
بسم الله ولا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
نوفيلا
«يا كُل كُلي»
بقلمي «روز أمين»
وسؤالاً دوماً يراودني،كيف حالُ من فارقوا،أمازالت تراودهم تلك الافكار ذاتها، إين هي الأنُ مشاعرهم! رسائلهم!،لحظاتهم الخاصة أمازالت تسكُنهم أم أنها تاهت وأنتست بزحمة الفراق.
بقلمي
«روز أمين»
«الفصل الاول»
بإحدي قُري محافظة الغربية،داخل منزل هيأة أثاثه تتسم بالفخامة وتوحي بأن ساكنيه ينتمون إلي الطبقة فوق المتوسطة
جالسةً هي فوق فراشها تبكى وتنتحب حظها العَسر بمرارة وحُرقة قلب وهي تودع قصة عشقها التي تغنى بها جميع اصدقائهما المُقربين وبعضًا من أهالي القرية العالمون بقصتهما لسنواتٍ،لتنتهي بلحظاتٍ وكأنها لم تكُن موجودة بالأساس،ارتفع رنين هاتفها،نظرت بشاشته وجدت نقش اسم صديقتها والتي كانت إحدى الشهود على تلك القصة،ضغطت زر الإجابة لتُجيب بدموعها التي تُقطع أنياط القلب:
-شفتي محمود عمل فيا إيه يا هالة، محمود دبـ.ـحني بسكينة تلمة
تنهدت صديقتها بحزنٍ ثم تحدثت بنبرة مستنكرة:
-أنا مصدقتش الكلام اللي سمعته في البلد غير لما اتصلت بـ حسام وأتاكدت منه إن خبر الخطوبة صحيح
ارتفع صوت بكائها لتسترسل هالة في محاولة منها لإيجاد عذر لمحمود تُطمئن به قلب صديقتها المفتور:
-حسام قالي إن محمود عمل كدة غصب عنه، أنا كمان شايفة إنه معذور يا جنة
إستمعت لدقات تعتلي باب غرفتها الخاصة،فأنهت المكالمة سريعًا وعلى عُجالة قامت بتجفيف دموعها قبل أن تدخل إليها تلك السيدة الخمسينية تتطلع إلى غاليتها بقلبٍ حزيناً متألمًا لأجلها،هى تعلم جيداً ما تشعُر به من ألامٍ تُمزق داخلها وتبعثر كل كيانها،ولكن ما بيدها لتفعلهُ كي تُعيد لصغيرتها بسمة وجهها وسعادة قلبها اللتان تركاها مُنذ ما حدث قبل عِدة شهور
جلست “سامية”قُبالة إبنتها الشابة البالغة من العمر الثانية وعشرون عامًا لتتنهد بأسى ثم لتتحدث بعينين لائمتين:
-انتى بتعيطى ليه الوقت؟
واسترسلت لتذكيرها مؤنبتاً إياها كي تعي على حالها وتستفق:
-هو مش خلاص سابك وراح خطب واحدة تانية،إنسيه وخرجيه من دماغك إنتِ كمان ووافقي على العريس اللي خالك جايبهولك، لا هو عُمره كان ليكِ ولا انتِ هتبقي في يوم ليه وإنتِ وهو كنتوا عارفين الكلام ده من الأول
ثم استطردت تذكرها بما يفرق العائلتين ويجعل أي تقارب بينهما يكادُ يكون مستحيلاً:
-إنتِ عارفة من الأول المشاكل اللى بين العيلتين وأن مستحيل يحصل بينهم نسب ومع ذلك سيبتي نفسك ومشيتي ورا الخيبان قلبك وأديكي شايفة وصلك لأيه،أهو سابك وراح خطب وقراية فتحتهم النهاردة
ثم أكملت بنبرة تحمل الكثير من الألم:
-ريحي نفسك بقي وريحني معاكى يا جنة
كانت تستمع إلي والدتها بقلبٍ بتمزقُ ألماً علي حالتها وما أوت إليه قصة غرامها الكبير،تساؤلاً مستاءً كان يطرحهُ دومًا عقلها.. لما رزقها الله وغرس بداخل قلبها عشق ذاك الفتي بدلاً عن غيره،شهقت بدموعها لتتحدث بنبرة تقطع نياط القلب:
-أنا عارفة الكلام دا كويس يا ماما،بس غصب عنى
تنهيدة حارة خرجت من صدر” سامية” التي تحدثت بصرامة كي تُجبر صغيرتها علي النهوض وعدم الإستسلام لتلك الحالة المزرية:
-طيب قومى خدي لك دُش يفوقك
واسترسلت بإعلام:
-أختك إتصلت وقالت إنها جاية فى الطريق مع جوزها،أهى تبات معاكى النهاردة وتحاول تفرفشك شوية.
أومأت لها وبعد خروج والدتها ارتمت فوق وسادتها تبكى بحرقه وهى تتذكر أنه الآن فى حفل خطبته مع إحداهُن،بعد أن حلما معاً وخططا لحياتهما القادمة تركها بمنتصف الطريق خانعًا مُستسلماً وذهب لخُطبة غيرها وأستكمال حياته بصُحبة أخري تاركاً إياها لتواجه مصيرها المُعتم بدونه،كم شعرت بدونيته وبغبائها
دخلت اختها الكبرى البالغة من العُمر الخامسة والعشرون وتدعي “ليلى”،متزوجة ولديها طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات،تسكن مع زوجها فى محافظة القاهرة الكبرى:
-حبيبتى يا جنة،عاملة إية؟
تعالى، وحشتينى…نطقتها “جنة” باشتياقٍ وهي تفتح ذراعيها لاستقبال شقيقتها نظراً لحبها الشديد لها وتوافقهما بالأراءِ والأفكار،ارتمت داخل أحضان اختها وأجهشت ببكاءٍ مرير ادمى قلب شقيقتها،ربتت “ليلى” علي ظهر شقيقتها وباتت تمسح بيدها عليه كي تحثها على السكون ثم تحدثت بتنبيه:
– إهدى يا “جنة”وبلاش اللى بتعمليه دا،بابا لو شافك كدا هيفهم، ولا علي، علي لو حس بحاجة هيطربق الدنيا على دماغنا
خرجت من داخل أحضانها لتتحدث بهستيريا وعدم استيعاب لما يحدث:
-مش قادرة اتخيل إزاي هكمل حياتى من غيره يا “ليلى”،مش قادرة حتى اتخيل انه قاعد معاها الوقت وبكل سهولة قدر يستغنى عني ويسيبني
واستطردت وهي تهز رأسها بجنونٍ وعدم استيعاب:
-يا تري بيقول لها إيه،بيبص لها إزاي، فرحان ولا الموضوع بالنسبة له عادى،فاكرنى ولا خلاص نسينى وأعتبرني صفحة قلبها وهيكمل حياته بعدها،أنا هموت مش قادرة،معقولة بعد كل الحب دا النهاية تكون كدا؟!
هزت رأسها باستنكار لتسترسل بتألم ظهر بَيِنّ بنبرة صوتها:
-دى البلد كلها كانت شاهدة علي قصة حبنا وعشقنا لبعض،دا كان بيبكى لو في يوم تعبت يا” ليلى”،فجأة كدة يبعد عني ومرة واحدة يسبنى وبعدها اسمع من الناس إنه خطب؟!
كانت تشاهد إنهيار شقيقتها الصُغري بقلبٍ يتمزق ألماً عليها،اردفت تعقيباً علي حديثها:
-وهو كان هيعمل إيه أكتر من اللي عمله يا “جنة”،ماهو بعت لبابا هو وأهله علشان ييجي يخطبك،وبابا رفض مع المرسال حتى ما أدهوش فرصة ييجي هو وأهله ويتكلموا،وإنتِ علي أخد منك التليفون وكسره.
هتفت بنبرة حادة رافضة:
-يقوم يستسلم من أول جولة ويروح يخطب؟!
واستطردت بتألم ظهر بَيِن بعيناها ونبرة صوتها:
-ده أنا قلت له إني عمرى ماهكون غير ليك،قولت له مستحيل إسمي يرتبط بإسم حد غيرك
تنهدت تلك التي تتوجع لاجلها ثم تحدثت للتخفيف عنها:
-معلش ياقلبى،قومى اتوضى وصلى الظهر وسبيها على ربنا
ونعم بالله…جُملة مهمومة نطقت بها جنة قبل أن تنصاع لرأي شقيقتها وتذهب إلى الحمام لتتوضأ إستعدادًا للصلاة
*****
فى الجهة الأخرى من نفس القرية،كان محمود البالغ من العمر الخامسة والعشرون،يجلس مع اسرتهُ يتبادلون فيما بينهم التهانى والمباركات فرحاً بخطبة غاليهم وذلك بعدما عادوا من منزل والد العروس بعد إتمام الخُطبة وقراءة الفاتحة
إقتربت عليه الأم وتحدثت بوجهٍ سعيد:
-مبروك يا حودة،ألف مبروك يا حضرة الظابط
تطلع عليها بنظرة حزينة مُنكسرة كحال قلبه البالي ليتحدث ساخراً بإلتياع:
-مبروك عليكِ إنتِ يا ماما،مش اخترتى العروسة اللي علي مزاجك
هتفت”عفاف” بنبرة حماسية:
-عروسه زي القمر وأبوها عميد في الشُرطة قد الدُنيا وهينفعك فى شغلك،هعوز لإبني إيه أكثر من كدة
واستطردت بعتابٍ حادّ:
-وبعدين إنتَ زعلان ليه؟! ما أنت عملت اللي عليك واتقدمت للبنت اللي كنت عايزها ورفضوك حتى قبل ماتروح ولا يسمعوك،وقلوا مننا قدام البلد كُلها واخوها كان هيضربك
عبست ملامحها لتستطرد بنبرة تحمل الكثير من الاستياء:
-هو أبوك قليل في البلد علشان إبنه يترفض بالطريقة دي يا محمود؟
ده أنتَ ابن الحاج”عبدالله التهامي”على سِن ورُمح
هز رأسه مقتنعًا بكلام والدته ثم تحرك صوب غرفته،ولج إليها ثم إرتمي بجسده فوق تختهُ باهمال ونفخ بقوة ليخرج لهيب صدرهُ المُحترق،بات يتذكر أول لقاء جمعهُ بها قبل سبعة أعوام من الأن، عندما كان طالبًا بالصف الثالث الثانوي
فلااااااش باك
قبل سبعة أعوام من حاضرنا الأن
داخل المدرسة الثانوية المُشتركة بالبِلدة المجاورة وفي أول يومًا دراسياً بالعام الجديد، يقف محمود الطالب بالصف الثالث الثانوي ومجموعة من أصدقائه،سامح صديقهُ المُقرب والاخر يُدعي ذكريا المسيري،والذي كان يغار بشدة من محمود لكونهِ محبوباً من أصدقائه والمدرسين ولانهُ وسيماً للغاية ولذا تُعجب به كل من تراهُ من الفتيات المُثيرات
وأثناء حديثهم وضحكاتهم لفت إنتباه جميعهم ولوج فتاة جميلة للغاية وجمالها يكمن في جمال روحها التي طغت فوق ملامحها فجعلت منها جميلة حد الفتنة،كانت تمتلك عينين عسليتين ذات رموش كثيفة جذبت بها معظم الحضور،أما عن شفتاها فكانت كنزة باللون الوردي المُشهي لناظرهُ،متوسطة الطول
إرتبك بوقفته حين رأها تهلُ عليه كاقمراً منيراً بليلة إكتماله،هتف ذكريا بعيناي منبهرة:
-أوباااا،إيه الصاروخ الأرض جو اللي إقتحم المدرسة ده
نظر عليها وتحدث هو الاخر بانبهارٍ ظهر بَيِنّ داخل زرقاويتاه:
-مين البنت دي يا شباب،أنا اول مرة أشوفها
أردف سامح وهو يتطلع عليها بتمعن:
-شكلها مُستجدة لأن أنا كمان أول مرة أشوفها في المدرسة.
إبتسم محمود وتحدث بمداعبة لاصدقائه:
-شكلها كدة هتبقي سنة فُل علينا إن شاء الله
ضحك الشباب باستهزاء في حين تحركت وهي تحتضن حقيبة كتبها وتقربها من صدرها،باتت تتجولُ بعينيها باحثةً عن أحداً تعرفهُ،إقترب منها ذكريا ووقف يقابلها ليتحدث بوقاحة:
-القمر أول سنة ليه في مدرستنا،صح؟
رمقته بنظرة محتقرة قبل أن تنطلق بطريقها مما جعل محمود وأمجد يطلقان ضحكاتهم الساخرة حتي بات كلاهما أن يقع أرضاً من شدة قهقهاتهما المتهكمة عليه مما جعل داخلهُ يستشيطُ غضبًا
دارت بعينيها مستكملة في البحث إلى أن استقرت بمقلتيها على مجموعة من صديقاتها بالصف الثالث الإعدادي يقتربن عليها مُرحبين بتهليل،إبتسمت بشدة وكأنها وجدت ضالتها وباتت الفتيات يتبادلن السلامات والترحاب ببعضهن البعض
نظر عليها بإعجاب ومُنذُ ذاك الحين وهو يراقب تحركاتها بالمدرسة،وبيومٍ من الأيام وبعد مرور حوالي ثلاثة اسابيع علي بداية الدراسة،خرج من بوابة المدرسة ووقف ينتظر قدوم سيارة أجرة جماعية كي توصلهُ إلي قريته حيثُ تبتعد عن القرية المتواجد بها المدرسة بثلاث قُري،إشتدت سعادتهُ حين وجدها تقف بجواره تُشير إلي إحدي السيارات وبعدما توقفت نطقت باسم قريتهُ لتُعلم السائق إذا كان باستطاعته إصطحابها أم لا
أعلمها السائق بموافقته فاستقلت بالمقعد المجاور للشباك ليجاورها هو الجلوس وتلاهُ بعض الطلبة حتى اكتمل عدد العربة،إبتعدت عنه لتلتصق بالشباك وقامت بوضع حقيبتها كفاصلٍ بينهما تجنبًا للتلامس،أعجبهُ تصرفها للغاية ليتحمحم متحدثًا إليها باستفسار:
-هو إنتِ من كفر هلال؟
تطلعت عليه بجبينٍ مُقطب ولم ترد فاسترسل مفسراً بهدوء:
-أنا مش قصدي أعاكس والله،أنا بس إستغربت لما لقيتك بتقولي للسواق علي بلدي وانا أول مرة أشوفك
واستطرد بإبانة:
-على فكرة،أنا معاكي في المدرسة،في تالتة ثانوي السنة دي
وأخيرًا قررت الخروج عن صمتها لتنطق بنبرة تهكمية دون النظر إليه:
-طب مش تذاكر علشان تجيب مجموع بدل ما أنتَ مقضيها فُرجة علي البنات إنتَ والأتنين أصحابك الرخمين اللي دايماً واقف معاهم
إتسعت عينيه بعدم استيعاب لحديثها الذي جعلهُ يطير فرحاً،ليهتف بضحكة سعيدة اظهرت كم إبتهاجه:
-ده أنتِ عارفاني ومركزة معايا بقي
إشتدت وجنتها توهجاً من شدة خجلها الذي إعتراها جراء حديثه الجرئ والذي جعلها تخجل من حالها وتسخط من سذاجتها،إبتلعت لُعابها وتحدثت بصعوبة بعد أن إستجمعت حالها:
-وهو فيه حد في المدرسة كُلها مايعرفش محمود عبدالله التهامي وشلته اللي ما سابتش بنت في المدرسة إلا وعاكسوها وضايقوها
قهقه بشدة جعلتها ترتبك ليتحدث إليها بدُعابة:
-طب والله أنا مظلوم في وسط الشِلة دي وبفكر أسيبهم بسبب السُمعة اللي مطلعينها عليا
رمقته بنظرة عدم تصديق لحديثه ثم أشاحت بنظرها عنه لتتابع الطريق عبر النافذة، تحمحم ثم من جديد تحدث بملاطفة بعدما تفاجئ بتجاهلها له:
-طب مش هتقولي لي إنتِ بنت مين ومن أي عيلة عندنا في البلد؟
نظرت له وضيقت عيناها متعجبة إصرارة فتحدث بمشاكسة:
-طب ينفع تكوني عارفة عني كل حاجة وأنا معرفش حتي إسمك؟
أشاحت عنه ببصرها مطلة من جديد للخارج عبر النافذة مما جعلهُ يستشيطُ غضباً من تجاهلها المتعمد له ويقرر هو الأخر ان يتجاهل وجودها،وما هي إلا دقائق وتوقفت السيارة، ترجل من السيارة وتلتهُ هي حيثُ نزلا ببداية الطريق بالبلدة،تحرك في طريقه بوجهٍ غاضب فاقتربت عليه وتحدثت بنبرة هادئة:
-إسمي جنة،جنة محمد الأنصاري
نطقتها وتحركت بطريقها بخطواتٍ متعجلة تاركة إياه بفاهٍ منفرج علي مصرعيه من شدة سعادته ومفاجأته ايضاً باهتمامها لزعله،لكن سُرعان ما اختفت إبتسامته عندما تذكر اسم عائلتها وتذكر المشاكل والكُره والحقد المتبادلان بين العائلتان وتوارثهُ الأجيال عبر الزمان،ويرجع هذا لقديم الزمن لحادثة قتل بالخطئ تسبب بها أحد أفراد عائلة التهامي بضرب أحد أفراد عائلة الأنصاري داخل إحدي المناوشات بين الرجال مما أدي إلي مضاعفات جثمانية وبعدها ظهرت بعض الامراض العضوية وتوفي المريض بعد ما يقرب من الشهرين،فألصقت له العائلة تهمة القتل وبرأته النيابة من التهمة بعد الكشف علي المتوفي،لكن عائلة جنة كانت تريد بأخذ الثأر فتدخل رجال الشُرطة والعُقلاء من الطرفان وأيضاً عُقلاء المركز وفضوا تلك القضية، و منذ حينها تم قطع العلاقات بين العائلتين وابتعدا عن كل ما يقربها سواء كان مشاركة بالعمل أو تبادل الزيجات وخلافه
مرت الأيام والسنوات،استطاع خلالهم محمود بأن يحقق أحد أحلامه وهو الإلتحاق بكلية الشرطة وكل هذا وهما سوياً،حيث تعلق قلبي العاشقان بعضهما بالبعض حتي أصبحا لا يستطيع احدهما التنفس دون الآخر،واصبحا لا يغفيان إلا بعد إستماع كُل منهما لهمسات صوت خليلهُ عبر الهاتف،واليوم هو اليوم الأول لجنة حيث التحقت بكلية الأداب،توقفت سيارة الأجرة أمام بوابة الجامعة لتترجل منها جنة،اتسعت عينيها بمزيجًا من السعادة والذهول عندما فوجئت بوقوفهُ أمام البوابة منتظرًا حضورها بباقة من أروع الزهور الطبيعية،تطلعت عليه بحبورٍ ونظراتها الهائمة جالت بعينيه المتيمة،رعشة قوية سرت بكامل جسدها بفضل هيأته المهلكة لقلبها،فلطالما عشقت مظهرهُ وهيأتهُ الرجولية،اقترب عليها وتحدث وهو يُهديها باقة زهورها:
-مبروك يا قلبي،عقبال ما اجيب لك بوكية ورد خطوبتنا
تبسمت بشدة لتتحدث بحبورٍ ظهر بعينيها وهي تتناول منه زهراتها:
-إيه المفاجأة الحلوة دي
واستطردت متسائلة:
-ما قولتليش ليه إنك هتيجي
ابتسم ليُجيب على تساؤلها:
-طب ولو قُلت لك كانت هتبقى مفاجأة حلوة إزاي
ثم استكمل وهو يجول بعينيها بنظراتٍ هائمة:
-زائد إني كُنت هحرم نفسي من أرق إبتسامة وأجمل طلة عيون وهي مبهورة من المفاجأة
تنهدت بسعادة سُرعان ما اختفت فور رؤئيتها لنظرات الفتيات وهُن يتطلعن بانبهار على ذاك الواقف بمظهره الرجولي وثيابه الميري الخاصة به كطالب بكلية الشُرطة،استشاط داخلها وشعرت بفورانٍ بكامل جسدها ناتج عن شِدة غيرتها عليه،تطلعت إليه بنظراتٍ حادة قبل أن تهتف ساخطة:
-طبعاً إنتَ جاي مخصوص ببدلة الشُرطة علشان تشوف نظرات الإعجاب من عيون البجحين اللي تندب فيهم رصاصة دول
لم يفهم مقصدها إلا بعدما تطلع حولهُ ليندهش من جُرأة بعض الفتيات وهُن يتطلعن عليه بنظراتٍ توحي لشدة إعجابهُن دون حياء،أراد أن يستغل ما حدث ليُشعل صدرها بنار الغيرة أكثر عَل قلبهُ يسعد لرؤية عشقها الجارف له فاعتدل ينظر إليها ليتحدث بتسلي:
-اللي إنتِ شيفاه ومستغرباه ده بقى العادي بتاعي يا حبيبتي
واسترسل لاثارة حِنقتها:
-أنا مش عاوزة أقول لك اللي بشوفه من البنات وجرأتهم طول ما أنا ماشي في الشارع
وده طبعاً شيء مفرح حضرة الظابط وراضي غروره…جُملة غاضبة نطقت بها جنة بعينين تُطلقان شزرًا ليضحك هو بعدما حصل على مبتغاه ليُزيد من اشتعال نيران غيرتها،توقف سريعًا عن اطلاق ضحكاته ليتحدث إليها بنبرة حنون بعدما رأى حزنها الذي ظهر بعينيها:
-مفيش حاجة تفرح قلبي وترضي غروري غير نظرة الحب اللي بشوفها في عيونك وإنتِ راضية عني يا جنة
رُغمًا عنها تبسمت بإشراقة ساحرة جعلتهُ يبتسم ليتحدث بحبورٍ ظهر بَيِنّ بعينيه:
-أيوة كدة إضحكي علشان شمس يومي تطلع وتنور دنيتي
أنزلت بصرها خجلاً فاسترسل ذاك العاشق بما جعل قلبها يتراقصُ فرحًا:
-بحبك يا جنة،والله العظيم بحبك
تنهيدة حارة شقت صدرها وخرجت لتُعلن عن وصولها للمنتهى من الراحة والعِشق ليسترسل هو بنبرة حماسية:
-إعملي حسابك إننا هنتغدى مع بعض النهاردة
رفعت بصرها لتتقابل أعينهم وتحدثت باستنكار:
-غدى إيه اللي بتتكلم عنه يا محمود؟
إنتَ عاوز حد يشوفني معاك ويروح يقول لبابا ولا لحد من إخواتي والدنيا تولع؟!
قطب جبينهُ مستنكرًا لتسترسل هي بإبانة:
-ده غير إن لا يمكن أخون ثقة بابا فيا
تحدث مُلقيًا عليها اللوم:
-براحتك يا جنة، افضلي إنتِ كدة ارفضي أي محاولة ليا وضيعي من ادينا أي فرصة بحاول أخلقها علشان نقرب فيها من بعض ونستمتع بوجودنا بحجج فارغة
بس دي مش حِجج فارغة يا محمود، إنتَ عارف كويس أوي لو موضوعنا اتعرف إيه اللي ممكن يحصل…نطقتها بحُزن لتسترسل بنبرة محبطة:
-أنا أصلاً مش عارفة إزاي طاوعت قلبي ومشيت وراه وحبيتك وأنا عارفة نهاية الحكاية
مش عاوز أشوف نظرة الانكسار واليأس دي في عنيكِ مرة تانية…نطقها بحدة ليسترسل بتأكيدٍ حاد:
-مفهوم يا جنة
نظرت عليه وتنهدت بيأسٍ ليسترسل بنبرة حماسية:
-عاوزك تتأكدي إن مهما كانت الصعاب اللي هتقابلنا ،حبنا في الآخر هو اللي هينتصر،ربنا مش هيتخلى أبداً عننا
ابتسمت له بارتياح بعدما طمأنتها كلماته لتتحدث بنبرة تفاؤلية:
-أنا واثقة فيك يا محمود،وعندي يقين إن بكرة شايل لنا أجمل أيام
ابتسم لها ثم تحدث بعدما أراد مداعبتها ليرى غيرتها العمياء عليه والتي تجعله يصل لمنتهى النشوة:
-طب وبالنسبة للغدى،سيادتك هتتعطفي وتيجي معايا ولا أخدها من قصيرها وأعلق مُزة من اللي هيموتوا على البدلة الميري دول واروح اتغدى معاها ونتسلى؟
اشتعلت عينيها لتنظر إليه شزرًا وهي تتحدث من بين أسنانها:
-إمشي من قدامي يا محمود بدل ما ارتكب فيك جناية على الصُبح
أموت فيك وإنتَ شرس…نطقها بغمزة من إحدى عينيه تحت خجلها ليتحدث بنبرة جادة وهو يعدل من ياقة حلته إستعدادًا للرحيل:
-خلي بالك على نفسك يا حبيبي
نطقت بابتسامة مشرقة:
-وإنتَ كمان
بحبك…نطقها بهمس قبل أن يتحرك ويستقل سيارته لينطلق بها مسرعًا تحت سعادة قلبها العاشق ونظرات الفتيات لها.
بسم الله ولا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أَنْـتَ سبحانك إني كنت من الظالمين
نوفيلا
«يا كُل كُلي»
بقلمي روز أمين
الفصل الثاني
ظل العاشقان معًا ومع كل يوم يمر عليهما تزداد فيه متانة علاقتهما إلى أن وصلا إلى ترابط روحيهما وكأنهما أصبحا روحًا واحدة بجسدين، عاشا حياةً هادئة حتى جاء اليوم الذي تخرج به محمود من كلية الشرطة، كان يحادثها ليلاً عبر الهاتف الجوال،وهي تحدثهُ من فوق سطح منزل أبيها،همست إليه بنبرة مبتهجة تدل على مدى حبورها:
-ألف مبروك يا حضرة الظابط
نطق سريعًا بنبرة صوت تهيمُ عِشقًا بغرام متيمتهُ:
-الله يبارك فيكِ يا قلب وروح وعقل حضرة الظابط،كان نفسي تبقي معايا النهاردة وأنا بتكرم
تنهدت وبدأ صدرها يعلوا ويهبط من شِدة السعادة ليهتف هو بنبرة رجل عاشق أذابهُ الإشتياق وماعاد فيه تحمل البُعاد بَعد:
-أنا لازم أفاتح بابا في موضوع خطوبتنا يا جنتي
بلاش الوقت يا محمود،إستني شوية…نطقتها بتلهُف وارتعاب جعلهُ يسخط علي حظيهما ليهتف بصياحٍ حاد أحزنها علي حالهما:
-عاوزاني أستني لحد أمتي يا جنة،لحد ما أبوكي يوافق علي عريس من اللي بيتقدموا لك وتضيعي مني؟
ثم صاح بقلب عاشق ملتاع:
-إنتِ مش عارفة أنا بحس بإيه كل ما أسمع إن جالك عريس جديد،جسمي كله بيقيد نار وأنا بتخيل إن عيون راجل غيري شافتك وعجبتيه لدرجة إنه إتمناكي تكوني ليه وجه علشان يطلبك للجواز
أجابتهُ بهدوء معللةً:
-اديني برفض بأي حجة أقولها لبابا
نطق باستفهام:
-ولحد إمتي هتفضلي تتحججي يا جنة؟ إنتِ في تانية جامعة يعني ما بقتيش صُغيرة، وحججك مسيرها هتخلص
تنهدت بحيرة فتحدث بإصرارٍ عنيد:
-مفيش تأجيل تاني يا جنة خلاص،أنا حسمت قراري وهنزل أكلم أبويا الوقت حالاً
ربنا يستر يا محمود…نطقتها بنبرة يملؤها التوتر فأراد إخراجها وطمأنة قلبها قائلاً بصوتٍ حنون:
-هيستر إن شاء الله يا نن عين محمود
تنهد براحة ليسترسل بنبرة تفيضُ هيامًا:
-هنتجوز ونعيش مع بعض زي ما اتمنينا،هنعيش حياتنا لينا وبس،هتبقي كل دنيتي وهبقي ليكي كل الناس
إبتسمت بسعادة فاسترسل بنبرة حماسية لعاشقٍ ولهان:
-قولي لي بحبك وعوزاك يا محمود،قوليها علشان أكون مستعد أحارب وأهد الدنيا علشان عنيكِ
بنبرة حنون نطقت خجلاً:
-بحبك وعُمري ما أتمنيت ولا اتخيلت نفسي مرات حد غيرك يا محمود
تنفس بعُمقٍ كمن كان ينتظر الترياق لإنقاذ حياته ثم تحدث بنبرة حماسية:
-وأنا عمري ما هخليكِ تندمي علي إختيارك ليا يا حبيبتي،هخليكِ أسعد واحدة في الدنيا كلها وده وعدي ليكِ
ردت بملاطفة:
-أما أشوف يا حضرة الظابط
واستطردت بانسحاب:
-أنا لازم أقفل وأنزل تحت قبل ما بابا أو حد من أخواتي ياخد باله من غيابي
تحدث بموائمة:
-تمام يا حبيبتي،وانا هنزل أكلم بابا وهبعت لك رسالة علي الواتس ابلغك فيها باللي حصل
ليسترسل بصوتٍ يفيضُ حنانًا:
-تصبحي على خير يا قلبي
أنهت معه الإتصال وتحرك هو إلي أبيه حيث كان يقطن بدخل غرفتهُ الخاصة، ولج للداخل وألقى عليه التحية ثم قام بإخباره بما انتواه،جحظت عيناي عبدالله ليهتف بذهولٍ وغضب حاد:
-إنتَ إتجننت،عاوز تقلب البلد حريقة يا حضرة الظابط؟
بعيني مُستعطفة نظر إلي والدهُ ليتحدث بترجي:
-أرجوك يا بابا حاول تفهمني،أنا بحبها بجد ومش قادر أتخيل حياتي من غيرها، حط نفسك مكاني
هتف عبدالله بجمودٍ:
-أنا لو مكانك هخلع قلبي وأحطه تحت جزمتي وأفعصه تحتها يا حضرة الظابط ولا إني أولع البلد كلها في بعضها
بعبرات ظهرت بعيناه نطق بصوتٍ مُختنق:
-وأنا لو قادر أعمل كدة هاجي لك وأطلب مساعدتك ليه؟!
واستطرد شارحاً:
-أنا مش صغير يا بابا،أنا عارف وفاهم كويس المشاكل اللي بين العيلتين،بس مش بإيدي
هتف الأب معنفاً نجله:
-بكلامك ده يبقي مش عارف حاجة يا بيه،إحنا بينا تار ودم، فاهم يعني إيه دم يا محمود؟
واستطرد بعيناي مرتجفة وقلبٍ حزين:
-اللي بينا دم ما صدقنا ردمنا عليه وقفلنا على الموضوع، وإنتِ بعملتك السودة دي جاي وعاوز تفتحه من جديد،إنسي يا ابني، الطريق ده مش هيجيب خير لحد، ده بحر دم مقفول وإنتَ بإيدك عاوز تفتحه وتغرق بيه البلد كلها
واستطرد مؤكداً:
-ده غير إن ابوها مستحيل يوافق
بأملٍ ظهر بَيِنّ داخل مقلتاه هتف بنبرة حماسية:
-أنا هقنعه،هروح له وأقنعه إن أنا وجنة بنحب بعض، واكيد قلبه هيحن على بنته وهيوافق
إنتَ باين عليك مش هتسكت إلا لما تجيب لنا مُصيبة لحد عندنا…كلماتٍ نطق بها بصوتٍ غاضب ليسترسل بصياحٍ مُتهكم سَمع به جميع مَن بالمنزل:
-عاوز تروح للراجل اللي جدك الكبير متهم بقتل جده وتقول له أنا مستغفلك وماشي مع بنتك من وراك وعاوزك تجوزها لي؟!
بعينين مستسلمة أجابهُ:
-يا بابا حاول تفهمني، أنا حبيتها، والحب ملوش كبير
إقتحمت “عفاف” باب الغُرفة عندما إستمعت لصياح زوجها وتوبيخهُ لنجلها ليلحق بها شقيقهُ الأكبر والأصغر،لتتساءل هي بنبرة مرتجفة:
-مالك يا عبدالله كفانا الشر،صوتك عالي ليه يا اخويا؟!
إسألي إبنك اللي هيموتني ناقص عُمر من عمايله…نطقها بصياحٍ جعلها تتنقل بنظرها بين كلاهما بعدم استيعاب
إقترب الابن الأكبر من أبيه ويُدعي صلاح متزوج ولهُ ولدان،ليتحدث بهدوء في محاولة منه لتهدأة والدهُ:
-إهدى يا حاج علشان صحتك وفهمنا بالراحة إيه اللي عمله محمود وزعلك منه قوي كدة؟
إقتربت عفاف من ولدها وربتت علي ظهرهِ بحنان مما جعل داخل عبدالله يستشيطُ ويهتف بإبانة:
-أهدى إزاي وحضرة الظابط العاقل عاوزني أروح أخطب له بنت محمد الانصاري.
شهقة عالية خرجت من فمِ عفاف لتجحظ عينيها وهي تتطلع على نجلها بذهولٍ ، أما الشقيقان فباتا يتبادلان النظرات فيما بينهما باستهجان في حين تحدثت الأم بعدم تصديقٍ ونفي:
-أكيد إنتَ فهمت الكلام غلط يا حاج،محمود أعقل من إنه يورطنا معاه التوريطة السودة دي
واستطردت وهي تنظر إلى نجلها لتسألهُ بهزة من رأسها مستنكرة:
-ولا إيه يا محمود،رد عليا وقول لي إن الكلام اللي أبوك قاله ده مش صحيح
نظر لهُ عبدالله بتمعن منتظرًا ردهُ على والدته فأخذ الأخر نفسًا عميقًا لاستعادة هدوئه وتحدث شارحًا:
-كلام الحاج مظبوط يا ماما
تبقى اتجننت وعاوز اللي يرجعك لعقلك يا ابن الحاج عبدالله…هكذا صاحت عفاف بنظراتٍ لائمة بجانب كلماتها اللازعة ليهتف هو بنبرة جادة:
-اتجننت علشان عاوز اتجوز البنت اللي قلبي مال لها؟
هتف شقيقهُ الأكبر معاتبًا إياه:
-وانتَ من وسط كل بنات البلد والدنيا بحالها محليش في عينيك غير بنت محمد الأنصاري ورايح تحبها يا محمود؟!
بات يتنقل النظر بين جميعهم متعجبًا ليتحدث باستهجان:
-هو أنتوا ليه محسسني إن القلوب دي بادينا وإن باشارة مني أقدر أخلي قلبي يحب ويكره ويبعد على كيفه !
هتف عبدالله بصوتٍ غاضب بعدما فاض به من أفعال نجله الغير مسؤلة:
-قلبك ده إيه اللي بتتكلم عنه يا أبو قلب،ما تفوق من وهمك يا حضرة الظابط وتبص حواليك،قلبك اللي بتتكلم عنه ده وخايف عليه هيكون السبب في خراب البلد كلها،النار اللي الحكومة وكُبرات المركز طفوها من زمان جاي حتة عيل زيك ينفخ فيها من جديد علشان يولع في الكُل
شمل والدهُ بنظراتٍ لائمة وسكن قلبهُ ألمٌ عميق جراء عدم شعور والدهُ بقلبه العاشق والذي لا يضع لكل ما قيل قيمة ولا حُسبان،في حين صاحت عفاف بنبرة مرتعبة على نجلها:
-الموضوع مش بالسهولة زي ما أنتَ فاكر يا ابني،لو خايف على أبوك وأخواتك تقفل الموضوع ده وتردم عليه،علشان خاطري يا ابني تسمع كلام أبوك
بنبرة مرتبكة تحدث شقيقهُ الأوسط ماجد خشيةً غضبة والده عليه:
-طب ما نحاول علشان خاطر محمود يا بابا،أبعت للحاج محمد واطلب منه إيد بنته لمحمود وشوف
واسترسل متفائلاً:
-مش يمكن الراجل يكون حابب يقفل صفحة الماضي ويوافق علشان يفتح صفحة جديدة بين العيلتين.
رمق عبدالله نجله بنظراتٍ تقليلية ليتحدث ساخراً:
-يا خيبتك القوية في كل ولادك يا عبدالله، طب حضرة الظابط عنده عذره في إنه يلغي مخه وميفكرش بيه، لكن إنتَ إيه عُذرك يا حضرة المحاسب ياللي المفروض بتحسبها بالورقة والقلم؟
ارتبك ماجد من حِدة والده حيث وصلت حد التوبيخ ليستكمل الوالد بنبرة حازمة قاصدًا بحديثه محمود:
-وإنتَ يا حضرة الظابط، موضوع بنت محمد الأنصاري ده تنساه وتشيله من راسك
واسترسل بنبرة تحذيرية صارمة بعدما رأي بوادر خروج كلمات إعتراضية يستعد نجله التفوه بها:
-وإلا قسمًا بالله هتشوف مني وش عمرك ما شفته وهتتعامل معاملة ما اتعاملتش بيها حتى وإنت عيل مفعص بالمريلة
فرق نظراتهُ البائسة على الجميع قبل أن ينصرف إلى الخارج كالإعصار،أخرجت عفاف تنهيدة حارة تنم عن مدى ألمها لاجل حُزن صغيرها،جلس عبدالله فوق طرف الفراش ثم زفر بضيق لينطق موجهًا حديثهُ لولدهُ الأكبر:
-روح ورا أخوك يا صلاح وحاول تهديه وتنصحه بالمعروف،وقول له يسيبه من البت دي خالص
ليسترسل بنبرة إنهزامية تدل على مدى ارتيابه على فلذات أكباده الثلاث:
-أنا راجل كبرت ومش حمل وجع القلب ده يا ابني
تحدث صلاح بطاعة وهو يستعد للخروج من الغرفة:
-حاضر يا حاج، أنا هتكلم معاه ومش هسيبه إلا وهو شايل الموضوع ده من تفكيره نهائي، بس إنتَ حاول تهدى علشان صحتك
انتهى من كلماته ليتحرك سريعًا خلف شقيقه ليُشير عبدالله لنجله الأصغر بأن يتبع شقيقاه وبالفعل خرج فتنهدت عفاف وتحركت لتجاور زوجها الجلوس ثم وضعت كفها فوق خاصته وتحدثت وهي تربت عليه:
-هدي نفسك علشان السُكر ما يعلاش عليك يا عبدالله
واستطردت بطمأنة:
-إخواته مش هيسبوه إلا لما يقتنع ويسيبه من بنت محمد الأنصاري خالص
هز رأسهُ باستسلام لتنهض هي من جواره متحدثه:
-هروح أعمل لك كباية ليمون تروق لك دمك
نطقتها وانصرفت للخارج تاركة إياه داخل دوامة رعبه على نجله المتهور والذي أثبت له عدم مسؤليته وتفكيره الغير مسؤل
*******
خرج صلاح من غرفة والداه وجد زوجته وزوجة شقيقه جالستان في البهو فسأل زوجته سريعًا:
-فين محمود يا منى؟
أشارت بكف يدها للأعلى:
-كنت شيفاه طالع فوق السطوح وأنا نازلة من شقتي
ثم وقفت لتلحق بزوجها الذي اتجه نحو الدرج سريعًا وتحدثت وهي تجذبهُ من ذراعه:
-هو فيه إيه يا صلاح، خالي كان بيزعق ليه؟
التف لينظر لإبنة عمته وعشق طفولته ليتحدث على عُجالة:
-بعدين،بعدين هحكي لك يا منى
صعد للأعلى وتبعهُ ماجد إلى أن وصلا إلى السطوح ليجدا شقيقهما يجوب المكان ذهابًا وإيابًا بعصبية مُفرطة،اقترب عليه ماجد ليحاوط كتفه باحتواء ثم تحدث:
-إهدى يا محمود وحاول تفكر بعقلك في الموضوع
ليكمل حديثهُ صلاح قائلاً بتوجيه:
-اسمع كلام أبوك وشيل البنت دي من دماغك واقصر الشَر يا حضرة الظابط
بنبرة شديدة الحِدة هتف مأنبًا كلاهما:
-انتوا ليه محدش فيكم قادر يفهمني،أنا بحبها يا ناس،بحبها وبنيت عليها كل أحلامي ومش هقدر أكمل حياتي من غيرها
تنهد صلاح قبل أن ينطق بنبرة هادئة:
-محدش بيموت من الحب يا محمود، بكرة تنساها وتكمل حياتك من غيرها
رمق شقيقهُ بنظرة متعجبة ليهف مستنكرًا:
-إيه يا اخي الأنانية اللي إنتَ فيها دي، ولما انتَ جامد وعاقل أوي كدة، ليه مانسيتش منى وحاربت ماما وقتها لما كانت رافضة جوازك منها وعوزاك تتجوز عزة بنت خالك؟!
استاء صلاح من حِدة شقيقه الأصغر معه لكنه تمالك حاله وتحدث بابانة:
-الوضع كان يختلف وقتها يا حضرة الظابط، فيه فرق كبير بين قصتي أنا ومنى وبين حكايتك مع بنت محمد الأنصاري
واستطرد شارحًا:
-أنا حاربت علشان اتجوز بنت عمتي اللى كانت العقبة الوحيدة لجوازنا هي إن أمي وعمتي مبيحبوش بعض
ليكمل موضحًا الفرق:
-لكن سيادتك رايح تختار واحدة بينا وبينهم تار،يعني لو اخواتها الرجالة عرفوا بالموضوع هتبقى مصيبة ومش بعيد واحد منهم يتجنن ويقتلك
كان يستمع لحديث شقيقه وكل ذرة بجسده تنتفضُ غضبًا ليتحدث ماجد بنبرة هادئة مؤكدًا على كلام شقيقه:
-أخوك عنده حق يا محمود، إحنا خايفين عليك
نفض يد شقيقه عنه ليهتف بنبرة حادة وهو يرفع كفاه بصرامة:
-ممكن تسيبوني لوحدي وتتفضلوا تنزلوا، أظن كدة عملتوا اللي عليكم واللي أمركم بيه الحج عبدالله.
نظرا الشقيقان كلاهما للأخر وتنهدا بيأسٍ وتحركا لينسحبا للأسفل تاركين ذاك الذي كاد أن يصرخ بأعلى صوتٍ له لكي يخرج ما بصدرهِ من غيظ وألم وحزنٍ أصابوه،استمع لرنين هاتفهُ الخلوي فمد يده بجيب بنطاله واخرجه لينظر بشاشته التي وما أن رأي نقش اسم حبيبته به حتي شعر بالاختناق وقلة حيلته،بما سيُجيبها الأن، هل سيعترف لها بالحقيقة ويصيب قلبها بالألم، أم سيحتفظ بما حدث بقلبه لكي لا يؤلم قلبها ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
هذا ما سنتعرف إليه في الفصل القادم
يتبع.بسم الله ولا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أنتَ سبحانك إني كنت من الظالمين
نوفيلا
«يا كُل كُلي»
بقلمي روز أمين
الفصل الثالث
ظل ينظر بشاشة هاتفه بحيرة حتى انتهى الإتصال،فزفر بضيق لينظر سريعًا إلى الهاتف حيث صدح صوت رنينه من جديد ليقرر الرد على تلك المرتابة التي وما أن ضغط زِر الإجابة حتى تساءلت متلهفة:
-مبتردش عليا ليه يا محمود؟
رد عليها قائلاً بمراوغة:
-معلش يا حبيبي كنت باخد شاور والفون كان بعيد عني
قطبت جبينها وسألته متعجبة:
-شاور! هو أنتَ مش المفروض كنت قاعد مع بباك وبتفاتحه في موضوعنا؟!
أغمض عينيه وسحب شعر رأسه للخلف بعنفٍ وضيق ثم أخذ نفسًا عميقًا لاستعادة هدوئه وتحدث بابانة كاذبة:
-أنا فعلاً قولت لك كدة بس لما نزلت علشان افاتحه في موضوع خطوبتنا لقيت عندنا ضيوف ولسة موجودين لحد الوقت
كانت تستمع إليه وهي تشعر بالريبة من خلال كلماته، هي أدرى الناس بحبيبها وصوته التي استشعرت من نبراته عدم الصدق لتتحدث بنبرة مُرتعبة:
-قول لي الحقيقة ومتخبيش عليا يا محمود،بباك رفض،صح؟
وكأن بنبراتها المتألمة قد غرست بخِنجرًا بوسط قلبه ليتنهد بألمٍ عميق وتحدث بعدما قرر مصارحتها:
-أنا مش عاوزك تقلقي،أنا كنت متوقع كدة من أبويا، مهو مش معقول هيوافق من أول مرة
شهقة عالية خرجت من صدرها أخبرتهُ شدة بكائها الحار فور استماعها لخبر الرفض ليتحدث هو سريعًا:
-إهدي يا جنة وبطلي عياط، أنا وإنتِ عارفين إن الموضوع مش سهل، وكنا متوقعين الرفض
أجابتهُ بأنفاسٍ متقطعة بفضل بكائها الحار:
-أنا كنت متوقعة إن الرفض هيبقى من أبويا أنا يا محمود،مش من عندكم
واسترسلت بنبرة متألمة:
-تخيل لما بباك إنتَ يرفض، أومال بابا هيعمل إيه لما يعرف
صاح بنبرة حادة يرجع سببها لشدة توتره:
-ممكن تهدي وتبطلي عياط وتديني فرصة أشرح لك اللي حصل
صمتت فاسترسل هو موضًحا بنبرة أهديء:
-أبويا مارفضش الموضوع زي ما جه في بالك، أبويا خايف عليا وحاسس إني بفتح باب اتقفل من سنين وفتحه مش هيجب لحد خير
طب والحل يا محمود؟…سؤالاً خافتًا خرج منها باستسلام ليجيبها بطمأنه:
-متقلقيش يا قلبي،أنا هحل الموضوع وهحاول مع أبويا تاني وتالت وعاشر،ولو اضطريت اخدك ونهرب سوا ونعيش برة مصر خالص هعمل كدة،هستغنى عن شغلي وأهلي والدنيا كلها علشانك يا جنة
كان يتحدث بكثيرًا من الصدق والحماس فأجابتهُ باعتراضٍ حاد برغم عشقها الهائل له:
-إنتَ عارف كويس أوي إني عمري ما هعمل كده، مش أنا البنت اللي تخلي أبوها يطاطي راسه قدام النّاس يا محمود
تبقي مبتحبنيش يا جنة…جُملة نطقها بخيبة أمل لتهتف مصححة فهمه لحديثها:
-إنتَ عارف كويس أنا بحبك قد إيه ومتأكد إني ممكن أموت من غيرك، بس أبويا مايستاهلش مني كدة، مايستاهلش مني أصغره في البلد واخلي سيرته على كل لسان
انتهت من كلماتها لتدخل في نوبة بكاء حادة جعلت قلبه يرق لاجلها زفر بقوة ليتحدث بنبرة حنون:
-خلاص يا حبيبتي متزعليش،حقك عليا
واسترسل كي يزرع الطمأنينة داخل قلبها:
-اطمني يا قلبي،أنا هفضل ورا بابا لحد ما اقنعه، وان شاء الله هنيجي نطلب إيدك في أقرب وقت
واستطرد بنبرة عاشقة:
-مش هتبقى لحد غيري يا جنة،ومحمود مش هيبقى لحد غيرك
ابتسمت من بين دموعها ثم بدأت بتجفيفهم بكفها ليتحدث حبيبها بنبرة حنون:
-يلا يا حبيبتي إنزلي علشان ماتخديش برد، خلي بالك على نفسك يا جنة
حاضر يا محمود…جملة نطقت بها ليتحدث هو بهدوء:
-تصبحي على خير ياقلبي
وإنتَ من أهله…تحرك للأسفل ومنه للخارج تحت صياح عفاف التي باتت تهتف باسمه مع تجاهلهُ التام، تحرك شقيقه ماجد ليلحق به تحت غضب ورفض محمود التام لمرافقة شقيقه له واصرار ماجد على التواجد معه،تحرك بجانبه حتى وصل إلى قطعة أرض ملكًا لوالدهما وجلسا فوق دكة خشبية وبدأ شقيقه بمواساته تحت حزن محمود، أما جنة فتوجهت للطابق الأرضي وجدت والدها الحاج محمد يجلس فوق أريكتهُ تجاورهُ والدتها والتي كانت تسكُب مشروب الشاي داخل الأكواب لتقوم بتوزيعه على الجميع، ويلتف من حولهما أشقاء جنة الثلاث رجال وشقيقتها المتزوجة،وجهت لها والدتها سؤالاً متعجبًا:
-كنتي فوق بتعملي إيه لحد الوقت يا بنتي؟
ده أنا كل ده فكراكِ قاعدة جوة في أوضتك.
ارتبكت حين توجهت جميع الأبصار نحوها فتحدثت بنبرة خرجت متلبكة بعض الشيء:
-حسيت نفسي مخنوقة والجو كاتمة فطلعت اشم شوية هوا على السطوح
هتف شقيقها الأكبر علي مستنكرًا:
-الجو كاتمة؟ جو إيه ده اللي كاتم في شهر يناير يا متدلعة هانم
وقفت سريعًا شقيقتها ليلي وتحدثت وهي تقترب منها:
-ما انت عارف جنة كويس يا علي، طول عمرها بتزهق وبتحس إن الجو حر حتى في عز الشتا
ونظرت إلى شقيقتها وتحدثت:
-تعالي ندخل أوضتك علشان تديني شال من بتوعك أصلي بردت مرة واحدة وأنا قاعدة
اومات لها وتحركت بجانبها إلى أن ولجتا إلى الغرفة لتغلق ليلي الباب وتسألها باهتمام:
-مالك، إيه اللي قالب وشك كدة؟
نكست رأسها لتتحدث بنبرة صوت مختنقة:
-محمود فاتح بباه في موضوع جوازنا
سألتها ليلي متلهفة:
-وبعدين؟
أخذت نفسًا عميقًا ثم زفرته لتنظر لشقيقتها وتجيبها بيأسٍ:
-بباه رفض يا ليلي
لم تتفاجأ ليلي باستماعها للحديث مما جعل جنة تقطب جبينها وتسألها متعجبة:
-مش شيفاكي متفاجأة بالكلام؟
أجابتها بكثيرًا من الهدوء:
-علشان ده التصرف المتوقع من أي حد عاقل يا جنة
لتسترسل حديثها تحت ترقب الأخرى لبقية الحديث:
-موضوعك إنتَ ومحمود محكوم عليه بالفشل، وأي حد فدماغة ذرة عقل عارف انه مينفعش يحصل نسب بين العيلتين، إلا إنتَ ومحمود علشان مراية الحب عمية عيونكم
سألتها بنبرة لائمة:
-إنتَ بتواسيني ولا جايهة تلوميني؟
أجابتها بنبرة حازمة ناتجة عن هلعها عليها:
-لا ده ولا ده، أنا من الأول خالص قُولت لك بلاش السكة دي لأن أخرتها دموع ووجع قلب ليكِ وليه، بس إنتِ اللي كابرتي ومسمعتيش كلامي
نزلت دموعها بغزارة فاقتربت عليها لتسحبها باحضانها ثم تحدثت بنبرة حنون:
-أنا مش بقول لك كدة علشان تعيطي، أنا عوزاكي تفوقي وتخرجي الموضوع ده من دماغك، وعوزاكي تفكري في حاجة مهمة غايبة عنك
صمتت جنة فاستكملت الأخري بارتياب:
-إذا كان ده رد الحاج عبدالله،فمابالك برد بابا لو عرف الموضوع،ده مش بعيد تحصل مشكلة بين العيلتين ولو عرف إن إنتِ كمان عوزاه ممكن يحرمك من الكلية ومن الخروج من البيت أساسًا
ثم تحدثت ناصحة:
-علشان خاطري تنسي الموضوع ده وتبلكي رقمه من عندك قبل بابا أو حد من إخواتك الرجالة يعرف الموضوع وساعتها هتبقى مصيبة
بكت بحرقة وباتت شقيقتها تؤازرها وتشدد من احتضانها علها تهدأ
*******
مر أكثر من شهران على رفض عبدالله طلب نجله للإرتباط بجنة ومنذ ذاك اليوم أصبح محمود يتعامل مع والديه وشقيقاه بطريقه جافة بل ويتعمد عدم التواجد معهم قدر المستطاع مما ازعج عبدالله وجعله يستشيط غضبًا من نجله العنيد،حاولت عفاف بشتي الطرق أن تجعل صغيرها يتراجع ويعود كما كان ولكن هيهات،إجتمع عبدالله بصحبة زوجته ونجليه وزوجتيهما وأطفالهم حول طاولة إفطار يوم الجمعة،الجميع حاضر إلا من محمود الماكث داخل غرفته منعزل لحاله، تحدث عبدالله إلى زوجته بنبرة حازمة:
-البيه إبنك هيفضل قاعد في أوضته كدة لحد إمتى
وقفت زوجة صلاح وتحدثت بنبرة حنون:
-هروح أنده له علشان يفطر معانا يا خالي
أشارت لها عفاف لتوقفها وتحدثت بنبرة استسلامية:
-اقعدي وكملي فطارك يا منى،أنا دخلت له من شوية وقال لي إنه مش جعان
تنهد عبدالله وزفر بحدة اظهرت كم الغضب الذي يتملك منه بسبب نجله العنيد، تناول الجميع طعامه دون شهية وبعد الانتهاء تحرك عبدالله إلى غرفة نجله متغاضيًا عن كبريائه وعناده ودق بابها ثم فتح الباب لينظر على ذاك الممدد فوق الفراش ناظرًا لسقف غرفته بشرودٍ، لف وجههُ لمعرفة الداخل فسحب جسده سريعًا لأعلى بعدما رأي والده الذي تحدث بنبرة حادة:
-طب ولما أنتَ صاحي مطلعتش تفطر معانا ليه؟
تحمحم ليتحدث بنبرة هادئة:
-مليش نفس
أغلق الباب واتجه صوب الفراش ليجاور نجله الذي تنحى جانبًا ليفسح له،أخذ نفسًا عميقًا ثم زفره بهدوء ليتحدث بنبرة عاتبة:
-وبعدين معاك يا ابني، هتفضل مقاطع الكلام والأكل والشرب معانا لحد إمتي
نظر بعينيه واسترسل لائمًا:
-إنتَ بتعاقبني علشان خايف عليك؟
مش يمكن بعاقب نفسي…جملة استسلامية نطق بها ليهتف الاب بتساؤل:
-بتعاقبها على إيه؟
بقلبٍ ملتاع همس بثبات رغم المرارة التي تستقر بين مقلتيه:
-على إني مطلعتش راجل ومقدرتش أوفي بالوعد اللي عطيته للبنت الوحيدة اللي حبيتها
تنهد عبدالله بثقل وتحدث:
-الغلط كان من الاول خالص يا حضرة الظابط، مكنش المفروض تحبها من أصله وإنتَ عارف المشاكل اللي بين العيلتين
ومن إمتي قلوبنا كانت بادينا يا حاج…جملة متألمة خرجت من ذاك المعذب أوجعت قلب والده عليه، زفر بقوة ليسأله بنبرة حنون:
-يعني مفيش فايدة يا محمود
صمت الإبن ليسترسل الأب من جديد بانصياع:
-لله الأمر من قبل ومن بعد، أنا هبعت مرسال لمحمد الانصاري وأطلب إيد بنته، أما أشوف أخرتها معاك
بلهفة مفرطة نظر عليه نجله ليسأله بعجالة:
-حضرتك بتتكلم بجد، إنتَ فعلاً هتخطب لي جنة؟
اجابه الأخر بنبرة بائسة:
-أيوة بتكلم بجد، ولو اني متأكد إنه هيرفض
لو رفض أنا مستعد أروح لحد عنده وأقنعه…هكذا تحدث محمود بنبرة حماسية ليهتف عبدالله بعجالة وحدة:
-ملكش دعوة بالموضوع ده خالص، إنتَ فاهم يا محمود، أنا هبعت طرف محايد وربنا يقدم اللي فيه الخير
وافقه محمود فنهض ثم تحدث وهو يستعد للخروج من الغرفة:
-قوم يلا علشان تفطر وتشرب معايا الشاي فى الصالة برة
هب سريعًا من فوق فراشه ليلحق بوالده كي يتناول طعامه،بعث عبدالله لأحد الأشخاص ذو الهيبة في البلدة وطلب منه التوسط لنجله لدى محمد الأنصاري وطلب يد إبنته لنجله، بالفعل ذهب الشخص إلى محمد الذي انفعل ورفض الموضوع وطلب من الوسيط أن يُغلق باب النقاش في ذاك الموضوع نهائيًا وهذا ما أبلغ به الوسيط عبدالله الذى كان متوقع الرد وشكر الرجل ثم أبلغ نجله بالرد، فطلب محمود من والده السماح له بزيارة محمد الأنصاري وطلب يد جنة بنفسه، رفض عبدالله في بادئ الأمر ثم رضخ للموافقة على طلب نجله عندما رأى تألم قلبه الظاهر بعينيه
عصر اليوم التالي
توجه محمود إلى قطعة أرض مميزة مملوكة لدى محمد الأنصاري كان يحب الجلوس بها عصر كل يوم ليقوم بتوديع الغروب،وجده جالسًا بصحبة نجله الأكبر “علي” جلس بعدما ألقى التحية الحارة عليهما ثم تحدث بنبرة مهذبة:
-عمي محمد، أنا طالب إيد بنتك جنة ويشرفني أنك توافق
أبوك بعت لي من يومين مرسال وأنا بعت له الرد…كلمات نطقها محمد بجمود ليتحدث محمود سريعًا بعينين راجيتين:
-أنا مليش دعوة بالمرسال يا عم محمد، أنا جاي لك بنفسي وبترجاك توافق وأنا تحت أمرك في كل اللي تؤمر بيه من شبكة ومهر وكل طلباتك هتكون بأمر الله مجابة
هتف علي بنبرة غاضبة:
-الظاهر إن كلام الحاج مش واصل لك يا حضرة الظابط
تجاهل محمود حديثه لمعرفته بطباع “علي” الحادة ونظر إلى الحاج “محمد” يترقب إجابته فتحدث بنبرة صارمة:
-روح لحال سبيلك يا ابني، أنا معنديش بنات للجواز
بس إنتَ كده تبقي بتظلمني أنا وجنة يا عمي، ذنبنا إيه ندفع تمن غلطة حصلت لجدود جدودنا وفات عليها سنين، أي عَدل يقول إننا ندفن حُبنا وننسى أحلامنا وكل واحد مننا يتجبر يتجوز حد هو مش حاسس بيه ولا عاوزه… وبمجرد نطقهُ بتلك الكلمات أشعل النار بقلب كل من محمد وولده الذي هب واقفًا ليُمسك محمود من تلابيب جلبابه ليهتف بقوة غاضبة وعينين تطلق شزرًا:
-إنتَ بتقول إيه يا ابن التهامي، إنتَ عاوز تقول إن إنتَ وجنة أختي فيه بينكم حاجة؟
برعونة تحدث محمود بما أغضب قلب كلاهما أكثر:
-وإيه االعيب في اننا نكون معجبين ببعض وعاوزين نتجوز يا علي،ده لا عيب ولا حرام
هتف محمد بأعلى صوته بعدما فك وثاق تلابيب محمود من قبضة نجله بصعوبة:
-العيب بذات نفسه هو اللي إنتَ بتقوله يا ابن التهامية، يظهر إن الحاج عبدالله قصر في ربايتك ومعلمكش الأصول
ذُهل محمود من ردة فعلهما الحادة وتحدث بنبرة متعجبة:
-وليه الغلط ده بس يا عمي
هتف علي بنبرة تهديدية:
-الغلط لسة هتشوفه لو ممشتش من هنا حالاً
تطلع محمود إلى محمد بنظراتٍ عاتبة ثم تحرك ليغادر فأوقفهُ صوت الأخر الحاد ليستدير:
-اسمع يا ابني،الكلام اللي اتقال منك من شوية بخصوص جنة بنتي لو هلفطت بيه قدام حد هطير فيه رقاب
تطلع إليه ليتحدث بنبرة رجولية:
-إطمن يا حاج محمد، مش أنا اللي أشهر بأي بنت،فمابالك بإنسانة اتمنيت في يوم إن إسمي يرتبط باسمها
واستطرد بنبرة فخورة:
-أنا مهما كان ابن الحاج عبدالله التهامي واعرف في الأصول كويس، حتى لو حضرتك مش شايف كده
نطق كلماته وغادر المكان وعلى الفور تحرك محمد عائدًا هو وولده إلى المنزل ولجا للداخل وجد زوجته تخرج من المطبخ فسألها عن جنة أخبرته بأنها بالاعلى فنظر لأعلى الدرج ليهتف بكل صوته مناديًا:
-جنة، إنتِ يا بت يا جنة
إقتربت سامية من وقوفه وتحدثت متسائلة:
-فيه إيه يا حاج، عاوز إيه من جنة؟
رمقها بنظرة تطلق شزرًا وهتف متهكمًا:
-الوقت تعرفي يا ست سامية ياللي نايمة على ودانك وسايبة بنتك واخدة راحة راحتها
أتت جنة وتحدثت وهي تنزل من أعلى الدرج:
-خير يا بابا؟
وقبل أن يُجيبها محمد أسرع علي إليها صاعدًا الدرج ليقبض بكفه على ذراعها ويسحبها للأسفل بطريقة عنيفة جعلتها تصاب بالهلع لتصرخ وهي تتحدث:
-فيه إيه يا علي؟
أسرعت سامية إلى ابنتها وقامت باحتضانها ثم صاحت متسائلة ابنها:
-مالك ومال اختك يا ابني؟
الوقت تعرفي بمصايب بنتك المحترمة…كلمات حادة نطق بها علي لتشهق جنة وتتأوه جراء قبضة شقيقها العنيفة،أوقفها شقيقها لتقابل والدها الذي تحدث بنظرات غاضبة:
-إيه اللي بينك وبين ابن عبدالله التهامي يخليه يتجرأ وييجي يطلب إيدك مني؟
جحظت عينيها وشعرت بروحها تكاد تنسحب منها ليهتف شقيقها بحدة بعدما شعر بانهيار روحها جراء مفاجأتها بالحديث:
-إنطقي يا بت وردي على أبوكِ
تلبكت وتحدثت بارتباك:
-مفيش أي حاجة بيني وبينه يا بابا
كذابة…نطقها علي وهو يصفعها بقوة ليهتف الأب ناهرًا نجله:
-علي،إنتَ اتجننت، بتضرب أختك وقدامي؟
احتضنت سامية نجلتها التي دفنت وجهها داخل تجويف عنق والدتها وبدأت دموعها بالإنهمار ليتحدث علي مبررًا فعلته:
-غصب عني يا حاج، الكلام اللي سمعته من ابن التهامية خلى دمي يفور ويطلع على نفوخي
سألته سامية باستغراب:
-سمعت إيه من ابن الزفت ده، وإيه دخل اختك في كلامه؟!
صاح علي بغضب:
-الكلام ده تسألي بنتك عليه، بنتك اللي هتفضحنا على أخر الزمن
ليهتف محمد موجهًا حديث إلى ابنته:
-انطقي يا بنتي، ايه اللي يخلي ابن التهامية يجي يطلب ايدك مني ويقعد يقول حب واحلام ومسخرة؟!
رفعت سامية رأس ابنتها لتسألها بتعجب:
-ماتردي يا بنتي على كلام أبوكِ؟
نظرت لوالدتها وبشهقاتٍ متقطعة تحدثت بمراوغة لكي تنأى بحالها من بطش والدها وشقيقها:
-مفيش حاجه يا ماما، كل اللي حصل إنه جالي عند الجامعة وقال لي انه ناوي يتقدم لي، وطلب يعرف رأيي
وقولتي له إيه؟… سؤالاً حاد نطق به محمد لتجيبه جنة بمراوغة:
-قولت له اني مليش رأي، وإن الرأي الأول والأخير لبابا
هتف محمد بحدة:
-وإيه اللي يخليكِ تقفي تتكلمي معاه، مسبتهوش ومشيتي ليه؟
وعلى حين غِرةً رن هاتفها فارتبكت وشعر شقيقتها بريبتها فخطف منها الهاتف ونظر بشاشته لتجحظ عينيه.
يتبع.بسم الله ولا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
نوفيلا
«يا كُل كُلي»
بقلمي روز أمين
🔷الفصل الرابع🔷
شعرت بأنفاسها تنقطع وتكاد أن تزهق روحها وهي تتابع “علي” ينظر بشاشة هاتفها، جحظت عينيه وهو يري نقش اسم محمود عبدالله ليهتف متسائلاً بعد أن جذبها من خصلات شعرها واحكم قبضته:
-رقم ابن عبدالله التهامي بيعمل إيه على تليفونك؟!
إنطقي يا بت بدل ما أقتلك
إنتهى من سؤاله ليقوم بصفعها بقوة جعلتها تصرخ متأوهة،هرولت سامية لتحتضن نجلتها وتبعدها عن شقيقها الذي نهرها مجددًا بسؤالٍ غاضب:
-إنطقي يا فاجـ.ـرة
أجابته بمراوغة ونبرة متقطعة جراء شهقاتها المتعالية:
-هو اللي اداهولي يوم ما جالي عند الجامعة،قالي إنه هيكلم بابا وحابب يبلغني بموافقته بنفسه
جذب محمد الهاتف من يد نجله وأخرج الخط وقام بكسره ثم ألقى بعدة الهاتف بعرض الحائط لتنزل متهشمة،نظر لزوجته وتحدث بلهجة حادة:
-دخلي بنتك أوضتها ومن النهاردة ملهاش طلوع من عتبة البيت ولا حتى للكلية
نظرت إليه وأردفت بنبرة حزينة:
-إلا الجامعة يا بابا أرجوك، إلا الجامعة
إحمدي ربنا إني راجل بعرف ربنا وبخاف منه، وإلا كان هيبقى لي معاكي تصرف تاني… كلمات صارمة نطق بها محمد بصوتٍ غاضب وعينين تطلق شزرًا، ليقترب منها شقيقها ويتحدث بحدة:
-إنتِ لسة ليكِ عين تتكلمي
أمسك ذراعها وكاد أن يصفعها مرةً أخرى لولا صوت والده الذي صدح من خلفه ليهتف ناهرًا إياه بعدما رق قلبهُ على صغيرته المدللة:
-خلاص يا علي
ليستكمل وهو يرمق صغيرته كي يُشعرها بمدى قُبح ما فعلت:
-وإنتِ، قولت لك ادخلي أوضتك ومش عاوز أشوف خلقتك قدامي تاني
هرولت بدموعها لتختفي خلف باب غرفتها لتحكم غلقه وتُسرع إلى الفراش لتُلقي بجسدها المُنهك فوقه ولتطلق بعدها العنان لدموعها الحزينة، بالخارج هتف محمد موجهًا حديثه إلى زوجته بطريقة غليظة:
-خلي بالك من بنتك يا ست البيت، ومن النهاردة مشوفش رجلها تخطي برة البيت تاني، مفهوم؟
على الفور أجابته:
-حاضر يا أخويا بس بالله عليك تهدي حالك ليجرى لك حاجة
رمقها بنظرة مشتعلة وتحرك عائدًا إلى الخارج مرةً أخرى، نظر لها نجلها ليهتف لائمًا والدته:
-شوفتي أخرة دلعك لبنتك يا ماما،ياما قولت لك خلي بالك منها وشدي عليها
كفاية تقطيم يا علي،أنا مش ناقصة يا ابني…جملة نطقتها سامية بانهاك روحي ليتحدث علي باستسلام قبل أن ينصرف إلى الخارج ليلحق بأبيه:
-أنا عارف إنك مش متحملة كلام ومع ذلك لازم أفكرك إن إنتِ اللي استهونتي في تربيتك مع الهانم لحد ما اتجرأت ووقفت تتكلم مع شاب غريب، ومش أي شاب، ده من العيلة اللي كان جدهم السبب في موت جدي
قال كلماته وانصرف إلى الخارج وعلى الفور هرولت سامية إلى ابنتها وما أن أغلقت الباب خلفها حتى صاحت بقهرٍ:
-عملتي إيه يا مقصوفة الرقبة، وإيه اللي بينك وبين ابن عفاف إنطقي
رفعت رأسها لتتطلع ببنيتيها إلى والدتها وتحدثت بضعفٍ شطر قلب سامية:
-حتي انتِ كمان هتيجي عليا يا ماما
وبرغم دموعها التي شقت صـ.ـدرها لنصفين إلا أنها اقتربت منها وقامت بجذبها من ذراعها لتهتف بحدة:
-إتعدلي كدة ويلا انطقي بكل اللي حصل،وإوعي تحاولي تكذبي عليا زي ما عملتي مع أبوكِ وأخوكِ
نظرت بعيناي والدتها فتيقنت أنها كاشفة ما بداخل روحها ولذا قررت الإعتراف بالحقيقة لتتحدث باستسلام:
-أنا هحكي لك على كل حاجة يا ماما
أخذت نفسًا عميقًا للإستعداد وبدأت تقص عليها ما حدث،وبعدما انتهت من السرد نظرت لها سامية وتحدثت لائمة:
-إيه اللي عملتيه في نفسك ده يا جنة، بقى يوم ما قلبك يدق،يسيب كل شباب العيلة والبلد كلها ومن بين زمايلك واللي اتقدموا لك ويختار ده؟!
وهو كان بإيدي يا ماما…نطقتها بدموعها المتألمة مما جعل قلب والدتها يلين ويحزن لأجلها وتحركت لتاخذها بداخل أحضانها، رفعت رأسها لتتطلع على والدتها وتحدثت بعينين راجيتين:
-كلمي بابا يا ماما وأترجيه ميحرمنيش من الجامعة،أنا ممكن أموت لو سيبت جامعتي
تنهدت سامية ونظرت لها لتتحدث بهدوء:
-متقلقيش،على ما ييجي ميعاد الدراسة هتكون الحكاية هديت شوية وساعتها هكلمه وأتحايل عليه
ثم استطردت بطمأنينة:
-وإحمدي ربنا إنك في أجازة أخر السنة وإلا كانت هتبقى مصيبة.
هاتف محمد الانصاري عبدالله التهامي وقص عليه ما بدر من نجله ثم قام باخباره عن غضب شقيقها الأكبر وقام بتحذيره إن لم يبعد نجله عن ابنته سوف يطلق العنان لغضب علي وشقيقاه ليلحق بمحمود وحينها سيصبح الكل خاسر وما أشعل قلب محمد أن حكاية عشق إبنة الأنصاري وابن التهامية قد أشيعت بالقرية وبات الجميع يعلم بها بل ويتغنى بتمسك الفتى بغرامه،وبدوره وعده عبدالله بأن يفعل كل ما بوسعه لابعاد ابنه عنها لغلق الافواه، ذهب عبدالله إلى منزله وقام بتوبيخ ولده ونبه عليه أن يزيل من تفكيره ويعدل عن فكرة زواجه من ابنة الأنصاري وألا يعود لفتحه أبدا
لم يستمع محمود لنصيحة والده وحاول مرارًا أن يهاتف جنة وفي كل مرة يجد هاتفها مغلقًا حتى يأس وتيقن من أن والدها سحب منها الهاتف،مرت شهور الأجازة سريعًا وقبل بداية السنة الدراسية ضغط عبدالله على ولده وطلب منه بأن يقوم بخطبة إبنة لواء كي يضمن عدم تعرض نجله لجنة ويُثبت حُسن نيته أمام العهد الذي قطعه على نفسه أمام الأنصاري ولينأى بالعائلتين من بحر الدمـ.ـاء الذي كان حتمًا سيمتليء بدماء الأبرياء
عودة للحاضر
فاق محمود من شروده ليخرج تنهيدة حارة من صدره، أسند ظهره على التخت لينتبه حين أعلن هاتفه عن وصول مكالمة هاتفية ليرفع هاتفه وينظر بشاشته فابتسم بهدوء حين رأي نقش اسم صديقه المقرب سامح الذي تحدث بمجرد ضغط محمود فوق زر الإجابة:
-نايم يا حضرة الظابط ولا لسة صاحي؟
وتفتكر أنا ممكن يجي لي نوم في يوم زي ده يا سامح…كلمات نطقها محمود بقلبٍ محترق ليجيب صديقه للتخفيف عليه:
-هون على نفسك يا صاحبي وحاول تنسى علشان تقدر تعيش وتكمل حياتك
بالكاد انهى صديقه جملته ليهتف الأخر عاتبًا:
-إنتَ اللي بتطلب مني أنسي وأكمل حياتي يا سامح؟!
أمال لو مكنتش شاهد على قصة حبنا بنفسك!
أجابه بواقعية:
-كُنت شاهد وياما حظرتك إنتَ وجنة وقولت لكم بلاش تكملوا في السكة دي، بس للأسف مسمعتوش غير لقلوبكم وبس
واستطرد بنبرة بائسة:
-وأدي النتيجة،إنتَ وخطبت واحدة غصب عنك ومجبر تعيش معاها، وهي قلبها إنكسر وربنا يستر عليها وتقدر تستوعب اللي إنتَ عملته فيها
أجاب صديقه مفسراً:
-ما أنتَ عارف إني اضطريت أوافق على الخطوبة علشان أصون كرامتي وكرامة أبويا اللي إتهانت على إيد محمد الأنصاري
صمتٍ رهيب دام بينهما لمدة ثواني فاتت كساعات ليهتف هو متسائلاً:
-جنة عاملة إية؟
أجاب صديقه بنبرة حزينة:
-مش كويسة،شفتها من كام يوم وأنا رايح عند خالتي اللي ساكنة جنب بيتهم،
واستطرد متأثرًا:
-مش دي جنة اللي أنا متعود عليها، خاسة وعندها هالات سودا تحت عيونها، أول مرة أشوفها مهزومة بالشكل ده
إنفطر قلبه حزنًا وتحدث:
-ربنا يهون الفترة دي علينا إحنا الإتنين لحد ما أقدر أظبط الأمور
هتعمل إيه يا محمود؟!…نطقها صديقه بارتياب ليُجيب الأخر:
-هحارب علشانها طبعاً
زفر سامح وتحدث بنبرة حادة:
-كفاية قرارات متهورة وسيب البنت في حالها بقى يا اخي، كفاية اللي جرى لها من ورا موضوعك لحد الوقت، خالتي قالتلي إن أبوها حالف عليها مش هتكمل جامعتها
ظلا يتحدثا إلى أن أنهى المكالمة دون اقتناع محمود بكلمات صديقه الموصية بالابتعاد وغلق الموضوع نهائياً
******
مرت الأيام سريعًا وعادت جنة إلى جامعتها بعد عدة محاولات منها ووالدتها وأخذ محمد عهدًا من ابنته بالإبتعاد نهائيًا عن محمود وبدورها وعدته، مرت الأيام وجاء يوم حفل زفاف صديقة جنة بالثانوية العامة على أحد أقرباء محمود والذي أُقيم بإحدى قاعات الأفراح بالقاهرة الكبرى،سافرت جنة إلى شقيقتها ليلي للمبيت بمنزلها، ارتدت ثوبًا رقيقًا وتزينت ثم تحركت إلى قاعة الأفراح التي وما أن دلفت من بابها حتى اتجهت صوبها أعيُن الجميع لينبهروا بجمالها الخلاب،ومن بينهما صديقاي محمود في الداخلية علاء وأحمد والذي دعاهما لحضور حفل زفاف إبن عمه، اتسعت عيني علاء وتحدث بانبهار إلى صديقه المجاور أحمد:
-إيه البنت القمر اللي اقتحمت القاعة وقلبتها دي، البنت جمالها يسحر يا أحمد
ضحك صديقه ونظر له ليتحدث محذرًا إياه بعدما رأى حالة الإنبهار تطل من عينيه:
-ما تلم نفسك يا حضرة الظابط بدل ما حد من أهلها يشوفك وأنتَ هتاكولها بعنيك كدة ويروقك قدام الناس
طب ياريت حد من أهلها يشوفني، مش يمكن أصعب عليه ويجوزها لي…هكذا تحدث علاء ليسألهُ الأخر متعجبًا:
-يجوزها لك مرة واحدة،يا ابني هو أنتَ على طول كدة متهور؟
واستطرد متسائلاً:
-مش يمكن تكون متجوزة؟
لا مش متجوزة ولا حتى مخطوبة…نطقها سريعًا ليسألهُ الأخر متهكمًا:
-وعرفت منين بقى يا فصيح!
أجابهُ الأخر ساخرًا:
– مش لابسة دبلة لا في صباعها اليمين ولا في الشمال يا أذكى أخواتك
ثم استرسل وهو يعدل من ياقة حلته:
-أنا مش عارف اللي زيك قبلوه في كلية الشُرطة إزاي
تحدث أحمد بعدما رأى والدة محمود وزوجتي نجليها الكبيران وفتاة أخرى يلتفون حول طاولة بينما يجلس والدهُ مع أولاد عمومته حول طاولة كبيرة:
-تعالى نسلم على والدة محمود
أجابهُ علاء:
-خلينا لما محمود ييجي أفضل
ثم نظر بساعة يده وتحدث باستغراب:
-هو محمود إتأخر ليه كدة؟المفروض المأمورية خلصت من ساعة!
بالكاد أنهى جملتهُ ليستمع لرنين هاتفه ويتحدث بابتسامة ساخرة بعدما نظر بشاشته:
-ياريتنا كنا افتكرنا مليون جنيه
أما جنة التي ولجت لداخل القاعة وباتت تتلفت بين الحضور بحثًا عن صديقاتها، ابتسمت حين استقرت عينيها على المنضدة المتواجدون عليها تحركت صوبهم وتبادلن القبلات والأحضان لتجلس بسعادة لكنها لم تطل بسمتها، فقد إكفهرت ملامح وجهها واكتست بالحُزن حين رأت من يجلسن بالمنضدة المقابلة لها، فقد رأت عفاف تجلس بصحبة زوجتي نجليها وفتاة أخري،تيقنت أنها خطيبة حبيبها من شِدة إهتمام عفاف بها وهذا ما جعل قلبها يشتعل من غيرته
خارج القاعة كان يقف صديقاي محمود علاء وأحمد ينتظران قدومه بعدما ابلغهما من خلال الهاتف أنه على وشك الوصول أمام القاعة،وما أن وقف بسيارته وترجل منها حتى تحرك إلى أصدقاءه يصافحهما بحفاوة ليتحدث إلى علاء:
– أحمد باشا، منور الفرح يا حبيبي
ليسترسل:
-أزيك يا علاء
أجابه بعينين هائمتين:
– زى العسل
تعجب محمود ليسأل أحمد متهكمًا:
– ماله ده كمان
ضحك أحمد وهتف ليخبره:
-فى بنوتة زي القمر جوه، وصاحبك من أول ماشافها حالف ليتجوزها
هتف علاء بحبور ظهر فوق ملامحه:
-البنت زي القمر يامحمود، عليها جوز عيون يسحروا،بما إنك صاحب الفرح تعالى عرفنى عليها
ضحك محمود وتحدث وهو يتقدم صديقاه:
-أدخل أدخل، شكلك هتودينا فى داهية
داخل القاعه كانت تجلس على الطاولة بجانب زوجة أخيه التي كانت صديقتها وتحبها بشدة وتعلم بقصة حبهما وكانت تتمنى زواجها من محمود والتي تحركت لتجلس معها بمجرد رؤيتها
دخل هو بطلته الساحرة ورجولته المعهودة ولباسه الميري الذي زاد من وسامته وهيبته،كانت تبتسم لزوجة أخيه قبل أن تقع عينيها على حبيبها وذلك لوجود الطاولة التي تجلس عليها فى واجهة القاعة
وما أن رأته حتى تزلزل داخلها وثبتت نظرها نحوه وظل قلبها ينبض بشده،وبرغم ما فعلهُ بها من تحطيم لقلبها البريء، إلا أنها بمجرد رؤيتهُ كانت تريد أن تجري عليه وتختبىء داخل أحضانه التى طالما حلمت بها وتمنت الدلوف لداخلها بالحلال
لكنها سريعًا ما وعت حالها وتصنعت البرود ونظرت لاصدقاءها وعادت تتحدث وتضحك معهم وكان شيئًا لم يكن
أما هو فما أن ولج للقاعة وهو يتحدث مع صديقاه والتفت ليرى محبوبته ليهتز قلبه طربا، واعترته نشوة بالغة، وأصبحت الدنيا لا تسعه من فرط السرور عندما وقعت عيناه على فتاة أحلامه التي طالما تمناها، ظل ينظر عليها بحنينٍ واشتياقٍ جارف،فقد اشتاق رؤية عيناها حد الجنون، استفاق على لكز صديقه لكتفه حيث تحدث ليُشير بعينيه صوبها:
– أهى البنت اللي بقولك عليها قاعدة أهي يا محمود،قمر، قمر اوي بنت اللزينة
نظر له سريعًا ليتحدث بغضب:
-تقصد مين؟
تحرك سامح إليهم بعدما رأى ولوج محمود للقاعة بينما تحدث علاء بهيام:
-البت اللى مشلتش عينك من عليها من أول ما دخلنا
هتف محمود بغضبٍ عارم ظهر بعينيه:
-إلا دي يا علاء، فاهم،إلا دي
تساءل علاء باستغراب:
– يعنى إيه إلا دي؟
قاطعه محمود قائلاً بحدة:
-اللى سمعته، مفيش واحد منكم مجرد بس يبص ناحيتها، مفهوم
علاء بعدما بات يعرف من هى تلك الفتاة بالنسبة إلى محمود وذلك لأن محمود كان قد قص حكايته مع جنة لاصدقائه:
– هى دى…
وقبل أن يكمل جملته قاطعه محمود بصرامة:
– ايوه هى
واستطرد:
-ياريت نخلص بقى ونقعد
تحدث علاء معتذرًا بخجل:
-أنا أسف يا محمود، مكنتش أعرف إن دي جنة
وأديك عرفت … نطقها بحدة ليتحدث سامح بهدوء كي يهدأ من روع صديقه:
-حصل خير يا شباب،يلا بينا نقعد علشان عيون الكل علينا
تحدث أحمد كي يغير مجرى الموضوع:
-تعال الأول نسلم على مامتك، مش لطيفه ندخل ومانسلمش
بالفعل توجه جميعهم إلى طاولة والدته التى وما أن نظر صوبها حتي اهتز قلبه وغضب كثيراً بعدما وجد سارة خطيبته تجاور والدته، تحرك إلي الطاولة ونظر لوالدته بنظراتٍ لائمة، في حين تحدث علاء إلى عفاف:
-إزي حضرتك يا طنط، وحشاني والله
أجابته بملاطفة هو وصديقه:
-بس يا بكاش منك ليه، لو وحشاكم بجد كنتوا سألتوا عليا ولو حتى بتليفون
عقب على حديثها علاء:
-غصب عني والله يا طنط، ما أنتِ عارفة شغلنا صعب قد إيه ومواعيده مش بأدينا
انتهى من كلماته ليتحدث أحمد مكملاً على حديث صديقه:
-المفروض حضرتك أدرى الناس بشغلنا يا طنط
ربنا يقويكم ويحفظكم يا حبيبي…كلمات نطقتها بحنو قبل أن تنظر إلى نجلها لتتحدث متعجبة بعدما رأت تجاهل نجلها وضيق سارة منه:
-مش هتسلم على خطيبتك ولا إيه يا محمود؟
باقتضاب تحدث وهو ينظر إلى سارة:
-ازيك يا سارة
لتجيبهُ بابتسامة تحت إحتراق قلب جنة التي كانت تراقب الوضع مع مراعاتها لعدم لفت الأنظار لها:
-إزيك إنتَ يا محمود.
حول بصره إلى الطاولة التي تجلس حولها جنة وتحدث متعللاً بزوجة شقيقه:
-هروح أسلم على مُنى
تحرك تحت استياء عفاف وتحدث وهو ينظر إلى جنة بعينين متشوقتين لكل إنشٍ بوجهها:
-إزيك يا مُنى
رفعت منى بصرها إليه لتتحدث بنبرة سعيدة لأجله:
-حمدالله على السلامة يا حضرة الظابط، جيت إمتى؟
أجابها وهو يمرر عينيه على كل إنشٍ بوجه حبيبته حيث اشتاق للنظر لملامحها حد الجنون:
-أنا كويس جداً، كويس خالص لما شفتك يا منى
وحشتيني… نطقها بصوتٍ يهيمُ شوقًا دون مراعاته للمتواجدات اللواتي نظرن عليه بتعجب وبدأن يتهامسن ويتلامزن فيما بينهن على ذاك العاشق الذي تحدث بعدما فاض به الاشتياق:
-إزيك يا جنة
رفعت بصرها إليه وبكل قوة وتحدي أجابته:
-أنا تمام جداً
أنا عاوزك ديماً تبقي تمام…نطقها بحنان لتصرف عنه بصرها دون اهتمام وهي تنظر بابتسامة سعيدة نحو باب القاعة مما جعله يلتفت سريعًا صوب الجهة التي تنظر إليها ليستشيط غضبًا بعدما رأي ذكريا يلج إلى الداخل مرتديًا زيه الخاص بلباس الشرطة المصرية ويتحرك صوب جنة مبتسمًا لها مما جعل الغيرة تُشعل قلب ذاك العاشق، تحدث ذكريا إليها بعدما بسط ذراعه ليصافحها تحت وهج قلب الأخر:
-إزيك يا جنة، عاملة إيه.
أنا بخير الحمدلله يا ذكريا، طمني عليك،أخبارك إيه…هكذا تحدثت إليه لتُشعل قلب ذاك الذي يكاد ينفجر من شدة غيرته وهذا ما أسعد قلب ذكريا عندما لاحظ احمرار وجه محمود فأراد أن يزيد من اشتعال قلبه أكثر ليتحدث إليها بما أحرق قلب الأخر:
-أنا تمام،بقول لك يا جنة،أنا هتصل بـ على أخوكِ وهستأذن منه أخدك معايا في العربية وأوصلك للبلد معايا أنا وماما
ابتسمت له وقبل أن تُجيبهُ هتف ذاك الحانق متسائلاً بنبرة حادة:
– وإنتَ توصلها بصفتك إيه ان شاء الله؟
إلتفت إليه وابتسم بشماتة ليجيبه:
-بصفتي خطيبها.
يتبع.