
سهام صادق: الفصل الأول
اِحتلت الفَجِيعة ملامح تلك الجالسة و انسابت دموعها في صمت، الصَدْمَة لم تكن من نصيبها وحدها بل كانت من نصيب أبنائها أيضًا.
والدهم العزيز المُحب لوالدتهم التي دومًا ما تغنت بقصة حبهم، له طفلاً من امرأة أُخرى.
الوجوم اِرتسم على ملامح أفراد العائلة يستمعون في صمت إلى ما يُخبرهم به محامي العائلة.
– “أحمد رأفت العزيزي”
ابن السيد “رأفت العزيزي” و مدام “نوره السيد حسن”.
صرخة خرجت من شفتيّ “نورسين” التي نهضت على الفور تلتقط الأوراق التي يمسكها المحامي تبحث عن وثيقة زواج والدها.
– لا مش معقول.
لم تَكُن السيدة “لطيفة” أقل صدمة من ابنتها لكنها ظلت صامتة تعبر عن وجعها بالدموع.
لقد خانها شَريك حياتها في أخر أيامهم ، خانها من تعهد لها في أول ليلة أنغلق عليهم بابًا واحداً أنها ستظل امرأته الأولى والآخيرة إلاَ أن يفارقوا الحياة.
– “نـورسـيـن” كفايه صراخ ، أنتِ مش مستوعبه حالة ماما.
صَاح بها “خالد” الذي خرج أخيرًا عن صمته.
إندفعت نحوه “نورسين” تلقي بنفسها بين ذراعيه تنتحب من الصدمة والحُزن.
– دخلتها بيتنا وعطفت عليها وفي الأخر اتجوزت بابا يا “خالد”.
أنا السبب … أنا السبب.
دفنت رأسها في حضن شقيقها لا تقوى على تصديق الكَارِثَة التي حطمتها.
غَادَرَ المحامي في صمت بعدما أعطاه “خالد” إماءة برأسه بالإنسحاب ، فالوضع الآن لا يُحتَمل.
– ضحكت على بابا واتجوزته ، عضت إيدينا اللي أتمدت ليها.
حديث “نورسين” كان يسقط على قلب السيدة “لطيفة” وكأنه سكين حاد…
حاولت السيدة “لطيفة” النهوض من فوق الأريكة لكن جسدها لم يتحمل في هذا العمر ما عاشته من نَڪَبات في ليلة واحدة.
– مـامـا.
…
– إرفعي راسك ، ضهرك خليه مفرود ، خليكِ واثقه في نفسك وجمالك.
هذه كانت نصائح -والدتها- السيدة “ثريا الدمنهوري” لشقيقتها “ريناد”.
لكن هي بالطبع ليست مرئية وعليها أن تكون دائمًا بالخلف حتى لا تجعل والدتها أُضحوكة بين أقاربها.
” عائلة الدمنهوري باشا ”
تمتمت بها “خديجة” ساخرة ، فأكثر ما تكرهه بحياتها هي تلك المناسبات العائلية التي تُصِر والدتهم على اِصطحابهم إليها لعلّ “ريناد” تحصل فيها على عريس ثري.
– مش عايزاكي تتحركي من مكانك ، الكرسي اللي هتقعدي عليه متقوميش من عليه.
هذا الحديث كان من نصيبها عندما اقتربت من إحدي الطاولات.
– حبيبت ماما، عايزاكي تفضلي حوالين العروسه ، أنتِ عارفه هي متجوزه مين .. ابن مساعد وزير الداخليه…يعني كل اللي في الفرح ناس مهمه.
أماءت “ريناد” برأسها مبتهجة من حديث والدتها ، فهي لن تخيب أمل والدتها فيها وستحصل على عريس ثري مهما كلفها الأمر… هي لن تعيش حكاية والدتها وتتزوج من موظف بسيط كوالدها.
– متقلقيش يا ماما … خليكي واثقه في بنتك.
ابتسمت السيدة “ثريا” بإنتشاء وألقت بنظرة استحسان على ملامح ابنتها التي تُشبهها.
– طالعه جميلة ليا زي ما كنت في شبابي … مش عايزاكِ تخيبي خيبتي يا “ريناد”.
اتجهت عينيّ السيدة “ثريا” شزرًا نحو “خديجة” التي جلست فوق المِقْعَد تضع بكفها على خدها وتتأمل الفتيات من حولها ثم تخرج زفيرًا.
بدأت “ريناد” في تنفيذ نصائح والدتها التي كلما تتبعتها بنظراتها شعرت بالفخر خاصةً عندما تلتهمها أعيُن الرجال لكن عندما تقع عيناها على “خديجة” -التي تلتهي تارة بالنظر إلى هاتفها وتارة أخرى في مطالعه الفتيات اللاتي يماثلونها في العمر- تشعر بالحسرة.
– ستات العيله كلها بيقولولي سايبه بنتك كده إزاي يا “ثريا” ، وياريتك بتحسي ولا بتشوفي نظرات الناس ليكِ.
طبعاً ولا كأنك سمعاني وأكيد بتفكري امتى هيفتحوا البوفية وهتجري زي الجاموسة عشان تملي بطنك وأهو أنتِ مش غرمانه حاجة أنا اللي عماله أدفع فلوس لدكتور التخسيس.
اِستمرت “ثريا” في توبيخها إلاَ أن اِقتربت منهم ابنة خالتها.
اِندمجت “ثريا” مع ابنة خالتها في الحديث ، “ناهد” ابنة خالة والدتها كانت شبيهه تمامًا بوالدتها .. وكأن هذه العائلة تعشق المظاهر والعجرفة.
– مش معقول يا “ثريا” هتسيبي البنت بالشكل ده … كده عمرها ما هتتجوز مين هيبصلها وهي بالجسم ده.
امتقعت ملامح “ثريا” ثم رمقت “خديجة” بنظرة ممتعضه، فأسرعت “خديجة” في اِشاحت وجهها عنهم ثم نهضت من فوق المقعد الجالسة عليه قائلة:
– ماما أنا رايحه الحمام.
باِبتسامة مصطنعه نظرت إليها “ثريا” بنظرة تحمل التوعد.
– روحي يا حبيبتي.
مكثت “خديجة” بدورة المياة قُرابة الساعة ، البعض يدخل ويخرج بعدما يقضون حاجتهن أو ربما للتزين وهندمت هيئتهن أو إلتقاط الصور لكن هي مكوثها كان هَربًا.
أخيراً بعثت لها والدتها رسالة لتأتي إليهم أمام باب القاعة فهم سيغادرون حفل الزفاف.
– مش لو خسيتي كنتي جيتي لينا بسرعه بدل ما بتتحركي زي السُلحفاه.
طالعتها “ريناد” بتهكم بعدما ألقت عليها كلماتها اللاذعه ثم اتبعت والدتها التي أخذت تنفث أنفاسها بقوة لضيقها من تجاهلهم لها بالحفل.
– فاكرة نفسها مين بنت “شاكيره” ، هي نسيت نفسها … أه يا خبتك يا “ثريا” خليتي حُثَالة العيلة تتريق عليكِ …
أهو جوزها ده اللي طالعه بيه السما كان هيموت ويتجوزني بس أقول إيه النصيب اللي وقعني في أبوكم.
هكذا كانت تتذمر “ثريا” دومًا رغم أنها من اختارت السيد “ڪمال” رَحِمَه الله لتتزوجه.
نظرت إليها “ريناد” بنظرة ممتعضه ثم نظرت نحو أظافرها المطلية دون أن تعير والدتها إهتمام.
إزداد مقت “ثريا” كلما تذكرت تلك الكلمات البغيضة التي ألقتها عليها قريبتها وكان عليها أن تُخرج غضبها على أحد.
– “خديجة”
…
أغلق الباب خلفه بعدما اطمئَن على خُلود والدته للنوم.
زفر أنفاسه بقوة ثم بخطوات حملت إرهاق صاحبها اِتجه لغرفة شقيقته.
– لسا صاحيه يا “نور” ؟؟
قالها “خالد” بعدما دلف الغرفة وقد انتبه على صورة والده التي أسرعت شقيقته بإخفائها أسفل وسادتها.
إقترب منها وعيناه عالقة بملامحها الذابلة، فشقيقته كانت شديدة التعليق بأبيهم.
جاورها فوق الفراش ثم رفع كفه نحو خدها يُمسده بحنو.
– “نور” عايزك تكوني قوية عشان ماما.
– مش قادرة يا “خالد”.
قالتها “نورسين” ثم عادت دموعها تتدفق بغزارة فوق خديها.
– ليه بابا شّوه صورته في عينيا ، ليه وجع ماما كده ومع مين يا “خالد” مع أعز صحباتي.
اِرتفعت شهقات “نورسين” عاليًا، فهي مازالت لا تستوعب ما أخبرهم به المحامي ليلة أمس.
ضمها “خالد” إليه بعدما عجز عن إخماد وجع شقيقته.
– ليه بابا خان ماما ؟!!
أربع سنين وهو متجوزها يا “خالد” … خدها فرع دبي عشان محدش يكتشف جوازهم ، كانت صاحبتي يا “خالد”.
أنا اللي شغلتها في الشركة ودخلتها بيتنا، وماما يا “خالد” كانت بتعاملها وكأنها بنتها …ياريتك مكنتش بعدت عننا وسبتنا يا “خالد”.
…
في رُڪن مظلم ، جلست “خديجة” منزوية على حالها قرب البراد بعدما إلتقطت منه عُلبة الشيڪولاته.
دست الملعقة في فَاهِها تتناول الشيكولاته دون شهية حتى فرغت العُلبة تمامًا.
تعلقت عيناها بالعُلبة التي صَارت فارغة تبحث داخلها عن المزيد لكنها كانت بالفعل فارغة.
ثواني مرت وعيناها عالقة داخل العُلبة ثم انفجرت بالبكاء.
بكت “خديجة” كما تبكي كُلّ لَيلة ينغرز فيها سهام تنمرهم بها وبجسدها، بكت على حالها وعلى استمرارها في تناول الطعام، بكت على أشياء دُفِنت داخل قلبها.
اِستمرت بالبكاء إلا أن شعرت بالراحه.
عادت عيناها تتعلق بعُلبة الشيكولاته بحسرة.
…
رحب “خالد” بالسيد “جلال” المحامي وقد تعلقت عيناه بذلك الطفل الذي يحمل دُميته وتحتضنه مربيته.
– أهلًا “جلال” بيه.
ابتسم السيد “جلال” الذي تربطه قرابه وعلاقة قوية بالعائلة ثُمّ تَساءَل عن حال السيدة “لطيفة”.
– “لطيفة” هانم عامله إيه دلوقتي.
– بخير الحمدلله.
أجاب “خالد” بعدما زفر أنفاسه وأشار للسيد “جلال” بالجلوس.
نظر السيد “جلال” للطفل الصغير الذي أنكمش داخل أحضان مربيته ثم زفر أنفاسه قبل أن يُسلط عيناه نحو “خالد” الذي أحتل الجمود ملامحه .
– طبعًا أنت عارف بجواز السيد “رأفت” قبل وفاته بفترة قصيرة.
تعلقت نظرات السيد “جلال” به قبل أن يستكمل حديثه.
– من يوم ما اتولد “أحمد” والسيد “رأفت” الله يرحمه كاتب الوصاية ليك يا دكتور، هو عارف ومتأكد إنك هتحافظ على أخوك وماله.
…
دمعة فاضت من عين والدته بعدما أخبرها بوجوب وجود أخَاه لديهم ورعايته.
والدته لم تكن امرأة سيئة أبدًا حتى أنها لا تستحق ما فعله والده بها لكن حدث ما حدث وانتهى الأمر.
مسح دموع والدته بقلب عجز عن فعل شىء ثم ضمها لصدره يُخبرها.
– لو مش هتقدري تتحملي وجوده أنا ممكن أخده لعمتي يتربى عندها.
ابتعدت عنه السيدة “لطيفة” تهز رأسها رافضة لإقتراحه.
رؤيته لوالدته وهي لا تستطيع الحديث يجعله يشعر وكأن النيران تندلع داخله.
– مين ده اللي هيعيش معانا يا “خالد” ، أنا مش عايزه الولد ده هنا.
إندفعت “نورسين” لداخل غرفة والدتها وعيناها عالقة بشقيقها ثم هتفت صائحة بأنفاس لاهثة.
– ابن الخاينة ديه استحالة يعيش معانا ولا هقبل في يوم إنه يكون أخويا.
نظرة كسيرة اِحتلت عينيّ السيدة “لطيفة” وهي تُطالع عيون ابنتها الحزينة.
– عايزانا نرمي أخونا يا “نـور” …ردي عليا.
-أمه خاينة، خانت العيش والملح… هيطلع زي أمه.
أخفضت “نورسين” رأسها أرضًا وقد انسابت دموعها.
الصدمة مازالت تأسرها ، صديقتها المقربة لها تتزوج والدها بالسر، من فتحت لها منزلها وجعلت والدتها تُرحب بها، من ساعدتها لتتخلص من بطش زوج والدتها هكذا يكون رد المعروف.
– اللي حصل حصل خلاص يا “نور”.
جواز بابا الله يرحمه من ست تانية واقع ولازم نتعايش معاه.
– أنا بكّره بابا، بكّره يا “خالد”…
غادرت “نورسين” الغرفة باكية.
بإرهاق زفر “خالد” أنفاسه ثم تلاقت عيناه بعينيّ والدته التي شحب وجهها وأصبحت أنفاسها ثقيله بعد رؤيتها لحُزن ابنتها التي تعلم مقدار عشقها لوالدها.
– مــامــا
صرخة خرجت من “خالد” وهو يندفع نحو والدته لقياس نبضها.
…
– ليه أَخُد “خديجة” معايا يا ماما، أنتِ عايزاها تحرجني بشكلها ده.
قالتها “ريناد” وهي تشير نحو “خديجة” التي حاولت التلاهي بالنظر لأي شىء أمامها.
– أنا قولت هتاخدي أختك وخلاص، الحفله هتخلص متأخر… إزاي هترجعي لوحدك بعد نص الليل.
امتعضت ملامح “ريناد” ثم أشاحت عيناها بعيدًا تتأفف بضجر.
– خلاص يا ماما مع إنها مش هتتبسط وسط صحابي وممكن يضايقوها بكلامهم.
– “ريناد” أنا قولت كلمتي خلاص مش معنى إني بشجعك إنك تخرجي وتسهري وتكوني منفتحه إني اتساهل معاكِ في كل حاجة.
إزدادت ملامح “ريناد” تجهمًا، فأسرعت السيدة “ثريا” في احتضان ابنتها المدلله القريبة لقلبها تمسد فوق خصلات شعرها.
– اسمعي كلامي يا حبيبتي، أنتِ عارفه أنا بخاف عليكِ إزاي.
ابتسامة واسعة ارتسمت فوق ملامح “ريناد” عندما تلاقت عيناها بعينيّ “خديجة” التي أسرعت في خفض رأسها أرضًا وقد اعتصر الألم قلبها.
إنها لم تشعر بحب والدتها لها يومًا رغم إغداقها على شقيقتها بحنان تتمنى لو تحصل منه على جزء حتى لو بسيط، والدها وحده من أحبها.
الحسرة اِحتلت قلب “خديجة” حتى عيناها فضحت حسرتها، مما جعل “ريناد” تشعر بغبطة لأنها دائمًا مميزة لدى والدتهم.
ابتعدت السيدة “ثريا” عن “ريناد” بضعة سنتيمترات لتفحص هيئتها بتدقيق ثم أشارت لها بالإلتفاف.
– قمر يا حبيبتي وهتخطفي كل الأنظار ليكِ النهاردة في الحفلة.
– بجد يا مامي.
ويا للغبطة التي تحتل قلب السيدة “ثريا” وهي ترى تدلل ابنتها وجمالها، إنها تُذكرها بنفسها في شبابها لكنها لن تجعلها تلقىٰ نفس مصيرها وتتزوج من مجرد موظف شريف لم تحصل من ورائه إلا على الفقر دونًا عن بنات عائلتها.
النظرة التي حملت الغبطه تحولت لنظرة حانقة عندما رمقت “خديجة” التي ارتدت بنطال من الجينز وقميص باللون الوردي.
– أنا مش قولتلك متلبسيش حاجة فاتحه عشان متظهرش الكلاكيع اللي في جسمك.
وكأن والدتها انتبهت على ما ترتديه.
كتمت “ريناد” صوت ضحكاتها عندما استمعت لتوبيخ والدتها لشقيقتها ثم أشاحت عيناها وأخذت تُداعب خصلات شعرها المموجة بيديها.
لا ملابس بألوان فاتحه يمكن أن ترتديها؛ عليها أن تختار الملابس الواسعة والغامقة وكأن سمنتها عار عليها.
اتجهت “خديجة” لغرفتها لتبدل قميصها وهي تُقاوم ذرف دموعها ، لن تبكي الآن عليها الإنتظار بضعة ساعات حتى تختلي بنفسها.
لم تكن “خديجة” تُحِب تلك الحفلات التي تأخذها إليها شقيقتها لكنها كانت عليها مرافقتها.
الموسيقى الصاخبة وتلك القِناعات التنكرية التي يضعونها على وجههم ورقصهم وإلتصاق الأجساد ببعضها كل هذا كان يُثير إشمئزازها.
– خدي يا “خديجة” جبتلك طبق فيه كل أنواع الجاتوهات، اقعدي كلي وركزي في الحاجة الوحيدة اللي بتحبيها.
قالتها “ريناد” وهي تُعطيها طبق الحلوى ثم أسرعت نحو أصدقائها لتندمج معهم بالرقص.
تعلقت عينيّ “خديجة” بشقيقتها وأرادت التحرك خلفها وإلتقاط يدها وإخبارها أن عليهم مغادرة هذا الحفل لكنها تراجعت… ففي النهاية لا تتلقىٰ إلا الكلام اللاذع من شقيقتها و توبيخ والدتها.
بيأس نظرت نحو طبق الحلوى ثم بدأت تتناول منه دون شهية؛ فهي لا تحب الطعام كما تظن والدتها وشقيقتها بل تجد فيه ملاذ لحزنها.
…
توقف “خالد” جوار الطبيب المختص بعدما غادر غرفة والدته وقد اتجهت شقيقته “نورسين” نحوه بهلع بعدما علمت من الخادمة عند عودتها للمنزل أنه تم نقل والدتها للمشفى.
– ماما حصلها إيه يا “خالد”؟!
إندفعت “نورسين” لحضن شقيقها تشعر بالندم، ما كان عليها أن تتحدث عن ذلك الطفل -الذي لن تعتبره أخَاهَا يومًا- أمام والدتها.
اِبتعد الطبيب عنه ليمنحهم بعض الخصوصية.
– ماما بخير يا “نـور” ، كفايه عياط.
أبعدها “خالد” عن حضنه ثم احتوى وجهها بين كفيه ومسح دموعها.
نظرات شقيقته له ذكرته بنظراتها عندما كانت صغيره.
“نورسين” لم تكن إلا فتاة والدها المدلله عندما كان يريد والدهم عقابها كان يعاقبها بالخصام.
هو يعلم تمامًا أن فَاجِعة زواج والدهم لن تتجاوزها شقيقته بسهولة حتى والدته المرأة الرقيقة التي لا تستحق من والده أن يطعنها بهذا الشكل.
“سامحك الله يا أبي”
هذا ما ردده “خالد” داخله، لقد تركه والده في وضع لم يَظُن يومًا أنه سيعيش بِه.
غادر “خالد” المشفى بعدما أصرت “نورسين” عليه أن يغادر هو وتبقىٰ هي مع والدتها.
ليأخذ قسطًا من الراحه ولكن من أين ستأتي له الراحه هذه الأيام.
…
صدحت أصوات الموسيقى الصاخبة بشكل مبالغ فيه وقد ارتفعت أصوات التهليل مما أفزع “خديجة” التي ألهت حالها بإطعام القطة الصغيرة التي وجدتها بحديقة المنزل الذي يُقام به حفل العيد ميلاد.
نظرت نحوهم “خديجة” بأعين متسعة من الذهول والصدمة وقد انتبهت أخيرًا نحو شىء لم تظن أنهم يفعلوه.
الأكواب البلاستيڪية التي يضعون بها العصائر والمشروبات الغازية وتلك الزجاجات التي ظنت أنها مياة غازية مستوردة ما هي إلاّ خُمور.
شهقة حملت صدمة صاحبتها عندما وقعت عيناها على شقيقتها التي كانت تشرب من تلك الزجاجات وأرادت أن تجعلها تشرب منها لكنها رفضت لإعتيادها على تناول مشروب المياة الغازيه “الكوكاكولا”.
– بتشربي خمره يا “ريناد” ، طيب والله المرادي ما أنا ساكته وهقول لماما.
اِندفعت “خديجة” نحو شقيقتها التي تحركت مع أحد الأشخاص لداخل الڤيلا.
أسرعت “خديجة” في خطواتها نحوها وقد بدأت العديد من السيناريوهات تقتحم عقلها عما يحدث بالداخل مع شقيقتها.
•••••••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل الثاني
لم تستوعب “خديجة” ما تراه أمامها، شقيقتها تجلس جوار أحدهم ملتصقة به وتلتقط منه لفافة التبغ.
شهقة قوية خرجت منها وهي تتجه نحوها وقد انتفض الجالس جوار شقيقتها من مكانه.
– هي حصلت يا “ريناد” بتشربي سجاير.
صاحت بها “خديجة” ثم التقطت السيجارة من كف “ريناد” التي حدقت بها بوجه مستاء.
– إيه رأيك تخدي نفس يا حلوة.
قالها الواقف وهو يترنح في وقفته و اقترب من “خديجة” التي حملقت به بفزع وقد أخفت فزعها بصراخها عليه.
– أبعد عني القرف ده… شكلها أصلًا مش سيجارة عادية.
ارتفعت قهقهة الواقف كما ارتفعت قهقهة “ريناد” التي لم تَكُن تشعر بشىء حولها إلا أنها تطير فوق السحاب.
– هات يا “كامل” السيجارة بتاعتك أصلها عملتلي دماغ حلوه…
حاولت “ريناد” النهوض لتتجه نحو “كامل” لكنها تهاوت فوق الأريكة مرة أخرى.
– قومي يا “ريناد” خلينا نمشي من هنا… والله لهقول لماما على اللي عملتيه النهارده… هم دول أصحابك ولاد الناس.. دول فاشلين.
حاولت “خديجة” سحب شقيقتها من فوق الأريكة لتُخرجها من هذا المكان لكن “ريناد” دفعتها عنها.
– إبعدي عني.
– “ريناد” أنتِ تعرفي البنت دي.
تساءَل الواقف بملل بعدما بدأ يشعر بالضيق من وجود “خديجة” التي قطعت عليهم لحظة استمتاعهم.
أشارت “ريناد” نحو “خديجة” ثم ارتفع صوت ضحكاتها.
– لا معرفهاش.
حدقت بها “خديجة” بصدمة وقبل أن يخرج صوتها صائحًا بـ “ريناد” المغيبة من أثر ما تجرعته وجدت جسدها يتهاوى فوق المقعد وقد حاصرها “كامل” بذراعيه ثم نفث دخان سيجارته بوجهها.
سعلت “خديجة” بشدة وصرخت به.
– إبــعــد عــنــي.
“ريناد” إبعديه عني وخلينا نمشي من هنا.
…
في الولايات المتحدة الأمريكية
داخل أحد المشافي الكُبرى كانت “هيلين” تخرج من غرفة أحد المرضى ثم اتجهت إلى غرفة الأطباء.
تهاوت فوق مقعدها، فمازال متبقي على إنتهاء مناوبتها خمس ساعات.
دلف أحد الأطباء متسائلًا وهو ينظر نحو “هيلين”.
– هل ما سمعته صحيح؟
ضاقت عينيّ “هيلين”، فما الذي يقصده” ألبرت” بكلامه.
– “خالد” قدم استقالته من المشفى وسيستقر بمصر.
طالعته “هيلين” وهي لا تستوعب ما يُخبرها به “ألبرت”.
– ما الذي تقوله “ألبرت” ؟
“خالد” من المفترض أن يستلم بعد اسبوعين عمله كأستاذ جامعي بـ ستانفورد…، كيف له أن يترك ما وصل إليه هكذا.
هز “ألبرت” رأسه في حيره، فهذا ما سمعه من مدير المشفى.
– هذا ما سمعته للتو “هيلين” لكن كيف لم يكن لديكِ عِلم بهذا القرار.
تساءَل “ألبرت” بخبث وهو ينظر لملامح “هيلين”، إنه سعيد للغاية اليوم… فهذا العربي الذي لا يطيق وجوده بسبب تفوقه ونبوغته سيرحل تمامًا ويعود لموطنه.
التقطت “هيلين” هاتفها بعُجالة ثم غادرت الغرفة تحت نظراته المتخابثة.
زفر “خالد” أنفاسه بقوة بعدما صدح رنين هاتفه والتقطت عيناه اسم “هيلين”.
أجاب عليها على الفور لأنه يعلم سبب اتصالها وقد خرج صوته متحشرجًا.
– مرحبًا “هيلين”.
لم تجيب “هيلين” تحيته، فما يشغل عقلها الآن ما سمعته من “ألبرت”.
– هل ما أخبرني به “ألبرت” صحيح “خالد”، أنا كنت أحادثك منذ أيام لما لم تخبرني بقرارك.
هذا المسمى بـ “ألبرت” يعلم نواياه تمامًا.
– أنا سآتي لأمريكا بعد بضعة أيام لأنهي كل الأمور العالقة وسنتحدث هيلين”.
– سترحل “خالد” ! ، أين هو وعدك لي؟ أليس من المفترض أن نتزوج هذا الصيف؟
صوتها المختنق يُشعره بالإستياء لكن ما عساه أن يفعل…
كل شىء سقط فوق رأسه وأصبح الآن هو المسئول عن عائلته وشركة أبيه.
لقد ظن أنه سَيُكمل حياته بأمريكا كطبيب لكن وفاة والده وكارثة زواجه السري الذي كسر فؤاد والدته وحطم شقيقته وذلك الأخ الصغير الذي أصبح تحت وصايته؛ كل شىء حدث فجأة وحطم أحلام سعى إليها لسنوات.
– من فضلك “هيلين” اجعلي حديثنا عندما آتي إليكِ.
…
سقطت دموع “خديجة” بعجز بعدما تمكن – ذلك المدعو “كامل” ورفاقه- من محاوطتها.
لا تعرف متى وكيف أصبحت محاصرة بهم.
أغمضت عيناها عندما شعرت بالرعب من أصوات تهليلهم حولها وكأنهم يقومون بطقوس خاصة.
– ابعدوا عني ، ابعديهم عني يا “ريناد”.
لكن “ريناد” لم تكن بوعيها بل كانت تفعل مثلما يفعلوا.
أغلقت “خديجة” فمها بقوة لتمنع فوهة تلك الزجاجة من لمس شفتيها.
حاولوا جعلها ترتشف الخمر لكن عندما شعروا بالضجر من إغلاقها لفمها رفعوا زجاجات الخمر وسكبوها فوق رأسها.
تعالا صياحهم وهم يشعرون بالسعادة لرؤيتهم لها وهي ترتجف بهذا الشكل.
استكملوا طقوسهم وصياحهم وقد ارتفعت أصوات الموسيقى وأخذ البعض يندمج في الرقص.
توسلت لشقيقتها بنظرات صامته لكن “ريناد” كانت مثلهم تترنح وتُهلل مع صخب الموسيقى.
حاولت “خديجة” بإستماته التحرر من تقيدهم لها لكن ثُقل وزنها حال دون ذلك.
الذُعر احتل عيناها وهي تراهم يحملون المِقْعَد الذي أجلسوها وقيدوها عليه عُنوة.
خرج صوتها بتحشرج تبحث عن شقيقتها بينهم وتناديها.
– “ريــنــاد”.
عندما اقتربوا بها من المسبح صرخت بكل قوتها.
– لاااا.
ارتفع صياحهم مجددًا بحماس بعدما ألقوا بها في المسبح ثم عادوا لرقصهم وكأن شيئًا لم يَكُن.
توسعت أعيُن حارس الڤيلا وقد شعر بالصدمة مما يحدث.
لم يترك لعقله لحظة للتفكير واندفع بهروله نحو المسبح.
توقف الجميع عن الرقص والتهليل ثم سلطوا أنظارهم نحو المشهد.
بدأ البعض يفيق من حالة اللاوعي التي جعلتهم يستمتعون برؤية أحدًا يُصارع الموت.
بدأت “ريناد” تفيق أخيرًا وهي ترى شقيقتها تلتقط أنفاسها بصعوبة ويُساعدها ذلك الحارس بالخروج من المسبح.
– أنتِ كويسة؟!
سألها الحارس الشاب، فهزت رأسها بضعف له.
الجميع أصبح يسلط عيناه على المشهد، البعض كان متأثرًا والبعض الآخر لا يفرق معه الأمر…
فهم هنا ليستمتعون.
عادت الموسيقى ترتفع مرة أخرى ليستكملوا سهرتم.
– متجيش مكان زي ده تاني، الناس دي مش شبهنا.
قالها الحارس وهو يعطيها غطاء إحدى الطاولات لتلفه حول جسدها.
ارتجف جسد “خديجة” وسُرعان ما خرجت شهقاتها بصوت مرتفع.
طالعها الحارس بشفقة وحزن ثم أخذ يلعن هؤلاء الشباب.
لا يصدق أن استهتارهم وصل بهم لهذا الحد.
– خليكي هنا، هدخل أشوفلك حاجه عندي ينفع تلبسيها عشان تعرفي تروحي.
أشار الحارس بيده نحو الغرفة الصغيرة التي يسكن بها لحراسة الڤيلا التي دائمًا يقوم صاحبها بتأجيرها.
تحرك الحارس نحو الغرفة ليبحث لها عن شىء ترتديه.
تعلقت عينيّ “خديجة” به ومازالت دموعها تنهمر فوق خديها.
غادرت “خديجة” الڤيلا وهي تضع يديها فوق أُذنيها لتمنع صوت الموسيقى الصاخب من إختراق روحها المهشمة.
بخطوات شاردة سارت “خديجة” في ذلك الطريق الخالي من المارة لا تشعر بشىء حولها حتى برودة الهواء التي اخترقت عظامها.
إنها حتى هذه اللحظة لا تُصدق ما عاشته من رعب على أيديهم، جعلوها كالأضحوكة حتى “ريناد” شقيقتها تعاونت معهم.
استمرت دموعها بشق طريقها إلى خديها وارتفعت أنفاسها عاليًا بسبب شعورها بالإختناق الشديد.
…..
شعر “خالد” بالإختناق بعدما أنهى مكالمته مع “هيلين”، إنه بالفعل كان على وشك إعلان رغبته -لوالديه- بالزواج منها فهو وجد حياته بأمريكا ولا يرغب بالإستقرار بالوطن لكن موت والده المفاجئ غَيّر جميع خططه.
أخذته أفكاره لذلك اليوم الذي علم فيه بزواج والده.
كان في مؤتمر طبي بدولة الإمارات وبعد إنتهاء المؤتمر قرر الذهاب لوالده.
« فلاش باك ».
منذ ثمانية أشهر.
– إلى أين أنتَ ذاهب “خالد”؟
تساءَلت “هيلين” التي كانت من ضمن الفريق الطبي المبعوث إلى الإمارات ثم بعدها نظرت لساعه معصمها وأردفت:
– مازال الوقت معنا، ما رأيك أن نتجول بالمدينة إلى أن يأتي موعد طائرتنا.
– اعذريني “هيلين”، يجب عليّ رؤية والدي… أنتِ تعلمين أن والدي لديه أعمال هنا وهذه الأيام هو هُنَا في الإمارات.
مطت شفتيها بحنق بعدما علمت أن أمر تجولهم سويًا قد ضاع.
– سأذهب لرؤيته ،هو لا يعلم بتواجدي هُنَا.
قالها “خالد” ثم نظر إليها آسفًا.
– أنتَ بالتأكيد لا تريدني أن آتي معك.
تمتمت بها “هيلين” وقد أصاب ملامحها الحزن عندما رأت تردده.
– لا بأس “خالد” ، أنا أعلم أن الوقت لم يحن بعد لتعرفني على عائلتك.
حاول “خالد” الهرب من تلك المناقشة ، فهو حتى اليوم مازال لم يحدد مشاعره نحو “هيلين”.
هو بالفعل يريد الإقتران بها لأنها تمتلك الكثير من مواصفات شَريكة حياته لكنه يشعر أن الأمر يحتاج لوقت.
– على العكس “هيلين” أن أريد أن تتعرف عليكِ عائلتي لكن أُفضل أن أخبرهم نيتي بالزواج منك أولًا.
“خالد” لم يكن يوماً بالرَجُل الذي يمتلك القدرة على تزييّن الكلام أو إظهار مشاعره.
غادر الفندق الذي يُقام فيه المؤتمر الطبي لكن بمجرد أن أشار لأحد سيارات الأجرة بأن تتوقف كان هاتفه يرن.
ضاقت عيناه وهو ينظر نحو رقم المتصل ثم أجاب بعدما استقلَّ سيارة الأجرة.
– طبعاً أنت أكيد هتكون نسيتني يا دكتور بعد ما سافرت أمريكا.
– أستاذنا العظيم، مش معقول!!
هتف بها “خالد” وقد ابتهجت ملامحه من السعادة بسبب سماع صوت أستاذة الطبيب “إدريس”.
ابتسم وهو يستمع إلى صوت أعز تلامذته.
– منور الإمارات يا “خالد” ، أنا أول ماعرفت بوجودك هنا حاولت أعرف رقم تليفونك.
– حقك عليا أستاذي، أنا عارف إني مقصر بالسؤال عنك لكن هتفضل طول عمري قدوتي واستاذي الغالي.
التمعت عينيّ “إدريس” بالفخر وهو يتذكر حديث بعض الأطباء هُنَا عن مهارة “خالد” كطبيب عظام متنبئين له بمستقبل باهر.
– أنا فخور بيك يا “خالد” أوي، اسمك بقى واصل ليا هنا.
– مش كنت تلميذك يا استاذي ومازالت تلميذك.
لم تفارق الإبتسامة شفتي “إدريس”، فهو فخور بالفعل بـ” خالد” وبمديح الأطباء به.
– “خالد” مُعلمك محتاجك في استشارة طبيه.
وللأسف ضاعت خطته للذهاب لوالده.
انتهى أخيراً الوقت الذي صَبّ فيه “خالد” كل تركيزه مع الطبيب “إدريس” وبعض الأطباء عن حالة أحد المرضى.
نظرات الفخر التي كان يرمقه بها الطبيب “إدريس” كانت تستحق التوثيق لكن “خالد” لم يكن منتبهًا لها لأن من عادته التركيز في عمله.
– عرض عمل بمبلغ مغري في كام ساعه بس، لا يا دكتور أنت خلاص وصلت.
قالها الطيبب “إدريس” ممازحًا “خالد” رغم رغبته في عمل “خالد” معه بالمشفى هنا لكنه يرى أن مستقبله بالفعل في الولايات المتحدة الأمريكية.
– إني اشتغل تحت إيدك استاذي ده شىء يشرفني.
ابتسم “إدريس” له بحب أبوي ثم ربت على كتفه.
– دايمًا كنت أقول لنفسي إن “خالد” مش هيكون مجرد دكتور عادي.
لم يكن “خالد” في تلك اللحظة منتبهًا على حديث الطبيب “إدريس” له، فعيناه قد علقت نحو والده الذي يسير جوار امرأة يبدو عليها التعب ويحيط خصرها بذراعه.
« باك»
فاق من أفكاره على نظرة الذعر التي احتلت أعيُن تلك الواقفة أمام سيارته بعدما تمكن بصعوبة من التحكم في توقف سيارته دون الإصطدام بها.
ترجل من سيارته بقلق ينظر إليها وقد اِنتبه على هيئتها التي صدمته، فهي مبتلة الملابس وتحيط جسدها بمفرش طاولة.
– أنتِ كويسه؟!
نظرت إليه “خديجة” ثم حركت له رأسها دون حديث.
– لو محتاجه…
وقبل أن يستكمل “خالد” كلامه وجدها ترحل من أمامه وقد أذهله هيئتها العجيبة في هذا الوقت المتأخر من الليل.
نظر “خالد” حوله، فالمنطقة هنا لا يسكنها إلا القليل لأن أغلب قاطني المجمع السكني ليسوا مستقرين بالوطن.
سلط “خالد” عيناه عليها لمرة أخيرة قبل أن تختفي عن ناظريه ثم استقلَّ سيارته، فما الذي يشغل باله فهو عرض المساعده وانتهى الأمر.
••••••••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل الخامس
نظرت “ثريا” بدهشه لـ “ريناد” التي عادت مُبكرًا من حفل الزفاف ثُمّ اتجهت لغرفتها دون أن تنطق ببنت شَفَةٍ.
تركت “ثريا” طبق المقرمشات الذي تأكل منه ثُمّ اتجهت بعينيها نحو “خديجة” التي كانت مندمجة في مشاهدة المسلسل التلفزيوني.
– شكله طلع زي اللي قبله، وقال عماله تقولي يا ماما عينه مني ونظراته فضحاه.
تمتمت “ثريا” بكلامها ثُمّ نهضت من فوق أريكتها واتجهت نحو غرفة ابنتها الغالية التي تُريدها أن تحظى بزوج ثري ولا تكون مثلها.
أشاحت “خديجة” عيناها عن شاشة التلفاز ثُمّ نظرت جهة غرفة شقيقتها، وهي حزينة على حالها.
تعالا صوت “ريناد” بعدما بدأت “ثريا” كعادتها بإلقاء حديثها الساخط من غبائها.
زفرت “خديجة” أنفاسها بضيق وخنقة، فضياع مستقبل شقيقتها سيكون على يديّ والدتهما التي تُريد تحقيق أحلامها في تزويج شقيقتها من رَجُل ثري تتباهى به بين قريباتها و صديقاتها.
غادرت “ثريا” غُرفة ابنتها – التي أغلقت الباب بقوة فور خروجها- بسخط.
– ماشي يا “ريناد” بتقفلي الباب في وشي.
اتجهت “ثريا” لأريكتها بغضب وقد تضاعف غضبها وهي تجد “خديجة” تزيل نظارتها عن عينيها ثُمّ تفرك جفنيها وبعدها عادت لإرتداء نظارتها.
– الواحد ما صدق خسيتي، كمان ليل نهار لبسالي النضارة…
ابتسامة ساخرة احتلت شفتيّ “خديجة” ثُمّ عادت تنظر نحو شاشة التلفاز.
– الفلوس اللي كنت محوشاها لعملية الليزك أنتِ أخدتيها لما سافرتي تقضي كام يوم في الساحل مع طنط “فاريهان”.
امتقعت ملامح “ثريا” عندما استمعت لكلامها واستشاطت غضبًا عندما وجدتها تنهض من فوق الأريكة الأخرى وتتجه إلى غرفتها.
– شكلي معرفتش أربيكي أنتِ كمان، اسمعي يا كبيره يا عاقله حتى أختك بقت ترد عليا… ما هي شيفاكي مش عامله ليا حساب.
صاحت بها “ثريا” وهي تتجه بعينيها نحو غرفة “ريناد” التي دفعت وسادتها بقوه نحو الجدار صارخة.
أغلقت “خديجة” باب غُرفتها واستندت بظهرها عليه.
أغلقت جفنيها ثم زفرت أنفاسها لتستطيع طرد ذلك الشعور الذي يحتل روحها، ليتها كانت مثل “ريناد” تُخرج غضبها بصراخها وتمردها.
اتجهت نحو مكتبها ثم فتحت حاسوبها.
تنهيدة طويلة خرجت منها عندما اقتحم عقلها معايرة والدتها لها بإرتداء نظارة طبية ، لقد ضعف بصرها بسبب انكبابها الدائم أمام الحاسوب لكي تحصل على الأموال من عملها على منصات مواقع العمل الحر.
ابتسامة ساخرة ارتسمت على شفتيها قبل أن تشرع في عملها، فالأموال التي تجنيها يتم صرفها على رفاهيات والدتها لكن هي لا تتذكر أخر ثوب متى قامت بشرائه.
…
هبطت “نورسين” الدرج وهي تتحدث مع سكرتيرة مكتبها وقد ارتسمت الحيرة فوق ملامحها وسؤال واحد يتردد داخل عقلها.
متى قرر “طارق” تولي إدارة فرع دبي – رغم رفضه من قبل- ولما لم يُخبرها بقراره رغم أنها كانت معه قبل يومين يتحدثون في أمور عِدة ألهذه الدرجة هي لا تعني له شىء.
عند تلك النقطة تبدلت ملامحها من الحيرة إلى الغضب وهي تقترب من مائدة الطعام وقد انشغل “خالد” كالعادة بتدليل الصغير والإستماع إلى ما يقصه عليه تحت نظرات والدتها التي تفيض بالحنان والمحبة.
– إزاي “طارق” يتنقل فرع دبي وأنا ميكونش عندي علم.
تعجبت والدتها من حالة الغضب التي هي عليها ثُمّ تساءَلت بدهشة.
– هو “طارق” سافر يمسك فرع دبي يا “خالد”؟
– خلص طبقك بسرعه يا “أحمد” عشان ميعاد المدرسة.
قالها “خالد” للصغير ثم استدار نحو والدته.
– أخد القرار ده قبل فرح “سلوى” باسبوع وهو اللي طلب مني أني مبلغكمش بقراره، وحتى عمتي عرفت ليلة سفره.
اندهشت السيدة “لطيفة” من الأمر لكن سُرعان ما تمتمت له بالدعاء.
– ربنا يوفقه، “طارق” ابن حلال ويستاهل كل خير.
أماء “خالد” برأسه مؤكدًا حديث والدته ثم نظر نحو “نورسين” التي استشاطت غضبًا.
– لكن السكرتيرة بتاعته عارفه بسفره من إمبارح وأنا آخر من يعلم مع إنه من يومين كان في مكتبي… قولي دلوقتي مين اللي هيتولي الشغل بتاعه بعد سفره.
استمرت “نورسين” بالكلام الغير مترابط والذي ينم عن غضبها من سفر “طارق” المفاجئ.
تعلقت نظرات والدته به وكأنها تُخبره أن ما يعتقدوه من مشاعر “نورسين” لـ “طارق” صحيحة وليست وهمًا.
– متقلقيش يا “نور” ، المدير الجديد هيكون على مكتبه النهاردة وده شخص موثوق فيه جدًا.. أكيد عارفه “عبدالرحمن ثابت”.
– “عبدالرحمن ثابت” !! ، هو رجع من امتى من إنجلترا؟؟
اندهشت “نورسين” من عودة ذلك الذي يجمعه صداقه قويه بـ “طارق”.
– رجع من شهر بعد انفصاله عن مراته.
قالها “خالد” وهو يتجه نحو والدته ليُقبل جبينها ثُمّ التقط يدها ليُقبل كفها متسائلاً.
– محتاجه حاجه مني يا ست الكل.
ابتسمت السيدة “لطيفة” لإبنها الغالي الذي عوضها وجوده عن كل شىء قد حدث.
– لأ يا حبيبي، تسلملي.
بادل “خالد” والدته الإبتسامة ثُمّ نظر للصغير قائلاً.
– يلا يا باشا عشان أوصلك المدرسه.
ترك الصغير مِقْعَده واتجه إليه بسعادة لأنه اليوم سيحظى بمرافقة أباه كما يَظُن.
تعلقت عينيّ “لطيفة” بولدها الحبيب تتمنى داخلها أن تراه يومًا يُمْسِك في يده طفله.
نظرت “نورسين” إلى شقيقها وهو يغادر ثُمّ تحولت نظراتها نحو والدتها – المبتسمة لما تراه على ملامح ابنتها وتفهمه- وبعدها اندفعت نحو الدرج ثُمّ لغرفتها حانقة.
…
في اللحظة التي رفعت فيها “سارة” عيناها عن شاشة هاتفها تقابلت عيناها بعينيّ “خديجة” التي دلفت للتو من باب المقهى الذي اعتادوا المجيء إليه.
– خمس دقايق تأخير ياهانم.
ابتسمت “خديجة” ثُمّ جلست قبالتها هاتفه.
– لا سبع دقايق عشان نكون دقيقين.
قالتها “خديجة” بمزاح وهي تُسلط عينيها نحو كوب المثلجات الذي لم تمسه “سارة”.
سحبت “خديجة” الكوب نحوها تهتف قائلة.
– اطلبي ليكِ بقى واحد غيره يا “ساره”.
لم تكن فعلت “خديجة” بالأمر الجديد على “سارة”.
صفعتها “سارة” على يدها تهتف قائلة بعبوس مصطنع.
– أنا غلطانه إني مأكلتهوش بسرعه قبل ما تيجي.. وقال إيه كنت فرحانه لأن صاحب الكافيه عملهولي مخصوص.
ابتلعت “خديجة” قطعة المثلجات الممزوجة بقطع الفاكهة ثُمّ نظرت في تلك الجهة التي يتواجد بها دومًا صاحب المقهى.
وقعت عيناها عليه وقد شعر بالحرج من نظرات “خديجة” له، فأسرع بإشاحة عيناه عن طاولتهم.
شعرت “سارة” بالحرج لأن الأمر صار مفضوح لكنه لم يُصرح لها بمشاعره بعد.
– هنيالك يا ست “سارة”… ما أنتِ عشان كده دايمًا جيباني هنا.. قال إيه الكافيه هادي وراقي.
توترت “سارة” لكن سُرعان ما زمت شفتيها حانقة.
– على فكرة بقى أنتِ اللي عرفتيني على مكان الكافيه.
– وأنتِ ما شاء الله حبتيه أوي وبقيتي زبونه دايمة.
قالتها “خديجة” بمداعبة لـ “سارة” التي توردت وجنتاها من الخجل.
استمرت “خديجة” بمداعبتها لـ “سارة” إلى أن أنتهت من إلتهام كوب المثلجات.
– لا طعمه خطير فعلاً ومعمول بحب.
هتفت بها “خديجة” ثم أخذت تحرك حاجبيها بمداعبة.
مالت نحوها “سارة” ثُمّ أسرعت بوضع يدها على فمها تهمس بتوتر وخجل.
– كفايه يا “خديجة”.
أخيرًا انتهت “خديجة” من فقرة مزاحها، مزاح لا تكون في صورته إلا مع “سارة” صديقتها.
– احكيلي اللي حصل في فرح “زينة فهمي” بالتفصيل.
قالتها “سارة” وهي تنظر لـ “خديجة” التي زفرت أنفاسها بحنق من تذكر ذلك الزفاف.
– ما أنا حكتلك كل اللي حصل في التليفون.
– يا بنتي هو أنا كنت عارفه أسمع حاجه من صريخ “مروان” ابن “نورهان” أختي.
طالعت “خديجة” وجه “سارة” التي ارتسم الحماس على ملامحها.
– تحبي نبدأ من أنهي جزء يا “سارة” هانم.
ارتفعت ضحكات “سارة” لكن سُرعان ما وضعت يدها على شفتيها من الحرج والربكة خاصةً عندما تلاقت عيناها مع ذلك الذي يختلس النظرات إليها.
– من أول ما حطيتي رجلك في الفرح.
سردت لها “خديجة” كل شىء بالتفصيل لكن دون تلك المواقف السخيفة التي شعرت بها بين صديقاتها التي قطعت علاقتها بهم منذ تخرجها من الجامعه.
– “ليالي” ديه طول عمرها سخيفة، وأنتِ زي الهبله يا “خديجة” سيباها تسحبك وراها.
هتفت بها “سارة” بضيق من فعلت تلك المتكبرة السخيفة التي لا تطيقها منذ أن تعرفت عليها بالجامعة.
– عشان كده كنت عايزاكي تكوني معايا يا “سارة”، أنتِ عارفاني مبعرفش اتصرف… بفتكر دايمًا الناس عندهم حسن نية.
ربتت “سارة” على كفها وارتسمت فوق شفتيها ابتسامة دافئة تحمل في طياتها الدعم.
– أنا محظوظة عشان عندي صديقه زيك يا “خديجة”.
“سارة” كانت أكثر من يعرف المعاناة التي عانتها “خديجة” من قبل بسبب التنمر على وزنها الزائد وقلة إهتمام والدتها بها والتفريق بينها وبين شقيقتها.
ورغم فقد “خديجة” لوزنها بسبب تلك الليلة المشئومة قبل ثلاث سنوات -وكانت “ريناد” سببًا فيها- إلا أن السيدة “ثريا” مازالت لا تهتم إلا بـ “ريناد” وكأنها لم تنجب “خديجة” من رحمها.
وجدت “خديجة” أن دموعها أوشكت على خيانتها بعد كلام “سارة” لها، فـ “سارة” الوحيدة التي كانت معها في أشد أوقاتها احتياجًا لأحد.
عادت النظرة العابثة تحتل عينيّ “خديجة” التي سلطت عيناها على كوب المثلجات الفارغ مرة أخرى.
– ما تطلبي ليا واحد تاني متوصي عليه.
هذه المرة كانت عُلبة المحارم الورقية الموضوعة على الطاولة تُقذَف على “خديجة” التي انفجرت ضاحكة من فعلت “سارة”.
رفعت “خديجة” لها ذراعيها تُعلن إستسلامها.
– خلاص يا “سارة” رفعت راية الإستسلام.
رمقتها “سارة” بنظرة ممتقعة سُرعان ما تحولت لنظرة متحمسة وهي تتذكر شيءً.
– صح نسيت أوريكي الإعلان اللي كنت لسا شيفاه قبل ما حضرتك تمسكيني تريقة.
أسرعت “سارة” بإلتقاط هاتفها والبحث عن صفحة الوظائف التي رأت بها الإعلان الوظيفي.
اقتربت “خديجة” بمقعدها من “سارة” التي أخذت تخبرها بحماس متطلبات الوظيفة.
– عايزين مترجمة بتعرف روسي كويس لمدة 6 شهور، المرتب حلو أوي يا “خديجة”.
أخبرتها “سارة” بالراتب الذي ستحصل عليه مما جعل “خديجة” تهتف بإحباط.
– المرتب المعروض بيدل إن معايير اختيارهم للشخص هتكون صعبة يا “سارة”… بيتهيألي كده عايزين مواطن روسي ومقيم حاليًا في مصر وبيعرف عربي كويس أو واحد عايش حياته كلها فـ روسيا.
امتقعت ملامح “سارة” بعدما استمعت لكلام “خديجة”.
– إيه الإحباط اللي أنتِ فيه ده، أولاً الراتب لو ممتاز فهو عشان يغري المتقدمين للوظيفة متنسيش إنها مش وظيفة دايمة، فمش أي حد هيقبل بيها..
ثانيًا يا أستاذه يا مُحبطة قدمي وخلاص.
وبعيداً عن أولاً وثانيًا خليكي واثقة في نفسك يا “خديجة”.. أنتِ شاطرة ومجتهدة يا “خديجة”.
أرادت “سارة” أن تُشجعها.
– أنا لو مكانك مش هسيب الفرصة ديه حتى لو مش واثقة في قدراتي لكن أعمل إيه أنا قسم إيطالي.
بدأت “خديجة” تقتنع برأي “سارة” فلما لا تُجرب وبالنهاية هي تجربة لن تخسر فيها شىء.. صحيح ستشعر بالإحباط بعدما يتم رفضها لكن لا بأس.
– وريني كده الإعلان عشان أشوف اسم الشركة بدل ما احنا بنتكلم عن الفرصه التي لا تعوض ويطلع الإعلان في الأخر وهمي.
أعطتها “سارة” الهاتف وعلى وجهها إبتسامة واسعة، فالشركة التي تعرض الوظيفة شركة أدوية معروفة ولها اسمها.
فور أن وقعت عينيّ “خديجة” على اسم الشركة تحولت ملامحها للوجوم.
– دي الشركة اللي بتشتغل فيها “ريناد”
التقطت “سارة” الهاتف منها تنظر لإسم الشركة فهي تعرف أن “ريناد” تعمل بشركة أدوية يحلم الكثير بالتوظيف بها لكنها لم تركز يومًا بإسم الشركة لأن الأمر لا يعنيها.
– وفيها إيه يا “خديجة” وقبل ما تقوليلي عشان متضايقش من وجودك معلش المرادي هقولك هتفضلي لحد امتى ظل خفي ليها…ليه شايفه نفسك إنك أقل من إنك تكوني أختها… كفايه يا “خديجة” لأن أنتِ اللي المفروض ترفعي راسك مش هي.
كل ما تخبرها به “سارة” تعرفه تمامًا لكن ما نسمعه من الغير ليس كالذي يُرسخ داخلنا لأننا نحياه.
شعرت “سارة” بالحزن لأجل صديقتها التي حياتها عبارة عن نبذ وفي داخلها كانت تزداد كراهيتها لتلك الأم والشقيقة.
– هتقدمي للوظيفة وهتتقبلي فيها عشان الست “ريناد” تبطل تباهىٰ بكل حاجه بتملكها من غير ما تتعب فيها…
حاولت “خديجة” الإعتراض وإخبار “سارة” أنها مكتفيه بعملها على مواقع العمل الحر.
– أوعي تعترضي فاهمه، ولا تبلغي “ريناد” إنك هتقدمي للوظيفة.. خليها تتفاجىء لما تكوني موظفه فيها.
ابتسمت “خديجة” بسبب تلك الثقة التي تتحدث بها “سارة” عن قَبولها بالوظيفة التي لم تتقدم إليها بعد.
– مش عارفه إيه الثقة اللي عندك في إني هتقبل يا “سارة”.
وبثقة لا تعرف “سارة” كيف تأتيها وقد استرخت فوق مقعدها.
– قلبي حاسس إنك هتتقبلي وبكره تقولي “سارة” قالت.
•••••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل الثالث
« بعد مرور ثلاث أعوام »
وقف “خالد” أعلىٰ المنصة يُلقي كلمته بعدما حصل على جائزة تكريميه لأفضل رائد أعمال ورئيس تنفيذي -لهذا العام- في الوطن العربي.
تعلقت عينيّ “نورسين” به وابتسامة واسعة تشق طريقها نحو شفتيها.
تعالا تصفيق الحضور بعدما أنهى كلمته.
– ابن عمي اللي دايمًا رافع راسنا.
قالها “ڪريم” وهو ينظر نحو “خالد” وقد تعلقت “نورسين” بحضن شقيقها.
– مبروك يا “خالد” ، تستحق الجايزة حقيقي.
– الله يبارك فيك يا “طارق”.
ابتسم “خالد” وهو يربت بكفه على كتف “طارق” ابن عمته.
– عشان المناسبة الحلوة دي أنا عزماكم النهاردة.
هتفت بها “نورسين” ثم تعلقت بذراع “خالد” الذي ضمها إليه بحنان.
اتجهوا جميعًا نحو المطعم الذي اختارته “نورسين” لتناول الطعام إحتفالاً بتكريم شقيقها.
..
تعلقت عينيّ “خديجة” بذلك المطعم الذي اصطحبتها إليه “ريناد” إحتفالًا بترقيتها.
– “ريناد” المكان شكله نضيف أوي، أي حاجه هنطلبها هتكون غاليه.
طالعتها “ريناد” بملامح ممتعضه ثم نظرت حولها.
– بصي فوق بقى يا “خديجة”، متخافيش مش هدبسك زي كل مره في دفع الفاتورة.
تركتها “ريناد” وتقدمت لداخل المطعم.
تَبِعتها “خديجة” في صمت دون المزيد من الكلام فيكفيها أنها وشقيقتها الآن صارتا مقربتين بعض الشىء بعد تلك الليلة التي ستظل مُرسخه داخل عقلها.
ارتجف جسد “خديجة” لوهله لتذكرها تفاصيل هذه الليله ثُمّ دخلت المطعم ورائها.
المطعم بالداخل كان بالفعل راقي مثل هيئته الخارجية مما جعلها تتأكد بأن شقيقتها ستدفع راتب هذا الشهر بأكمله.
للمرة الأخيرة أرادت أن تُنبه شقيقتها أن عليهم المغادرة، فبسبب البَذَخ الذي تعيش فيه هي ووالدتهم أصبحت الديون تتراكم عليهم.
– “ريناد” أنا مش معايا فلوس الشهر ده عشان أقدر أدفع قسط البنك.
إزدادت ملامح “ريناد” امتعاضًا، فهي بدأت تشعر بالضجر لأنها اصطحبت معها “خديجة” اليوم.
– ابقى اشربي عصير بس يا “خديجة” ولا اقولك كفايه عليكِ الميه.
تنقلت “خديجة” بعينيها نحو الطاولات وديكور المطعم وقد انشغلت “ريناد” بهاتفها.
أتى النادل ليدون طلباتهم واكتفت “خديجة” بتناول طبق بسيط من الأطباق المعروضة بقائمة الطعام.
ابتعد النادل عن طاولتهم وقد اجتذب أنظار “ريناد” فتاة بجسد ممتلىء -تُشبه جسد شقيقتها بالسابق- تدلف المطعم برفقة شابًا بملامح وسيمة.
ارتفعت زاوية شفتي “ريناد” بسخرية وهي ترمق الفتاة ثم نظرت نحو “خديجة”.
– أنا ممكن اتصدم فيها لو الشاب ده حبيبها أو خطيبها، معقول في واحد يحب واحده بالجسم ده.
تعلقت عينيّ “خديجة” بالفتاة التي تتمتع بقدر عالي من الجمال..
– وفيها إيه يا “ريناد” ، اللي بيحب حد بجد مبيفرقش معاه شكله ولا جسمه غير إن البنت جميلة أوي.
رمقتها “ريناد” بسخرية ومازالت تركز أنظارها نحو الفتاة والرجل الوسيم وقد شعرت بالحقد عندما رأته يطالعها بنظرة أدركت تمامًا أنها نظرة حبيب لحبيبته.
– جسمها بيفكرني بجسمك من تلت سنين يا “خديجة”، الوزن الزايد بيضيع الملامح… أنا مش عارفه هو إزاي مش محرج يمشي معاها وهي بالشكل ده.
لم تتحمل “خديجة” سخافة شقيقتها، فأكثر ما تكرهه في صفاتها -التي ورثتها عن والدتها- السخرية على الناس والإهتمام بالمظاهر الزائفة.
– على فكرة الوزن الزايد أحيانًا بيكون مرض، فبلاش تتريقي على الناس لتكوني زيهم في يوم.
– اوه، لااا… أنا اكون بالجسم ده… أنا ممكن انتحر ساعتها.
نطقتها “ريناد” ثم مررت أصابعها على خصلات شعرها.
أشاحت “خديجة” عيناها عنها وشعرت بالأسف داخلها نحو شقيقتها.
أثناء تناولهم للطعام خرجت شهقة خافته من “ريناد” التي أسرعت في دفع ساق “خديجة” حتى تنتبه إلى ما تنظر إليه.
– “خديجة” ،شكلي حلو وأنيق… بقولك إيه أنا هقوم اروح التويليت.
لم تفهم “خديجة” شىء من شقيقتها التي تركتها بالفعل والتقطت حقيبتها وهاتفها واتجهت نحو المكان المخصص لدورة المياة.
الصدمة احتلت ملامح “خديجة” عندما نظرت نحو النادل وشىء واحد اخترق عقلها.
– معقول هتكوني عايزه تدبسيني زي كل مرة في دفع الحساب يا “ريناد” لكن أنا المرادي مش معايا فلوس أدفع.
فقدت “خديجة” شهيتها من تناول الطعام وأخذت تفرك كفيها بتوتر مما سيحدث لها اليوم.
…..
– ما دام “نور” هي اللي عزمانا فأنا هطلب كل الأصناف اللي في المنيو حتى لو مش هاكلها.
هتف بها “ڪريم” مازحًا، فطالعته “نورسين” بشفتي مزمومتين.
ارتفعت ضحكات “ڪريم” من رؤيتة لإمتعاض “نورسين” ثم بدأ بمزاحه المعتاد معها تحت نظرات “طارق” الذي جاهد -بكل قوته- لعدم إظهار غيرته.
كان “خالد” يشعر بالراحه من رؤية شقيقته تعود لطبيعتها يومًا بعد يوم.
أتى لـ “خالد” اتصالًا، فانسحب من بينهم ليُجيب على المتصل.
..
استمرت “خديجة” في فرك يديها وعيناها عالقة نحو الجهة التي اتجهت إليها شقيقتها.
استدارت حولها ثم عادت تنظر أمامها بتوتر.
زفرت أنفاسها أخيرًا وهي ترى “ريناد” تتجه نحوها، شعرت بالراحه ولكن سُرعان ما أصابها الفضول وهي ترى شقيقتها تتجه نحو الطاولة التي اجتذبت أنظارها للحظه عندما ارتفع صوت ضحكات الجالسين عليها.
لم تلتقط أذنيّ “خديجة” أي شىء من حديث شقيقتها مع هؤلاء لبُعد الطاولة عن طاولتهم.
ابتسامة شقيقتها الواسعة واللطف الذي تتعامل به مع هؤلاء جعلها تعلم أن من تصافحهم ليسوا بأشخاص عاديين.
أنهى “خالد” مكالمته واتجه نحوهم لكن عيناه ضاقت بمقت من طريقه ابن عمه في التعامل مع الموظفات ، فهذه الفتاة يعرفها تمامًا.
أشرقت ملامح “ريناد” عندما تأكدت من عدم رحيل “خالد”.
ضاقت عينيّ “خديجة” وهي تركز أنظارها نحو ذلك الرَجُل الذي تجاهل حديث شقيقتها له واكتفى بتحريك رأسه بإماءة بسيطه.
– أنا حاسه إني شوفته قبل كده.
وسُرعان ما طرقت رأسها ذكرى تلك الليلة المشئومه.
إنه هو ذلك الرَجُل الذي كاد أن يصدمها بسيارته… فهي لم تنسى شىء من تلك الليلة التي سببت لها كُره للحفلات والموسيقى الصاخبة.
ارتجف قلبها بعدما عاد كل شئ يخترق رأسها، ضحكاتهم وهم يسكبون الخمر فوق رأسها ، تلك الموسيقى الصاخبة، تهليلهم حولها ثُمّ صياحهم بعدما قذفوها بحوض السباحة.
دمعت عيناها مع رعشة جسدها ودون قصد منها سقط كأس الماء -الذي أرادت الإرتشاف منه- أرضًا.
تحولت أنظار البعض نحوها كما تحولت نظرات “ريناد” إليها.
لولا سقوط الكأس من يد “خديجة” لكانت “ريناد” قبلت عرض العَزيمة التي قدمتها لها “نورسين” لتجلس معهم.
– أسفه يا فندم لكن أختي معايا.
أسرعت “ريناد” نحو “خديجة” كما اتجهت أنظار “ڪريم” نحو الطاوله التي اتجهت إليها “ريناد”.
– أختها مختلفه خالص عنها.
التفت “نورسين” نصف التفافه برأسها بعدما أخذها فضولها لترى شقيقة تلك الموظفة الثرثارة التي تعلم نواياها تمامًا.
التوت شفتي “نورسين” بتهكم، فأكثر من صارت تكرهم بحياتها هم من يتمتعون ببرائه الوجه والحشمة..
– إحنا هنقضي سهرتنا نتكلم عن الموظفة اللي مش فاكره اسمها وعن اختها ولا إيه.
نطقتها “نورسين” بضيق ثم أشاحت عيناها للجهة الأخرى وقد اصطدمت نظراتها بنظرات “طارق”.
تنهد “خالد” من تلك الجلسة التي تحولت لحديث لا معنى له، فهو بالأساس لا يهتم بأشياءً كهذه ولا يحب تلك السخافات والأحاديث التي يعتبرها خاصة بالنساء و “طارق” كان مثله تمامًا عكس “ڪريم” الذي دائمًا ما يحب محاوطة الفتيات له.
– خلينا نطلب العشا وكفايه كلام.
قالها “خالد” ثم تعالا رنين هاتفه مرة أخرى.
– الباشا طبعًا النهارده الاتصالات هتهل عليه من كل مكان عشان يباركوا ليه.
تمتم بها “ڪريم” بمزاح فرمقه بنظرة يأسه من طباعه التي لا تليق بطبيب صيدلي.
– إيه اللي عملتيه ده يا “خديجة”، فضحتيني قدام مدراء الشركة وصاحبها وأخته.
تأففت “ريناد” وهي تنظر لـ “خديجة” التي استطاعت بصعوبه طرد تلك الأصوات التي اقتحمت رأسها.
بتوتر تمتمت “خديجة” وهي تحاول التقاط أنفاسها بعدما خرجت من المطعم.
– افتكرت اللي حصلي يوم الحفله اللي روحتها معاكِ لما شوفت….
كادت أن تخبرها أن رؤيتها لذلك الرَجُل ذكرتها بما حدث لها لكن “ريناد” قطعت حديثها.
– وكمان خلتيني أدفع تمن الكاس اللي اتكسر منك.
استمرت “ريناد” بالتأفف حتى أتت سيارة الأجرة التي طلبتها.
استدار “خالد” بجسده ينظر نحو سيارة الأجرة بجبين مقطب بعدما استمع إلى حديث تلك المتعجرفة التي لا يراها إلا في صورة الفتاة التي تلهث وراء كل ما يُمّكنها من الوصول إلى هدفها.
…
ترك الصغير يد مربيته فور أن أستمع لصوت “خالد” الذي انحنى بجسده يفتح له ذراعيه.
– بـابـي
نطق بها الصغير الذي لم يتخطى الستة أعوام.
ضمه “خالد” إليه بحنو يمسح فوق خصلات شعره متسائلًا:
– حبيبي البطل، عامل إيه.. اوعي تكون تعبت الناني.
هز الصغير رأسه ثُمّ دفن رأسه بحضن “خالد” تحت نظرات السيدة “لطيفة” الحنونه و”نورسين” الحانقة من دلال شقيقها لهذا الصغير الذي لم ولن تتقبله يومًا على أنه أخَاهَا.
– أنا كمان أكلت الطبق بتاعي كله النهاردة وشربت اللبن.
استطرد الصغير في سرد أحداث يومه، فتحولت نظرات “خالد” نحو والدته التي ابتسمت وأشارت إليه بالصعود لغرفته لتغيّر ملابسه وأخذ حمامه.
تابع “خالد” تحركه لأعلى وهو يحمل الصغير بعدما تعلقت عيناه بوالدته بنظرة حنونه.
– أنا مش عارفه ليه لحد دلوقتي سايبه يقوله بابي.
هتفت “نورسين” صائحة وهي تتحاشىٰ النظر إلى والدتها.
– حتى أنتِ يا ماما سيباه يقولك نانا… هيفضل لحد امتى فاكرك جدته وفاكر “خالد” أبوه.
ثم تابعت “نورسين” بضيق.
-إيه المهزله اللي احنا عايشين فيها دي. الولد ده لازم يعرف إنه مجرد أخ إتفرض علينا بسبب نزوة السيد “رأفت”
– “نور” ، انتبهي على كلامك….
نظرت “نورسين” نحو والدتها.
– اللي بتتكلمي عنه ده والدك وراح لرحمة الله… و “أحمد” ده أخوكِ هو ملهوش ذنب في حاجة… أنا عمري ماربيتك على غلاظة القلب… معاملتك لأخوكي مش عجباني.. كفايه يا بنتي، انسي بقى زي ما أنا واخوكي نسينا.
– أنتِ بتكذبي على نفسك ولا عليا يا ماما، شايفه الحزن وصلك لإية.
أخفضت السيدة “لطيفة” عينيها نحو مقعدها المدولب الذي تجلس عليه بحزن.
شعرت “نورسين” بقسوة حديثها الذي جلى فوق ملامح والدتها؛ فأسرعت نحوها تجثو على ركبتيها وتدفن رأسها في حجرها.
– أنا أسفه يا ماما.
وهل تحزن السيدة “لطيفة” من قُره عينيها، هي حزينة عليها… لا تريدها أن تعيش عمرها كله تحمل الكره نحو أشخاص لا ذنب لهم.
– الكره يا بنتي لما بيستوطن القلوب مبيدمرش غير أصحابها.
بكت “نورسين” بحرقة، فهي لا تستطيع نسيان خيانة صديقتها لها وزواجها من والدها ولا تستطيع نسيان والدها الذي كانت تمثله في رمز الوفاء.
ضمتها السيدة “لطيفه” إليها تربت برفق فوق خصلات شعرها وقد وقف “خالد” أعلى الدرج ينظر إليهم بملامح كساها الجمود.
اقترب منهم وقد تركت “نورسين” حضن والدتها وأسرعت إلى حضنه وكأنها طفلة صغيرة وليست شابة أتمت الثلاثون من عمرها.
بعد وقت
كان “خالد” يساعد والدته بالتسطح على فراشها ثم انحنى يلثم جبينها والتقط كفها ليُقبله.
– طمنيني عليكِ يا حببتي، مش محتاجه حاجه مني…محتاجه تغيري جو مثلًا أو أي حاجه نفسك فيها.
رفعت السيدة “لطيفة” يدها نحو خده تربت فوقه بحنان.
– متقلقش عليا يا حبيبي أنا كويسه.
ابتسم “خالد” وهو يلتقط كفها ثُمّ قبله مرة أخرى.
– ربنا يخليكِ لينا يا حبيبتي.
فاضت عينيّ السيدة “لطيفة” بحنان وهي تنظر إليه ثُمّ غادر الغرفة بعدما اطمئن عليها.
خرجت تنهيدة السيدة “لطيفة” بأنفاس مرهقة وهي تسترجع بذاكرتها ذلك اليوم الذي أخبرها فيه “خالد” أنه سيتولى أعمال والده ويسترك مهنته كطبيب.
رأت الألم في عينيه لكنه كان مبتسمًا وهو يخبرها بالأمر.
…
استمعت “ريناد” لمكالمة “خديجة” مع إحدى صديقاتها ثُمّ تساءَلت بعدما أنهت “خديجة” المكالمة.
– فرح مين اللي معزومه عليه ومش عايزه تروحي.
التقطت “خديجة” نظارتها الطبية ثم عادت تركز بشاشة حاسوبها لتقوم بترجمة بعض الوثائق التي تأخذ أجرها عن طريق مواقع العمل الحر.
– فرح “زينة فهمي” أكيد فكراها.
– إيه ده هي هتتجوز، ويا ترى هتتجوز مين.
تساءَلت “ريناد” بعدما جلست فوق الفراش وربعت ساقيها.
خلعت “خديجة” نظارتها واستدارت إليها.
– ابن “حامد صفوان”
اتسعت عينيّ “ريناد” ثُمّ خرجت شهقتها في صدمة.
– “حامد صفوان” رجل الأعمال.
أماءت “خديجة” برأسها إليها ثُمّ عادت تركز بعينيها نحو شاشة حاسوبها.
ظلت “ريناد” تدور بالغرفة ذهابًا وإيابًا وهي تقضم أظافرها..
– طلعت ناصحة وأنا اللي كنت فكراها هبله، ده أنا اللي معرفاها على الشلة اللي بيقعد معاها “معتز صفوان”.
دلفت السيدة “ثريا” الغرفة بعدما عادت من زيارة إحدى قريباتها ثم نظرت إليهم.
أسرعت “ريناد” نحوها تُخبرها بإستياء عن تحقيق إحداهن حلمها بالزواج من رَجُل ثري.
– شوفتي “زينة فهمي” هتتجوز مين؟!
استندت “خديجة” برأسها فوق ذراعيها تزفر أنفاسها بقوة بعدما غادروا غرفتها ، والدتها وشقيقتها لن تتغير طباعهم أبدًا.
نظرت إلى إطار صورة والدها وقد اقتحمها الحنين إليه واخترقتها الذكريات.
« فلاش باك »
تقف هي وشقيقتها قُرب باب غرفتهما ينظرون ويستمعون إلى شجار والدتهم مع والدهم الذي صار معتادًا.
– أنت عايز تفضل حتت محاسب في شركة محلتكش غير مرتبك.
صاحت بها السيدة “ثريا” وقلبها يتآكل من الغيظ بسبب رؤيتها لإحدى قريباتها التي كانت أدنى منها بالمستوى الإجتماعي قبل زواجها والآن أصبحت تعيش في مجمع سكني راقي ولديها سيارة خاصه بها.
– حتت المحاسب ده أنتِ رضيتي بيه يا “ثريا”.
احتقنت ملامح “ثريا” ثُمّ اتجهت نحو الأريكة وهوت بجسدها عليها.
– متفكرنيش بغلطتي اللي ندمت عليها.
– ندمتي على جوازنا يا “ثريا” !! ، راح فين الحب اللي كان بينا.
– بيضيع كل يوم مع الفقر.
ألجمه جوابها، فأشاحت وجهها عنه وهي تسمعه يردد بنبرة سكنها الألم.
“فقر” !!
أين هو الفقر الذي تتحدث عنه؟ …
إنه يعمل بوظيفتين أحدهم بدوام جزئي حتى يُرضيها ويجلب لها كل ما تتمنى.
– إحنا مش فقرا يا “ثريا”، احمدي ربنا على عيشتك.
وردها الذي صار محور حديثهم منذ أن بدأت تلتقي بأصدقائها وقريباتها.
– هي دي عيشه، أنا كان المفروض اسمع كلام بابا الله يرحمه مش اسمع كلام ماما واتجوز واحد يحبني ويصوني … “ثريا” بنت العز تتجوز جوازه زي دي.
– الله يسامحك يا بنت الحسب والنسب.
قالها السيد “ڪمال” ثُمّ غادر المنزل تحت نظرات ابنتاه.
« باك »..
أغمضت “خديجة” عيناها بألم بعدما غادرت تلك الذكرى عقلها.
مازالت نظرة والدها الكسيرة عالقه بذاكرتها وڪأن الزمن لم يرغب بإزالتها من روحها.
لقد سافر والدها للعمل بإحدى دول الخليج لكي يُحقق لوالدتها رغباتها التي لم تنتهي لكن للأسف بعد خمس أعوام من إغترابه مرض بشدة ثُمّ توفى في غربته.
وصلها الحديث الذي يدور بين والدتها و “ريناد”، مازالت والدتها تسعى لتزويج شقيقتها برَجُل ثري.
…
رفع “خالد” عيناه عن الأوراق التي كان يُطالعها بعدما دلف “طارق” غرفة مكتبه.
– لسا عرض السفر موجود ولا فكرت تعين حد تاني في فرع دبي.
ضاقت عينيّ “خالد”، فعرض العمل هذا قدمه لأبن عمته منذ شهر وقد رفض أمر تولي إداره فرعهم بالإمارات.
– لا العرض مازال موجود يا “طارق” لكن إيه اللي غير رأيك؟!
جلس “طارق” بالمقعد المقابل له ثُمّ ركز عيناه نحو نقطة ما.
– كنت الأول قلقان على عمتك لكن دلوقتي هي معظم الوقت قاعده مع “مها” بسبب ظروف شغل جوزها، و “سلوى” خلاص كلها اسبوع وتتجوز… فأنا شايف إني أنسب واحد فيكم…
نهض “خالد” عن مِقْعَده واقترب منه يجلس قبالته.
– لو جينا لوضع كل واحد فينا ومسئولياته فـ “كريم” أنسب واحد إنه يمسك فرع دبي.
– “كريم” أنت عارفه مبيحبش الإلتزام في حاجه وهو رافض إداره شركة هناك، لو حابب تعرض عليه الأمر من تاني معنديش مشكله.
قالها “طارق” ثُمّ نهض لڪن “خالد” أوقفه قائلاً.
– أقعد يا “طارق” خلينا نتكلم… قولي يا ابن عمتي عايز تهرب من إيه.
نظر إليه “طارق” بإرتباك ثم قال بتلبك جلي في صوته.
– ههرب من إيه يا “خالد”.
ابتسامة خفيفة داعبت شفتيّ “خالد” سُرعان ما اختفت قبل أن ينهض من أمامه ويسير بضعة خُطوات.
– من حُبك لـ “نور” يا ابن عمتي.
•••••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل الرابع
هل أمره مكشوف بتلك الطريقة؟
شعر بالْخِزْي من معرفة “خالد” بمشاعره نحو شقيقته.
أخفض “طارق” عيناه أرضًا من شدة شعوره بالْخِزْي ولم يعرف من أين يبدأ حديثه ليُوضح لـ “خالد” أنه لم يخون ثقته به، وأن مشاعره نحو “نورسين” يحتفظ بها داخل قلبه.
– أنا عارف بمشاعرك من زمان يا “طارق” وكنت فاكراها مجرد مشاعر هتنتهي مع الوقت.
شعر “طارق” بجمودة ملامح “خالد”، فنهض من مكانه وأسرع إليه ليوضح له أنه حاول كثيرًا محو هذا الحب لأنه يعرف الفرق تمامًا بين الحياة التي تعيشها
“نورسين” وبين وضعه الإجتماعي ولكن قبل أن يقول شىء.
تساءَل “خالد” بملامح احتلها اللين.
– هتفضل لحد أمتى مخبي مشاعرك يا “طارق” ؟!
هل ما كان يخشاه بتلك البساطة!!
احتل الذهول ملامح “طارق” وقد إزداد ذهوله وهو يستمع لـ “خالد”.
– خالك الله يرحمه كان مستني اللحظه اللي هتطلب فيها إيد “نور” منه، لأنه كان عارف ومتأكد إنك الوحيد اللي هتحافظ عليها وتصونها.
آه ملتاعه خرجت من شفتيّ “طارق” بلا صوت لكنها كانت حبيسة داخل قلبه.
لسنوات طويله يحب “نورسين” لكنه لم يستطع الكشف عن مشاعره لخاله حتى لا يظنه طامعًا بأمواله والآن “خالد” يُخبره أنها كانت أمنية خاله “رأفت” رَحِمَه الله.
…
اقترب “خالد” من مكان جلوس والدته التي كانت منشغله بتطريز أحد الأقمشة ويجلس قُربها الصغير “أحمد” المنشغل باللعب في قطاره الحبيب.
رفعت السيدة “لطيفة” عيناها نحوه ثُمّ اتسعت ابتسامتها شيئًا فشىء وهي تراه في أبهى حُلة.
– ربنا يحميك يا حبيبي.
تمتمت بها السيدة “لطيفة” ثُمّ رفعت كلا ذراعيها في دعوة منها ليقترب حتى تتمكن من معانقته.
– عقبال ما اشوفك وأنت عريس يا بني وافرح بيك أنت وأختك.
ابتسم “خالد” وهو يُقبل كلا كفيها.
– نفرح بس بـ “نور” الأول يا ست الكل.
– بابي أنت رايح فين، خدني معاك.
قالها الصغير الذي اقترب منه والتصق به، فابتسم “خالد” وهو يداعب وجنتاه.
– حبيبى مينفعش للأسف أخدك معايا، بكره الجمعه هنروح النادي سوا.
ابتهجت ملامح الصغير والتصق بحضنه فرحًا.
– ربنا يخليك لينا يا ابني.
قالتها السيدة “لطيفه” وهي تربت على كتفه… تتمنى من كل قلبها أن يحظى قرة عينها بكل خير وفرح -في الدنيا- بقدر ما يمنحه لهم.
…
ترجلت “خديجة” من سيارة الأجرة بعدما وصلت للعنوان المطبوع على كارت دعوة الزفاف.
نظرت للڤيلا التي تلألأت الأضواء في مدخلها وحولها.
أخرجت هاتفها من حقيبة يدها الصغيرة لتهاتف “سارة” صديقتها تُخبرها أنها وصلت وتنتظرها أمام الڤيلا كما اتفقوا.
– أنتِ فين يا “سارة”، أنا وصلت وواقفه قدام الڤيلا… بتقولي إيه، طيب ليه معرفتنيش
– أنا أسفه يا “خديجة”، أنا اتلهيت في خناقة” محمد” أخويا وماما ومعرفتش اتصل بيكِ أقولك.
شعرت “خديجة” بحزن صديقتها فلم ترغب بعتابها.
– صدقيني كان نفسي أحضر، كنت عايزه أشوف أصحابنا… كلنا اتفرقنا بعد الجامعه وقولت أهي فرصه نشوف بعض.
تعلقت عينيّ “خديجة” بالڤيلا وتحركت مبتعده.
– نشوفهم مره تانيه بقى يا “سارة”.
– إيه ده أنتِ مش هتحضري؟
زفرت “خديجة” أنفاسها وهي ترفع فستانها قليلاً حتى لا تتسخ أطرافه.
– أنا جيت عشان أنتِ هتكوني موجوده.
استمرت “ساره” بِـ حَثّ “خديجة” على حضور حفل الزفاف حتى أقنعتها أخيرًا.
أغلقت “خديجة” المكالمة مع “سارة” وشعرت ببعض التردد ثُمّ نظرت لفستانها الذي أعطته لها “ريناد” لترتديه اليوم بل وأعطتها أحد أحذيتها ذات الكعب العالي وساعدتها في وضع زينة خفيفة لوجهها.
إنها ممتنه اليوم بشدة لـ “ريناد”، ليتها لا تنصت إلى حديث والدتهم الدائم عن السعي وراء الثراء الذي لن يأتي إلا بالزواج من رَجُل ثري.
زفرت أنفاسها بقوة لعلها تُهدأ من توترها قليلاً، فهي لا تحب هذه التجمعات التي يتحول فيها البعض لكاميرات مراقبة يترصدون من خلالها سقطات البعض أو يجعلونها جلسة من النميمة حول ملابسك وهيئتك أو الهَمْز و اللَّمْز بالحديث.
كادت أن تتحرك من مكانها لكن صوت بوق السيارة أفزغها.
التفت برأسها نحو السيارة وسُرعان ما كانت تضع يدها أمام عينيها لتتفادى ضوء السيارة المنبعث من مصابيح الإضاءة الأمامية.
تحركت “خديجة” من أمام السيارة بعدما أشارت لصاحبها أنها ستتحرك على الفور.
قطب “خالد” جبينه عند رؤيتها، فهي ذاتها الفتاة التي رآها بالمطعم منذ أيام مع شقيقتها التي تعمل لديه كـ كيميائية.
…
بصعوبة بالغه استطاعت “خديجة” رسم ابتسامة مزيفة على شفتيها وهي تستمع لتعليقات بعض صديقاتها
-اللاتي لم تقابلهن منذ تخرجهن من الجامعه- عن فقدانها للوزن.
شعرت بأنها أتت لهذا الحفل لتكون مادة دسمة للتهكم عليها بكلام مُبطَّن.
حاولت الإنسحاب من بينهن بعدما بدأت تشعر أنها بحاجة لإستنشاق بعض الأكسچين وطرد تلك الذكرى التي تعْلق بذاكرتها وتقتحم عقلها كلما سألها أحدًا كيف فقدتي هذا الوزن؟
– “خالد رأفت العزيزي”
ابن” رأفت العزيزي” صاحب أكبر شركة أدوية في البلد ده غير الفروع الكتير لشركته في أمريكا والإمارات وسويسرا.
التقطت اسم أحدهم من أفواه صديقاتها عندما عادت إليهن لتكون قربهن.
– كان دكتور عظام كبير في أمريكا لكن بعد ما والده اتوفى في حادثه فجأة، اتولى هو إدارة الشركة ومن ساعتها والشركة اسمها دايمًا فوق..
– رغم ذكائه ووسامته إلا إنهم بيقولوا بارد في تصرفاته ومشاعره وخصوصًا مع الجنس الناعم اللي هو احنا.
قالتها إحداهن ثُمّ ارتفع صوت ضحكاتهن -من يقِفن معها- عاليًا يُشاركنها الضحك.
– الراجل التقيل ليه وضعه برضوه يا “شروق” ، شايفه ابتسامته… مش قادره أقاومها.
تمتمت بها “ليالي” الواقفة وهي تحدق به بهيام وسُرعان ما لمعت عيناها وهي تنظر نحو “خديجة” المنشغله بالتحديق بهاتفها ولم تهتم بالنظر نحو الرَجُل الذي يقصدونه.
التقطت عينيّ “شروق” تلك النظرة التي رمقت بها “ليالي” “خديجة” ثم أشارت إليها بتنفيذ حيلتها لتستطيع لفت نظر “خالد العزيزي”.
– “خـديـجـة”
هتفت بها “ليالي” وهي تقترب من “خديجة”، فتعلقت عينيّ ” خديجة” بها..
– أنتِ الوحيدة اللي لسا مسلمتيش على “زينة” وباركتي ليها، وانا زيك.. ومينفعش نكون جينا الفرح ومنباركش ليها.
استدارت “خديجة” برأسها ناحية “زينه” المنشغله بالرقص وسط أقاربها.
– خلينا نستنى لما فقرة الرقص تخلص.
حاولت “خديجة” التهرب منها، فهي مجرد عشرة دقائق وستغادر الحفل.
– ومين قالك إن “زينة” هتبطل رقص النهاردة.
تمتمت بها “ليالي” وهي تسحب “خديجة” خلفها دون أن تعطيها مجال للرفض.
ارتفعت ضحكات “شروق” بعدما رأت “ليالي” تسحب “خديجة” خلفها..
– خلينا نتفرج على اللي هيحصل.
لم تشعر “خديجة” بأي حُبُور بعدما قدمت المُبَاركة لـ “زينة”، كل ما شعرت به الندم أنها آتت.
بعدم راحة نظرت “خديجة” إلى “ليالي” التي تبطأت ذراعها..
– صاحب “أمجد” أخويا واقف هناك أهو… تعالي معايا يا “خديجة” أسلم عليه.
حاولت “خديجة” تحرير ذراعها من “ليالي”.
– روحي أنتِ يا “ليالي” … أنا هستناكِ هنا.
لكن “ليالي” واصلت سحبها إلى الجهة التي بها هدفها.
لا تعرف ما حدث لها فجأة، فكل ما أدركته وتأكدت منه أن فعلت “ليالي” كانت مقصودة خاصةً بعدما حررت ذراعها ثُمّ دهست فوق طرف فستانها.
بصعوبة حاولت تمالك جسدها من الميل للخلف ثُمّ تراجعت بخطوات متعثرة للوراء وقد اصطدم بها النادل دون قصد منه.
انسكبت المشروبات التي كان يحملها النادل على ثوبها ، فأصبح عبارة عن لوحة ممتزجة الألوان..
تجمدت نظراتها نحو “ليالي” التي حاولت إظهار فزعها عليها ثُمّ حولت عيناها نحو النادل الذي نظر إليها بأسف وذعر، فهو بحاجة لهذا العمل.
نظراتها تحولت للفزع عندما انتقلت عيناها نحو ثوبها…شهقة خرجت من شفتيها استطاعت كتمها بكف يدها تتمتم بخوف.
– الفستان ، “ريناد” …
اطبقت “خديجة” جفنيها بحسرة؛ فاليوم ستتلقى توبيخ لا حصر له من شقيقتها التي أعطتها فستانها وحذرتها من حدوث شىء له.
– انتبهي، يا آنسة.
فاقت من صدمتها على ذلك الصوت الرجولي وقد انتبهت أخيرًا أن ذراعه مُلتفًا حول خصرها ليمنعها من سقوط لا مفر منه هذه المرة بعدما التوى كاحلها.
انتفضت مبتعده عنه تنظر إليه بذعر مصحوب بالخجل ثم تمتمت بإعتذاز.
– أنا أسفه.
ثم نظرت جهة النادل الذي مازال واقفًا وحركت رأسها له بإعتذار هو الأخر.
– “خـديـجـة” استني.
هتفت بها “ليالي” ثُمّ ارتسمت فوق شفتيها ابتسامة واسعه أخفتها سريعًا واستدارت بجسدها نحو “خالد” الذي مازال واقفًا مكانه يُحدق بتلك التي غادرت الحفل بهروله.
– أنا أسفه نيابه عن صديقتي يا دكتور “خالد”.
لم يكن انتباه “خالد” معها بل كان مع “خديجة” التي فرت مذعورة من الحفل.
– إيه ده العصير اتكب على بدلتك كمان.
تمتمت بها “ليالي” لجذب انتباهه بعدما وجدته لم يهتم بها.
نظر “خالد” نحو كُمّ بذلته الذي بالفعل حصل على بقعة مُبللة.
– على فكرة يا دكتور “خالد” والدي سيادة اللواء “رفعت سامي” كان صديق والد حضرتك السيد “رأفت” الله يرحمه، ووالدتي…
لم ينتظر “خالد” سماع المزيد منها وابتعد عنها يمسح فوق كُمّ بذلته.
انفرجت شفتي “ليالي” في دهشة سُرعان ما تحول الأمر لصدمة ثُمّ تجهمت ملامح وجهها، إنه لم يعيرها أي إهتمام.
ابتسامة ساخرة احتلت ملامح “شروق” التي وضعت يدها على كتف “ليالي” تهتف ساخرة..
– كنت واثقة إنه هيعمل كده، أصلك يا حبيبتي اختارتي طريقه سخيفة عشان تلفتي نظره ليكِ.
ثُمّ ارتفعت ضحكات “شروق” بعدما انتهت من سخريتها.
…
– يعني أنتِ مش مضايقه إني بوظت الفستان يا “ريناد” ؟
نظرت “ريناد” إليها ثُمّ للثوب مع ابتسامة حالمة و حركت رأسها لها بالنفي.
تنهدت “خديجة” بارتياح ثُمّ أسرعت في معانقة “ريناد” التي تقبلت عناقها دون تأفف.
في اليوم التالي فهمت “خديجة” سبب تلك الحالة المزاجية الهادئة التي تعاملت بها “ريناد” معها.
– أنتِ متأكده إنه عينه منك ولا بيلعب بيكِ زي اللي قبله.
تساءَلت السيدة “ثريا” وهي تنظر نحو “ريناد” التي انشغلت في وضع طلاء أظافرها.
تقابلت عينيّ “ريناد” بـ “خديجة” التي خرجت للتو من غرفتها تحمل كوب النسكافيه الخاص بها.
– قولتلك يا ماما عزمني على فرح بنت عمته، ده غير عروضه الكتير ليا في الشركة إنه يوصلني.
استاءت ملامح السيدة “ثريا” ، فكل مرة تخبرها أن أحدًا يهتم بها ويلمح لها بالزواج ثُمّ تخبرها أنه خدعها.
– كل مرة تقوليلي كده يا “ريناد” لحد ما بقى عمرك سبعه وعشرين سنه ولسا متجوزتيش، بنت “ناهد” وبنت “صفية” اتجوزوا وكل واحدة فيهم وقعت صح.
استمرت السيدة “ثريا” بالحديث عن الزيجات التي حصل عليها ابنتي بنات خالتها حتى زفرت “ريناد” أنفاسها بضجر ثُمّ نظرت نحو “خديجة” التي اتجهت للمطبخ بعدما شعرت باليأس من تغير والدتها مهما حدثتها ونصحتها.
– عندك “خديجة”، خليها تجبلك العريس الثري صاحب الشركة.
توقفت “خديجة” مكانها، لتتعلق عينيّ “ثريا” بها ثُمّ عادت تشير نحو “ريناد”.
– “خديجة” مش جميلة ولا كلاس زيك، الست الحلوة الكلاس هي اللي بتقدر تجذب الرجاله.
ابتسمت “خديجة” بمرارة بعدما استمعت لكلمات والدتها الذي كانت تتوقعه ثُمّ أكملت سيرها نحو المطبخ لتعد لها كوبًا من النسكافيه لتستطيع إكمال ترجمة الوثائق وتحصل على أجرها الذي ستدفعه في سداد الديون التي تتثاقل على كاهلها بسبب حياة الترف التي تحب أن تتظاهر بها والدتها أمام بنات خالتها وصديقاتها فارغات العقل.
شعرت “ريناد” بالإنتشاء وهي تستمتع لمديح والدتها لها ثُمّ عادت لتستكمل طلاء أظافرها.
– على فكره يا ماما أنا مش هقدر أدفع فلوس السوبر ماركت الشهر ده عشان هشتري فستان مناسب أحضر بيه الفرح خلي “خديجة” هي اللي تدفع.
…
شعرت “ريناد” بالسعادة عندما وقعت عيناها على سيارة “كريم العزيزي” لا تُصدق أنه يقف أسفل مسكنها وينتظرها لتحضر معه حفل زفاف ابنة عمته.
التمعت عيناها وهي تنظر للسيارة الفخمة ذات الموديل الحديث ثُمّ استكملت خُطواتها نحو السيارة.
ابتسم “كريم” لها بعدما وجدها تصعد السيارة ثُمّ سألته بنبرة رقيقة.
– اتأخرت عليك؟!
– لا أبدًا.
قالها “كريم” ثُمّ تحرك بسيارته نحو القاعة التي يُقام بها حفل الزفاف.
بعد وقت
كان “كريم” يقف بسيارته أمام إحدى القاعات وقد شعرت “ريناد” بالدهشة وهي تنظر للقاعة التي يُقام بها الزفاف.
– هو فرح أخت الدكتور “طارق” هنا!!.
تسألت “ريناد” بدهشة وقد لاحظ “كريم” صدمتها، فحفل الزفاف لم يَكُن في فندق خمس نجوم كما ظنت تلك التي تظن أنها استطاعت لفت نظرة بأفعالها التي يحفظها عن ظهر قلب.
– شايفك مصدومة، كنتِ فاكرة الفرح في فندق خمس نجوم؟؟
طالعته “ريناد” ثُمّ حاولت تبرير صدمتها، فهل ابتاعت هذا الثوب لتحضر في قاعة كتلك!!.
– لا مش مصدومة يا دكتور ولا حاجه لكن دكتور “طارق” يعني ليه معارفه ووضعه الإجتماعي فقولت أكيد هيكون في مكان راقي.
وسُرعان ما تساءَلت بفضول، فهي لا تصدق أن “خالد العزيزي” سيحضر حفل زفاف كهذا.
– هو دكتور “خالد” هيحضر؟.
شعر “كريم” بالضجر لأنه اصطحبها معه، فهو لا ينقصه هذه الليلة اسألتها الفارغة.
ترجل “كريم” من السيارة بعدما رمقها بنظرة لم تفهمها.
عند باب القاعة سحب ذراعها لتتبطأ ذراعه، اندهشت “ريناد” من فعلته لكنها شعرت بالسعادة لأنها ستظهر أمام عائلته وهذه خطوة متقدمة لم تحظى بها في علاقاتها السابقة.
فور أن دلفت القاعة جِوار “كريم” انتقلت عينيّ “خالد” و “طارق” نحوها في دهشة وكأنهم يستغربون وجودها مع “كريم” لكن سُرعان ما أزاحوا أعينهم عنها.
كان حفل زفاف بسيط أدهش “ريناد”.
التفت “ريناد” حولها بعدما وجدت نفسها تَقِف بمفردها.
انتبهت على خروج “كريم” من القاعة يُرافقه “خالد”، فتحركت ورائهم.
اقتربت منهم وقد وقعت عينيّ “خالد” عليها لكنه لم يهتم لأمرها وتركها تستمع لحديثهم.
– عشان تعاندني راحت اتجوزته يا “خالد”.
الغضب كان يحتل ملامح “كريم” الذي استوعب أخيرًا زواج حبيبته من رَجُل آخر.
– “سلوى” معملتش كده عشان تعاندك يا “كريم”، أنت عارف سبب جوازها من “هشام” كويس.
– كنت هتغير عشانها يا “خالد”.
خرج صوت “كريم” ببحه حملت الألم.
شعر به “خالد” وربت فوق كتفه.
– عاندت نفسك ليه من الأول، سبتها ليه تضيع من إيدك لحد ما جيه واحد غيرك عرف يسرق قلبها.
دمعت عينيّ “كريم” وهو يُجيبه بحقيقة يعرفها.
– كنت فاكر انها هتفضل تحبني مهما أعمل أو أعرف بنات غيرها.
ثُمّ واصل حديثه بمرارة.
– كنت فاكر إني هشوف نظرة الوجع في عينيها لما تشوفني داخل الفرح مع واحدة لكن مشوفتش غير السعادة في عينيها وهي بترقص معاه.
لم يكن للحديث معنى اليوم، فسكينة الغرور قد سرقته.
– خلاص يا “كريم” بقت مراته.
تيبست “ريناد” في وقفتها وشعرت وكأن دلو من الماء البارد انسكب عليها، هي هُنَا حتى تُقدم عرضًا لا أكثر.
تعلقت عينيّ “خالد” بها بعدما استدارت بجسدها راحله ، فلا داعي لوجودها.
وصورة واحدة كانت تخترق عقل “خالد” ، صورة لا تُشبه تلك التي ابتعدت عن أنظاره، صورة لأخرى رقيقة وهشة ووجه المقارنة بينهم مختلف رغم أنهم من نفس الدم وربما متقاربتين في الملامح.
••••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل السادس
نظرت إلى هاتفها بعدما انتهت المكالمة التي أَبْلَغَهَا من خلالها مسؤول التوظيف عن قَبولها بالعمل.
للحظات ظلت تُحدق بالهاتف إلى أن أستوعبت أخيرًا أنها بالفعل قد تم قَبولها بأهم الشركات التي تعمل بمجال الأدوية بالوطن العربي.
هذا ما كانت تسمعه من شقيقتها “ريناد” عندما تريد التباهي بوظيفتها – التي ساعدها بالحصول عليها أحد أقارب والدتها- لكن بالحقيقة هي تأكدت من مكانة الشركة بالسوق.
فتوظفيها بشركة لها اسمها ومكانتها بالسوق حتى لو لمدة محددة سيكون مكسب لها بسيرتها الذاتية.
– أنا لازم أكلم “سارة” عشان أفرحها.
أسرعت بإلتقاط هاتفها مرة أخرى لتُخبر “سارة” بقَبولها بالوظيفة.
وفور أن أجأبت “سارة” عليها هتفت قائلة:
– أكيد اتقبلتي بالوظيفة، شوفتي عشان تعرفي قلب الأم.
خرجت ضحكات “خديجة” من قلبها.
– أه اتقبلت وقولت أفرحك.
– شوفتي يا “خديجة” لو كنتِ استسلمتي لأفكارك مكنتيش هتعرفي إنك تستحقي دايمًا تكوني في مكان أفضل.
– المشكلة يا “سارة” إني هتعود على المرتب الثابت وبعد ست شهور هيقولولي مع السلامة.
تمتمت بها “خديجة” بإحباط، فهي بالفعل تخشى من الإعتياد على الدخل الثابت.
– استفيدي من الست شهور يا “خديجة” وشيلي فلوس على جنب ليكِ ينفعوكي مع شغلك على مواقع الترجمة.
ثُمّ تابعت “سارة” حديثها هذه المرة بحماس.
– يلا قومي البسي خلينا ننزل نشتري طقم جديد ليكِ عشان تروحي بيه الشغل بكره.
شعرت “خديجة” بالحرج من إخبارها أنها لا تملك المال الذي يجعلها تشتري ثوب جديد لكن “سارة” كعادتها كانت تفهم صمتها.
– متقلقيش أنا معايا فلوس هسلفك لحد ما تقبضي أول مرتب من الشركة لا وكمان هخليكي تعزميني في أفخم مطعم فيكِ يا بلد.
…
ضاقت عينيّ “ريناد” بدهشة وهي ترى “خديجة” تدلف المطبخ في هذا الوقت المُبكر على غير عادتها.
ارتشفت “ريناد” من كوب النسكافيه الخاص بها بتمهل ثُمّ تساءَلت :
– غريبة صاحية بدري يعني النهاردة لا و كمان لابسه ومتشيكة.
ارتبكت “خديجة” قليلاً ثُمّ تناولت عبوة النسڪافيه لتضع محتواها في الڪوب.
– النهاردة أول يوم شغل ليا.
أرادت “خديجة” مواصلة كلامها وإخبار “ريناد” بالشركة التي قامت بتوظيفها كمترجمة لمدة ستة أشهر لكن “ريناد” قطعت كلامها حين انفجرت ضاحكة تنظر إليها بنظرة مستخفة.
– اتقبلتي في شغل جديد وبعد شهر تطلع شركة تحت السلم وتقبضك مرتبك بالعافية اللي هو مجرد ملاليم.
قالتها “ريناد” وهي تضع الكوب خاصتها في حوض الجليّ ثُمّ غادرت المطبخ.
ارتسم الحزن فوق ملامح “خديجة”، فهي كانت تتمنى أن ترى فرحة شقيقتها بخبر توظيفها بنفس الشركة التي تعمل بها.
سكبت “خديجة” الماء الساخن بالكوب ثُمّ أخذت تقلب مسحوق النسكافيه بذهن شارد.
نفس الدهشة التي رمقتها بها “ريناد” كانت ترمقها بها والدتها أثناء إلتقاطها لحذائها لإرتدائه قبل مغادرتها.
تثاءَبت “ثريا” بنُعاس وهي تنظر إليها قائلة:
– أنتِ لابسه ورايحة فين؟
والرد لم تنتظر السيدة “ثريا” لمعرفته فقد اتجهت نحو المطبخ لتصنع فنجان قهوتها الصباحية قبل أن تعود لغرفتها مرة أخرى وترتدي ثيابها لتذهب للنادي الرياضي لمقابلة صديقاتها.
لم تكن المسافة طويلة بين مقر الشركة الرئيسي الذي ستعمل به ومحل إقامتها، فهي تسكن في حي المعادي الذي أصرت والدتها بعد عمل والدها بالخليج أن يشتري لهم شقة بتلك المنطقة.
شقة ووديعة بالبنك -أضاعتها والدتها على تلك المظاهر الزائفة- كان ثمن غُربة والدها ووفاته وحيد.
ذكريات كلما اخترقت عقلها تجعلها تشعر بالإختناق.
وصلت مقر الشَركة وقد عاد لعينيها نفس الإنبهار الأول؛ فأخيرًا ستعمل في شركة تستطيع فيما بعد التفاخر أنها عملت بها.
أرشدها مسؤول التوظيف على الدور الذي ستعمل به وأعطاها بطاقة الهوية الخاصة بها لتستطيع الدخول بها بعد ذلك لمقر الشركة دون التعريف بحالها وبالقسم الذي تعمل به.
– أنتِ لسا جديدة هنا؟!
تسألت بها إحداهن وهي تَمُد يدها لها لمصافحتها والتعرف عليها وتعريف نفسها لها.
– أنا “فريدة” موظفة في قسم المبيعات.
مدَّت لها “خديجة” يدها لمصافحتها وتعريف حالها.
– أنا “خديجة” موظفة في قسم العلاقات العامة.. هشتغل فترة هنا مترجمة.
رحبت بها “فريدة” بحفاوة، فـ “فريدة” كانت شخصية ودودة.
– إن شاء الله الصفقات تستمر بينا وبين الروس وتفضلي في الشركة.
تمنّت “خديجة” من كل قلبها هذا، فوظيفة بمرتب جيد وثابت حُلم الكثير.
– هسيبك بقى تشوفي شغلك عشان تثبتي نفسك لأن هنا الأستاذ “سامر” مش بيعدي غلطة خصوصًا للموظفين الجداد.
وقد تأكدت “خديجة” من هذا الأمر بعد نصف ساعة من وجودها.
وثائق عِدة قامت بترجمتها فهناك إجتماع بالغَد وستكون برفقة الرئيس التنفيذي للشركة.
– بكرة تكوني على مكتبك قبل الدوام بنص ساعة، مفهوم.
قالها السيد “سامر” ثُمّ غادر من أمامها.
لِكُلّ قسم مشرف خاص به ومن سوء حظها كان السيد “سامر” مشرف قسمها.
في وقت إستراحة الموظفين لم تتصادف مع “ريناد” وقد علمت أن الصيادلة والكيميائين تواجدهم معظم الوقت يكون بالمعمل أو بمصنع الإنتاج.
بالطبع أول يوم عمل لها كان عليها أن تقص لـ “سارة” كُلّ شىء قد حدث معها.
لم تهتم “ريناد” أو والدتها بمعرفة أي شىء عن عملها، فكل ما كان يهمهم أنها ستقوم بدفع قسط البنك وأي فواتير يتراكم سدادها.
باليوم التالي وكما طلب منها السيد “سامر” ذهبت للعمل مُبَكرًا عن موعد دوامها.
أخبرها السيد “سامر” أن الإجتماع الذي سيتم فيه مناقشة بنود الصفقة مع الشركاء الروس سيكون في تمام الساعه الثانية عشر ظُهرًا وعليها تجهيز العقود مترجمة والإستعداد.
عندما اِقتربت عقارب الساعة على موعد الإجتماع شعرت “خديجة” بأن معدل تنفسها يزداد.
حاولت نفض توترها جانبًا ثُمّ أَخذت تُجمّع الأوراق من فوق طاولة مكتبها واتجهت بعدها للطابق الذي أَخبرها السيد “سامر” بالتوجه إليه.
– كل حاجه مظبوطة؟!
تساءَلت “عايدة” وكما علمت منها “خديجة” بعدما عرفتها على حالها أنها سكرتيرة الرئيس التنفيذي.
وحتى الآن لم تنتبه “خديجة” على أمر ما وقد تغافلت عنه، هو ذلك اليوم الذي أخبرتها فيه “ريناد” عن هوية من ذهبت لمصافحتهم بالمطعم الذي عزمتها بِه .
– دكتور “خالد” وصل.
قالتها “عايدة” وقد تركتها واتجهت نحو “خالد” الذي كان يسير بجوار الشُركاء الروس ومعه “كريم” ابن عمه.
لم تتجه “خديجة” بنظراتها نحوهم بل أَشاحت عيناها عن الجهة التي اتجهت إليها “عايدة” واستدارت بجسدها لتتمكن من إخفاء ربكتها وإلتقاط أنفاسها.
دخل “خالد” غُرفة الإجتماعات ومعه من يُرافقونه واتجهت “عايدة” بخطوات سريعة نحو “خديجة” تهتف بضيق:
– مدخلتيش ليه ،يلا بسرعة.
– أصل أنا…
رمقتها “عايدة” بنظرة ممتقعة، ففي عملهم لا يوجد حجج وأعذار واهية.
أسرعت “خديجة” بالدخول للغرفة وعند دخولها رفع “خالد” عيناه ليقوم بتوبيخ “عايدة” بسبب عدم وجود المترجم الذي سيحضر معهم الإجتماع لكن الغضب غادر نظراته وهو يجدها أمامه.
ضَاقت عيناه وهو ينظر إليها وهي تحمل بعض الأوراق في يدها وتتحرك نحو طاولة الإجتماعات بتوتر لاحظه في حركتها.
اِتجه “كريم” إليها وعلى وجهه ارتسمت اِبتسامة ودودة دائمًا يستطيع رسمها وسَلب قلوب النساء.
على الفور تعرفت عليه وأدركت الأمر الذي تغافلت عنه…؛ هي بالمكان الذي رُبما ترى بِه الشخص الذي عركلتها “ليالي” نحوه واصطدمت به.
– حاولي تداري ربكتك أحسن الريّس يِسَمّعك كلام جميل بعد الإجتماع.
كان يُشير بكلماته نحو “خالد” الذي عندما اتجهت أنظارها إليه شحبت ملامحها..؛ إنها لا تحب التصادف مرة أخرى مع الأشخاص الذين يجمعها معهم موافق مُحرجة.
التقط “كريم” اسمها من البطاقة المعلقة حول رقبتها.
– يلا يا “خديجة”، الإجتماع هيبدأ.
قالها “كريم” بنبرة لطيفة ومع إسترخاء ملامحه وبساطته بالحديث شعرت بأن توترها يزول شيئًا فشىء.
أشاح “خالد” عيناه عنهم ثُمّ جلس على المِقْعَد ليبدأ الإجتماع.
لم يَكُن الأمر بالصعب كما ظنت، فالشركاء كانوا يدمجون اللغة الإنجليزية أثناء حديثهم مع اللغة الروسية مما جعل “خالد” و “كريم” يسهل عليهم الأمر بالتحاور معهم بجانب مترجمهم الخاص.
إنتهى الإجتماع بعدما تم الإتفاق على البنود ولم يبقى إلا التوقيع الذي تم تأجيله لـ الأسبوع المقبل.
نهض الشُركاء وقاموا بمصافحة “خالد” و “كريم” ثُمّ قاموا بتحريك رؤوسهم كتحية لـ “خديجة” التي حركت رأسها على الفور لهم.
تلاقت عيناها بعينيّ “خالد” الذي أشار لها بحركة من رأسه أن تتحرك معهم لمرافقة الشُركاء.
اِختفت ابتسامة “خديجة” فور أن استدارت بجسدها بعدما أنغلق باب المصعد بالشُركاء.
تلاقت عيناها بعينيّ “ريناد” التي كانت تقف مع أحدهم يتناقشون في أمر ما.
إِذْدَرَدَتٔ لُعَابها عندما رمقتها “ريناد” بنظرة قاتمة.
– آنسة “خديجة” من فضلك ورايا على مكتبي.
قَالها “خالد” ثُمّ اِتجه نحو المصعد الآخر ليتوجه إلى الطابق الذي به غُرفة مكتبه واتبعته سكرتيرته.
تعلقت أعيُن “كريم” بها مُنْدهشًا من تلك الحالة التي أصبحت عليها ولكن سُرعان ما ضاقت عيناه وهو يراها تنظر نحو “ريناد” التي أعطت الملف الذي تحمله للسيد “هشام” زَميلها.
– هو أنتِ تعرفي البشمهندسه “ريناد” ؟؟
أماءت “خديجة” برأسها وقد تقدمت “ريناد” منهما.
– دكتور “كريم”.
قالتها “ريناد” بإبتسامة سمجة.
فهي مُنْذُ ذلك اليوم الذي حضرت معه حفل الزفاف -وعلمت أن سبب اِصطاحبه لها من أجل قهر تلك الحبيبة التي فَضّلت عليه رَجُل آخر- وهي لا تطيق رؤيته.
– بتعملي إيه هنا يا “خديجة” ؟؟
قالتها “ريناد” في تساؤل رغم أن الإجابة كانت واضحة.
عند تلك اللحظة تذكر “كريم” رؤيته لـ “خديجة” من قبل.
– هي دي أختك يا بشمهندسه، أنا إزاي نسيت إننا شوفناها معاكِ في المطعم.
شعرت “خديجة” باِنَزِعَاج شقيقتها، لكن ضِيق “ريناد” قد إزداد وتجهمت ملامحها عندما أردف “كريم”.
– من موقعي هذا أقدر أقول إنك متعرفيش بتوظيفها في الشركة… الموضوع ده كويس لأن “خالد” هيسأل في النقطة دي لأنك عارفه يا بشمهندسه مافيش اتنين اخوات بيتعينوا في الشركة إلاّ إذا كانت خبرتهم ومؤهلاتهم نقطة قوية.
سحبت “ريناد” ذراع “خديجة” بعدما نظرت نحو “كريم” وقالت بنبرة معتذرة.
– بعد إذنك يا دكتور.
…
– أنتِ إزاي تشتغلي هنا من غير ما تقوليلي، شوفتي دلوقتي هتّسببي ليا مشاكل إزاي في شغلي.
هتفت بها “ريناد” بنبرة حَادة وهي تَنظُر إليها بنظرة تحمل الضيق.
شعرت “خديجة” بالإختناق من ردة فعل شقيقتها؛ فهي كانت تتمنى رؤية سعادتها لأنها توظفت في مكان كهذا.
– حاولت أقولك لكن أنتِ مهتمتيش.
– كنت فاكرة إنك اشتغلتي في شركة عادية مش شركة مش بيتوظف فيها أي حد.
أخفضت “خديجة” رأسها حتى لا ترى “ريناد” تلك الدموع التي اِلتمعت داخل مقلتيها بسبب قساوة كلماتها.
– قوليلي دلوقتي هنحل المشكله دي إزاي، أنا مش هخسر وظيفتي بسببك.
– متخافيش يا “ريناد” لو أتسألت اتعينت هنا إزاي هقولهم إنك مالكيش دخل في ده، غير إن أنا لفترة وهمشي، مجرد ست شهور وتعيني هينتهي.
– ست شهور بس؟؟
تساءَلت بها “ريناد” وقد ارتسمت على ملامحها الراحة لأن وجودها لأشهر قليلة لا غير.
آتى أحد المهندسين الكيميائيّن لشقيقتها وقد أخبرها بضروره التوجه إلى المصنع.
بمجرد أن دلفت لدورة المياة انفجرت باكية لا تُصدق أن شقيقتها لا ترغب بوجودها معها في مكان واحد.
لقد حولتها والدتها لشخصية أنانية لا تحب إلا نفسها.
مسحت وجهها من أثر الدموع ثُمّ نظرت لذاتها بالمرآة.
اِتسعت عيناها ذُعرًا ؛فهي نسيّت ما أمرها به صاحب العمل.
– أنا إزاي نسيت إنه قالي أروح وراه مكتبه، أعمل إيه أنا دلوقتي… شكلي هطرد من الشركة وكده “ريناد” هترتاح من عدم وجودي خالص.
أسرعت “خديجة” في تجفيف يداها ثُمّ غادرت دورة المياة واتجهت نحو الطابق الذي يوجد به مكتب الرئيس التنفيذي.
عندما رفعت “عايدة” عيناها عن الملف الذي أمامها رأتها تدلف الحجرة.
– أكتر من نص ساعة تأخير على دكتور “خالد”.
– أنا أسفة.
رمقتها “عايدة” بنظرة فاحصة وقد اندهشت من إحمرار عينيها.
– دكتور “خالد” مستنيكي في مكتبه.
أشارت إليها “عايدة” بالتوجه إلى مكتبه ثُمّ عادت تنظر للملف الذي أمامها.
– هو أنا كده ممكن اتطرد من الشركة ؟؟
تفاجأت “عايدة” من اِقتراب “خديجة” منها وتساؤلها.
ابتسمت “عايدة” وهي ترى نظرة “خديجة” لها وسُرعان ما اختفت ابتسامتها وارتسمت الجدية على ملامحها.
– أتفضلي يا أستاذة “خديجة”.
لا مفر من مواجهة صاحب العمل..
هكذا أَخبرت “خديجة” حالها وهي تتجه نحو غُرفة المكتب.
بخطوات متوترة دلفت الغرفة وقد كان “خالد” ينظر إلى السيرة الذاتية الخاصة بها.
– حضرتك كنت عايزني، أنا عارفه إني اتأخرت يا فندم… أنا آسفة على التأخير.
قالت “خديجة” كلامها دفعة واحدة، رفع “خالد” عيناه عن الملف الخاص بها ونظر إليها بنظرة كانت تحمل الجمود لكن سُرعان ما تبخرت وتحولت لنظرة تحمل لهفة وفضول صاحبها عندما رأي عيناها الذابلة التي إن دلت فستدل على بكائها.
سيطر “خالد” على ذلك الشعور الغريب الذي يُغرس داخله منذ حفل الزفاف الذي كان مدعو إليه وكانت قريبة منه بعدما وضع ذراعه حول خصرها ليمنعها من السقوط بعد فعلت صديقتها الواضحة للأعين.
– هحاول أتجاوز عن تأخيرك المرادي يا أستاذة “خديجة” ده أولاً.
تمتم بها “خالد” بعملية ثُمّ نهض من فوق مِقْعَده واقترب من مكان وقوفها.
– ثانيًا: توترك في غرفة الإجتماعات قدام العملاء مش عايز أشوفه تاني…
موظفين شركتي لازم يكونوا واثقين من نفسهم.
أسرعت في تحريك رأسها له دلالة على إستيعابها لما يُخبرها به.
اِتجه نحو طاولة مكتبه ليلتقط ذلك الملف الذي يُريد منها مراجعة بنوده بعد ترجمتها له بدقة.
– بكرة عايز نسخة من الملف ده مترجم.
– تمام.
قالتها “خديجة” وهي تلتقط الملف منه بِعُجَالة، مما جعله يُطالع فعلتها بدهشة.
شعرت بأنها فَعلت شىء خاطئ، فأسرعت في إعادة الملف له.
طالع الملف الذي تَمُده إليه ثُمّ طالعها وفي داخله كان يرغب بالضحك على فعلتها لكنه كالعادة تحكم في تعبيرات وجهه.
ارتبكت من نظراته إليها ثُمّ أسرعت في سحب الملف نحوها.
ولكي يُنهي هذا الموقف الذي يدعوه للضحك ابتعد عنها وعاد لمِقْعَده.
– اتفضلي على قسمك يا أستاذة “خديجة”.
تحركت “خديجة” لتُغادر الغرفة وقد شعرت أن أنفاسها الحبيسة ستصبح حرة أخيرًا لكنها توقفت ثُمّ استدارت بتوتر إليه.
– أنا شوفت إعلان الوظيفة من صفحة وظايف.
البشمهندسة “ريناد” متعرفش إني كنت هقدم على الوظيفة… هي اتفاجأت من وجودي.
عندما تعلقت عينيّ “خالد” بها… أخفضت عيناها وواصلت بتوتر.
– أنا عرفت إن من سياسة الشركة عدم توظيف الأقارب إلاّ إذا كان الشخص اللي هيتوظف مؤهل لكدة.
لم ينتظر “خالد” أن تواصل كلامها وعاد ينظر إلى سيرتها الذاتية التي عليها صورتها وقال:
– وأنتِ اتوظفتي هنا لأنك مؤهلة لكده يا أستاذة “خديجة”.
••••••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل السابع
أَلْقَت “خديجة” نظرة سريعة نحو الملف الذي قامت بترجمته ڪَمَا ڪُلِّفَت.
برضى أغلقت الملف ثُمّ أغمضت عيناها قليلاً لعلها تستطيع طرد ذلك النُعاس الذي يُداعب جفونها فهي قضت الليل بأكمله مُنكبة على ترجمة الأوراق.
– آنسة “خديجة”.
قالتها “عايدة” التي أصبحت أمام مكتبها.
فتحت “خديجة” عيناها وسُرعان ما كانت تنهض من فوق مِقْعَدها.
– مدام “عايدة” ، أنا كنت لسا هطلعلك بالملف.
طالعتها “عايدة” بنظرة خاطفة ثُمّ ابتسمت.
– كنتِ هتطلعي بعد ما تاخدي غفوة سريعة ؟؟
شعرت “خديجة” بالحَرج ثُمّ تعلقت عيناها بالسيد “سامر” الذي طالعها بنظرة ثاقبة.
– أهم حاجة خلصتي الملف يا “خديجة”؟؟
دكتور “خالد” عايزه حالًا.
أسرعت “خديجة” بتحريك رأسها ثُمّ اِلتقطت الملف لتعطيه لها.
تناولت “عايدة” منها الملف ثُمّ فتحته لتتفحص الأوراق المترجمة بنظرة سَريعة.
نظرة راضية اِحتلت عينيّ “عايدة” بعدما وجدت عملها منسق و دقيق.
ابتسمت “عايدة” لها ثُمّ ناولتها الملف قائلة قبل أن تلتف بجسدها وتتحرك من أمامها.
– خمس دقايق وتكوني بالملف في مكتب دكتور “خالد”.
ثُمّ استطردت بنبرة تحمل التحذير.
– خمس دقايق وبس يا “خديجة”.
انصرفت “عايدة” عائدة إلى مكتبها.
نظرت “خديجة” إلى الملف الذي ظنت أنها ستعطيه لسكرتيرة مكتبه ثُمّ تتولى سكرتيرته أمر تسليمه وليست هي.
تحركت بالملف بعدما طردت هاجس الخوف الذي يحتلها من الإختلاط بالغُرباء.
لكن سُرعان ما ضاقت عيناها في حيرة وهي ترى نظرات البعض مُحدقه بها.
لم يكن زملائها بالعمل معتادين على وجود سكرتيرة مكتب الرئيس التنفيذي في قسمهم إلا للضرورة.
لكن أن تأتي من أجل موظفة لم يمر على وجودها سوا عِدة أيام بل وتطلب منها الصعود إلى مكتب الرئيس لأمر يثير إنتباههم.
ارتبكت “خديجة” من نظراتهم التي لم تفهمها ثُمّ أصابها الفزع وهي تسمع صراخ السيد “سامر” بهم.
-كل واحد يشوف شغله بدل ما أبدأ أخصم.
تحركت “خديجة” بخطوات تُشبه الركض نحو الطابق الذي يقبع به غُرفة الرئيس التنفيذي.
حركت السيدة “عايدة” رأسها بيأس من تأخرها.
– كده سبع دقايق يا “خديجة”
أرادت “خديجة” الإعتذار منها لكن “عايدة” أشارت لها بالتحرك نحو غرفة السيد “خالد”.
بتوتر دلفت “خديجة” الغرفة وفور أن إنتبه على وجودها نظر لساعة معصمه بملامح جامدة ثُمّ عاد لمطالعة الأوراق التي أمامه.
دقيقة وراء أخرى حتى مضت عشر دقائق وهي تقف مكانها.
نظرت لساعة معصمها ثُمّ إليه.
كادت أن تصدر نحنحة لعله نسِيَ وجودها فينتبه عليها لكن وجدته أخيرًا يرفع رأسه عن الأوراق التي أمامه قائلًا:
– دي تاني مرة أطلبك فيها وتتأخري، تأخيرك إن دل فهيدل إنكِ شخص مش ملتزم يا أستاذة “خديجة”.
ارتبكت “خديجة” من حديثه ثُمّ أخفضت رأسها.
– أسفه يا فندم مش هتتكرر تاني.
– أتمنى.
قالها بنبرة باردة شعرت بها “خديجة” ثُمّ رفعت رأسها وحاولت تفادي نظراته المترصدة.
إقتربت منه لتعطيه الأوراق التي أمر بترجمتها والنسخة الأخرى المترجمة.
تعلقت نظراته بها بعدما التقط منها الأوراق، فوجدها تتراجع للوراء قليلاً بارتباك.
انتقلت عيناه نحو الورق المترجم الذي نال إستحسانه بسبب تنسيقها للسطور وتوضيح البنود التي وضعها الشُركاء.
رفع “خالد” عيناه عن الأوراق وقبل أن يسلط عيناه عليها وجد “نورسين” تدخل الغرفة.
– “خالد” ، المعمل متأخر في تركيب العينة…
استمرت “نورسين” بالحديث بأمور العمل وعن الإهمال الذي يحدث بالمعمل الذي يُصنع فيه تركيبات الدواء.
شعرت “خديجة” بأن وجودها لا داعي له، فتحركت لتُغادر لكن صوت “خالد” أوقفها وقد أصاب جسدها رجفة من نبرة صوته.
– أنا أمرت إنك تتحركي.
ببطئ وحرج استدارت “خديجة” بجسدها تنظر إليه ثُمّ إلى “نورسين” التي قطبت حاجبيها وهي تُحاول تذكر أين رأتها من قبل.
…
قضمت “خديجة” قطعة من شريحة البيتزا ثُمّ أخرجت تنهيدة مرهقة.
– كنت فاكرة إن الشغل في شركة كبيرة هيكون مريح.
قالتها “خديجة” ثُمّ قضمت قطعة أخرى من شريحة البيتزا.
– كل الشغل متعب، أمتى نكون أصحاب بيزنس.
تمتمت بها “سارة” ثُمّ أسندت خدها على باطن كفها وتساءَلت:
– هو مالك الشركة عمره في التلاتينات؟؟
حركت “خديجة” رأسها دون إهتمام لكن “سارة” كانت مهتمة بالأمر.
– متجوز ولا مش متجوز ؟؟
نظرت إليها “خديجة” ثُمّ أجابت دون أن تنتبه إلى ما ترمي إليه.
– مش عارفه.
– إزاي مش عارفه يا “خديجة” يعني مشوفتيش دبله في ايده.
قطبت “خديجة” حاجبيها في حيرة من أسئله “سارة”.
– وأنا ليه أهتم إذا كان لابس دبلة ولا لاء.. هو أنا رايحة أشتغل ولا أهتم بالكلام الفارغ ده يا “سارة”.
تنهيدة قوية خرجت من “سارة” ثُمّ نظرت إليها بنظرة يائسة.
– يا “خديجة” التفاصيل دي مهمه… ما هو ما دام سنه صغير وأعزب ففي فرصة إنك تلفتي نظره ليكِ.
اتسعت حدقتي “خديجة” في صدمة من آراء “سارة”.
– متبصليش كده.
قالتها “سارة” عندما وجدت “خديجة” تنظر إليها بغرابة.
– ما إحنا مش هنفضل سناجل كده كتير… بقى عمرنا 26 سنه ومافيش حد قالنا كلمة بحبك..
قالت “سارة” كلامها بملامح ممتعضة يتخللها المرح.
– لا اتغيرتي يا “سارة”.
تمتمت بها “خديجة” بمِزاح ارتسم على ملامحها، فرمقتها “سارة” بنظرة شرسة.
– “سارة” يا حبيبتي نظرات صاحب كافية “Soul.Smell” فضحاه يعني ليكِ معجبين.
قطعت “سارة” كلام “خديجة” وبنبرة حانقة تمتمت.
– أهو قولتي نظرات مش أكتر ويمكن أكون أنا اللي بفسر تصرفاته غلط.
شعرت “خديجة” بحزن صدقتها.
فالتقطت يدها تسألها بعدما أدركت أن “سارة” تخفي شىء عليها.
– إيه اللي حصل وضايقك يا “سارة” …
هذه المرة زفرت “سارة” أنفاسها بحزن.
– حماة “نورهان” أختي كانت جيبالي عريس من يومين… رفضني عشان وشي فيه حبوب وإني مافيش فيا أي حاجة تجذب.
اِحتل الغضب ملامح “خديجة” وهي تنظر إليها.
– مين اللي وصلك رد العريس؟؟.
بنبرة حملت الضيق تمتمت “سارة”.
– حماة “نورهان”.
– ست قليلة الذوق لأنها لو كانت تعرف الذوق أو شمت ريحته حتى مكنتش قالتلك الكلام بالنص …
كانت على الأقل قالت مافيش نصيب ده لو كان العريس اللي جابته قال كده فعلاً.
رمقتها “سارة” بشبه ابتسامة، ورغم أن “سارة” تتسم بالروح القتالية التي لا يؤثر بها شىء إلا أنها أحيانًا تتأثر بالكلام الذي تُطعن به أُنوثتها.
– هو إحنا ليه قلبناها دراما تراجيديا يا “خديجة”.
مطت “خديجة” شفتيها بيأس من صديقتها صاحبة المزاج المتقلب.
…
بعد مرور عدة أيام..
آتى اليوم المقرر فيه إمضاء عقود صفقة الأدوية.
توجهت “خديجة” إلى الطابق الذي صعدت إليه من قبل في الوقت المحدد كما تم إبلاغها.
كان متبقي على قدوم الشُركاء الروس خمس دقائق لذلك وجدت غرفة الإجتماعات فارغة إلا من العامل الذي يضع زجاجات المياة ويرتب ما قام بوضعه على الطاولة و إحدى موظفات قسم السكرتارية التي تولت مهمه وضع الأوراق أمام كل مِقْعَد.
اعتدلت الموظفة في وقفتها وفعل العامل مثلها عندما دخل “خالد” الغرفة وجواره “عايدة” سكرتيرته.
اِستدارت بجسدها ناحيتهم لتقوم بتحيتهم لكن وجدت “عايدة” تُركز إهتمامها نحو ما يُخبرها به السيد “خالد” ويُشير عليه بتلك الأوراق التي تمسكها “عايدة”.
رَجُل عملي لڪنه وسيم وصَغير…
كيف وصل لتلك المكانه وهو بهذا العمر ليكون الرئيس التنفيذي لأكبر شَركة أدوية بالوطن العربي.
سؤال لا تعرف لما طرء بعقلها لكن سُرعان ما وجدت الإجابه فهو ابن رجل الأعمال الراحل “رأفت العزيزي” فكيف لا يحصل على هذه المكانة.
غادر هذا الأمر رأسها ثُمّ وجدت عيناها تنصب بتركيز نحو يديه الخالية من دبلة زواج.
اتسعت عيناها بصدمة من وقاحة تفكيرها.
فهل صارت تفكر بتلك الحماقات !!
وفي داخلها أخذت تتمتم.
” أنا إيه اللي بفكر فيه دا ، الله يسامحك يا “سارة” أنتِ السبب…”
نظراته هذه اللحظة كانت منصبه عليها، رؤيته لتلك الإمتعاضات التي اِحتلت وجهها فجأة بعدما كانت تنظر إليه ثُمّ هزها لرأسها وكأنها تُريد طرد شىء من رأسها.
لأول مرة يكون شديد الملاحظة نحو امرأة، شعور جديد عليه لا يُريد أن يعرف له تفسير.
انتبه على ما تخبره به “عايدة” ، فأسرع بإشاحة عيناه عنها.
– الشُركاء في الأسانسير دلوقتي يا فندم.
اليوم لم تشعر بالتوتر مثل المرة الأولى، شعرت بالراحة بعدما انتهى الإجتماع بإمضاء العقود والمُبَاركة من أجل إتمام صفقة الشراكة.
اندهشت “خديجة” بعدما وجدت أحد الشُركاء -وهو المدير التنفيذي للشركة الروسية- يدعوها لتناول العشاء معهم.
كادت أن تتمتم “خديجة” بالإعتذار وإخباره بأن هذا لُطف منه لكن وجدت “خالد” يتولى الأمر ويتحدث مع الشَريك بالإنجليزية -التي يفهمها الشريك الروسى-.
– نحن نقبل دعوتكم وسنكون بالمطعم في تمام الساعة التاسعة.
“التاسعة” !!
هكذا تمتمت “خديجة” بصوت خفيض…
فكيف ستسطيع حضور هذا العشاء وهي لا تملك ثوب أنيق تستطيع الحضور به.
…
اِلتقطت عينيّ “خالد” مكان وقوفها بعدما اتجه نحو المِصعد ليصعد إلى الطابق الذي به مكتبه.
استمر بالنظر إليها وهي تتحدث بالهاتف ومن حركة جسدها أدرك أنها حائرة.
ضاقت عيناه بحيرة وفضول وتحرك نحوها.
الشُرفة الداخلية التي يتمتع بها هذا الطابق كانت بعيدة بعض الشىء عن غرفة الإجتماعات…
هذا الطابق متسم بالهدوء لذلك استطاعت الإختلاء بنفسها.
توقف عن متابعة خُطواته بعدما استمع لنداء أحد الموظفين له.
– مش عارفه هعمل إيه يا “سارة” ، حاولت أعتذر لكن معرفتش.
تنهدت “سارة” ثُمّ استأذنت من إحدى زميلاتها بالعمل أن تهتم بعملها إلى أن تنتهي من مكالمتها.
– أنا هخلص شغلي على 6 إيه رأيك نتقابل ونشتري حاجة تحضري بيها.
– بقولك ميعاد العشاء الساعه 9 ولازم على الأقل أكون موجوده قبلها بربع ساعة.. مش مشكله يا “سارة” أنا هحاول اتصرف.
– تتصرفي إزاي يا “خديجة”، أنتِ هدومك كلها متنسبش عشاء عمل.. لازم تكوني أنيقة يا “خديجة”.
قالتها “سارة” بصوت خفيض وهي تُحاول التفكير معها في حل.
– أنا لو كان مقاسي قريب من مقاسك…
– أنا عارفه يا “سارة”.
تمتمت بها “خديجة” وهي تعلم أن صديقتها لم تكن لتتخلى عنها بإعطائها شىء من ثيابها إذا كانوا متقاربتين في الوزن والطول لكن “سارة” أنحف وأطول منها.
– أنا هشوف “ريناد” يمكن ألاقي حاجه عندها تناسبني… أو أحاول أعتذر من مستر “خالد”.
…..
عادت “خديجة” من عملها في تمام الساعة الخامسة.
بعُجَالة اتجهت لغرفتها تبحث عن شىء يناسبها لترتديه.
بعدما بحثت بين ثيابها التي جميعها قمصان نسائية طويلة وبناطيل واسعة من الچينز وجدت بلوزة من الستان باللون الأزرق.
خرجت أنفاسها بارتياح وهي تحتضن البلوزة.
– فاضل الچيبة والجزمة والشنطة…مش مشكله الشنطة يا “خديجة”… فكري دلوقتي في الچيبة.
استمعت لصوت شقيقتها بعدما عادت هي الأخرى من العمل تهتف بنفاذ صبر.
– في أكل هناكله ولا هنقضيها نواشف… ما “خديجة” هانم خلاص بقت موظفة في شركة وليها مواعيد عمل.
كالعادة لم تهتم السيدة “ثريا” بالرد على صياح ابنتها وأكملت مطالعة شاشة التلفاز.
أسرعت “خديجة” بالخروج من غرفتها، فلم يتبقى الكثير على موعد دعوة العشاء.
رمقتها “ريناد” بنظرة خاطفة ثُمّ اتجهت لخزانة ملابسها لتعليق سترتها.
خزانة “ريناد” كانت ممتلئة بالأثواب الأنيقة التي تناسب كل وقت عكسها.
ليتها تتعلم من هذا الأمر وتهتم بإنتقاء ملابسها لكن من أين تحصل على الثياب ووالدتها تضع على كاهلها قسط البنك -الذي عليها سداده شهريًا- وشراء ما يحتاجه المنزل من أغراض عندما تنتهي والدتها من صرف إيجار شقتهم القديمة والمعاش الشهري البسيط على أغراضها الشخصية …
عكس “ريناد” التي تتفضل عليهم بإعطائهم مبلغ بسيط من راتبها.
انتبهت “خديجة” من شرودها في أفكارها -التي لا تجني شىء- على صوت “ريناد”.
– في حاجه يا “خديجة”.
شعرت “خديجة” بالإرتباك ثُمّ فركت يديها بتوتر.
– “ريناد” ممكن تديني الچيبة السودة اللي جبتيها من فترة ومعجبتكيش لأنها طويلة.
طالعتها “ريناد” بنظرة فاحصة ثُمّ أكملت ﺣـَلّ أزرار قميصها وتساءَلت:
– عايزاها ليه ؟
لم تكن تُدرك أنها عندما تُخبر “ريناد” أنها مدعوة على عشاء عمل -برفقة رئيسهم السيد “خالد”- ستندلع ثورة “ريناد” عليها هڪذا.
– هحضر عشاء عمل مع الشُركاء الروس و دكتور “خالد”.
– بتقولي إيه.
صاحت بها “ريناد” بملامح احتلتها الصدمة والحقد معًا، هي التي تعمل بالشركة منذ ثلاث سنوات لم تسنح لها الفرصه لتكون بقرب رئيسها.
– أكيد أنتِ سمعتي غلط… عشا إيه اللي تحضريه مع دكتور “خالد”.
اِزْدَرَدت “خديجة” لُعابها من هجوم “ريناد” عليها ، فهي كانت تتمنى أن لا يتم دعوتها.
– مدام “عايدة” أكدت عليا مرتين في التليفون.
– كمان سكرتيره دكتور “خالد” بتتواصل معاكِ.
قالتها “ريناد” بتجهم وضيق فهي لا تستوعب ما تسمعه من “خديجة”.
– “ريناد” لازم أكون في المطعم الساعه 9 وأنا مش معايا غير البلوزة…
أرجوكِ يا “ريناد” سلفيني الچيبة وصدقيني مش هعمل فيها زي ما عملت في الفستان.
ومجرد ما أخد مرتبي هنزل اشتري ليا كام طقم شيك.
– وهتنزلي تشتري ليه وأنتِ مجرد شهور وهتنتهي مدة توظيفك في الشركة.
كانت تعلم أن شقيقتها تحب التقليل من أي إنجاز أو خُطوة تحصل عليها.
ابتسمت “خديجة” ابتسامة مصطعنه أخفت خلفها حزنها ولكي تجعلها تشعر أنها لا شىء مقارنةً بها -كما تفعل والدتهم دائماً-.
– عندك حق يا “ريناد” مجرد شهور وينتهي توظيفي بالشركة…
أنا عايزة بس أثبت نفسي في الكام شهر دول عشان شهادة الخبرة.
ده غير إني محبتش الشغل في الشركة وعايزه الأيام تعدي بسرعه.
شعرت “ريناد” بالرضى التام عندما وجدت “خديجة” تعرف مقدارها أمامها وحاجتها إليها.
اتجهت “ريناد” لخزانتها وأخرجت لها التنورة السوداء بل وأعطتها حذاء وحقيبة دون أن تطلبهم “خديجة” منها.
– خليكِ واثقة من نفسك قدامهم.
ابتسمت “خديجة” من قلبها وهي تستمع إلي نصيحة شقيقتها لكن سُرعان ما اختفت ابتسامتها عندما واصلت “ريناد” كلامها.
– وبلاش تاكلي قدامهم لأحسن أنا عارفاكي مبتعرفيش تاكلي بإتيكيت.
……
نظرت إلى الوقت بهاتفها ثُمّ نظرت للطريق، إنها تخشى التأخر كعادتها…
فهذه المرة سيتأكد رئيسها أنها لا تحترم مواعيدها.
– من فضلك ممكن تزود السرعه شويه.
تمتمت بها “خديجة” ؛ فاستجاب السائق لها.
نظرت مرة أخرى للطريق ليبدأ هاتفها بالرنين.
نظرت للرقم الذي يظهر على شاشة هاتفها، فهو ليس من ضمن قائمة جهات الإتصال لديها.
أجابت على الفور ظنًا منها أنه رقم آخر لمدام “عايدة”.
– مساء الخير، أستاذة “خديجة”.
ضاقت عيناها وهي تستمع للصوت الرجولي الخشن.
– أستاذه “خديجة” أنتِ سمعاني… أنا “خالد العزيزي”.
إنه صوته، هي لا تستوعب أن صاحب العمل يُهاتفها بنفسه.
ردت على الفور لكن نبرة صوتها خرجت متعلثمة..
– دكتور “خالد”، هو في حاجة حصلت… العشا إتلغى.
ابتسم “خالد” وهو ينظر للطريق أمامه.
فهو يعلم أن أكثر شىء كانت تتمناه اليوم أن يتم إلغاء عشاء العمل أو إعفائها منه.
– لا يا أستاذة “خديجة” مافيش حاجة اتلغت..
ثُمّ تمتم بلطف لا يستخدمه بالعمل أو مع موظفينه.
– أنا عارف إن كان نفسك يتلغي.
ارتبكت “خديجة” من كلامه ثُمّ أخفضت عيناها بخجل وكأنه يراها.
– أنا كنت عايز اتأكد هل أنتِ على الطريق… مش عايز تأخير المرادي.
ظنت أن كلامه هذه المرة يقوله بجديه لكنه كان يتحدث وابتسامته تشق ثغره.
– لا يا فندم أنا على الطريق، خمس دقايق وأكون بالمطعم.
بعد خمس دقائق
وقفت سيارة الأجرة التي تستقلها أمام المطعم .
ترجلت “خديجة” منها بعدما أعطت السائق أجرته.
نظرت لواجهة المطعم الذي تعلم موقعه تمامًا لكنها لم تُفكر بالدخول إليه يومًا، فالطعام لديهم مُكلف للغاية وفاتورتهم مرتفعة.
توقف “خالد” بسيارته ثم صفها بمكان خالي.
ترجل من سيارته ثُمّ قام بهندمت لياقة قميصه وجاكت بذلته.
عيناه تعلقت بها بعدما تعرف عليها، إقترب منها وقد عاد الشعور الذي يشعر به كُلما وقعت عيناه عليها…
بها شىء يجذبه لها لكن لا يستطيع معرفته.
– “خـديـجـة”.
خرجت أحرف اسمها من بين شفتيه دون أن ينتبه أنه تلاشي الرسميات في نطقه لاسمها.
بابتسامة لطيفة استدارت له وفي داخله تمنى ألاّ تبتسم له.
••••••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل الثامن
تمالك “خالد” حاله بعدما أدرك ما صار يشعر به.
ملامحه التي كانت مسترخية أصبحت باردة مما جعلها تندهش من تغيره المفاجئ.
أشار لها لتتحرك أمامه دون أي كلمة أخرى.
شعرت بالتوتر لوجودها معه على الطاوله دون أحد.
أخذ يختلس النظرات إليها كلما نظرت لهاتفها.
أخيرًا انضم الشُرڪاء إليهم واتبعهم “كريم” الذي بلطافته جعل طاولة العشاء تتحول من جلسة عملية إلى جلسة مرحة.
استرخت “خديجة” بجلستها بل وبدأت تبتسم مع كل مزحه يلقيها “كريم” ثُمّ يشير لها بترجمتها لهم.
إتجه “كريم” برأسه نحو “خالد” الذي يُشاركهم الكلام باِقتضاب، ثم سأله بخفوت.
– مالك يا بوص، فُك التكشيرة دي لـ الشُركاء يفتكروا إنك مش طايقهم.
حَدَجَهُ “خالد” بنظرة لم يفهمها، ثُمّ تحولت عيناه نحو تلك التي تجلس بالمِقْعَد الذي يلي “كريم”.
هذه المرة انتقل “كريم” بنظراته نحو “خديجة” التي أخذت تأكل طعامها بتمهل وبطئ.
– يا بنتي كلي براحتك محدش بيركز مع حد بلاش شغل الإتيكيت اللي مبيأكلش عيش دا.
ابتسامة خجلة اِحتلت ملامح “خديجة” وهي تنظر إلى “كريم” ، جعلت نظرات “خالد” تصبح قاتمة.
بساطة “كريم” بالحديث ولُطفه جعل “خديجة” تندمج معه.
فور أن انتهى العشاء وصافح “خالد” شُركائه غادر المطعم.
ضاقت عينيّ “كريم” بحيرة لكنه يعرف طباع ابن عمه.
تصرف “خالد” كان مُلفت للغاية لـ “خديجة” التي تخشى أي خطأ يصدر منها أمامه.
نظرت إلى “كريم” الذي مازال واقفًا معها أمام واجهة المطعم.
– هو أنا عملت أي تصرف مش مظبوط، دكتور “كريم”.
ابتسم “كريم” لها بلُطف ثُمّ نظر لسيارة ابن عمه بعدما تحرك بها.
– لا يا “خديجة” ، واسمحيلي أقولك “خديجة” من غير ألقاب.
أماءت “خديجة” برأسها له وهي تبتسم بخجل.
تعلقت عينيّ “خالد” بها عندما مر بسيارته أمامهم.
– حاولي تاخدي على طباع رئيسك… للأسف من الصعب تلاقيه بيضحك.
قال “كريم” عبارته الأخيرة ثم أشار لها أن تتحرك أمامه ليقوم بتوصيلها لمنزلها.
– اتفضلي معايا عشان أوصلك.
– شكرًا دكتور “كريم”.
تمتمت بها “خديجة” ورغم إصرار “كريم” عليها إلا أنها استمرت في رفضها.
– خلاص يا “خديجة” … هوقفلك تاكسي.
بالفعل انتظر “كريم” معها إلى أن أتت سيارة أجرة.
…
– لطيف أوي يا “سارة”.
قالتها “خديجة” لـ “سارة” في مكالمتهم الهاتفيه بنظرة يملئها الإعجاب.
– وإيه كمان.
لم تنتبه “خديجة” على نبرة “سارة”، فاستطردت قائلة:
– ووسيم وچنتل مان.
انتبهت “خديجة” على حالها بعدما وجدت “سارة” تعزف لها بلحن موسيقي.
– أنتِ سيباني اتكلم عشان تتريقي مش كده يا “سارة”.
– ما أنتِ شكلك كده بدأتي تُعجبي بـ دكتور “كريم”.
قالتها “سارة” لتختبر مشاعر صديقتها نحو ذلك الرجل مما جعل “خديجة” تنتفض من فوق فراشها قائلة:
– لا طبعًا، إقفلي يا “سارة” خلينا ننام.
تهربت “خديجة” من سؤال “سارة” لأنها لا تعلم الجواب.
فهل تُعجب بشخص بسبب لطافته معاها.
…
دلفت “نورسين” مڪتب “خالد” بالشَركة والفزع يحتل ملامحها وهي تحاول إلتقاط أنفاسها.
– “خالد” ، اتصلوا بيا من مدرسة “أحمد” لأنهم حاولوا يكلموك لكنك مبتردش…
“أحمد” أخدوه المستشفى لأنه وقع من على السلم.
إنتفض “خالد” من فوق مِقْعَده واقترب منها متسائلًا بقلق على أخيه الصغير الذي صار يعتبره طفله.
– مستشفى إيه؟؟
تحرك قبل أن يحصل على الجواب واتبعته “نورسين” وهي تشعر بالقلق على حال أخَاهَا الذي ترفض وجوده لكنها في داخلها تحبه.
…
رمقها السيد “سامر” بنظرة ممتعضة بعدما أخبرته أنها تريد خمسة عشر دقيقه لتذهب فيهم لمكان قريب من الشركة لتستلم شىء -قامت بشرائه- من عامل التوصيل.
أشار إليها بالإنصراف ثُمّ عاد ليركز أنظاره نحو الأوراق التي أمامه.
بتعجل خرجت “خديجة” من المصعد الخاص بموظفين الشركة ثُمّ غادرت البناء.
وضعت هاتفها على أذنها منتظرة رد عامل التوصيل عليها ليُخبرها أين هو بالتحديد.
أسرعت بالتحرك نحو الجهة التي ينتظرها بها.
حصلت أخيرًا على كنزها الثمين وهو أحد أعمال الأديب الروسي “دوستويفسكي” الغير مترجمه.
في تلك اللحظة التي كانت تتجه فيها نحو المصعد…
كان “خالد” يخرج من المصعد الآخر يتبعه “كريم”.
ابتسم “كريم” عندما رأها ثُمّ حرك لها رأسه بتحية…
بادلت تحيته بإماءة من رأسها مع ابتسامة ودودة ارتسمت على شفتيها.
احتدت نظرات “خالد” عندما التقطت عيناه الأمر ثُمّ أسرع بخطواته ليُغادر الشَركة.
صعد “كريم” السيارة ينظر إليه دون فهم لأمره.
– دايمًا كده واخد في وشك.
حَدَجَهُ “خالد” بنظرة غاضبة ثُمّ بدأ بقيادته.
– مش هستناك لحد ما تتساير مع الموظفات.
تعجب “كريم” من حدته و رده عليه بتلك الطريقه.
– اتساير! دي “خديجة” والبنت محترمه.
– مجرد موظفه في الشركة وقبل كده أخدت أختها معاك فرح “سلوى” …
“كريم” علاقاتك النسائية تكون بعيد عن الموظفات.
لم يستسيغ “كريم” تلك الطريقه التي تحدث بها فهتف بوجه حانق.
– قصدك إيه يا “خالد” ؟!
لم يُجيب “خالد” عليه لأنه يعلم أن ردة فعله كانت بلا داعي…
موظفه تقبل التلاطف مع المدير فما الأمر الذي يُزْعِجةِ…
إنه بالفعل يضع إهتمامًا عجيبًا نحو تلك الفتاة.
– خلاص يا “كريم” اقفل السيرة ديه.
طالعه “كريم” بدهشة ولولا أنه يعلم جدية “خالد” وعدم تقبله لتلك الطريقه التي يتعامل بها مع الموظفات لـ ظن أن “خالد” يهتم لأمر تلك الفتاة.
– بس اللي أنا مستغربه إن الأختين مختلفين خالص في طريقتهم وطريقة لبسهم.
عاد التجهم يحتل ملامح “خالد” ولم يشعر بنفسه وهو يقود بسرعة جنونيه إلا على صوت “كريم” الذي أثار الأمر دهشته.
– هدي السرعة يا “خالد” … إحنا مش على طريق صحراوي ده طريق عمومي.
…..
اليوم هو نهاية الشهر والمقرر فيه الحصول على الرواتب.
ارتسم الحماس على ملامح “خديجة” عندما علمت أن راتبها تم وضعه بحسابها البنكي.
– حضري نفسك هعزمك النهاردة يا “سارة” وهرد ليكِ الفلوس اللي استلفتها منك.
قالتها “خديجة” وهي تتحرك نحو الإستراحة التي يقضون فيها الموظفين إستراحة العمل.
– المرتب نزلك كامل ولا ناقص.
ابتسمت “خديجة” ، فسعادتها كانت لا تُوصف عندما تأكدت من المبلغ الذي تم وضعه بحسابها.
– لا كامل، وكمان نازل ليا مكافأة.
– واو… لا الوظيفه دي خسارة تكون مؤقته.
هتفت بها “سارة” لكن سُرعان ما استكملت كلماتِها بتشجيع.
– حاولي تثبتي نفسك ليهم دايمًا يا “خديجة” وأنا متأكده إنهم مش هيقدروا يستغنوا عنك…
في نفس اللحظة التي أنهت فيها “خديجة” مكالمتها مع “سارة” وجدت شاشة هاتفها تُضاء باسم والدتها.
– ألحقيني يا “خديجة” أنا محتاجة فلوس حالًا.
غادرت “خديجة” الشركة دون أن تأبه أن استراحة العمل ستنتهي بعد خمس وأربعون دقيقة.
من سوء حظها أن جميع سيارات الأجرة لم تكن فارغة بهذا الوقت.
نظرت حولها بيأس ثُمّ تحركت نحو الطريق الرئيسي لعلها تجد سيارة أجرة.
في هذا الوقت كانت سيارة “خالد” تُغادر جراچ الشركة.
كان منشغل بمكالمة هاتفية وهو يقود سيارته لكن عندما تقاطعت سيارة أخرى -مارة نحو طريق متفرع- مع سيارته توقف فجأة.
إنتبه عليها وهي تسير بخطوات سريعه نحو الطريق الرئيسي.
– أستاذه “خديجة”.
صاح بها “خالد” بعدما فتح باب سيارته.
اتجهت بعينيها نحوه فأردف قائلًا :
– تعالي أوصلك في طريقي لو تحبي لأن للأسف صعب تلاقي تاكسي في الوقت ده.
طالعته بتردد لاحظه لكن إرتفاع رنين هاتفها برقم والدتها جعلها تقبل عرضه.
– أنا مش عارفه أشكر حضرتك إزاي.
قالتها “خديجة” بخجل بعدما تحرك بالسيارة.
رمقها بنظرة خاطفة وقد ارتسمت على ملامحه ابتسامة لطيفه تمكن من إخفائها سريعًا.
– قوليلي رايحه فين.
– وسط البلد.. مطعم رانوس.
كادت أن تصف له مكان المطعم لكنه كان يعرف مكانه.
– هو أنا هأخر حضرتك.
تساءَلت “خديجة” ثُمّ نظرت لهاتفها الذي تعالا رنينه مرة أخرى.
– ردي على تليفونك ومتقلقيش مش هتأخريني ولا حاجه.
طريقته اللطيفة التي كان يتحدث بها معها كانت تصدمه بنفسه.
إنه ليس بتلك الشخصية الودودة مع النساء حتى لو أعجبته إحداهن.
– فينك يا “خديجة”… أختك مبتردش عليا لازم واحده فيكم تلحقني… “ماجدة” الحقوده دبستني… أوعي تيجي من غير فلوس.
خشيت “خديجة” أن لا يتحمل راتبها فاتورة الطعام الذي تناولته والدتها مع صديقاتها.
– الحساب كام يا ماما.
عندما استمعت للرقم الذي أبلغتها به والدتها أغمضت عيناها بحسرة سيضيع جزء كبير من راتبها -الذي حلمت به منذ أن توظفت- من أجل فاتورة غذاء.
– “خديجة” فيه كمان فاتورة شنطة وجذمه دبستني فيهم “تفيدة” عشان هدية عيد ميلادها.
– كمان!! كام يا ماما.
ارتفع تنفسها عاليًا وشعرت برغبة قوية بالبكاء؛ فلن يتبقى من راتبها إلاّ مبلغ قليل تستطيع به تدبر حالها لنهاية الشهر.
أغلقت “خديجة” المكالمة تنظر نحو الطريق بنظرة شاردة .
نظرات “خالد” -من حين إلى آخر- كانت تنصب عليها بإهتمام…
لقد إلتقط بعض الكلام أثناء مكالمتها مع والدتها.
– أنتِ كويسه يا آنسة “خديجة”…
والدتك في أزمة؟ لو محتاجه حاجه ممكن أساعدك.
طالعته بابتسامة حملت ما تُعانيه ثُمّ شكرته على لُطفه معها.
– شكرًا يا فندم.
أخيرًا وصلت لمكان المطعم وقبل أن تُغادر سيارته كان يُخرج أحد بطاقاته البنكية ويمُدها لها.
– خليها معاكِ يعني لو احتاجتي حاجه.
صدمها عرضه وشعرت بالإهانة لأنه فهم من مكالمتها مع والدتها أنها بحاجة للمال.
– شكرًا يا فندم.
تمتمت بها مرة أخرى بصوت خفيض يحمل الْخِزْي ثُمّ غادرت سيارته.
طالعها “خالد” وهي تتجه نحو المطعم -الذي يعلم تمامًا أن فاتورة تناول الطعام به غالية- ثُمّ توجه بأنظاره نحو بطاقته البنكية وزفر أنفاسه بضيق…
فهو لم يقصد إهانتها كما فهمت بل أراد مساعدتها لكن كان هناك شىء يهتف داخله.
” لما تهتم لأمرها ” .!!
أسرعت السيدة “ثريا” نحو “خديجة” عندما وجدتها تدلف من باب المطعم.
– فين الفلوس؟؟
أخرجت “خديجة” بطاقتها البنكية ثُمّ أعطتها لها…
بخطوات حملت الثقة هذه المرة اتجهت “ثريا” نحو الموظف المسئول عن دفع الحساب.
– عشان تصدقوا إني نسيت الڤيزا في البيت… واحده هانم زيّ ما تنفعش تتعامل بالإهانة دي.
قالتها بصوت مرتفع حتى يستمع من شاهدوا لحظات إذلالها.
– إحنا مكناش نقصد يا هانم وعلى العموم إحنا متأسفين.
قالها الموظف بعدما حصل على ثمن فاتورة الطعام.
نظرت “ثريا” حولها بكبر ثُمّ إلتقطت البطاقة البنكية منه واتجهت نحو الطاولة التي كانت تجلس عليها هي وصديقاتها -لكنهم غادروا متحججين أن لديهم مواعيد هامة-.
التقطت حقيبتها من فوق الطاولة ثُمّ اتجهت نحو “خديجة” التي وقفت تنظر إلى والدتها بحسرة.
– خلينا نروح ندفع ثمن الشنطة والجذمة لأني بلغتهم هفوت أخدهم بعد ما أخلص مشاويري وأدفع تمنهم.
سارت معها “خديجة” صامته تكتم أي كلام داخلها حتى لا تنفجر بالكلام..
– اختك طلعت بتكذب عليا ومفهماني إن مرتبات الشركة ضعيفة وبتقضي بقية الشهر سلف من صحباتها…
شوفي أنتِ اهو لسا متعينة من شهر ومرتبك عالي.
أما بقى “ريناد” اللي بتشتغل مهندسه كيميائية وبتشتغل في الشركة من تلت سنين مرتبها كام.
الفضول اِحتل نظرات السيدة “ثريا” بعدما علمت راتب “خديجة”.
طيلة طريق عودتهم للمنزل كانت صامته وقد نسيت تمامًا أمر عودتها للشركة وإبلاغ السيد “سامر” أنها اضطرت للمغادرة.
وصلوا لشقتهم وقد اتجهت السيدة “ثريا” نحو أريكتها الغالية.
– مش هتبطلي اللي أنتِ بتعمليه دا … هتفضلي لحد امتى عايشة كده… إحنا مش زيهم ولا شبههم…
حرام عليكِ شقا بابا الله يرحمه في غربته ضيعتيه…
حتى القرض اللي أخدناه من البنك ضاع على رحلاتك مع صحباتك…
الديون وعماله تتكوم علينا… أنا خايفه في يوم تقولينا إنكِ بعتي الشقة.
لم تهتم السيدة “ثريا” بأي كلام قالته ابنتها لعلها تفيق من تلك الحياة التي تسحبهم معها فيها.
– بنت أنتِ إزاي بتكلميني كده… أنتِ ناسيه إني أمك ولا عشان دفعتي ليا مبلغ صغير هتذليني عليه.
واصلت السيدة “ثريا” الحديث عن تضحياتها الغالية من أجلهم وما فعلته لهم وتحملها لحياة الفقر مع والدهم.
– أنتِ عمرك ما عملتي ليا حاجة… الكلام ده قوليه لـ “ريناد”.
قالت “خديجة” عبارتها -التي ألجمت السيدة “ثريا” للحظات- ثُمّ انسحبت لغرفتها.
استمرت السيدة “ثريا” بالصياح عليها وإخبارها كم هي جاحدة وتشبه والدها.
اِنسابت دموع “خديجة”، تتمنى من كل قلبها أن ترحل من هذا المنزل وتذهب لوالدها.
…
توبيخ قاسي حصلت عليه من السيد “سامر” على مغادرتها للعمل دون إستأذانه…
فهم بشركة خاصة وليس بعمل حكومي يستطيعون التَزْويغ منه كما يشاءون.
– إيه اللي حصل لكل ده يا أستاذ “سامر”…
توقف “سامر” عن صراخه بها وأخفض رأسه بإحترام عندما وجد نفسه أمام “كريم”.
– دكتور “كريم” أهلاً بحضرتك في قسمنا يا فندم.
تجاهل “كريم” تحيته وتساءَل عن سبب صراخه عليها، فهو بالمصادفه كان يمر بهذا الطابق.
– الأستاذة سابت الشغل إمبارح من غير ما تستأذن.
– وده يستدعي الصراخ ده كله عليها… افهم منها السبب وبعدين احكم يا أستاذ “سامر” مواظفينا مش عبيد عندنا.
عندما وجدت “خديجة” الحرج يحتل ملامح السيد “سامر” أسرعت بتوضيح الأمر.
– أنا عارفه إني غلطانه يا فندم وأوعدك مش هتتكرر تاني.
نظر إليها “كريم” بتقدير ثُمّ ابتسم وأشار إليها لتعود لعملها.
– اتفضلي على مكتبك يا آنسه “خديجة”.
تعلقت نظرات “خديجة” به عندما استدار بجسده ليُغادر الغرفه وسُرعان ما أخفضت رأسها نحو سطح مكتبها لتتفادى نظرات السيد “سامر” المتجهمة.
…..
في نهاية نقاشهم عن صفقة الأدوية الجديدة لا يعلم “كريم” لما انبثق الكلام منه عن “خديجة” وعن توبيخ السيد “سامر” -مدير قسمها- لها.
تجهمت ملامح “خالد” وهو يستمع إلي التفاصيل التي يسردها له عن الموقف وكيف شعر بالتقدير والإحترام نحوها لردة فعلها.
ولأن “كريم” يشعر بالإختلاف بينها وبين شقيقتها -التي استطاع مراضتها عن موقفه السخيف معها بهدية باهظة الثمن- استمر بالكلام عن “خديجة” ومدحها.
ضاقت عينيّ “خالد” بنظرات تحمل الغضب وهو يرى كيف ابتهجت ملامح “كريم” وهو يتحدث عنها.
••••••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل التاسع
أغلق “خالد” الكتاب الطبي الذي ڪان يقرأ فيه بعدما شعر أنه لا يقوى على المواصله بسبب تشتت عقله.
حديث “كريم” عنها، تلك الإبتسامة التي تحتل ملامحها كلما رأته..
تفاصيل أصبح يُلاحظها كلما تصادف معها في ردهة الشركة.
أغلق جفنيه لعله يستطيع طرد ذلك الشعور الذي بات مؤخرًا يؤرق مضجه.
نهض من فوق فراشه ثُمّ غادر الغرفة متجهًا نحو غرفة أَخَاه.
توارى جانبًا بعدما انتبه على صوت “نورسين” التي جلست جوار “أحمد” على فراشه الصغير تقص له حكاية.
اِلتمعت عيناه بنظره حانية وهو ينظر إليهم، فـ “نورسين” منذ أن أصيب “أحمد” بساقه وكُسرت وهي تهتم به.
من كل قلبه كان يتمنى أن تعود شقيقته لشخصيتها القديمة، فزواج والدهم -من امرأة أخرى سرًا- وإنجابه طفلاً؛ جعل شخصية شقيقته تتغير لشخصية باردة عملية لا تثق بأحد.
قرر الإنسحاب بهدوء حتى لا تنتبه على وجوده لأنه يعلم تمامًا أنها لا تحب أن تُظهر اهتمامها بـ “أحمد” فهي تفعل ذلك من ورائهم كما تَظُن.
…
في صباح اليوم التالي وعلى طاولة الإفطار
انضم “خالد” أخيرًا إليهم بعدما اهتم بإطعام “أحمد” ثُمّ ترك مربيته تتولى رعايته.
إتجه نحو والدته كالعاده يُقبل رأسها وكفها وبعدها يتجه نحو “نورسين” يُقبل رأسها بحنو وهو يتمتم بتحية الصباح إليهم.
– صباح الخير يا حبيبي … “أحمد” فطر كويس؟؟.
حرك رأسه لوالدته ثُمّ شرع في تناول فطوره فأردفت السيدة “لطيفة” بنبرة دافئه.
– حبيبي كان عامل صوت للبيت بشقاوته.
طالعت “نورسين” والدتها بنظرة خاطفة ثُمّ عادت تُحدق بطبق طعامها، فهي حتى اليوم لا تستوعب كيف تقبلت والدتها “أحمد”، هم واجب عليهم تقبله لأنه أخَاهم حتى لو من امرأة أخرى خائنة.
ابتسم “خالد” لوالدته صاحبة القلب اللطيف والملامح الطيبة ثُمّ نظر نحو شقيقته التي مازالت في صراعها من تقبل أخَاهم بينهم.
– “خالد” أنا عايزه أنضم لفرع دبي …
قالتها “نورسين” وهي تتهرب من نظرات “خالد” إليها بعدما حدق بها.
– ليه يا “نور”؟
تساءَلت السيدة “لطيفة” عندما استمعت لرغبة ابنتها بالإبتعاد عنهم.
انتقلت عينيّ “نورسين” نحو شقيقها بعدما سيطرت على ملامح وجهها المرتبكة.
– تقيمات الفرع مبقتش عجباني والظاهر “طارق” لسا مش عارف يتعامل ويفهم النظام.
رمقها “خالد” بنظرة ثاقبه مما زاد من ربكتها وتوترها.
– غريبه، “طارق” مطلبش مني مساعدة.
توترت “نورسين” وهي تنظر إليه تبحث عن رد سريع تُخبره به.
– عمومًا يا “نور” لو أنتِ شايفه فرع الشركة محتاجاك مفيش مشكله.
زفرت “نورسين” أنفاسها براحة ولكن عندما وجدت نظرات “خالد” مرتكزة عليها وهو يرتشف من فنجان الشاي خاصته أسرعت بإلتقاط قطعة من الخيار وتناولها.
طالعتهم السيدة “لطيفه” بنظرة حائره وقبل أن تتكلم… كان “خالد” ينهض من فوق المِقْعَد متمتمًا.
– عندي إجتماع بعد ساعه مضطر أمشي.
إتجه نحو والدته يُقبل خدّها هذه المرة ثُمّ همس بأذنها بخفوت.
– بنتك بتكابر يا “لطيفة”.
اتسعت ابتسامة السيدة “لطيفة” عندما فهمت مغزى كلامه لكنها زفرت أنفاسها براحه؛ فأخيرًا تأكدت أن ابنتها تكن مشاعر لـ “طارق” الذي تعتبره كأبن لها لم تنجبه.
– “خالد” قالك إيه يا ماما خلاكي تبتسمي.
عادت الإبتسامة تشق شفتيّ السيدة “لطيفة” وهي تنظر إليها.
– ديه أسرار بين الأم وابنها.
مطت “نورسين” شفتيها بحنق طفولي من رد والدتها.
– طبعًا ما “خالد” بيه هو الغالي.
التمعت أعيُن السيدة “لطيفة” بنظرة تفيض حنانًا.
– انتوا الاتنين غاليين عندي ونفسي أشوفكم دايمًا سعداء يا “نور”.
أخفضت “نورسين” عيناها بحزن مازال يحتل قلبها وقبل أن تنطق بكلمة أسف عما حدث بسببها.
– تعالي في حضني يا حبيبتي.
أسرعت “نورسين” بالإرتماء في حضن والدتها تهتف بأسف.
– أنا مبقتش أفكر غير في سعادتكم… انسي الماضي يا “نورسين”.
وهل تستطيع نسيان خيانة صديقتها لها بعدما غفلتها وتزوجت من والدها؟؟
…
اليوم كان عليها أن تنتظر إستلام البريد الإلكتروني الذي ستبعثه الشركة الروسية ثُمّ تقوم بطباعته.
نظرت إلى الوقت في ساعه يدها ثُمّ حولها..
لقد غادر معظم موظفيّ الشَركة بعدما إنتهى دوامهم.
أصبحت الآن الساعه السابعه.
إِلْتَقَطَت “خديجة” الأوراق التي قامت بطباعتها، فـ البريد الإلكتروني كان مرفق بملف لابد من ترجمته الليله ووضعه غدًا أمام سكرتيرة الرئيس التنفيذي كما أبلغها السيد “سامر” بعدما تلقى الأوامر من مدام “عايدة”.
جمعت الأوراق التي قامت بطباعتها ثُمّ عادت لمكتبها لتغلق الحاسوب وتُجمع متعلقاتها الشخصية.
ابتسامة واسعة ارتسمت على شفتيها عندما رأت “كريم” يقف في ردهة الشركة ويُشير بيده لها.
واصلت خُطواتها نحوه لتقوم بتحيته لكنها وجدت يدًا تُضع على كتفها لإقافها عن الحركة ثُمّ أتاها صوت “ريناد”.
– “خديجة” بقولك إيه داري عليا النهارده لاني رايحة السخنه مع دكتور “كريم”.
اِستدارت بجسدها بعدما تمكنت من إخفاء تلك الرعشة التي اِحتلت شفتيها.
– أوعي يا “خديجة” تقولي حاجه لماما… قوليلها عندنا شغل مهم في الشركة تمام.
لم تنتظر “ريناد” سماع ردها بل أسرعت نحو “كريم” الذي حرك رأسه هذه المرة كتحية لـ “خديجة” التي توقف الكلام على شفتيها عندما اِلتفت بجسدها إتجاه شقيقتها لتُنادي عليها.
خرج صوتها أخيرًا لتُنادي على “ريناد” بعدما اتبعتها لخارج الشركة لكنها وجدت “ريناد” تُلقي لها قُبلة بالهواء ثُمّ صعدت سيارة “كريم”.
وقف “خالد” يُطالع المشهد خِلسة وهو يقف في تلك الزاوية.
عيناه تعلقت بها بنظرة حملت مزيج من المشاعر التي حاول إخمادها طيله الشهرين الماضيين الذي حاول فيهم تجنبها وعدم التفكير بها والنظر إليها كمجرد موظفة لديه.
عادت “خديجة” من عملها بعدما تعمدت التأخر قليلاً إلى أن تغادر والدتها المنزل لتذهب لحفل زفاف أحد أبناء صديقاتها.
بملامح مُحْبَطه ألقت جسدها على فراشها تتساءَل للمرة التي لا تعرف عددها لما هي حزينة اليوم.
اِقتحم رأسها المشهد وهي ترى شقيقتها تتجه نحو “كريم” الذي كان ينتظرها ليصطحبها معه.
أغلقت جفنيها لعلها تستطيع طرد ذلك المشهد خاصةً عندما ظنته يبتسم لها.
– أنتِ ليه زعلانه يا “خديجة”… كنتِ فاكره إن دكتور “كريم” معجب بيكِ.
تنهيدة طويلة خرجت منها تحمل بؤسها ثُمّ واصلت عتاب حالها.
– من إمتى وكان حد بيهتم بيكِ… من إمتى حد أُعجب بيكِ… “ريناد” دايمًا هي اللي بتخطف الأنظار.
ساعة أخرى قضتها “خديجة” في رِثَاء حالها إلى أن شعرت بالإرتياح والعودة لرشدها وأقنعت قلبها الذي فُتن بلطافة “كريم”
«ليس كل مَن يُعاملك بلطف مُعجب بِك».
أعدت لها وجبة خفيفة لتتناولها ثُمّ كوب كبير من النسكافيه.
نظرت للأوراق التي عليها ترجمتها الليلة ثُمّ للوقت الذي اِقترب من منتصف الليل.
– أنا هقدر أخلص كل ده إزاي.. شكلك كده يا “خديجة” مش هتنامي النهاردة.
استمعت لغلق باب الشقة ثُمّ صوت والدتها… فعدلت نظارتها على عينيها وانتظرت دخول والدتها عليها واستجوابها عن سبب تأخُر شقيقتها.
دخلت “ثريا” غرفة ابنتها تتساءَل:
– أختك لسا مجتش؟
حركت “خديجة” رأسها بالنفي، فزفرت “ثريا” أنفاسها بضيق وأخرجت هاتفها لتُهاتفها.
بملامح حانقة نظرت “ثريا” لهاتفها بعدما تلقت تلك الرسالة المسجله بعدم اِستطاعتها الوصول للرقم الذي تُهاتفه.
– الهانم تليفونها مقفول….
– ممكن تكون الشبكة في المعمل وحشه.
قالتها “خديجة” وهي تتهرب بعينيها من والدتها، فلو أفشت الأمر لوالدتها ستكون هي الخاسرة بالنهاية أمام “ريناد”.
– أنا داخله أوضتي هاخد حباية المنوم وهنام… افضلي رني على أختك واستنيها لحد ما تيجي.
في تمام الخامسة صباحاً
كانت “ريناد” تدلف الشقة وتسير على أطراف أصابعها بعدما خعلت حذائها .
في تلك اللحظة كانت “خديجة” تخرج من المطبخ وهي تحمل كوب من القهوه هذه المرة لعلها تتغلب على نُعاسها وتُكمل ما تبقى لها.
– أنتِ جايه سكرانه يا “ريناد”…. حرام عليكِ اللي بتعمليه دا… أنا هروح أصحي ماما عشان تشوف أخرت دلعها ليكِ.
قالتها “خديجة” وقد شعرت بالإشمئزاز من تلك الرائحة التي تفوح من فم شقيقتها.
إِلْتَقَطَتهَا “ريناد” من قميصها وقد اِهتزّ الكوب الذي تحمله.
– هما كاسين بيره بس اللي شربتهم… عارفه يا “خديجة” لو فتنتي عليا وقولتي كنت فين ومع مين هتشوفي مني وش مش هيعجبك ووسعي كده من قدامي عايزه أدخل أنام.
دفشتها “ريناد” من أمامها واتجهت لغرفتها وكأنها لم تَخَف مُنْذُ لحظات من إستيقاظ والدتها.
انسكبت بضع قطرات من مشروب القهوة الساخن على يدها بعد دفع “ريناد” لها …وعند هذه اللحظه كانت تسقط دموعها ليس من الألم ولكن من عدم قدرتها على الوقوف أمام شقيقتها والسبب والدتها.
إِسْتَأْنَفَت “خديجة” عملها حتى أتى الصباح.
وجدت “ريناد” تقف بالمطبخ تعد قهوتها الصباحية وترتدي ملابس العمل و كأن شيئًا لم يَكُن.
– بقولك شدني من ايدي من وسط صحابه وأخدني لمكان بعيد عنهم وأنتِ عارفه الباقي.
تراجعت “خديجة” للوراء بعدما وضعت يدها على شفتيها تكتم صوت شهقتها التي ستخرج من الصدمة من سعادة شقيقتها لحدوث أمرًا ڪهذا.
إِسْتَطْرَدَت “ريناد” حديثها مع “سالي” صديقتها ومازالت تنتظر نضج قهوتها.
– لا محصلش اللي في دماغك… هما كام بوسة لكن تعرفي ڪان فظيع يا “سالي”.
بوقاحة وصفت شقيقتها القُبلة بتلك المسميات التي يطلقونها…
– “كريم العزيزي” ده فظيع… بيعرف يخلي الست اللي معاه تكون فعلاً مبسوطه وعايزه تسلمله نفسها.
وكأن حجرًا سقط على رأس “خديجة” بقوة.
لقد كانت تراه بصورة مختلفة… لقد ظنته رَجُلاً آخر.
انسحبت “خديجة” من أمام المطبخ دون أن تنتبه عليها “ريناد”.
ذهبت للعمل ومازالت كلمات “ريناد” يتردد صداها في أذنيها.
صعدت للطابق الذي به قسمها بذهن شارد ثُمّ جلست على مِقْعَدها وأخرجت الأوراق التي ترجمتها.
حاولت الإندماج بعملها إلى أن آتى لها السيد “سامر” يُخبرها بالصعود لمكتب سكرتيرة الرئيس التنفيذي بالأوراق التي قامت بترجمتها.
زفرت أنفاسها ثُمّ نهضت من فوق مِقْعَدها وصعدت لمكتب السيدة “عايدة”.
ابتسمت “عايدة” وهي تلتقط منها الأوراق فهي لم تعد تدلف لمكتبه بل صارت السيدة “عايدة” من تتولى هذا الأمر وقد أراحها التعامل مع السيدة “عايدة” مباشرةً.
– في أي ملاحظه في الإيميل اللي اتبعت أبلغها لـ دكتور “خالد”.
كادت أن تخبرها أن المدير التنفيذي للشَركة الروسية سيأتي مصر الأسبوع المقبل لكن خروج “خالد” من غرفة مكتبه جعلها تتوقف عن الكلام.
وقفت السيدة “عايدة” باحترام له تستمع لِما يُخبرها به.
– اتصلي بمدير قسم الإنتاج بالمصنع وبلغيه الساعه 12 يكون في مكتبي.
قالها “خالد” مُحاولا عدم النظر لـ “خديجة” لكن رُغمًا عنه خانته عيناه.
حركت السيدة “عايدة” رأسها له ثُمّ استدار وعاد أدراجه لغرفة مكتبه.
نظرت “خديجة” للسيدة “عايدة” بتوتر، فرؤيتها له تربكها.
– المدير التنفيذي للشركة الروسية هيوصل مصر بعد اسبوع.
أبلغتها “خديجة” بالرسالة التي تم إلحاقها بالبريد الإلكتروني ثُمّ غادرت عائدة إلى قسمها.
…
انتهت ساعات العمل أخيرًا ولولا حاجتها لـ لقاء “سارة” لعادت للمنزل سريعًا واحتضنت الفراش.
دخلت المقهى تبحث عن “سارة” التي وصلت قبلها لكن عيناها ضاقت في دهشه وهي ترى صاحب المقهى يجلس قُبالتها وعلى وجه “سارة” ارتسمت ابتسامة خجلة.
تلاقت عيناها بـ عينيّ “سارة” التي أشارت لها بالإقتراب.
إقتربت “خديجة” من الطاولة وقد وقف “مازن” على الفور عندما تمتمت “سارة” قائلة:
– “خديجة” صاحبتي المقربه تقدر تقول أختي.
ابتسم “مازن” وهو يُحرك رأسه لها كتحية فهو لا يحتاج أن تُعرفه على “خديجة”، فهو يعلم أنها صديقتها المقربة.
– اتشرفت بمعرفتك يا آنسة “خديجة”.
استأذن “مازن” منهم و اِتجه لأحد العُمال لديه وأشار لطاولتهم ليهتم بهم دون أن يتم محاسبتهم على أي شىء يشربونه أو يتناولوه بعد هذا اليوم.
تحدثت “خديجة” بحيرة وهي تضع حقيبتها على سطح الطاولة.
– أنا مش فاهمه حاجه.
بإبتسامة سعيدة تمتمت “سارة” بخفوت بعدما إقتربت بمِقْعَدها منها.
– اعترفلي بإعجابه بيا يا “خديجة” وطلب رقم بابا مني.
السعادة كانت بالفعل تلتمع في أعيُن “سارة”.
اِحتلت الفرحة ملامح “خديجة” التي كادت تحتضن صديقتها الغالية لكن “سارة” أمسكت يدها تتمتم بصوت هامس.
– لا خلي الأحضان والتنطيط لما الموضوع يتم.
– هيتم يا “سارة” متخافيش … أنا فرحانه أوي.
…
مرت الأيام بروتينها المُعتاد وأوشكت الستة أشهر على الإنتهاء.
نظرت “سارة” للثَوْب الذي اجتذب عينيها فور أن دلفت المتجر بصُحبة “خديجة”.
– هتاخدي الفستان ده خلاص أنا قولت.
نظرت “خديجة” للثَوْب الذي كان بالفعل جميل وبسيط ولونه هادئ.
– شكله عجبك أنتِ كمان… يلا خدي قيسيه.
هتفت بها “سارة” بحماس ثُمّ أعطتها الثَوْب لقِيَاسُه.
تعالا رنين هاتف “سارة” برقم “مازن” الذي صار اسمه مدون على هاتفها بـ “خطيبي العزيز”.
ابتسمت “سارة” وهي تستمع إلي ندائه الدائم لها منذ أن تمت خِطبتهم.
– حبيبتي اللي دايمًا مشغوله عني.
توردت وجنتيّ “سارة” بخجل وابتعدت قليلاً حتى تستطيع الحديث.
خرجت “خديجة” من حجرة القِياس تبحث عن “سارة” التي اِستدارت عندما استمعت لصوت العامله وهي تُخبر “خديجة” أن الثَوْب وكأنه تَمّ تَفْصِيلُه لها.
أنهت “سارة” مكالمتها مع “مازن” سريعًا واتجهت نحو “خديجة”.
– الفستان فعلاً وكأنه متفصل عليكِ يا “خديجة”… لا شكلك كده هتطلعي المرادي بعريسين مش عريس واحد.
هتفت “سارة” عبارتها الأخيرة بمِزاح ثُمّ تراجعت للوراء بعدما لَڪَزْتها “خديجة” في كتفها.
– من ساعة ما اتخطبتي وبقيتي شبه الخاطبه… عريس إيه اللي هدور عليه… أنا لولا إن خلاص عقد العمل بتاعي هينتهي مكنتش حضرت.
شعرت “سارة” بضيق صديقتها بسبب إنتهاء عقدها بالشَركة.
– يا بنتِ مش بعيد العقد يتجدد تاني… هما هيلاقوا زيك فين.
تنهدت “خديجة” بحزن، فهي تتمنى حدوث هذا لأنها اِعتادت على العمل بالشَرِكة.
– لا بس الفستان جامد عليكِ.
قالتها “سارة” وهي تنظر للثوب على جسد “خديجة” مما جعل “خديجة” تتأمل هيئتها بمرآة المتجر بتدقيق.
••••••••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل الثاني عشر
ارتشف “خالد” من فنجان قهوته ثُمّ نظر إلى ساعة يده…
كاد أن يلتقط هاتفه من فوق الطاولة ليُهاتفها لكنه وجدها تدلف من باب المقهى الذي قرروا الإلتقاء به بعد ما حدث ليلة أمس.
اِقتربت منه “خديجة” بعدما اِلتقطت بعينيها مكان جلوسه.
شعرت بالتوتر عندما صارت أمامه وقد زادت ربكتها حينما نهض من فوق مِقْعَده على الفور لإستقبالها.
– اتأخرت عليك… أصل التاكسي عطل في الطريق وفضلت مستنيه تاكسي تاني.
بررت سبب تأخيرها لمعرفتها أنه دقيق في مواعيده ولا يُحب الإنتظار.
ابتسامة صادقه اِحتلت شفتيه وهو ينظر إليها بعدما أخفضت رأسها لتخفي عنه توترها.
– ولا يهمك يا “خديجة”… أنا صحيح مبحبش الإنتظار وبحب الدقة في المواعيد لكن أنتِ مش أي حد…
ثُمّ أردف بنبرة تحمل اللوم.
– ليه متصلتيش بيا وقولتيلي أجيلك.
رفعت عيناها إليه وقد أربكها لُطفه بشدة.
أزاح المِقْعَد لتجلس عليه ثُمّ نظر إليها بابتسامة لم تغادر شفتيه.
– اتفضلي أقعدي.
جلست وهي تتحاشا النظر إليه لأن نظراته تُربكها.
هي مازالت تراه بصورة رئيسها بالعمل، رئيسها الذي كان يُرهبها حضوره ومازال.
– تحبي تشربي إيه؟
تساءَل خالد حتى يُزيل عنها الحرج.
عيناه التمعت بنظرة دافئه عندما خرج صوتها أخيرًا بهمس خفيض.
– نكسافيه.
ابتسم ثُمّ أشار للنادل ليتقدم منهم.
استرخى فوق مِقْعَده بعدما رحل النادل ثُمّ استند بمرفقيه على الطاوله.
– كنت خايف إنك متجيش.
تعلقت عيناها بخاصته لوهله وقد شعرت برجفة في قلبها، أشاحت عيناها عنه فتابع حديثه.
– أنتِ عارفه أنا طلبت ليه نتقابل النهاردة…
توقف بقية الكلام عند طرفيّ شفتيه عندما أتى النادل بطلبهم.
في اللحظة التي تحرك فيها النادل مبتعدًا عن طاولتهم انبثق الكلام منها دون أن تنتظر أن يواصل حديثه.
– أنا أسفه على اللي حصل من “ريناد” امبارح… هي ندمانه جدًا على اللي عملته وطلبت مني إنها تعتذر منك وصدقني ده مش هيتكرر تاني بس بلاش تاخد موقف منها وترفدها من الشركة.
استمرت “خديجة” في تحسين صورة شقيقتها أمامه وقد اختفى ذلك الهدوء الذي كان يحتل ملامحه وحل محله الجمود كلما عادت تفاصيل ليلة أمس لرأسه.
– “خديجة” ممكن نتكلم عن نفسنا شويه وياريت ننسى اللي حصل امبارح.
ضاقت حدقتيّ “خديجة” بدهشة من رده، فهي ظنت أن سبب طلبه لمقابلتها من أجل ما حدث من شقيقتها.
حدقها بنظرة طويلة في محاولة منه لفهم خَلْجَاتها.
– يعني أنت طلبتني مش عشان تتكلم معايا عن تصرف “ريناد” امبارح وإنها راحتلك بيتك سكرانه.
تنهد بضيق كلما ذكرته بليلة أمس التي يُحاول نسيانها.
– ممكن ننسى اللي حصل امبارح يا “خديجة” ومنتكلمش فيه تاني.
ابتسمت عندما أزال عن روحها هذا العبئ، فهي مهما بررت تصرفات شقيقتها فهي تعلم أنها مخطئة لكن في النهاية “ريناد” شقيقتها.
تأمل ملامحها المرتبكة منذ أن جلست معه ، عيناها التي تتهرب بهما كلما التقت بعيناه… كل شىء بها مختلف ويزيد فضوله…
والسؤال الذي صار مسيطر على عقله في الآونة الأخيرة كيف لفتاة مثلها نشأت في بيئة كهذه تكون مختلفه عن عائلتها…
هم لا يرتدون الحجاب لكن هي ترتديه، لباسها محتشم…ليست جريئة ولا تختلط بأحد.. ليس لديها إلاّ صديقه واحده مقربه منها.
« وكأن سر تميزها أنها لا تشبه إلا ذاتها، متألقة لا تشبههم ولا يشبهونها. »
إختلافها يُحيره ولكن أيضًا يجعله يخاف مما هو قادم لأنه وحده سيتحمل إختياره.
– بيعملوا النسكافية حلو… هعزم “سارة” عليه لما نتقابل.
قالتها بتلقائيه أنهت صراعه مع أفكاره ثُمّ تساءَل.
– هو أنتِ كل حاجه بتعمليها مع “سارة”.
حركت له رأسها وهي تُكمل إرتشاف ما تبقى من كوبها.
– أنا معرفش أعمل حاجه من غير “سارة”.
إندمج “خالد” معها بالكلام وقد عاد يميل نحو الطاولة ويستند عليها بذراعيه.
– أي حاجه أي حاجه.
حركت له رأسها فتساءَل رغم أنه يعلم الجواب.
– طيب و “ريناد”.
توقفت عن إرتشاف مشروبها وقد التمعت عيناها بنظرة حزينة حاولت إخفائها عنه لكن عيناها فضحتها.
– أنا و “ريناد” من صغرنا مش بنتفق مع بعض… تقدر تقول إن كل واحده فينا ليها إهتمامات مختلفه.
خانته شفتاه، فهو صار يبتسم كثيرًا هذه الليلة ولكي يزيل عنها ذلك الحزن الذي استوطن ملامحها تساءَل.
– تحبي أطلب ليكِ نسكافيه تاني…
أسرعت بوضع الكوب على الطاوله تُحرك له رأسها برفض وقد ارتبكت من شدة خجلها لأنها أبدت إعجابها بكوب النسكافيه الذي يعده هذا المقهى.
اتسعت ابتسامته من ردة فعلها الطريفة.
غادروا المقهى وقد اندهش من تعلق نظراتها بالطريق ثُمّ تساؤلها.
– هو أنا هنا ممكن ألاقي تاكسي بسهوله؟؟
لم تجد منه رد لكن وجدته ينظر لها بنظرة غاضبه.
– لو مش متقبله إننا في حكم المخطوبين يا “خديجة” فحاولي تتقبلي ده وياريت تمشي قدامي عشان أنا اللي هوصلك.
…
إندفعت “ريناد” نحو باب الشقة بعدما لمحت نزول “خديجة” من سيارته من وراء سِتار الشُرفة.
– اتأخرتي كده ليه، وليه وصلك؟
طالعتها “خديجة” بعدم إستعاب إلى أن جذبتها “ريناد” من ذراعها تهتف بها بضجر.
– ردي عليا، قالك إنه قابل إعتذاري ولا إيه؟
– “ريناد” أنتِ مش مدياني فرصه أتكلم.
عقدت “ريناد” ذراعيها أمام صدرها حانقه من هدوئها.
– متكلمش عن حاجه تخص ليلة امبارح وقالي ياريت ننسى اللي حصل.
– يعني إيه؟
تساءَلت “ريناد” بعدما لم يُعجبها رد “خديجة” عليها ثُمّ أردفت.
– ومادام متكلمتوش عن حاجه تخص اللي حصل… كل ده ڪنتوا بتتكلموا في إيه.
ارتبكت “خديجة” من سؤالها، فهم قضوا الوقت يتحدثون عن حالهم وإهتماماتهم.
– اتكلمنا في أي حاجه.
تجهمت ملامح “ريناد” من ردها المقتضب عليها.
– اتكلمتوا في أي حاجه.. أنتِ فكراني هبلة يا “خديجة”… شكل الموضوع عجبك… ما طبعًا واحد زي “خالد العزيزي” يترفض إزاي.
احتدت ملامح “خديجة” من كلامها ولأول مره تصرخ عليها حتى أن “ثريا” -التي خرجت من غرفتها- اندهشت من الأمر، فـ “خديجة” دائمًا هادئه الطبع ومطيعه.
– أنا لو هتجوزه مش هتجوزه عشان هو “خالد العزيزي”…
شعرت بالإختناق من كل شىء حولها خاصةً عندما وجدت والدتها تتساءَل بسعادة.
– يعني أنتِ موافقه تتجوزيه يا “خديجة”.
انسحبت الدماء من وجه “ريناد” بعدما شعرت أن “خديجة” ستوافق على زواجها منه.
رمقتها “خديجة” بألم.
– ايوة موافقه يمكن ألاقي معاه اللي ملقتهوش معاكم.
ركضت “خديجة” نحو غرفتها تحت نظراتهم التي سيطرت عليها الصدمة.
– الحمدلله مطلعتيش وش فقر زي أبوكِ… وطلعتي بتعرفي تفكري.
أظلمت عينيّ “ريناد” بالغيرة واِتجهت بعدها لغرفتها ثُمّ صفعت الباب خلفها بقوة.
…
دلف “خالد” غرفة أخاه الصغير بعدما عَلِمَ من والدته أنه سأل عليه كثيرًا قبل صعوده لغرفته مع مربيته.
إقترب من فراشه ثُمّ انحنى ليلثم جبينه ويرفع الغطاء عليه.
فتح “أحمد” عيناه وهو يراه أمامه.
– أنت هتتجوز وهتسيبني لوحدي.
نبرة الحزن التي احتلت صوت الصغير جعلت قلبه يرجف ثُمّ جلس جواره ورفعه إليه ليضمه داخل أحضانه.
– مين اللي قالك إني هسيبك وابعد… أنا هعيش معاك هنا.
– بس هتحبها أكتر مني.
اِندهش “خالد” من كلام الصغير ثُمّ طبع قُبلة على كفه الصغير.
– مين قالك الكلام ده.
– مخي هو اللي قالي.
قالها الصغير ببرائه وهو يشير نحو رأسه، ضمه “خالد” إليه ثُمّ مسح على خده برفق.
– كل واحد فيكم هيكون ليه مكان في قلبي….
ابتهجت ملامح الصغير وابتعد عنه يسأله.
– يعني هتفضل تحبني.
– طبعًا يا حبيبي… أنت ابني وأخويا وصاحبي وكل حاجه.
اندفع الصغير داخل حضنه بعدما طمئن قلبه.
– أنا بحبك أوي يا بابي.
…
– مش عارفه يا “سارة”… مش عارفه ليه حسيت النهاردة معاه بشعور مختلف.
قالتها “خديجة” بتنهيده وهي تتذكر تفاصيل لقائهم.
ابتسمت “سارة” وهي تسمعها… لقد بدأت مشاعر “خديجة” تتحرك نحوه وهذه هي البداية.
– أنتِ مكنتيش متقبلاه لأنك دايمًا شيفاه في صورة صاحب الشغل اللي بتترهبي من نظراته لو غلطتي في حاجه…لكن دلوقتي الموضوع مختلف يا “خديجة”
– “سارة” أنا مش عايزه اتجوزه عشان هو غني… أنا عايزه أحس إن في حد بيحبني…. أنا تعبت قوي يا “سارة”.
ابتلعت “خديجة” غصتها بمرارة، فقد صار لها قيمة الآن لدى والدتها منذ أن تقدم “خالد” لخِطبتها.
– هتلاقي اللي يحبك يا “خديجة” وهتعيشي في سعادة بس أدي نفسك فرصه تعرفيه وبعدين احكمي إذا كان جوازه منك وضع مؤقت أو مجرد قرار لإنقاذ الموقف رغم إني مش شيفاه كده.
أنهت “خديجة” مكالمتها مع “سارة” بعدما اعتذرت منها لأن “مازن” خطيبها يدق عليها.
تنهيدة طويله خرجت منها ثُمّ وضعت رأسها على وسادتها شاردة.
انتفضت بفزع عندما ارتفع رنين هاتفها… رأت رقمه على شاشة الهاتف، لم تتردد هذه المرة في محادثته بل أجابت على الفور.
ابتسامة سعيدة ارتسمت على شفتيه بعدما ظن أنها لن تجيب عليه.
بصوت متحشرج خرج صوتها.
– نعم.
تسطح على فراشه بعدما هامت روحه بشعور يدق فؤاده بقوة.
– لسا منمتيش.
والرد منحته له على الفور.
– كنت بكلم “سارة”.
– ياريتني أكون مكان “سارة” في قلبك يا “خديجة”.
صدمه ما قاله كما ألجمها ما سمعته منه.
توترت واكتفت بسماع أنفاسه.
– “خديجة”.
همسه لاسمها بتلك الطريقه جعلها تغمض عيناها مستمتعه بشعور جديد عليها.
دلفت “ريناد” الغرفه لتجدها بتلك الحالة الهائمة.
الحقد اشتعل بعينيّ “ريناد” عندما تأكدت أن شقيقتها نالت ما ظلت هي تسعى له طويلاً.
ضغطت “ريناد” على شفتها السفليه لتكتم غيظها.
– ماما عايزاكِ.
أنهت مكالمتها معه سريعًا وقد تفهم سبب إنهائها لمكالمتهم التي تمنىٰ أن تطول قليلاً.
الخِطبه الرسمية تمت بجو عائلي بسيط
نظرات شقيقته وعمته لها كانت توحي أنهم لم يتقبلوها بعد لكنها اقتنعت برأي “سارة” أن عليها إعطاء نفسها فرصه معه.
مضى أكثر من شهر على خِطبتهم، استطاع فيهم “خالد” أن يتأكد من مشاعره نحو “خديجة”.
والأمر الذي صار متيقن منه…
“خديجة” لا ذنب لها بـ سمعة عائلتها.
بريئة وطيبة هذا ما تأكدت منه السيدة “لطيفة” بعدما جمعتها عدة لقاءات بـ “خديجة” ولكن “نورسين” مازالت غير مقتنعه بها زوجة لشقيقها؛ فأيّ عائلة ذات نسب يُشرف تتمنى مصاهرته.
…
– نتجوز أخر الشهر!!
تمتمت بها “خديجة” في صدمة تُردد ما قاله لها للتو.
– أنا مش شايف إن فيه لازمه إن الخطوبة تطول عن كده.
– بس احنا لسا بنتعرف.
قالتها وقد إنتابها شعور لا تعرفه.
– “خديجة” أنتِ مش مرتاحه معايا… لو فيه حاجه خايفه منها قوليلي.
– أنا مش خايفة.
نطقتها برجفه شعر بها في صوتها.
– اطمني يا “خديجة” لو أنتِ لسا حاسه بخوف من علاقتنا فاطمني.
وكأنها كانت تنتظر سماع هذه الكَلمه منه… أن تطمئن لأنه سيكون معها.
…
في ليلة الحناء التي صممت “سارة” على فعلها لها وجمعت صديقاتهم وكل من كانت تعلم أنه سَيُشَاركهم الفرحة بصدق.
رغم سعادة “خديجة” بأجواء الفرح ورؤية صديقاتها حولها، حتى والدتها كانت معها وحولها هذه الأيام-رغم علمها أن ما تفعله لها وتقربها منها نابع من سعادتها بزواجها من رَجُل له مكانته ولديه المال الذي سيجعلها تتفاخر بين صديقاتها وقريباتها- ڪان ينقصها وجود شقيقتها.
انسحبت “خديجة” من وسط صديقاتها تنتظر أن تجيب عليها “ريناد” التي أجابت بعد عدة مكالمات.
– نعم.
هتفت بها “ريناد” وهي تنظر لمياة النيل أمامها بشرود.
– عايزاكِ تكوني جنبي يا “ريناد”… أنا مش حاسه بأي فرحة وأنتِ مش معايا.
شعرت “ريناد” برجفة في قلبها وهي تستمع لرجائها بأن تكون معها.
دلفت “ريناد” الشقة وقد مزقتها الغيرة التي صارت كالمرض ينهش قلبها…
عندما التقت عينيّ “خديجة” بها.. أسرعت نحوها ترمي نفسها داخل أحضانها وقد تعلقت أنظار الموجودين بهما.
بصعوبة خرج صوت “ريناد”.
– مبرووك يا “خديجة”.
…
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيّ “خالد” وهو يرى اسمها يُضاء على شاشة هاتفه.
انسحب من بينهم وقد تعلقت أعيُن “كريم” به الذي غمز على الفور لـ “طارق” يهتف له بصوت خفيض.
– “خالد” باشا دخل القفص خلاص…
تعلقت عينيّ “نورسين” بشقيقها ثُمّ بتلك التي نظرت نحوه بحزن.
شعرت “نورسين” بالضيق، لما تأخرت “هيلين” بالقدوم… لما تركت الفرصة لفتاة لا تليق به.
التقطت “نورسين” يدها لتؤازرها؛ فنظرت إليها “هيلين”
التي تمتمت بنبرة حزينة.
– لقد تأخرت كثيرًا “نورسين”.. لم يعد لي.
تأثرت “نورسين” من نبرة “هيلين” التي مازالت تحب شقيقها وقد أتت إلى مصر لتكون معه لكن الأوان قد فات.
لكن في نظر “نورسين”، مازالت هُناك فرصه… ربما يُفِيق أخيها من حُب تلك الفتاة التي لا ترى بها شىء يجذب.
– مازال أمامك فرصه “هيلين”.. اذهبِ إليه ربما أخي يُفِيق من ذلك الوهم.
نظرت لها “هيلين” بضياع.
– عن أيّ فرصة تتحدثين “نور” … “خالد” عُرسه غدًا.
– ما المانع إذا تم إلغائه… الأمر بيدك…
…
– أنا لو مقفلتش معاكِ دلوقتي مش هخلص من كلام “كريم”.
قالها “خالد” ثُمّ ضحك…
– طيب لسا مكملتش ليك كل اللي حصل النهاردة.
ابتسم بحب.. فهو صار يشعر معها مثلما يشعر مع “أحمد” أخيه…
كلاهما بحاجه لحُبه وإنصاته حتى لو كان ما سيقصونه عليه أمرًا تافهًا.
– إيه رأيك نكمل كلامنا بأدق التفاصيل لما تكوني معايا وفي حضني.
خجلت من نبرته ثُمّ تمتمت بنبرة متعلثمة.
– أنا شايفه إن باقي التفاصيل مش مهمه.
أغلقت المكالمه وقد ارتفع صوت ضحكاته.
شعرت “هيلين” بنغزة قويه تحتل قلبها؛ فهي تفهم اللغة العربية.
استدار بجسده وقد رأى “هيلين” تنظر إليه بنظرة تلومه بِها أنه صار لأخرى.
– لم تكن بهذا المرح معي يومًا “خالد”… يبدو أنك أحببتها بالفعل.
…
غمرتها السعادة وهي تحتضن هاتفها بوجنتين متوردتين….
ارتفع رنين هاتفها بنغمة قصيرة.
أسرعت بالنظر إلى شاشة هاتفها وقد ظنت أن الرسالة منه هو لكن وجدتها من رقم ليس مسجل لديها.
بفضول فتحت الرسالة وسُرعان ما كانت تُقرب شاشة الهاتف من عينيها.
صورة لامرأة شديدة الجمال وجوارها “خالد”.
عيناها تعلقت بصدمة بالرساله الملحقة بالصورة…
ولمرات عِدة كانت تقرأها.
••••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل العاشر
الجميع كان مُتَحَمِّس للحفل الذي سيُقام غدًا للإحتفال برأس السنة.
اِستمعت لأحاديث زُملائِها بالقسم وحَمِّاسهم لِما سيحدث غدًا، فما علمته أن كل عام يتم إختيار خمسة موظفين عشوائيًا عن طريق سحب الأوراق ومنحهم هدية وكل منهم تكون هديتة مختلفة.
كانت مثلهم مُتَحَمِّسة لحضور الإحتفال لكن في داخلها كانت تشعر بالتوتر والخوف لأن تلك الأجواء تُذّكرها بتلك الذكرى السيئة.
نفضت رأسها من أفكارها التي لا تجلب لها سوى الخوف والإنطواء ثُمّ نهضت من فوق المِقْعَد الجالسة عليه واتجهت نحو زُملائها لتُشاركهم الحديث، فحتى السيد “سامر” كان يتحدث معهم عن إحتفال غد.
وأنهم سيحضرون غدًا نصف دوام.
…
دلف “كريم” غرفة “خالد” بالشَرِكة فوجده مُنهمِك في مطالعة الملفات التي أمامه.
– “نورسين” هانم اتخلت عننا وراحت فرع دبي تروق بالها.
رفع “خالد” عيناه عن الملف الذي يُطالعه ثُمّ أزال عويناته عن عيناه وأسند ظهرهِ للخلف مسترخيًا.
– أشرفت على كل حاجه؟؟، “كريم” إهتم بكل حاجه بنفسك.
إقترب منه “كريم” ثُمّ جلس قُبَالته، فهذا الإحتفال كانت “نورسين” من تهتم به لأنه فڪرتها هي.
– كله تمام متقلقش..
طالعه “خالد” بنظرة ثاقبة ثُمّ استند بمرفقيه على سطح مكتبه.
– “كريم” بلاش بكره تهز صورتنا قدام الموظفين زي كل مرة…أوعي تنسى وضعك.
تأفف “كريم” حانقًا من تلك العِبَارة التي أخبره بها “طارق” عندما هاتفه وأيضًا “نورسين”.
– ليه مش مصدقين إنهم هما اللي بيتّرموا حواليًا… وكل واحده فيهم تقولي ممكن أرقص معاك يا دكتور “كريم”… وأنت عارفني مقدرش أحرج ست جميله.
حرك “خالد” رأسه بيأس من غرور ابن عمه وقد حمد الله داخله أن “سلوى” ابنة عمته فاقت من وهم حبها له ووجدت شَريك حياتها؛ لأنه بالفعل لا يصلح ليكون زوج.
– طبعًا مش ابتسامتك ونظراتك اللي بيوقعوهم في حبك.
اِرتفعت ضحكات “كريم” عاليًا ثم غمز له بمرح.
– ما تيجي أعلمك يمكن تعرف توقع واحده وتجرب شعور إنك تكون مع واحده ست بدل حياتك اللي كلها صفقات وأبحاث.
– بره يا “كريم”
صاح بها “خالد” عاليًا، فنهض “كريم” من أمامه وتحرك ليُغادر لكنه توقف قبل أن يخرج من الغرفة.
– اعمل حسابك أنت اللي هتّسلم السنادي الجوايز للموظفين اللي تم اختيارهم أنهم أفضل موظفين لهذا العام وهتّسلم الفائزين في القرعة.
…
نظرت “خديجة” -للمرة التي لا تعرف عددها- لحالها بالمرآة بعدما أنهت زينة وجهها البسيطة.
تعالا هاتفها برقم “سارة” التي فور أن أجابت عليها هتفت بحماس.
– أنا تحت مستنياكِ أنا و “مازن”.
– “سارة” أنا مش عايزه أروح.
مطت “سارة” شفتيها بحنق من أفعال “خديجة”.
– يلا يا “خديجة” عشان أنا على أخرى مش كفايه معايا عزول.
قالتها “سارة” بحنق طفولي ثُمّ نظرت للخلف حيث شقيقها الأصغر منها الذي أصر والدها أن يرافقهم في خروجتهم الليلة.
رمقها “عبدالله” شقيقها بنظرة غاضبة متوعدًا لها وكأنه هو الأڪبر عمرًا وليست هي.
– أسفين ليك يا “عبدالله” باشا…
ڪتم “مازن” ضحكاته بصعوبه وهو يراها كيف تلتفت ورائها بخوف من شقيقها الذي لم يتجاوز السابعة عشر عامًا.
– يلا يا “خديجة” بقى عشان نوصلك وبعدين نروح حفلتنا إحنا كمان.
زفرت “سارة” أنفاسها بإرتياح عندما وجدت “خديجة” تقترب من السيارة… عندما تسلطت بقعة الضوء على “خديجة” فتحت “سارة” شفتيها بإنبهار.
– البت “خديجة” احلوت كده ليه.
قالتها “سارة” ببهجة وسعادة لأنها ترى صديقتها أخيرًا تهتم بمظهرها وحالها وعلى ما يبدو حقيقةً أن الإختلاط مع أفراد المجتمع يُعلم المرء الإهتمام بذاته.
صعدت “خديجة” السيارة بوجه متورد من الخجل تُلقي عليهم السلام.
بتوتر نظرت لـ “عبدالله” شقيق “سارة” الذي يُجاورها في المِقْعَد الخلفي تسأله عن حاله بصوت خفيض.
– عامل إيه يا “عبدالله”.
أشاح “عبدالله” عيناه عن هاتفه ينظر إليها.
– متمرمط والله يا “خديجة” أنا مش عارف ليه مكنتش الڪبير.
ضحكت “خديجة” على كلامه ثُمّ أردف وهو ينظر لشقيقته التي اِستدارت برأسها إليهم.
– أنا مش عارف مستحملاها إزاي يا “خديجة”.
– فعلاً يا “عبدالله” أُختك لا تُطاق.
اتسعت حدقتيّ “سارة” من حديث شقيقها عنها وجواب “خديجه” عليه..
– رد عليهم يا “مازن”.
ولم يكن “مازن” إلا غارق بالضحك ثُمّ تمتم بمِزاح.
– عشان تعرفوا أنا مستحمل قد إيه وهفضل مستحمل.
أوصلوا “خديجة” للفندق الذي سيُقَام فيه الإحتفال ثُمّ تحركوا بالسيارة ليبدأوا سهرتهم إحتفالاً بالعام الجَديد.
تقابلت مع “ريناد” بردهة الفندق ولن تُنكر أن شقيقتها كانت جميلة للغاية وقد اجتذبت الأنظار إليها.
إقتربت منها “ريناد” تنظر إليها بنظره فاحصة لهيئتها.
– تصدقي معرفتكيش ، شغلك في الشركة غيرك يا “خديجة” لكن أنا حزينة عليكِ كلها أيام وعقد عملك ينتهي.
قالت “ريناد” كلامها ثُمّ رفعت يدها لتُداعب تلك الخصلة المنسابه من شعرها المصفف بعناية.
عندما لمحت “ريناد” نظرة الحزن في عينيّ “خديجة” شعرت بزهوة الإنتصار، فهي لا تُريد رؤية “خديجة” مميزة مثلها تُريدها دائماً سُخْرية للجميع عندما يُقارنوها بها.
ابتعدت “ريناد” عنها عندما رأت “كريم” يسير مع سكرتيرته جِهة الباب الآخر من قاعة الإحتفالات.
أطلقت “خديجة” زفيرًا ثقيلاً لعلها تتمكن من تخفيف الألم داخلها ثُمّ سارت نحو القاعة بعدما ألقت نظرة خاطفة على شقيقتها التي التصقت بـ “كريم” الذي أزاح يدها عنه بلُطف وواصل تحركه مع سكرتيرته.
بدأ الإحتفال الذي كان منظم بدقة.
و قبل أن تدق عقارب الساعة معلنة منتصف الليل
كان “خالد” يقف على المنصة ويُلقي كلمته لموظفينه الذين صاحوا بحماس وتقدير لرئيسهم.
انطفأت الأضواء فجأة وقد بدأ الجميع في عَد آخر عشر ثواني في العام التي سيُصبح ذكرى وتنغلق صفحته.
اندهش “كريم” عندما وجد “ريناد” تسحبه أثناء إنغلاق الأضواء وانشغال الجميع بالعَد مع عقارب الساعة.
عينيّ أحدهم كانت تتعلق بها وفي داخله كان يزداد حقده وإصراره على إتمام خطته اليوم….
سيفضحها ويذلها كما جعلته كالأُضْحُوكَة.
إلتمعت عيناه بشر عندما وجدها تدفع “كريم” نحو ذلك الممر الخاص بموظفين الفندق الذي يغطيه سِتار قاتم اللون.
اتبعهم وهو يعلم ما يحدث خلف السِتار لكنه يريد رؤيتهم بعينيه.
وجدهم يتبادلون القُبلات تاركه له جسدها يعبث به كما يشاء.
…
في تلك الأثناء
شعرت “خديجة” بالذُعْر ثُمّ أخذت تلتف حولها يمينًا ويسارًا وهي تضم جسدها بذراعيها.
اِنفتحت الأضواء وقد بدأ الجميع بالتهليل لقدوم عام جَديد.
لم يُلاحظ أحدًا حالتها فهي شعرت بالرَهْبَة عندما تذكرت مجددًا ما حدث معها تلك الليلة.
انتقلت أعيُن “خالد” بين موظفينه يبحث عنها لكنه لم يلمحها.
حاول نفض رأسه ليسيطر على مشاعره وسُرعان ما ضاقت عيناه وهو يرى “كريم” يخرج من ذلك الممر وعلى شفتيه يظهر أحمر شفاه ويلتف حوله.
إتجه إليه بوجه محتقن، فهو حذره من إرتكاب فَضِيحة اليوم.
ألقى عليه “خالد” مَحَارِم ورقيّة وهو يرمقه بنظرة مشمئزة.
– امسح الروچ يا بيه من على شفايفك.
إرتبك “كريم” من نظراته ثم وضع المَحَارِم الورقيّة على شفتيه وانسحب من القاعة.
احتدت عينيّ “خالد” حينما وجد “ريناد” تخرج من الممر ذاته وعلى ما يبدو له أنها كانت تُهندم فستانها القصير وخصلاتها.
أسرعت في خفض عيناها بعدما رأت نظرات “خالد” موجهه إليها.
بسبب تلك الشقيقة يرفض مشاعره نحو “خديجة”
هذا ما كان يدور بخلده وهو يبتعد بعدما رمقها بنظرة تحمل النفور.
…
اقتربت السيدة “عايدة” من “خديجة” بعدما لمحتها تقف بمفردها.
– كل عام وأنتِ بخير يا “خديجة”.
ابتهجت ملامح “خديجة” عندما استمعت لصوت السيدة “عايدة” ثُمّ إحتضانها لها.
– وأنتِ طيبه وبخير يا مدام “عايدة”، سنه سعيدة عليكِ.
– هتوحشيني يا “خديجة” لما تسيبي الشغل.
قالتها “عايدة” بحزن وفي داخلها تتمنى أن تكون “خديجة” من ضمن الأشخاص الذين سيتم تعينهم هذا العام بعقد ثابت وليس مؤقت.
طالعتها “خديجة” بنظرة تلتمع بسعادة زائفة.
– أكيد هنفضل على تواصل يا مدام “عايدة” لأني أكيد مش هنساكِ.
ابتسمت “عايدة” لها ثُمّ ربتت على كتفها.
– ولا أنا أقدر انساكِ يا “خديجة”… أتمنى أشوف بنتي في يوم من الأيام زيك.
ارتفعت أصوات الموسيقى وقد بدأ الشباب يندمجون بالرقص.
نظرت لها السيدة “عايدة” قبل أن تتقدم للأمام حتى تتمكن من رؤية رئيسها.
– زمايلك كلهم قدام يا “خديجة”… الكل دلوقتي هيستني يعرف مين الفايز في القرعه ومين اللي حصل على لقب أفضل موظف.
ثُمّ أردفت السيدة “عايدة” وهي تتحرك.
– يلا يا “خديجة”
تحركت “خديجة” ورائها فهي لم تجد أيّ من زميلاتها لتندمج معهن لأن جميعهن مشغولين بالرقص والتمتع بالحفل.
تابعت “خديجة” السير خلف السيدة “عايدة” إلى أن انتبهت أنها إقتربت من مكان وقوف السيد “خالد” والمُدراء التنفيذيين.
تراجعت “خديجة” بخجل واستدارت بجسدها لتبتعد عنهم.
في الوقت الذي استدارت به لتبتعد تعلقت عينيّ “خالد” بها.
« هل خانه قلبه وخفق لرؤيتها، هل يريد إخباره أنه بالفعل أحبها؟»
إبتلع لُعابه فتحركت تفاحة أدم خاصته وعيناه ظلت ثابتة عليها.
إندهشت السيدة “عايدة” من عدم تركيز رئيسها مع حديث أحد المدراء فحاولت تنبيهه ولفت نظره.
– دكتور “خالد” ،دكتور “شوقي” بيسألك عن زيارتك لمعمل الأدوية
…
عند البوفية
وقفت “خديجة” تلتقط قطع بسيطه من الطعام وهي تستمع لهتاف البعض منتظرين إعلان أسماء الفائزين.
اِقتربت منها “ريناد” لتُخبرها أنها ستُغادر مع “كريم” بعد نهاية الحفل وعليها تولي أمر غيابها الليلة إذا سألت والدتها عنها.
– “خديجة”، لو ماما سألت عليا قوليها أني روحت أكمل السهره مع زمايلي.
اِحتدت عينين “خديجة”، فقد طفح بها الكيل مما تسمعه من علاقة شقيقتها بـ ” كريم العزيزي” الذي علمت أن له علاقات نسائية عديدة.
– بلغي أنتِ ماما بالكلام ده… ولعلمك يا “ريناد” هقولها على علاقتك بـ “كريم”
ارتفعت قهقهة “ريناد” وهي تربت على خَدّ “خديجة”.
– ماما عارفه ومستنيه اللحظة اللي هقولها إن “كريم العزيزي” هيتقدم ليا.
ثُمّ أردفت بتَهَكُّم وسُخْرية.
– أنا عارفه إنك غيرانه فبلاش غيرتك تخليني أزعل منك يا “خديجة”… أوعي تنسي إن أنا اللي بهدي ماما عليكِ.
كادت أن تتحرك “ريناد” لكن وجدت “خديجة” تجذبها.
– “ريناد” بلاش “كريم العزيزي” ده بيلعب بيكِ… بلاش كل اللي بتعمليه ده… أنتِ جميلة وفيكِ كل المواصفات اللي أي راجل يتمناها ليه ترخصي نفسك.
رمقتها “ريناد” بنظرة ساخرة.
– مش بقولك إنك بتغيري مني.
إقترب النادل منهما ثُمّ قدم كأس به مشروب التفاح لـ “ريناد” وأشار نحو أحدهم .
– الأستاذ اللي واقف هناك بعتلك المشروب ده يا فندم.
نظرت “ريناد” نحو الواقف بعيدًا ثُمّ امتعضت ملامحها.
إنه “هاني” زَميلها الذي أنهت علاقتها معه قبل أشهر.
التقطت الكأس من النادل ورفعته لأعلى.
كاد أن يرفع “هاني” الكأس خاصته تحية منه لها لكن تجمدت يده على الكأس عندما رآها تعطيه لشقيقتها.
– متخافيش ده عصير تفاح.
قالتها “ريناد” لـ “خديجة” ثُمّ ابتعدت عنها.
في تلك اللحظة كان “خالد” يتابعهم من بعيد و شىء داخله كان يُحركه ليقترب من مكان وقوفها.
إِرْتَشَفَت “خديجة” من كأس العصير وقد فرت الدماء من عروق “هاني” وهو يرى “خديجة” تَجَرَّعَت العصير الذي وضِعَ به المخدر الذي يجعل الشخص مستيقظ لكنه لا يشعر بشىء حوله ولا يستطيع المقاومة.
بخُطوات سريعة غادر “هاني” الحفل هَربًا قبل أن يتورط، فلم يكن يقصدها هي.
أنهت “خديجة” الكأس بأكمله ثُمّ أعطته للنادل الذي مر بجوارها.
– واقفة لوحدك ليه؟
إندهشت “خديجة” من سماع صوته ثُمّ استدارت بجسدها جهته.
– دكتور “خالد” !!
ابتسم “خالد” وهو يرى ربكتها وأردف.
– الشَركة هتفتقد موظفة مجتهدة زيك.
عندما أبلغها “خالد” هذا الحديث تأكدت أن لا أمل لها في استمرارها بالعمل.
أخفضت رأسها وقد شعر “خالد” بالضيق من فكرة عدم رؤيتها بالشَرِكَة.
وقفوا صامتين لدقائق إلى أن ارتفع رنين هاتف “خالد”.
في تلك اللحظة بدأت “خديجة” تشعر بدوار طفيف يُداهم رأسها لكنها تجاهلته.
إبتعد “خالد” قليلاً ليتحدث بهاتفه لكن مع إرتفاع صوت الموسيقى قرر الإنسحاب لخارج القاعة.
– ثواني وهكون معاك.
تحرك “خالد” بعدما ألقى بنظرة أخيرة على “خديجة”، فرُبما لا يجمعهم القدر مرة أخرى وتكون كنسيم خفيف مر عليه.
توقف عن متابعة حركته عندما وجدها تجذب ذراعه الذي يمسك به هاتفه ثُمّ تمتمت بصوت خافت وأنفاس ثقيله.
– دكتور “خالد”.. أنا
خرج صوتها بتقطع ليتساءَل “خالد” بلهفة.
– “خديجة” فيكِ إيه، إيه اللي حصلك.
حاولت الكلام لكنها لم تقوى من ثِقَل لسانها.
أحاط خصرها بذراعه حتى يُساندها لخارج القاعة.
تَعرُق وجهها جعله يزداد قلقًا عليها.
صرخ بإحدى الموظفات التي كان لديها دوام مسائي في قسم الإستقبال.
– عايز غرفة فاضية حالًا ودكتور.
الفتاة وزَميلَها شعروا بالقلق وهم يُراقِبوا حالة “خديجة” وقد اِقتربت منهم السيدة “عايدة” بعدما لمحته أثناء مغادرته القاعة يسند “خديجة” على ذراعه ويُحاول إفاقتها بهلع.
….
بعد ساعات، في تمام الساعه الخامسة صباحًا…
رمى “خالد” جسده على فراشه بإرهاق ثُمّ أغمض جفنيه.
مازال لم يستوعب ذلك الإحتمال الذي أخبره بِه الطبيب ورجحه “كريم”، فربما من فعل هذا الأمر كان يُخطط لشىء ما كلما تخيله تأكله نيران الغضب والغيرة.
إرتفعت أنفاسه ثُمّ قبض على شرشف فراشه محاولاً السيطرة على حاله.
بالظَهيرة وفي تمام الساعه التي أخبرهم الطبيب أنها ستستيقظ فيها.
فتحت “خديجة” عيناها بتشويش تنظر حولها.
إتجهت “ريناد” إليها تزفر أنفاسها براحه.
– الحمدلله إنك فوقتي.
ثُمّ أردفت بوجه عابس.
– دكتور “خالد” لسا قافل معايا… كان بيطمن عليكِ.
– هو إيه اللي حصل، ليه راسي تقيله كده.
تساءَلت “خديجة” بصوت ضعيف ثُمّ عادت تنظر للغرفة التي هي بها ثُمّ لملابسها وأردفت.
– “ريناد” إيه اللي حصلي؟؟
سردت لها “ريناد” ما حدث بالتفصيل وبداخلها كانت تشعر بالغيرة بسبب الإهتمام الشَديد والعجيب من السيد “خالد” على شقيقتها وكأنها فرد من أفراد عائلته.
– بسبب اللي حصلك ضاعت السهره اللي كنت هسهرها مع “كريم”.
قالتها “ريناد” حانقة وعندما تأوهت “خديجة”… أسرعت إليها تسألها:
– لسا تعبانه.
اِلتمعت عينيّ “خديجة” بالدموع وهي ترى لهفة شقيقتها عليها وتمنت أن تطلب منها أن تأخذها داخل أحضانها وتربت على ظهرها.
– هي ماما عرفت حاجه.
– لا طبعًا… قولت ليها إن ضغطك وطي وأخدتك المستشفى.
حركت “خديجة” رأسها ثُمّ تساءَلت لعلها تشعر بالإطمئنان.
– يعني مافيش حاجه حصلتلي…
ثُمّ واصلت حديثها وهي تُحاول النهوض من فوق الفراش.
– العصير… هو العصير اللي شربته.
تعلقت عينيّ “ريناد” بها بعدما ذكّرتها بأمر العصير وتلك النظرة التي كان ينظر بها “هاني” عندما لوح لها بيده.
– “هاني”
…
لم يترك “خالد” الأمر يَمُر مرور الڪِرام بل تولى بنفسه أمر التحقيق فيه.
شعر “كريم” بالتعجب وهو يرى نظرة الشر التي اِحتلت عينيّ “خالد” عندما أكد عليه النادل شكوك “ريناد” بأن “هاني” هو من وضع المادة المخدرة.
وقد إزدادت دهشة “كريم” عندما اهتم بأمر “هاني” والعثور عليه بل وجعله يدفع ثمن فِعلته.
– أنت ليه مهتم بأمر “خديجة” أوي كدا.
تساءَل بها “كريم” بعدما بدأ الأمر يُثِير شكوكه، فـ “خالد” لم يَڪُن يومًا رَجُل سريع الغضب.
حَدَجَهُ “خالد” بنظرة لم يفهمها “كريم” ولم تتأكد شُكوك “كريم” إلا عندما بدأت الأقاويل والثرثرة تنتشر بالشَرِكَة.
••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل الحادي عشر
توقفت “خديجة” أمام مدخل الشَرِڪَة ولا تعرف لما يدفعها شعور داخلي أن تعود أدراجها إلى المنزل.
تنهيدة طويلة خرجت منها، فهذا أخر يوم لها هُنَا…
وقد أخذت الأيام الماضية إجازة بعدما أخَبَّرَتها السيدة “عايدة” أنها أبلغت مشرف قسمها السيد “سامر” أنها مريضة…
كل هذا كان يتم بأمر من “خالد” لكنه لم يظهر بالصورة.
ارتفع رنين هاتفها برقم “عايدة” التي طلبت منها أن تأتي إليها قبل رحيلها لتودعها.
أعادت “خديجة” هاتفها داخل حقيبتها ثُمّ علقتها على كتفها واتجهت لداخل الشَرِكَة.
ما حدث لها لم يعرفه أحد من موظفيّ الشركة، فغيابها كان لسبب مرضي.
عندما دخلت قسمها تقدم منها بعض زملائها يُرحبون بها بلُطف يملئه الخبث لكنها لم تلاحظ ذلك.
البعض الآخر رحب بها بود حقيقي ثُمّ قدموا لها هَدية ڪ تذكار منهم وأخبروها أنهم سيفتقدونها.
انسابت دموع “خديجة” بسبب لُطفهم ونظرت إليهم.
– أنا مش عارفه أشكركم إزاي.
لم يكُن السيد “سامر” موجود هذا اليوم، فلم تتمكن من توديعه هو الأخر رغم معاملته الجافه.
في هذا الوقت كان “خالد” يقف أمام شُرفة مكتبه بذهن شارد بعدما أبلغته السيدة “عايدة” أن “خديجة” آتت الشركة لتحصل على شهادة خبرتها ومستحقاتها وتُجمع متعلقاتها…
كان يعلم أن السيدة “عايدة” تود أن تطلب منه أن تحصل “خديجة” على عقد جَديد بعدما مَدّت الشركة الروسية فترة تعاونها معهم في صناعة أحد الأدوية لكنه أنهى الكلام معها بنبرة جادة قبل أن تُخبره باِقتراحها.
مشاعر متضاربه كانت تحتل قلبه وعقله، فهو لا يصدق أنه أعجب بها وتمنى أن يلتقي بها مرة أخرى عندما دفعتها صديقتها نحوه لتصطدم به لكي تلفت نظره إليها.
زفرة طويلة خرجت من شفتيه والقرار قد اتخذه…
سترحل “خديجة” من الشَرڪَة ولن تجمعه الصدفة بها مرة أخرى وسيتأكد حينها أن مشاعره نحوها كانت مجرد إعجاب لم يصل لمرحله الحب.
…
بدأت “خديجة” تُجمع أغراضها بحزن، فهي حتى هذه اللحظة كانت تتمنى أن يتم تجديد عقدها.
اِقتربت منها إحدى زَميلاتها التي لم تحبذ الإختلاط بها منذ أول يوم عمل لها بالشَركة… فهي لم تكن إلا فتاة تُحب القيل والقال عن الآخرين وخلق حكايات كاذبه.
– معقول دكتور “خالد” قدر يستغنى عن خدماتك بسهوله كده.
ضاقت حدقتيّ “خديجة” وهي تنظر إليها، فهي لا تفهم معنى حديثها.
– يستغنى عن خدماتي؟!… أنتِ تقصدي إيه يا “نجوان”.
رمقتها “نجوان” بإبتسامة ملتوية ثم نظرت لمن يُطالعونها بفضول.
– عايزه تقوليلي إنك متعرفيش إن سيرتك بقت على كل لسان… ده الصور أكبر دليل على علاقتك بـ دكتور “خالد” … فعلاً الأختين طلعوا مش سهلين…
قالتها “نجوان” بسخرية ثُمّ التفت برأسها ناحية زَميلاتها وابتسمت.
حدقت بها “خديجة” بنظرة فارغة ثُمّ بعدها ارتفعت أنفاسها بعدما تابعت “نجوان” كلامها.
– واحده ماشيه مع دكتور “كريم” والتانيه طلعت أنصح ولعبت على الراس الكبيرة.
شعرت “خديجة” بالإختناق وهي ترى نظراتهم إليها.
وضعت “نجوان” الهاتف أمام “خديجة” التي بدأت تلتقط أنفاسها بصعوبة.
– مش دي صورتك مع دكتور “خالد” وأنتِ في حضنه ورايحين ناحية الإستقبال عشان تاخدوا مفتاح الأوضه.. قوليلي يا “خديجة” هي كانت ليلة حلوه مش كده.
– فين مدير القسم عشان يشوف المهزله اللي بتحصل دي.
قالتها “عايدة” التي أتت للقسم بعدما وجدت نفسها بالطابق الذي تعمل به “خديجة”… فقررت الذهاب إليها لتوديعها.
ارتبكت “نجوان” وباقي الزملاء بعدما وجدوا السيدة “عايدة” أمامهم ترمقهم بنظرات غاضبه.
– إزاي تتكلمي عن رئيسك كده… إزاي جاتلك الجرأة إنك تتهمي زميلتك بالطريقة دي.
– الصور هي اللي بتقول كده.
قالتها “نجوان” وهي تعطي “عايدة” هاتفها.
الجميع كان مترقب لـ ردة فعل “عايدة”.
رفعت “عايدة” عيناها إليهم تبحث عن رد تستطيع إخراسهم به إلى أن تبلغ رئيسها.
– مين اللي نشر الصور دي… مين المسئول عن جروب الشركة.
ثُمّ هتفت بحدة.
– عمومًا كل حاجه هتبان لأن دكتور “خالد” مش هيسكت عن المهزله دي.
التفت “عايدة” برأسها نحو “خديجة” لتُخبرها أن تأتي معها لكن وجدت “خديجة” قد غادرت.
…
خرجت “خديجة” من الشَرڪَة ودموعها تسبقها لا تصدق ما رأته… هم لا يفترون عليها لأن هذا ما حدث بالفعل لكن الأمر ليس كما يظنون.
لا تعرف كيف ومتى وصلت المنزل… ومن حسن حظها كانت والدتها قد خرجت للإلتقاء بصديقاتها.
…..
تحرك “كريم” بدهشة وراء “خالد” ينظر إلى السيدة “عايدة” التي كانت مثله تتعجب من ردة فعل رئيسها بعدما أبلغته بما تم نشره على جروب يجمع موظفين الشَركة.
أسرع “كريم” خلفه ليلحقه.
– نفذنا كلامك وجمعنا الموظفين لكن سيبني أنا أوضح اللي حصل مع إني شايفه حوار وهيتنسي لأن الصور خلاص اتمسحت.
احتدت ملامح “خالد” عاقدًا حاجبيه وهو يلتف نحو “كريم” ثُمّ سأله بغضب.
– حوار وهيتنسي… وسمعتها يا دكتور يا محترم…
ثُمّ أردف بنبرة حادة.
– ابعد من قدامي يا “كريم”.
…
انتفضت بفزع من غفوتها التي سقطت بها بعد بكاء متواصل.
وجدت “ريناد” تقف جوار فراشها تعقد ساعديها وترمقها بنظرة قاتمة.
– دلوقتي عرفت سبب إهتمامه بيكِ ليلة راس السنة…
ثُمّ استطردت بحقد احتل قلبها منذ أن علمت بما فعله “خالد” اليوم.
– ما هو مش معقول هيقلب الدنيا عشان حتت موظفه عاديه.. ده غير لهفته عليكِ ساعتها.
– “ريناد” أنتِ بتقولي إيه…أوعي تقولي إنك صدقتي
الصور والكلام اللي بيتقال عليا.. ده أنتِ كنتِ معايا وعارفه كل حاجه.
لم تتحمل “ريناد” سماع ما تُخبرها به وأخذت تتحرك حولها بغيظ.
– “خالد العزيزي” وقف قدام موظفينه يدافع عنك.
الغصة اِحتلت حلقها عندما أعلن أنه وشقيقتها كانوا على وشك إعلان خطبتهم بعد إحتفال ليلة رأس العام.
– لا وكمان قالهم إنك بإعتبار ما سيكون هتكوني “خديجة العزيزي”
حدقت بها “خديجة”، فهي لا تفهم شىء ولا تستوعب.
– استعدي لخطوبتك من “خالد العزيزي” يا عروسة.
…
– مش معقول “خالد” يعمل كده.
قالتها “نورسين” بعدما علمت بالأمر من “كريم”..، فهي مازالت لا تستوعب أن شقيقها أعلن خِطبته من موظفه لديهم فجأة والسبب ما نُشر عن تلك الفتاة وعنه .
– صدقي يا “نور” لأن أخوكِ شكله كان واخد قراره من بدري.
– قصدك إيه يا “كريم”.
تساءَلت “نورسين” وقد أشارت لسكرتيرتها أن تُغادر مكتبها لحين أن تنتهي من مكالمتها.
– “خالد” شكله معجب بيها رغم إنه بينكر ده.
احتدت عينيّ “نورسين” ثُمّ حدقت بتلك الصورة المعلقة على الجدار.
– أنا هنزل مصر حالاً يا “كريم” عشان أوقف المهزله ديه.
…
– أنا مش فاهمه حاجه يا “خديجة”… مال صوتك.
هتفت بها “سارة” بقلق على صديقتها ثُمّ أردفت.
– “خديجة” كفايه عياط وفهميني فضيحه إيه وعريس إيه اللي متقدم ليكِ.
– خلينا نتقابل يا “سارة”… انا هحاول أخرج من البيت واقابلك.
قالتها “خديجة” وهي تمسح دموعها.
بعد وقت
كانت “خديجة” تدلف للمقهى الذي يملكه “مازن” خطيب “سارة”.
طالعتها “سارة” بنظرة مصدومة من هيئتها.
فتحت “سارة” فمها بدهشة وهي تستمع لكل ما تخبرها به “خديجة”.
– هو ده سيناريو مسلسل كوري يا “خديجة”.
احتقنت ملامح “خديجة” من تعليق “سارة” على ما تقصه عليها.
– ما أنا عقلي مش مستوعب… يعني هو كان معجب بيكِ ومصدق يعمل كده.
مسحت “خديجة” أنفها ثُمّ احتدت نظراتها أكثر.
– معجب إيه يا “سارة” ! هو عمل كده عشان صورته قدام موظفينه.
ضاقت حدقتيّ “سارة” وهي تنظر لـ “خديجة”.
– صورته قدام موظفينه إزاي وهو وضح ليهم إيه اللي حصل بالظبط ومدام “عايدة” و” ريناد” كانوا معاكِ…
وكل شىء متسجل في كاميرات الفندق.
تجهمت ملامح “خديجة” من رد “سارة” التي أردفت.
– هو الوحيد اللي في ايده التفسير يا “خديجة”.
…
لم يتوقع “خالد” أن تقف “نورسين” في وجهه يومًا وتُعارضه على أمر اِتخذه.
– إزاي واحد في مكانتك يقف قدام الموظفين عشان يبرأ موظفه عنده…
احتدت عينيّ “خالد” وهو ينظر لشقيقته التي كبرت وأصبحت تقف أمامه.
– اللي برأتها دي هتكون مراتي يا “نور”.
– مستحيل يا “خالد”…
– “نــور”
صاحت بها السيدة “لطيفة” بعدما أمرت خادمتها أن تُحرك مقعدها المُدولب وتأخذها لغرفة المكتب بعدما تعالت أصواتهم.
التفت “نورسين” نحوها وكادت أن تتكلم وتفسر لها سبب رفضها لفعلت شقيقها.
– أخوكِ عارف هو بيعمل إيه كويس…مش هتجي أنتِ وتعارضيه… يوم ما تكبري أوعي تكبري عليه.
نظرت “نورسين” نحوها وهي مصدومة من موافقة والدتها على فتاة لا تليق بشقيقها.
وبسبب ما حدث لها ليلة الإحتفال بالعام الجَديد تورط شقيقها بفَضيحة بين موظفينه بل وأيضًا بسببها وقف أمام موظفينه ليوضح لهم ملابسات ما حدث.
– معقول يا ماما أنتِ موافقه واحده زيها تكون مرات ابنك
…
في صباح اليوم التالي…
طرقت “نورسين” باب غرفة شقيقها ثُمّ دخلتها بعدما أذن لها.
عندما التقت عيناه بخاصتها… أشاح عيناه عنها.
اِقتربت منه “نورسين” وهي تشعر بالضيق من حالها لأنها وقفت أمامه ليلة أمس ورفعت صوتها عليه.
– أنا أسفه يا “خالد”…
لم ينظر إليها “خالد” لذلك أسرعت إليه تحتضنه وتُقبل خَدّه.
– أنا مش عارفه إزاي اتكلمت قدامك كده.
ضمها “خالد” لحضنه.
– مش زعلان خلاص يا “نور”.
ثُمّ أردف بحنان.
– أنتِ عارفه كويس إن عمري ما أزعل منك.
…
تعلقت عينيّ “خديجة” به بعدما خرج من البناية التي يقطنون بِها.
رمقته بنظرة حادة، فهو من ورطها بأمر ڪهذا.
تحرك “خالد” نحوها لكنه وجدها تبتعد عن طريقه.
اندهش من فعلتها ثُمّ زفر أنفاسه بضيق فهو حتى اليوم لا يعرف كيف قال ما قاله عن أمر خِطبتهم.
– شكلنا قدر بعض يا “خديجة”.
تمتم بها ثُمّ تحرك نحو سيارته وقادها.
دلفت “خديجة” الشقة..
وقبل أن تتجه نحو غرفتها لتغلقها عليها -حتى لا تسمع كلام والدتها الذي يسمم بدنها- إِسْتَمَعَت لها تقول.
– بكره اهله جايين لينا…
ثُمّ أردفت “ثريا” بطمع.
– ياا يا “خديجة” مش مصدقه إن واحده من بناتي هتتجوز راجل غني هيرفعها ويرفعنا معاها لفوق.
بدأت “ثريا” تَحلُم بما سيقدمه لها عريس ابنتها إلى أن فاقت من أحلامها.
– أنا مش موافقه… أنا مش عايزه اتجوز واحد غني أنا عايزة اتجوز واحد يحبني وأحبه ويكون حنين.
– يحبك وتحبيه.
نطقتها “ثريا” بسخرية ثُمّ اقتربت منها.
-مش بقولك وش فقر زي أبوكِ.
– بابا كان راجل حنين… عمل المستحيل عشان يراضيكي لكن أنتِ دايمًا كنتِ باصه لفوق.
احتقنت ملامح السيدة “ثريا”.
– طيب يا “خديجة” يابنت ابوكِ بكره تكوني جاهزة عشان تقابلي الناس يا كده يا تنسي إن ليكِ أم.
لأول مرة تساندها “ريناد” بقرار لكن كل ما حاولت فعله كان يبوء بالفشل.
– اهربي يا “خديجة” وحطي ماما قدام الأمر الواقع.
قالتها “ريناد” وهي تتمنى أن تتهور “خديجة” وتفعل ذلك الأمر لكن “خديجة” كعادتها استسلمت للأمر بعدما أقتنعت أنها خِطبة وليست زواج.
لم يعجب “نورسين” ولا السيدة “نعمة” -عمة “خالد”- تلك الطريقة التي تتحدث بها “ثريا”…
شعرت “ريناد” بالسعادة وهي ترى امتعاض “نورسين” واستياء العمه… فهذا خير دليل أن الأمر سينتهي بعد مغادرتهم.
الصدمة التي حصلت عليها “ريناد” أن “خالد” هاتف والدتها ليُخبرها أن والدته تُريد رؤية “خديجة” فلم تسنح لها الفرصه القدوم بسبب حالتها الصحية.
…
تساءَلت “سارة” بحيرة بعدما قصت عليها “خديجة” عن لقائها بشقيقته وعمته.
– يعني قعدتي معاهم ساكته مبتتكلميش.
زفرت “خديجة” أنفاسها بثقل ثُمّ قالت بحيرة صارت تُسيطر على عقلها.
– أنا حاسه إني في حلم يا “سارة”…
ثُمّ أردفت وهي تتذكر نظرات عمته وشقيقته التي لم تراها بالشَركة إلا ثلاث مرات.
– أنا لا كنت عاجبه عمته ولا أخته وبصراحه عندهم حق.
– أوعي تقللي من قيمة نفسك يا “خديجة”.
صاحت بها “سارة”، فهي لا تُريدها أن ترى حالها دومًا أقل من الجميع.
– افهميني يا “سارة”… الموضوع مش تقليل من نفسي…
ثُمّ زفرت أنفاسها بخنقة وواصلت كلامها.
– أنتِ مشوفتيش ماما كانت بتتكلم معاهم إزاي عن الشبكة والمهر والڤيلا اللي هعيش فيها…
“سارة” هو لازم يبعد عني.. ماما فكراه الكنز اللي جالها أخيرًا من السما.
هذه المرة كانت “سارة” تتفهم وجهة نظر “خديجة”.
– يعني أنتِ عايزة تقوليلي إن هو ده سبب عدم تقبلك للخطوبه.
– كل حاجه يا “سارة” لأني مش فاهمه حاجه.
تمتمت بها “خديجة”؛ فتساءَلت” سارة”.
– طيب ليه مقعدتيش معاه النهاردة وكانت فرصه حلوة تتكلموا لوحدكم… ليه مش بتردي على مكالماته ليكِ.
وسُرعان ما واصلت “سارة” حديثها بعدما أصبحت شبه متيقنة أن هذا الرَجُل أحب صديقتها .
– “خديجة” الراجل ده معجب بيكِ بجد.. ما هو مش معقول بعد كل محاولات صدك ليه مازال مصمم على الإرتباط بيكِ…
اللي عمله قدام موظفينه مش إنقاذ لسمعته يا “خديجة” ولا شهامة منه… ده تصرف واحد بيحب… ما هو مش هيقف بنفسه يبرأك.
للحظات كانت “خديجة” تشرد في لقاء جمعها به وسُرعان ما نفضت رأسها.
– لا يا “سارة” اللي حصل إنقاذ للموقف مش أكتر.
عندما استمعت “سارة” لذلك الرد منها أجابتها بصوت متهكم.
– وجوده في بيتكم النهاردة مع أخته وعمته عشان يتقدم ليكِ إنقاذ للموقف.
ثُمّ استطردت “سارة” بحنق منها.
– عزومته ليكم بكرة في بيته عشان يعرفك على مامته و يعرفها بيكِ إنقاذ للموقف برضو.
دلفت “ريناد” الغرفة عليها فجأة مما جعلها تُنهي مكالمتها مع “سارة” سريعًا.
رمقتها “ريناد” بنظرة ساخرة تحولت لأخرى مظلمة عندما تعلقت عيناها بباقة الأزهار التي جلبها لها.
– افرحي ليكِ شوية يا “خديجة”… ما هي الأيام السعيدة مش بتدوم.
…
سيارة تأتي بِهُنَّ ثُمّ تعيدهن لمنزلهن
هذا ما علقت عليه “ثريا” وهي داخل السيارة التي يقودها السائق الذي أمره “خالد” أن يعيد أهل خطيبته لمنزلهن.
– يا سلام يا “خديجة” لو تقعني “خالد” بيه إنه يجيب لماما عربيه.
قالتها “ثريا” وهي تحتضن ذراعها.
كورت “ريناد” قبضة يدها بغل وهي تستمع لحديث والدتها…
فأصبحت “خديجة” الآن هي ابنتها الغالية التي ستُحقق أحلامها.
لم تكن “خديجة” منتبهه لما تقوله، فعقلها كان منشغل برأي والدته عنها وعن عائلتها.
لأنها متيقنة أنهُنَّ لم يلقوا استحسان والدته.
……
– البنت هادية وطيبة يا “خالد” لكن أمها واختها معجبونيش خصوصًا أمها… يا بني الأهل أساس أي جوازة.
ثُمّ أردفت السيدة “لطيفة” رغم عدم حبها لإنتقاد أحد.
– أمها شكلها ست طماعه.
وهَلّ هو غافل عن هذا الأمر وهذا للأسف سبب صراعه مع عقله كل ليلة لأن قلبه هو الذي اختار “خديجة”.
حاول “خالد” تلطيف الأمر لوالدته.
– يا ست الكل أي واحدة بتحب بنتها بتكون عايزه تطمن عليها.
عندما رأت رضىٰ ابنها وسعادته..
فردت له ذراعيها في دعوه له بالإقتراب منها لكي تتمكن من إحتضانه.
– ما دام أنت مبسوط وراضي يا بني… انا راضيه ومبسوطة.
…
قضت “ثريا” طِيلة الليل تُجاور “خديجة” فوق فراشها تُعلق على كل شىء لم يعجبها.
– أنتِ لازم تكوني ناصحة يا “خديجة” وتقنعيه بعد كده إنكم تعيشوا في بيت لوحدكم.
ثُمّ أردفت ممتقعة الوجه.
– اخوه الصغير شكله متعلق بيه جامد لا وكمان بيقوله يا بابا… لا لازم الولد يفهم إنه اخوه الكبير لكن ولادك أنتِ هيكون هو ابوهم.
التمعت عينيّ “ثريا” بسعاده لتخيلها النعيم الذي ستعيش به هي.
– أنتِ لازم أول ما تتجوزي تحملي منه على طول… راجل زي ده مينفعش متربطيهوش بعيل عشان لو بعد كده حَسّ بتسرعه وندم يكون فيه عيل بينكم يكون ورقة ضغط عليه.
– تصبحي على خير يا ماما.
قالتها “خديجة” وهي تلتف بجسدها لتنام مما جعل “ثريا” تهتف بها بضجر.
– أنتِ هتنامي… والله أنا عارفه إنك خايبة وهتضيعي الراجل من إيدك… هو ليه بس مجاش لـ “ريناد” مع إنها بقالها أكتر من تلات سنين قدامه.
غادرت “ثريا” الغرفة، فسقطت دموع “خديجة”.
…
– كفايه شرب يا “ريناد” وخلينا نتكلم.
ابتلعت “ريناد” ما تبقى من الكأس ثُمّ اِلتقطت الزجاجة لتضع المزيد داخل كأسها.
هزت رأسها له ترفض إعطائه زجاجة الخمر.
– سيبني أشرب.
زفر “كريم” أنفاسه بضيق…
فهو وافق على قدومها لمنزله بعدما هاتفته لتتحدث معه لأنه أراد أيضًا التحدث معها وإنهاء علاقتهم التي لم تعد تصلح بسبب تلك القرابة التي وضعها “خالد” مع عائلتها.
التقط منها “كريم” الكأس بعدما ضجر من وجودها..
– أنا شايف إننا مش هنعرف نتكلم النهاردة… فخليني أوصلك ونتكلم يوم تاني.
لكن “ريناد” هزت له رأسها رافضة إقتراحه ثُمّ نهضت من جِواره تترنح ثُمّ سقطت على فخذيه.
– أنتِ بتعملي إيه؟
تساءَل “كريم” مصدومًا من فعلتها بعدما بدأت تحل أزرار قميصه و تَمُد يدها لتتلمس صدره وتتحسس شعيراته.
– خليني معاك النهاردة… “كريم” أن محتجاك.
احتدت ملامح “كريم” من جرأتها -التي لم يعهدها بالنساء اللاتي عرفهن- …
فقد كان قرار ابتعاده عنها -منذ علم بعلاقاتها العديدة داخل الشَركة وخارجها- صحيح.
أبعدها عنه لكنها تمسكت به ثُمّ مالت عليه تلتقط شفتيه لتقبله.
أزاحها عنه بغضب بعدما تمكن من تحرير جسده منها ثُمّ بصق لُعابه.
– علاقتنا انتهت خلاص يا “ريناد” وياريت متحاوليش تقربي مني تاني واحترمي النسب اللي هيكون بين العيلتين.
…..
قطب حاجبيه بدهشه بعدما وجد حارس المنزل يُخبره بوجود “ريناد” أمام البوابه.
– يا بيه ديه شكلها سكرانه طينه.
أسرع “خالد” بإلتقاط قميصه ليرتديه وهو يهتف بالحارس.
– أنا نازل ليك حالًا.
اتسعت ابتسامة “ريناد” عندما وجدته يخرج من البوابة، عيناها تعلقت به فهي لم تكن تتخيله بتلك الوسامة لأنها دائمًا كانت تراه بهيئته العملية.
– إيه اللي أنتِ عملاه في نفسك دا…
تمتم بها “خالد” بوجه حانق يشعر بالصدمة من هيئتها ووجودها أمام منزله بهذا الوقت المتأخر.
أخرج هاتفه لكي يُحادث “خديجة” وفي داخله يعلم أنها لن تجيب عليه.
لكن “خديجة” اليوم خيبت ظنه وأجابت عليه لأنها كانت بحاجة لأحد بعدما قضت ساعات تبكي من شدة شعورها بالخنقة.
أشاح عيناه عن “ريناد” التي أخذت تتطلع به بنظرة وقحة يفهمها.
– “ريناد” هنا عندي… أختك سكرانه.
قالها “خالد” بنبرة جامدة، مما جعل “خديجة” تنتفض من فوق فراشها.
– بتقول إيه؟؟
انقطع الخط فجأة وقد أنهى “خالد” المكالمه عمدًا بعدما اقتربت منه “ريناد” واحتضنته من الخلف تسأله .
– ليه اختارتها هي ومخترتنيش أنا.
••••••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل الثالث عشر
كل شيء حولها -منذ أن وطئت أقدامها الفندق الذي سيقام به حفل الزفاف- يدعوها للانبهار، لكن “خديجة” لم تكن اليوم إلا شاردة في تلك الرسالة التي أرسلت إليها ليلة أمس.
استمرت “سارة” بالثرثرة عن مدى اهتمام “خالد” بكل شىء يسعد صديقتها لكن لم تجد من “خديجة” إلاّ الصمت.
اعتذرت “سارة” من خبيرة التجميل التي دلفت مع فريقها الجناح الذي سيتم فيه تجهيزها لتستطيع الانفراد بـ “خديجة” والتحدث معها عن سبب صمتها العجيب الذي يثير دهشتها.
– فيكِ حاجه غريبة النهاردة.. عكس امبارح كنتِ مبسوطه.
كادت أن تتحدث “خديجة”، وتُخبرها أنها لم تستطع النوم ليلة أمس لكن “سارة” تابعت حديثها دون أن تستمع إلي مبررها الخادع.
– أوعي تقوليلي عشان معرفتيش تنامي كويس لأن ببساطة هسألك منمتسش ليه.. ولا كنتِ مشغوله بالتفكير في حاجات تانيه.. مع إني أشك.
صفعتها “خديجة” على راحة يدها التي تلوح بها ثُمّ التفت بجسدها، وابتعدت عنها.
اجتذبتها “سارة” إليها تتساءَل بإصرار.
– اعترفي يا “خديجة”.
لم تجد “خديجة” مفر من إخبار “سارة”؛ فهي تعلم أن “سارة” لن تتركها إلاّ إذا علمت بالسبب الذي أبدل حالها.
– يعني حبيبته القديمة ظهرت دلوقتي فجأة؟!
واشمعنا الصورة دي اتبعتت ليكِ امبارح متبعتتش ليه قبل كده…
نظرت “سارة” إلى الرسالة التي ما زالت على هاتف “خديجة” وهي تتساءَل.
– معرفش يا “سارة”… أنا حاسه إني مخنوقه ومش عارفه أفكر.
تمتمت “خديجة” بإحباط، وهي تشيح عيناها بعيدًا عن “سارة”.
– اللي عمل كده شخص عايز يسبب مشكله بينكم، ويمكن توصل إنكم تلغوا الفرح.
رمقتها “خديجة” بنظرة حزينة، فهي كانت تعلم أن هذه السعادة لن تدوم.
– حاسه إني بتخنق يا “سارة” كل ما بفتكر الصوره.
– صورة عاديه يا “خديجة” مفيهاش حاجه وكأنهم اتنين صحاب… أنتِ بس بتتخنقي كل ما بتفتكري إنها كانت حبيبته في يوم.
اقتربت منها “سارة”، والتقطت يدها وابتسمت.
– النهاردة اليوم بتاعكِ أنتِ متخليش حاجه تضيع فرحتك…كلها كام ساعه وتكوني معاه وتعرفي منه كل حاجه خايفه منها…
ارتفع رنين هاتف “خديجة”.
فهتفت” سارة” بدُعابة، وهي تُلقي بنظرة خاطفة نحو هاتف “خديجة”.
– ده عاشر اتصال منه النهاردة عشان يطمن عليكِ ويسألك لو محتاجه حاجه.. مع إنه موفر كل سُبل الراحة ليكِ… وتقوليلي مخنوقة وخايفة يا “سارة”…
زال الشعور الذي كان يخنقها شيئًا فشيء، وبدأت تستمتع باليوم الذي تعلم تمامًا أنه لن يُعَوِّض.
صعدت “ثريا” الجناح المخصص لـ “خديجة” ثُمّ نظرت إليها، وابتسمت…
اقتربت منها لتحتضنها، وقد كانت “خديجة” سعيدة بحضنها حتى أنها أرادت البُكاء لكن السعادة تلاشت، وهي تستمع إلى ما تُخبرها به.
– كل صديقاتي وقرايبنا بيحسدوني على جوازك من “خالد العزيزي”… الكل مش مصدق إنك في كام شهر بس عرفتي توقعي “خالد العزيزي”… النهاردة الكل هيشوف جوازة بنت “ثريا”.
ابتعدت “خديجة” عنها بقلب ممزق، وقد خرجت “سارة” من دورة المياه، ونظرت إلى “ثريا” التي رحبت بها.
– عامله إيه يا “سارة”.
ابتسمت إليها “سارة” وردت عليها، وهي تنظر إلى ملامح صديقتها التي عاد الحزن يُسيطر عليها.
– الحمدلله يا طنط.
غادرت “ثريا” … فاقتربت منها “سارة” تسألها.
– مالك يا “خديجة”… أنتِ كنتِ كويسه من شويه.
– مافيش يا “سارة”.
لم تضغط عليها “سارة”، وقد حاولت أن تجعلها تبتسم مرة أخرى.
…
بعد مرور عِدة دقائق…
كانت “خديجة” تقف بتوتر تنتظر دخول “خالد”.
اتجهت “سارة” نحو الباب لتفتحه لكن “خديجة” أسرعت إليها تسألها.
– أنا طالعه حلوه يا “سارة”.
– سألتيني السؤال ده أكتر من عشرين مره…
قالتها “سارة” بضجر لكن عندما نظرت إليها “خديجة” بتوسل أن تخبرها للمرة الأخيرة هل هي بالفعل جميلة اليوم.
لانت ملامح “سارة”، واقتربت منها بابتسامة صادقة.
– طالعه زي القمر.
اتجهت “سارة” نحو باب الغرفة تفتحه لـ “خالد” الذي مَلّ من الانتظار… عندما تعلقت عيناه بعينيّ “سارة” تساءَل بلهفة رأتها “سارة” بعينيه.
– ينفع أدخل بقى.
ابتسمت “سارة” إليه ثُمّ أشارت بدُعابة نحو الداخل.
– اتفضل يا دكتور… كفايه عليكِ لحد كده.
ابتسم “خالد” لـ “سارة” واتجه إلى داخل الغرفة.
امتقعت ملامح “نورسين” من لهفة شقيقها ومزاح “سارة” معه بتلك الطريقة…
أرادت “نورسين” الدخول وراءه لكن “سارة” وضعت يدها لتمنعها من الدخول.
رمقتها “نورسين” بنظرة غاضبة لكن “سارة” لم تهتم.
…
بنظرة كارهه حدقت “ريناد” بـ “كريم” الذي اقترب من امرأة ثُمّ قبل خدها.
اليوم رأت عائلته…
أب يعمل بروفيسور جامعي بأحد جامعات ألمانيا وأم بولندية الجنسية تعمل طبيبه ويعيشون بألمانيا.
عائلة يستحق التفاخر بها، لكن هو لا يستحق أن يفتخر به أحد.
تلاقت عيناهم… فرمقته هذه المرة بنظرة حاقده، وهي تضغط على شفتها السفلية.
– حقير.
أشاحت عيناها عنه بعدما سبته داخلها بأبشع الألفاظ.
ابتسم “كريم” على ردة فعلها… يتساءَل داخله لماذا هي غاضبه؟
هو أخبرها أن علاقتهم وقتيّة، علاقة يجمعها المرح، وهي كانت مُرحبة بهذا الأمر.
اختفت تلك الابتسامة التي كانت تحتل شفتيه عندما تلاقت عيناه بعينيّ “سلوى” ابنه عمته التي تأبطت ذراع زوجها، واقتربت من طاولتهم لتُرحب بوالديه.
لم يتحمل رؤيتها مع زوجها، فانسحب متحججًا باتصال هاتفي تعجب منه والديه لكن وحدها السيدة “لطيفة” مَن كانت تفهم سبب فعلته.
أشفقت عليه السيدة “لطيفة” ، فليته فاق قبل فوات الأوان لكنه فاق متأخرًا.
نظرات حملت الشماتة ألقتها “ريناد” نحوه.
…
تعلقت عينا السيدة “لطيفة” بولدها الغالي والدموع تملأ مقلتيها بالفرح.
أما “ثريا” فكانت تنظر بتفاخر وكِبر كلما التقت عينيها بـ أعيُن قريباتها اَللَّوَاتِي عاملوها بالمثل ذات يوم، وتفاخروا أمامها بأصهارهن.
“نورسين” كانت السعادة تحتل ملامحها وقلبها من أجل شقيقها لكن كلما وقعت عيناها على “خديجة” -التي لا تليق بشقيقها- تحولت ملامحها للوجوم.
التمعت عينيّ “طارق” بحب، وهو ينظر نحو معذبة فؤاده التي كلما شعر بتقارب طرقهم أبعدته عنها.
اِقتربت منه والدته السيدة “نعمة” ثُمّ وقفت جِواره تنظر نحو ابنة أخيها الراحل.
– هتفضل تتمناها من بعيد، وكأنك بتتمنى نجمة بعيدة.
التقت عيناه بعينيّ والدته التي لم تعد تتحمل عذابه.
– كفاية يا “طارق”… صرح بمشاعرك ليها… لو رفضت حبك يبقى كل اللي أنت عايش فيه مجرد وهم.
…
تجمدت نظرات “خديجة” نحو التي تصافحها “نورسين” بتودد ثُمّ اتجهت بها نحو السيدة “لطيفة” التي رحبت بها.
نظراتها التي كانت تتوهج بالسعادة أصبحت خاوية…
إنها نفس المرأة التي رأت صورتها بتلك الرسالة المجهولة.
انتقلت بعينيها نحو “خالد” الذي وجدته يصافح البعض.
اقترب “خالد” منها، وقد بَدا عليه الضجر.
– مكنتش فاكر إن هيكون عندي صبر في يوم زي ده…
ثُمّ أردف بعدما اتجه بعينيه نحو “كريم” الذي فهم على الفور نظراته إليه.
– “خديجة” إيه رأيك نطلع أوضتنا لأن مبقتش قادر أتحمل.
نظرت إليه “خديجة” ثُمّ لتلك التي تتجه نحوهم، وقد انتبه هذه المرة على من تنظر.
اقتربت منهم “هيلين” ثُمّ مدّت يدها لتُبارك له.
– مُبَارك لك “خالد”.
صوتها خرج ببحة حزينة تحمل في طياتها الكثير.
صافحها “خالد” بلُطف مُتَقَبَّلًا تهنئتها بود.
– شكرا لكِ “هيلين”.
نظر “خالد” نحو “خديجة” التي كان يعلم بفضولها.
– “خديجة”… هذه “هيلين” كنا زملاء عندما كنت أعمل بأمريكا.
تلاقت عينيّ “خديجة” بها تتساءَل داخلها أبالفعل كانت مجرد صديقة له.
– مُبَارك لكِ.
تمتمت بها “هيلين” التي وقعت عيناها على فعلة “خالد” الذي اجتذب “خديجة” إليه، وعلى وجهه ترتسم السعادة.
– شكراً لكِ.
غادرت “هيلين” حفل الزفاف بعدما ألقت نظرة أخيرة نحو “خالد”.
تتذكر حديثه لها ليلة أمس.
” أصبحت الآن لامرأة أخرى “هيلين”، امرأة أخرى أحبها …
كل ما كان بيننا انتهى في تلك الليلة التي رفضتي فيها أن تكوني معي بوطني”
…
بجناح الفندق الذي سيقضون فيه ليلتهم.
ابتسم “خالد” لها ليُطمئنها بعدما رأي توترها عندما أغلق الباب ورائهم.
التفت حولها وكأنها تبحث عن شيء ضائعاً منها.
– “خديجة”
هتف اسمها برفق لتنظر إليه لكنها استمرت بإشاحة عينيها عنه.
اقترب منها؛ فتراجعت على الفور مما جعله ينظر إليها بدهشة.
– “خديجة” أنتِ ليه متوتره كده…
نظرت إليه أخيرًا، فاقترب منها خُطوة أخرى.
تراجعت على الفور، فنظر إليها ثُمّ تبسم.
– طيب ارجع أنا لورا وأنتِ تقدمي لقدام.
حركت له رأسها، فأغمض عيناه ثُمّ فتحهما وهو يستمع إلى ردها.
– أنا هقرب وأنت تبعد.
– طيب إحنا هنقضيها طول الليل كده يعني.
تمتم بها وهو يقترب منها.. فتراجعت للوراء.
توقف عن تحركه ثُمّ ابتسم بلُطف، وأخرج هاتفه.
– أنا هبعد أهو يا “خديجة”… هسيبك شوية لحد ما تستوعبِي الوضع الجديد.
اتجه نحو الشرفة ليمنحها وقتً ويُهاتف والدته ليطمئن عليها، وعلى “أحمد”.
أسرعت “خديجة” نحو الغرفة ثُمّ أغلقت الباب ورائها.
استمع “خالد” لصوت الباب يُغلق؛ فابتسم وهو يزفر أنفاسه.
أنهى مكالمته مع والدته ثُمّ نظر لساعه يده… لقد أصبحت الآن الساعه الثانية عشر وثلاثون دقيقة.
اقتربت “خديجة” من الفراش الذي تم تزينه ثُمّ التقطت الثوب الموضوع عليه.
رفعته أمام عينيها ثُمّ كورته سريعًا واتجهت به نحو الحقيبة التي أعطتها لإحدى موظفات الفندق لتضعها بغرفتها.
التقطت الحقيبة تبحث عن مبتغاها.
زفرت أنفاسها بتوتر ثُمّ اتجهت لخارج الغرفة لتطمئن أنه مازال بالشرفة.
أسرعت بالتوجه لدورة المياه لتبدأ معاناتها مع زينة وجهها وطرحة زفافها ثُمّ ثوب الزفاف.
نظر “خالد” لساعة يده وهو يجلس على الأريكة بالصالة بعدما أبدل ثيابة… لقد صار الوقت الآن الواحدة صباحًا وعشرون دقيقة.
تعلقت عيناه بـ باب الغرفة يسأل حاله بحيرة.
– معقول بياخدوا الوقت ده كله…
ثُمّ أردف وهو يزفر أنفاسه بإرهاق.
– خمس دقايق وهدخل أشوفها.
انتظر مرور الخمس دقائق بترقب ثُمّ نهض واتجه للغرفة.
نظر هذه المرة لـ باب المرحاض المغلق ثُمّ طرق عليه..
– “خديجة”
قبل أن يواصل حديثه ويسألها إذا كانت تحتاج لشىء وجدها تهتف ببكاء.
– مش عارفه افك رباط الفستان.
ضحك وهو يستمع إلى صوت بُكائها ثُمّ خلل أصابع يده بين خصلات شعره…فهل ستضيع الليلة هباءً من أجل رباط فستان.
– ممكن تفتحي الباب يا “خديجة”.
– ليه افتح الباب؟
تساءَلت بقلق بعدما أسرعت نحو باب المرحاض لتتأكد من إغلاقه بالمفتاح.
– ليه؟!..
تمتم بها ثُمّ دلك جبينه بقوة و أردف.
– عشان اساعدك تفكي رباط الفستان.
أخفضت “خديجة” عيناها نحو فستان الزفاف الذي لم تعد تتحمل ثقله على جسدها.
– هفتح فاتحه صغيرة ماشي.
أراد الإعتراض بعدما أدهشه طلبها لكنه كتم إعتراضه وتمتم بهدوء.
– تمام، افتحي الباب بقى.
فتحت له الباب فتحه صغيرة كما أخبرته…
أغمض عيناه حتى يتمكن من ضبط أنفاسه.
– طيب ممكن نفتح الباب شويه تاني.
مطت شفتيها بإعتراض، فأردف بصبر أوشك على النفاذ.
– متخافيش هفك الرباط وأنا مغمض عينيا.
بنصف عين فك لها رباط الفستان الذي كرهه.
وقبل أن يسألها هل تحتاج شىء آخر وجدها تدفعه ثُمّ أغلقت باب المرحاض بوجهه.
– شكرًا.
مط شفتيه بحنق منها، فهل بالنهاية يحصل على كلمة شكر فحسب.
بالثانية صباحًا إلا عشر دقائق كانت تخرج أخيرًا من المرحاض.
عندما سمع صوت الباب يُفتح استدار إليها وكله توق.
اتسعت عيناه في حالة من الذهول وهو يرى المنامة الحريرية التي ترتديها.
– بيچامة يا “خديجة” !!
قالها بهمس خافت، فتساءَلت وهي تفرك يديها بتوتر.
– هنصلي؟
بصعوبة ابتسم وهو يُلقي نظرة سريعه نحو منامتها.
– هنصلي ونتعشا ونتفرج على فيلم كمان… وممكن نتكلم عن تفاصيل الفرح لأني عارفك بتحبي التفاصيل بزيادة.
– بجد يا “خالد”.
غادر الغرفة قبل أن يخنقها، فهو بحاجة لإستنشاق بعض الهواء.
اتجه إلى الشرفة مرة أخرى ثُمّ أخذ يزفر أنفاسه عاليًا.
عاد إليها بعدما هدأ وقد وجدها تقف في وسط الردهة كالطالب المطيع.
رمق هيئتها بنظرة خاطفة، ثُمّ تمتم برفق.
– خلينا نصلي الأول.
تغللت السكينة روحها بعدما وجدته يمسح على رأسها، ويتمتم بالدعاء ثُمّ وضع قُبلة حانية على جبينها.
ارتعش جسدها عندما طالت قُبلته.
ابتعد عنها بعدما شعر برعشة جسدها ثُمّ تساءَل.
– جعانه.
بالطبع كانت جائعة…
لم يمس هو الطعام لأنه لا يأكل بوقت مُتأخر أما هي أكلت بضعة لقيمات بسيطة.
نظر لها بحنان متسائلاً.
– شبعتي.
حركت “خديجة” رأسها له بالإيجاب، ثُمّ أشاحت عينيها عنه.
تعلقت عينيها بالتلفار.
– خلينا نشوف حاجه في التلفزيون.
كانت تتهرب منه وهو كان يتفهم هذا تمامًا، تقبل الأمر بسعة صدر رغم شعوره بالضيق.
بمجرد أن فتحت التلفاز تذكرت أمر نظارتها… فهي لا تستطيع رؤية ما يُعرض بوضوح إلا إذا ارتدتها، فقد تخلت عن عدسات النظر التي أرهقت عيناها.
تعجب من تحركها نحو الغرفة بتلك الطريقة وقبل أن يتساءَل إلى أين هي ذاهبه جائه صوتها.
– دور لينا على حاجه مسلية.
هز خالد رأسه بيأس، وبدأ بالتنقل بين القنوات إلى أن سمع صياحها به.
– أنا بحب البرامج الوثائقية أوي.
نظر إلى ما يُعرص على الشاشة ثُمّ نظر إليها وقد ضاقت حدقتاه بدهشه من ارتدائها لنظارتها.
جلست جواره على الأريكة، ثُمّ ربعت ساقيها واندمجت مع ما يُعرض.
– مش كفايه كده يا “خديجة”.
تساءَل بنُعاس، فنظرت إليه ثُمّ عادت تنظر نحو شاشة التلفاز.
– لو عايز تنام نام أنت… أنا هتفرج شوية.
– مين قال إني عايز أنام.
نظرت إليه وقد فتح فمه ليتثاءب مرة أخرى.
– البرنامج شكله لسا في البداية… روح نام.
رمقها بمقت من إصرارها على خلوده للنوم ثُمّ عقد ساعديه أمام صدره بضيق.
– مش عايز أنام يا “خديجة”.
عادت “خديجة” لمطالعة شاشة التلفاز ثُمّ بدأت حدقاتِها تتسع شيئًا فشىء.
نظرت لذراعه الذي صار يُحاوط به كتفيها.
التفت إليه بتوجس فوجدته يُطالع التلفاز.
عيناها عادت تتعلق بذراعه الذي يُقربها منه، ثُمّ نظرت إليه مرة أخرى فتساءَل وهو ينظر للتلفاز.
– تفتكري فعلاً بيعرضوا الحقايق التاريخية.
حركت رأسها إليه وقد تناست أمر وجودها داخل حضنه.
– بيتهيألي مافيش حاجة حقيقية مية في المية مهما أكدوا ليك إن دي الحقايق.
تعلقت عيناه بها ثُمّ تمتم بابتسامة تغللها المكر.
– عندك حق.
عادت تندمج مع ما تُشاهده إلى أن تيبس جسدها.
شعرت بأنفاسه قُرب عنقها، ثُمّ بلمسات خفيفة يُحركها على ظهرها.
نظراتها اتسعت وهي تشعر بقبلاته تتحرك ببطئ على بشرة عنقها..
ارتفعت دقات قلبها وهي تُخبره.
– البرنامج لسا مخلصش.
أجابها دون أن يرفع شفتيه عن عنقها.
– ركزي مع البرنامج يا حبيبتي.
استمر بعبثه الذي دغدغ حواسها.
شعرت بيده ترتفع نحو مشبك شعرها، ثُمّ بعدها نثره بيده.
شعرها كان أسود كالليل، ليس بالطويل، ولا بالقصير …، استنشق عبيره الْفَوَّاح ثُمّ عاد يُطبع قبلاته على طول عنقها.
امتدت يده هذه المرة نحو أزرار منامتها، لتتسع حدقاتِها ذهولاً وخوفًا تهمس اسمه بتلعثم.
– “خالد”
ضاعت أحرف اسمه الذي نطقته بجوفه بعدما صارت شفتاها أسيرة لشفتيه.
تأوه خفيف خرج منها عندما شعرت بيده تتسلل أسفل بلوزتها.
أرادت التحرر منه لكنه استطاع بدهاء استدراجها وإغراقها معه في بحور عشقه.
حملها بين ذراعيه، ثُمّ اتجه بها نحو الغرفة تاركًا ورائه شاشة التلفاز تُكمل عرضها للبرنامج.
•••••••••••••
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل الأخير
ضَاقَت عَيْنَا “خديجة” بحِيْرَة و شَكّ بَعْدمَا الْتَقَطْت أُذُنَيْهَا مَا طَلبَتْهُ مِنهُ والدتها “أَلَّا يخبرها بشيء”.
كانت تعلم أنها إذا سألته عَمَّا أرادته والدتها منه لن يُخبرها لذلك أسرعت لغرفتها لتتمكن من مهاتفة شقيقتها لتعرف سبب زيارة والدتها لها اليوم.
تمنت من كل قلبها أن تكون كما أخبرتها…أنها أتت لرؤيتها والاطمئنان عليها.
– عايزه تعرفي “ثريا” هانم كانت عندك ليه؟؟
قالتها “ريناد” بلهجة ساخرة، مما جعلها تتيقن بشكوكها ثُمّ أردفت.
– الناس اللي كانت بتستلف منهم بيطالبوا بفلوسهم لأنهم عرفوا هي بقت دلوقتي حماة مين.
جلست على فراشها تشعر بالاختناق تنظر إلى هاتفها…
تريد مهاتفتها لتسألها لما تفعل بها هذا… لما تريدها أن تشعر بالعار أمامه، ويظن أن زواجه منها له ثمن عليه دفعه.
أغمضت عينيها ثُمّ تمددت على الفراش، وهي تُفكر بالعديد من المحاولات لسداد ديونهم… لا بدَّ من أن تعود لعمل الترجمة مرة أخرى، وتذهب لهؤلاء لتترجاهم حتى يمنحوها بعض الوقت.
شعرت بيده تتحرك على شعرها ثُمّ همس برفق.
– “خديجة” نايمة كده ليه، فيكِ حاجه تعباكِ؟؟
لم تكن نائمة بل كانت مرهقة من الحياة التي تطاردها.
فتحت عينيها ثُمّ اِعْتَدَلَت تنظر إليه.
– أنا مكنتش نايمة.
– أنتِ تعبانه… شكلك أرهقتي نفسك جامد النهاردة عشان تبسطي “أحمد”.
– “خالد” ماما كانت عايزاك في إيه؟؟
تظاهر بالدهشة من سؤالها.
– وهتعوزني في إيه يا “خديجة”… مامتك كانت جايه تزورك..
هزت رأسها إليه بحزن.
– ماما كانت عايزه منك فلوس… بلاش تكذب عليا.
اقتربت منه تترجاه.
– متدفعش حاجه أرجوك… أنا هرجع اشتغل تاني وهسدد الديون.
استدار إليها بعدما أشاح وجهه عنها وقد ألجمه ما تُخبره به.
– تشتغلي عشان تسدي ديون والدتك يا “خديجة” للدرجادي مش عايزانى أشاركك مشاكل عيلتك…
ثُمّ استطرد بنبرة تملكها الغضب.
– كلامك ده إن دل فهيدل إني مش فرد من عيلتك.
اتجهت إليه تقبض على ذراعه لكي لا يغضب.
– أنا مقصدش كده.. حاول تفهمني.
– أنتِ اللي حاولي تفهمي يا “خديجة”… أهلك دلوقتي هما أهلي.. إحنا بقينا عيلة واحدة.
أرغمها على عدم جداله، وألّا تشعر بالخجل بعد ذلك من عائلتها أمامه لأنه اعتبر حاله مسؤول عن عائلتها منذ أن تزوجوا.
الخزي صار -يومًا بعد يوم- كالعلقم في حلقها من أفعال والدتها… عضوية بنادٍ شهير، سيارة لها وراتب شهري تحصل عليه منه.
وكلما كانت تعترض كان رده ” أنّ لا دخل لها”.
….
اليوم هو عُرس “نورسين” و “طارق”…وقد تكلل أخيرًا هذا الحب بالزواج.
– هي كل العيلة دكاترة يا “خديجة”.
قالتها “سارة” وهي تميل نحو “خديجة” التي عرفتها على أقارب زوجها، وهم جالسين على الطاولة.
– شكلك هتخلفي طفل عبقري… ما العيلة كلها نوابغ.
كتم “مازن” صوت ضحكاته بصعوبة ينظر إلى “خديجة” التي تركت أهل زوجها، وأتت للجلوس معهم قليلًا.
– يا بنتِي أنتِ معزومة عشان تجيبي الناس الأرض.
قالها “مازن”، فرمقته “سارة” بنظرة ممتعضة.
– قصدك إن أنا عيني وحشه يا “مازن”.
تمتمت بها “سارة” بدراما بعدما خرجت منها شهقة قوية.
– أنا بقول انتوا الأتنين فكروا ألف مرة قبل ما يتقفل عليكم باب واحد …
هتفت بها “خديجة” وهي تمد ذراعها على الطاوله لتفصل بينهم.
تحولت نظرات “سارة” للوداعه ثُمّ رفرفت بأهدابها.
– بكره هتشوفي قصة حبنا لما تكتمل.
انتقلت نظرات “خديجة” بينهم فرأتهم ينظرون لبعض بنظرات هائمة.
– أنا إيه اللي جابني وسطكم.
أرجعت “خديجة” المِقْعَد للوراء لتتمكن من النهوض بفستانها ذو التنورة المنفوشة لكن “سارة” أمسكت ذراعها لتعيدها مكانها حتى تحصل على جواب سؤالها.
– مافيش حاجه كده ولا كده.
تساءَلت “سارة” وهي تغمز لها وقد أشاح “مازن” عينيه عنهم.
قطبت “خديجة” حاجبيها تُحاول فهم كلامها وسُرعان ما صفعتها على ذراعها.
اتجه “خالد” إليهم بعدما وقعت عيناه على “خديجة”.
توقفت “سارة” عن مشاكسة “خديجة” فور أن رأت “خالد” يتجه نحوهم.
رحب “خالد” بهم بحرارة ثُمّ صافح “مازن” الذي مدّ له يده بترحيب.
– هخدها منكم معلش.
قالها “خالد” بابتسامة، ثُمّ التقط يد “خديجة” واتجه بها نحو بعض معارفه ليُعرفها عليهم بعدما تساءَلت الزوجات عن زوجته.
تعلقت عينيّ “سارة” بهم سعادة… فها هي صديقتها تعيش أخيرًا بسعادة مع رجلاً يثبت لها يوم بعد يوم حبه لها.
…
رغم اعتراض “خالد” على زيجة “ريناد” ونصحه لها إلا أنها وافقت على الزواج من رجل لا يشعر نحوه بالارتياح، وتتردد حوله الأقاويل، بل وصممت على رأيها عندما وجدت والدتها تستمع إلى كلام “خالد” وتوافقه الرأي.
تزوجت “ريناد” وأقامت حفل زفاف باهر يفوق حفل زفاف “خديجة” لتجعل الجميع كالعادة يُقارنون بينها و “خديجة”.
نظرت “خديجة” نحو شقيقتها بعدم رضى، بسبب عُري فستان زفافها.
– هي أختك داخله مسابقه في تبديل الفساتين يا “خديجة”.
تحولت نظرات “خديجة” نحو “سارة” تزفر أنفاسها بثقل.
– خايفه تخسر نفسها وهي بتدور دايمًا على التميز.
هزت “سارة” رأسها بيأس وهي ترمق “ريناد” المحاطة بفتيات يشبهونها.
– اتمني تكون عِرفت تختار.
عادت عينان “سارة” ترتكز نحو “ريناد” فعن أي اختيار تتحدث “خديجة” … فالعريس يرقص، ويصفق و “ريناد” تهز صدرها، وتتمايل وأعيُن الرجال تُحدق بها.
شعرت “سارة” بأن الحديث عن “ريناد” لن يفيد بشيء، فعليهم تجنب النظر لما يحدث.
– قوليلي هتقولي لـ “خالد” النهاردة إنك حامل؟؟
فبعد عام من الزواج، استقبلت اليوم هذه البشارة.
نظرت “خديجة” إلى “سارة” التي أصبحت الآن حاملاً في شهرها الثاني ثُمّ عاد لها التوق لتلك اللحظة التي ستُخبره فيها عن طفلهم الذي ينمو بأحشائها.
عادت “خديجة” من حفل الزفاف بملامح ليست سعيدة، دخلت الغرفة لتجد “خالد” جالساً بغرفتهم، ويتحدث مع كلا من “طارق” و “نورسين” من خلال حاسوبه بأمور العمل؛ فقد تولى “طارق” و “نورسين” فرع الشركة بـ دبي بعدما قرروا الاستقرار هناك.
ابتسم إليها عندما تعلقت عيناه بها، وتعجل في إنهاء محادثته معهم.
تركته يُكمل محادثته دون أن تقترب منه ثُمّ توجهت للمرحاض بعدما التقطت من خزانة الملابس ما ستقوم بارتدائه.
بعد نصف ساعة كان “خالد” يغلق حاسوبه.
أغمض عيناه ثُمّ زفر أنفاسه ونهض.
اقترب من باب المرحاض يسألها بقلق.
– “خديجة” أنتِ كويسه.
آتاه صوتها بهدوء لتطمئنه أنها بخير.
لم يذهب معها “خالد” لحفل زفاف “ريناد” لأنه لم يكن راضيًا عن الأمر وقد طلبت منه ألا يتدخل بحياتها.
ابتعد عن المرحاض ثُمّ تسطح على الفراش منتظرًا خروجها.
بعد دقائق كانت تخرج وهي ترتدي غلالة حريرية ناعمة تُحدد منحنياتها بسخاء.
تعلقت عيناه بها وهي تقف بمنتصف الغرفة بتلك الفتنة التي ستهلكه.
فرد لها ذراعه في دعوة منه لتأتي لحضنه، وعيناه تمتلئ بهما اللهفة عليها، ثُمّ همس اسمها.
– “خديجة”
اقتربت منه وهي تخفي ذلك الشىء الصغير في قبضة يدها.
اجتذبها إلى صدره بعدما صارت أمامه.
– مكنتش فاكر إني هوصل للدرجه دي من الحب.
ابتسمت وهي تستمع إلى حديثه الذي داعب به أنوثتها.
– ولا أنا كنت فاكره إني هعيش السعادة دي… أنت عوضتني عن كل حاجه كانت نقصاني.
دفن رأسه بتجويف عنقها يلثمه.
ضاعت مع عاصفة حبه التي تلاها سقوط المطر.
وقعت عيناه على العصا البلاستيكية التي حررتها قبضتها أخيرًا ثُمّ نظر إليها وتساءَل بنبرة تخللها مزيج من المشاعر.
– أنتِ حامل يا “خديجة”؟؟
…
بعد مرور ثماني أشهر
أصبحت “خديجة” بشهرها الأخير من الحمل.
تعلقت عيني السيدة “لطيفة” بها وهي تراها تُذاكر لـ “أحمد” دروسه.
– متتعبيش نفسك يا “خديجة”…تعالي على الكنبه افردي رجلك.
ابتسمت “خديجة” لها، فهي صارت تعشق والدة زوجها مثلما تعشقه هو.
اقترب “خالد” منهم بإرهاق بعدما عاد من عمله ثُمّ اتجه نحو والدته ليُقبل يدها ورأسها.
تهللت ملامح “أحمد” بسعادة منتظرًا اقتراب “خالد” منه ومنحه قبلته.
– شوفت أنا شاطر إزاي.
قالها “أحمد” وهو ينظر إلى “خديجة” حتى تؤكد كلامه.
– طبعًا يا حبيبي…
ابتسم لها “أحمد” ثُمّ عاد يستكمل كتابة واجباتها.
– أنتِ كويسه؟؟
تساءَل وهو يضع يده على بطنها المنتفخة.
حركت له رأسها بابتسامة يشتاقها في ساعات عمله المنصرمة.
صعد لغرفته ليأخذ حمامه ويبدل ملابسه.
انضم إليهم حيث مكان جلوسهم إلى أن تضع الخادمة الطعام.
اندهش من صوت الجرس الذي يقرع بتلك الطريقة كما اندهشت والدته و “خديجة” وفزع “أحمد”.
هرولت الخادمة لتفتح الباب ثُمّ تراجعت للوراء، وقد خرج “خالد” من غرفة المعيشة وخلفه “خديجة”.
اندفعت “ريناد” إلى الداخل وخلفها “ثريا” ….
هتفت “خديجة” وهي لا تصدق وجود “ريناد” أمامها؛ فقد سافرت مع زوجها لخارج البلاد.
– “ريناد”.
اتجهت “ريناد” نحوهم تشكو لهم ما حدث لها بغربتها.
– ضحك عليا… ضربني لحد ما اجهضت وبعدين رماني… كان منعني أكلمكم…حياتي معاه ضرب وشتيمة.
سقطت دموعها وهي تُخبرهم بمعانتها بصوت خرج متقطعًا ثُمّ حاولت التقاط أنفاسها.
اتجهت “ثريا” إلى “خالد” تهتف به برجاء.
– أنت لازم تعمل حاجه يا “خالد”، لازم تدفعه التمن.
اقتربت “خديجة” من “ريناد” التي انهارت بالبكاء وقد تمزق قلب “خديجة” وهي ترى شقيقتها بتلك الحالة المزرية.
– أنا نصحتها وهي مسمعتش كلامي.. طلبت مني متدخلش في حياتها.
نظرت إليه “ثريا” وهي تعلم أنه على حق.
– عندك حق بس هنعمل إيه اللي حصل حصل.
تركت “ريناد” ذراع “خديجة” التي وقفت جوارها ثُمّ صرخت بها بحقد.
– أنتِ السبب ،أنتِ السبب في كل اللي أنا فيه.
انصدمت “ثريا” من هجوم “ريناد” عليها لتتساءَل.
– أنا السبب يا “ريناد”.
– ايوة أنتِ السبب… أنتِ اللي دمرتيني… كنتِ عايزانى أحقق أحلامك اللي محققتيهاش.
ابتلعت “ريناد” غصتها بمرارة وهي تنظر إلى “ثريا” التي احتلت الصدمة ملامحها.
– لازم تكوني دايمًا حلوة، لازم تخطفي كل الأنظار حواليكِ، لازم تستغلي جمالك… بنت فلانه اتجوزت عريس لقطه..لازم تبصي لفوق يا “ريناد” اوعي تبصي لتحت زي ما انا بصيت.
شعرت السيدة “لطيفة” بالشفقة نحو الفتاة التي لم تتقبلها يومًا بسبب طريقتها المتحررة.
اقتربت “ثريا” منها وهي تشير نحو حالها.
– يعني أنا في الأخر السبب… ده أنا دايمًا كنت مميزاكِ…عمري ما بصيت لأختك ولا اهتميت بيها… أنتِ أنانيه.
نطقتها “ثريا” بقلب ممزق لتصرخ “ريناد” عاليًا بعدما نعتتها بذلك الوصف الذي يليق بها أيضًا.
– أنا أنانية وأنتِ إيه يا “ثريا” هانم…
وقفت “خديجة” بينهم تنظر لزوجها الذي اتخذ دور المتفرج وحماتها التي طالعتهم بنظرة مشفقة.
وضعت بيدها على بطنها تشعر بالاختناق بعدما وضعوها طرفًا بينهم.
– بسببك كرهت أختي، اللي اكتشفتي فجأة إن ليكِ بنت تانيه بعد ما حققت اللي طول عمرك نفسك فيه.
– كفايه.
خرج صوت “خديجة” بصراخ بعدما أعادوا لها ذكريات من القهر، وهي ترى والدتها تعامل “ريناد” بحب، وتميزها لكن هي، وكأنها لم تُنجبها.
اندفع “خالد” إليها بعدما رأي الألم يحتل وجهها يضمها إليه بقلق، وهو يصرخ باسمها.
– “خديجة”
…
بعد مرور أربعة أعوام.
خرج “خالد” للحديقة المزينة احتفالا بمرور عام على ولادة صغيرته.
اتجه نحو والدته التي يجلس قُربها طفله الذي يبلغ من العمر أربع سنوات.
رفع الصغير عينيه نحوه بابتسامة واسعة كشفت عن غمازتيه ووجنتيه المكتنزتين.
داعب “خالد” خصلات شعر صغيره.
– حبيب بابي “كنان” باشا.
تعلقت عينا والدته به وبصغيريه بسعادة ودموع ترقرقت داخل مقلتيها، وقد تمنت لو كانت “نورسين” معهم اليوم لتكتمل فرحتها بأولادها وأحفادها لكن “نورسين” ستأتي بعد شهرين لتضع مولودها الثاني.
السعادة والبهجة صارت تحتل جدران هذا المنزل الكبير.
اتجه “أحمد” نحو “خالد” ليلتقط منه الصغيرة “حور” ليحملها، ويُقبل وجنتيها المكتنزة.
بدأت أفراد العائلة تتجمع وأصدقائهم، وقد جعلوا هذا الاحتفال يضم الأشخاص المقربين لهم فقط.
رحب “خالد” بعمته وبناتها، وقد أتى “كريم” بخطيبته وقد صار الجميع يأمل أن يتوقف عن حياة العبث.
ابتسامة لطيفة و ودودة، استقبل “خالد” بها “مازن” و “سارة” وابنتهم “تالا” التي تبلغ من العمر أربع سنوات.
تساءَلت “سارة” عن “خديجة” التي لم تظهر بعد، فابتسم “خالد”، وهو يحرك عينيه ليبحث عنها.
– شكلها لسا منزلتش، روحي شوفيها يا “سارة”… الناس كلها وصلت وهي لسا بتجهز.
– “خديجة” طول عمرها دقيقه أوي في مواعيدها.
قالتها “سارة” بمزاح فضحك كلا من “خالد” و “مازن” عليها.
تحركت “سارة” بضع خُطوات، وقد تركت ابنتها يدها لتذهب للعب مع “كنان”.
توقفت “سارة” مكانها تنظر نحو “خديجة” التي خرجت للتو للحديقة متجهه إليهم، وقد تعلقت أنظار بعض الموجودين بها.
– أهي نزلت أهي
انتقل “خالد” بنظراته إليها، وقد غادر الملل ملامحه، وتوهجت عيناه ببريق خاص.
ابتسامة هادئة احتلت شفتيه، وتحرك إليها لكن عندما انتقلت أنظار الجميع للجهة الأخرى من الحديقة، وبهتت ملامح “خديجة” استدار بجسده على الفور ليرى سبب شحوب ملامحها.
احتدت عيناه في صدمة، وهو يرى حماته الغالية تدخل، ومعها رجلا يصغرها.
تجهمت ملامح وجهه، وهو يستمع لما تخبره به “ثريا” بعدما انسحبت معه للداخل.
– خطيبك.
تمتم بها “خالد” بصدمة وغضب ثم نظر إلى “خديجة” التي صارت تتوقع أي شىء من والدتها.
– ده في نفس عمري… بتتخطبي لواحد في عمر جوز بنتك.
هزت “خديجة” رأسها بيأس وهي تحتضن طفلتها الصغيرة داخل أحضانها.
– سامعه جوزك بيقولي إيه يا “خديجة”.
دخل “كريم” الغرفة -التي خرجت أصواتهم العاليه منها- ينظر نحوهم.
– ياريت تأجلوا أي نقاش بعد ما الحفلة تخلص.
جذب “كريم” ذراع “خالد”، وسحبه معه بعدما رفض المغادرة مُحاولا إقناعه أن اليوم عيد ميلاد صغيرته، وألا يجعل شيء يعكر صفو سعادته.
– ليه دايمًا مخلياني قدام عيلة جوزي مش عارفه ارفع راسي واتشرف بيكم.
والسؤال الذي سألته “خديجة” كانت تعلم أنها لن تجد له رداً عند والدتها، لأنها لا تبحث إلا عن سعادتها.
تحركت “خديجة” من أمامها، ولوهله شعرت “ثريا” بالضيق، بسبب فعلتها لكنها أقنعت حالها.
– أنا مش هفضل لوحدي، كل واحده فيكم شافت حياتها.
جلس “خالد” قُرب والدته لعله يهدأ.
حركت السيدة “لطيفة” مقعدها المدولب قليلاً لتقترب منه ثُمّ ربتت على كتفه.
– مراتك كويسه بلاش تخليها تزعل وهي شيفاك كده… هي ملهاش ذنب.
رفع عيناه لوالدته ثُمّ نظر أمامه… ليجد عينيّ “خديجة” عالقة به بحزن، وقد وقفت “سارة” قربها تترجاها ألا تكترث.
– قوم يلا خد مراتك وولادك وطفوا الشمع…
كلمات والدته إليه جعل غضبه يتلاشى، ويخمد ضجيج أفكاره.
كاد أن ينهض لكن عينيه وقعت على آخر شيء كان ينقصه اليوم.
“ريناد” تتجه نحوهم، وتتأبط ذراع رجل بفستان قصير.
ركض صغيرة نحو خالته التي يحبها كما تحبه..
وقعت عيناه على سعادة صغيرة بوجود خالته.
العجيب أن “ريناد” التي لا تحب إلا نفسها كانت تحب الصغيرين بصدق رغم أن علاقتها مع “خديجة” لم تتغير.
هز رأسه بيأس ثُمّ زفر أنفاسه بقوة.
– الناس يابني بدأت تزهق… روح يلا لمراتك وولادك.
وقف الجميع يهللون، ويغنون للصغيرة المبتسمة بسعادة رغم عدم فهمها لشيء.
احتضن خصرها بعدما أشار لهم المصور بالاقتراب من بعضهم.
على ذراعه كان يحمل “كنان”، وهي كانت تحمل الصغيرة، ويقف بينهم” أحمد”.
خرج صوتها بهمس خافت بعدما أنهوا إطفاء شمعة الصغيرة وتقبيلها.
– أنا آسفه.
تعلقت عيناه به، واكتفى بنظرة لم تفهم معناها لكنها ظنت أنه غاضب منها.
بعد وقت
وقد التهى الجميع في تناول قطع الحلوى، وأصبحت الصغيرة بين أحضان جدتها “لطيفة”.
سحبها معه لأحد غرف الطابق الأرضي ثُمّ أغلق الباب ورائهم.
احتجزها بينه والحائط بنظرة أرجفت جسدها وقلبها معًا، وتمتم أمام شفتيها.
– أوعي في يوم تفكري للحظة إني ندمان يا “خديجة”، ممكن اغضب أثور عليكِ لكن عمري في يوم ما هندم إني اتجوزتك.
هذه المرة لم تخطف قبلته وحدها أنفاسها، بل جعلتها كلماته ذائبة بعشقه بأنفاس لاهثة بين أمواج عاتية.
تمت بحمد الله.
( سهام صادق & سيمو )
….
[١/١١, ٣:٣٨ ص] سهام صادق: الفصل الرابع عشر
على أحد شواطىء جزيرة زنجبار
وقفت “خديجة” تتأمل زُرقة المياه الصافية.
أرخت جفنيها مستمتعة بصفاء الطبيعة ثُمّ داعبت شفتيها ابتسامة رقيقة بعدما شعرت بذراعيه حول خصرها.
– سرحانه في إيه.
سألها وهو يضمها لصدره ويُحركها بين ذراعيه بخفه.
– سرحانه في كل حاجه.
ابتسامة متلاعبه تراقصت على شفتيه.
– زي إيه؟
ابتسمت ثُمّ خرجت منها تنهيدة طويلة.
التفت إليه لتتعلق عينيها بخاصته.
– سرحانه في السعادة اللي أنا عايشاها معاك.
التمعت عيناه بوميض العشق ثُمّ ابتسم وحرك يده بخفه على وجنتها.
– وأنا مبسوط وأنا شايفك سعيدة يا “خديجة”.
أغمضت عينيها مستمتعه بقبلته التي لم يشهد عليها سوى أجواء الطبيعة.
عادت لمطالعه أمواج البحر تستند على صدره الذي صار موطنها.
حرك خده بخفة على خدها.
– مكنتش فاكر المكان هيكون بالجمال ده.
لقد اقترح عليه هذا المكان أحد أصدقائه… مادحًا له أجواء الطبيعة الساحرة.
– أنا كمان عجبني أوي ونفسي أفضل هنا على طول.
استدارت برأسها إليه تتمتع بالنظر إلى عينيه وملامحه الوسيمة.
– أنا عارف إن اسبوع واحد شهر عسل قليل يا “خديجة” لكن احنا لازم ننزل عشان “طارق”.
ثُمّ ابتسم وهو يتذكر اتصال “طارق” به ليلة أمس يطالبه بالعودة سريعًا ليطلب منه يد “نورسين” رسميًا.
– ده مصدق إن “نور” قالتله موافقه.
– هو بيحبها أوي كده.
– بيحبها من وهي بضفاير.. عينه دايمًا كانت فضحاه، بس الأستاذ كان فاكر إن بابا الله يرحمه أو أنا هنرفض حبه ليها.
ضاقت عيناها في حيرة تتساءَل:
– وليه كان فاكر كده.
رفع وجهها إليه ليداعب وجنتيها بأنامله.
– بسبب الوضع الإجتماعي… جوز عمتي الله يرحمه كان مهندس زراعي معندهوش غير مرتبه
لكن زي ما أنتِ شايفه “نور” دايمًا عايشه في رفاهية…
كانت دلوعه بابا وحاليًا دلوعتي مع إنها كبرت خلاص على الدلع ده.
قالها بابتسامة واسعة وهو يتذكر غيرتها الطفولية، وحاليًا صارت تغير من “خديجة”، ثُمّ أردف بحب.
– كان خايف لنفتكره طمعان في فلوسها أو هي تشوفه أقل منها.
إلتقط يديها وتعلقت عيناه بعينيها، واستطرد.
– راحه الإنسان وسعادته أهم من الفلوس يا “خديجة”.. لأن الفلوس ممكن تتعمل بسهوله، لكن السعاده وإنك تعيشي مع حد يكملك وتكمليه.. صعب تلاقيه…
دمعت عيناها بسعادة وهي تستمع إلى أحرف كلماته التي خرجت بنغم.
– أنا محظوظ إني لقيتك يا “خديجة”
مشاعر جديدة اكتسحت كيانها وقد انسابت دموعها.
كانت مثل صحراء جرداء هطل عليها المطر بعد سنوات عجاف.
امتدت يديه لوجهها مره أخرى يمسح دموعها هذه المرة وقال بلُطف تتخلله الدُعابة.
– النهاردة آخر يوم لينا هنا يا “خديجة”… عاوزة نقضيه دراما ولا نستمتع بكل لحظه فيه.
هزت رأسها له ثُمّ تولت مهمه إزالة دموعها لتؤكد له رغبتها بالاستمتاع بـ اليوم الأخير لهم على الجزيرة.
أفعال جنونيه لم تظن يومًا أنها ستفعلها، حتى هو لم يكن يُدرك أنه يمتلك روح المرح.
توقفت عن الركض لتلتقط أنفاسها وقد اقترب منها يضحك بقوة.
– كل الجري ده عشان مش عايزه تنزلي البحر… أنا مش عارف إيه العداوة اللي بينكم دي.
إنه بالفعل صار مندهشًا بسبب خوفها العجيب من المياه… طيله الأيام الماضية التي مكثوها على الجزيرة امتنعت عن نزول مياه البحر واكتفت بالجلوس أمام الشاطىء ورغم محاولاته الكثيره معها إلا أنها كانت ترفض.
– بخاف يا “خالد”..
عندما رأي دموعها، شعر بالضيق من حاله… ضمها إليه بقوة يُحاول إقناعها للمرة الأخيرة.
– هننزل وأنتِ في حضني.
هزت رأسها له رافضه اقتراحه..
استمروا بالاستمتاع على الشاطىء، والتجول وسط أشجار الجزيرة.
عادوا للكوخ الصغير الذي استأجروه على مياه الشاطئ، يضحكون على أفعالهم.
شهقت “خديجة” بفزع عندما وجدته يحملها بين ذراعيه.
– كفايه لعب بقى.
كادت أن تتحدث لكن وجدته يلتقط شفتيها ويُقبلها بهيام.
عانقته وهو يسير بها نحو الفراش إلى أن استقر بها عليه.
نظر لها قبل أن يعود للغرق بالنعيم الذي صار يحياه بين ذراعيها.
نظراتها إليه جعلته يزداد لهفة وتوق.
ابتعد عنها بعدما نال شهد عُسَيْلَتَها ينظر لفتنة ملامحها.
ضمت جسدها إليه لتستشعر دفئ أنفاسه.
بهمس خافت تمتمت.
– اتقابلنا قبل تلت سنين… مكنتش المرة الأولى اللي اشوفك فيها في المطعم.
– عارف يا “خديجة”.
ابتعدت عن حضنه تتمسك بغطاء الفراش وتنظر إليه بدهشه.
– فاكر قابلتني فين وامتى.
ابتسم وهو يُخبرها بتلك الليلة التي اصطدمت فيها بسيارته عندما غادرت ذلك الحفل الذي ترسخ بعقلها.
– شوفت صورة قديمة ليكِ بالصدفة.
– لو كنت لسا بجسم مليان كنت برضوه هتحبني.
– حبنا ده قدرنا يا “خديجة”….
اجتذبها لصدره مرة أخرى وقد عاد إليه الفضول لمعرفة سبب ركضها تلك الليلة وهي مبللة الملابس.
– ليه كنتِ ليلتها بتجري وكأنك خايفه يا “خديجة”.
داهمتها ذكريات تلك الليلة ثُمّ ازدردت لُعابها.
– لما وقعت في حمام السباحة كلهم ضحكوا عليا..
بالطبع كذبت عليه بتفاصيل تلك الليلة؛ لأنها تُدْرك إذا عَلِمَ الحقيقة سيكره “ريناد” بشدة، وستظل صورة شقيقتها بنظرة دومًا سيئة.
رفع وجهها إليه وقد تفهم الآن سبب خوفها الشديد من المياه.
– عشان كده بتخافي من النزول للبحر يا “خديجة”
هزت رأسها له ثُمّ أغمضت عيناها لتقاوم تلك الرجفة التي احتلت جسدها بعدما عاد ما حدث من هؤلاء يغزو رأسها.
احتواها بين ذراعيه بحنان ثُمّ غمرها بفيض عشقه ليُخبرها أنها الأنثى الوحيدة التي امتلكت قلبه.
…
تلك السعادة التي رأتها السيدة “لطيفة” في أعيُن ولدها الغالي جعلتها تشعر بالرضى نحو “خديجة” التي في أول فطور جمعهم كعائلة واحدة أخبرتها أن تدعوها بـ أمي فقد صارت ابنة لها.
اِقْتَرَبَتْ “خديجة” من غرفة “نورسين” بتردد بعدما شَجِّعْها “خالد” أن تَبْدَأُ بِالمُبادَرَة.
طرقت “خديجة” الباب ثُمّ دخلت الغرفة بعدما أذنت لها بالدخول… التقطت “نورسين” أقراط أذنيها ثُمّ تساءَلت بعدما ظنتها الخادمة.
– دكتور “طارق” وعمتي وصلوا؟؟
تنحنحت “خديجة” حرجًا؛ فاستدارت “نورسين” إليها.
– أنا قولت أجي أشوفك لو محتاجة حاجه.
رمقتها “نورسين” بنظرة خاطفة ثُمّ عادت تنظر لمرآتها ترتدي أقراطها.
شعرت “خديجة” بالخجل لعدم تقبلها تودَّدَها ثُمّ تحركت لتُغادر الغرفة لكنها توقفت عندما استمعت إلى تساؤلها.
– الفستان حلو يا “خديجة”.
ابتسمت “خديجة” ثُمّ استدارت إليها وهي لا تُصدق أنها طلبت رأيها بفستانها، لقد صدق “خالد” عندما أخبرها أن التقرب من شقيقته سهلاً لكن عليها أن تُحاول.
– طالعه زي القمر، دكتور “طارق” مش هيقدر يرفع عينه من عليكِ.
ابتسمت “نورسين” وهي تستمع إلى رأي “خديجة” بها، وقد توردت وجنتاها خجلاً وهي تتخيل نظرات “طارق” إليها.
التمعت عينا السيدة “لطيفة” بسعادة وهي ترى ابنتها أخيرًا ترتدي خاتم خِطبتها.
عيناها انتقلت بين أولادها وهي ترى كل منهما يقف جوار محبوبه وفي داخلها كانت تتمنى لهم أن لا ينتهي حبهم بالطعن والخيانه كما طُعنت من حبيبها ورفيق دربها.
اقترب “أحمد” من “خالد” ثُمّ نظر نحو “خديجة” بنظرة غاضبة.
– خليها تبعد عنك.
اندهشت “خديجة” من تصرفه العدائي نحوها منذ أن أدرك الصغير أنها ستُشاركه في “خالد”.
– “أحمد” عيب كده، اطلب ده من “خديجة” بأدب.
مط الصغير شفتيه بتذمر ثُمّ عقد ساعديه أمام صدره.
– أنا عايز اقف جنب بابي.
قالها الصغير بأدب، كما طلب منه “خالد” الذي كتم صوت ضحكته بصعوبة من تصرفه.
ابتسمت “خديجة” وهي تنظر له بلُطف.
– وأنا أهو بعدت يا سيدي.
ابتعدت “خديجة” بالفعل واتجهت نحو حماتها التي كانت تُطالع المشهد.
جلست “خديجة” قربها تُحاول تجنب نظرات السيدة “نعمة” -عمة “خالد”- لها.
ربتت السيدة “لطيفة” على يدها ثُمّ نظرت إليها بنظرة حنونه.
انتهى التجمع العائلي أخيرًا، الذي تم فيه تحديد موعد عقد قران “طارق” و “نورسين”؛ فـ “طارق” لم يعد يحتمل الانتظار أكثر.
…
اجتذبها بين أحضانه يغرقها بطوفان قبلاته وبين كل قبلة وقبلة -يُلهب بها مشاعرها- كان يخبرها بشوقه إليها.
داعب خدها بأصابعه بعدما ضمها إليه.
– متزعليش من “أحمد” يا “خديجة”.
رفعت وجهها إليه تنظر إليه بنظرة صافية.
– أنا مزعلتش منه، أنا عارفه إنه متعلق بيك أوي.
توهجت عيناه وهو ينظر إليها بعشق، وقد ضاعت الكلمات منه.
دفن وجهه بعنقها ثُمّ عاد يغمرها بحبه.
…
ابتهجت ملامح “سارة” وكأنها طفلة صغيرة عندما اقترحت عليها “خديجة” أن يذهبوا معًا للملاهي.
– هاتِ “مروان” ابن “نورهان” اختك معاكِ يا “سارة”.
– يعني إيه؟ هي الخروجه دي مش لينا لوحدينا…
امتقعت ملامح “سارة”، عندما بدأت “خديجة” تُخبرها أنها تُريد التقرب من الصغير “أحمد”.
– وأنا اللي فرحت وقولت أخيرًا هقدر أخرج طاقتي في حاجه بحبها.
ضحكت “خديجة” على طفولة “سارة”.
– معلش يا “سارة” هنعوضها كتير …ها هتجيبي “مروان”.
امتعضت ملامح “سارة” عند ذكر اسم ابن شقيقتها.
– أنتِ متأكده إنك عايزه “مروان” يلعب مع “أحمد” ويتصاحب عليه… “خديجة” افتكري “مروان” عمل فيكِ إيه قبل كده.
مطت شفتيها باستياء وهي تتذكر ما فعله بها الصغير.
– احنا هنكون معاهم يا “سارة”… وهفهم” مروان” يكون لطيف.
– لطيف!!
تمتمت بها “سارة” ثُمّ حكت ذقنها بإصباعها.
– خلينا نشوف “مروان” هيكون لطيف ولا هيفضحنا.
..
عادت “خديجة” وهي تمسك يد “أحمد” الذي كان سعيدًا للغاية بعدما قضى اليوم بأكمله خارج المنزل.
تعلقت عينا “خالد” بهم واتجه نحوهم… ليسرع الصغير إليه قائلاً.
– أنا و “خديجة” و “سارة” و “مارو” لعبنا كتير وأكلنا آيس كريم.
ابتسم “خالد” وهو ينظر لملامح أخَاه، ولأول مرة يراه بهذا الحماس وهو يقص عليه ما فعله بيومه.
تلاقت عيناه بعينيّ “خديجة” بنظرة ممتنة، التي اقتربت منهم.
– وكمان “مارو” عزمني على عيد ميلاده.
ابتسمت “خديجة” وهي تنظر إلى “أحمد” الذي نظر إليها.
– إحنا هنروح عيد ميلاده يا “ديدا”.
“ديدا” ..
تمتم بها “خالد” بعد مَا قاله “أحمد” الذي تابع حديثه.
– “مارو” و “سارة” بيقولولها كده… وأنت كمان قولها كده.
قهقه “خالد” عاليًا ثم نظر إلى “خديجة” التي ضحكت.
– هنشوف حكايه “ديدا” دي بعدين… يلا يا بطل على اوضتك وهبعتلك الناني عشان تساعدك.
تحرك الصغير لغرفته واتبعته مربيته.
التمعت عينا “خديجة” بسعادة وهي تنظر إلى “أحمد” الذي صعد لغرفته مبتهجًا.
أجتذبها “خالد” إليه بعدما وجد عيناها عالقة نحو أخيه.
– شكل “أحمد” باشا هياخدك مني… وهتتقلب الأدوار وأغير أنا منه يا ست “ديدا”.
ابتسمت “خديجة” بحرج عندما شعرت بيديه تطوقها بحميمية.
حاولت الابتعاد عنه وهي تسأله.
– أنت شايف إنه هيحبني.
اجتذبها “خالد” إليه مرة أخرى بعدما فكت حصار ذراعيه.
– هيحبك أكيد يا حبيبتي زي ما أخوه وقع في حبك.
خرجت نحنحت “ثريا” التي كانت تجلس بغرفة المعيشة مع السيدة “لطيفة” التي أصرت عليها أن تتناول وجبة العشاء معهم.
رمقت “ثريا”، “خديجة” بسعادة؛ فقد استطاعت امتلاك قلب زوجها..
– جيتي أخيرًا يا “خديجة”…
اقتربت “ثريا” منها ثُمّ احتضنتها.
– مقولتليش ليه إنك جايه يا ماما مع إني كلمتك الصبح.
ارتبكت “ثريا” من سؤال ابنتها ولكي تتهرب من سؤالها تساءَلت بحزن مزيف:
– هو أنتِ مش عايزانى أجي بيتك يا “خديجة”… شوفت يا” خالد” يا حبيبي بنتِي بتقولي إيه.
– “خديجة” متقصدش يا حماتي.. متزعليش منها.
رمقها “خالد” بنظرة معاتبه.
– أنا مقصدش يا ماما حاجه بس استغربت إنك مقولتليش.
– كنت عايزه اعملها ليكِ مفاجأة بس الظاهر المفاجأة معجبتكيش.
تعجبت “خديجة” من ردود أفعالها وتقمص ذلك الدور…
والدتها لا تكون بتلك اللطافه إلا إذا أرادت الحصول على شىء.
وقد شعرت بوجود شىء ما بين والدتها و “خالد” عندما طلبت منه أن يرافقها لخارج المنزل بعدما انتهت وجبة العشاء وأردات المغادرة بعُجالة متعلله إن “ريناد” في المنزل بمفردها.
ناولت “خديجة” حماتها كوب الماء ودوائها ثُمّ أسرعت خلفهم لتستطيع سماع أي شىء من حديثهم.
•••••••••