منوعات

ياكل كلي لروز امين

بسم الله ولا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

نوفيلا
«يا كُل كُلي»
بقلمي روز أمين

🔷الفصل الرابع🔷

شعرت بأنفاسها تنقطع وتكاد أن تزهق روحها وهي تتابع “علي” ينظر بشاشة هاتفها، جحظت عينيه وهو يري نقش اسم محمود عبدالله ليهتف متسائلاً بعد أن جذبها من خصلات شعرها واحكم قبضته:
-رقم ابن عبدالله التهامي بي

إنتهى من سؤاله ليقوم بصفعها بقوة جعلتها تصرخ متأوهة،هرولت سامية لتحتضن نجلتها وتبعدها عن شقيقها الذي نهرها مجددًا بسؤالٍ غاضب:
-إنطقي يا فاجـ.ـرة

أجابته بمراوغة ونبرة متقطعة جراء شهقاتها المتعالية:
-هو اللي اداهولي يوم ما جالي عند الجامعة،قالي إنه هيكلم بابا وحابب يبلغني بموافقته بنفسه

جذب محمد الهاتف من يد نجله وأخرج الخط وقام بكسره ثم ألقى بعدة الهاتف بعرض الحائط لتنزل متهشمة،نظر لزوجته وتحدث بلهجة حادة:
-دخلي بنتك أوضتها ومن النهاردة ملهاش طلوع من عتبة البيت ولا حتى للكلية

نظرت إليه وأردفت بنبرة حزينة:
-إلا الجامعة يا بابا أرجوك، إلا الجامعة
إحمدي ربنا إني راجل بعرف ربنا وبخاف منه، وإلا كان هيبقى لي معاكي تصرف تاني… كلمات صارمة نطق بها محمد بصوتٍ غاضب وعينين تطلق شزرًا، ليقترب منها شقيقها ويتحدث بحدة:
-إنتِ لسة ليكِ عين تتكلمي

أمسك ذراعها وكاد أن يصفعها مرةً أخرى لولا صوت والده الذي صدح من خلفه ليهتف ناهرًا إياه بعدما رق قلبهُ على صغيرته المدللة:
-خلاص يا علي
ليستكمل وهو يرمق صغيرته كي يُشعرها بمدى قُبح ما فعلت:
-وإنتِ، قولت لك ادخلي أوضتك ومش عاوز أشوف خلقتك قدامي تاني

هرولت بدموعها لتختفي خلف باب غرفتها لتحكم غلقه وتُسرع إلى الفراش لتُلقي بجسدها المُنهك فوقه ولتطلق بعدها العنان لدموعها الحزينة، بالخارج هتف محمد موجهًا حديثه إلى زوجته بطريقة غليظة:
-خلي بالك من بنتك يا ست البيت، ومن النهاردة مشوفش رجلها تخطي برة البيت تاني، مفهوم؟

على الفور أجابته:
-حاضر يا أخويا بس بالله عليك تهدي حالك ليجرى لك حاجة

رمقها بنظرة مشتعلة وتحرك عائدًا إلى الخارج مرةً أخرى، نظر لها نجلها ليهتف لائمًا والدته:
-شوفتي أخرة دلعك لبنتك يا ماما،ياما قولت لك خلي بالك منها وشدي عليها

كفاية تقطيم يا علي،أنا مش ناقصة يا ابني…جملة نطقتها سامية بانهاك روحي ليتحدث علي باستسلام قبل أن ينصرف إلى الخارج ليلحق بأبيه:
-أنا عارف إنك مش متحملة كلام ومع ذلك لازم أفكرك إن إنتِ اللي استهونتي في تربيتك مع الهانم لحد ما اتجرأت ووقفت تتكلم مع شاب غريب، ومش أي شاب، ده من العيلة اللي كان جدهم السبب في موت جدي

قال كلماته وانصرف إلى الخارج وعلى الفور هرولت سامية إلى ابنتها وما أن أغلقت الباب خلفها حتى صاحت بقهرٍ:
-عملتي إيه يا مقصوفة الرقبة، وإيه اللي بينك وبين ابن عفاف إنطقي

رفعت رأسها لتتطلع ببنيتيها إلى والدتها وتحدثت بضعفٍ شطر قلب سامية:
-حتي انتِ كمان هتيجي عليا يا ماما

وبرغم دموعها التي شقت صـ.ـدرها لنصفين إلا أنها اقتربت منها وقامت بجذبها من ذراعها لتهتف بحدة:
-إتعدلي كدة ويلا انطقي بكل اللي حصل،وإوعي تحاولي تكذبي عليا زي ما عملتي مع أبوكِ وأخوكِ

نظرت بعيناي والدتها فتيقنت أنها كاشفة ما بداخل روحها ولذا قررت الإعتراف بالحقيقة لتتحدث باستسلام:
-أنا هحكي لك على كل حاجة يا ماما
أخذت نفسًا عميقًا للإستعداد وبدأت تقص عليها ما حدث،وبعدما انتهت من السرد نظرت لها سامية وتحدثت لائمة:
-إيه اللي عملتيه في نفسك ده يا جنة، بقى يوم ما قلبك يدق،يسيب كل شباب العيلة والبلد كلها ومن بين زمايلك واللي اتقدموا لك ويختار ده؟!

وهو كان بإيدي يا ماما…نطقتها بدموعها المتألمة مما جعل قلب والدتها يلين ويحزن لأجلها وتحركت لتاخذها بداخل أحضانها، رفعت رأسها لتتطلع على والدتها وتحدثت بعينين راجيتين:
-كلمي بابا يا ماما وأترجيه ميحرمنيش من الجامعة،أنا ممكن أموت لو سيبت جامعتي

تنهدت سامية ونظرت لها لتتحدث بهدوء:
-متقلقيش،على ما ييجي ميعاد الدراسة هتكون الحكاية هديت شوية وساعتها هكلمه وأتحايل عليه
ثم استطردت بطمأنينة:
-وإحمدي ربنا إنك في أجازة أخر السنة وإلا كانت هتبقى مصيبة.

هاتف محمد الانصاري عبدالله التهامي وقص عليه ما بدر من نجله ثم قام باخباره عن غضب شقيقها الأكبر وقام بتحذيره إن لم يبعد نجله عن ابنته سوف يطلق العنان لغضب علي وشقيقاه ليلحق بمحمود وحينها سيصبح الكل خاسر وما أشعل قلب محمد أن حكاية عشق إبنة الأنصاري وابن التهامية قد أشيعت بالقرية وبات الجميع يعلم بها بل ويتغنى بتمسك الفتى بغرامه،وبدوره وعده عبدالله بأن يفعل كل ما بوسعه لابعاد ابنه عنها لغلق الافواه، ذهب عبدالله إلى منزله وقام بتوبيخ ولده ونبه عليه أن يزيل من تفكيره ويعدل عن فكرة زواجه من ابنة الأنصاري وألا يعود لفتحه أبدا

لم يستمع محمود لنصيحة والده وحاول مرارًا أن يهاتف جنة وفي كل مرة يجد هاتفها مغلقًا حتى يأس وتيقن من أن والدها سحب منها الهاتف،مرت شهور الأجازة سريعًا وقبل بداية السنة الدراسية ضغط عبدالله على ولده وطلب منه بأن يقوم بخطبة إبنة لواء كي يضمن عدم تعرض نجله لجنة ويُثبت حُسن نيته أمام العهد الذي قطعه على نفسه أمام الأنصاري ولينأى بالعائلتين من بحر الدمـ.ـاء الذي كان حتمًا سيمتليء بدماء الأبرياء

عودة للحاضر
فاق محمود من شروده ليخرج تنهيدة حارة من صدره، أسند ظهره على التخت لينتبه حين أعلن هاتفه عن وصول مكالمة هاتفية ليرفع هاتفه وينظر بشاشته فابتسم بهدوء حين رأي نقش اسم صديقه المقرب سامح الذي تحدث بمجرد ضغط محمود فوق زر الإجابة:
-نايم يا حضرة الظابط ولا لسة صاحي؟

وتفتكر أنا ممكن يجي لي نوم في يوم زي ده يا سامح…كلمات نطقها محمود بقلبٍ محترق ليجيب صديقه للتخفيف عليه:
-هون على نفسك يا صاحبي وحاول تنسى علشان تقدر تعيش وتكمل حياتك

بالكاد انهى صديقه جملته ليهتف الأخر عاتبًا:
-إنتَ اللي بتطلب مني أنسي وأكمل حياتي يا سامح؟!
أمال لو مكنتش شاهد على قصة حبنا بنفسك!

أجابه بواقعية:
-كُنت شاهد وياما حظرتك إنتَ وجنة وقولت لكم بلاش تكملوا في السكة دي، بس للأسف مسمعتوش غير لقلوبكم وبس

واستطرد بنبرة بائسة:
-وأدي النتيجة،إنتَ وخطبت واحدة غصب عنك ومجبر تعيش معاها، وهي قلبها إنكسر وربنا يستر عليها وتقدر تستوعب اللي إنتَ عملته فيها

أجاب صديقه مفسراً:
-ما أنتَ عارف إني اضطريت أوافق على الخطوبة علشان أصون كرامتي وكرامة أبويا اللي إتهانت على إيد محمد الأنصاري

صمتٍ رهيب دام بينهما لمدة ثواني فاتت كساعات ليهتف هو متسائلاً:
-جنة عاملة إية؟

أجاب صديقه بنبرة حزينة:
-مش كويسة،شفتها من كام يوم وأنا رايح عند خالتي اللي ساكنة جنب بيتهم،
واستطرد متأثرًا:
-مش دي جنة اللي أنا متعود عليها، خاسة وعندها هالات سودا تحت عيونها، أول مرة أشوفها مهزومة بالشكل ده

إنفطر قلبه حزنًا وتحدث:
-ربنا يهون الفترة دي علينا إحنا الإتنين لحد ما أقدر أظبط الأمور

هتعمل إيه يا محمود؟!…نطقها صديقه بارتياب ليُجيب الأخر:
-هحارب علشانها طبعاً

زفر سامح وتحدث بنبرة حادة:
-كفاية قرارات متهورة وسيب البنت في حالها بقى يا اخي، كفاية اللي جرى لها من ورا موضوعك لحد الوقت، خالتي قالتلي إن أبوها حالف عليها مش هتكمل جامعتها

ظلا يتحدثا إلى أن أنهى المكالمة دون اقتناع محمود بكلمات صديقه الموصية بالابتعاد وغلق الموضوع نهائياً

******
مرت الأيام سريعًا وعادت جنة إلى جامعتها بعد عدة محاولات منها ووالدتها وأخذ محمد عهدًا من ابنته بالإبتعاد نهائيًا عن محمود وبدورها وعدته، مرت الأيام وجاء يوم حفل زفاف صديقة جنة بالثانوية العامة على أحد أقرباء محمود والذي أُقيم بإحدى قاعات الأفراح بالقاهرة الكبرى،سافرت جنة إلى شقيقتها ليلي للمبيت بمنزلها، ارتدت ثوبًا رقيقًا وتزينت ثم تحركت إلى قاعة الأفراح التي وما أن دلفت من بابها حتى اتجهت صوبها أعيُن الجميع لينبهروا بجمالها الخلاب،ومن بينهما صديقاي محمود في الداخلية علاء وأحمد والذي دعاهما لحضور حفل زفاف إبن عمه، اتسعت عيني علاء وتحدث بانبهار إلى صديقه المجاور أحمد:
-إيه البنت القمر اللي اقتحمت القاعة وقلبتها دي، البنت جمالها يسحر يا أحمد

ضحك صديقه ونظر له ليتحدث محذرًا إياه بعدما رأى حالة الإنبهار تطل من عينيه:
-ما تلم نفسك يا حضرة الظابط بدل ما حد من أهلها يشوفك وأنتَ هتاكولها بعنيك كدة ويروقك قدام الناس

طب ياريت حد من أهلها يشوفني، مش يمكن أصعب عليه ويجوزها لي…هكذا تحدث علاء ليسألهُ الأخر متعجبًا:
-يجوزها لك مرة واحدة،يا ابني هو أنتَ على طول كدة متهور؟
واستطرد متسائلاً:
-مش يمكن تكون متجوزة؟
لا مش متجوزة ولا حتى مخطوبة…نطقها سريعًا ليسألهُ الأخر متهكمًا:
-وعرفت منين بقى يا فصيح!
أجابهُ الأخر ساخرًا:
– مش لابسة دبلة لا في صباعها اليمين ولا في الشمال يا أذكى أخواتك
ثم استرسل وهو يعدل من ياقة حلته:
-أنا مش عارف اللي زيك قبلوه في كلية الشُرطة إزاي

تحدث أحمد بعدما رأى والدة محمود وزوجتي نجليها الكبيران وفتاة أخرى يلتفون حول طاولة بينما يجلس والدهُ مع أولاد عمومته حول طاولة كبيرة:
-تعالى نسلم على والدة محمود

أجابهُ علاء:
-خلينا لما محمود ييجي أفضل
ثم نظر بساعة يده وتحدث باستغراب:
-هو محمود إتأخر ليه كدة؟المفروض المأمورية خلصت من ساعة!
بالكاد أنهى جملتهُ ليستمع لرنين هاتفه ويتحدث بابتسامة ساخرة بعدما نظر بشاشته:
-ياريتنا كنا افتكرنا مليون جنيه

أما جنة التي ولجت لداخل القاعة وباتت تتلفت بين الحضور بحثًا عن صديقاتها، ابتسمت حين استقرت عينيها على المنضدة المتواجدون عليها تحركت صوبهم وتبادلن القبلات والأحضان لتجلس بسعادة لكنها لم تطل بسمتها، فقد إكفهرت ملامح وجهها واكتست بالحُزن حين رأت من يجلسن بالمنضدة المقابلة لها، فقد رأت عفاف تجلس بصحبة زوجتي نجليها وفتاة أخري،تيقنت أنها خطيبة حبيبها من شِدة إهتمام عفاف بها وهذا ما جعل قلبها يشتعل من غيرته

خارج القاعة كان يقف صديقاي محمود علاء وأحمد ينتظران قدومه بعدما ابلغهما من خلال الهاتف أنه على وشك الوصول أمام القاعة،وما أن وقف بسيارته وترجل منها حتى تحرك إلى أصدقاءه يصافحهما بحفاوة ليتحدث إلى علاء:
– أحمد باشا، منور الفرح يا حبيبي
ليسترسل:
-أزيك يا علاء
أجابه بعينين هائمتين:
– زى العسل
تعجب محمود ليسأل أحمد متهكمًا:
– ماله ده كمان
ضحك أحمد وهتف ليخبره:
-فى بنوتة زي القمر جوه، وصاحبك من أول ماشافها حالف ليتجوزها

هتف علاء بحبور ظهر فوق ملامحه:
-البنت زي القمر يامحمود، عليها جوز عيون يسحروا،بما إنك صاحب الفرح تعالى عرفنى عليها

ضحك محمود وتحدث وهو يتقدم صديقاه:
-أدخل أدخل، شكلك هتودينا فى داهية

داخل القاعه كانت تجلس على  الطاولة بجانب زوجة أخيه التي كانت صديقتها وتحبها بشدة وتعلم بقصة حبهما وكانت تتمنى زواجها من محمود والتي تحركت لتجلس معها بمجرد رؤيتها

دخل هو بطلته الساحرة ورجولته المعهودة ولباسه الميري الذي زاد من وسامته وهيبته،كانت تبتسم لزوجة أخيه قبل أن تقع عينيها على حبيبها وذلك لوجود الطاولة التي تجلس عليها فى واجهة القاعة
وما أن رأته حتى تزلزل داخلها وثبتت نظرها نحوه وظل قلبها ينبض بشده،وبرغم ما فعلهُ بها من تحطيم لقلبها البريء، إلا أنها بمجرد رؤيتهُ كانت تريد أن تجري عليه وتختبىء داخل أحضانه التى طالما حلمت بها وتمنت الدلوف لداخلها بالحلال
لكنها سريعًا ما وعت حالها وتصنعت البرود ونظرت لاصدقاءها وعادت تتحدث وتضحك معهم وكان شيئًا لم يكن
أما هو فما أن ولج للقاعة وهو يتحدث مع صديقاه والتفت ليرى محبوبته ليهتز قلبه طربا، واعترته نشوة بالغة، وأصبحت الدنيا لا تسعه من فرط السرور عندما وقعت عيناه على فتاة أحلامه التي طالما تمناها، ظل ينظر عليها بحنينٍ واشتياقٍ جارف،فقد اشتاق رؤية عيناها حد الجنون، استفاق على لكز صديقه لكتفه حيث تحدث ليُشير بعينيه صوبها:
– أهى البنت اللي بقولك عليها قاعدة أهي يا محمود،قمر، قمر اوي بنت اللزينة

نظر له سريعًا ليتحدث بغضب:
-تقصد مين؟

تحرك سامح إليهم بعدما رأى ولوج محمود للقاعة بينما تحدث علاء بهيام:
-البت اللى مشلتش عينك من عليها من أول ما دخلنا

هتف محمود بغضبٍ عارم ظهر بعينيه:
-إلا دي يا علاء، فاهم،إلا دي

تساءل علاء باستغراب:
– يعنى إيه إلا دي؟

قاطعه محمود قائلاً بحدة:
-اللى سمعته، مفيش واحد منكم مجرد بس يبص ناحيتها، مفهوم

علاء بعدما بات يعرف من هى تلك الفتاة بالنسبة إلى محمود وذلك لأن محمود كان قد قص حكايته مع جنة لاصدقائه:
– هى دى…
وقبل أن يكمل جملته قاطعه محمود بصرامة:
– ايوه هى
واستطرد:
-ياريت نخلص بقى ونقعد

تحدث علاء معتذرًا بخجل:
-أنا أسف يا محمود، مكنتش أعرف إن دي جنة
وأديك عرفت … نطقها بحدة ليتحدث سامح بهدوء كي يهدأ من روع صديقه:
-حصل خير يا شباب،يلا بينا نقعد علشان عيون الكل علينا

تحدث أحمد كي يغير مجرى الموضوع:
-تعال الأول نسلم على مامتك، مش لطيفه ندخل ومانسلمش

بالفعل توجه جميعهم إلى طاولة والدته التى وما أن نظر صوبها حتي اهتز قلبه وغضب كثيراً بعدما وجد سارة خطيبته تجاور والدته، تحرك إلي الطاولة ونظر لوالدته بنظراتٍ لائمة، في حين تحدث علاء إلى عفاف:
-إزي حضرتك يا طنط، وحشاني والله

أجابته بملاطفة هو وصديقه:
-بس يا بكاش منك ليه، لو وحشاكم بجد كنتوا سألتوا عليا ولو حتى بتليفون

عقب على حديثها علاء:
-غصب عني والله يا طنط، ما أنتِ عارفة شغلنا صعب قد إيه ومواعيده مش بأدينا

انتهى من كلماته ليتحدث أحمد مكملاً على حديث صديقه:
-المفروض حضرتك أدرى الناس بشغلنا يا طنط

ربنا يقويكم ويحفظكم يا حبيبي…كلمات نطقتها بحنو قبل أن تنظر إلى نجلها لتتحدث متعجبة بعدما رأت تجاهل نجلها وضيق سارة منه:
-مش هتسلم على خطيبتك ولا إيه يا محمود؟

باقتضاب تحدث وهو ينظر إلى سارة:
-ازيك يا سارة
لتجيبهُ بابتسامة تحت إحتراق قلب جنة التي كانت تراقب الوضع مع مراعاتها لعدم لفت الأنظار لها:
-إزيك إنتَ يا محمود.
حول بصره إلى الطاولة التي تجلس حولها جنة وتحدث متعللاً بزوجة شقيقه:
-هروح أسلم على مُنى

تحرك تحت استياء عفاف وتحدث وهو ينظر إلى جنة بعينين متشوقتين لكل إنشٍ بوجهها:
-إزيك يا مُنى
رفعت منى بصرها إليه لتتحدث بنبرة سعيدة لأجله:
-حمدالله على السلامة يا حضرة الظابط، جيت إمتى؟

أجابها وهو يمرر عينيه على كل إنشٍ بوجه حبيبته حيث اشتاق للنظر لملامحها حد الجنون:
-أنا كويس جداً، كويس خالص لما شفتك يا منى
وحشتيني… نطقها بصوتٍ يهيمُ شوقًا دون مراعاته للمتواجدات اللواتي نظرن عليه بتعجب وبدأن يتهامسن ويتلامزن فيما بينهن على ذاك العاشق الذي تحدث بعدما فاض به الاشتياق:
-إزيك يا جنة

رفعت بصرها إليه وبكل قوة وتحدي أجابته:
-أنا تمام جداً
أنا عاوزك ديماً تبقي تمام…نطقها بحنان لتصرف عنه بصرها دون اهتمام وهي تنظر بابتسامة سعيدة نحو باب القاعة مما جعله يلتفت سريعًا صوب الجهة التي تنظر إليها ليستشيط غضبًا بعدما رأي ذكريا يلج إلى الداخل مرتديًا زيه الخاص بلباس الشرطة المصرية ويتحرك صوب جنة مبتسمًا لها مما جعل الغيرة تُشعل قلب ذاك العاشق، تحدث ذكريا إليها بعدما بسط ذراعه ليصافحها تحت وهج قلب الأخر:
-إزيك يا جنة، عاملة إيه.

أنا بخير الحمدلله يا ذكريا، طمني عليك،أخبارك إيه…هكذا تحدثت إليه لتُشعل قلب ذاك الذي يكاد ينفجر من شدة غيرته وهذا ما أسعد قلب ذكريا عندما لاحظ احمرار وجه محمود فأراد أن يزيد من اشتعال قلبه أكثر ليتحدث إليها بما أحرق قلب الأخر:
-أنا تمام،بقول لك يا جنة،أنا هتصل بـ على أخوكِ وهستأذن منه أخدك معايا في العربية وأوصلك للبلد معايا أنا وماما

ابتسمت له وقبل أن تُجيبهُ هتف ذاك الحانق متسائلاً بنبرة حادة:
– وإنتَ توصلها بصفتك إيه ان شاء الله؟
إلتفت إليه وابتسم بشماتة ليجيبه:
-بصفتي خطيبها.
يتبع.

الفصل الخامس
«يا كُل كُلي»
بقلم روز أمين

جحظت عينيه وعلى الفور حول بصره إلى تلك المبتسمة ليسألها بارتيابٍ ظهر بعينيه:
-الكلام اللي بيقوله ذكريا ده حقيقي يا جنة؟!

رمقته بنظرة ساخرة ليجيبهُ هو بدلاً عنها:
-وهو الكلام ده فيه هزار يا حضرة الظابط؟

بعينين مشتعلتين هتف الأخر بحدة:
-أنا بسألها هي ما وجهتلكش كلام علشان تجاوبني.

قطع حديثهما اقتراب والدة ذكريا حيث أتت من الطاولة التي تجلس عليها لتتحدث إلى محمود بابتسامة هادئة:
– إزيك يا محمود

أجابها بنبرة خرجت حادة لم يستطع السيطرة عليها:
-الله يسلمك يا طنط
ثم سألت ولدها بعدما حاوطت ظهره بذراعها بحنان:
-واقف كدة ليه يا حضرة الظابط
لتستطرد وهي تنظر على جنة وصديقتيها بعدما رأت نظرات نجلها السعيدة:
-مش هتعرفني بالقمرات يا ذكريا

تحدث بحبورٍ وهو يتطلع على جنة مشيرًا بكف يده عليها:
-دي جنة بنت الحاج محمد الأنصاري اللي كلمتك عنها يا ماما

ارتسمت ابتسامة واسعة فوق ثغرها لتتجه على عُجالة صوب جلوسها وعلى الفور وقفت جنة لاستقبالها لتتحدث المرأة بانبهارٍ:
-ماشاء الله، ده أنتِ طلعتي زي القمر يا جنة،بالظبط زي ما وصفك ذكريا

ابتسمت جنة وتحدثت شاكرة:
-متشكرة يا طنط
اقتربت عليها المرأة وتحدثت وهي تحتضنها لتقوم بتقبيل وجنتيها:
-تعالي في حضني لما أبوسك، وإن شاءالله هزوركم في البيت أنا وذكريا قريب

كان يستمع إلى الجميع بذهولٍ وعينين متسعتين جراء عدم تصديق ما يدور أمامه، استفاق على صوت والدته الذي صدح من خلفه ناطقتًا باسمه ، نظر إليها بعينين تستشيطُ غضبًا وتحدث باقتضاب:
-جاي يا ماما
ثم تحدث وهو يرمق جنة بنظراتٍ توعدية قبل ان يتحرك رُغمًا عنه:
-بعد إذنكم
تحرك إلى طاولة والدته تحت اشتعال صدر تلك العاشقة ليتحدث بوجهٍ قاتم إلى والدته:
-فيه إيه يا ماما،عمالة تندهي ليه؟
أجابته بضيق مشيرة بكفها إلى سارة:
-بنده لك علشان تقعد مع خطيبتك يا محمود

جلس على مضض ثم حول نظره إلى جنة ليتابع ما يحدث تحت غضب سارة من تجاهله لشخصها،كان يشعر بروحه تحترق وهو يرى تلك السيدة الغليظة تحتوى جنة بذراعها وكأنها أصبحت خطيبة نجلها بالفعل مما جعل تنفسهُ يزداد مع إحتدام نظراته الموجهة إلى ذاك الغليظ المسمى بذكريا، زفرت سارة بضيق بعدما شاهدته ينظر بتركيز على صديقه وتلك الفتاة التي لم يبعد بناظريه عن وجهها، لاحظت عفاف عبوس وجه سارة مما اغضبها فنظرت لنجلها وتحدثت بلهجة حادة:
-قوم أقعد مع بابا واخواتك على التربيزة بتاعتهم يا حضرة الظابط
حول بصره إليها وهتف بنبرة رخمة:
-أنا مرتاح هنا يا ماما
واستطرد بحديثٍ ذات مغزى وهو ينظر إلى سارة:
-ولا ده كمان بالغصب؟

ضيقت سارة عينيها متعجبة حديث محمود الذي وما أن انتهى من جملته حتى عاد ببصره مرةً أخرى يتطلع على جنة،تنهد براحة حين وجد ذاك اللزج قد اصطحب والدته وعادا لطاولتهما،أتت أيضاً منى زوجة أخيه وجلست بالمقعد المجاور له فهمس لها مستفهمًا بنبرة حادة:
-اللي اسمه ذكريا اتقدم فعلاً لجنة يا منى؟

تنهدت قبل أن تنظر إليه لتجيبه بأسى:
-أيوة يا محمود
سألها بضيق:
-والهانم بقى رأيها إيه؟
لسة بتفكر…نطقت بها قبل أن يهتف ذاك الحانق بعينين تطلق شزراً:
-تبقى ناوية علي موتها وموت الحيوان ده قبل منها

نظرت إليه بذعرٍ فالتفت هو بعينين مشتعلتين على تلك التي وقفت لتتجه بطريقها إلى خارج القاعة بعد أن أتاها اتصال هاتفي من شقيقتها وخرجت لتجيبها، نهض وعلى عجالة تحرك خلفها مما ازعج عفاف وأثار فضول سارة، وقف خلفها صامتاً لحين انتهائها من الاتصال حيث كانت ليلى تطمأن عليها وتسألها متى سينتهي حفل الزفاف لكي تبعث لها بزوجها ليصطحبها إلي منزلهما، ابلغتها أن الحفل سينتهي بعد حوالي الساعة وما أن انتهت واستدارت لتعود لداخل الحفل حتي كادت أن تصتدم به لولا رجوعها للخلف سريعًا لتتحول ملامحها إلى غاضبة وهي تهتف قائلة:
-مش تحاسب يا أخينا
ضيق بين عينيه قبل أن يسألها متعجبًا:
-أخينا؟! هي وصلت لكدة؟
اخذ نفسًا عاليًا ليهدئ من روعه قبل أن يتحدث بنبرة حادة:
-ما علينا يا جنة، خلينا الوقت في المهم
واستطرد بعينين يتطاير منهما الغضب:
-الزفت اللي اسمه ذكريا اتقدم لك بجد

وقبل أن تُجيبه وجد صوت من يصدح من خلفه ليجيبه بتعالي:
-هو أنتَ يا ابني الفهم عندك بقى بطئ ولا إيه، إنتَ مش لسة من شوية سائلها نفس السؤال ده وجاوبناك أنا وهي جوة

استدار ليجابهه قبل أن ينطق متعديًا باللفظ:
-وإنتَ مال امك يا سمج
أمسكهُ ذكريا من ذراعه ثم تحدث بنبرة غاضبة:
-إنتَ بتكلمني أنا بالطريقة دي يا حقير؟

امسك كفه وبات يفركهُ بعُنفٍ بقبضته ليتحدث بحنقٍ:
-أيوة يا روح أمك بكلمك إنتَ، وكلمة زيادة قسماً بربي لامرمط بكرامتك الأرض واخليك فرجة للناس الموجودة دي كلها
ارتعب داخلها وتحدثت بنبرة توسلية بعدما وجدتهما قد تشابكا بالايدي استعدادًا لتسديد كلً منها الضـ,ـرب للأخر:
-أرجوكم تبعدوا عن بعض، أنا مش عاوزة فضايح

إدخلي إنتِ جوة يا حبيبتي لحد ما أعلمه الأدب وادخل لك…كلمات نطق بها ذكريا أثارت جنون ذاك العاشق ودفعهُ لتسديد لكمة قوية له بعدما غلت الدماء بعروقه بعدما استمع غريمه وهو ينسب حبيبته له ليهتف بسخطٍ:
-حبيبة مين يا سخيف يا عديم الرجولة

ترنح ذكريا على أثر اللكمة وقبل أن يقوم بردها له اسرع عليهم أحمد وعلاء وسامح بعدما تحركوا خلفهم فور مشاهدتهم لخروج ذكريا وتلتهم عفاف التي كانت تراقب الوضع عن كثب،تحرك سامح لابعاد محمود في حين قاما علاء واحمد بسحب ذكريا للخلف ليهتف بغضبٍ عارم وهو يحاول التملص ليهجم علي ذاك الواقف بثباتٍ أمام تلك المرتعبة والتي تضع كفها فوق فاهها وجسدها بالكامل ينتفضُ هلعاً:
-سيبوني عليه علشان أعرفه مقامه ابن الكلب ده

تحرك محمود متوجهاً صوبه استعدادًا للهجوم عليه وتسديد المزيد له من اللكمات وذلك بعدما استمع لسباب والده باذنيه لتسرع اليه عفاف وتقف امامه لتمنعه من المرور قائلة:
-خلاص يا محمود، كفيانا فضايح
ونظرت الي ذكريا لتهتف معنفتًا إياه:
-وإنتَ، تشكر يا ابن الاصول على سبك للراجل اللي ياما كلت عيش وملح في بيته أيام ماكنت في الثانوية
رد على حديثها بنبرة إلى حدٍ ما هادئة:
-هو إنتِ يا خالتي مشفتيش كلمني إزاي، ولا هتعملي زيه وتبصي للناس على إنهم أقل منكم؟
أجابته بقوة:
-الله يسامحك يا ذكريا، أنا عمري ما بصيت لحد على إنه أقل مني ، بس كنت متعشمه تركن زعلك مع صاحبك على جنب ومتغلطتش في راجل زي أبوك

جذب احمد وعلاء ذكريا وخرجا به إلى خارج القاعة وحاولا السيطرة على غضبه وبالاخير نجحا،أما تلك المرتعبة التي حاولت التماسك بعد فض الاشتباك الذى حدث بسببها، تنفست ثم خطت بساقيها المرتعشتان لتتحرك باتجاه باب القاعة لولا ذاك الذي جذبها من رسغها بحركة مباغتة جعلتها تجحظ عينيها لتهتف بصوتٍ غاضب وهي تجذب رسغها بقوة:
-سيب إيدي
هتف بنبرة اعنف من نبرتها:
-لازم نتكلم
مفيش بينا كلام علشان يتقال… هكذا جابهتهُ بحديثها ليهتف بغضبٍ عارم:
-لا فيه يا جنة، وريحي نفسك علشان مش هتتحركي من هنا غير لما نتكلم وتسمعي الكلام اللي أنا عايز أقوله
اسرعت عفاف إليه بعدما رأت غضب وهلع جنة بيِن بعينيها لتجذب يد إبنها الممسكة بخاصة جنة وهي تهتف غاضبة:
-سيب إيدها خليها تمشي
لتستكمل ناهرة إياه بعدما شدد من قبضة يده على رسغها بحركة تملكية:
-إنتَ إتجننت؟!

رمقها بنظرة غاضبة ليصيح بحِدة:
-من فضلك يا امي، مش هسمح لمخلوق يتدخل ويبعدني عن جنة تاني، كفاية بقى لحد كدة، كفااااية
من فضلك سيبني أمشي…جُملة نطقتها بدموعها الحارة لينظر داخل عينيها ويتحدث:
-مش هسيبك يا جنة، انا خلاص، يا قاتل يا مقتول في موضوعنا النهاردة

شهقت عفاف بارتعاب قبل أن ينظر إليها ويطالبها بالمغادرة، تنهدت واتجهت للداخل تاركة لهما المجال بعدما تيقنت من إصرار نجلها، نظر لعينيها وسألها مجددًا والغيرة تنهشُ داخله:
-قولي لي الحقيقة وريحي قلبي يا جنة

اتسعت عينيها وبغضبٍ شديد هتفت:
-يا بجاحتك يا اخي، بقى بتطلب مني أريح قلبك وإنتَ دمرت لي حياتي كلها،طب إديني سبب واحد يخليني أعمل فيك معروف واريح لك قلبك زي ما بتقول

تطلع إليها بعينين طالبة الرحمة فهتفت بحقدٍ من بين اسنانها:
-يارب ماتشوف الراحة ولا تدوق للسعادة طعم طول حياتك

كانت تتحدث بوجعٍ ينم عن مدى تألم روحها الذي بات يسكنها ليتحدث بنبرة توسلية:
-ارجوكِ إرحميني
هتفت بغضبٍ عارم لو أُطلق لهُ العنان لحرق الأخضر واليابس:
-وإنتَ ليه مارحمتنيش لما سبتني وخليت بوعدك ليا وروحت خطبت، عاوز تعيش حياتك وتتجوز وتخلف من واحدة غيري وجاي بكل جبروت تطلب مني أدفن نفسي بالحيا؟!

تألم لوجعها لتتعمق بالنظر لمقلتيه وتحدثت بملامة بنبرة أظهرت كم وجعها:
-رضيتها عليا إزاي يا اللي كنت بتقولي إن اليوم اللي يعدي عليا من غير ماشوف عنيكي أو أسمع صوتك مبيتحسبش من سنين عمري؟

رمقته بازدراء لتهتف حانقة:
-طلعت كذاب وانا طلعت مغفلة كبيرة علشان صدقت واحد جبان ومعندوش ضمير زيك

إسكتي شوية وحاولي تفهميني…نطقها بحدة لتهتف بنبرة عنيفة:
-هفهم إيه أكتر من اللي فهمته، هربت وروحت خطبت وسبتني اواجه نار أبويا وإخواتي لوحدي
إنتَ خنت العهد اللي كان بينا والخيانة ملهاش عندي مبرر،
قالت كلماتها بحِدة وقوة وتهيأت لتتحرك صوب الداخل باغتها بجذبه لذراعها ليهتف بحدة:
-إفهمي،انا كُنت مجبور على الخطوبة دي
ومين بقى اللي جبرك يا حضرة الظابط المحترم… جملة نطقت بها وهي ترمقهُ بسخرية ليتحدث بألم ظهر بَيِن داخل مقلتيه:
-الحاج محمد الأنصاري هو اللي اجبرني
قضبت جبينها لتغمغم بصوتٍ مضطرب:
-بابا!
واستطردت ساخرة:
-وهو بابا هيجبرك إزاي وليه إن شاءالله!
تنهد بأسى وتحدث:
-انا روحت لعمي محمد الأرض بتاعتكم وطلبت إيدك منه،ولما قالي إنه رفض وبعت لابويا الرد إترجيته وقولتله إننا بنحب بعض وانه برفضه ده بيظلمنا، علي أخوكِ مسك فيا وكان عاوز يضـ,ـربني لولا بباكي إتدخل وشده بعيد عني،وبعدها طردني

أخذ نفسًا عميقًا ثم استرسل بنبرة استسلامية لرجُل يشعر بالإنكسار:
-عمي محمد إتصل بأبويا وهدده، قاله لو إبنك مبعدش عن بنتي وخطب الإسبوع ده هو ميضمنش رد فعل أخوكِ علي،وطبعاً أبويا اترعب من تهديد ابوكِ الصريح وعرض عليا اخطب ولما رفضت قعد يبكت فيا وقالي إني ناوي افتح بحور دم في البلد،وقالي لو مخطبتش في خلال الإسبوع ده اسيب البلد وأمشي وإنه هيتبرى مني وهيوصي إخواتي حتى جنازته ممشيش فيها،وافقت علشان أهدي ابويا من ناحيتي، واطمن خوفه عليا، أمي هي اللي خطبت لي سارة مش أنا

نظر لها وجد ملامحها قد لانت فتيقن قبولها لاعذاره لينتهز الفرصة ويقترب منها قائلاً بصوتٍ يملوهُ الوله:
-أنا عمري مااتخليت عنك يا جنة، طيفك ماغبش لحظة واحدة عن خيالي،ولا عمري فكرت إني ممكن اتجوز واحدة غيرك

نطقها بهيام ليسترسل بنارٍ شاعلة متحولاً:
-ولو مخلوق قرب منك
إبتسامة مُرة ارتسمت فوق ثغرها ليتحدث مؤازرًا إياها:
-متخافيش، مش هتكوني لحد غيري
ودي هتعملها إزاي يا محمود… نطقتها بضعفٍ ليهتف بنبرة حماسية:
-أخيراً سمعت إسمي من بين شفايفك تاني يا جنتي،
أبتسمت بوهن ليطمأنها هو بسعادة:
-ماتقلقيش يا حبيبتي، أنا هتصرف
سألته متأملة:
-هتعمل إيه؟
بعينين هائمتين أجابها:
-ههد الدُنيا علشان عنيكِ
انزلت بصرها أسفل قدميها بخجلٍ فتحدث بهيامٍ:
-وحشتيني يا جنة، كل حاجة فيكِ وحشتني، إشتقت لكلامنا طول الليل،حكاوينا اللي مبتخلصش وصوت ضحكتنا اللي طالعة من قلوبنا
كانت تنظر إليه بعينين مبهورتين بطلتهِ الساحرة وعينيه الهائمة بعشقها،حدثها بابتسامة وهو يناولها هاتفهُ الجوال:
-سيفي لي رقمك الجديد، وأول ما تروحي عند ليلى وتكوني لوحدك رني عليا علشان هنقضي سهرتنا مع بعض الليلة

سألته بابتسامة:
-وإنتَ عرفت منين إني هبات عند ليلى النهاردة؟

بابتسامة مشرقة وعينين لامعتين بحبورٍ أجابها:
-عيب عليكِ يا قلبي، أنا حفظت طبع عمي محمد وحافظ طريقة تفكيره من كلامك عنه، مستحيل هيسيبك تسافري من القاهرة للغربية بالليل كدة لوحدك
بابتسامة سعيدة تحدثت:
-لسة فاكر
عمري مانسيت أي حاجة تخصك يا حبيبتي،قريب قوي هتكوني ليا وهكون ليكِ…نطقها باشتياق وتمنى لتتنهد هي بأسى وتسألهُ وكأنها للتو تذكرت:
-وبالنسبة للاستاذة اللي سيادتك خاطبها، هتعمل إيه في موضوعها؟

هوصلها بيتهم بعد الفرح واتكلم معاها في الموضوع وانهيه…وكأن بجملته تلك قد اشعل نار الغيرة بقلبها رمقته بعينين مشتعلتين لتهتف:
-وتوصلها ليه إن شاءالله، وتتكلم معاها هي ليه أصلاً، مش المفروض تكلم بباها وتنهي معاه الموضوع؟
أجابها ليطمأنها:
-ممكن تهدي شوية، لعلمك، سارة فاهمة كويس طبيعة علاقتنا وإننا مخطوبين خطوبة صالونات،وعمرها ما استنت مني لحظات رومانسية زي اللي بين أي اتنين مخطوبين

لا ملكش حق، كنت عيشها وعيش معاها لحظات رومانسية علشان تبقوا تفتكروها بعدين…نطقت بها بنبرة حادة جعلته يبتسم من شدة حبوره ليتحدث بنبرة حنون:
-الحب والرومانسية ملهمش عندي غير وجهة واحدة بس، وهي وجهتك يا عمري
تبسم وجهها وتلونت وجنتيها باللون الوردي لتتحدث بعدما تحمحمت:
-انا هدخل علشان اقعد مع البنات شوية قبل ما أحمد جوز ليلى ييجي ياخدني

ووافقها ثم ولجت للداخل وبعد قليل لحق بها وظل ينظر إليها طيلة الحفل حتى أتى زوج شقيقتها واصطحبها بسيارته الخاصة إلى منزله بعدما صافحت صديقاتها واعتذرت من صديقتها العروس

بعد إنتهاء حفل الزفاف أخذ محمود سارة وتحرك بها ليوصلها إلى منزلها
صف سيارته جانبًا وتحدث بنبرة جادة:
-سارة،فيه موضوع مهم لازم أكلمك فيه
نظرت إليه بتمعن فاسترسل بعينين معتذرتين:
-أنا أسف، أنا مش هقدر أكمل معاكى،إنتِ تستاهلي واحد احسن مني بكتير،حد يقدرك ويحبك من قلبه،لكن أنا مش قادر أكون لك الحد ده

نظرت عليه ثم تحدثت…
يتبع.

«يا كُل كُلي»
بقلمي روز أمين
🔹الفصل السادس🔹

نظرت إليه لتتنفس براحة وكأنها كانت تنتظر حديثهُ،إبتسمت وتحدثت باطمئنان:
-من يوم خطوبتنا وأنا كنت حاسة إن فى واحدة تانية فى حياتك، أنا مش غبية يا محمود، برودة إيدك وإنت بتلبسني الدبلة ونظرة عيونك المطفية أكدوا لي شكوكي، والنهاردة في الفرح إتأكدت لما شفت غيرتك ونظراتك وإنتَ بتبص عليها
ثم استرسلت متسائلة بفطانة:
-مش هي بردوا البنت اللي كانت قاعدة على التربيزة اللي قصادنا؟

اومأ بخفة لتنفس هي ثم استكملت:
-وانا مش هكذب عليك وهصارحك بالحقيقة، أنا واشرف إبن خالتي بنحب بعض جداً وهو إتقدم لي من فترة،لكن بابا الله يسامحة رفض بحجة إنه عاوز يجوزني لظابط شرطة من شدة حُبه لمجال شغله، بعدها إنتَ إتقدمت لي وحصلت الخطوبة، بس أنا كمان مقدرتش أحبك ولا أنسى اشرف، وبصراحة إنتَ ريحتني جداً بكلامك ده وادتني أمل إن بابا يوافق علي أشرف لما يتقدم لي تاني

شعورًا هائلاً بالراحة قد إحتاح روحه ليبتسم ويتحدث:
-ربنا يوفقك يا سارة، وان شاء الله سيادة اللواء يتفهم ويوافق على خطوبتك لإبن خالتك

عاد محمود إلى محافظة الغربية وفي اليوم التالي ذهب إلى منزل والد جنة فى المنزل وجلس بحضرته ووالدة جنة التي اصرت على الجلوس بغرفة الضيافة معهما لمساندت ذاك الشاب بعدما ترجتها جنة،ظل يقنعه بشتى الطرق متحدثًا:
-أنا جيت لحضرتك تاني بعد ما فسخت خطوبتي من البنت اللي بابا أجبرني على خطوبتها بسبب تهديدك
تنهد محمد ليهتف الاخر بترجي:
-ارجوك ياعمى حاول تفهمني، انا بحب بنت حضرتك ولو ماتجوزتهاش عمرى ماهتجوز،كدة إنتَ بتحكم عليا اعيش حياتي وحيد،والله ياعمى مستعد ارضيك بكل الطرق، قولي بس ايه اللى يرضيك وانا هعمله؟

تنهدت سامية متأثرة بنبراته الصادقة بحديثه ليتحدث محمد بأسى:
-يا ابني بلاش تصعبها عليا،انا كمان مفيش في إيدي حاجة أعملهالك،الموضوع اكبر مني ومنك

تحدث متلهفًا:
-أنا مستعد أبوس إيدك قدام البلد كلها لو ده هيرضيك ويصلح اللي حصل زمان،بس بلاش تحرمنى من الإنسانه الوحيدة اللي قلبي دق لها

تأثر محمد بمشاعره وتأكد من عشقه لابنته وبأن إبنته ستكون بأمان وسيفعل كل ما بجهده لاسعادها،استغل محمود مشاعر محمد المتذبذبة ليتحدث بوعدٍ صادق:
-والله العظيم هحطها في عنيا، عمري ما هزعلها في يوم ولا هخليك تندم إنك وافقت تجوزهالي

نظرت إليه سامية تترجاه بعينيها بأن يمنح قلب ذاك العاشق وقلب ابنتها فرصة للحياة، يعلم جيدًا عشق ابنته لذاك الوسيم وهذا وراء رفضها الدائم لاي شاب يتقدم لخطبتها، تنهد ثم تحدث بهدوء وتخبط داخلي:
-ادينى اسبوع يا ابني وانا هبقي أرد عليك، سيب لى بس رقم تليفونك وانا هكلمك

وكأن كلماتهِ أحيت روحه من جديد بعدما كانت تحتضر،تفوه متلهفًا:
– أنا هاجى لحضرتك تانى ياعمى علشان أعرف رأيك

أجابهُ بهدوء:
-ملوش لازمة تيجي، أنا هبقى أبلغك برأيى فى التلفون

وقف محمود ثم وجه الشكر الجزيل إلى محمد وتحرك بجانب سامية التي رافقته للخارج، وأثناء مرورهُ بردهة المنزل وجد تلك الجميلة تخرج من إحدى الغُرف لتلتقي الأعيُن وتسرح في سماء عشقهما،إنتفض جسدها ورعشة لذيذة أصابتها ليرتبك داخلها، تحمحم وتخطى وقوفها سريعًا إحترامًا لحُرمة المنزل وظل بطريقه حتى وصل لباب المنزل الخارجي ليلتف ناظرًا إلى سامية ثم تحدث باحترام مصافحًا إياها:
-بعد إذنك يا خالتي، ومتشكر قوي لوقفتك معايا

شرفت يا حضرة الظابط…قالتها بابتسامة عذبة لينصرف وقد تسلل الأمل داخل قلبه لينعش روحه من جديد،بالكاد تحرك خطوتان ليجد علي بوجهه،توقف ثم رمقهُ بنظرة حادة ليتخطاه الأخر قاصدًا طريقهُ كي يقطع عليه فرصة الشجار المحتم إذا تحدثا، إلتف ينظر عليه باستغراب لثواني ثم انطلق للداخل بعد أن ضغط على حاله لأقصى درجة كي لا يجذبهُ من تلابيب حلته ويُكيل له الكثير من الضـ,ـربات كي يريح قلبه،ازداد حنقه عندما وجد والدتهُ تقف بمقابل شقيقته المتبسمة بسعادة، انطلق بسرعة الريح ليجذبها من ذراعها ويهزها معنفًا إياها بالحديث:
-الواد ده كان بيعمل إيه هنا، إنطقي؟

سيب أختك يا علي… نطقتها سامية بحدة ليهتف الأخر حانقًا:
-مش هسيبها غير لما اعرف الزفت ده كان بيعمل ايه في بيتنا؟
كانت ترتعب بين يداي ذاك الغاضب الذي تركها سريعًا بعدما استمع لصوت والده مصيحاً باسمه، ولج إلى حجرة الضيافة وجد والده يتوسط الأريكة بجلوسه، أشار له ليجاورهُ ليستجيب الأخر ثم سألهُ باحترام:
-إبن عبدالله التهامي كان بيعمل ايه هنا يا حاج؟
اخرج والده زفرة قوية توحي لمدى تشتت روحهُ ثم نظر إليه ليتحدث بهدوء:
-جاي يطلب إيد أختك

انتهى من جملتهُ ليهتف الأخر بحدة:
-تاااني، هو الواد ده معندوش دم، هو مش جه قبل كدة واترفض مرتين
ليستطرد بشرٍ ظهر بعيناه:
-شكله كدة مبيجيش بالذوق، اللي زيه محتاج علقة محترمة تفوقه

علي، إهدي واسمع كلامي للأخر وبطل عصبيتك اللي مودياك في داهية دي… هكذا تحدث والدهُ بحدة ليسترسل بنبرة أهدى:
-الولد عاوز أختك وباين من إصراره إنه شاريها بجد

اتسعت عينان علي ليتساءل بارتياب:
-كلامك ده ملوش عندي غير معنى واحد يا حاج، وهو إنك موافق!

ولجت سامية من الباب لتنضم إليهما وتجاورهما الجلوس،تنهد الأب وتحدث بنبرة هادئة:
-أنا فعلاً بدأت أفكر في الموضوع، ولا أنتَ عاجبك حال أختك اللي عمالة ترفض في العرسان، ولا شكلها اللي بقى مطفي زي ما يكون ميت لها عزيز، من الأخر يا ابني جنة عاوزة الولد ومش هتوافق بحد تاني حتى لو كان مين

هتف بعصبية:
-تتقطم رقبتها يا حاج، هنجوزها لذكريا غصب عنها، مش على أخر الزمن حتة بت هتمشينا على مزاجها؟
إوعى تتكلم كدة على أختك تاني… هكذا هتفت والدتها ليتحدث هو مبررًا:
-يعني إنتِ عاجبك الدلع الماسخ بتاعها ده يا ماما، من امتى البنات بتختار بنفسها اللي هتتجوزه

بدفاعٍ عن إبنتها تحدثت بنبرة جادة:
-ده حقها اللي الدين حللهولها يا ابني
لتسترسل بتبكيت:
-إنتَ ناسي مراتك عملت إيه علشان تخلي امها توافق عليك بعد ما كانت مقرية فاتحتها على ابن خالتها، وقفت قدام اهلها واجبرتهم يوافقوا عليك

دي غير دي يا ماما، أنا ومراتي مكانش بينا تار ودم… كان هذا مبرره ليتحدث أبيه مبرراً:
-ما هو أنا علشان الموضوع ده بالذات أنا بدأت أفكر تاني في طلب ابن عبدالله التهامي

هتف الشاب معترضًا برعونة:
-أبوس إيدك بلاش يا حاج، الموضوع ده لو تم هنتذل ونصغر في عيون الناس

تحدث ابيه برزانة:
-فين الذُل في كدة يا ابنى، الناس جاية ومادة لنا اديها بالخير وشاريين نسبنا، إيه المانع إن احنا كمان نمد لهم ادينا ونمحي الموضوع ونفتح صفحة جديدة مع بعض

وجد التذمر بعيناي صغيره فاسترسل كاشفًا عما يؤرقه:
-يا ابني أنا راجل كبرت في السِن وعاوز ارتاح واموت وانا مطمن عليك إنتَ واخواتك

بعد الشر عليك يا حاج…نطقتها ماجدة فتحدث علي متسائلاً بجدية:
-طب واعمامي،تفتكر هيوافقوا بالنسب ده؟

تنهد الأب وتحدث بحكمة:
-إعمامك سيبهم عليا أنا هعرف أتفاهم معاهم،ومتنساش إن اعمامك خايفين على ولادهم زي ما أنا خايف عليكم ويمكن اكتر
تعمق بالنظر إلى نجله ليسترسل بتذكيرٍ:
-إنتَ ناسي اللي عمله سامي إبن عمك السنة اللي فاتت، لما حاول يتربص لإبن عطية التُهامي وهو راجع من شغله بالليل، ولولا ستر ربنا اللي خلى عزت اخوه يسمعه وهو بيتفق مع ياسر إبن عمك أمين وجه قال لي ولحقتهم قبل ما يطلعوا يستنوه محدش عارف الحكاية كانت هتوصل لإيه

تنهد علي باستسلام وذلك لصحة حديث والده وفضل الصمت،اتجه محمد إلى الحمام توضأ ثم قام بتأدية صلاة الإستخارة وطلب العون من الله ثم توجه للنوم مباشرةً، باليوم التالي جمع محمد أشقاءهُ وجميع رجال العائلة وشبابهم وتحدث إليهم بالموضوع، بالبداية اعترض البعض وخصوصًا أن منهم من كان يريدها زوجةً لنفسه وبالفعل قد تقدم الكثير منهم لخطبتها وقُوبل الطلب بالرفض كالعادة، بالنهاية وافق جميع العائلة على رأي محمد وأيدوه لكي ينتهوا من ذاك الثأر اللعين ويغلقوا ذاك الباب للأبد

بعد مرور أربعة أيام منذ زيارة محمود لمنزل محمد الأنصاري، كان يعمل داخل مكتبه الخاص بعمله كضابط شرطة، اتاه اتصال فرفع هاتفهُ الجوال ينظر بشاشته لتجحظ عينيه فور رؤيته هوية المتصل، فقد رأى نقش اسم والد جوهرتهُ الثمينة وعلى الفور أجاب على الهاتف قائلاً بنبرة ظهرت متلهفة:
-السلام عليكم
أجابهُ محمد بوقارٍ:
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ازيك ياحضرة الضابط

بخير يا عمى محمد الحمدلله… ليسترسل متلهفًا:
-حضرتك فكرت في طلبي لأيد جنة
تنهد محمد ليجيبهُ بهدوء:
-أيوة يا أبني،ما أنا متصل بيك علشان أبلغك بقراري.
إبتلع محمود لعابه وانتظر مترقبًا لتمر الثواني عصيبة عليه قبل أن يسترسل الأخر برزانة:
-بلغ الحاج عبدالله إننا في انتظاركم بكرة بعد أذان العشاء علشان تشرفونا وتشربوا معانا الشاي
لم يصدق ما استمعته اذنيه ليتساءل ببلاهة اراد بها التأكُد:
-يعني أبلغ أبويا وأقول له إن حضرتك وافقت يا عمي محمد ولا أبلغه بإيه بالظبط؟
ابتسم محمد على تلبك الشاب ليبلغهُ صراحتًا:
-أيوة يا ابني موافق، وربنا يعمل اللي فيه الصالح

هتف بحبورٍ ظهر جليًا بصوتهِ الحماسي:
-ربنا يخليك يا عمي الحاج، أنا مش عارف اشكرك ازاي،أوعدك إنك مش هتندم أبداً على قرارك، وهعمل كل اللي في وسعي علشان أخلي جنة اسعد إنسانة في الدنيا كلها

سعد محمد كثيرًا بعد استماعه لوعود ذاك العاشق، بينما أغلق الاخر الهاتف وعلى الفور أبلغ والده الذي سعد كثيرًا بذاك الحدث الهام وشكر نجلهُ معبرًا له عن امتنانه لاصراره لاتمام تلك الزيجة التي ستُنهي الخلافات وتُغلق باب الماضي للأبد، بالفعل ذهب عبدالله بصحبة أنجاله ورجال عائلته فاستقبلهم محمد وعائلته بكثيرًا من الترحاب واتفقا على موعد قراءة الفاتحة فاقترح عبدالله أن يعقدوا القران بحيث يكون إتمام الزواج خلال أربعة أشهر فور إنتهاء جنة من اختبارات نهاية العام،بالفعل تم عقد القران داخل حفل كبير اقيم خارج منزل محمد الأنصاري حضره جميع أهل البلدة ليكونوا شاهدين على غلق تلك الصفحة السوداء وفتح أخرى جديدة بين العائلتين

أما داخل المنزل كان تجمع نساء العائلتين بل البلدة بأكملها لحضور حفل عقد القران، خرجت جنة من غرفتها بعدما انتهت متخصصة الميك أب من وضع اللمسات الأخيرة من الزينة لها، التفتت جميع أنظار النسوة لتلك الجميلة التي خرجت عليهم بكامل اناقتها وسحرها، وقفت عفاف لاستقبال عروس نجلها الغالي وأقبلت عليها لتسحبها لداخل أحضانها وهي تتحدث قائلة بانبهار:
-بسم الله ماشاء الله، إيه القمر ده
أبعدتها عن حضنها لتنظر لها واسترسلت بما أخجل جنة وجعل وجنتيها تتلونان باللون الوردي:
-كان عنده حق محمود لما حارب الدنيا كلها علشانك
تبسمت خجلاً لتتحدث بصوتٍ مبحوح:
-متشكرة يا طنط
أقبلت منى عليها وتحدثت وهي تحتضنها بحفاوة:
-ألف مبروك يا قلبي، وأخيرًا يا جنة
إبتسمت لها لتردد:
-وأخيرًا يا مُنى
تلقت التهنئة من الجميع ثم جلست بالمكان المخصص لها وابتدين النسوة بالغناء والتصفيق حتى استمعن لصوت إطلاق النار بالخارج مما يعني إنتهاء المأذون الشرعي من عقد القران فتعالت الزغاريد تعبيراً عن فرحتهم

أما بالخارج، انتهى عقد القران ليقف محمود يتلقى المباركات من محمد الأنصاري وأشقائه وأبناء عمومته، الجميع قدم التهنئة إلا ذاك الواقف بعيدًا ويبدوا على وجههِ علامات الضيق، اقترب عليه وتحدث بنبرة هادئة:
-إيه يا على،مش هتبارك لي ولا إيه؟
رمقهُ بنظرة جادة فاسترسل وهو يبتسم باسطًا يده بالسلام:
-خلاص بقى يا على، فكها شوية وابتسم لله يا اخي، إحنا خلاص بقينا أهل ونسايب ومينفعش نفضل قافشين من بعض كدة
شبح ابتسامة ظهر فوق ثغره ليمد يده يقابل خاصته وتحدث بنبرة هادئة:
-مبروك يا حضرة الظابط
ابتسامة واسعة زينت ثغره واقترب عليه ليجذبه داخل احضانه ليتحدث بدعابة نال بها استحسان الأخر:
-المباركة متنفعش على الناشف كدة يا أبو نسب

تنهيدة هادئة خرجت من أعماق صدر محمد الذي كان يتابع نجلهُ وزوج ابنته الحديث ليتنهد براحة بعدما اطمئن قلبه، استأذن محمود من والد عروسه ليذهب لعروسه بالداخل فوافق وبعث معه نجله الاصغر ليصطحبه للداخل، كانت تجلس وسط الجميع تشعر بسعادة الدنيا، ارتجف جسدها وشعرت بفراشاتٍ تداعبُ أسفل معدتها فور رؤيتها لفارس أحلامها الذي طل من البوابة الرئيسية ليحوم بعينيه وسط الجميع باحثاً عن حبيبته التي وبالأخير ظفر بها، تحرك إليها وكأنهُ منساقًا حتى وصل لعندها، قابلتهُ والدتهُ التي احتضنته وقبلت وجنتيه وأيضاً خالته وجميع اقاربه، تحرك صوب سامية التي قبلت وجنتيه لتتحدث بحبورٍ ظهر بعينيها:
-الف مبروك يا حبيبي
رفع كف يدها ليقبلهُ وتحدث بتمني:
-إدعي لي ربنا يتمم لي فرحتي على خير يا ماما
نطقها وهو ينظر لتلك المنتظرة دورها وهي تتطلع عليه بسعادة ممزوجة بخجلٍ شديد مما زاد من توهج وجنتيها ليزيد من اشتعال روح ذاك العاشق، تحرك إليها ليقف مقابلاً لها متأملاً بجمال عينيها للحظاتٍ مرت على كلاهما كدهرٍ، تناسا من حولهما ليسرح كلًا منهما بعينين الأخر ويتوه داخل بحورهم الغريقة، وبدون سابق إنذار جذبها ليسكنها بأحضانه منساقًا لأمر الهوىّ،أغمضت عينيها لتتنعم بأولى أحضانه الحلال ليُشدد هو من ضمته لها،استفاقا على حاليهما عندما تعالت الأصوات المداعبة لهما ليبتعد عنها ثم بسط كفاه وأحاط بهما وجنتيها ليتعمق بمقلتيها متحدثًا بحالة عالية من الوله:
-مبروك يا جنة
الله يبارك فيك يا محمود…نطقتها بعينين يملؤهما خجلاً ممزوجًا بعشقٍ هائل،وأثناء وقوفه قبالتها اتجه إليهم أشرف إبن عمها والذي كان قد طلب يدها للزواج سابقًا وكالعادة رفضت عرضه،إقتحم حفل النساء وتوجه إليهم وبكل حِدة نظر لها وتحدث وهو يُبسط يده لمصافحتها:
-مبروك يا جنة
إشتعل داخل محمود من ذاك الوقح الذي اقتحم خصوصية النساء وخصوصًا جنة التي كانت تاركة لشعرها العنان دون ارتدائها للحجاب على إعتبار أنهُ حفل نسائي ولن تطأهُ قدم أية رجُل،ومازاد من إحتقان غضبه هو رؤيتهُ لتلك الجنة وهي تتأهب ببسط ذراعها لتبادلهُ المصافحة،جن جنونه وبلمح البصر وقف أمامها ليُخبأها خلف ظهره ثم رمق أشرف بنظراتٍ نارية ليهتف بنبرة حادة:
-إنتَ مين سمح لك تدخل بين الستات وتقف قدام جنة وهي من غير حجاب؟
نعم يا حبيبي، إنتَ عاوز تمنعني من دخول بيت عمي… جملة حادة نطق بها أشرف بغضبٍ حاد لتهتف سامية بنبرة مرتبكة لتهدأة الوضع:
-كلام إيه بس يا ابني اللي بتقوله ده، محمود مايقصدش
إقتربت عفاف من نجلها تحاول تهدأته ليهتف ومازالت تلك المرتابة تحتمي خلف ظهره كأنهُ حِصنها المنيع:
-لا اقصد يا ماما،البيوت ليها حُرمة ودخولها ليه أصول
هتف غاضبًا:
-لا يقصد يا مرات عمي واتجرأ ونطقها
واسترسل متهكمًا تحت همهمات النسوة:
-عيشنا وشوفنا يا ولاد،جه اليوم اللي إبن التُهامية بيطرد ولاد الأنصاري من بيوتهم
بس العيب مش عليك يا حضرة الظابط، العيب على الرجالة اللي وافقوا بالمسخرة دي
واسترسل مبدلاً الأدوار:
-مع إن أنا اللي المفروض اسألك، إنتَ إيه اللي مدخلك بيوتنا وداخل تدوس في وسط حريمنا
أجابهُ بقوة وحِدة:
-والله انا داخل ابارك لمراتي ومستأذن من صاحب البيت وأخو مراتي هو اللي دخلني لحد هنا واستأذنا من الستات قبل ما ندخل، إنتَ بقى داخل ليه؟!

كاد أن يتحدث لولا صوت محمد الأنصاري الذي صدح من خلفهما وهو يهتف بحِدة بعدما بعثت ليلى بإبن خالتها الصغير،ليستدعى والدها كي يفض ذاك الإشتباك قبل أن يتحول لساحة معركة حسبما خطط له أشرف:
-فيه إيه يا أشرف، إيه اللي مدخلك عند الحريم وصوتك عالي ليه؟

ارتبك بوقفته وبلحظة تحولت ملامحهُ من غاضبة إلى حزينة مستكينة ثم تحدث بصوتٍ خفيض يشتكي محمود:
-انا كنت داخل أبارك لجنة يا عمي، لقيت حضرة الظابط وقف في وشي ومنع بنت عمي إنها تسلم عليا زي ما انتَ شايف كدة،ومكفهوش كدة بس،ده كمان طردني من بيتك،يرضيك كدة يا عمي
كاد محمود ان يتحدث اوقفته إشارة من كف محمد الذي تحدث بحدة إلى أبن شقيقه لعلمه بمكره:
-وإحنا من أمتى بندخل نسلم على الحريم في الأفراح يا أشرف،ما أنتَ عارف إن فيه بنات كتير بيبقوا واخدين راحتهم ومطمنين إن محدش هيدخل غريب
واسترسل لرؤيتهُ الإعتراض في عينه:
-طب محمود داخل يسلم على عروسته وأنا اللي سمحت له يدخل بعد ما اتصلت بمرات عمك وامنت الدنيا هنا والبنات ستروا نفسهم، إنتَ بقى تدخل ليه
وهنا قرر محمود التدخل ليتحدث باحترام:
-أنا لما طلبت منك ادخل طلبت علشان أبارك لمراتي يا عمي، وعمري ما أجرؤ إني أطرد حد من بيتك وبصفتي إيه أصلاً هطرده، لكن أنا بتكلم في اللي يخصني، لما تكون جنة قاعدة براحتها من غير حجاب وألاقي الاستاذ أشرف داخل عليها من غير إحم ولا دستور، طبيعي أقوله يخرج علشان أستر مراتي

حصل خير يا ابني، قدامي على برة يا أشرف… تحركا للخارج فالتفت محمود للخلف ينظر على تلك المنكمشة خلفه ممسكة بحلة بدلته ليرمقها بحدة لم يستطع مداراتها، اقترب ليميل على أذنها هامسًا بنبرة تحمل حممًا بركانية:
-حسابك معايا بعدين،أنا هعرفك إزاي تمدي إيدك لراجل وتقفي قدامه بشعرك
قال كلماته الغاضبة لينطلق للخارج تحت ارتعاب قلب تلك العاشقة التي ترقرقت الدموع بعينيها.
يتبع.

نوفيلا
«يا كُل كُلي»
بقلمي روز أمين
🔹الفصل الأخير🔹
قال كلماته الغاضبة لينطلق للخارج تحت ارتعاب قلب تلك العاشقة التي ترقرقت الدموع بعينيها
لتقترب منها عفاف وتحاول تهداتها بتلك الكلمات:
-إهدي يا جنة الناس بتبص عليكِ
نظرت إلى والدة حبيبها لتهمس بضعفٍ وارتياب:
-شفتي محمود وعمايله يا طنط، زعل واتنكد ونكد عليا في اهم يوم في حياتنا

إحتضنتها بحنان وتحدثت بمشاكسة:
-بيغير عليكي يا عبيطة،شوية وهيهدى وييجي يقعد ويتعشى معاكِ كمان
حولت بصرها لتنظر إلى سامية مسترسلة بدعابة تلطف بها الاجواء:
-هو أنتِ مش عاملة عشا للعرسان ولا إيه يا أم علي؟
عاملة لهم الحلو كله يا حبيبتي،هو أنا عندي اغلى من جنة وعريسها…نطقتها عفاف وهي تحتضن صغيرتها لتهديء من روعها،إنتهى الحفل وفوجئت جنة برحيل محمود مع عائلته بعدما تحجج للجميع بإصابته بوجعٍ شديد بالرأس،ذهب تحت حزن جنة التي تحركت إلى غرفتها ابدلت ثوبها لمنامة مريحة ثم جلست فوق تختها وأمسكت بيدها هاتفها الجوال وبدأت بالإتصال على رقم سارق قلبها لكنها سرعان ما أصابها الحزن حين استمعت لرفضه للمكالمة،اعادت الاتصال مرةً أخرى ولم يتغير الامر كثيراً وانقطع الاتصال فور محاولتها،بدون سابق إنذار اغرورقت عينيها بالدموع وما شعرت إلا ودموعها تنساب بغزارة فوق وجنتيها،أما ذاك المشتعل الجالس فوق تخته فنظر للهاتف ينتظر محاولة جديدة منها لكنها خزلته،تنهد بضيق وأمسك هاتفهُ ليضغط على زر الاتصال بتلك الجميلة بعدما شعر بوخزة بقلبهِ بسببها،كانت تبكي بشدة إلى أن إستمعت لرنين الهاتف فالتقتطه بلهفة وهي تُجيب بصوتٍ متقطع بفضل بكائها وعدم السيطرة:
-انتَ مبتردش عليا ليه يا محمود، مش كفاية انك سبتني في أسعد يوم في حياتي من غير حتى ماتسلم عليا ولا أشوفك قبل ما تمشي

يعنى إنتِ مش عارفة أنا عملت كدة ليه يا أستاذة… نطقها بصوتٍ غاضب ممزوج بالعتاب، أجابته بنبرة مختنقة:
-وأنا ذنبي إيه في اللي حصل من أشرف، بتحملني نتيجة تصرفه ليه؟!
هتف بنبرة حانقة ارعبتها:
-ذنبك إن الهانم كانت واقفة قدام البيه ومحاولتش تداري نفسها من نظراته الوس…، لا وكمان بتمد له إيدها علشان تسلم عليه
اجابته باعتذار:
-أنا أسفة بس والله ارتبكت من وجودة وملحقتش أفكر
واستطردت بدهاء لاستدعاء مشاعرهُ الهائلة تجاهها:
-وبعدين إنتَ عاوزني افكر في إيه وإنتَ قدامي

شفع لها شعورها وتفخيمها لحدث ارتباطهما ليتذكر على الفور تلك المشاعر المتوهجة التي اقتحمت قلب كليهما، ليهديء ويتحدث بنبرة صوت أهديء كثيراً:
-خلاص يا جنة، بس دي أخر مرة اشوفك بتسلمي فيها على راجل تاني، أي حد يمد لك إيده قولي له جوزي مانعني أسلم على حد، مفهوم؟!

نزلت كلمته على قلبها زلزلته لتتحدث بصوتٍ يذوبُ عِشقًا وهيامًا:
-هو أنتَ فعلاً بقيت جوزي وأنا بقيت مراتك يا محمود

أبدلت كلماتها حالهُ بالكامل ليرتجف قلبه ويكادُ ينطق صارخًا تاركًا صدره، ليتحدث بنبرة تهيمُ شوقًا متناسيًا تمامًا غضبه:
-أيوة يا حبيبتي، إنتِ خلاص بقيتي مراتي حبيبتي اللي بوجودها الدنيا ضحكت لي من تاني، أنا بحبك اوي يا جنة، كنت هموت واضمك قوي لصدري وكنت معشم نفسي ادوق كريزك النهاردة
ابتسمت ثم تحدثت بمشاكسة بعدما جنبت الخجل لتحثهُ على الندم:
-والله كريزي كان قدامك وكان ممكن تدوقه وخصوصًا إن ماما كانت مجهزة لنا عشا لوحدنا في اوضة الجلوس، بس إنتَ اللي اتلككت ومشيت يا حضرة الظابط

بنبرة شغوفة اجابها:
-ملحوقة يا قلب حضرة الظابط،بكرة أول ما أقوم من النوم هكلم حماتي وأقولها تجهز لي عشا بدل اللي راح عليا امبارح
ضحكت وتحدثت بمشاكسة:
-ماخلاص يا حبيبي،هي حكاية،دي كانت فرصة وانتَ ضيعتها بعنادك وغضبك

خرجي انتِ نفسك من الموضوع وسبيني مني لحماتي وهي هتظبطني… ضحكت بدلال وتحدثت:
-واثق قوي إنتَ في حماتك
كُل الثقة،حماتي بتحبني وبنتها بتعشقني
بحبك يا محمود،بحبك…نطقتها بنبرة هائمة مغمضة العينين جعلت من صدرهِ مشتعلاً بنار الهوى، ليسترسلا حديثيهما العاشق حتى الساعات الاولى من فجر اليوم الجديد

******
بعد مرور إسبوع من عقد القران،بمدينة القاهرة الكبرى،وبالتحديد داخل حديقة واسعة مملؤة بالأشجار العالية والنباتات والزهور بألوانها الزاهية،تتحرك تلك الجميلة بخطواتٍ مرحة تدل على مدى سعادتها ويرجع هذا لمجاورتها لذاك الحنون وهما يتشابكان الايدي ويتحركان بمرحٍ وسعادة، تحدثت بنبرة مرحة:
-إعمل حسابك إن كل اسبوع هتخرجني خروجة زي دي يا حضرة الظابط
واستطردت بنبرة حماسية:
-حتى بعد ما نتجوز هتفضل تخرجني كل أجازة
ضيق بين حاجبيه ليتحدث ساخرًا:
-نعم!،هو إنتِ مستنيانا نتجوز علشان نقضيها خروجات، إنتِ فاهمة الجواز غلط خالص يا ماما
تعمق بعينيها ليغمز بوقاحة مستطردًا:
-الناس بتتجوز علشان تقضي الأجازة في البيت، وخصوصًا في أوضة النوم، وتحديدًا بقى فوق السرير، و…..
كاد أن يُكمل في وقاحته لولا صوتها الذي خرج متسرعًا ليمنعه من التمادي:
-بطل قلة أدب واحترم نفسك
قهقه عاليًا ثم تحدث متماديًا بوقاحته:
-اسمعي مني،الكلام اللي بقولهولك ده هو الأدب بعينه
ليستطرد لائمًا بجبينٍ مُقطب:
-وبعدين إيه بطل قلة أدب دي،هو أنتِ ناسية إنك بقيتي مراتي وحلالي ولا أيه؟
وما أن نطق بجملته حتى اكتسى وجهها بحُمرة الخجل مما اثاره ليتحدث بنبرة حنون وعينين هائمتين:
-بحبك وبعشق خجلك يا جنتي
أخذت نفسًا عميقًا ونظرت له بولهٍ لتتحدث:
-عارف يا محمود،أنا لحد الوقت مش مصدقة إننا إتجوزنا
واستطردت بحماس:
-ساعات بقوم من النوم واجري على درج الكومدينو اجيب منه ألبوم الصور بتاعت كتب الكتاب علشان اتأكد إنه مش حلم جميل وزي العادي هينتهي بمجرد ما أقوم من النوم
تنهد بهدوء ثم تحدث بنبرة حنون:
-إحنا تعبنا وإتعذبنا قوي في حبنا يا جنة، بس الحمدلله، ربنا جمع شملنا وأخيرًا بقيتي مراتي، وكلها كام شهر وهتبقي منورة بيتي
توقف وامسك كفي يداها وتعمق بعسليتيها ليستطرد واعدًا بهيام عاشق:
– وساعتها عمري ما هخرجك من حُضني تاني أبدًا، هعوضك واعوض نفسي عن سنين الحرمان اللي عيشناها
بحبك يا محمود… نطقتها بعينين متأثرتين بغرامه ليتهلل وجههُ بسعادة لا يوجد بمثيلها بالحياة.

******
بعد مرور عِدة أشهر
وبعد طول إنتظار قد تحقق الحلم وتم حفل زفاف تغنت بهِ أهل البِلدة بأكملها، اصطحب محمود عروسهُ الجميل وصعد لمقر شقتهم بالطابق الثالث بمنزل أبيه، كان يقف ببهو الشقة مرتديًا حلة عُرسه التي جعلت منهُ وسيمًا للغاية، يجوب المكان ذهابًا وإيابًا بقلبٍ يغلي من شدة اشتياقه،ينتظر خروج والدة عروسه وشقيقتها اللتان ولجا لغاليتهما كي يطمأنتا عليها قبل تركها وذهابهما لمنزلهما،اتسعت عينيه وابتلع لعابهُ حين وجدهما تخرجتان من الغرفة لتتحرك إليه سامية وتحدثهُ بدموعها المتوسلة:
-خلي بالك منها يا محمود

هتف بنبرة حماسية:
-ما تقلقيش يا ماما،جنة في عنيا،إنتِ اصلك متعرفيش قيمتها عندي
تبسمت الأم من بين دموعها لتتحدث إليه ليلى بتوصية:
-إبقى اكلها أي حاجة علشان دي ما اكلتش خالص من الصبح
أومأ بعينيه مبتسمًا ليُجيبها:
-ما تقلقوش يا جماعة…نطقها ليسترسل بمداعبة:
-هأكلها واخلي بالي منها واشربها اللبن واغسل لها سنانها قبل ما تنام
لكزته سامية بصدره لتتحدث بابتسامة:
-بتتريق علينا وليك نفس تهزر يا ابن عفاف

تحدث لائمًا بمشاكسة:
-اعمل إيه بس يا ماما، إنتوا ليكم ساعة جوة مع عروستي وسايبيني مرمي في الرسيبشن لما قربت اتحنط من كتر الوقفة، وفي الاخر طالعين تكملوا معايا الوصايا العشرة
ليستطرد بعدما فاض بهِ الكيل:
-أنا عريس يا جماعة لو مش واخدين بالكم، ومش أي عريس، ده أنا واحد ليه سنين مستني اللحظة اللي إنتوا قاعدين تضيعوهالي بوقفتكم دي
جذبت ليلى يد والدتها لتهمس بجانب أذنها:
-يلا يا ماما خلينا نمشي، ده باينه مجنون، ده هيتجوز على روحه وإحنا واقفين

ابتسمت سامية على حديث ابنتها وبدون حديث تحركت بجانبها تاركين خلفهم ذاك المُلتاع الذي وما أن خرجتا وتأكد من غلقيهما الباب حتى هرول مسرعًا نحو باب غرفة النوم يتطلعُ عليها ليجدها تجلس على طرف الفراش ومازالت مرتدية ثوب زفافها الرائع وطرحتها تنسدل خلف ظهرها، ناظرة بخجلٍ أسفل قدميها وهي تفرك كفيها ببعضيهما بتوترٍ ظهر جليًا فوق ملامحها، اقترب منها بساقين تكاد تطير فرحًا حتى وقف قُبالتها، مد يده لها فتحمحمت لتُسلمهُ خاصتها ليجذبها لأعلى لتقابلهُ الوقوف، ابتسم على خجلها ثم أمسك ذقنها ليرفع وجهها إليه ليتحدث بنبرة حنون بعدما تلاقت الأعيُن:
-هو أنتِ بجد مكسوفة مني يا جنة؟

ابتسمت خجلاً ومازالت تنظر للأسفل متلاشية النظر لعينيه ليستطرد بولهٍ:
-ده انا محمود حبيبك،طب بصي كدة في عيوني وشوفي شوقي

تطلعت إليه تتعمق بزرقاويتيه لتغوصا داخلهما بنظراتٍ تذوبُ عشقًا،ظلا يتعمقان بالنظرات وقد قالت العيون حديثهما الذي أشعل من جسد كلاهما وانتفض قلبيهما اشتياقًا، نظر لكريزتيها المرتعشتين وابتلع لعابه وبدون مقدمات مال بطوله الفارع عليها ليلتقط شفتيها بين خاصتيه ويغوصا بقُبلة رقيقة بادلته إياها بسعادة بالغة، بعد قليل ابتعد عنها لاهثًا ليأخذا أنفاسهما، ثم ضمها ضاغطًا على جسدها اللين بضمة كادت أن تكسر عظامها لشدة أشتياقه،ليتحدث بنبرة سعيدة:
-أخيراً بقيتي في حُضني، أخيراً إتقفل علينا باب واحد وبقيتي ملكي، مراتي حبيبتي
ابتسمت خجلاً،بصعوبة بالغة تحامل على حاله واخرجها من داخل أحضانه ليسترسل بعدما تحمحم :
-بقول لك إيه يا حبيبتي، تعالي نغير هدومنا ونصلي الأول
واستطرد بما جعل وجنتيها تشتعلان بحمرة الخجل:
-علشان لو فضلنا على الوضع ده خمس دقايق كمان، لا هنصلي ولا حتى هنلحق نغير هدومنا

إبتلعت لعابها خجلاً لتبتعد سريعًا عنه وتحدثت:
-طب اخرج برة على ما أغير هدومي

طب مش محتجاني افتح لك سوستة الفستان…وبرغم نطقه للجملة بعفوية إلا أن جبينها تصبب عرقًا من شدة خجلها، اومأت بموافقة لتيقنها من أنها لن تستطيع التصرف بها بدونه، شرع بفتح السحاب وما أن رأى بشرتها الناعمة حتى ازدرد لعابهُ لكنهُ تمالك من حالة الاشتياق والرغبة الملحة وتحرك صوب الباب ليختفي سريعًا تاركًا إياها كي تستعد للصلاة، بعد قليل كانت تجلس خلفهُ حتى انتهي من أداء الصلاة ليلتفت لها ويقوم بوضع كف يده على مقدمة رأسها ويقوم بالدعاء لهما، بعد قليل وقف ثم بسط ذراعهُ لها ليسحبها للاعلى معه ومن دون حديث جذبها لتسكُن داخل احضانه ويضمها بقوة كي يُشبع روحهُ المشتاقة،أشبه بجائع تائهًا وسط صحراءٍ قاحلة منذ عدة أيام وعلى حين غِرةً وجد أمامهُ منضدة يوجد عليها جميع أصناف الطعام والشراب المفضلةِ لديه، والأن عليه ان يسد جوعه ويروي عطش لياليه، نزع عنها ثوب الصلاة ليلقي به أرضًا بعشوائية تحت خجلها الشديد عندما وجدته يتخلص من ثيابه هو أيضًا بعدم صبر، حاوط كتفيها بكفي يداه ثم نظر لعينيها وتحدث باشتياقٍ جارف:
-نورتي دنيتي يا روح قلبي
إبتسمت خجلاً ليُشرع باخذها فوق تختهما ليعيشا معًا داخل عالمهما الخاص وليبدأ أولى جولاتهما العشقية حيثُ بث كُلاً منهما للأخر مدى عشقهِ واشتياقه الجارف جراء سنوات الحرمان التي عاشها كلاهما، بعد وقتٍ طويل تمدد بجوارها بأنفاسٍ لاهثة وقلبٍ سارحًا بسماء الهوى، ليجذبها متلهفًا داخل أحضانه ليُذيقها حنانه

محمود…نطقتها بنبرة هائمة وهي تنظر لعينيه بولهٍ جارف ليجيبها على الفور متلهفًا وهو يلثم وجهها بشفتاه بنعومة جعلت القشعريرة تجري بجميع أنحاء جسدها:
-يا عيون محمود،وروح محمود،وقلب محمود من جوة
تنهدت براحة لتسألهُ مغمضة العينين:
-هو أنا فعلاً بقيت مراتك خلاص؟
ابتسم براحة ثم أخرجها من أحضانه ليتطلع لعينيها بولهٍ أظهر كم العشق الساكن بداخله لتلك الجميلة مالكة القلب:
-بقيتي مراتي وروح قلبي ونور عيوني اللي بقيت بشوف بيها الدُنيا
تبسم ثغرها مما ادخل السرور على قلبه ليكمل بنبرة شغوفة:
-واللي في حُضنها هعيش جنتي على الأرض وهعيشها

انتهى من كلماته ليجذبها من خصرها مقربًا جسدها من خاصته منهالاً على شفتيها كالجائع الذي وجد امامهُ وجبتهُ المُفضلة بعد جوعٍ استمر لايامٍ طوال لتذوب معهُ من جديد.

بسم الله ولا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

نوفيلا
«يا كُل كُلي»
بقلمي «روز أمين»

وسؤالاً دوماً يراودني،كيف حالُ من فارقوا،أمازالت تراودهم تلك الافكار ذاتها، إين هي الأنُ مشاعرهم! رسائلهم!،لحظاتهم الخاصة أمازالت تسكُنهم أم أنها تاهت وأنتست بزحمة الفراق.
بقلمي
«روز أمين»
«الفصل الاول»
بإحدي قُري محافظة الغربية،داخل منزل هيأة أثاثه تتسم بالفخامة وتوحي بأن ساكنيه ينتمون إلي الطبقة فوق المتوسطة
جالسةً هي فوق فراشها تبكى وتنتحب حظها العَسر بمرارة وحُرقة قلب وهي تودع قصة عشقها التي تغنى بها جميع اصدقائهما المُقربين وبعضًا من أهالي القرية العالمون بقصتهما لسنواتٍ،لتنتهي بلحظاتٍ وكأنها لم تكُن موجودة بالأساس،ارتفع رنين هاتفها،نظرت بشاشته وجدت نقش اسم صديقتها والتي كانت إحدى الشهود على تلك القصة،ضغطت زر الإجابة لتُجيب بدموعها التي تُقطع أنياط القلب:
-شفتي محمود عمل فيا إيه يا هالة، محمود دبـ.ـحني بسكينة تلمة
تنهدت صديقتها بحزنٍ ثم تحدثت بنبرة مستنكرة:
-أنا مصدقتش الكلام اللي سمعته في البلد غير لما اتصلت بـ حسام وأتاكدت منه إن خبر الخطوبة صحيح
ارتفع صوت بكائها لتسترسل هالة في محاولة منها لإيجاد عذر لمحمود تُطمئن به قلب صديقتها المفتور:
-حسام قالي إن محمود عمل كدة غصب عنه، أنا كمان شايفة إنه معذور يا جنة

إستمعت لدقات تعتلي باب غرفتها الخاصة،فأنهت المكالمة سريعًا وعلى عُجالة قامت بتجفيف دموعها قبل أن تدخل إليها تلك السيدة الخمسينية تتطلع إلى غاليتها بقلبٍ حزيناً متألمًا لأجلها،هى تعلم جيداً ما تشعُر به من ألامٍ تُمزق داخلها وتبعثر كل كيانها،ولكن ما بيدها لتفعلهُ كي تُعيد لصغيرتها بسمة وجهها وسعادة قلبها اللتان تركاها مُنذ ما حدث قبل عِدة شهور

جلست “سامية”قُبالة إبنتها الشابة البالغة من العمر الثانية وعشرون عامًا لتتنهد بأسى ثم لتتحدث بعينين لائمتين:
-انتى بتعيطى ليه الوقت؟
واسترسلت لتذكيرها مؤنبتاً إياها كي تعي على حالها وتستفق:
-هو مش خلاص سابك وراح خطب واحدة تانية،إنسيه وخرجيه من دماغك إنتِ كمان ووافقي على العريس اللي خالك جايبهولك، لا هو عُمره كان ليكِ ولا انتِ هتبقي في يوم ليه وإنتِ وهو كنتوا عارفين الكلام ده من الأول

ثم استطردت تذكرها بما يفرق العائلتين ويجعل أي تقارب بينهما يكادُ يكون مستحيلاً:
-إنتِ عارفة من الأول المشاكل اللى بين العيلتين وأن مستحيل يحصل بينهم نسب ومع ذلك سيبتي نفسك ومشيتي ورا الخيبان قلبك وأديكي شايفة وصلك لأيه،أهو سابك وراح خطب وقراية فتحتهم النهاردة

ثم أكملت بنبرة تحمل الكثير من الألم:
-ريحي نفسك بقي وريحني معاكى يا جنة

كانت تستمع إلي والدتها بقلبٍ بتمزقُ ألماً علي حالتها وما أوت إليه قصة غرامها الكبير،تساؤلاً مستاءً كان يطرحهُ دومًا عقلها.. لما رزقها الله وغرس بداخل قلبها عشق ذاك الفتي بدلاً عن غيره،شهقت بدموعها لتتحدث بنبرة تقطع نياط القلب:
-أنا عارفة الكلام دا كويس يا ماما،بس غصب عنى

تنهيدة حارة خرجت من صدر” سامية” التي تحدثت بصرامة كي تُجبر صغيرتها علي النهوض وعدم الإستسلام لتلك الحالة المزرية:
-طيب قومى خدي لك دُش يفوقك

واسترسلت بإعلام:
-أختك إتصلت وقالت إنها جاية فى الطريق مع جوزها،أهى تبات معاكى النهاردة وتحاول تفرفشك شوية.

أومأت لها وبعد خروج والدتها ارتمت فوق وسادتها تبكى بحرقه وهى تتذكر أنه الآن فى حفل خطبته مع إحداهُن،بعد أن حلما معاً وخططا لحياتهما القادمة تركها بمنتصف الطريق خانعًا مُستسلماً وذهب لخُطبة غيرها وأستكمال حياته بصُحبة أخري تاركاً إياها لتواجه مصيرها المُعتم بدونه،كم شعرت بدونيته وبغبائها

دخلت اختها الكبرى البالغة من العُمر الخامسة والعشرون وتدعي “ليلى”،متزوجة ولديها طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات،تسكن مع زوجها فى محافظة القاهرة الكبرى:
-حبيبتى يا جنة،عاملة إية؟

تعالى، وحشتينى…نطقتها “جنة” باشتياقٍ وهي تفتح ذراعيها لاستقبال شقيقتها نظراً لحبها الشديد لها وتوافقهما بالأراءِ والأفكار،ارتمت داخل أحضان اختها وأجهشت ببكاءٍ مرير ادمى قلب شقيقتها،ربتت “ليلى” علي ظهر شقيقتها وباتت تمسح بيدها عليه كي تحثها على السكون ثم تحدثت بتنبيه:
– إهدى يا “جنة”وبلاش اللى بتعمليه دا،بابا لو شافك كدا هيفهم، ولا علي، علي لو حس بحاجة هيطربق الدنيا على دماغنا

خرجت من داخل أحضانها لتتحدث بهستيريا وعدم استيعاب لما يحدث:
-مش قادرة اتخيل إزاي هكمل حياتى من غيره يا “ليلى”،مش قادرة حتى اتخيل انه قاعد معاها الوقت وبكل سهولة قدر يستغنى عني ويسيبني

واستطردت وهي تهز رأسها بجنونٍ وعدم استيعاب:

السابقانت في الصفحة 1 من 3 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
22

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل