولقى واحدة تانية يهتم بيها، واحدة تانية!.. طب واحنا!
عياطي زاد، وبسنت بتطبطب عليّا من غير ما تتكلّم، بعدتْ عنها بعد شوية وبدأت أمسح دموعي، وبصوت مخنوق:
-أنا مكُنتش مُتخيلة إنه ممكن يعمل كدا، أنا فاهمة إن هو وماما كان بينهم شوية مشاكل بس مش للدرجادي، ماما.. ماما مُنهارة، وأنا؟ دا حتى مقالّيش، مقالّيش إنه هيتجوّز (عياطي زاد لما افتكرت كلمة “أختِك”) وكمان طلع عندي أخت، يعني مش متجوّز من قريب.. دا.. هو بيحب غيرنا وبيهتم بغيري، هو مش بيحبّنا.
•مها.. أنا..
سكتِت ومكمّلِتش، وأنا ضمّيت رجليّا وكمّلت عياط، قرّبِت مني وحضنتني تاني، بس بعدِت لمّا الباب خبط ووصلّنا صوت أخوها.
قامِت تفتح الباب وتشوفُه عايز إيه، وأنا رميت نفسي على السرير بتعب، غمّضت عنيّا، وسرحت ما بين شوية ذكريات مليانة وُد، لُطف، وحُب.

-بابا بُكرة عيد ميلادي، مش هتجيبلي هدية؟!
~ضحك: أنا مش لسّة جايبلك من يومين البُرنيطة اللي كان نِفسك فيها يا بكّاشة!
-كشّرت: بس يا بابا دا عيد ميلادي، لازم تجيبلي هدية، وتورتة عشان نغنّي ونطفي الشمع وأتمنّى أُمنية.
كنت بتكلّم بسرعة وهو عينُه بتوسع بذهول وكإنه مش مستوعب اللي بقولُه، وأول ما خلصت كلام، ضحك، ضحك من قلبه وأنا فضلت واقفة بصّاله، سكت بعد ثواني، فدخلِت ماما اللي بصّتلنا احنا الاتنين، وبتريقة:
*برضُه حوار الهدية؟
-نفخت: يا ماما دا عيد ميلادي.
*بصّت لبابا: اتصرّف انت، أنا زهقت.
مشِت وسابتنا وأنا رجعت بصّيت لبابا، شدّني عليه وضمّني بحُب، وبلين:
~ألا قوليلي كدا انتي هتكمّلي كام سنة بُكرة؟
-تِسعة يا بابا.
~ابتسم: دا أنا بنوتي الصغنونة بقت عروسة بقى.
ضحكْت، فكمّل وهو بيمشّي إيدُه على شعري بحُب.
~مش ماما بتحكيلِك عن سيّدنا مُحمد؟
-بحماس: وبتخلّيني أسمع كرتون بيحكي السّيرة النبوية.
~ابتسامتُه وسعت: طب الكرتون أو ماما قالوا إن سيّدنا مُحمد أو أي حد من الصّحابة أو حتى أولادُه كان بيحتفل بيوم ميلادُه؟!
بصّيت بعيد لإني عارفة الكلام دا لإن الحوار دا بيتكرّر كل سنة، وبضيق:
-بس كُل صحابي بيحتفلوا بيه يا بابا.
~واحنا من امتى بنقلّد كُل النّاس من غير ما نفكّر بمُخّنا أو نشوف الكلام دا صح ولا غلط؟!
سكتّ، فكمّل:
~وعد لو معتش فكرتي تحتفلي بيوم ميلادك لإنه شيء غلط، في العيد هخلّيكي تشتري بدل اللعبة الواحدة اتنين.
عيني لمعِت بحماس، وبعد ما كُنت هعيّط كمُحاولة لاستِعطافُه عشان يعملّي عيد ميلاد زي كُل الناس، رميت نفسي في حُضنُه بحُب، وأنا ابتسامتي بتوسع، وبهمس:
-أنا بحبّك أوي يا بابا، انت أحلى بابا في الدُنيا.

~بتزعّقيلها ليه يا فاتن؟
*بزهق: تعالى شوف بنتك تعالى.
زقّتني عليه بغيظ، وطلعِت وهي بتقول كلام مش مفهوم، وهو باستغراب قعد قصادي، بص لهدومي المتبهدلة، وباستغراب:
~ماما مالها، انتي ضايقتيها؟
هزّيت راسي بلأ وأنا عياطي بيزيد، شدّني لحضنُه وطبطب عليا، وبلين:
~طب قوليلي أنا.
-مسحت دموعي: بتزعّقلي عشان قولتِلها إني بحب مازِن اللي معايا في الفصل.
بصّلي كتير، ومرة واحدة ضحك، وأنا مع ضحكتُه ابتسمْت، سكت وشدّني قعدتْ جنبُه، وبصوت مُشاكس:
~وسي مازِن بتاعِك دا حلو؟
بصّيت حواليّا أحسن تكون ماما سمعانا، وبعدين قرّبت منُّه، وبهمس:
-حلو أوي يا بابا.
ضحك من تاني وأنا المرّادي استنّيتُه يبطّل ضحك عشان أسمع رأيه، وبعد دقايق هدى، شد إيديّا وضمّهم بين إيديه، وبهدوء، وابتسامة:
~تعرفي إني وأنا قدّك كدا كُنت بحب زميلتي في الفصل برضُه؟
-عيني وسعت: بجد؟!
~أيوا بجد.
-كشّرْت: أومال اتجوّزت ماما ومتجوّزتهاش ليه؟
~ابتسم: عشان كُنا صغيّرين قدكم كدا، ولما كبرنا اكتشفت إني مش بحبها، أنا بس كنت مبهور بيها شوية.
-كشّرْت: بس أنا بحب مازِن بجد.
~يا بت انتي في تانية إعدادي يا بت، حُب إيه دا اللي بتتكلّمي عنُّه؟
بصّيت للأرض، فضحك وقرّب مني، ضم إيدي أكتر وبلين:
~عارفة!.. أنا هسيبِك تفضلي تحبّيه..
-قاطعتُه بسرعة: يعني مش هتلسعني ولا هتقعّدني من المدرسة زي ماما؟
كشّر للحظة، بس رجع ابتسم بسُرعة، ساب إيديّا وضم وشّي المرّادي، وبنبرة مليانة حنان:
~ولا هسيبها حتى تلمِسك، بس انتي عارفة هسيبِك ليه؟
هزّيت راسي بلأ، فاتكلم:
~عشان واثق في إن مها بنتي، لا يُمكن أبدًا تعمل حاجة غلط، حبّيه بينِك وبين نفسك لكن إياكي تروحي تكلّميه أو تمشي معاه، ولو ليكوا نصيب في بعض لما تكبروا وتتخرّجوا كدا هتتجوّزوا.
عيني لمعت من مُجرد التخيل، وبتلقائية ضحكت وضمّيتُه بحُب، بوست راسُه، وكالعادة همست:
-أنا بحبّك أوي يا بابا، انت حقيقي أحلى بابا في الدُنيا.

=مش هتقوليلي سايبة البيت ليه؟ أنا مش مُعترض ولا حاجة بس عايز أفهم.
بصّيت لبسنت اللي خدت جنب بعيد عشان تسيبنا نتكلّم براحتنا، ورجعت بصّيتلُه، فتحت بوقي وكُنت هقولُه، بس مرة واحدة سكتّ.
سمعتُه بينفُخ بضيق، فغمضت عنيّا بتوتر، أنا عارفة إنه مش بيكره في حياته أد التجاهُل، بس حقيقي أنا مش عايزة أتكلم.
=مها أنا لازم أفهـ..
قاطعُه صوت تليفونُه اللي كان محطوط على الترابيزة قصادنا، بصّيت للتليفون، وبمُجرد ما لمحت اسم بابا، حسّيت بوجع.
يمكن لإني حاسة إنه مش من حقّه إنه يحب غيرنا، مش من حقه يعمل حاجة زي دي من ورانا، مش من حقه يكسرنا بالطريقة دي، أو ببساطة؛ يمكن لإنه باللي عمله دا.. خذلني.
=لحظة وجاي يا مها.
سابني وطلع البلكونة عشان يرد عليه، وأنا فضلت باصّة لمكان تليفونه ودماغي مش بيتردد جوّاها غير كلمة واحدة.. (ليه؟).

-ليه؟
~قرّب مني وبلهفة: مها، يونس هو اللي جابِك؟
-بانفعال: ليه عملت كدا؟ ليه اتجوّزت على ماما؟ ليه؟
~مها اهدي.
-صوتي على: مش ههدى ومتقوليش اهدي، أنا عندي أخت، يعني متجوّز من زمان، ليه تعمل فينا كدا؟!
°مين على الباب يا محمد؟!
بصّيت للست اللي طلعت بقرف، ومع إن ملامحها مُريحة ومألوفة بشكل كبير إلا إني حسّيت إني كرهاها، دي خطفت منّنا بابا، هي السبب في كل دا.
بصّيت لبابا تاني، وبخنقة:
-بابا ارجع البيت تاني.. بابا.. ماما مش كويسة.. أنا.. أنا مش كويسة، انت ليه عملت كدا؟!
دموعي نزلت وأنا بحاول أجمّع الكلام، بس كله اتبخّر، دموعي نزلت، ومع إنه لسّة مردّش عليّا ولا فهّمني أي شيء، إلا إني سيبتُه ونزلت جري، بصّيت ليونس اللي كان مستنّيني عند مدخل العمارة وجنبُه بسنت، وبسُرعة رميت نفسي في حضن بسنت من غير كلام، وبعد دقايق هديت، وساعتها.. اتحرّكنا لبرا.

=واثقة إنّك مش محتاجة تقعدي معانا كمان يومين؟!
-اتنهدت: مش هينفع أسيب ماما تاني يا يونس، انت شُفت لما كلّمتني كانت مُنهارة ازاي، وبعدين أنا.. أنا هكون كويسة.
•شدّتني لحُضنها: في أي وقت، أي وقت يا مها.. لو حسّيتي إنّك مش كويسة رنّي عليّا وهجيلِك.
هزّيت راسي بماشي وبعد سلامات بسيطة، نزلوا الاتنين.
خدت نفَس طويل وأنا بحاول أجهّز نفسي للي جاي، لفّيت وفتحت الباب ومع أول خطوة خدتها، حسّيت ان روحي بتتسحب من اللي شوفتُه.
كانت واقعة بطريقة مُريبة على الأرض وحواليها إزاز كتير، ومع إننا نادرًا ما بنكون على وِفاق أو كويسين مع بعض، إلا إني قرّبت بسُرعة أول ما استوعِبت وضعها وأنا بنادي على أي حد عشان يلحقنا وكل اللي بيتردد جوّايا دُعاء وحيد بإنها متسيبنيش.

~بخوف: مامتِك حصلّها إيه؟
بسنت حاولت تتكلم، بس مرة واحدة زقّيتها بعيد، وقفت قصادُه، وبزعيق وكُره لفعلتُه البشِعة:
-ماما هتموت بسببك، عشان انت أناني، ليه عملت فينا كُلنا كدا؟ ليه اتجوّزت عليها وهي.. هي بتحبّك، حتى لو هي وحشة فدا عُمره ما يدّيك الحق بإنك تداري جوازك عليها لحد ما هي تعرف بالصُدفة ويحصلّها كدا، أنا.. أنا مش عارفة أفهم انت ازاي تعمل فينا كلنا كدا، ازاي؟
خلّصت كلامي بزعيق وأنا حاسة إني لسّة مطلّعتش كُل اللي جوايا، أنا.. أنا كُنت بحبُه، دا كان كُل ما ليّا، كان الأب، والأخ، والحبيب، والسَند، ازاي يخذلني ويوجعني بالشكل دا؟
رفعت عيني بعد ما استردّيت ثباتي، وأول ما عيني وقعت على دموعُه قلبي اتقبض، فتح بوقه وكإنه هيتكلم بس سكت من تاني، وبعد ما كرّرها لأكتر من مرة وكإنه مش قادر يواجهني بالحقيقة، أخيرًا.. اتكلّم:
~أنا مكنش قصدي صدّقيني، الموضوع حصل بسرعة، و..
-اتنرفزت: يعني إيه حصل بسرعة؟
مكُنتِش متنرفزة من مُبرّراتُه على قد ما أنا متنرفزة من مُماطلتُه معايا في الكلام، أنا بس عايزة عُذر واحد.. مجرد عُذر وهسامحك صدّقني، دا أنا ما زِلت مليش غيرك في الدُنيا.
~غمّض عنيه: طب مش حابّة تعرفي هي مين الأول؟
فضلت ساكتة لإني معنديش فضول أعرف، بس هو كمّل:
~دي سُمية مرات عمّك بُرعي الله يرحمه.
بربِشت بعنيّا لأكتر من مرة وكإني بحاول أفهم علاقة سُمية بعمّي الله يرحمه ببابا، كُنت هتكلّم فقاطعنا خروج الدكتور اللي التفتنالُه احنا الاتنين.
-ماما مالها؟
سبقتُه في الكلام، فسكت واستنّى يسمع رد الدكتور، لحظات تقيلة عدّوا والدكتور لسّة في مكانُه بيبُصّلنا بجمود، وبعد ثواني، اتكلّم.. وياريتُه ما اتكلّم:
‘للأسف دخلت في غيبوبة سكر، احنا هنحطّها في العناية حاليًا وإن شاء الله هتتحسّن مع الوقت.
رجعت كام خطوة لورا وهو بصّلي بقلق، بصّ ليونس وبسنت اللي كانوا واقفين من أول ما جه بيتفرجّوا على اللي بيحصل من غير تعليق، وبخوف حسّيتُه مالي نبرة صوته:
~هتكون كويسة، هتكون كويسة، مها صدّقيني الموضوع مش زي ما انتي فاهمة، أنا..
مسمعتِش بقية كلامُه، ومهتمّتش بإني أسمعُه، وموعِتش بعدها غير بنفسي وأنا بجري برا المُستشفى وكإني بهرب منهم كلهم.. ومن نفسي.

=خُدي كُلي الفراولاية دي طيب.
بصّيت للفراولة اللي كان مادد إيدُه بيها، وبعدين بصّيت لمامتُه وباباه اللي واقفين بعيد شوية مع بابا وبيتكلّموا سوا، وبتردُد خدتها منه.
=ابتسم: متخافيش مش مُسممة.
-ماشي.
ابتسم وبصّ لطبق الفراولة اللي في إيدُه وخد واحدة وبدأ ياكلها، وأنا سرحت للحظات في ذكرى الأيام المُرهقة اللي فاتت، وقفتُه جنبي طول الأيام اللي فاتت واللي حالة ماما متحسّنِتش فيهم بشكل كبير، سهرُه ويّانا، تقبُّلُه لكل انفعالاتي اللي كانت بتطلع قصادُه بدون قصد، لمعة عنيه اللي بتخطف قلبي من كل الهم دا.. ياااه يا يونس، والله الواحد خايف يقع في حُبك أكتر من كدا تقوم متجوّز عليّا انت كمان.
يتجوّز عليّا؟، دا أنا أشرب من دمُّه.
=مين دا اللي هتشربي من دمُّه؟!
بصّتله بتوتر وحاولت أفكر في أي حاجة أقولها، بس من غير تفكير لقيتني بسألُه:
-انت مُمكن في يوم تتجوّز عليّا؟!
=ابتسم ببطء: الشرع محلّل للواحد أربعة.
-كشّرْت: وعلى فِكرة بقى الموضوع دا بيكون في حالة إن الزوجة فيها عيب هو مش قادر يتعايش معاه أو حاجة زي كدا، يعني لازم يكون مُضطر لكدا، مش حلاوة هي.
=ضحك: طب يا بنتي نتجوّز الأول وبعدين نشوف الموضوع دا، دا احنا بنتحايل على مامتِك بقالنا أربع شهور وهي مش على لسانها غير كلمة شوية كدا ولما ربنا يريد اتجوّزوا، وأدينا متحنّطِين جنبها وداخلين على التلات سنين خطوبة أهو الواحد مش عارف يمسك فيهم إيدِك حتى.
بصّيت للأرض وضحكت على ملامحُه اللي اتحوّلت لتكشيرة لذيذة، وبعد ثواني رفعت راسي ليه من تاني، وبجمود مُصطنع:
-ولسة مش هنتجوّز غير لما ماما تصحى.
=طبعًا مش هنتجوّز غير لما ماما تصحى.
ابتسمت بلين لإنه تقبّل الكلمة، بس ابتسامتي راحت وعيني وسعت بصدمة لما كمّل بهدوء:
=بس هنكتب الكتاب بعد بُكرة.
-دا على جُثّتي.

“بارك الله لكُما وبارك عليكُما وجمع بينكُما في خير.”
بصّيت للأرض بتوتر، وبسُرعة قرّبت من بسنت، ثواني والمأذون والشهود مشوا، ومن غير ما أنتبه بسنت طلعت هي كمان، بصّيتله بتوتر لما حسّيت إنه واقف قصادي، ورفعت صباعي في وشّه بتحذير.
-لو قرّبت هصرّخ، واحنا في مُستشفى والأمن هيبهدلك، انت حر.
ابتسم وقرّب خطوة فبعدت بتوتر، قرّب راسُه منّي وبغمزة:
=ويرضيكي برضُه قُرة عينك يتبهدل كدا؟
بصّيت بعيد وسكتّ لما حسّيت إن الكلام بقى تقيل من كُتر التوتر، وبصوت مهزوز:
-أنا.. هشوف ماما.
معطتهوش فُرصة يتكلّم واتوجّهت لأوضة ماما بسرعة، وبمُجرد ما دخلت خدت نفَس عميق، مش مصدّقة إننا فعلًا كتبنا الكتاب وماما لسة تعبانة، مش مصدّقة إنه قدر يقنع الكل بل ويقنعني أنا شخصيًا بإننا نكتب كتابنا عشان يقدر ياخُد راحتُه معايا ويفضل جنبي طول الوقت من غير ما نفضل مُلتزمين بالضوابط اللي احنا الاتنين مُصرين نمشي عليها، بس بالرغم من إن كُل دا حصل بسرعة نوعًا ما، إلا إني مرتاحة للخطوة دي، اتنهدت بتوتر وقرّبت من سرير ماما، راقبت ملامحها الباهتة، ومن غير ما أحس دموعي نزلت، مش قادرة أشوفها بالشكل دا مع إننا عمرنا ما كنا قريّبين من بعض بدرجة كبيرة، لإنها مهما عملت ومهما حصل بينّا فهي أُمي.
دماغي سرحت لثواني في بابا وفي حوار جوازُه، ومرة واحدة حسّيت بخنقة، ليه يتجوّز؟! ليه يعمل فينا كدا؟ هو عارف إني كُنت بحبه ازاي يخذلني بالشكل دا؟!
~كُنّا بندوّر عليكي.
مردّتش وفضلت باصّة لإيد ماما اللي ضمتها ما بين إيديّا، قرّب مني وحسّيت بإيدُه على كتفي، وبالرغم من إني مشتاقة لضمتُه، إلا إني بعدت نفسي عنه بعُنف نوعًا ما، وبجمود عُمري ما اتكلّمت بيه معاه:
-حضرتك عايز حاجة؟
~بذهول: حضرتي؟
-اه حضرتك.
~كشّر: مها أنا بابـ..
-قاطعتُه بصوت عالي مقدرتش أتحكّم فيه: لا انت مش بابا، بابا لا يُمكن يعمل فينا حاجة زي دي، لا يُمكن يخون ماما ويتجوّز عليها من ورانا، ولا يُمكن يكسر قلبي بالشكل دا، انت.. انت خذلتني، أنا معتش عايزاك.
خد خطوة لورا بوجع وذهول، وأنا فضلت في مكاني مش عارفة أفكّر في أي شيء، دماغي بتدور في حلقة واحدة، ومع كُتر الدوشة والأفكار، غمضت عينيّا واستسلمت للدوار اللي سيطر عليُا.

-أنا فين؟
=انتي كويسة؟ حاسة بوجع أو حاجة؟
هزّيت راسي بلأ وحاولت أتعدل بس مقدرتش، بصّيت لبسنت اللي كانت ماسكة إيدي وبتعيّط بانهيار غريب، ورجعت بصّيت ليونس اللي كانت ملامحُه جامدة بشكل مُريب، وبخوف:
-ماما حصلّها حاجة يا يونس؟
=لا هي كويسة، بُصّي، ارتاحي دلوقتي و..
-قاطعتُه: بسنت في إيه؟ حد حصلًُه حاجة؟
عياطها زاد، ومرة واحدة لقيتها شدّتني لحُضنها، طب في إيه؟
بعدت عنها بصعوبة لفّيت ليونس، شدّيت إيدُه بتلقائية وضغطت عليها، بصّيت لعيونُه بخوف، وبنبرة سيطر عليها التوتر:
-عشان خاطري قولي في ايه؟ هي مالها؟
بص لبسنت بتوتر حسيتُه، فضغطت على إيدُه أكتر وأنا بكرّر سؤالي بخوف مُبهم سيطر عليّا، خد نفس طويل، وبص لبسنت شاورلها بعينيه عشان تطلع، وبعد ما طلعت بصّلي، حسيتُه مش قادر يتكلّم، بس بعد ثواني فتح بوقه، وببطء:
=والدِك.
أنفاسي زادت، وحسّيت إني هبدأ أدوخ، فاتكلّمت بتُقل:
-بابا مالُه؟
=بلع ريقُه: هو.. هو..
-زعّقت: بابا مالُه يا يونس؟
بصّ حواليه بعجر غريب، ومرة واحدة شدّني لحضنُه، وبصوت هامس:
=راح للي أحسن منّي ومنّك يا مها، هو كان بيحبّك والله، كان بيحبّك، ادعيلُه يا مها، ادعيلُه.
مقدرتش أستوعب معنى كلامُه، حاولت أبعد عنُّه عشان أفهم هو يقصد إيه، بس بمُجرد ما عقلي بدأ يترجم الكلام، حسّيت بخنقة، يعني إيه يعني؟! هو راح؟ بعد كل دا راح؟ راح من غير ما يفهّمني عمل فينا كدا ليه؟ راح بعد ما قولتلُه إني مش عايزاه؟! راح من قبل ما أعتذر؟ من قبل ما أقولُه إنّي وبالرغم من كُل دا فأنا لسّة بحبُه؟ من قبل ما أقولُه لآخر مرة إنه بجد أحسن بابا في الدُنيا؟!.. راح!
=مها، شدّي حيلِك و..
مسمعتِش بقية كلامه واكتفيت بإني أركّز على نُقطة بعيدة وأنا دماغي بتعيد جواها كل تفاصيلُه، ضحكتُه، ابتسامتُه، تكشيرتُه، حنيتُه وكلامُه، نبرة الثقة والفخر اللي كان بيتكلّم بيهم عنّي قدام أي حد، خوفُه وقلقُه عليّا في كُل مرة كُنت بتأخّر فيها برّا ولو لكام دقيقة، احتوائُه ليّا في كُل حالاتي وتفهّمُه لكل شيء كنت بعملُه.. ازاي بعد كُل دا يروح من إيدي من غير ما أضمُّه لآخر مرة؟! ليه!.. ليه يا رب! ليه؟! يــارب.

•عشان خاطري كُلي أي حاجة.
^يا بنتي مينفعش اللي بتعمليه في نفسِك دا.
بصّيت بعيد من غير ما أرُد وأنا بحاول أسكّت كل الأصوات اللي جوّا دماغي، غمّضت عيني بيأس بعد فترة، وبتعب اتنهدت لما حسّيت بإيدين بقيت عارفاهم كويّس بيضمّوا إيديّا بلين، الأوضة هدِت، وسمعت صوت الباب بيتقفل فعرفت إنهم طلعوا برّا، فتحت عيني وبصّتلُه، وبإرهاق:
-حلمت بيه تاني يا يونس.
قرّب أكتر وشدّني لحضنُه، وبهدوء:
=قالِك إيه؟
-ابتسمت بوجع: قالي إنه مسامحني تاني يا يونس، بس أنا مش هسامح نفسي.. أنا.. أنا اللي وجعتُه، أنا السبب.
دموعي نزلت وهو ضمّني أكتر، طبطب عليا بهدوء وبحُب:
=متحمّليش نفسِك فوق طاقتها يا مها، الموت دا بتاع ربنا، والدكتور قال إن قلبُه كان تعبان بقالُه فترة ولما شافِك وقعتي ومع الضغط اللي كان عايش فيه بقالُه كام يوم قلبُه مستحملش، فدا مكنش بسببك يا مها، دا عمرُه يا حبيبتي.
-أنا.. أنا اللي قُلتلُه إني مش عايزاه.
=ضمّني أكتر: وهو كُل ليلة يجيلك في أحلامِك وبيقولِك إنه مسامحِك يا حبيبتي.
-مسحت دموعي: ماما عاملة إيه يا يونس؟
=ابتسم: اتحسّنِت شوية والدكتور مُتفائِل وبيقول إن شاء الله تفوق قريّب.
هزّيت راسي من غير ما أتكلّم، وأنا بغمّض عيني من تاني بتعب وبستسلم للنوم من تاني، بس المرادي بين إيديه.

-بانفعال: احنا بنعمل إيه هنا؟
=شدّني: انتي كان نِفسك تشوفي أختِك، تعالي.
بصّيت لإيدُه اللي بيشدّني بيها بتوتر، ومع إني مش حابّة اللي بيعملُه، الا إني مقاومتهوش.
وصلنا لشقتهُم، خبّط على الباب، وبعد فترة طلعتلي نفس الست اللي كنت شوفتها مع بابا قبل كدا، نفس الملامح ونفس الهيئة، لكنها دبلانة شويّة المرّادي، بصّتلي بصدمة، بذهول، بس مرة واحدة لقيتها شدّتني لحُضنها وهي بتعيّط بانهيار، بعدت بعد شوية وشدّتني لجوّا من غير كلام، شدّتني لأوضة في وش الباب وبمُجرد ما دخلت، شُفت طفلة صغننة تقريبًا عندها سنتين قاعدة على الأرض وسط دباديب كتير وبتلعب بلُطف، بصّيتلها بتوتر، بخوف، بلخبطة، ورجعت بصّيت ليونس بسُرعة، ابتسم وهو بيشاورلي بعينُه عشان أقرّب منها وأشوفها، وأنا بمُجرد ما بقيت قصادها، دموعي نزلت من تاني، ملامحها الصغيرة، لُطفها، برائتها، كانت.. كانت جميلة، صِدقًا جميلة.

=تصدّقي وحشتني ضحكتِك.
-ابتسمْت: شُفت ملامحها يا يونس؟ كانت جميلة أوي، شبهُه.
=ابتسم: انتي أجمل.
بصّيت بعيد بكسوف، وهو كعادتُه غير الموضوع لما لاحظ كسوفي، وبسُرعة:
=مخلّتيهاش تقول ‘هو اتجوّزها ليه’ ليه يا مها؟
سكتّ للحظات وبصّيت بعيد، شبكت إيديّا الاتنين في بعض وضغطت عليهُم، وبصوت ثابت:
-بابتسامة راضية: عشان هو معتش هنا يا يونس، هو مقالّيش وطالما مقالّيش فأنا مش عايزة أسمع أسباب من أي حد، أنا سامحتُه، سامحتُه مع إنه وجعني عشان هو بابا، وطول عُمره كان جنبي، واللي عملهولي طول حياتُه بالنسبالي يغفرلُه غلطة زي دي، يغفرلُه كل حاجة أصلًا، وبعدين كفاية عليّا إنه بقى يزورني في أحلامي كتير، أنا راضية بكدا ومش عايزة حاجة تانية.
=ابتسم: تعرفي إني واقع في حُب ابتسامتك.
-ضحكت: ابتسامتي بس؟
=تؤ تؤ، أنا واقع في حُب كل تفاصيلِك.
ابتسمت وأنا بسند على كتفُه بحب، ومن جُوايّا بحمد ربّنا على وجودُه جنبي، على مساندتُه ليّا، وعلى حُبه.

“وَبَاتَ الجَمِيعُ يَعْلَمُون أَنَّنِي فَقَدّتُ جُزْءًا مِنْ رُوحِي بِغِيَابِكْ.”

#تم.

حكاوي يونس.
بقلم ايمان محمود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
6

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل