
#هويتُ_رجل_الصعيد
الفصـل الأول (1)
__ بعنــوان “عــزاء” __
“كُنتُ خاليًا حتى أتيتك بهذا القلب؛
قد عاث فيه الغرام ودب الهوي به حتي أهلكه، وطاف به الذنب حتي أغرقه، فإذا أجابتنى سكون عاشقًا وإذا رفضتنى سأتوب عن ذنبي وليشهدك الله أنى عاشقًا رغم كل ذلاتك وصابنى الهوي”
فى وضوح النهار بمحافظة نجع حمادى تحديدًا بمنزل عائلة الصياد فى غرفة مغلقة من الخارج المفتاح بالطابق العلوي، كانت “عليا” امرأة فى نهاية العشرينات تتحرك فى الغرفة ذهابًا وإيابًا بتردد وقلق حادقة بهذا الفستان الأبيض الموضوع أمامها على الجسد الصناعي وتمتم بنبرة خانقة:-
-لا مستحيل.. مستحيل أتجوز الراجل دا
وقفت “عهد” أختها الصغرى ذات الواحد والعشرين عامًا من فوق الفراق لتسير نحو أختها وهى تمسك يدها بلطف وتقول:-
-أهدي يا عليا القلق دا مش هيحل حاجة ولا عصيبتك
مسحت “عليا” وجهها براحة يدها بأختناق شديد ثم قالت:-
-أنا لازم أهرب
-أنتِ أتجننتي يا عليا، أنتِ عارفة اللى بتفكري فيه دا هنا فى الصعيد معناه أيه
صاحت “عليا” بإستياء شديد وهى تتحرك فى الغرفة بحيرة وضيق قائلة:-
-لا أفضل قاعدة لغاية ما المأذون يوصل وأدبس فى جوازة بالإكراه
تأففت “عهد” بضيق عاجزة عن أيجاد حل فى تخليص أختها من هذا الزفاف الأجباري الذي فُرض عليها بالإكراه ثم قالت بحيرة:-
-لا بس برضو مفيش حل عندي، حتى الهرب مش هينفع بالغفر والسلاح اللى برا دا
صمتت “عليا” بضيق مشتاطة غيظًا من هذه المرأة التى تجبرها على الزواج من ابنها بالقوة والإكراه، جلست على حافة الفراش جاهشة فى البكاء بقهرة وحسرة على حالتها مُنذ شهور فقدت زوجها وحبيبها والآن تُجبر على الزواج من أخاه الأكبر بعد أنتهي عدتها بيوم واحد، أقتربت “عهد” من أختها الكبري بشفقة وحزن على حالها لتضمها لها بين ذراعيها طالقة العنان لدموع عينيها فتمتمت “عهد” هامسة فى أذنيها:-
-هتتحل يا عليا.. هحلها
_____________________
قبل 5شهور
على الطريق السريع كان “نادر” يقود سيارته وبجواره تجلس “عليا” تتحدث بتذمر شديد قائلة:-
-أنا مش فاهمة لازمتها أيه تأخدني معاك ما كان كفاية تروح أسبوع العزاء وترجع لوحدك
نظر “نادر” على طفله “يونس” ذات الثلاثة أعوام وهو نائم فى الخلف ثم تحدث بجدية قائلًا:-
-مكنتيش عاوزة تيجى عزاء جدي يا عليا
أجابته وهى عاقدة ذراعيها أمام صدرها وبوجه عابس قائلة:-
-مش المقصد بس أنت عارف كويس أوى أن أهلك مش قابلين وجودى ولا بيحبونى يبقى ليه أروح عندهم
نظر “نادر” لها نظرة لؤم ثم قال وهو يعود بنظره إلى الطريق:-
-هيحبوكي أزاى يا عليا وأنا أتجوزتك من وراهم وبدون علمهم، دا غير أن عمرهم لا شوفوكي، وحتى أبويا وأمى عمرهم ما شافوا حفيدهم هيحبوكي أزاى
تأففت “عليا” بأختناق شديد ثم نظرت للنافذة تنفث زفيرها بضجر ثم قالت مُتمتمة:-
-ربنا يستر من اللقاء دا
وصلت السيارة على الصعيد وتحديدًا أمام بوابة حديدية كبيرة أمامها رجلين من الغفر ثم فتح الباب ودلفت السيارة، ركض أحد الرجال إلى الداخل يخبر أهل المنزل بوصول “نادر” من القاهرة، ترجل “نادر” من السيارة شاب فى نهاية العشرينات بجسد نحيف وطويل يرتدي بنطلون جينز وقميص أبيض اللون يليق ببشرته الحنطية وعينيه الواسعة بدون لحية ويرفع شعره الأسود القصير للأعلى، ثم فتح الباب لزوجته “عليا” المرأة النحيفة جدًا ربما بسبب أتباعها نظام غذائى محددًا أو بسبب ممارستها لرقص الباليه وطويلة إلى حد ما مُرتدية فستان أسود يصل لأسفل ركبتها وبكم ومغلق من الصدر حتى العنق بأزرار وشعرها البنية القصير يصل إلى حافة أكتافها مسدول على الجانبين، تملك زوج من العيون البنية مثل شعرها وبشرة متوسطة البياض
نظرت للمنزل من الخارج وكان ضخم وكبير جدًا لديه مسافة كبيرة إلى حد ما خضراء ما بين البوابة الخارجية والمنزل، فتحت الباب الخلفي ليترجل طفلها الصغير ويمسك بيد أمه فى هذه اللحظة خرجت سيدة فى الخمسينات من عمرها ترتدي عباءة سوداء وتلف حجابها الأسود حول رأسها تقول:-
-ولدى
عانقت “نادر” بحماس وحرارة بين ذراعيها لتدرك “عليا” بأنها “سلمى” والدة زوجها وحماتها التى لم تراها من قبل، أبتعدت عنه وهى تقول:-
-حمد الله على السلامة يا ولدى
قبل “نادر” يدها بحب وأحترام شديد وأثناء إنحناءه رمقت “سلمى” هذه الزوجة بعيني حادة ثم قالت:-
-ولدك؟
نظر “نادر” إلى طفله الواقف بجوار زوجته وأومأ لها بنعم وهو يقول:-
-تعالى يا عليا سلمي على أمى
أقتربت “عليا” ببسمة خافتة لتمد يدها إلى “سلمى” وتقول:-
-أزيك يا طنط؟ كنت أحب بنتقابل فى ظروف أحسن من كدة
لم تُعقب “سلمي” على حديثها ولم تصافحها بل أنحنت لكى ترى حفيدها وتبتسم فى وجهه لتشتاط “عليا” غضبًا من رد فعل “سلمى” وتجاهلها لتحمل طفلها على ذراعيها وكأنها تمنع “سلمى” من الحديث أو معانقة حفيدها تماما كما فعلت معها ….
انتبه “نادر” لما فعلته زوجته فقال بضيق:-
-أمال أبويا فين ونوح؟
نظرت له “سلمى” بهدوء وقالت بعد تنهيدة خافتة:-
-نوح من طلعة النهار وهو برا بيجهز للعزاء وأبوك من ساعة الدفنة مشوفتوش
أومأ لها بنعم ثم استدار إلى زوجته وقال بجدية:-
-أطلعي يا عليا أنتِ وأنا هروح لنوح
كاد أن يرحل لتمنعه “عليا” وهى تمسك ذراعه بقوة وتنظر له بضيق قائلة:-
-أنت بتهزر هتسبنى لوحدي هنا
قبل ان يتحدث فعلت والدته عندما قالت:-
-تعالى يا مرت ولدي متخافيش مهنعضكيش
أربت “نادر” على يدها ثم غادر لتأخذها “سلمي” للداخل وتبدأ النساء فى التجمع حولها وأولهن كانت “فاتن” زوجة عم “نادر” تتطلع بها بذهول وتقول بسخرية:-
-هى دى مرت ولدك يا سلفتي
تحدثت “سلمي” بنبرة قوية غليظة تقول:-
-خليكي فى حالك يا سلفتي لا الوجت ولا المكان مناسب لوسوستك وبخ سمك
أخذتها “سلمي” إلى غرفة “نادر” ثم قالت بإختناق:-
-يُفضل متهمليش أوضتك واصل، إحنا مناجصينش سخرية من الناس علينا
قالتها ثم اغلقت الباب وهى تُتمتم قائلة:-
-مبجاش غير الرجاصة اللى تدخل داري يا نادر
سمعت “عليا” حديثها لتتأفف بضيق شديد وهى تترك طفلها على الأرض ليركض بالأرجاء وهى تشتاط غضبًا وتشعر بإشمئزاز من هذا المنزل وأهله، أقتربت من النافذة لتنظر فى الأسفل وكان هناك حديقة خضراء وبها مكان مخصص للجلوس عبارة عن مظلة خشبية كبيرة وأسفلها طاولة وأريكة كبيرة على حرف L وفى الجهة الأخرى هناك طاولة وكرسي وحيد أسفل الشجرة ووسط تأملها سمعت صوت فتاة من الخلف تقول:-
-دى الجاعدة الخاصة بنوح
استدارت “عليا” بذعر من تواجد شخص فى غرفتها بدون طلب اذن لترى فتاة فى الثلاثين من عمرها ترتدي عباءة سوداء وشعرها الأسود مُصفف على هيئة ضفيرة وتضع حول عنقها حجاب بعيني سوداء وبشرة متوسطة البيضاء، سألتها “عليا” بحدة:-
-أنتِ مين؟ لا لحظة مش مهم، أنتِ أزاى تدخلي كدة من غير ما تخبطي
تبسمت “حورية” بخبث وهى تتطلع بهذه المرأة القاهرية وتقول:-
-أنا حورية بنت عم نادر جوزك
مسكتها “عليا” من يدها بقوة وبدأت تسحبها تجاه الباب تفرغ غضبها بهذه المرأة وهى تقول:-
-كونك بنت عم جوزى ميدكيش الحق تدخلى كدة بالطريقة الهمجية دى
أخرجتها من الغرفة ثم أغلقت الباب فى وجهها، وقفت “عليا” خلف الباب تتكأ عليه وتنظر إلى طفلها الواقف هناك فى أرضية الشرفة، رن هاتفها لتخرجه من الحقيبة وترى اسم أختها “عهد” وصورتها فتنهدت بهدوء تزفر القليل من الغضب والضغط فى التنهيدة ثم استقبلت الأتصال ببسمة تقول:-
-صحي النوم يا جميل
تبسمت “عهد” على اختها وهى تحفظها جيدًا فهى حقًا ما زالت بالفراش رغم أقترب الساعة على الخامسة عصرًا، غادرت الفراش ببيجامة نومها الصيفية عبارة عن شورت قصير قطنى وردي اللون وتي شيرت أبيض عليه فراشات وتتحدث بنبرة صوت مبحوح قائلة:-
-وصلتي الصعيد؟
تبدلت نبرة “عليا” للجدية والحزم تقول:-
-وصلت وحرفيًا مقدرش أكمل يوم هنا، حاسة أنى مش قادرة أتنفس وأمه.. امه سيئة جدًا والخصوصية، تخيلي واحدة دخلت عليا من غير أذن
قهقهت “عهد” ضاحكة على تذمر أختها وهى تدخل المطبخ لتقول ويدها تضع المياه فى غلاية المياه لتجهز مشروب الشيكولاتة الساخنة كعادتها اليومية:-
-عشان بس مش متعودة عليهم ولا على طريقة العيش هناك… المهم هتقعدي قد ايه هناك؟ أعملي حسابك ترجعي قبل حفلة التوقيع بتاعتى لازمي تحضري أنتِ ونادر
تذمرت “عليا” عليها بضيق وهى تقول:-
-شهر ايه، بقولك مش هستحمل يوم أنا هحاول استحمل أسبوع ودا عشان خاطر نادر وبس
تبسمت “عهد” عليها ثم قالت:-
-جدعة يا بنت أمي
دق باب الغرفة بدقات متتالية هادئة فانهت “عليا” الأتصال وقالت:-
-أتفضل
دخلت فتاة أخري تصغر “حورية” وتشبهها جدًا لكنها بعمر “عهد” تقريبًا فنظرت “عليا” لها وتطلعت بها كانت بجسد ممشوق وعيني بندقية واسعة وشعرها المموج مسدول على ظهرها وبشرتها متوسطة البياض وترتدي عباءة سوداء وكعب عالى، تحدث بلطف قائلة:-
-أنا جيت أرحب بيكِ، أنا أسماء بنت عم نادر وخطيبة أخوه نوح يعنى سلفتك المستجبلية
عقدت “عليا” ذراعيها أمام صدرها بغرور وقالت بنبرة غليظة:-
-هو نوح خطب، أصل على حد علمي أنك عاشقاه بس معقول خطب من غير ما يقول لأخوه
عقدت “أسماء” حاجبيها وكزت على أسنانها بحدة وقد تبدل لُطفها وبسمتها إلى غيظ وأشمئزاز لتبتسم “عليا” فى هذه اللحظة وقالت:-
-أبقي أعزمينى على الخطوبة أوعدك أنى هجي.. دا لو حصلت لقدر الله
غادرت “أسماء” المكان غاضبة وقد بنت “عليا” من اللحظة الأولي لها عداوة مع الجميع…..
______________________
وصل “نادر” إلي مكان أخاه مع “خلف” الغفير وكان فى الساحة بعد أن فرش المكان بالكراسي والسماعات ليناديه قائلًا:-
-نوح
أستدار “نوح” له وكان رجل ثلاثيني يكبره ببضع أعوام يرتدي عباءة سوداء اللون وعلى أكتافه عباءة مفتوحة سوداء ويلف عمته البيضاء حول رأسه وجسده القوي عريض المنكبين وعضلات صدره القوية وطويل القامة، لديه لحية خفيفة تحيط وجنتيه وشفتيه سوداء اللون وزوج من العيون السوداء الضيقة وبشرة حنطية، ترك العمال فور رؤيته لأخاه وذهب نحو ليتعانقا وهو يقول:-
-حمد الله على السلامة يا باشمهندس
تبسم “نادر” له وقال:-
-عامل ايه؟ ابوك فين صحيح بدور عليه من ساعة ما وصلت؟
أخذه “نوح” إلي المكتب وهو يقول:-
-ابوك وعمك من ساعة الدفنة وهم فى المكتب مهملهوش واصل…
تبسم “نادر” وهو يقول:-
-عارف أنه مش وقته بس تصدق بالله أنا متحمس اشوف رد فعل ابوك لما يشوف يونس ابنى
توقف “نوح” عن السير بدهشة لينظر لأخيه وهو يقول:-
-هى مرتك وولدك وياك اهنا فى الصعيد
أومأ “نادر” له بعفوية ثم قال:-
-اه، وصلتهم على البيت وجيت
هز “نوح” رأسه بهدوء ثم دخل المكتب ليركض “نادر” نحو والده “على الصياد” ليعانقه بسعادة وحماس بعد غياب طال بينهما وقبل رأسه ويده ثم صافح عمه “حمدى الصياد” وجلس الجميع معا حتى صلاة المغرب وبدأ فى استقبال الرجال لتقديم التعازي لهم فى وفأة الجد “حافظ الصياد”….
____________________
كانت “عليا” جالسة على مقعدها مع النساء فى الأسفل والمنزل يعج بالنساء وحريم البلد، صامتة وهادئة رغم معرفتها بأن البعض تسامرون خلسًا عليها، كانت “حورية” جالسة بجوار والدتها “فاتن” وتهمس فى اذنها:-
-هاين عليا ياما اجوم اجيبها من شعرها على جلة ربيتها دى
أربتت “فاتن” على يدها بخفوت وهى تقول:-
-متستعجليش يا بتى كله بأوانه
تحدثت سيدة بجدية تقول:-
-دى بجى المُدرسة مرت ولدك يا حجة سلمي
أومأت “سلمي” لها بإحراج فى صمت لتتحدث “عليا” بفخر قائلة:-
-أنا مبشتغلش مُدرسة
أعادت السيدة السؤال فى حين أن “سلمي” كادت أن تشتاط غضبًا من هذه المرأة وهى على وشك جلب العار لهم لتجيب “أسماء” بمكر شديد وكأنها ترد لها الأهانة قائلة:-
-رجاصة، بتشتغلش رجاصة يا خالة
أتسعت عيني الجميع بذهول وبدأ يعلو أصوات الجميع فى التنمر عليها فغادرت “عليا” المكان وهى غاضبة وتحاول كبح هذا الغضب لأجل زوجها فقط….
سكنت غرفتها حتى عاد زوجها مساءًا بعد يوم طويل وفور دخوله قالت:-
-أنت جيت، ممكن ترجعنى القاهرة حالاً
جلس “نادر” على الفراش ينزع حذائه وهو يقول:-
-أهدي يا عليا، اهدي يا حبيبتى
جلست جواره وهى تزيد فى الصراخ قائلة:-
-بقولك قوم رجعني بيتى دلوقت حالًا أم هرجع لوحدي
مسح “نادر” على رأسها وقال:-
-الصبح يا عليا على الأقل، راعي يا حبيبتى أنى منمتش بقالى يومين ووقف على رجلى من الصبح، أنام أرتاح والصبح نحلها
تأففت بأختناق فحقًا زوجها مُرهق ومُتعب ويظهر هذا بوضوح فى ملامحه لتؤمأ له بنعم….
أستيقظت صباحًا على صوت صراخ فى المنزل لتفزع من فراشها ولم تجد زوجها فى الجوار وكان طفلها غارق فى نومه، خرجت من الغرفة بتعب ووجه شبه نائم لتنظر بالأسفل من الأعلى لترى “سلمي” تصرخ وتلطم وجهها بحرقة وطريقة هستيرية وتقولى:-
-ولدي… جتلوك يا ولدي
أتسعت عيني “عليا” بدهشة وقد فاقت تمامًا الآن لتُصيبها الصدمة الكبري التى ألجمتها عندما سمعتها تقول:-
-جتلوا ولدي يا فاتن… جتلوا نادر……
سمعتها تلفظ اسم زوجها لتشعر بإنقباض قلبها وبرودته غير مصدقة ما تسمعه، وعدها بالأمس أن يعيدها للمنزل اليوم فكيف غادر هكذا، لم تقوى على تخيل الخبر أو تصدقه فسقطت على الأرض فاقدة الوعي من الصدمة…..
_________________
توقفت سيارة سيدان كحلي اللون فى الطريق ثم ترجلت من الباب الخلفي فتاة ترتدي بنطلون أسود وقميص نسائي أسود اللون وشعرها الأسود مسدول على ظهرها والجانب الأيسر وترتدي حذاء رياضي أبيض اللون ثم أوقفت اول رجل مر من جانبها قائلة:-
-لو سمحت كنت عاوز أروح بيت عائلة الصياد
نظر الرجل لها ثم صاح بنبرة عالية يقول:-
-خالد بيه الأستاذة بتسأل على دواركم
وقف “خالد” من مكانها وترك طاولته على المقهى ليقترب نحوها مُتطلع بها، فتاة فى أوائل العشرينات بعيني ذهبية عسلية فاتحة وبشرة بيضاء وملامح وجهه صغيرة وجسد نحيف جدًا وقصيرة تشبه بجسدها الضئيل هذا فتيات المراهقة ليقول بفضول:-
-أنتِ مين؟
أجابته بحدة قائلة:-
-وأنتِ مالك، أنا بسأل عن الطريق
رفع حاجبه إليها بحدة من ردها الغليظ ثم قال:-
-أيوة عاوزة مين يعنى من عائلتى
تأففت بضيق وهى تنظر للجهة للأخرى بغيظ ثم قالت:-
-أنا عهد أخت عليا مرات نادر
قوس شفتيه بغيظ ليقول ببرود:-
-المرحوم
قالها وفتح باب السيارة الأمامى ليجلس جوار السائق ويرشده على الطريق ليقول بعفوية وهو يتغزل بها:-
-أنا خالد ولد عمه
لم تُعقب بل نظرت بهاتفها وعندما توقفت السيارة أخرجت المال من حقيبتها لتعطيهم للسائق ثم ترجلت من السيارة وهى تنظر إلى المنزل، أخذت نفس عميق ثم قالت مُحدثة نفسها:-
-أسبوع يا عهد أستحملي وبعدها لازم تأخدي أختك وتمشي من هنا
تركها “خالد” ورحل دون أن يُدخلها المنزل فوضعت حقيبة ظهرها على أكتافها وصعدت الأربعة درجات الموجودين أمام الباب…
خرج “نوح” من غرفة المكتب مُنفعل وهو يتحدث فى الهاتف بحدة ويقول:-
-جولتلك ما هنخدش عزاء غير لما نعرف اللى عملها
أغلق الهاتف وتابع سيره إلى الخارج ليرى “عهد” تقف فى ساحة المنزل مُنتظرة أن يظهر أى شخص فى هذا المنزل المهجور تقريبًا، وضع الهاتف فى جيبه وهو يقول بانفعال:-
-أنتِ مين؟
تمتمت بضيق وهى تتطلع به:-
-مش هنخلص من أم دا سؤال
كبحت غضبها ثم قالت بحدة وصوت مسموع:-
-أنا عهد أخت عليا مرات نادر.. أكتبها لكم على رأسي، ممكن حد يقولى أختي فين
صاح بنبرة قوية وهو يمر من جانبها قائلًا:-
-حُسنة يا حُسنة
جاءته الخادمة سيدة فى الخمسينات من عمرها ليقول بحدة:-
-وصلي الأستاذة لأوضة الست عليا
أومأت له بنعم وغادر المنزل، صعدت “عهد” مع “حُسنة” إلى غرفة أختها لتصدم عندما رأتها تتشاجر مع إمراة أخرى وتقول:-
-جدمك جدمك الشوم والنحس، وعزة لا إله إلا الله لو ما طلعتِ من دارى لأكون جاتلكى أنتِ وولادك
هرعت “عهد” إلى أختها الحزينة ذات الجسد الضعيف لتحتضنها وهى تقف بالمنتصف وتقول:-
-فى ايه، مين دى يا عليا
صاحت السيدة بها بغضب قائلة:-
-أنا أم نادر
أغمضت “عهد” عينيها قبل أن تفقد أعصابها على هذه السيدة ثم قالت بهدوء:-
-طب ممكن تهدي يا طنط، الأعمار بيد الله وأختي مش هى اللى ضربت جوزها بالنار وهى موجوعة ومقهورة زى حضرتك تمامًا
دفعتها “سلمي” بقوة من كتفها وهى تقول بصراخ:-
-أخرسي، أنا محدش جلبه محروج على ولدى جدى … أطلعوا برا دارى يا أنجاس أنتوا
قالتها وهى تسحب “عهد” و”عليا” من ملابسهن بالقوة و”عليا” تحمل طفلها الصغير بين ذراعيها وتبكي بحسرة وقلب أفتكت الألم به وفتته من فراق زوجها، أخذتهن إلى الدرج ومعها “فاتن” وفى مشدات الدفع سقطت “عهد” منهن وهى تحاول الإمساك بأختها حتى لا تسقط بطفلها…
كادت “عليا” أن تصرخ بهلع على سقوط أختها لكنها رأت “نوح” يمسك بجسد “عهد”، شعرت بأحد يلتقط جسدها من خصرها قبل أن تسقط لترفع رأسها وتراه هو نفس الشخص الغاضب فأعتدلت بغضب من أفعال هذه السيدة ليقول ”نوح” :-
-بتعملي أيه يا أمى؟ تعالى ويايا
أخذ والدته بعيدًا لتترك ملابس “عليا” وهى تذهب مع ابنها فأحتضنت “عليا” اختها بلطف وذعر أصابها من رؤيتها تسقط هكذا، سار “نوح” فى الرواق مع والدته وهو يقول:-
-كيف تعملى أكدة فى مرات ولدك وام ابنه
جهشت “سلمي” باكية وهى تقول:-
-جلبي محروج يا ولدى
أدخلها غرفتها وهو يقول:-
-يعنى هيعجبك الحال لو خدت ولدها ومشت ومتشوفش ولد ولدك تانى
صمتت “سلمي” بهدوء وهى تفكر فى هذا الحديث، كيف يمكن أن تهرب بحفيدها للأبد لذا قررت أن تجعلها سجينة غرفتها طيلة فترة العدة وتجبرها على الزواج من “نوح” بالقوة….
_________________
عودة للواقع
جلس “نوح” مع والده و”عليا” و”عهد” بغرفة المكتب ومعهم المأذون فى صمت يعم الجميع ليقول المأذون بهدوء:-
-البطايج
أعطاه “نوح” بطاقته الشخصية بوجه عابس وهو لا يصدق بأنه سيتزوج زوجه أخيه بالإكراه وأخرجت “عليا” بطاقة “عهد” الشخصية ليدون المأذون الأسماء ويطبق الصور الشخصية وربما جرت الخطة كما خطط “عليا” وأختها بفضل شرود “نوح” وجلوس “على” بعيدًا فلم ينتبه أحد لصور “عهد” ولا أسمها حتى، بصم “نوح” أولاً ووقع ثم وقف من مكانه ليذهب إلى والده فنظرت “عليا” إلى أختها بترجي لتوقع وتبصم سريعًا قبل أن يعود وبالفعل نجحت “عهد” فى مهمتها ثم تبسمت “عليا” بمكر وهى تقف بصحبة أختها ثم قالت:-
-أنا هروح ألبس الفستان
أخذت أختها وفرت هاربة من أمامهم بعد أن زوجتها له بغباءه وشروده فهو لم ينتبه لذكر أسمها وهو يردده خلف المأذون بوضوح…
فى مساء اليوم بعد نهاية الحفل والزفاف وعقد القرآن، دلف “نوح” من باب غرفة نومه ثم أغلق الباب لكنه صُدم عندما كانت الغرفة فارغة ولم يكن هناك أحد، بحث عن عروسته ولكنها لم تكن هناك…
خرج يبحث عنها فى المنزل ليراها من الأعلي عبر النافذة وهى تركض فى الأرض هناك بين الحديقة تحت ضوء القمر الخافت وهى ترتدي فستان زفافها الأبيض وتتلألأ فصوصه اللامعة مع ضوء القمر ليجز على أسنانه وهو ينزل الدرج…
عبرت من باب المنزل الكبير لتغادره ثم ركضت فى الأراضي الزراعية المحيطة بالمنزل وبين المحاصيل الزراعية بصعوبة وهى تمسك فستانها بيديها الأثنين وذيل فستانها الطويل يُصعب عليها الركض أكثر بإحتكاكه فى الأرض، توقفت تنزع حذاء قدمها ذو الكعب العالي فأرتدائه فى وعورة الأرض هذه تؤلم قدميها وتجرحها، أكملت ركضها بخوف وهى تحاول الهرب بعيدًا قدر الإمكان وتنظر خلفها لتتأكد بألا يوجد أحد وراءها لتصطدم بجسد صلب وقوي لتكاد أن تسقط فشعرت بيد تحيط خاصرتها، لفت رأسها للأمام بهلع لترى وجهه بوضوح فى ضوء القمر بينما أتسعت عيني “نوح” على مصراعيها من رؤيتها فلم تكن هذه زوجة اخيه المتوفي بل كانت “عهد” أختها الصغري…
قشعر جسد “عهد” من رؤيته وقبضه عليها لتفشل محاولة هروبها وشعرت ببرودة جسدها أمام نظرة عينيه النارية، كاد “نوح” أن يصرخ بها وهو لا يفهم سبب أرتدائها لفستان الزفاف لكنه توقف عندما سقطت فاقدة للوعي أمامه ليتشبث بذراعيها قبل أن تسقط تمامًا على الأرض وتأفف بضيق وهو يحملها على ذراعيه فنظر لوجهها ورأسها مائلة للخلف…..
يتبـــــع….
#هويتُ_رجل_الصعيد
الفصل الثانى (2)
____ بعنــوان “زواج” ____
قبل 4 شهور
مر شهر على وفأة “نادر” و “عهد” تعيش في منزل “الصياد” بنفس غرفة أختها وسط معاملة العائلة السيئة لهما وكره الجميع الوضوح لهما، أغلقت “عهد” الهاتف مع صديقتها ودخلت من التراس إلى الغرفة وجلست جوار أختها على الفراش تفكر كيف تخبرها بأنها يجب أن ترحل وتعود بعد أن أجبرت ها “سلمى” على البقاء بحفيدها هنا فترة العدة، تنحنحت “عهد” بلطف ثم تحدثت بحيرة قائلة:-
-عليا أنا عندى كلية ودراسة وإمتحانات
نظرت “عليا” لها بحزن وهى تعلم بأن مستقبل أختها هناك فقالت:-
-أنا عارفة
حسمت “عهد” شجاعتها وقالت بلطف:-
-أنا لازم أرجع القاهرة يا عليا، أنا ماضية شرط جزاء للدار وحفلة التوقيع بكرة في الإسكندرية وإمتحاناتي في الكلية الأسبوع دا
أومأ “عليا” لها بحزن قائلة:-
-ماشي وخلى بالك من نفسك يا عهد
تبسم “عهد” بلطف لها ثم جمعت أغراضها في الحقيبة لكى تعود للقاهرة وحدها تاركة أختها وابنها هنا مع أهل زوجها المتوفى، كانت تسير في الحديقة وتتحدث في الهاتف مع مؤظفة الدار الغاضبة وتقول:-
-يا أستاذة عهد عشان ننهى النقاش دا يفضل حضرتك بكرة الساعة 2 تكوني في الإسكندرية
تحدثت “عهد” بنبرة غليظة ووجه عابس:-
-أكيد
أنهت الأتصال معها ثم أستدارت لترى “خالد” واقف خلفها مبتسمة ثم قال:-
-أنا مكنتش أعرف أنكِ مشهورة
ردت عليه بنبرة غليظة مُشمئزة من الحديث معه تقول:-
-شكرًا
مرت من أمامه لكى تغادر فأستوقفها وهو يمسك معصمها بلطف ويقول:-
-أستنى هبابه خلينا نتحدد سوا
نظرت ليديه ثم جذبت يدها من قبضته بقوة وهى تقول:-
-وأنا مش عاوزة أتكلم معاك
دخلت للمنزل بضيق وهى مُشمئزة من هذا الرجل ومن وجودها في الصعيد، تبسم “خالد” وهو ينظر عليها أثناء مغادرتها ثم تمتم قائلًا:-
-يخربيت جمال بنات مصر
____________________
كان “نوح” جالسًا في مكتبه بداخل المحجر شادرًا في أفكاره وهو يفكر في قاتل أخيه، وقف من مكانه وهو يسير في الغرفة بحيرة وعقله بعالم غير العالم حتى أنه لم ينتبه إلى فتح باب المكتب ليقطع شروده عندما شعر بيد تلمس ظهره ألتف ليجد “أسماء” ابنه عمه فنظر إليها وإلى باب المكتب المفتوح وهرع إليه لكى يغلقه وهو يصرخ بها قائلًا:-
-أنتِ اللى جابك أهنا؟
وضعت يدها على كتفه بدلال لتقول بنبرة ناعمة:-
-أتوحشتك يا نوح بجالك شهر مبتعودش الدار ولما بتعاود بتكون متأخر وتطلع مع طلعة النهار
أبعد يدها عنه ثم قال بجدية وحزم:-
-ليكون لازم أخد الأذن منك
تنهدت “أسماء” بحزن مصطنع وتنظر بعينيه بترجي لتقول:-
-وبعدين يا نوح هيفضل قلبك حجر أكدة لحد ميتى، أنا عملت كل حاجة عشان أعجبك وأرضيك
أستدار يعطيها ظهره بأختنا وقال ببرود سافر:-
-ولحد ميتى هفضل أقولك أن الحب مش عافية يا بنت عمى، وأنا مشايفكيش غير بنت عمى وبس زى خيتى تمامًا ريحى حالك وبطلى تتعبي قلبك وتجيب له العذاب
أشتاطت غيظًا من حديثه وهو يرفض مرة جديدة كالسابقة ودومًا لتصرخ به قائلة:-
-ما هو لو في واحدة في حياتك كنت جولت أنك عاشج لكن أنت بطولك أكدة ولا تكون ناوى تتجوز رجاصة كيف أخوك
عقد حاجبيه بضيق وأشتاط غضبًا من حديثها ليستدير وهو يمسكها من يدها بقوة ويقول بحدة صارمة:-
-غورى من وشي يا أسماء جبل ما صبري يخلص عليكِ
طردها من الباب ليرى “عطية” صديقه يدخل الباب فنظر إلى “أسماء” الغاضبة وهى تغادر بوجه غليظة وشاحب فقال بمرح:-
-وبعدهالك يا ولد الصياد
تمتم “نوح” بضيق وهو يقول:-
-تعال يا عطيه
دلف “عطيه” معه إلى داخل المكتب وهو يقول:-
-طب والله عندها حج، ما تجوزها يا نوح البنت بتحبك وعاوزك وأنت مش عاشق غيرها يعنى
رفع “نوح” نظره إلى صديقه بإختناق وضجر من حديثه ثم قال:-
-جواز أيه ونادر مفاتش على جتله شهر مش قبل ما أجيب اللى جتل أخويا
أقترب “عطيه” منه بخبث ثم سأل بهمس:-
-وبعدها هتتجوز أسماء
تنحنح “نوح” بإحراج ثم قال وهو يقف لكى يغادر:-
-ربك يسهل يا عطية
____________________
جمعت “عهد” حقائبها ووقفت أمام أختها ببسمة حزينة لفراقها ثم قالت:-
-حاولى تهربي من هنا يا عليا أنتِ اللى كان بيربطك بالناس دى مات، أنتِ دلوقتى حرة
عانقتها “عليا” بضعف وحب وهى تمسح بيدها على مؤخرة رأس أختها ثم قالت:-
-خلى بالك من نفسك يا عهد وأنتِ بتسافرى من الإسكندرية للقاهرة وركزي في إمتحاناتك دى
تبسمت “عهد” بلطف في وجه أختها وهى تسلل من عنقها لتتقابل أعينهما ثم قبلت “يونس” من يده وقبل أن تخرج من الغرفة، دق باب الغرفة ودلفت “حُسنة” لهما تقول:-
-الفطار جاهز
أخذت “عليا” أختها من يدها وتركت “يونس” في الفراش نائمًا ونزلا معًا، كان “على” جالسًا بمقدمة السفرة وجواره زوجته “سلمى” و”نوح” بجانبها في الجهة الأخرى كا يجلس “حمدى” وزوجته “فاتن” ثم “خالد” وجواره “أسماء” ، تنهدت “عليا” بخفة ثم جلست هي وأختها جوار “نوح” وكانت “عهد” مقابل “خالد” وجوار “نوح”..
تناول الجميع فطارهما في صمت وكانت “عهد” تنظر في هاتفها بيدها الأخرى مُحاولة البحث عن سيارة أوبر تنقلها إلى القاهرة فهتفت “عليا” بلطف قائلة:-
-كُلى يا عهد، أنا هديكى عربية نادر تسافرى بيها
صاحت “سلمي” بانفعال شديد وهى تترك الملعقة من يدها قائلة:-
-واا ومين جالك أنى هوافج أن عربية ولدى تطلع من أهنا
تحدثت “عليا” بغضب سافر فهذه العربية ملك لها بعد وفأة زوجها هي وابنها الوريثين الوحيدان له قائلة:-
-أنا حرة في أملاكى ودى بتاعتى دلوقت حتى لو هولع فيها
تحدث “على” بنبرة هادئة وهو يتناول طعامه :-
-خلاص يا حجة همليها تعمل اللى عاوزاه
صاحت “سلمى” بانفعال قائلة:-
-جولت لا يعنى لا
كاد “عليا” اأن تصرخ لتمسك “عهد” يدها بلطف تمنعها من الحديث ثم قالت بخفة:-
-خلاص يا جماعة، خلاص يا عليا أنا مبعرفش أسوق أصلًا هطلب عربية وخلاص
تحدث “خالد” بنبرة ناعمة يغازلها قائلًا:-
-متتخانجوش يا جماعة، أنا هوصلها للقاهرة بنفسى
كان يتحدث وقدمه تلمس قدمها من أسفل السفرة لتفزع “عهد” من مقعدها بهلع من لمسه لها ليسقط كوب الشاي الساخن على “نوح” وهى تقف، نظرت لـ “نوح” بقلق وقالت بخجل:-
-أنا أسفة
قالتها وركضت بهلع إلى الأعلى لكى تغادر بأسرع وقت ممكن، لم تنتظر صعود أختها لتأخذ حقيبتها وتضع حقيبة ظهرها على كتفها وغادرت المنزل قبل أن يأتي “خالد” لها مرة أخرى، ركبت توكتوك من أمام المنزل ليأخذها إلى الموقف العام وهى لم تنتظر السيارة الخاص، سارت وسط الزحمة تبحث عن ميكروباص ذاهب إلى القاهرة أو الإسكندرية، أقترب بعض الشباب يتغازلوا بها وهى تحاول الفرار بعيدًا، توقفت سيارة رباعية الدفع سوداء أمامها ثم فتح الباب وترجل “نوح” منها ليقترب نحوه وفور أقتربه رحل الشباب بعيدًا يتحدث أحدهم بخفوت:-
-تعال يا عم إحنا مش جد نوح الصياد
سمعتهم “عهد” فنظرت إلى “نوح” بصمت وتعجب لظهوره الآن في هذا المكان ففتح باب السيارة الأخر وقال:-
-أطلعى
نظرت له بخجل ثم إلى الموقف بحيرة لكن ركوبها سيارته أفضل بكثير لسيارة الميكروباص، ثم صعدت ليضع “نوح” حقيبة سفرها في المقعد الخلفى وركب إلى مقعد السائق لتقول:-
-مش عاوزة أتعبك
أجابها “نوح” بنبرة هادئة ليقول:-
-مفيش تعب أنا كدة أو كدة مسافر إسكندرية هنزلك أقرب مكان ليكي
تبسمت “عهد” بعفوية وهى تلتف بجسدها له وتتكأ بظهرها على الباب وقالت بحماس:-
-ينفع أتعبك طيب وتوصلنى إسكندرية
نظر لها بتعجب ثم نظر إلى الطريق وهو يقول:-
-إسكندرية مش القاهرة؟!
أومأت له بنعم وهى تقول:-
-أه عندى شغل هناك ضرورى
أومأ لها بنعم وركز في قيادته وهاتفها لا يتوقف عن الرنين وأستقبالها للاتصالات المتتالية، رن هاتفها باسم موظفة الدار لتنهدت بضيق قبل ان تجيب عليه ثم أستقبلت الاتصال لتسمع صراخ ووصل صوت الموظفة إلى أذن “نوح” فقالت”عهد”:-
-قولتلك هكون عندك الساعة 2 مفيش داعى لكل الغضب دا
-أعذرينى في الكلمة بس حضرتك مستهترة
أغمضت “عهد” عينيها باختناق تكبح غضبها ثم قالت:-
-أنا ممكن مجيش على فكرة وكل واحد وواحدة أشتروا تيكت للحفلة يثور عليكم بس أنا مش حابة أعمل أذية لحد ومتتصليش تاني
أغلقت الهاتف تمامًا ثم نظرت للنافذة ودمعت عينيها بحزن من إهانة هذه الموظفة لها، أنتبه “نوح” على حزنها وغضبها المكبوح بداخلها الذي تحول لدموع واضحة رأها في المرآة الجانبية للسيارة فضغط على زر النافذة يفتح لها الزجاج لتنفث عن غضبها في الهواء الطليق دون ان يتفوه بكلمة واحدة، نظرت “عهد”إلى زجاج النافذة وهو يُفتح لتنظر إلى “نوح” وهو ينظر إلى الطريق، لم يُفضل النظر لها في موقف كهذا ويرى ضعفها، أوصلها إلى المكان المحدد لإقامة الحفل ثم ترجلت وهى تقول:-
-متشكرة جدًا تعبتك معايا
هز رأسه لها ثم غادر، دلفت إلى الغرفة المُحددة وكانت صديقتها “ليلى” في أنتظارها بملابس جديدة لأجلهاوفور رؤيتها هرعت إليها تقول:-
-أخيرًا يا عهد، يلا معندناش وقت لازم تغيرى هدومك بسرعة
تذكرت “عهد” حقيبتها التي تركتها بسيارته لتصرخ بهلع:-
-شنطتى؟
قصت “عهد” لها ما حدث لتقول “ليلى:-
-مش وقت فاضل ساعة وتكونى على المنصة بدلى هدومك دلوقت وبعدين نشوف موضوع الشنطة دا
___________________
تذكر “نوح” الحقيبة فنظر للخلف لير حقيبتها في سيارته، نظر في ساعة يده وكان متأخر على موعده فأكمل طريقه إلى الفندق
___________________
كانت “عهد” جالسة على مقعدها وأمامها طاولة زجاجية موضوع عليها كتابها الصادر عن نجح العلاقات وتوقع للجميع على النسخ الخاصة بهما وأحدهم يُقدم لها باقة ورود وهدايا لتستلمها “ليلى” صديقتها ومديرة أعمالها، وقفت “عهد” من مكانها لتصعد على المنصة وتبدأ تتحدث عن الكتاب والعلاقات البشرية بجدية لتتوقف عن الحديث بدهشة أحتلت وجهها عندما رأت “نوح” يقف هناك بهيئة غير هيئته كان يرتدي بدلة رمادية وقميص أسود ويرفع شعره الأسود للأعلى لأول مرة تعلم لون شعره، أشاحت نظرها عنه بخجل وأرتباك من أنظار الجميع ثم أنهت حديثها ونزلت الدرجات وهى تبحث عنه لكنه أختفى فقالت مُتمتمة:-
-معقول تهيوات ..
أقترب منها مجموعة من الطلاب يقدمون لها النسخ لكى توقعها فتبسمت “عهد”إلى وجوهم وتوقع لهم بقلمها ليُقدم لها أحدهم باقة من الورد الأبيض ويقول:-
-إحنا بنحبك أوى
تبسمت “عهد” لهما وهى تقول:-
-وأنا كمان عن أذنكم
خرجت من القاعة حاملة باقة الورد في يدها وتتحدث مع “ليلى” الحاملة للهدايا الكثيرة، وقع نظرها على “نوح” وهو يقف أمام سيارته بأنتظارها فقالت بعفوية:-
-خلاص روحى أنتِ العربية وحطي الهدايا وأنا هحصلك
تقدمت نحوه ليعتدل في وقفته وهو يراها قادمة مُرتدية بدلة نسائية حمراء وحول خصرها النحيف حزام من ماركة فالنتينو أسود عريض وحذاء أسود بكعب عالي وشعرها مسدول على ظهرها، تبسمت بخفة وهى تقول:-
-أسفة عارفة أنى تعبتك المرة دى بجد
أخرج الحقيبة من سيارته ثم قال:-
-ولا يهمك
أخذت الحقيبة ونظرت له بعفوية مُبتسمة بإشراق لتقول:-
-أنا في الأول معرفتكش
نظر لها بصمت لتسرع في الحديث قائلة بإحراج:-
-مش قصدى حاجة والله بس شكلك أتغير شوية
أومأ لها بنعم ثم غادر لتتأفف بضيق من بروده وصمته الدائم فهى ظلت شهر في منزله ولم تسمع صوته إلا مرات قليلة أثناء حديثه مع والدته ولم يخاطبها مباشرة ولا مرة واحدة…
صعد السيارة بجوار “ليلى” لكى تعود إلى القاهرة تستعد إلى جولة طويلة في الإمتحانات النهائية لسنة قبل الأخيرة في كلية الإعلام…
___________________
“منزل عائلة الصياد”
كان “حمدى” جالسًا على الأريكة ويشرب النارجيلة ويسمع أغاني عبد الوهاب، أقتربت “فاتن” منه وهى تقول:-
-أموت وأعرف جايب البرود دا منين، يا راجل أخوك وابنه هيكوشوا على الورث كله
نفث الدخان من أنفه ببرود سافر وهو يرفع قدمه الأيسر إلى الأريكة ويضع يده على ركبته بخبث وهو يقول:-
-أنتِ متعرفيش حاجة ومالكيش غير في حديد النسوان اللى جاعدة وياها طول النهار ومتعرفيش أهنا في أيه
قالها وهو يشير إلى رأسه بفخر ومكر شيطاني، أربتت “فاتن” على يده بغرور وقالت:-
-بكرة تشوف يا سبع الرجال اللى أخوك ونوح ولده هيعملوا وهيطلعوك من كل دا حافي يا سبعي
وقفت من جواره لكى تغادر الغرفة مُشتاطة غاضبة وتقول:-
-أنا طالعة رايحة لدار حورية أشوفها وأشوف حماتها اللى جرفاها في الحياة دى
خرجت من الغرفة لتتركه كما هو فأخرج هاتفه بعد أن تأكد بأنها غادرت وأتصل بأحد يقول:-
-عاوز أشوفك بعد ساعة …
____________________
أنشغالت “عهد” في الدراسة والإمتحانات وكتابة الكتاب الجديد، وأيام تنشغل في حلقات الإذاعة في الردايو رغم كونها طالبة في كلية الإعلام لكن بعلاقتها مع أحد الأساتذة بالكلية، عملت بالإذاعة منذ عامها الدراسي الأولي وأصبحت صاحبة برنامج من أشهر البرامج في الإذاعة وأهتمامها بالكتب وقناتها الخاصة على اليوتيوب التي تقدم بها محتوى خاص بالكتب والتعامل في العلاقات، وكل هذا أختها سجينة في الصعيد وحجتها أن تكمل عدتها حتى اليوم جمعت ملابسها في حقيبة وطفلها جالس على الفراش ويحمل هاتفها يشاهد أغاني الأطفال ليفتح باب الغرفة ودلفت “سلمى” بغضب لترى ما تفعله فسألت بجدية:-
-أنتِ بتعملي أيه يا مرت ولدى
أجابتها “عليا” بجدية وهو تضع الملابس في الحقيبة دون النظر لها قائلة:-
-زى ما حضرت شايفة بلم حاجاتى عشان أمشيوأظن العدة خلصت النهاردة
عقدت “سلمي” ذراعيها امام صدرها بغرور وقالت:-
-مين جال أنك هتمشي من أهنا
أعتدلت “عليا” في وقفتها بهدوء ثم تنهدت بخفوت قبل أن تفرغ غضبها الذي تحملته هذه الفترة هنا لتقول:-
-حضرتك قولتي أقضي العدة هنا عشان الناس وعشان وعشان.. وأهى العدة خلصت أنا عندي شغل وحياة هناك
حملت “سلمى” الطفل بقوة لتقول:-
-عاوزة تمشي يبجى تمشي لحالك ولد ولدى مهخرجش من اهنا
أتسعت عيني “عليا” على مصراعيها بذهول لتقترب كى تأخذ طفلها منها بالقوة وهى تصرخ دون أهتمام لأحترام هذه السيدة قائلة:-
-أنتِ بتقولي أيه؟ أدينى ابنى
دخلت “فاتن” و”أسماء” على صراخهما وشجارهما وهم يقفوا في صف “سلمى” ويدفع “عليا” خارجًا وحدها بدون طفلها حتى أخرجوها من المنزل كاملًا لتعطي “سلمى” الطفل إلى “أسماء” وقالت بجدية وغضب:-
-عاوزة تعيشي ويانا ويا ولدك يبجى معندكيش غير حل واحد انك تتجوزى من ولدى نوح غير أكدة مهتشوفيش ولدك تانى واصل
أتسعت عيني “فاتن” وأسماء” عاشقة هذا الرجل فهم وقف معها لأجل أرضائها كى توافق على زوج “أسماء” من “نوح” ليس أن تزوجه من أخرى، نظرت “عليا” لها بصدمة قاتلة وهى تقف مكانها خارج باب المنزل فهذه كانت خطتها من البداية أن تسجنها هنا حتى تنتهى العدة وتزوجها من ابنها الأخرى، نظرت “عليا” إلى طفله الباكي هناك بين يدي هؤلاء النساء…
__________________
وصلت “عهد” للصعيد رغم الخوف الكامن بداخلها من هذه العودة ووجود “خالد” هذا الرجل المتعجرف الذي يعاملها معاملة مقززة لكنها جاءت مُلبية طلب أختها في إنقاذها، أخذتها “حُسنة “إلى غرفة “عليا” وكان الباب مغلق عليها من الخارج كسجينة وعندما دخلت أغلقت “حسنة” عليهما مرة أخرى..
__________________
أشتاط “نوح” غضبًا من حديثهما وهو لا يصدق ما يسمع وطلب والدته فقال:-
-جواز أيه يا أمى؟ ما تتحدد يا أبويا
تنهد “على” بهدوء وهو جالس على المكتب ليقول:-
-أسمع كلام أمك يا نوح ولا عاوز البنت تأخد ولدها ومنشوفهوش تاني
كز “نوح” على أسنانه بأختناق وهو يقف من مكانه ويسير بعيدًا ثم قال:-
-يعنى عشان حفيدكم اللى هو كدة كدو حفيدكم ومحدش يجدر ينكر دا تضحوا بيا وبسعادتى
وقفت “سلمى” أمامه ثم وضعت يدها على وجنته بلطف وقالت بعيون دامعة ونبرة خافتة:-
-ليه بتجول أكدة يا ولدى، أنت من البداية ناوي متتجوزش ومفيش واحدة عاجبك، أكتب عليها وخليها مرمية في أوضتها ولا أكنها موجودة بس تكون على ذمتك يا ولدى
صمت ولم يعقب على هذا الحديث فالجدال به لا جدوى منه ستنفذ والدته ما تريده…
___________________
فتح “نوح” باب غرفته بساعده وهو يحملها فاقدة للوعى ثم دلف وأغلقه بقدمه، وضع “عهد” على الفراش برفق وتطلع بوجهها الملاكي قليلًا، لا يفهم سبب أرتدائها فستان زفاف أختها، أخرج علبة السجائر من جيبه وهو يقف في الغرفة لتسقط منه ورقة فنظر لها وكانت صدمته الكبرى عندما رأى اسمها جوار اسمه لتصبح زوجته فنظر للخلف وهو يغلق قبضته على السيجارة يفتتها بقبضته القوي، تطلع بها وهى في فراشه نائمة وفستانها الضخمة يملأ السرير، ظل جالسًا طيلة الليل على الأريكة حتى أذان الفجر فذهب للمسجد كى يصلي وعندما عاد رأها جالسة على الأريكة غاضبة وفور دخوله صاحت بأنفعال:-
-أنتِ بتقفل عليا وحابسنى فاكر نفسك مين
أجابها وهو يقترب نحوها حتى وصل أماها وينظر في عينيها وقال بلهجة ثابتة:-
-جوزك!! مش عاملتي بطلة شجاعة عشان أختك
تحاشت النظر له بصمت فهو على حق هي زوجته برغبتها وبكل قوايها العقلية، جلس على الفراش ينزع عمته وهو يقول:-
-بس عندي سؤال أزاى واحدة زيك بشهرتك وناجحك دا توافج تتضحي بمستجبلها عشان بس أختها
أجابته بنبرة هادئة وهى تسير بصعوبة من فستانها قائلة:-
-عشان كل نجاحي دا وشهرتي بفضل أختى وعشان هي اللى صرفت عليا كل تعبها وفلوسها وجهدها عشان أوصل لدا، عشان مقدرش أشوفها بتتوجع كدة وأسكت
نظر لها وهى تجلس على الأريكة وتأخذ مناديل من فوق الطاولة وتحاول جاهذة تنظيف قدمها من الطين وجروحها، تعجبت بدهشة عندما رأته يجلس على ركبته ويأخذ المنديل من يدها يداوي جرح قدمها بيديه فنظرت له بدهشة بينما هو ينظر إلى قدمها المليئة بالجروح وقال بهمس:-
-نصيحة منى متحاوليش تهربي من هنا لأنك فكل مرة هتفشلي لولا وجودى هناك كان الغفر هيجتلوكي لأن دا الأمر اللى عندهم
أتسعت عينيها وهى تسحب قدمها من يده ليرفع نظره إليها فقالت:-
-وأنا هعيش هنا ؟!
وقف “نوح” من أمامها وقال بجدية:-
-مش دا أختيارك
تنهدت بتعب وأختناق تنهيدة مليئة بالخذلان واليأس ثم نامت على الأريكة في صمت
______________________
في الصباح كانت “أسماء” واقفة أمام باب غرفته وقلبها يشتعل غضبًا وغيرة وهى تعلم بأن حبيبها بالداخل مع امرأة أخرى، بدأت تسير أمام الباب ذهابًا وإيابًا وتضرب يدها بالأخرى حتى أربتت “حُسنة” على ظهرها وهى توقل:-
-واجفة أكدة ليه؟
صاحت “أسماء” بها بأنفعال وكأنها تفرغ غضبها بهذه المرأة قائلة:-
-وأنت ش مالك ما تغورى من وشي يا ست أنتِ
أبعتدت ”حُسنة” عن باب الغرفة وقالت:-
-طب عن أذنك أكدة عشان أصحي العرايس
طرقت على باب الغرفة بخفوت..
أستيقظت “عهد” على صوت طرقات الباب ودهشت عندما وجدت نفسها في الفراش لتبحث عنه ولم تجده فنزلت من فراشها وهى تمسك الفستان بيديها وشعرها مسدول على ظهرها والجانبين وقبل أن تفتح الباب، فتح باب المرحاض وخرج “نوح” مُرتدي عباءة بيضاء اللون، أبتعدت عن الباب قليلًا ليُفتح هو فقالت “حُسنة:-
-الفطار جاهز يا يبه
رأى “أسماء” تقف خلفها غاضبة وهو يعلم جيدًا سبب غضبها ونظراتها النارية هذه لتتسع عينيها بصدمة قاتلة عندما رأت “عهد” بالداخل بفستان الزفاف وليست “عليا”……
يتبــــــع….
#هويتُ_رجل_الصعيد
الفصل الثالث (3)
__بعنـــوان “مُتــــرصـد”__
كان الجميع جالسون في الساحة ينظرون إلى “عهد” الواقفة خلف ظله بإحراج بعد أن خدعت الجميع، تحدث “حمدى” بنبرة ساخرة وهو يضع قدم على الأخرى قائلًا:-
-معجول يا حج حمدى تتخدع أنت وولدك ومن مين من أصغر رأس حتة عيلة
قطعته “عهد” بنبرة غليظة وهو يسبب الإهانة لها :-
-أنا مش عيلة
نظر “نوح” لها بعيني ثاقبة وهو يقف أمامها لتصمت وهى تتذكر حذره لها قبل نزوله بأن تلتزم الصمت تمامًا، تحدثت “سلمي” غاضبة من هاتان الأختين وهى تقول:-
-وعشان أنتِ مش عيلة رميتى نفسك أهنا كيف البهيمة وأنتِ مخبراش أنتِ رايحة على فين
أقتربت “أسماء” من “عهد” بغيظ شديد وهى تقول:-
-أوعاكِ تكوني فاكرة حالك هتأخدى نوح منى أكدة
رفعت “عهد” حاجبها الأيسر ببرود مصطنع بالكبرياء تقول:-
-بس هو بقى جوزى خلاص مش لسه هتجوزه
رفعت “أسماء” يدها كى تصفعها من شدة غيظها وبرود هذه الفتاة يثير غضبها أكثر لتغمض “عهد” عينيها بخوف فهذه الفتاة ليست بجراءة أختها في التحدي فهى ليست شجاعة بالقدر الكافى، لم تتلقي شيء على وجهها ففتح عينيها لتصدم كما صُدمت “أسماء” بصدمة قاتلة عندما مسك “نوح” يدها ليمنعها من لمس زوجته ثم قال بحدة:-
-دى مرتى
جذبت “أسماء” يدها من قبضته بغضب وعيني دامعة من قسوته عليها ووقوفه الآن بصف هذه الفتاة ثم نظر للجميع وتابع حديثه قائلًا:-
-ممكن نكتم على الموضوع دا بجى، عهد بجت مرتى وخلص الموضوع وأنا ورايا شغل مفضيش لحديد دا
تبسمت “فاتن” بمكر شديد وقالت بخبث:-
-وماله يا نوح روح أنت شغلك ومتشيليش هم واصل، إحنا هنشيلها على كفوف الراحة
مع نهاية جملتها دخل “خالد” من الباب ليصدم عندما رأها في المنزل لتتابع “فاتن” بحماس قائلًا:-
-تعال يا خالد بارك لنوح واد عمك اتجوز عهد
أتسعت عينيه على مصراعيها، غاب عن المنزل ليومين وعندما جاء رأها زوجة لأكثر رجل يكرهه على وجه الأرض، رمقها بعيني حادة ثم تبسم بخبث قائلًا:-
-وماله مبروك يا واد عمى
أزدردت “عهد” لعابها الجاف بخفوت ليتجاهل “نوح” جملته وقال:-
-أنا طالع
تشبثت “عهد” بيده بخوف من البقاء وحدها هنا مع هؤلاء النساء وهذا الرجل الخبيث ثم همست له بخفوت:-
-متسبنيش لوحدى هنا
أنزل يدها عن يده بجدية وقال:-
-أنا ورايا شغل ودا أختيارك
تركها وغادر المنزل لتنظر إلى الجميع وكانت “فاتن” وابنتها “حورية” يرمقوها بعيني تبث شرارة ونار مليئة بخبثهما، غير وجود “أسماء” العاشقة ذات القلب الملتهب من حريق الغضب والغيرة معا والحزن يأكل قلبها فوحدها كفيلة بألتهمها دون مساعدة من الأخرين أم عن والدته التي لم ترحب بها زوجة لأبنها لم توحي بأنها ستصف بجانبها ووجود “خالد” الذي يتغزل بها دومًا ويحاول لمسها بكل مرة، كل هؤلاء أرعبوها من البقاء معها فهرعت إلى الدرج بخوف ذاهبة إلى غرفته تختبيء به وتتجنب الإحتكاك بهم…
__________________
وصلت “عليا” على القاهرة بطفلها ودخلت الشقة لتغلقها بالمفتاح من الداخل من الخوف أن ألحقها أحد، تنهدت بإرتياح شديد وهى تتنفس الصعداء وتفكر بأختها الموجودة هناك لتجهش في البكاء وهى تحتضن طفلها ثم قالت:-
-كل دا عشانك، مستحيل أسمح لحد يأخدك منى
__________________
في محجر الرخام كان يقف “نوح” مع صديقه “عطيه” وهو غارق في الضحك ويقول بمرح:-
-البنت دى لعيبة
نظر “نوح” له بوجه عابس غليظ ليتابع “عطيه” بعفوية:-
-سورى يا عم بس تخيل جراءتها وشجاعتها وإذا علمت على الكل ورجالة بشنبات
تأفف “نوح” بأغتياظ منهم ثم قال:-
-أنا غلطان أنى حكيت لك حاجة
دلف للمكتب فتبسم “عطيه” وهو يدخل خلفه ويقول:-
-يا عم متبجاش حمجي أكدة، بس بص للموضوع من جهة تانية أولًا أنت أتجوزت بنت مش مطلجة ولا أرملة، ومتجوزتش مرت أخوك و.. لا أستن انا معرفش هي حلوة ولا لا بس أنت بتجول أنها ناحجة ومشهورة يعنى سورى في الكلمة مش رجاصة كيف مرت أخوك ولا يعنى كنت عاوز تتجوز أسماء بنت عمك دبلومة التجارة ولا مرت أخوك
صمت “نوح” وهو يفكر في هذا الحديث ليبتسم “عطيه” وهو يربت على كتفه بخفة ويقول:-
-حاول تعيش سعيد يا صاحبى
غادر “عطيه” بعد كلمته وتركه خلفه في شروده وصمته يصارعه…
____________________
__ “منـزل الصيـــــــــــاد”__
وقف “علي” أمام المرأة و”سلمى” تضع العباءة المفتوحة على كتفه ليقول:-
-أسمع يا حجة مترميش ودنك لحديد فاتن وعيالها ،اللى في الأوضة دى مرت ولدك دلوجت ومالهاش ذنب في جوز نادر من خيتها ولا جتله، البنت اللى جوه دى بريئة وشكلها طيبة متطلعيش كرهك عليها وأنا خابز زين أن جلبك طيب
أستدار “على” لها لينظر بعينيها بحب دافيء ثم تابع حديثه وهو يمسك يدها براحة يده:-
-أنتِ خابرة زين أن مرت أخوي مبتحبكش ونفسها بيتك يتخرب مع أول طالعة نهار، متهملهاش تخرب بيت ولدك وأنتِ خابرة أكتر منى أن نوح مكناش هيتجوز واصل بعد مرته اللى ماتت، لو البنت زينة خليه يعمر بيته وياها
تنحنحت “سلمي” بأحراج من دفء زوجها ولطفه ثم قالت بعبوس:-
-جول يا رب بس يكون في علمك أنا مهملش ولدي يعمر بيته ويكمل حياته وياها غير لما أتاكد زين أنها زينة وطيبة كيف ما بتجول
تبسم “على” في وجهها ثم وضع قبلة على جبينها وقال بحنان:-
-حجك يا سلطانة جلبي وعينى.. أنا طالع
تبسمت “سلمى” بعفوية له ثم قالت:-
-وأنا كمان هطلع هبابة
أومأ لها بنعم ثم غادر الغرفة
___________________
كانت “عهد” حبيسة غرفتها طيلة اليوم تخشي الخروج منها ولم تتناول شيء مُنذ أمس، نظرت لكوب الماء وكان فارغًا وهى تكاد تموت عطشان فتنهدت بلطف تجمع شجاعتها ثم أخذت كوب الماء وخرجت من الغرفة ونزلت للأسفل مُتجه إلى المطبخ وعندما دخلت رأت “حُسنة” وفتاة بعمرها تمسك في يدها كتاب وتحدث “حُسنة” بنبرة منفعلة قائلة:-
-وأنا كمان أعمل أيه؟ أنا عاوزة الكتب دى ضرورى
صرخت “حُسنة” بها وهى تعطيها ظهرها بغضب:-
-وأنا أجبلك منين يعنى؟ خلاص أستني لأول الشهر وأول ما أجبض هجبهملك
صرخت الفتاة بغضب أكبر قائلة:-
-أول الشهر أيه؟ بجولك لازم أسلم البحث أول الشهر للدكتور
أستدارت “حُسنة” بضيق لكى تنفث غضبها بهذه الفتاة لترى “عهد” واقفة في مكانها على باب المطبخ فسألتها “حُسنة” بهدوء وحرج:-
-أجبلك حاجة يا هانم
هزت “عهد” رأسها بلا وسارت نحو الثلاجة لتخرج زجاجة من المياه زجاجية ثم أستدارت وهى تنظر للفتاة بتعجب فتحدثت “حُسنة” بنبرة جادة:-
-دى بنتى خلود
تبسمت “عهد” بلطف وهى تغادر وتشعر بحرج لسماعها حديثهما الخاص وقبل أن تصعد الدرج عائدة إلى غرفتها ظهرت “حورية” أمامها ببرود وهى ترتدي عباءة أستقبال زرقاء اللون وتزين معصميها بأساور من الذهب وأذنها به حلق على شكل زهرة كبيرة فنظرت “عهد” لها بصمت مُنتظرة أن تتحدث لتقول:-
-أنتِ جريئة أوى تعرفي أكدة
تبسمت “عهد” بخفوت مصطنعة البسمة ثم قالت:-
-مُتشكرة عن أذنك
وضعت “حورية ذراعها أمامها على الداربزين تمنعها من الصعود لتقول:-
-بس مُغفلة فاكرة أنك هتعيش أهنا بسلام وراحة بعد كسرة جلب خيتى
تنهدت “عهد” بأختناق وهى تقول:-
-أسمع يا .. أي أن كان أسمك أنا مبحبش المشاكل ولا الدوشة وبما أننا أغراب ياريت منتخطاش حدود بعض
قهقهت “حورية” ضاحكة بسخرية للتعجب “عهد” من ضحكها الكثير لتقول “حورية” وهى ترفع أكمام عباءتها:-
-بس أنا بحبها وبموت فيهما بجى
أنهت جملتها وهى تنقض على “عهد” بيديها تمسكها من عنقها لتجذبها أرضًا لتصرخ “عهد” بهلع بعد أن جلست “حورية” على بطنها وبدأت الشجار معها، في نفس اللحظة جاءت “فاتن” على صوت الصراخ لتقول بحماس:-
-بنتى حبيبتى هي حصلت تمد يدك عليها
أنقضت عليها بصحبة ابنتها وزاد صراخ “عهد” بين يديها وجرحت يدها من زجاج الزجاجة التي أنكسرت للتو مع سقوطها، دخلت “سلمي” من باب المنزل لتفزع عندما رأتهما فوقها وصوت صراخ “عهد” قد وصل للخارج فصرخت بهما قائلة:-
-يخربيتكم بتعملوا أيه
أخذت “عهد” من بين يديهما بصعوبة ووقفت بينهما وهى تتطلع بوجه هذه الفتاة وأظافر “حورية تلمع خطوطها بالدم على عنق “عهد” وتورمت عينيها فصاحت بهما بخوف من غضب ابنها عندما يراها هكذا:-
-أنتِ جنيتى يا فاتن أنتِ وبتك، طب مخايفش منى عادى لكن نوح هتجوليلى أيه لما يعاود
نظرت “فاتن” للجهة الأخرى بغضب فهتفت “حورية” بانفعال تقول:-
-هي اللى بدأت يا مرت عمي
رفعت “سلمي” حاجبها بغيظ ثم قالت بأنفعال:-
-يعنى هي مجنونة عشان تبدأ الخناج وياكي وهى وحدها في الدار
تأففت “حورية” بخنق، أستدارت “سلمي” لها لتراها تضع يدها على عنقها بألم فقالت بهدوء:-
-أطلعي على أوضتك
صعدت “عهد” بصمت إلى غرفتها وهى تجفف دموعها بكفها بغضب مكبوح ولا تلؤم أحد غير نفسها فهى من وافقت على دخولها الجحيم برغبتها، تمتمت “سلمي” بضيق قائلة:-
-يفضل متظهروش جدام نوح لما يعاود لأن مهما يعمل ولدى أنا مش هجف له لأن هيكون حجه وحج مرته
صعدت هي الأخرى إلى غرفتها لتربت “فاتن” على كتف أبنتها تقول:-
-بسرعة يا حورية عاودى على دارك
أومأت “حورية” لها بنعم ثم أخذت حجابها وغادرت المنزل بخوف..
__________________
جلست “عهد” أمام المرآة تنظر إلى صورتها المنعكسة بها وأثر الضرب واضح في كدمات وجهها وخدوش أضافرهم حفرت خطوط بالدم على عنقها وذراعها فجهشت باكية بحزن وضعف لتذهب إلى الفراش تختبي به وتخفى وجهها في وسادتها وتكتم صوت بكاءها في الوسادة لتغوص في نومها من التعب، فتح باب الغرفة ودلف “نوح” ليراها نائمة بالفراش على غير أمس كانت تنام بالأريكة لكنه لم يبالى وذهب ليجلس على الأريكة ويسترخى..
_________________
وقفت “سلمي” عند باب غرفتها في الرواق تنظر إلى باب غرفة ابنها مُنتظر أن يثور ويغضب على الجميع لكن الوضع كان هاديء تمامًا على غير المعتاد منه فأتاها صوت “فاتن” من الخلف تقول بسخرية:-
-شوفتى يا سلفتى ولدك أصلا مش مهتم بالعروسة الجديدة ولا باللى هيجرى لها وأن ماتت ميهأخدش فيها عزاء
قهقهت ضاحكة وهى تغادر من جوارها وتدفعها بكتفها لتتعجب “سلمي” من هدوء ابنها ثم دلفت إلى غرفتها…
________________
خرج “نوح” من المرحاض صباحًا بعد أن أخذ حمام دافيء وشعره مبلل ليقف أمام المرآة يصفف شعره وينظر إليها وهى ما زالت نائمة ليتعجب نومها الكثير، ترك الفرشة من يده وذهب إلى الفراش ليقظها بخفة لكنها لا تستجيب فرفع الغطاء عن رأسها ليري شعرها يغطي وجهها وهى نائمة بأستسلام وتعب كطفل صغير ورأى خدش على كتفها، نكزها على كتفها وهو يقول:-
-عهد .. عهد جومي
ألتفت للجهة الأخرى بتعب مُتذمرًا من إيقاظه لها فقالت:-
-شوية يا عليا وهقوم
صُدم عندما رأى وجهها وكدماته الحمراء وجرح شفتيها وعنقها المليئة بخطوط واضح حمراء كالدم فمسك فك وجهها بقبضته بقوة ليلف وجهها له يتطلع به بينما تذمرت أكثر من فعلته وفتحت عينها تقول:-
-يا عليا…
أتسعت عينيها عندما رأت وجهه أمامها فجلست بسرعة وهى تجذب رأسها من يده وتنظر للأسفل مُحاولة أخفاء وجهها السيء، وضع سبابته أسفل ذقنها ليرفع وجهها له كى تتطلع بعينيها لكنه لم يكن ينظر إلي عينيها بل يتفحص خدوشها فقال بحدة:-
-مين اللى عمل فيكي كدة؟
تنحنحت بإحراج منه ثم قالت وهى تقف من فراشها:-
-محدش
مسكها من يدها قبل أن تغادر من امامه ولفها له وهو يصرخ بها:-
-متكذبيش مين اللى عمل أكدة؟ مرات عمي ولا واحدة من بناتها
جذبت يدها من يده بقوة وصاحت به مُنفعلة وكأنها تخرج كل غضبها به هو:-
-يعنى كنت عارف أنهم هيعملوا كدة ومع ذلك سبتنى معهم ومشيت
صرخت به وهى تنفث دخان غضبها الكامن بداخلها مُنذ أن جاءت إلى هنا حتى الأن به، أقترب خطوة منها بهدوء وقال بنبرة خافتة:-
-أنتِ متوجعة أنى هجعد جارك أياك، أنا ورايا شغلى مش عاطل هجعد أحرسك أهنا
نظرت للجهة الأخرى ثم قالت بحزن فهى لم تتوقع منه الكثير في كل الأحوال:-
-يبقى خليك في شغلك وزى ما أنت قولت دا نتيجة أختيارى
أخذ عباءته المفتوحة ليلقى بها في وجهها وهو يقول:-
-تعالى ويايا
أرتدت العباءة وهو يسحبها إلى خارج الغرفة ثم نزل إلى الأسفل بها وكان الجميع على طاولة السفرة يتناولون الإفطار وعندما رأت “فاتن” وجهه الغاضب كالصقر الهائج الذي على وشك ألتهم فريسته أبتلعت ريقها بصعوبة بالغة وهى تنظر للأسفل في طبقها، توقف أمامهم وقال:-
-عملتك دى يا مرت عمي ولا حورية بتك، أصلها متطلعش من أسماء
نظر الجميع إليه عندما سمعوا صوته ودهشوا من رؤية زوجته مليئة بالكدمات هكذا لتشعر “عهد” بالإحراج من نظرت الجميع لها فسأل “على” بصدمة مما حدث لهذه الفتاة:-
-وااا أيه اللى عمل فيكي أكدة؟
صاح “نوح” بغضب سافر وهو يقول:-
-ما أنا بسأل مرت عمى هو في غيرها يعملها في الدار ولا في البلد كلتها
صاح “حمدى” به وهو يقول:-
-مالك يا نوح، أتحدد زين وي مرت عمك دى في مجام أمك
هز “نوح” رأسه بسخرية وهو يقول:-
-لا أنا أمى مش بالهمجية دى
وقف “خالد” من مكانه ليقترب منه وهو ينكزه في صدره بقوة غاضبًا:-
-ما تختار ألفاظ يا سي نوح على الصبح أنا امى مش همجية وبعدين ما يمكن مرتك اللى عملت أكدة في حالها ما هي من عيلة عوالم
لم يتمالك “نوح” غضبه أكثر ليكلمه بقوة أسقطه أرضًا لتفزع “عهد” من قوته وزاد خوفها من جبروته عندما وضع قدمه على صدر “خالد” بالحذاء ويقول:-
-أختار أنت ألفاظك زين وأنت بتحدد عن مرتى لأن المرة الجاية هقطع لسانك جبل ما ينطج كلمة متعجبنيش ولا تعجبها
رفع نظره إلى “فاتن” وما والت قدمه على صدر “خالد” وقال:-
-وعزة لا إله إلا الله اللى هجرب من مرتى ولو يأذيها بكلمة متعجبهاش حتى لو حلوة لأشيل من على وجه الأرض
أستدار وهو يأخذها في يده ثم توقف قبل أن يصعد وأستدار للجميع ثم قال:-
-مرت عمى..
رفعت “فاتن” نظرها إليه بخوف بعد ان سقطت الملعقة من يدها من الهلع ليتابع حديثه بنبرة قوية غليظة وتهديد صريح:-
-أنا لسه مسألتش مرتى مين اللى عملها وهسألها لو جالت أن حورية بتك ليها يد هجطع لك رجلها من الدار كلتها
صعد بزوجته إلى غرفته وهى في حالة من الذهول والرهبة، لا تعلم سبب خفق قلبها بقوة في هذه اللحظة أهى خوف منه أم إعجاب بقوته وشراسته، تحدث دون ان يخشي أحد أو حتى الكبار فكان جالسًا والده وعمه ولم يتجرأ أحد على معارضته وعمه لم ينطق بكلمة أمام ضربه لأبنه وتهديده إلى زوجته، دخلت الغرفة معه ليترك أسر يدها ويذهب إلى المرحاض في صمت، نظرت “عهد” إلى يدها بعد ان تركها وتبسمت كالحمقاء بسعادة وبداخل شيء يدفعها لأستكشاف هذا الرجل الذي تزوجته وأصبح زوجها، جلس على الأريكة وهى ما زالت واقفة ليربت على الأريكة جواره وهو يقول:-
-تعالى جارى
نزعت عباءته الكبيرة عليها حجمًا ثم ذهبت لكى تجلس جواره، جلست في صمت مُلبية طلبه ليفتح صندوق الإسعاف الأولية ويبدأ يداوي ويطهر جروح يدها من الزجاج وهى تتطلع بملامح وجهه فقالت بخفوت:-
-مرات عمك وحورية اللى ضربونى
رفع نظره لها في صمت وكأنها فهمت صمته وغضبه الكامن في حيرة الفاعل، تابعت الحديث بنبرة ناعمة ودافئة:-
-بس ممكن طلب
نظر لها وهو يترك يدها ويمسح عنقها بالمطهر لتأن بألم من وضع المطهر على الجروح فقال بخفوت وهو ينفث بخفة على عنقها:-
-أسف
تبسمت بعفوية فأول مرة يراعاها أحد ويهتم بها هكذا حتى أختها بعد ان تجوزت “نادر” وأنجبت أصبحت لا تبالي بها كثيرًا وتنشغل بحياتها الخاصة والعمل، هتفت “عهد” بخفوت:-
-ممكن متأذيهمش أنا مسامحة وكفاية اللى عملت عشانى أنا حقيقي متشكرة جدًا لك
أبعد نظره عن عنقها لينظر إلى عينيها وعاد لعنقها يضع عليه كريم ثم ترك كل شيء من يده وهو يقف ويجيب عليها بجدية:-
-لكن أنا ممسامحش لأن اللى يهين مرتى يبجى إهاني أنا شخصيًا، أم اللى عملته متشكرنيش عليه لأنى عملته عشانى وعشان شكلى وهيبتى جدام الكل متتهزش مش عشانك
سار نحو الباب في حين أنها تبسمت بخفوت وهى تقف من مكانها قائلة:-
-برضو مُتشكرة
تبسم بخفة علي إصرارها في شكره وغادر دون ان ترى بسمته، جلست مكانها مُجددًا وهى تضع الثلج على كدمات وجهها وتجرى اتصال بـ “ليلى” وبعد الترحيبات قالت بترجي لطيف:-
-أسمع يا ليلى أنا عايزة طلب منك
تبسمت “ليلى” بعفوية على نبرة صديقتها العفوية فقالت بمزاح:-
-ودا بصفتى صديقتك ولا مديرة أعمالك
ضحكت “عهد” بعفوية شديدة لتُجيب على سؤالها:-
-مش فارقة المهم أنك تلبي طلبى
سمعت “ليلى” لطلبها باهتمام ثم قالت:-
-بس دا هيأخد أسبوع
تنهدت “عهد” بخيبة أمل وقالت:-
-مفيش أسرع من كدة
ضحكت “ليلى” على استعجال هذه الفتاة في تنفيذ طلبها ثم قال:-
-أعتقد انك أكتر واحدة خبيرة في الطلبات الأون لاين
-عندك حق
قالتها “عهد” بحزن ويأس ثم أنهت الاتصال بحزن….
_____________________
تذمر “خالد” وهو يقف في غرفته غاضبًا ويلقى بوشاحه على الفراش:-
-والله لأندمك يا نوح، هي حصلت تمد يدك عليا
أجابه “حمدى” وهو يقف على باب الغرفة قائلًا:-
-عشان هفج يا نطع انت
دخل وأغلق الباب خلفه وهو يقول:-
-بكرة تشوف النطع دا هيأخد حجه كيف وتكسر ضهره، وحياة غلاوتك يا أبويا لأخلى نوح وأبوه دا ميرفعوش رأسهم من الطين واصل
قهقه “حمدى” بعفوية وحماس وهو يربت على كتف ابنه ويقول:-
-وجتها بس تبجى ولدى اللى مجبتش غيره يا خالد وتبجى لك الحلاوة الكبيرة يا واد
تبسم “خالد” على دعم والده له ثم قال:-
-هتشوف يا أبويا..
___________________
عاد “نوح” مساءًا إلى المنزل لتستقبله “سلمي” بتعجب وهى تنظر على الباب قائلة:-
-وا فين مرتك يا ولدى
تعجب “نوح” من سؤالها وقال:-
-يعنى أيه فين؟ هي مش فوج
أجابته بنرة هادئة وتعقد حاجبيها بإستغراب شديد:-
-لا طلعت من العصر وجالت هتروح لك على المحجر
أتسعت عينيه بذهول من حديثها وأخرج هاتفه من جيبه بضيق من خروجها وحدها وهى لا تعلم الطريق وكيف ستذهب له وهى غريبة عن البلد كلها، تذكر بأنه لا يملك رقم هاتفها ليخرج من المنزل بقلق وأخذ سيارته وأنطلق في القيادة باحثًا عنها في كل مكان…
___________________
خرجت “عهد” من محل قهوة وهى تحمل حقيبة من القماش في يدها وفى يدها الأخرى تحمل كوب من مشروب الشيكولاته الساخنة المُفضل لها وكانت تسير وحدها مُرتدية بنطلون جينز وقميص نسائي أبيض اللون به خطوط وردي بالطول وتدخله من الأمام في البنطلون ومن الخلف تتركه، كنت تبحث في الهاتف عن شيء لتشعر بأحد يسير خلفها مُترصدها، أغلقت الهاتف وهى ما زالت تحتضنه بين يديها وسكلت طريق أخر وما زالت الخطوات تتابعها ليزيد الخوف في قلبها وأسرعت في خطواتها حتى خرجت للطريق العمومي وكانت الخطوات تقترب أكثر…
رأها تسير هناك على الجهة الأخرى من الطريق بخوف وخلف رجل يضع قبعة على رأسه تحجب ملامحه ليضغط على المكابح فجأة ثم ترجل من سيارته وناداها
سمعت صوته بنبرة قوية فنظرت تجاه الصوت لتراه يقف أمام سيارته يحدق بها فسقطت كوب المشروب من يدها وركضت نحوه بأقصي سرعة وسط سرعة السيارة، فزع “نوح” وهو يرأها تمر من السيارة بخوف من أن تصدمها أحدهم فأقترب خطوتين لتصل أمامه ليُصدم عندما عانقه بقوة وهى تلف ذراعيها حول خاصرته وتدفن رأسها في صدره، أتسعت عينيه بصدمة وهو يشعر بضربات قلبها القوية على صدره فرفع يديه ببطيء ليطوقها بهما وكأن أشبه بأنه يغلق عباءته المفتوحة عليها ويديه أسفلهما وتتشبث بعباءته السفلية بأناملها بقوة، همس في أذنها بلطف وهو يقول:-
-أهدي أنا جيت
حدثها وهو ينظر للطريق ليرى هذا الرجل ما زال يقف هناك ليلوح له بيده وكأنه يخبره بأنه كان يترصد زوجته عمدًا ليشد بذراعيه عليها أكثر ثم أخذ يدها بيده بلطف وألتف بها حول السيارة يفتح الباب لها ثم جعلها تصعد وأغلق الباب لها وعاد على مقعد السائق وعاد بها للمنزل غاضبًا من خروجها وحدها دون أذنه أو علمه وقلقًا بسبب هذا الرجل المترصد لها، فتح باب السيارة لها ثم قال بحدة:-
أتفضلي يا هانم
نزلت معه ثم دلفت بصحبته وقبل أن تصعد قالت بخفة:-
-ممكن أدي حاجة لخلود
تعجب لها وهو يحدق بها فدخلت للمطبخ وكانت “حُسنة” وحدها وهو خلفها فقالت بلطف مُبتسمة:-
-ممكن تدي دول لخلود
نظرت “حُسنة” للحقيبة الممدودة لها ثم إلى “عهد” لتجيبها ببسمة مُشرقة:-
-دى الكتب اللى كانت محتاجها، أنا أسفة متقصدش اسمعك كلامك ولو أحتاجت أي حاجة في دراستها أو أي كتب خليها تجي ليا أنا أوضتى مش بعيد
ضحكت “حُسنة” على مزحتها الأخيرة بعيني دامعة من الفرحة ثم نظرت إلى “نوح” بحرج ليشير لها بنعم وأن تأخذ الحقيبة فأخذتها ليبتسم “نوح” بخفة على لطفها قم صعد معها للأعلى فتحدثت وهى تصعد الدرج قائلة:-
-حاولت أطلبهم أون لاين قالولى هيوصلوا بعد أسبوع فأضطرت أنزل أشتريهم لأنها محتاجهم قبل أول الشهر
فتح باب الغرفة وهو صامتًا لتتابع بخفوت وكأنها تمتص غضبه من خروجها دون أذنه قائلة:-
-كنت هأتصل بيك أستاذنك بس أكتشفت أنى معيش رقمك
تنهد بأرتياح وتنفس الصعداء، جلست جواره بسمة مُشرقة مليئة بالحيوية والمرح التي تعطي لمن يراها طاقة إيجابية وتفائل كأنها تنقل للجميع سعادة دون عناء، تحدثت “عهد” بنبرة خافتة مرحة:-
-ممكن أخد رقمك
نظر لها بصمت كعادته لتقول بتعجل وحماس:-
-متخافش أنا مش هتصل بيك غير في الضرورى القصوى
دون لها الرقم لكنها لم تفعل كما قالت ففي اليوم التالى بدأت تزعجه باتصالات الغير هامة مرة تسأله عن مكان الشامبو وأى لون يجب ومرة أخرى تتصل تسأله عن ارقام مطاعم تتطلب من طعام ومرة أخرى تتصل تسأل عن عمره، ففي هذا اليوم أصابه الصداع حقًا من كثرة اتصالات الغير هامة تمامًا..
نزلت “عهد” للأسفل لكى تأخذ الطعام من خدمة التوصيل وعند دخولها قابلت “أسماء” فتجاهلت لتقول “أسماء” بحدة:-
-متفرحيش أوى كدة نوح هيغيرك بسرعة البرج
تبسمت “عهد” وهى تستدير لها حاملة طعامها لتقول بأستفزاز:-
-لا هفرح وهفرح أوى كمان لأنه مش هغيرنى أصلى مش جزمة عنده
تبسمت “أسماء” وهى تربت على ذراعها بخبث ومكر نسائي وهى تقول:-
-متستعجليش أوى كدة ماهى اللى جبلك جالت كدة برضو أصلك مش الأولى على فكرة وفى جبل
أتسعت عيني “عهد” بصدمة وأرتجفت يديها الحاملة للطعام لتقهقه “أسماء” ضاحكة عليها وهى تكمل نزول الدرج بانتصار وقد حققت هدفها…
يتبــــــع….
#هويتُ_رجل_الصعيد
الفصل الرابع (4)
__بعنوان “ربكــة قلــوب”__
عاد “نوح” من العمل مساءًا مع والده وكان “حمدى” وأسرته جالسون على السفرة يتناولوا العشاء فتجاهلهم “نوح” ببرود وهو يصعد غلى غرفته غاضبًا منهم ولم ينسي فعلتهم مع زوجته، تحدث “على” بنبرة خافتة:-
-مساء الخير
أجابه “حمدى” بلهجة باردة وهو يتناول طعامه قائلًا:-
-مساء النور، تعال كُل يا أخويا
-لا شكرًا
قالها “على” وهو يصعد إلى الدرج…
__________________
دخل “نوح” غرفته ووجدها هادئة تمامًا والأضواء مغلقة ليفتحها وكانت “عهد” فى الفراش نائمة وتحتضن وسادتها فتمتم “نوح” وهو يسير إلى الأريكة قائلًا:-
-أنتِ خلاص جررتى أنكِ هتستولي على فرشتى
أشاحت الغطاء عنها بأنفعال وأخذت وسادة صغيرة ثم ذهبت إلى الأريكة لتنام عليها وهى تدفعه بقدمها بعيدًا عن الأريكة، أستغرب “نوح” أنفعالها فى الحركات وصمتها ليقول وهو يقف بعد ان دفعته:-
-أنا مجصدش، جومى نامى فى الفرشة وأنا هنام هنا
أعتدلت فى جلستها على الأريكة دون ان تنظر لها وتنهدت بضيق شديد ليشعر بأنها تشمئز منه او تكره وجوده ورائحته وحتى صوت أنفاسه لا ترغب بها، قالت “عهدط” بنبرة غليظة حادة:-
-أنا هنام هنا ممكن تمشي بقى وتبطل كلام لأنى مبعرفش أنام فى دوشة
عادت للنوم دون أن تنظر جوابه وهى لا تعطيه الفرصة فى الحديث أو التعقب على فعلها وجملتها، سار نحو الفراش بخنق شديد وهو ينظر للخلف عليها مُتعجب من برودها وانفعالها، صباحًا كانت فى حماس وتتصلي به دومًا حتى لأقل الأسباب، جلس بفراشه بعد أن بدل ثيابه وأخذ حمام دافيء وظل ينظر لها لساعات وهى نائمة فى الأريكة ويراجع كل محادثاتهما اليوم ربما يكن أرتكب خطأ دون قصد أو غضب عليها لكنه لم يصل للسبب الحقيقي لتتغير وتتبدل هكذا…ليستسلم للنوم وعقله شاردًا ولم يتوقف لوهلة عن التفكير فى سر غضبها الكامن بداخلها رغم وضوحه فى تصرفاتها ونبرة حديثها..
___________________
فى القاهرة
داخل قاعة رقص الباليه، كانت “عليا” مُرتدية فستان أبيض للباليه وحذاء الباليه وتباشر رقصها بمهارة مع فريقها وتناست تمامًا حال أختها التى تركتها خلفها هناك، ضغط المدرب على زر إيقاف الموسيقى ليتوقف الجميع ويجلسون على الأرض ويبدأ بالحديث قائلًا:-
-نحاول نحس الموسيقى إحنا بالأداء دا هنفشل فى تقديم الحفل
عادوا للرقص و”عليا” الحماس يكمن بداخلها ترغب بالحصول على لقب بطلة الرقصة ،رن هاتفها كثيرًا باسم “عهد” وهى تقف بغرفة تغير الملابس مع بعض الفتيات، نظرت للهاتف قليلًا وأبعدت عن صديقاتها بضيق ثم قالت:-
-أيوة يا عهد
أتاها صوت “عهد” الخانق وهى تتحدث بنبرة غليظة:-
-مبتتصليش بيا ومبتساليش عليا، عاملة ايه عايشة أزاى لدرجة دى مشغولة يا عليا
تحدثت “عليا” ببرود وهى تشير لأصدقاءها بغيظ:-
-بعدين يا عهد انا مشغولة دلوقت شوية، هكلمك بليل
أغلقت الخط دون ان تنتظر جواب “عهد”..
__________________
نظرت “عهد” للهاتف بدهشة بعد أن أغلقت أختها الخط وحديثها وهى لا تكترث لوجودها أو ما يحدث معها وكأنها جعلتها كبش فدية لتحيا هى بسعادة وحرية، جلست على الأريكة لتصلها رسالة من “ليلى” تخبرها بإرسال الفيديو الجديد لكى ترفعه على القناة، تعجبت “عهد” فهى لم تصور فيديو جديد ولم تهتم بعملها وتوقفت عن الكتابة فألقطت الهاتف بجوارها على الأريكة وظلت غاضبة لترخي رأسها للخلف وتغمض عينيها، تنهدت بتعب ثم فتحت الهاتف على أحد المواقع الألكتروني التسويقيةوطلبت شراء جميع المعدات اللازمة لتصوير الفيديوهات، دخل “نوح” من باب الغرفة وكان مُرتدي عباءة رمادى فاتح وبدون عمته ماسكًا فى يده كوب شاي ساخن، نظر لها وهى تتجنبه وتتجاهله فجلس على حافة الفراش يرتشف كوبه وهو يتطلع بها من تارة إلى أخرى لتتأفف بضيق وهو يقف من مكانه واضعًا كوب الشاى على الكمودينو ليذهب نحوها وهى مُغمضة العينين ليضع يده على جبينها ففتحت عينيها بدهشة من فعلته، نظر بعينيه وهو يبعد يده عنها مُحدثها بلطف قائلًا:-
-معندكيش حمي، أمال مالك؟ لتكونى مريضة
ظلت تنظر له بدهشة ثم قالت بضيق:-
-مالكش دعوة بيا
وقفت من مكانها ليمسك ذراعها قبل أن ترحل من امامه وجذبها نحوه بقوة لتلتصق بصدره من قوة جذبه لها ثم قال بضيق:-
-مالك، أيه اللى بدل حالك أكدة؟
قشعر جسدها من قُربه هكذا ونظرات عينيه المُسلطة عليها فأزدردت لعابها بصعوبة وهى تشعر بخفق قلبها بأرتباك، دفعته بعيد عنها بتوتر بعد ان أحمرت وجنتها خجلًا منه وقالت بصراخ وغضب سافر:-
-قولتلك مالكش دعوة بيا مش كفاية أنك كداب
مسكها مرة أخرى لكن هذه المرة غاضبًا من نعتها له بالكذب وعقد حاجبيه بضيق وظهرت خطوط عريض على جبينه وأحمر وجهه من الغضب لتزدرد لعابها بخوف من غضبه عندما قال بضيق:-
-أتحددى ويايا بأدب، وبعدين كذبت عليكى فى ايه؟
صاحت به بغضب وهى تدفعه براحة يديها فى صدره بقوة قائلة:-
-مقولتليش أن كان فى قبلى وأنك أتجوزت قبل كدة ويا عالم عندك كام عيل كمان
تنهد “نوح” بضيق فى صمت وهو يحدق بها وبانفعالها الشديد كأنه خدعها او أخفاء عنها حقيقته وتسائل أيحق لها هذا الغضب منه وهل زواجهما كان طبيعي من البداية، ظلت تنظر له بصمت وعينيها دامعة وهى تشعر بأنها تعرضت للخيانة منه ومن اختها التى فرت هاربة وحدها بعد ان وعدتها بأن بهربا معًا، نفثت غضبها به بضيق وضعف ليقول بنبرة هادئة:-
-معتجدش يا مدام أنى كذبت عليكي لأن ببساطة انتِ متعرفيش عنى حاجة وجوازنا مكناش طبيعى ولا عن حب مثلا، يا مرتى العزيزة ممكن تجوليلى أنا عيد ميلادى ميتة؟ عمرى جد ايه؟ بلاش اسماء صحابى ولا بشتغل ايه؟ ببساطة أنتِ متعرفيش عنى حاجة فلما تعرفي أنى أرمل دى متتديكش الحج أنك تغضبي الغضب دا كله منى وتتهمنى بالكذب
صمتت بهدوء فهو على حق هى لا تعرفه أبدًا وتجاهل كل شيء عنه سوى اسمه،مر من جانبها ثم توقف جوارها تمامًا وهمس فى أذنها بخفوت:-
-وعلى فكرة معنديش عيال
غادر “نوح” الغرفة لتنظر إلى الباب بعد ان أغلقه وهى تفكر فى حديثه فهى لا تعرف شيء عنه أبدًا وهو أيضًا هكذا مثلها تمامًا لا يعرف شيء عنها..
___________________
كانت “أسماء” بمنزل “حورية” تجلس معها مُشتاطة غيظًا من زواجه من فتاة أخرى لتقول “حورية” وهى تعطيها كوب الشاي الساخن قائلة:-
-طب والله جدعة يا بنت أبويا أنك جولتلها
تمتمت “أسماء” بضيق شديد وهى تحتضن الكوب بيديها الأثنين:-
-أعمل ايه يا خيتى من غُلبى، من يوم ما مرته ماتت وشوفته مكسور أكدة وضعيف وأنا حبته وسكن جلبي وعملت البدع كلتها عشان أخد مكانها عنده ونوح جلبه حجر مبيتحركش وفجأة تيجي دى كدة وتأخده منى بسهولة
أرتشفت “حورية” القليل من الشاي ثم قالت بمكر تثير غضب أختها أكثر:-
-لا وولاد عمك بيحبوا بنات البندر وجلة حيائهم، مين عالم يمكن تصحى الصبح تلاجى نوح عاشجها وتحمل منه
رفعت “أسماء” نظرها لها بصدمة والغضب يشعل نيرانه بداخل قلبها العاشق وحريقه تلهم صدرها وضلوعها فقالت بتلعثم:-
-أنتِ بتجولي أيه؟
تابعت “حورية” وهى تترك كوب الشاي من يدها قائلة:-
-بجولك الحجيجة يا خيتى
صاحت “أسماء” بانفعال شديد لتقول:-
-لا طبعًا دا أنا أكون جاتلها وجاتله، دا أنا أجتل نوح ولا أنه يروح لغيرى هو وجلبه
وضعت طرحة سوداء على شعرها وغادرت المنزل غاضبة بعد أن أشعلت أختها نيران الحقد والغضب بداخلها تجاهه هو وزوجت
___________________
فى وسط المحجر وتكسير الحجارة أسفل مظلة ومقعدين يجلس “نوح” على أحدهم والسيجارة بين شفتيه ويمسكها بسبابته والوساطة شاردًا فى عالم اخرى، جلس “عطيه” جواره وهو لم ينتبه له فضرب “عطيه” على قدمه وهو يقول:-
-أيه يا عم نوح فينك
أخرج السيجارة من فمه ونفث الدخان بعيدًا وهو يقول:-
-أيه !!
تبسم “عطيه” بمرح من حال صديقه الذي لازمه الشرود دومًا منذ زواجه فقال:-
-أنا برضو اللى ايه، فينك وصلت لفين بعجلك يا صاحبى، هو الجواز بيعمل أكدة
ألقى السيجارة من يده ودهسها بحذائه وهو يقول بضيق وحيرة:-
-غضبانة منى بجالها سبوع ولسانها مبخاطبش لسانى وحفظت مواعيدى كل ما أعاود الدار تكون نائمة بس حُسنة جالتلى أنها بتنزل وبتعمل أكل وشرب لنفسها فى غيابى عادى
هز “عطيه” رأسه بجدية وكأنه يفهم ما يدور مع صديقه ثم قال بجدية:-
-أنت لحجت تغضبها يا صاحبى
نظر “نوح” له بحزن وضيق يجتاحه وكأنه غاضب لغضبها ولا يقوى على خصامها له، تبسم “عطيه” له بخفوت وهو يحاول أن يتخيل هذه الفتاة التى أخترقت حياة هذا الرجل الهادئة لتصيبه بالغضب والتفكير دومًا فجعلته مريض فكر من كثرة تفكيره به، نظر “عطيه” للعمال بعيدًا عن عيني صديقه وقال بخفوت:-
-أنا شايف أن النهاردة مفيش شغل كتير ممكن تروح بدرى
نظر “نوح” له باستغراب لينظر “عطيه” له ببسمة تفائلية وقال:-
-يعنى بما انها بتكون صاحية وأنت برا ممكن تروح بدرى قبل ما يحل الليل
تنحنح “نوح” بحرج من المغادرة لأجلها وكبريائه أمام صديقه، خشي أن يعتقد أحد أنه يفكر بها أو يفعل ذلك لأجلها فصمت دون ان يعقب على حديثه….
__________________
دق باب المنزل ولم تخرج “حُسنة” لكى تفتح ففتحت “عهد” قبل أن تدخل المطبخ تعد قهوتها وكان “خلف” الغفير ومعه مندوب شركة الشحن يجلب لها ما طلبته مُنذ أسبوع، تبسمت “عهد” وهى تأخذ منه الصناديق الكرتونية ثم قالت بخفة:-
-أستنانى لحظة هجبلك الفلوس
صعدت إلى غرفتها ووضعت الصناديق على الأرض وجلبت بطاقة البنك من حقيبتها ونزلت لتعطيه له فقال:-
-مفيش كاش
نظرت إلى “خلف” بإحراج ثم قالت بضيق:-
-معيش كاش يكمل المبلغ
تنحنح “خلف” بحذر من بدأ الحديث معها وهو لا يُسمح له بالحديث مع حريم المنزل ليقول وهو ينظر للأرض بحياء من رفع رأسه بها:-
-أكلم نوح بيه هو معاه يدفع
أجابته بإحراج شديد قائلة:-
-لا .. أستن
دخلت مرة أخرى لتصل سيارة “نوح” على المنزل وترجل منها ثم سار نحو المنزل ليرى المندوب فسأل “خلف” باستغراب من هذا الرجل ثم قال:-
-مين دا يا خلف؟
قصي له ما حدث فدخل إلى غرفة المكتب وجلب المبلغ من الخزانة لأجل الرجل..
صعدت الدرج وهى تنظر فى الهاتف بحيرة وعقلها فى صراع بين الاتصال به أو لا، ضغطت على اسمه المدون لكنها تراجعت فى أخر لحظة ورفضت الحديث معه والتنازل عن كبريائها وغرورها بمحادثته، سارت فى الرواق شاردة حتى رأت ظل أحد أمامها لترفع “عهد” نظرها عن الهاتف للأمام لترى “خالد” يقف أمامها ويبتسم بخبث شديد فتراجعت خطوة للخلف بخوف منه ليقول بمرح:-
-متخافيش أوى كدة يا عروسة
تبسمت “عهد” بسمة مصطنعة تخفي خلفها الخوف الكامن بداخلها ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها بغرور وقالت:-
-واخاف ليه؟ شكلك نسيت أنا متجوزة مين ونسيت اللى عمله فيك من كام يوم قصدى
قالتها بثقة وبرود وكأنها تذكره بإهانة زوجها له ودهسه بقدمه أمام الجميع ليشتاط “خالد” غضبًا من حديثها، تبسمت وهى ترى ملامح وجهه تتلاشي بسمته الخبيثة ويظهر الغضب والحقد، سمعت صوت “نوح” يصعد الدرج ويتحدث فى الهاتف لتقول بغرور:-
-اهو جوزى جه
جذبها “خالد” من يدها بقوة وهلع من رؤية “نوح” لهما ودخل أقرب غرفة له يختبيء بها فى حين أنها صُدمت من فعلته وهو يأخذها بالقوة ويغلق الباب، كادت أن تصرخ “عهد” ليضع يده على فمها وأنفها معًا بقوة ويقيدها بيده الأخرى وتحاول الفرار منه ومقاومته لتلتقط الأكسجين للتنفس بعد أن وضع يده يخنقها من عدم التنفس لكن لا جدوى من بنيته الجسمانية القوية، مر “نوح” من أمام الغرفة ليرى هاتفها بالأرض مُضيء فألتقطته ليرى اسمه وهى كانت على وشك الأتصال به، تعجب من وجود هاتفها هنا وأكمل طريقه إلى غرفته…
كانت تحاول التنفس بصعوبة من قبضة يده لكنه كان يرتعش خوفًا من أن يقبض “نوح” عليه بصحبة زوجته فيقتله هذه المرة بحق ولم ينتبه إلى هذه الفتاة التى تشج جسدها للتو وفقدت وعيها لتسقط من يديه أرضًا، نظر لها بهلع وحاول أفاقتها لكن لا محال فتركها فاقدة للوعي على الأرض وفر هاربًا للخارج…….
دخل “نوح” الغرفة ماسكًا هاتفها فى يده ورأى الصناديق الكرتونية جوار الباب وهى ليست بالغرفة، نظر للهاتف المضيء على اسمه ونظر للخلف يتذكر بأنه وجده فى الخارج ليخرج يبحث عنها ورأى والدته تخرج من غرفتها فسألها:-
-مشوفتيش عهد يا أمى
أجابته بنبرة لطيفة هادئة:-
-لا يا ولدى هى مبتخنلطش بحد واصل فى الدار
رأى باب غرفة الخزين مفتوحة وتعجب من فتح هذا الباب وما بداخل الغرفة هى أشياء زوجته المتوفية فقط، سار نحو الباب وأكملت “سلمى” نزولها للأسفل، فتح الباب ثم الضوء والغرفة مليئة بالغبار والأتربة وصُدم عندما وجد “عهد” على الأرض فاقدة للوعى، أسرع نحوها وجلس على ركبتيه جواره وهو يأخذ رأسهابين قبضته وكانت باردة كقطعة ثلج فناداها بهلع وهو يدلك يدها بقوة:-
-عهد.. عهد
وضع يده على عنقها ليشعر بضعف نبضات قلبها فلم يجد مفر إلا حملها على ذراعيه ثم ركض للخارج بها، كانت “أسماء” تجلس مع “سلمى” فى الصالون بالطابق السفلي فهلعت “سلمي” وهى ترى “نوح” ينزل على الدرج ويحملها بين ذراعيه والقلق واضح على ملامحه والخوف تملك منه، أتسعت عيني “أسماء” وهى تراه هكذا ويكاد يموت خوفًا عليها وهو يركض بها للخارج فدمعت عينيها وجعًا من رؤيته هكذا ولا تكترث بحال هذه الفتاة ولم تتسائل بما أصابها، فقط حال المحبوب والحُب بداخلهاما تهتم به، كان “خالد” يختبأ فى غرفة المكتب وينظر من وراء الباب بخوف تملك منه وهو يرى “نوح” يأخذها للمستشفى ليزداد خوفه من أن يصيبها مكروه وتكون نهايته على يد “نوح” فإذا أخبرته أن “خالد” الفاعل سقطع رأسه بيده أمام الجميع دون تفكير..
_________________
كان “نوح” يقف أمام الغرفة فى رواق المستشفى بقلق ويكاد عقله يتوقف من التفكير والخوف عليها، جاء “على” له بهلع وهو يمسك نبوته فى يده اليسري ويقول:-
-طمنى يا ولدى حصل أيه؟
أجابه “نوح” بقلق وهو يشير على باب الغرفة:-
-بيكشفوا عليها جوا يابويا، لاجيتها واجعة فى الأرض ومعرفش حصلها أيه؟
أربت “على” على كتفه بخفوت وقال:-
-خير يا ولدى بأذن الله
كان يرتعش قلبه خوفًا وعقله يأخذه إلى الماضى بنفس المستشفى كان ينتظر الأطباء يطمئنوا قلبه على زوجته لكنهم خرجروا يخبروه بوفأته، كان يخشي أن يُفتح الباب ويخبره الطبيب بأن زوجته المريضة توفت هى الأخرى، أصابه الخوف من تكرر الماضي لكنه كبح الخوف بداخله ويحاول جاهدًا أخفاءه عن والده الواقف جواره، فتح الباب ليهرع إلى الطبيبة بخوف كامن فى قلبه لتقول:-
-أطمن يا أستاذ هى بخير الحمد لله وأدعى ربنا أنك لحجتها فى الوجت المناسب لو كنت أتاخرت لجدر الله كان زمانها راحت مننا
دخل الغرفة دون أن يُعقب على حديثها أو يسأل ماذا أصاب زوجته فشكرها “على” ودخل خلفه ، رأى “نوح” يقف جوارها وهى نائمة وعلى أنفها أنبوب التنفس الصناعى وفى يدها محلول طبي مُتصل بالكانولا، مسح “نوح” على شعرها بلطف وعينيه لا تبتعد عنها ولا يهتم لوجود والده، نظر “على “ عليه وتبسم بخفة على قلق ابنه الواضح وعندما رأى “نوح” يأخذ يدها بلطف فى راحة يده والأخرى على رأسها زادت بسمته وغادر الغرفة تاركهما وحدهما، خرج من الغرفة ليرى “سلمى” قادمة بخوف وقلق على ابنها فهى لا تكترث كثيرة على حال هذه الزوجة وما زالت لا ترضي به ولم تقبلها زوجة ابن لها، تبسم وهو يأخذ زوجته من يدها ليعودان معًا وهو يقول:-
-تعالى بس يا حجة
أخذها للخارج وهى تقول بجدية:-
اسيبنى أطمن على ولدى
نظر لها بدهشة وقال:-
هو ولدك ماله اللى أعرفه أن مرته هى اللى مريضة، عموماً تعالى وهما هيعاود بكرة
أخذها وذهب فى سيارته
_________________________
فتحت “عهد” عينيها تعب فى المساء وكانت الممرضة رفعت عنها أنبوب الأكجسين والمحلول لكن الكانولا ما زالت فى يدها، ووجدت نفسها فى غرفة مُختلفة وتذكرت ما حدث وهى تنظر فى السقف لتتنفس الصعداء بإرتياح لبقاءها على قيد الحياة فهى أعتقدت أنها ستموت من الخنق هناك، حاولت وضعت يدها على عينيها الدامعة لتشعر بثقل فى يدها وعندما نظرت رأته يجلس جوارها ويمسك يدها فى راحة يده ويغلقها عليها بإحكام وينظر فى الهاتف يشاهد شيء لكنه عندما حركت يدها شعر بها ليترك الهاتف وهو ينظر إليها بلهفة ويقترب نحوها وهو يقول:-
-حمد الله على السلامة، حاسة بحاجة بتوجعك، لا أستنى هنادى الداكتورة
أغلقت يدها على يده قبل أن يتركها وقالت بصوت مبحوح:-
-أستنى بس، أنا كويسة
عاد للجلوس مرة أخرى وهو ينظر إلى يدها المُتشبثة به فقالت بتعب وهدوء:-
-أنا نمت كتير
أجابها وهو ينظر فى ساعة يده بجدية ويقول:-
-8ساعات و48 دقيقة
تبسمت بخفوت من دقته وهو تحاول الجلوس ليمسكها من أكتافها يساعدها فنظرت له بخجل ثم وضع يده خلف ظهرها والأخرى تضع الوسادة لها خلفها وهى تشعر بخفق قلبها يتسارع مُجددًا لقربه حتى تركها ترتخي على الوسادة وحدها وعاد للجلوس على المقعد وظل الصمت بينهما قليلًا لتقطع هذا الهدوء بصوت مبحوح تقول باحراج:-
-أنا أسفة
رفع نظره بها مرة أخرى وقال مستغرب كلمتها:-
-على أيه؟
تنحنحت وهى تشبك أصابعها ببعضها وتتحاشي النظر له بحرج ثم قالت:-
-عشان قولت أنك كذاب وعشان كمان تعبتك معايا طول الساعات دى وشكرًا
هز رأسه بصمت فهو لم يغضب منها ونسي هذا الأمر بل هى من كانت غاضبة وتتنجبها بخصامها، شعر بأن الموقف محموم بينهما وكأنهما يمسكان بأسلاك كهربائية فمن يراهما سيتوقع أى شيء إلا كونهما زوجان، عاد لصمته مرة أخرى وتحاشيه للنظر بها فقالت مرة أخرى:-
-كنت بتتفرج على أيه؟
أعطاها الهاتف بحرج فتعجبت حرجه ووجنته التى أحمرت خجلًا وكأنها مسكت به مُتلبس بالجريمة، نظرت للهاتف بتساؤل عما يشاهده ويجعله مُحرج هكذا أمامها لتُدهش عندما رأت فيديو لها على اليوتيوب متوقف فدخلت على سجل المشاهدة لتراه شاهد أكثر من نصف الفيديوهات الخاصة بها فى هذه الساعات التى نامتها، ضحكت بخفة وصوت مهموس، رفع نظره بها عندما سمع صوت ضحكاتها ودهش من رؤية وجهها مليء بالفرح والضحكات لتظهر غمازاتها ولأول مرة يدرك بأن زوجته تملك غمازات، أعتاد على رؤية العبوس والضيق والمشحنات الكهربائية تبث من وجهها لكن الفرح والضحك رأهما بالفيديوهات فقط والأن سنحت له الفرصة برؤيتهما على الطبيعة، أعطته الهاتف ليبعد عينيه عنها بخجل، قال بخفوت:-
-حاولت أعرف عن مرتى على الأجل اللى الناس تعرفه
ضحكت بسعادة أكبر على ربكته وتحاشيه للنظر بها….
_____________________
تأفف “حمدي” بضيق وهو يقف فى غرفة “خالد” غاضبًا ثم قال:-
-أدعي أنها متجولش لنوح، أنت جولت هتعلم عليهم بس متجبش بالغباء دا وتحط نفسك مباشرة
أجابه “خالد” بنبرة قوية غليظة:-
-مكنش جصدى يا أبويا
رمقه “حمدى” بضيق شديد ثم قال:-
-أستعد لغضب نوح وحاول تدور على مبرر تجوله عشان ميجتلكش
أستدار لكى يخرج ليستوقفه “خالد” بجملته قائلًا:-
-أنت رايح فين ومهملني لحالى
أجابه “حمدى” ببرود شديد:-
-عمك جال أنه هيعاود بمرته النهاردة، خلينى أطلع جبل ما يعاود
غادر الغرفة وتركه خلفه ليتصل “خالد” بصديقه ويقول:-
-بجولك ايه أنا طالع يومين الأجصر، جاى؟.. خلاص هعدي عليك كمان نصية..
___________________
أتسعت عيني “نوح” بصدمة قاتلة وهو يحدق بالطبيبة ثم نظر إلى “عهد” الجالسة على الفراش بالداخل ثم قال:-
-وهى تعرف الحديد دا؟
أجابته الطبيبة بنبرة هادئة ووجه عابس:-
-معتجدش إلا لو كانت بتشك فى الإغماءات اللى بتحصلها
تركها وعاد إلى الغرفة مُصدومًا لا يصدق ما سمعه فنظرت “عهد” له مبتسمةفتبسم بخفوت مُحاولًا أخفاء صدمته عنها…..
يتبــــع….
#هويتُ_رجل_الصعيد
الفصل الخامس (5)
___ بعنــوان “فتح الوصية” ___
خرجت “عهد” معه من المستشفى وهو شاردًا ووجه شاحب يمسك يدها بيده والأخري خلف ظهره، كانت تتعجب اهتمامه ومساعدته رغم أنها تلتزم الصمت، فتح باب السيارة وأدخلها ثم أقترب “نوح” أكثر يغلق حزام الأمان لها لتحدق به بدهشة أكبر، صعد جوارها ليقود السيارة وينظر عليها من تارة لأخري حتى وصل أمام المنزل، نزل وهرع نحو السيارة من الجهة الأخرى لياخذ يدها فقالت بخجل:-
-أنا كويسة يا نوح
هدأ من روعته بإحراج فتجاهلت يديه الممدودة لها ودخلا معًا للمنزل، أستقبله “على” وهو يقول:-
-حمد الله على السلامة، طلع مرتك ترتاح وحصلني على المكتب عشان هنفتح وصية جدك دلوجت وعمك مستعجل جوى
أومأ له بنعم فى صمت وأخذها للدرج فقالت بحرج:-
-روح لعمه يا نوح، أنا هعرف أطلع لوحدي
تشبث بيدها أكثر بإصرار على مساعدتها لتحاول جذب يدها فضغط أكثر وهو يحدق بعينيها يقول:-
-هشش هتسمعى الكلام ولا هشيلك لحد السرير بنفسي
تبسمت بسخرية وهى تصعد الدرج معه وتُتمتم قائلة:-
-فاتح صدره وكأنه هيقدر محسسنى أنى متجوزة فاندام
لم تنهى جملتها لتخرج منها صرخة خافنة عندما حملها على ذراعيه بسرعة البرق فأتسعت عينيها بذهول على مصراعيها ثم قال:-
-بعون الله أجوى من فاندام كمان، بعدين متحسسنيش أكدة أنى معملتهاش جبل اكدة
تنحنحت بحرج منه وهى تتحاشي النظر له، يصعد الدرج بها متطلع إلى ملامحها التى تزداد حمرة من خجلها ليقطعه صوت “أسماء” من الأعلي تقول بغيظ وغيرة:-
-خير رجلها أنشلت؟!
رفعت “عهد” نظرها لها بغضب وتلاشي خجلها وكزت على شفتيها بضيق لكنها تبسمت بمكر وهى تعلم بأن هذه الفتاة ترغب بزوجها وتعشقه بجنونه فلفت ذراعيها حول عنقه بدلال ثم قالت بعفوية مبتسمة له:-
-أوعاك توقعنى مفهوم!
تبسم بلطف وأومأ لها بنعم لتشتاط “اسماء” غضبًا وغيرة من رؤيتها بقرب حبيبها هكذا وهو يدللها أمام الجميع دون خجل أو حياء، مر من جانبها لتضرب “أسماء” قدميها بيديها من الغيظ وتقول مُتمتمة:-
-أنا اكدة هموت مجلوطة بالجلب
دخل “نوح” الغرفة بها لينزلها على الفراش ثم قال:-
-هبعت لك الوكل مع حُسنة، تأكل زين
أستدار لكي يرحل لتقف بسرعة وهى تسير خلفه وتقول:-
-وأنت مش هتأكل!!
استدار لها ثم قال ببسمة خافتة:-
-لما أعاود هأكل بس المهم تأكلي أنتِ زين عشان متتعبيش تاني
أومأت له بنعم فمسح على شعرها بيده ثم غادر لتبتسم وهى تشعر بضربات قلبها تتسارع وتضع يدها على رأسها بخفة وتملأها السعادة من لطفه ومعاملته الطيبة لها…
_______________________
فتح المحامي الوصية وعرضها على “حمدي” واخاه الاصغر “على” و”نوح” وصُدم الجميع عندما وجدوا كل التركة تعود إلى “نوح” وليس أحد الابناء بل سجل الجد كل شيء باسم الحفيد والابناء لا يحق لهما شيء حتى منزل العائلة اصبح ملك “نوح” فثار “حمدي” بجنون وهو يقف ويضرب المكتب بيده ويقول:-
-لا أبويا شكله أتجن ومكنش فى عجله وهو بيسجل الوصية دى
كان “على” مُصدومًا مثله تمامًا فأجابه بهدوء وهو يتكأ بيديه الأثنين على النبوت:-
-اتحدد عن ابوك زين، أبويا ميت وهو بعجله وعجله يوزن بلد كمان
صاح “حمدي” بغضب أكبر وهو يلوح بيديه فى الهواء:-
-طبعًا ما هو ابنك يورث يبجى انت ورثت وأطلع أنا وعيالى من المولد كله
تحدث المحامى بنبرة خشنة وقوية يقول:-
-يا أستاذ حمدى والدك رحمه الله كتب الوصية دى من سبع سنين وهو فى صحته وفى عز شغله وهو واجف على رجله
تركهم وخرج من الغرفة وهو يثور ويصرخ بتهديدات واضحة:-
-الله يجحمه فى جبره، أنا مهسكتش وحجى هأخده من اتخن تخين فى الدار والبلد كلتها، أبجى جاعد فى بيتى ويتجالى مالكش فيه
خرج “نوح” خلفه وهو يخرج عن صمته وكأنه كان على علم بالوصية فلم تصيبه الدهشة أو الذهول ليقول بضيق:-
-أتحدد عن جدي زين، وحجك اللى بتحدد عنه دا مالكش فيه دا عدل ربنا، المحجر والتجارة والاراضي أنا اللى بسهر ليالي عليهم وبسافر عشانهم، عملت ايه يا عمي انت ولا ولدك اللى مجضيها صرمحة وسفر وراء السياح والغوازي عشان تكبره، لتكن فاكر أن جدي كان عنده أطيان واتولد بمعلجة من دهب
استدار “حمدي” له بغضب سافر وهو ينكزه بعكازه الخشبي فى كتفه ويقول:-
-دا بجى الحديد المسموم اللى رميته فى ودن جدك عشان تضحك عليه مش أكدة يا واد اخوي
نزلت “عهد” من الاعلى على صوت شجارهما وخرجت “فاتن” و”سلمى”من المطبخ، غادر المحامى المنزل وتركهم فى شجارهم، انزل “حمدى” عكازه ارضًا وهو يقترب نحوه أكثر ثم قال بتحدي وعينى تبث شرارة ونار:-
-أنا مهسبش حجى يا نوح لو على موتي
لم ترجف عيني “نوح” بل وضع يديه خلف ظهره ببرود وهو لا يخشي شيء، استدار “حمدى” لكى يصعد الدرج فرأى “عهد” أمامه فدفعها بقوة وهو يمر لتكاد أن تسقط فتشبث “نوح” بها بهلع ثم نظر إلى “حمدى” وهو يصعد بغضب، نظرت “عهد” إليه بخوف فمسح على رأسها بلطف وقال بنبرة ناعمة تبدلت فى الحال لأجلها:-
-متخافيش كله تمام
هزت رأسها بلطف له وهى لا تفهم سبب الشجار لكنها علمت به عندما دخل “نوح” إلى المكتب مع والده وتركها، تبسمت بلطف وهى تجلس جوار “سلمى” على الأريكة ثم قالت:-
-ممكن أقعد جنبك
نظرت “سلمى” لها ببرود ثم قالت:-
-ما أنتِ جعدتى ولا تحبي تجعدى فى حجرى بالمرة
هزت “عهد” رأسها بخفوت وقالت:-
-أنا اسمى عهد
رفعت “سلمى” حاجبها بدهشة مصطنعة وقالت بسخرية:-
-تصدجى مكنتش اعرف
ضحكت “عهد” وتابعت حديث عن نفسها:-
-ومعنديش ام، بصراحة مشوفتش أمى عشان اتوفيت وهى بتولدنى، وبابا مات وهى حامل فيا مشوفتوش برضو، أختى عليا هى اللى ربتنى وعمرها كان سبع سنين وعلمتنى وبصراحة كنت شاطرة جداً فى المدرسة وعلى طول من الأوائل يمكن لأن التعليم كان وقتها السبيل الوحيد ليا لعيش حياة مرتاحة
نظرت “سلمى” لها بصمت وهى تقصي لها قصة حياتها بدون مقدمات أو أن تفرض عليها سؤال، تابعت “عهد” بعيني دامعة تقول:-
-لما أختى اتجوزت نادر بقى يساعدها فى مصاريفي خصوصًا ان كلية أعلام مصاريفها عالية شوية ومن أول سنة وأنا بدأت اقف على رجلي وأشتغل لوحدى كنت مبسوطة أوى بأول مرتب ليا، عارفة جبت بيه ايه، شيكولاتة عشان بحبها جدًا بس كنت دايمًا بتحرج أطلبها من نادر لأنه جوز أختى وكفاية عليهم مصاريف تعليمي
ضحكت “سلمى” بخفوت على هذه الفتاة الساذجة والبساطة تظهر فى طباعها وتصرفاتها، تذكرت حديث “حُسنة” عندما أخبرتها أن “عهد” جلبت كتب للدراسة لأبنتها، تابعت “عهد” بهدوء وحرج:-
-أنا أسفة أنى اتجوزت ابنك غصب عنكم بس حضرتك لو مكانى وحسيتى أن فى أيدك تردى الجميل والتعب اللى قدمته عليا ليا مش هترفضي
تحدثت “سلمى” بهدوء وهى تنظر إلى “عهد” بجدية:-
-لو كنت مكانى مكنتش هحس أنه جميل لأن الأخوات والعيلة مفيش بينهم جمايل ولا حساسيات وديون تترد يا بتى
شردت “عهد” فى حديثها فطالما شعرت بأنها عبء على أكتاف اختها ودين فى عنقها يجب أن ترده يومًا، تبسمت بخفوت ثم قالت:-
-أنا ممكن أقولك يا ماما…. الله دى حلوة اوى أول مرة أقولها.. ممكن
تبسمت “سلمى” لها وهزت رأسها بالموافقة لتبتسم “عهد” بعفوية وهى تعانقها فدهشت “سلمى” من عفوية هذه الغتاة ومرحها لتربت على ظهرها بلطف….
________________________
-يعنى أنت كنت عارف؟
سأله “على” بقلق ليجيب “نوح” بجدية قائلًا:-
-من سبع سنين لما خالد كان عمره23 سنة كان مجضيها سهر مع العجر والغوازى كنا بنجيبه كل سبوع من داهية شكل والعجرية اللى حبلت منه وسقطت ولا الرجاصة اللى خبطها بالعربية عشان تسقط جام ماتت، عمى حمدى بجى كان الله اكبر عليه بيتاجر فى السلاح مع رجالة الجبل، تفتكرى جدى كان هيكتبها ماله الحلال عشان نجسوه يا أبويا،، الحل اللى جه على باله أن يكتب كل حاجة باسمى لحد ما حالهم يتصلح وبعدها أدي كل واحد حجه بس لما يتعبوا ويعرفوا كيف يخافوا على مالهم وارضهم مش يضيعوه
تنهد “على” بقلق وهو يجلس على المقعد ويمسك نبوته فى يده اليمنى بحيرة ثم قال بقلق:-
-بس عمك مهيسكتش يا نوح، مهيسيبش حجه يا ولدى… أنا خايف عليك
تحدث “نوح” بشجاعة وهو يقول:-
-متخافش يا ابويا، أنا راجل اجدر احمى حالى زين
رفع “على” نظره إلى “نوح” بقلق وخوف ثم قال بحزن:-
-لتكن فاكر ان عمك هيأذيك فى حالك يا ولدى، حمدى خابر زين أنه لو أذاك مرتك وإحنا اللى هنورث وهيطلع من غير حاجة، عمك هيأذيك فى مالك وشغلك ولو وصل الحال والشر به هيأذيك فى أحبابك يا ولدى
صمت “نوح” قليلًا يفكر فى حديثه ثم غير محور الحديث وقال:-
-المهم دلوجت أنا لازم اسافر القاهرة، لازم أجيب عليا اخت عهد
تعجب “على” من قراره وعقد حاجبيه بدهشة ثم سأل:-
-اشمعنا، ما أنا جولت اجبها عشان حفيدى اللى وياها وأنت منعتنى عنها
تنهد “نوح” بقلق ثم قال بخوف:-
-عهد عندها فشل كبد وهتحتاج زراعة ولسه على ما تستنى متبرع حالتها هتسوء أكثر، لازم أتحدد وياه اختها
وقف “حمدى” من مكانه ليربت على كتفه بلطف ثم قال:-
-روح يا ولدى بس حط فى حساباتك احتمال انها متوافجش تتبرع، الأخت اللى ترمي باختها اهنا عشان مصلحتها وحياتها مهتساعدش فى نجاتها، اه اهنا مش وحش ولا إحنا وحوش بس هى مجدرتش على العيشة معانا فرمت اختها كبش فدية
وقف “نوح” من مكانه بوجه عابس وقال بلهجة غليظة شيطانية:-
-وجتها يبجى هى اللى جنت على حالها لانها هتتبرع بالرضا أو بالعفاية
تعجب “على” من حال ابنه وقلقه الملحوظ والزائد ثم سأله:-
-العروسة عجبتك، دا أنا اكدة اشكر عليا بجى على الحسنة اللى عملتها
تنحنح “نوح” بحرج ثم غادر، تبسم “على” بخفوت وقال:-
-سبع سنين من غير جواز ومفيش واحدة عجبك لكن اللى اترمت فى طريجك تموت من الجلج عليها اكدة
_____________________
ضربت “فاتن” يدها على الأخرى بذهول ثم قالت بعبوس:-
-مش جولتلك، أخوك وولده طبخوها سوى، نوح يدخل كلية التجارة عشان يمسك التجارة مع جده ويلزج له ويفرش له الأرض ورد وحاضر ونعم ويكبر فى السوق ووسط التجار وهوبا ابوك يتعب وعلى يمسك الشغل ويا ولده وفى الأخر ابوك يكتب لهم كل حاجة وأنت ولا أنت هنا يا سبع الرجالة
صاح “حمدى” بها بأنفعال شديد وهو يقول:-
-اخرسي بجى معاوزش اسمع حسك ولا حس حد، عاوز افكر انا مهسيبش حجي لعلى وولده ينعموه فيه واستنى حسنة منهم
ضربت “فاتن” فمها بيدها بقوة وهى تقول:-
-ادينى اتخرست اهو
تحدث “حمدى” بشرود وهو يفكر فيما حدث قائلًا:-
-على كان باين عليه الصدمة كيفي لكن نوح، نوح كان جاعد هاديء جوى ومتصدمش ولا اتفاجى كأنه كان خابز زين اللى موجود جوا الظرف
صاحت “فاتن” وهى تضرب قدميها بيديها بسخرية وانفعال:-
-زورها، ضحك عليكم كلتكم وزورها وكوش على كل حاجة لحاله، طبعًا ما هو الواد اتجوز دلوجت ويا عالم مرته حابلة ولا لا، الواد جرر يعيش حياته خالص
وقف “حمدى” بغضب سافر بعد أن سمع حديث زوجته وقال:-
-حياته دى هدمرها وعائلته هجتلهم جدام عينه لو مأخدتش حجى كامل
________________________
دلف “نوح” إلى غرفته ورأها جالسة على الأريكة وتفتح الصناديق الكرتونية وتخرج منها معدات التصوير، جلس على الفراش يتابعها بصمت وهى مشغولة بعملها فرفعت نظرها له بعد أن شعرت بنظراته تراقبها، سألت بقلق:-
-فى حاجة؟
أربت “نوح” على الفراش بخفة وقال:-
-تعالى جارى
تركت استاند التصوير على الطاولة وذهبت نحوه لكى تجلس فقال:-
-أنا هسافر يومين القاهرة معاوزش حاجة اجبلهالك بدل الاون لاين دا
تعجبت بدهشة من حديثه وسألت بقلق:-
-مسافر ليه؟!، مش قصدى طبعًا ادخل فى حياتك وخصوصيتك بس قصدى هتسبنى هنا
أومأ لها بنعم فتذكرت ما حدث أمس من “خالد” لتقول بخوف وهى تتشبث بكم عباءته:-
-متسبنيش هنا
نظر إلى يدها التى تشبثت به ثم إليها والخوف فى عينيها ونبرتها المُرتجفة، كل شيء بها يوحي يأن هناك شيء تخشاه فى البيت فسأل بشك:-
-خايفة من ايه؟
صمتت وهى تترك عباءته وتتحاشي النظر له فتابع بنبرة أكثر حدة وجدية:-
-أنتِ دخلتى المخزن أمبارح ليه؟
تمتمت “عهد” بتلعثم شديد:-
-بالغلط مكنتش أعر……
قطعها قبل أن تكمل حديثها عندما مسك فك وجهها يرفع رأسها له لتتقابل أعينهما معًا وهو يقول بتحذير:-
-متكدبيش
قصت له ما حدث أمس من “خالد” وما حدث قبل ومحاولاته فى لمسها واعتراض طريقها ليشتاط غضبًا مما يسمعه فوق لكى يخرج يقتله فى مكانه وأمام والده لكنها منعته عندما ركضت خلفه وعانقته من الخلف بهلع، توقفت قدمه عندما ارتطمت بظهره وشعر بدفء جسدها ورأسها تستكن على ظهره لينظر للأسفل على يدها المتشابكة على بطنه فسمعها تتحدث بنبرة خافتة وصوت مبحوح:-
-متروحلوش.. متأذيش حد يرد لك الأذي وتتأذي، متتأذيش ولا تمرض يا نوح، أنا عارفة أنى فرض عليك وأتجوزتنى بالإكراه وبينا حدود مينفعش أتخطاها بس متتأذيش ممكن، أنت أول حد يقلق عليا من غير ما يكون الواجب حاكمه، وأول مرة الاقي ام ليا ومحسش أنى مديونة بالود والحب لحد ولازم أرد الدين فى يوم
تحولت نبرتها إلى الضعف والبكاء أحتل عينيها وصوتها، تنهد بهدوء وهو يفتح يدها من بعضهما لتترك أسر خاصرته ثم التف لها ليراها تنظر للأرض وتبكى، مسح دموعها بأنامله بلطف ثم تحدث بخفوت:-
-أنا موافج على كل اللى جولتيه يا عهد بس حجك لازم اجبهولك وإلا هحس أنى مش راجل، لما واحد ياذي مرتى بكلمة مش لمسة ومجبش حجها أبجى مش راجل
ذرفت دموعها من جديد ليأخذ وجهها بين كفيه ويقول:-
-أنتِ فرض عليا اه بس يا ريت كل الفروض بالحلاوة دى.. اضحكى بجى
ضحكت وسط بكاءها وهى تحدق بعينيه فتبسم بخفوت وبداخله يتواعد الموت لهذا الرجل البغيض الذي تجرأ على إهانة زوجته…
________________________
دق باب شقة “عليا” لتخرج من المطبخ بسرعة وتفتح الباب لتُصدم بخوف عندما ترى”نوح” أمامها….
يتبـــع….
#هويتُ_رجل_الصعيد
الفصل السادس (6)
___بعنوان “أنانيـــة”___
فتح موظف الفندق باب الغرفة وهو يحمل حقيبة سفر صغير ثم ولج “نوح” وهى تتبأطا يديه مُرتدية بطلون جينز وقميص نسائي أبيض عليه كلمات ورسومات باللون الأسود وحول خاصرها النحيف تضع حزام أسود وترفع شعرها من الجانب الأيسر بدبوس شعر ومسدول على ظهرها، أعطى “نوح” النقود للعامل ثم غادر وأغلق الباب فأستدار “نوح” لها وهو يربت على كتفها بخفة وقال:-
-أرتاحى هبابة وأنا ساعة وهعاود
مسكت يده قبل أن يغادر بحرج ثم قالت:-
-ممكن أخرج، عندى شغل ولازم أقابل ليلى
صمت قليلًا وهو يفكر في مرضها وخروجها وحدها فتنهد بهدوء وهو يعلم بأنها بخير ولا تعلم شيء عن مرضها أومأ لها بنعم وهو يخرج محفظة جيبه وقال بجدية:-
-ماشي بس خلى بالك من نفسك وخلى دول معاكي
نظرت إلى يده الممدودة بالنقود لها فقالت بحيرة وحرج من أخذ المال منه:-
-أنا معايا فلوس
وضع المال في يدها رغمًا عنه ثم قال بتحذير:-
-أنتِ مرتى أنا ومسئولة منى خلي فلوسك على جنب، وكلمنى لو أحتجتى حاجة او حسيتى بتعب
نظرت له ببسمة خافتة ثم قالت:-
-متقلقش أنا كويسة
غادر الغرفة لتبتسم وهى تتصلي بـ “ليلي” لكى نقابلها..
____________________
كان “نوح” جالسًا أمام “عليا” في الصالون وهى تحتضن طفلها بين ذراعيها وهو يحدق بها فقطع صمتهم يقول:-
-كنتي فاكرة أنك أكدة هتكونى هربتى ولا هعيشي بسلام كأن القاهرة هتحميكى مننا
تنحنحت “عليا” بخوف منه وهى تتذكر حديث “نادر” عنه وعن قسوته الكامنة في هدوئه ، جبروته الذي يرعب كبار العائلة رغم أنه أصغرهم وربما حجوده هذا ما جعله الأفضل لدي جدهما “حافظ الصياد”، أزدردت لعابها بخوف ثم قالت:-
-أنتوا عايزين منى أيه، انا مش عاوزة غير أنى أعيش وأربي ابنى
هز رأسه بتفاهم وهو يستمع إلى حديثها ثم قال ببرود:-
-بس ابنك دا أنا هأخده ومهتشوفهوش تانى
أتسعت عيني “عليا” على مصراعيها بصدمة قاتلة وتنظر إليه وهى تحتضن طفلها بخوف وتشد بيديها عليها وتحدثت بتلعثم وخوف:-
-أنتِ متقدرش تأخده منى أنا ممكن أسجنك وبعدين انا سيبتلك عهد عاوزين منى ايه
وقف من مكانه بغضب بعد أن ذكرت اسم زوجته ليمسكها من ذراعها بقوة وقال بغضب:-
-عهد!! اللى رميتها كبش فدية عشان تعيش حياتك هنا ومفكرتش فيها ولا للحظة
تركها وهو يسير بعيدًا عنها ثم أخبرها عن مرض “عهد” لتدمع عينيها خوفًا وحزنًا على أختها الصغيرة لكن قلبها لم يبكى أو يرتجف خوفًا بل شعر بالشفقة فقط عليها وتركت “يونس” على الأريكة ثم رفعت حاجبها مُتعجبة سبب زيارته وأن السبب “عهد” ولم يأتي لأخذها هي أو طفلها، كان من الموضوح عندما تحدث عن المرض بأنه يكاد يموت قلقًا عليها ثم سألت بنبرة هادئة:-
-وأنت جاي ليا هنا عشان عهد؟
نظر “نوح” لبرودها بعد ان أخبرها بحالة اختها وحتى دموعها لم تكن صادقة في نظره بل كانت شفقة وعطف عليها كأى شخص غريب يسمع بحالتها فقال:-
-عهد محتاجة متبرع قبل ما حالتها تسوء أكتر
رفعت حاجبها بسخرية وأجابته “عليا” وهى تعقد ذراعيها ببرود شديد قائلة:-
-وأنا المفروض مكتوب على باب شقتى أنى مركز تبرع مثلاً، ولما أتبرع مين اللى هيربي ابنى ويرعاه
مسكها “نوح” من يدها بقوة ووجهه يشتاط غضبًا من رد فعل “عليا” وكز على أسنانه بعيني تبث نار وتحدث بنبرة مرعبة:-
-التبرع أنتِ هتعمليه سواء رضيتى أو لا فأختارى تعملي بموافجتك بدل ما تدخلي أوضة العلميات مجبورة، لأن أنا مهضحيش بعهد كيف ما عملتى أنتِ، أنا ممكن أديها كبدى لكن أنا واثج أن واحدة أنانية كيفك مهترعاهاش في مرضها وأنا لازم أرعاها يبجى لازم تتبرعى ليها بكبدك
سقط الهاتف من يد “عهد” ليلتف الأثنين وصُدم “نوح” عندما رأها تقف هناك وتستمع لحديثهما فترك “عليا” وسار نحو “عهد” بقلق وهو يقول بهمس:-
-عهد أسمعينى
دمعت عينيها بخوف وأرتجفت يديها مما سمعته، أصابها حالة من الذعر والخوف فقبل قليل كانت تشعر بأنها بخير تمامًا حتى سمعت عن مرضها منه لتشعر بأن جسدها بأكمله مريض وأصابه الخمول والضعف، وضع “نوح” يده على رأسها يمسح عليها بلطف وحنان ليقول هامس بعد أن رأي خوفها:-
-متخافيش يا عهد أنتِ هتكونى زينة
أتاه صوت “عليا” من الخلف تقول بانفعال شديد:-
-بس أنا مش هتبرع بكبدي لحد
كاد أن يستدير لها بوجه غاضب تحول للأحمرار الشديد من غضبه وغيظه من هذه المرأة ولا يعرف كيف أحبها أخاه وتزوجها وهى تشبه الحية التي تبخ سمها في الجميع لكن استوقفته “عهد” عندما مسكت يده بضعف ثم قالت:-
-يلا نمشي يا نوح
ظل واقفًا ينظر إلى “عليا” بغضب لتجذبه “عهد” بضعف وجسد هزيل تقول:-
-يلا يا نوح
سار معها وهو يدرك أن قوتها أضعف من جذبه ليغادر بها من المنزل وتهرع “عليا” نحو باب الشقة وتغلق بأحكام…
___________________
__”منــزل الصيـــــاد”__
في المطبخ كانت “سلمى” تقف مع “حُسنة” تجهز الغداء حتى قطعهما صوت “فاتن” تقول:-
-خططتى ونفذتى يا سلفتى
أستدارت “سلمى” لها ليتراها تقف على باب المطبخ تشتاط غاضبًا لكنها تكبحوا بداخله فقالت:-
-هتساعدينا أتفضلي لكن لو جاية تحددي حديد ماسخ يبجى متعطلناش
أنهت جملتها وألتفت تكمل تقطيع البطاطس في الطاجن لتتحدث “فاتن” بغضب ولهجة غليظة:-
-طبعًا ليكى نفس تطبخى وهتأكلى كمان ما هو اللى في عب ولدك فحجرك يا سلفتى وعاملالى فيها شيخة ومبتجوميش من على سجادة الصلاة طب جوليله أن بيأكل مال حرام وسارج حج عمه
تأففت “سلمى” بضيق شديد وهى تقول:-
-الله ما طولك يا روح.. هملينى لحالي يا فاتن لحسن صبر هيخلص عليكي
غادرت “فاتن” وهو تقول بجدية:-
-والله أنا اللى ماسكة حالى عليكى يا سلفتى أنت وولدك
تنهدت “سلمى” بضيق بعد أن غادرت “فاتن” لتربت “حُسنة” على كتفها بلطف:-
-متزعليش حالك يا ستى وكله هيبجى تمام
___________________
كان “نوح” واقفًا أمام باب غرفة النوم فى الفندق مُرتدي بنطلون أسود وقميص رمادي فاتح ودق الباب برفق وهو يُحدثها قائلًا:-
-ممكن نتحدد سوا بهدوء
لم تُجيبه سوى بصمت فتنهد بضيق وألتف لكى يغادر لكن أستوقفه صوت فتح الباب فألتف مسرعًا بهلع ليراها تقف كما هى بملابسها مُنذ الصباح لم تبدلها ووجهها شاحب وحزين وقد تمكن الضعف والخوف من روحها، شعرها فوضوي على الجانبين يحيط بوجهها الصغير وأتاه صوتها المبحوح تسأله بضيق:-
-أنتِ عرفت أمتى، لما كنت فى المستشفى صح
أومأ لها بنعم وهو يقترب نحوها خطوتين لتعود هى للخلف بعيد عنه وتجيبه وسط البكاء بخذلان:-
-عشان كدة بقيت مهتم بيا وعلى طول جنبي والشفقة باينة عليك وأنا اللى كنت مغفلة فكرت للحظة..
صمتت ولم تكمل ليقترب نحوها وهو يرى الخذلان بها وهى تتحاشي النظر به وتنحى رأسها للأسفل بإنكسار ليأخذ يدها بلطف فنفضتها بغضب وهى تصرخ به وتسير نحو الشرفة:-
-أبعد عنى يا نوح
تحدث وهو يسير خلفها بقلق قائلاً:-
-اسمعينى بس
صرخت وهى تستدير له وتفتح ذراعيها أمامه قائلة:-
-اسمع ايه؟!! أن كل المعاملة دى ولطفك وحنيتك كانوا شفقة عليا عشان مرضي
صمت أمام حديثها فهو يعاملها هكذا خوفًا من تكرر الماضي ولم يكن لها أى مشاعر، ذرفت الدموع من عينيها بضعف وخوف من المرض والجراحة، أقترب نحوها بهدوء وأخذ يدها فى يده بحنان وقال:-
-أطمني يا عهد، طول ما أنا جارك وفى ضهرك أطمنى وأوعى تخافي من حاجة واصل، أنتِ هتعملى العملية وهتخفي
جهشت باكية وهى ترفع يدها الأخرى لتضعها على عينيها بحزن وضعف تخفى دموعها وعينيها عن نظره وما زال يحتضن يدها الأخرى بيديه، رفع يده إلى يدها ثم أشاحها عن عينيها وقال:-
-متبكيش
أومأت له بنعم ليجفف دموعها بأنامله بحنان وهو ينظر لعيني العسلية التى تلوثت بأحمرار شديد من كثرة بكاءها وتورمت قليلًا، وجهها شاحب لا يعلم أهو من الحزن أم المرض، مُنذ أن علمت بمرضها وظهر التعب والأرهاق عليها أكثر من السابق، تمتمت “عهد” بضعف وهى تنظر بعينيه السوداء قائلة:-
-أنا خايفة!!
أربت على يدها بيده بحنان وهى تشعر بدفئه يمتص حزنها ووجعها، رفعت نظرها مع يده التى تمر من أمام أعينها ليضع خصلات شعرها خلف أذنيها بلطف ناظرًا بعينيها لتشعر بضربات قلبها تتسارع وحرارة جسدها ترتفع من نظراته المُسلطة عليها، هذه النظرات المليئة بالدفء بمثابة السحر الذي يُسكب على قلبها وعينيها، تحدث “نوح” بخفوت:-
-متخافيش أنا وياكي ومههملكيش واصل….
لعنت نفسها وقلبها الذي تسارع أكثر بعد كلمته وهذا الرجل يربكها بكل شيء، نظراته وأنفاسه الدافئة وكلماته وغير كل هذه وسامته التى تسعى جاهدة لتجاهلها لكنه يُفشل كل محاولاتها، لم تتحمل البقاء أمامه أكثر حتى لا تفقد وعيها من سحره ففرت هاربة من أمامه إلى غرفة النوم…..
تنفست الصعداء بأرتباك وهى تقف خلف الباب وتضع يدها على قلبها مُحاولة الشعور بضرباته أكثر لتُتمت بحزن شديد:-
-أهدا بقى كل دا شفقة عليك
دمعت عينيها بخذلان فهى أعتقدت بأن الحياة من الممكن ان تبدأ بينهما ويتقبلها زوجة له لكنه لم يراها سوى فتاة مريضة على حافة الموت ووحيدة لا تملك من يعتني بها…
أستيقظ “نوح” صباحًا من النوم ولم يجدها بالغرفة ليدب القلق فى عقله من أن تكون هربت منه مريضة وعندما أتصل بها كان الهاتف مُغلق ليشتاط غضبًا ممزوجًا بالقلق ودخل يبدل ملابسه ليستعد من أجل الخروج والبحث عنها…
_____________________
فى كافى فى وسط البلد كانت “عهد” جالسة على طاولة بعيدة بجوار الحائط الزجاجى الذي يفصلها عن الشارع ومعها “ليلى” حزينة وتبكى على حال صديقتها بحزن وخوف صادق لتُمتم “عهد” بهدوء وهى تنظر إلى صديقتها:-
-ممكن تهدي، أنا مجتلكيش عشان تقضيها عياط
أخذت “ليلى” يدها بين كفيها بخوف وقالت وسط بكائها:-
-أنا مستعدة أتبرع لك بس متمرضيش ومالكيش دعوة بعليا لأنها أنانية ومتستاهلش أنك تعتمدى عليا
أربتت “عهد” على يدها ببسمة خافتة مُنكسرة ثم قالت:-
-أنا مبحكلكيش عشان تقولى تتبرعي ليا أنا ممكن أستنى متبرع عادى، نوح قال أن حالتى مش خطيرة أوى
جففت “ليلى دموعها بأناملها مُبتسمة رغم خوفها من فقد صديقتها ثم قالت:-
-نوح!! ، شكل راجل جدع من اللى حكيته عنه
أومأ “عهد” بالموافقة وهى تشرد فيه ثم قالت بهيام:-
-جدع بس، دا جدع وشهم ووسيم أوى يا ليلى
ضحكت “ليلى” على صديقتها وهى تلوح بيدها أمام أعين “عهد” ثم قالت:-
-ايه يا عيونى روحتى فين؟ إحنا بنحب ولا ايه؟
تنحنحت “عهد” بخجل ثم قالت:-
-لا حُب أيه؟ أنا بس معجبة بشهامته ورجولته لو شوفتيه وهو بيضرب ابن عمه عشانى ولا وهو بيشخط فى مرات عمه الحرباية
قهقهت “ليلى” ضاحكة وهى تأكل قطعة من الحلوى ثم قالت بعفوية:-
-وأنا اللى قاعدة قلقانة وميتة من العياط
تنهدت “عهد” تنيهدة مليئة بالخيبات وثغرات الوجع ملأت طريق قلبها لتتعجب “ليلى” من تنهيدتها الضعيفة وقالت بأستغراب:-
-ليه التنهيدة دى! أنتِ تعبانة ولا حاجة
تحدث “عهد” بعفوية وصدق مليء بالحزن:-
-الحياة معاندة معايا أوى يا ليلى، أول ما أنجح فى مشوارى ألاقي نفسي أتجوزت وبقيت مدام بالأسم، أختى أنانيتها بتزيد ضحكت عليا وفهمتنى أن أول ما يكتشفوا أن أنا العروسة هيطلقنى ويرمينى عشان هم كل همهم يونس حفيدهم وبس ولو مطلقنيش هتساعدنى أهرب لكن أول ما مضيت فص ملح وداب ونوح مطلقنيش زى ما قالت، وبقت زوجة ومضطرة أعيش فى مكان غريبة مع ناس معرفهمش وبيكرهونى وكل واحد من سكان البيت دا نفسه يخلص منى دلوقت قبل كمان ساعة، ولما لاقيت الراجل اللى معايا طيب وراجل يتسند عليه قولت خلاص قدرى وأتقابله، طلع كل دا وهم وشفقة بسبب مرض ظهر بين يوم وليلة
وقفت “ليلى” من مقعدها لتجلس جوارها وهى تربت علي يديها بحنان ولطف وتقول بنبرة ناعمة:-
-كله هيبقى تمام يا عهد المهم دلوقت نعالج المرض دا
رفعت “عهد” نظرها إلى صديقتها بضعف وعيني دامعة ثم قالت:-
-بس ليلى أنا موجوعة ومش قادرة أدارى أكتر من كدة، أنانية أختى وجعانى وشفقة نوح تعبانى لكن غصب عنى بيرجع له لأن فعلا ماليش غيره أتسند عليه فى ضعفى ودا قاهرنى يا ليلى
جففت “ليلى” دموعها بسبابتها وهى تقول مُبتسمة:-
-بس أنا معاكيِ يا حبيبتى
عانقتها “عهد” بإنكسار وقد رفعت الستائر عن أوجاعها الكامنة داخلها وهذا الرماد الذي ملأها وهى تخفيه ببسمتها وروحها العفوية أمام الجميع لتمسح “ليلى” على ظهرها بلطف فتابعت “عهد” بتلعثم شديد من كثرة شهقاتها:-
-كله فاكر أن الشهرة والمتابعين والفلوس كفاية يعيشونى سعيدة وأنا فى الحقيقة أتعس إنسانة فى الدنيا واللى يزيدنى تعاسة أن مبقدرش أقاوم نوح وخايفة أسيب نفسي ألاقينى بحبه وهو فى عالم تانى عايش مع حب مراته الميتة زى ما بنت عمه قالت
أخرجتها “ليلى” من بين ذراعيها لتنظر لعينيها فنظرت “عهد” لها بضعف فتمتمت “ليلى” بانتصار وقد أعترفت صديقتها بما تخفيه منذ بداية اللقاء:-
-يعنى اللى مخوفك ومولد الرعب جواكي هو أنك تحبي نوح مش الوحيدة والمرض يا ست هانم
أتسعت عيني “عهد” على مصراعيها بهدوء مما تفوهت به دون قصد ثو وقفت بأرتباك تقول:-
-أنا هروح أغسل وشي
هربت من أمامها سريعًا لتبتسم “ليلى” بمكر وهى تكمل أكل الحلوى لتخطر فكرة على عقلها الخبيثة ثم نظرت إلى حقيبة “عهد” الموجودة على الطاولة….
____________________
وسط الجبال ووعورتها ورجالها المجرمين وكل منهم يقف حامل سلاحه ويراقب الطريق، كان “حمدى” يجلس مع كبيرهم ويرتشف القليل من الشاي مُستمعًا إلى هذا الرجل:-
-خلاص يا حج حمدي متجلجش أدينا بس خبر أول ما يوصل الصعيد وأنا هخلي الرجل تنفذ على الطريق
وضع “حمدى” الكوب من يده وهو يقف مُتكأ على نبوته ويقول:-
-دايمًا عامر يا حج وأستن منى اتصال
غادر من الجبل وهو يُتمتم بغضب كامن بداخله:-
-خلي عنادك ينفعك يا ولدى أخويا
____________________
خرجت “عهد” مع “ليلى” من الكافى ووقف ينتظرا سيارة أجرة وكل سيارة تمر ترفض “ليلى” الركوب فتعجبت “عهد” من رفضها وقالت بانفعال:-
-وبعيد يا ليلى كل ما أوقف عربية تمشيها إحنا هنروح فى يومنا دا ولا هنبات هنا
أومأت “ليلى” لها بنعم وهى تقول:-
-أكيد هنروح
تمتمت بخفوت وضيق قائلة:-
-هو اتاخر ليه كدة؟
أتاهما صوت “نوح” من الأمام يناديها :-
-عهد
ألتفت له بدهشة من معرفته لمكانها بينما حدقت “ليلى” به وهو يترجل من السيارة مُرتدي بنطلون أسود وقميص أسود يرفع أكمام إلى ساعده لتظهر عروق معصمه البارزة ويرفع شعره الأسود الكثيف إلى الأعلى فتنهدت “ليلى” وهى تهمس بأذنيها من الخلف:-
-أوعى تقوليلى أن دا الصعيد اللى متجوزاه يا عهد
حدقت “عهد” به وهى تنكز “ليلى” فى بطنها بساعدها وتقول:-
-أنت عرفت مكانى منين؟
قطعهما “ليلى” وهى تقترب له وتمد يدها نحوه لكى تصافحه وعينيها ثابتة على وجهه الوسيم وقالت بشرود:-
-أنا ليلى مديرة أعمالها، أوعى تقولى أن الصعايدة كلهم حلوين كدة وبعضلات
وضعت “عهد” يدها على فم صديقتها باحراج منه ومما تفعله وقالت ببسمة مُحرجة:-
-معلش ليلى بتحب تهزر بس
هز رأسه ببرود إليها ثم نظر إلى “عهد” يتفحصها بنظره وهو يقول:-
-أركبى
تركتها “عهد” وذهبت لكى تركب السيارة معه و”ليلى” تكاد تطير الفراشات من عينيها خلفه وتقول:-
-يا واد يا تقيل
صفعت وجنتها بخفة وهى تقول:-
-أيه اللى بعمله دا، أنا لازم أشوف أول قطار رايح الصعيد أمتى… تاكسي
أشارت إلى سيارة أجرة وغادرت، أنطلق “نوح” بسيارته وهى صامتة تنظر إلى الشارع وتفكر بصمت دون ان تبرر له سبب خروجها دون أذنه أو غلق الهاتق وهو كاد ان يموت قلقًا لولا أتصال “ليلى” به وخطتها الماكرة..
كانت ترتب أفكارها فى عقلها وبعد يوم طويل من التفكير وحدها قررت أن تعود للعمل والدراسة وتبحث عن طريقة لعلاجها فهى لن تستسلم للم,وت بسهولة وأخطر قرار توصلت له كان طلب الطلاق منه ولن تكمل هذه الحياة المزيفة أكثر فهو ليس زوجها وهى ليست زوجة سوى بالاسم وفى الأوراق فقط
____________________
فى اليوم التالى خرجت “عليا” من مبنى العمارة وطفلها فى يدها لكى تأخذه للحضانة أولًا ثم تذهب لعملها ، أوقفت “يونس” أمامها وهى تترك يده لكى تفتح باب السيارة وبسرعة البرق جاءت دراجة نارية عليها رجلين ليحمل الرجل الجالس فى الخلف “يونس” عن الأرض ويهربوا لتصرخ بهلع وهى تركض على قدمها خلف الدراجة النارية لكن لا جدوى من الصراخ والهلع….
___________________
خرج “نوح” من غرفة النوم بعد أن رأها نائمة فى الفراش ليتحدث فى الهاتف ويقول:-
-تسلم يدك، المهم تأخد بالك من الواد زين وتوكل وترعى وأنا متوكد أن على المساء هجولك هاته
أغلق الهاتف وهو يغادر الغرفة ونول إلى الطابق الأول يتناول الإفطار مُنتظر قدومها له راجية ان يُعيد طفلها وفور أنهاءه الإفطار وأثناء شُربه للشاى وحديثه فى الهاتف مع والده يقول:-
-مجلجش يا حج أنا بكرة المساء هكون عندك
جاءت “عليا” مع أحد موظفين الفندق ليشير الموظف عليه فهرعت نحوه بغضب وعينيها لا تكفى عن البكاء ومسكته من قميصه بنيران مُشتعلة بداخلها وهى تصرخ به قائلة:-
-محدش عملها غيرك يا نوح، ابنى لو مجرعليش …
قطع تهديدها وهو ينزل يدها عنه بغضب مكبوح بداخله هو الأخر وقال بأشمئزاز وتهديد:-
-مش جولتلك لو مجتيش بالرضا هتيجى بالغصب، أنا مهضحيش بعهد
ترك يدها بضيق وعاد للجلوس لتجلس على المقعد المجاور له ثم قالت:-
-أنا هسجنك وهبلغ عنك
تبسم لها بغرور شديد وقال:-
-أثبتي يا مرت أخويا أنى عملتها ولا يكنش البوليس هيلاقي ولدك فى أوضتى مثلا، أنا راجل مرتى مريضة وجايبها القاهرة أكشف عليها
مسحت دموعها بضعف ثم قالت:-
-أنت مش هتأذي ابن أخوك
عاد بنظره لها ببرود يتطلع بثقتها فتبسم بعيني شيطانية كالصقر الذي على وشك ألتهم فريسته فأرعبتها نظرته لتزداد خوفًا منه عندما قال:-
-أخويا الله يرحمه لكن مرتى حية والحية أبجى من الميت، وأن مدخلتش اوضة العملية أنا عندى دكتور نجس ممكن بالفلوس أعيش مرتى العمر كله بكبد ولدك
أتسعت عينيها على مصراعيها بصدمة ألجمتها ومنعتها من الحديث من قسوته وجبروته فى أخذ كبد طفل فقط لينفذ زوجته رغم زواجهما المزيف والمدون على الورق، عاد “نوح” لشرب الشاى وهو يضع قدم على الأخرى ببرود كاد أن يقتلها أمامه ويلتزم الصمت تاركها تتطلع به بعينيها بعد أن كسر ثقتها القوية بتهديده لتُتمتم بتلعثم شديد وجسد مُرتجف:-
-وهتسيبنى بعدها فى حالى وترجعلى ابنى
نظر لها بحماس وهى على وشك الموافقة وهتف بجدية:-
-وأمضيلك تنازل كمان أن محدش من عيلتى هيتعرض لك أنتِ وولدك مدي الحياة
تعجبت من رده فقالت بقلق:-
-وأهل الصعيد هسيبوا حفيدهم ولا دا كلام عشان مصلحتك
ألتقط علبة السجائر بصمت ليشعل سيجارته قبل أن يُجيبها وكأنه يتعمد أثارت توترها أكثر ثم قال وهو ينفث دخان سيجارته بعيدًا:-
-أهل الصعيد عندما ولد تانى اسمه نوح يجبلهم بدل الحفيد عشرة، فكرى وبيتى فى الصعيد أنتِ خابرة طريجه زين دا لو عايزة تشوفى ولدك تانى
غادر من أمامها وتركها فى حالة من الخوف والذعر القاتل على ابنها….
____________________
أستمع “حمدى” لحديث “على” فى الهاتف مع “نوح” وعلم بأنه سيعود غدًا ليرسل رسالة إلى رجال الجبل لكى يستعدوا ويكونوا فى أستقبال “نوح” وزوجته…
يتبــــع….
#هويتُ_رجل_الصعيد
الفصل السابع (7)
___ بعنــــوان “ليـــن”___
صعد للأعلى بعد أن أنهى فطاره وتهديد “عليا” وعندما فتح باب الغرفة وولج رأها تجلس في غرفة المعيشة بصحبة “ليلى” ومعدات التصوير موجود يبدو أنهما كانوا يصوروا فيديو جديد، لم ترفع أيهما نظرها به وهن غارقات في العمل، تركهما ودلف على غرفة النوم حتى لا يسبب لهما إزعاج، وقفت “ليلى” تمسك الكاميرا ثم قالت:-
-مستعدة
أومأت لها بنعم ليبدوأ التصوير وقبل أن تنهى ”عهد” المقدمة ذعرت “ليلى وهى تلفظ أسمها وتنزل الكاميرا بعيدًا:-
-عهد!!
نظرت “عهد” لها لتقترب “ليلى” منها بذعر وهى تمسح أنفها الذي سال الدم منه فنظرت “عهد” ليد صديقتها وقد لوثتها الدماء لتجلس في الأرض بخوف وهى ترتعش..
كان “نوح” جالسًا على الفراش بأسترخاء ويقرأ عن مرضها أكثر على الأنترنت حتى سمع صوت صراخ “ليلى” فألقى الهاتف على الفراش ووقف ليسرع بالخروج فرأهما جالستين على الأرض وزوجته بين يدي صديقتها فهرع نحوها يأخذها منها وهو يقول:-
-ما لك؟
كانت تشعر بدوران شديد وإرهاق، أقترب لكى يحملها لكنها وضعت يدها على صدره وقبل ان يسألها عن سبب منعها له أستفرغت ما بداخلها، فزعت “ليلى” من رؤية حالة صديقتها تتدهور هكذا وذرفت الدموع من عينيها بصمت أم هو لا يبلى بما يحدث وحملها على ذراعيه بالقوة رغمًا عنها وأخذها إلى المستشفى و”ليلى” معهم تحتضنها بذراعيها أثناء قيادته للسيارة، فحصها الطبيب و”نوح” يقف في الخارج مع “ليلى” بأنتظاره حتى خرج الطبيب وأخبره أن جسدها ضعيف وحالتها تسوء ومن الأفضل أن تجد متبرع لها سريعًا دون أنتظار متبرع متوفى، أخذها في سيارته شبه نائمة وعاد للصعيد ليُصدم “حمدى” عندما فتح باب المنزل ودلف بها فكان يجب أن يعود غدا وليس اليوم وكأن مرضها سبب الفضل في إنقاذ حياتهما من مكر عمه..
ساندها حتى وصلت للفراش ووضع الوسادة خلف ظهرها لتُتمتم بتعب قائلة:-
-أنا هموت يا نوح
هز رأسه بالنفى وهو يمسح على رأسها بلطف يطمئنها ويهتف بحنان:-
-لا بعد الشر عنك، أنتِ هتعملي العملية وهتبجى زينة وأحسن منى كمان
صمتت وهى تنظر إلى عينيه في هدوء وهو يبادلها النظر ليقطع نظراتهما الصامتة صوت طرقات على باب الغرفة وعندما فتح كانت والدته والقلق واضح عليها وتقول:-
-خير يا ولدى
أدخلها وهو يشير على “عهد” بذراعه وقال:-
-عهد تعبانة هبابة يا أمى
ذهبت لكى تجلس جوارها وكان وجهها شاحب ومقلة عينيها صفراء بجسد هزيل وضعيف والنعاس على وشك هزيمتها، مسحت “سلمى” على جبينها بلطف فتبسمت “عهد” بتعب وهى تقول:-
-دايمًا بلاقى الحنان لما أتعب
أجابتها “سلمى” بعيني دامعة بنبرة جادة:-
-متتعبيش بس وأنا هغرجك حنان بس من غير مرض
وضعت “عهد” رأسها على صدر “سلمى” لتطوقها بذراعيها فأغمضت عينيها مُستسلمة للنعاس مهزومة أمامه، نظر “نوح” لها وشعر بوخزات في قلبه ليقول:-
-خليكى وياها يا أمى
غادر الغرفة بأختناق شديد في صدره وشعره بالعجز عن مساعدتها ربما يقتله فذهب لصديقه “عطيه”
_____________________
كان “حمدى” يشتاط غيظًا وغضبًا مما حدث وفشل خطته لتقول “فاتن”:-
-أحسن أنها باظت أنا من البداية جولتلك تبجى غبي لو جتلته، لو نوح مات مراته وأبوه اللى هيورثه مش أنت
ضرب ركبته بيده وهو يقول بغضب نارى:-
-ومين جالك يا أم مخ تخين أنى كنت هجتل نوح، أنا كنت هخطف منه مرته وأساومه
جلست “فاتن” جواره بحماس ثم قالت:-
-ما هي متلجحة في الأوضة جارى، أدينى أنت الموافجة وأنا مش أخطفهالك دا أنا أخلص عليها وأرتاح
نقر رأسها بأصابعه بأشمئزاز من غباءها ثم قال:-
-ونوح هيهملك أكدة تدخلى أوضته ولا تأذي مرته في داره بغبائك دا
ضربت كف على الأخرى وهى تقول:-
-ااااه لو يسيبونى عليها
___________________
كان “نوح” جالسًا فوق العشب تحت نخلة في أرضي زراعية وشاردًا في عجزه عن إنقاذها ومعالجة مرضها فسأله “عطيه” بقلق:-
-ومرت أخوك دى هتوافج
أجابه بنبرة شر وغضب مكبوح بداخله:-
-لازم توافج يا عطيه معنديش خيار تانى ، الفكر والخوف من المرض هم اللى هيموتوا عهد لأنها جبانة وأنا مههملهاش ت,م,وت أكدة
نظر “عطيه” له بحيرة ثم قال:-
-أنت حبتها يا نوح؟
نظر “نوح” له بدهشة من سؤاله وتنهد تنهيدة طويلة معبأة بالكثير من المشاعر المختلطة ثم قال:-
-مش حُب، أنا جوايا أحساس أنى مسئول عنها وأنها مسئوليتى، أنانية أختها ومكرها مولدين جوايا الحنية والطيبة عليها
سأله “عطيه” سؤال ماكر قائلًا:-
-شفجان عليها يعنى
سؤاله الماكر أثار غضب صديقه فأجابه “نوح” بسرعة وهو ينظر إليه بغضب:-
-لا مش شفجة، أنا بشفج على الغلابة والمحتاجين وبساعدهما لكن هي مش شفجة أنا بجد خايف عليها، تعرف أنى جرأت عنها كتير وكتير من التعليجات كانت بتجول أنها عنيدة ومتمردة على كل حاجة حتى ألوان الهدوم بتتمرد عليها لدرجة خلتنى عاوز أشوف عنادها دا كيف وعامل معاهم كيف؟ أنا من يوم ما عرفتها ومشوفتش غير ضعفها وحزنها
أربت “عطيه” على كتفه بلطف وجمع شجاعته وهو يقول:-
-هجولك حاجة ومتتعصبش عليا ولا تسبنى وتجوم، اللى بيحاول يكتشف واحدة ويعرف عنها ويدخل يبحث عن صفحاتها ويوصل أنه يجرأ تعليجات الناس عنها دا واحد بيحب يا نوح
نظر “نوح” له بوجه عابس على وشك أن يطلق العنان لغضبه في وجهه فتابع “عطيه” بشجاعة:-
-بطل تنكر دا وصدج وأبجى أسال حالك وانت باصص في عينيها بتحس بأيه ولو جرالها حاجة بعد الشر موجفك هيكون ايه، وأفتكر يا صاحبى أن الحب مهوش عيب ولا حرام وأن اللى في البيت دى مرتك وحلالك والصخرة اللى في صدرك من حجها تلين وتحب
وقف “نوح” غاضبًا من حديث صديقه وينفض الغبار عن عباءته وهو يقول بتذمر:-
-أنا ماشي عشان أنت خرفت على المساء
ناده”عطيه” وسط ضحكاته فهو كان يعلم بأن صديقه سيهرب:-
-خد هنا يا نوح، طب مهتصليش الفجر
لم يُجيب عليه وغادر المكان عائدًا للمنزل وعندما دخل غرفته كانت “عهد” نائمة بالفراش ووالدته غادرت لغرفتها تاركة هذه الزوجة الضعيفة وحدها، ولج للمرحاض ووقف تحت صنبور المياه لفترة طويلة يفكر في حديث “عطيه” ويتكأ بذراعيه على الحائط، لم يشعر بالوقت الذي قضيه تحت المياه الباردة وعندما خرج لم ينام على الأريكة بل أخذته قدمه إلى الفراش وجلس جوارها يتطلع بملامح وجهها وهى تنام على ظهرها ورأسها مائلة للجانب الأيسر وشعرها الأسود مفرود جانبها، رفع خصلة شعرها عن جبينها بسبابته لتشعر بشيء يزعجها فحركت رأسها برفق ليفزع وهو يرفع يده عنه، تتطلع بملامحها وحاول أن يشعر بدقات قلبه لكنها كانت هادئة ولم تتسارع لأجلها فعاد للأريكة ببرود وهو يُتمتم بسخرية:-
-جال حُب وعشجان جال
نام على الأريكة بأرتياح بعد أن تأكد بأن حديث “عطيه” خرافة لا أكثر
______________________
كانت “سلمى” تجهز الفطار على السفرة مع “حُسنة” فجاء “على” وقال بحنان وهو يجلس على السفرة:-
-صباح الخير يا سلطانة جلبى
تبسمت “سلمى” وهى تقول بعفوية:-
-صباح فل يا سيد الرجال
جلست على المقعد جواره وتركت “حُسنة” تكمل وحدها فقالت بنبرة خافتة:-
-مرت ولدك تعبانة جوى يا حج وأنا خايفة على نوح
وضع “على” يده على يد “سلمى” بلطف وطمأنينة ثم قال:-
-متجلجيش، ولدك راجل
نظرت للخلف على “فاتن” الجالسة في الصالون ثم همست له بقلق:-
-ما تتحد مع نوح يدي عمه حجه، أنت خابر شرهما كيف أنا معاوزش أخسر ولدى التانى اللى باجى ليا من الدنيا
بدأ “على” يتناول فطاره مٌتجاهل طلبها وقال ينهى الحديث في هذا الاتجاه:-
-كُلي يا حج وهملى ولدك يدير شئون حاله لوحده
تأففت “سلمى” بضيق شديد من موافقة زوجها على ما يحدث، دق باب المنزل لتفتح “حُسنة” لترى “عليا” واقفة أمام الباب، أدخلتها إلى “سلمى” فتعجبت “سلمى” من هدوء هذه المرأة فعندما جاءت أول مرة كانت شجاعة ومتعجرفة تتحدث مع الجميع بتعالى وغرور لكن اليوم مكسورة وهادئة كالطير الذي كسر جناحيه، تحدثت “عليا” بنبرة هادئة:-
-نوح فين؟
أجابتها “سلمى” ببرود وهى تتناول الفطار لا تبالى بوجودها:-
-عاوزة ايه من ولدى يا وش الشوم أنتِ
تنهدت “عليا” بغضب مكبوح بداخلها وهى تشعر بأنها المهزومة أمامهم الأن ثم قالت:-
-عايزاه
تحدث “على” بنبرة ثابتة وهو يدرك سبب مجيئها قائلًا:-
-أطلعى يا حُسنة صحى نوح
أومأت له بنعم وصعدت الدرج…
____________________
فتح “نوح” عينيه بتعب ليراها أمامه أول شيء يقابل عينيها وهى جالسة على الأرض جواره ويدها على كتفه، أتسعت عينيه على مصراعيها بذعر من أن تكون تشعر بالمرض فأعتدل في نومه وهى تقف من جلستها أمامه ليقول:-
-في أيه؟
تبسمت بسخرية من حالها ومرضها وقالت:-
-هو أنا بقيت بخض أوى كدة
تنحنح بحرج من رد فعله التلقائي فور أيقاظها له ثم قال:-
-لا كنت بحلم بكابوس بس
قهقهت ضاحكة على كذبته البريئة وهى تجلس جواره فنظر إلى بسمتها العفوية ثم مسح وجهه بكف يده لتقول:-
-أنا كنت فاكرة عندك شغل وراح عليك نومة
أبعد يده عن وجهه لينظر إليها، كانت تنظر للأمام مُتحاشي النظر له وكأنها تترك له مجال النظر إليها دون حرج أو استحياء، دق باب الغرفة وعندما فتح أخبرته “حُسنة” بزيارة “عليا” ليرفرف قلبه فرحًا وهو يعلم سبب هذا الزيارة، وقفت “عهد” باستغراب وهى تقول:-
-عليا جت هنا؟
دلف للمرحاض ليبدل ملابسه سريعًا ثم خرج فرأها بدلت ملابسها لكى تنزل فاستوقفها وهو يقول:-
-أستنى هبابة أهنا، هتكلم وياها وبعدين أخليها تطلع لك
-بس
قالتها “عهد” تعارضه لكنه لم يترك لها مجال للجدال وخرج من الغرفة فتنهدت بهدوء وجلست على الأريكة، نزل لأسفل ليراها واقفة كما هي لم يرحب بها أحد ، أخذها ودخل للمكتب لتُتمتم “فاتن” بفضول شديد:-
-لا الموضوع أكدة فيه أن ولازم أعرفها
____________________
-تخرجى من العمليات هتلاجى ولدك جارك
قالها “نوح” بجدية لتقول “عليا” بأعتراض:-
-لسه لما أخرج من العمليات، قولتلك هتبرع خلاص يارب تحبسنى هنا بس أدينى ابنى دا عيل صغير
هز رأسه بلا وتابع حديثه قائلًا:-
-كيف ما أنتِ مستعجلة على ولدك انا كمان مستعجل على عهد
تأففت “عليا” بضيق ليأتيهما صوت “على” من الخلف يقول:-
-أديها ولدها يا نوح وهى مهمتشيش من أهنا غير بعد العملية
تأفف “نوح” بضيق لكنه لم يعارض حديث والده فأومأ له بنعم لتبتسم بسعادة، خرج “نوح” من غرفة المكتب معها ليرى “خالد” يقف مع والدته بعد عودته من الأقصر ليتذكر حديث “عهد” وما فعله بها..
كانت “عهد” تقف بمنتصف الدرج بعد أن رأت “خالد” بقدمي ثقيلة وخائفة من النزول وتحدق به برهبة والقشعريرة تلازم جسدها ..
تبسمت “فاتن” بعفوية وهى تربت على ذراع “خالد” وتقول:-
-أطلع غير خلجات يا ولدى على ما أجهز لك الفطور
أتاهم صوته القوي وهو يناديه بنبرة مُخيفة ومرتفعة :-
-خااااالـــــد
نظر “خالد” تجاه الصوت ليستقبل لكمة قوية على وجهها من قبضة “نوح” ليعود خطوات للخلف ويسمع “نوح” يقول:-
-دى عشان جلة ربيتك
رفع “خالد” وجهه بغضب ليستقبل لكمة أخر منه وهو يقول:-
-ودى عشان تعرف كيف ترفع عينيك دى في مرتى
أتسعت عينى “عهد” بذهول وهى تراه يلكمه بغضب سافر لأجلها، هلعت “فاتن” بخوف وهى تقول:-
-في ايه يا نوح ما لك ومال ولدى
لم يجيبها بل تقدم خطوة أخرى نحوه وقبل أن يلكمه مرة أخرى تحدث “خالد” وهو يمد يده في وجه “نوح” يمنعه من الأقتراب ويقول:-
-مرتك كدبة يا نوح أنا كنت في الأجصر ومعملتش حاجة
مسك “نوح” يده الممدودة بقوة ولوها له بقوة وهو يجذبه نحوه وقال:-
-أتحدد عنها زين ونجستك ممحتاجش حد يجولها
صرخ “خالد” من ألم يده بهلع ليفزع الجميع وهم يشاهدون وكانت “عليا” مُصدومة مما تراه وكيف يدافع عن “عهد” بهذا الغضب، هرعت “عهد” إليه وهى تقف بالمنتصف وتتشبث به قائلة:-
-خلاص يا نوح
جذبها من ذراعها بيده الأخرى لتقف خلفه دون أن يرفع نظره بها وعينيه ثابتة على “خالد” وهو يقول بغضب شديد:-
-ورب العرش لو رفعت عينك فيها تانى لأفجعهم لك وأدفنك حي يا خالد
ضربه برأسه بقوة وترك يده ليسقط “خالد” أرضًا ونزفت أنفه من رأس “نوح” وضربته القوية، أستدار وهو يأخذ يدها بلطف لتتعجب من فعلته.. الآن كان كالثور الهائج ومع التفافه لها تبدل حاله وعاملها بلطف، نظرت له وهو حاد مع الجميع إلا هي يأتي إليها بكل لطف وحنان، تسارعت نبضات قلبها وهو يصعد بها ويضع يده خلف ظهرها كأنه يخبر الجميع بأنها ملك له وتحت جناحيه ومن يرغب بأذيتها فليأتى له أولًا، صعد للأعلى ليرى “أسماء” تقف مكانها بعد إن شاهدت ما حدث وعيني على وشك البكاء لكنها تكبح دموعها قدر الإمكان من الحسرة والحزن ليمر من جوارها باردًا كالثلج وكأنها شفاف لم يراها بينما نظرت “عهد” إلى عينيها لترى بهما ألم العشق والوجع فتحاشت النظر لها بشفقة على حُبها الذي ينمو وينمو من طرف واحد..
دخل إلى الغرفة بها ولم يتركها إلا بالفراش ثم أنحنى قليلًا نحوه ووضع يده على وجنتها بلطف وقال بنبرة هادئة:-
-أنا هطلع، أرتاحى أنتِ ولو حبتي تخرج من أوضتك .. أخرجى ومتخافيش من حد واصل
تبسمت بعفوية كالحمقاء مُستمتعة بضربات قلبها التي على وشك الأنفجار بداخلها ثم قالت:-
-أنا هطلع لما تيجى
أومأ لها بنعم ثم قال بلطف:-
-أطمن يا عهد طول ما أنتِ جارى وتحت عينى مهيصبكيش أذي
هزت رأسها بنعم وعينيها غارقة في النظر إلى عينيه السوداء، ذاهب من أمامها لكى يبدل ملابسه فضربت قلبها بخفة وبقبضتها الصغيرة لتقول:-
-وبعدين معاك بقى
_____________________
وقف “خالد” أمام المرأة يمسح الدم من أنفه ويتطلع بوجهه الذي تشوه من لكماته ليلقى المنديل بغضب سافر وهو يقول:-
-بتستعجل موتك يا نوح بس أنا مهجتلتش برصاصة أنا هخليكى تتنمى الرصاصة دى رحمة منى
دلفت “أسماء” له غاضبة وهى تقول:-
-عملت أيه لعهد خليته يتحول عليك أكدة
أخذها من يدها بقوة وغضب يأخذها تجاه الباب ويقول بانفعال:-
مالكيش صالح بيا خليكى أنتِ يا ست العفيفة غرجانة في حُبه لحد ما أحرج جلبك عليه
نفضت “أسماء” ذراعه من قبضته بعنف وقالت بتهديد:-
-والله لو اذيت نوح يا خالد ما هيكفينى فيك موتك
أخرجها من باب الغرفة بقسوة وهو يقول:-
-أنتِ معندكيش دم يا بت، بس هو كيف جلبك متحرجش وأنتِ شايفاه مع غيرك
تمتمت “أسماء” بضعف وقلب مُنهك وهى تتشبث بملابس أخيها قائلة:-
-أنت مهتأذهوش يا خالد صح؟
أبعد يده عنها بقسوة وهو يحدق بعينيها ببرود ويقول:-
-بكرة ألبسك أسود عليه يا خيتى
أغلق الباب في وجهها لتجهش في البكاء وهى تعود إلى الغرفة باكية وقلبها ينزف دمًا على عشقها المدنس بالأشواك
____________________
ذهب “نوح” للمستشفى بـ “عليا” لتجرى الفحوصات اللازمة للجراحة وبعد الأنتهاء أخذها إلى المنزل وقبل أن تترجل من السيارة قال:-
-هتلاجى ولدك في أوضة نادر
غادرت السيارة سريعًا بلهفة لرؤية طفلها وعندما دلفت للغرفة رأت “يونس” نائم في الفراش لتسرع له وتتنازل عن حذرها أمام “نوح” فعندما أسرعت للفراش أُغلق الباب عليها ثم سمعت صوت المفتاح يغلق من الخارج حتى لا تهرب …
تبسم “نوح” بجدية وهو جالس في سيارته بعد ان رأى “خلف” يخرج من المنزل ليعطيه مفتاح الغرفة بعد أن نفذ ما طلبه، أخذ المفتاح وغادر المنزل بسيارته…
___________________
نزلت “عهد” للأسفل مُرتدية فستان أبيض عليه ورود زرقاء بكم وطويل يصل لأسفل ركبتيها وشعرها مسدول على ظهرها يصل لخصرها وتضع حول رأسها ربطة شعر بيضاء من الفرو وعلى هيئة فيونكة وترتدى حلق أذن فضي طويل، دلفت للمطبخ فرأت “حُسنة” تعد الطعام فذهبت نحو المطبخ لكى تحضر كوب من القهوة فقالت “حُسنة” بلطف:-
-الجهوة ممنوعة عنك
أخذت البن من يدها للتعجب “عهد” لها فتابعت “حُسنة” بحرج قائلة:-
-نوح بيه جال أن القهوة ممنوعة عنك والعصير أفضل
أعطتها كوب من العصير لترتشف “عهد” القليل منه ولتبصقه في الحوض سريعًا وهى تقول:-
-أنتِ نسيتى تحطى سكر
أجابتها “حُسنة” بجدية وثقة من موقفها قائلة:-
-السكر والملح ممنوعين
تركت “عهد” الكوب من يدها وخرجت غاضبة إلى الحديقة وهى تتنفس بضيق شهيق وزفير طويل وتقول:-
-أهدى يا عهد
كانت تتحدث وهى تشير بيديها للأعلى وللأسفل لكى تسترخي، جلست على أقرب مقعد لها ليأتى صوت “نوح” من الخلف يقول:-
-حتى كرسي هتأخده مش كفايه الفرشة
أستدارت تنظر له بضيق ثم عادت بنظرها إلى الأمام وعقدت ذراعيها أمام صدرها ليتعجب غضبها فألتف ليقف أمامها وقال:-
-حد زعلك؟
صاحت “عهد” بأختناق في وجهه قائلة:-
-مين اللى قالك أنى هأكل من غير ملح والعصير أزاى من غير سكر
تبسم بخفة وهى لا ترى بسمته ثم جلس جوارها على نفس المقعد فصُدمت من رد فعله وألتصقه بها لتحاول الأبتعاد عنه بعد أن ألتصق بها ويقول:-
-عشان صحتك
كادت أن تقف ليلف ذراعه حول كتفها يمنعها من مغادرة المقعد مُحدثها بنبرة خافتة:-
-أستحملى هبابة من غير ملح وسكر لحد ما يحددوا ميعاد العملية
حاولت الفرار من ذراعه جاهدة لكنها فشلت في مقاومة بنيته الجسدية القوية وعضلاته وتشبثه بها وعينيه غارقة فى عينيها لتضع يدها على صدره وتدفعه فشد بيده عليها فسكنت هادئة ناظرة إلى عينيه ثم قالت بعبوس:-
-أنت تقدر تأكل من غير ملح
نظر إليها فرأى الغضب ممزوج بالحزن ليؤمأ لها بنعم وقال:-
-ليكى عليا من النهاردة اكل من غير ملح وياكى من نفس الوكل والطبج
تلاشي الغضب من وجهها وظهرت بسمة خافتة بخجل على شفتيها ثم قالت:-
-لا مش لدرجتى
__________________
وافق الطبيب على التبرع من “عليا” وحدد ميعاد للجراحة قبل نهاية الأسبوع ليأخذها “نوح” للغرفة وتركها مع الممرضة لتجهزها إلى الجراحة وعندما دخل للغرفة كانت تجلس في الفراش وترتجف بخوف ووجهها شاحب، أخذ يدها في يده بلطف ليجد جسدها بارد كقطعة ثلجية فتحدثت بنبرة دافئة:-
-متخافيش يا عهد أنا جارك
رفعت نظرها له بضعف ولم تتفوه بكلمة واحدة فمسح على رأسها وقال:-
-أنا هستناكى أهنا
أومأت له بنعم وكأنه يخبرها أنه بالانتظار فلا تجرأ على الرحيل بعيدًا، دلفت “ليلى” من باب الغرفة هادئة ثم قالت:-
-خلاص
نظر الأثنين لها ليروا الممرضة تدخل بالسرير المتحرك (الترولى) لكى تأخذها فساعدها “نوح” وهو يمسك يدها للصعود وسار بها للخارج ويدها مُتشبثة بيده حتى بلغت باب غرفة العمليات فأنفصلت يديهما عن بعض وأُغلق الباب عليها ليقف مع “ليلى” ووالده و”سلمى” بأنتظارها لمدة تصل إلى ستة ساعات وبعد طول انتظار خرجت ممرضة له أعطاها بعض النقود من قبل مُبتسمة وتخبره بأن العملية أنتهت بخير، نص ساعة أخرى وفُتح باب الغرفة الثنائي ثم خرج الترولى وهى به نائمة ليسرع نحوها وهو يضع يده على رأسها فوق طاقية زى العملية ولحظة تتطلعه بملامحها شعر بأن قلبه هدأ وحرب القلق الذي نشب بداخله تلاشي بعد أن أطمن عليها وخروجها سالمة ليأخذوها إلى الغرفة ولم يدخل لها أحد لتظل بالمستشفى أسبوعين تحت العناية، جلس “نوح” مع الطبيب قبل أن يُصرح لها بالخروج ثم قال:-
-أهم حاجة الأكل تأكل كويس جدًا والمياه على طول وبلاش رياضة وحركة قوية، الأدوية اللى كتبتها لحضرتك تمشي عليها ومفيش شغل لو المدام بتشتغل قبل 3 شهور والعربية منسوقهاش، هنبعد عن أي حاجة تنقلها عدوى او أي فيروس ومنختلطش بناس كثير الفترة دى ومتأخدش أي تطعيمات أو أدوية قبل الأستشارة ولو في خططكم الحمل بلاش لمدة سنة على الأقل
تنحنح “نوح” بحرج من ذكر الحمل ثم وقف بوجه أحمر من الخجل وقال:-
-متشكر يا داكتور
غادر المكتب ليعود إلى غرفتها وكانت “ليلى” بالداخل تجهز الحقيبة بعد أن ساعدتها في تبديل ملابسها لترتدي فستان أزرق اللون طويل وفضفاض بنصف كم، أقترب “نوح” فوضع خصلات شعرها خلف أذنها من الجانبين ليضع القناع الطبي (الكمامة) على وجهها ثم مد يده إليها ليقول:-
-يلا
أومأت له بنعم وهى تضع يدها في يده وحملت “ليلى” الحقيبة ثم غادروا المستشفى وتذهب “ليلى” معهم إلى الصعيد…
____________________
__”منــــــزل الصيــــــاد”__
كانت “فاتن” جالسة على الأريكة وعلى قدمها طبق من التفاح وتمسك في يدها سكين تقطع وتأكل وهى ترمق “سلمى” بعينيها ببرود فجاءت “حورية” وجلست جوارها:-
-هو في ايه؟
تمتمت “فاتن” وهى تعطي التفاح إلى “حورية”:-
-شكل نوح معاود النهاردة بمراته المريضة
وضعت “حورية” يدها على رأسها وهى تتكأ بساعدها على الأريكة ثم قالت:-
-مريضة فالحة مش كيف بنتك الموكوسة اللى جاعدة تحب لي فيه وهو مع غيرها أنا حاسة ياما أن بنتك ناجص تجعد تراعها في مرضاها
أقتربت “فاتن” من “حورية” لتهمس في أذنها بمكر قائلًا:-
-متجلجيش أبوكى منتظرهم على الطريج وأن شاء الله يعاود من غير مرته المرة دى …
يتبــــع….
#هويتُ_رجل_الصعيد
الفصل الثامن (8)
___بعنــــوان “قرار أحمق” ___
كانت “عهد” نائمة بمقعدها في السيارة وهو يقود ناظرًا للأمام بينما تجلس “ليلى” في المقعد الخلفى وتنظر في هاتفها دون أهتمام للطريق، توقفت السيارة بمنتصف الطريق فنظرت “ليلى” بتعجب وهى تقول:-
-في أيه؟
أجابها “نوح” وهو يفتح باب السيارة ليترجل منها قائلًا:-
-تجريبًا في عطل
ترجل من السيارة ثم فتح الصندوق الأمامى ليرى الدخان كثير يتصاعد فعاد للسيارة وهو يغلق النوافذ جيدًا حتى لا يتسرب الدخان للداخل لأجل “عهد” ووقف بالخارج يتصل بـ “عطيه” ويقول:-
-أنا على أول البلد المهم متعاوجش يا عطيه
أغلق الخط ووقف ينتظر صديقه وفى أقل من نصف ساعة كان “عطيه” أمامه بسيارته السيدان السوداء، فتح “نوح” باب السيارة وقال بنبرة خافتة هادئة:-
-عهد جومى
فتح لها حزام الأمان ثم ساعدها في النزول وأخذ “عطيه” الحقيبة من “ليلى” وهو يمازح صديقه:-
-حمد الله على السلامة يا نوح، نورت البلد
نظر “نوح” له ليراه ينظر إلى “ليلى” لكنه يواجه الحديث له فهز رأسه بضجر من صديقه وهو يقول:-
-أفتح العربية يا عطيه
أدخلها “نوح” في الخلف بجوار “ليلى” وصعد جوار صديقه لينطلق بهم وهو يحاول أن يفتح الحديث مع “نوح” لكى تجيب أو يقدمها “نوح” له فبالتأكيد ليست زوجته فزوجة صديقه مريضة، لمح “نوح” بعض رجال الجبل يجلسون على الطريق ويحملون الأسلحة فلم يعرى أي أنتبه حتى رأي “خالد” في الخلف ليعلم بأن هذا فخ صنع له وعطل سيارته إنقاذه هذه المرة ليتواعد لهما بالكثير من الأنتقام فبعد أن أطمن على زوجته لن يجد ما يمنعه عنهم، وصلوا للمنزل فترجل وأخذ بيد “”عهد”، أسرع “عطيه” لها وهو يقول:-
-عنك الشنطة
رفعت حاجبها له بحدة ثم قالت:-
-شكرًا
لم تعطيه الحقيبة فنظر لها بذهول من حدتها الصارمة ثم ذهب إليها مرة أخرى وهو يحاول أخذ الحقيبة فقال:-
-عنك والله
صاحت به بضيق شديد قائلة:-
-ما قولنا شكرًا دا أيه الغتاتة دى
أتسعت عينيه بدهشة من ردها وتذمرها ليقول بتمتمة خافتة لم تسمعها:-
-أيه البت أم لسان طويلة دى
غادر من المنزل دون أن يودع صديقه، فتحت “حُسنة” باب المنزل ودخل بها وخلفهما “ليلى”، هرعت “سلمى” لهما بسعادة وهى ترحب بهما قائلة:-
-حمد الله على السلامة يا ولدى، نورتى الدار يا عهد
تبسمت “عهد” لها بخفة وقال “نوح” بجدية:-
-حضري أوضة للضيفة يا أمى
أومأت له بنعم ثم أخذت “ليلى” وصعدت فنظر “نوح” إلى “فاتن” وابنتها “حورية” وهو يشتاط غضبًا من مكرهما ثم أخذ “عهد” إلى الأعلى، هرعت “فاتن” بصدمة من رؤيته حي ولم يصيب شيء هو وزوجته وقالت:-
-أتصلى بأبوكى يا بت وجوليله ان نوح وصل
كزت “حورية” على أسنانها بضيق وأومأت لها بنعم
____________________
وضع الغطاء علي قدميها لتقول “عهد” بجدية:-
-ممكن أروح لعليا أطمن عليها
جاءها صوت “سلمى” من بعيد تقول بهدوء:-
-هي زينة جوى وفى الأوضة اللى جارى والله لأجل عيونك أنتِ يا عهد أتحملت على نفسي ورعيتها في غيابك مع أن خيتك لسانها طويلة
نظرت “عهد” لها بأحراج وقالت:-
-حقك عليا أنا يا ماما
جلست “سلمى” جوارها وهى تمسح على رأسها بلطف ثم قالت:-
-ولا يهمك يا حبيبتى المهم أنك بخير وكتر خيرها جوى أنها أتبرعت ونجتك
غادر “نوح” الغرفة ونزل للأسفل لير “حورية” تتحدث في الهاتف فقال بغضب شديد:-
-أيه يا بت عمى لحجتى تبلغى أبوكى
أستدارت “حورية” له بضيق شديد ثم قالت:-
-جرا أيه يا نوح أنت بدور على المشاكل وخلاص
أكمل نزول الدرج وهو يقول ببرود سافر:-
-والله نفسي يا حورية بس أنا مانع نفسي عن المشاكل لحد دلوجت، أصل بعيد عنك أنا بموت في المشاكل جوى والست الوالدة خابرة كدة زين ولا أيه يا مرت عمى
قالها وهو ينظر إلى “فاتن” فتلعثمت في الحديث وهى تقول:-
-في ايه يا نوح راجع بتشاكل دبان وشك ليه؟
سار نحو المكتب مُتحاشي النظر لهما وهو يقول بتهديد ونبرة غليظة:-
-أنا لسه هشاكل والله يا مرت عمى بس يا رب عمى وولده يبجوا جد اللى بيعملوا أصل اللون الأسود مهيبجاش زين فيكى
تحدث وهو يهددها بقتل أحدهما بطريقة غير مباشرة لتزدرد لعابها بخوف شديد من تفكيره ثم دخل للغرفة وأغلق الباب
__________________
-يا عم أنا عاوز لودر وعربية إيجار وهدفعلك اللى تطلبه
قالها رجل في الخمسينات من عمره ليقول “حمدى” بغرور شديد:-
-جولتلك مبنأجرش أيه أطرشت ولا مبتفهمش
تحدث الرجل بترجى شديد قائلًا:-
-بس نوح بيه جالى أنه هيدينى وأنا بأخد منه دايمًا، دا أكل عيش يا حج
ذكر اسمه “نوح” جعله يشتاط غضبًا فوقف “حمدى” من مقعده تحت المظلة ومسك نبوته لينكزه في كتف الرجل بقوة وهو يقول:-
-لما أجولك مفيش يبجى مفيش وغور من اهنا بجى
أتاه صوت “عطيه” من الخلف يقول:-
-بس هو هيأخد يا حج حمدى
هرع الرجل له بسعادة وهو يشكره بحماس قائلًا:-
-متشكر جوى جوى يا ولدى
أربت “عطيه” على يده وتركه يأخذ ما يريد ليتأفف “حمدى” بضيق شديد وهو يستدير إلى “عطيه” ويقول:-
-أنت بتكسر كلامى يا عطيه وكأنك واجف في ملك أبوك أهنا
وضع “عطيه” يديه في جيب عباءته البنية وقال بثقل يثير غضبه أكثر ويرد الأهانة له بإتقان:-
-وملكك يا حج حمدى وعلى ما أعتجد انه ملك نوح وصاحب الملك جالى أديله وأن جينا للحج أنا واجف في شغلى لكن حضرتك واجف تأمر وتنهى أهنا بصفتك أيه … عم صاحب الشغل .. صفة مبنأخدش بيها في شغلنا
تركه وغادر ليشتاط “حمدى” غضبًا وهو يضرب نبوته في الأرض بقوة ويحاول كبح غضبه قدر الإمكان قبل أن يفلت منه الغضب ويقتل أحد للتو..
تبسم “عطيه” وهو يغادر بعد أن أثار غضب “حمدى”
____________________
دخلت “عهد” إلى غرفة “عليا” لتراها جالسة في التراس وفى يدها كوب من العصير وتتنظر للخارج، تنحنحت “عهد” بهدوء ثم قالت:-
-عاملة أيه يا عليا
نظرت “عليا” لها ببرود ثم عادت بنظرها للخارج لتجلس “عهد” أمامها وتبسمت بعفوية أمام وجه أختها الكبرى ثم قالت:-
-أنا كنت قلقانة أوى عليكى ومبسوطة أنك بخير
تركت “عليا” كوب العصير على الطاولة الصغيرة أمامها ثم قالت ببرود حاد:-
-متتبسطيش أوى يا عهد لأن للأمانة أنا كنت مجبورة على العملية بسبب جوزك المتوحش ولولا خطفه لابنى أنا مكنش هيفرق معايا تلاقى متبرع ولا لا، تعيشي بكبد مريض أو تموتى مكنش من أولويات حياتى للعلم، بطل تتعاملى على أنك أم قلب طيب وبريء وتعيشي دور الساذجة اللى مش فاهمة اللى حواليها، أنتِ عارفة أنى رميتك هنا وضحيت بيكى وأنا متأكدة أن نوح مكنش هيطلقك وأنى أنانية بس حقى أكون أنانية وأفكر في نفسي عشان خاطر ابنى
كانت كلماتها كالخنجر يغرس في قلب أختها رغم مرضها وهى لم تتعافى جيدًا لتدمع عيني “عهد” بحزن شديد من جراءة أختها في الأعتراف بأنانيتها ولم تخفيها فتحدثت “عهد” بضعف تعتذر منها:-
-أنا أسفة يا عليا
أومأت “عليا” لها بجدية تقول:-
-لازم تكونى أسفة وتعتذرى منى وتشكرنى لأنك عايشة دلوقت بفضلى أنا وأهو دين جديد أضف على ديونى اللى في رقبتك بس لحد هنا وأنا مش عاوزة منك تردى أي دين ليا أنا عاوزاكى تتطلعى من حياتى وبس ويبقى كتر خيرك
أنهمرت الدمعة من عينى “عهد” من قسوة أختها التي لم ترأف لحالة أختها المريضة وجرحها الذي لم يشفى تمامًا، هزت “عهد” رأسها بضعف وهى تضع يدها على بطنها مكان الجرح وقالت:-
-أنا مكنتش فاكرة أنك بتكرهنى أوى كدة بس حقك عليا أنا مش زعلانة منك
وقفت “عليا” بغضب شديد وصاحت مُنفعلة على أختها الهزيلة:-
-أنتِ مبتفهمش يا عهد، أنا تعبت من شيل مسئوليتك وحملك فوق كتافى 21 سنة شايلاكى من حقى أتعب أنا مش جبل
قهقهت ضاحكة بهسترية شديدة وهى تقول بسخرية :-
-بكرهك… أنا بسبب أنانية جوزك حفلة الباليه قدام الريس فاتتنى وحلمى ضاع
وقفت “عهد” وهى تستمع لأختها وكرهها لها لتقترب “عليا” منها وهى تتحدث بغضب وكره شديد أثناء مسكها لجسد “عهد” وتهزها بقوة دون أن تكترث لجرحها مُتابعة:-
-ليه كل مرة حلمى أنا اللى يدمر وأنتِ أحلامك مبتتهزش، ليه مكتوب عليا أتعب وأتكسر وأنتِ تعيشي على الجاهز، أنا جوزى يموت لكن أنتِ تعيشي هنا مع جوزك متهنيش ومحدش يقدر يدوس لك على طرف، أنا حلم البالية يضيع منى لكن أنتِ كل قرائك وجمهورك منتظر لحظة رجوعك والكل بيدعي لك وبيحبك لكن أنا منبوذة من الكل
تألمت “عهد” بشدة من هز “عليا” لجسدها وحديثها أكثر قسوة من الألم فدفعتها “عليا” بقوة وهى تقول:-
-أنا بكرهك يا عهد بكرهك وفى كل لحظة عدت وأنا هنا كنت بدعى تموتى في العملية وبعدها ومترجعيش من المستشفى
خرجت صرخة مكتومة من “عهد” من دفع “عليا” لها وقبل أن تتحدث وسط دموعها التي تساقطت بغزارة من قسوة الحديث وألم جرحها أخذتها “عليا” من يدها لتخرجها من الغرفة وتغلق البا في وجهها، أتكأت “عهد” على الحائط بضعف وهى تسير إلى غرفتها ودموعها تتساقط بغزارة لكن جسدها المريض ونزيف قلبها المجروح من حديث أختها وكرهها لها وكيف تمنت الموت لها هزموها لتفقد الوعى وتسقط أرضًا، رأتها “اسماء” وهى تخرج من الغرفة مُتكأ على الحائط وقدميها تزحف ببطيء على الأرض فتجاهلتها حتى سمعت صوت أرتطام جسدها بالأرض فصرخت بهلع وهى تركض نحوها، صعد “نوح” من الأسفل على صوت صراخها وهكذا خرجت “ليلى” من الغرفة ليروا “أسماء” جوارها تحاول أفاقتها، هرع “نوح” بعد أن رأها هكذا وحملها على ذراعيها ليأخذها إلى الفراش، فاقت “عهد” بعد محاولات من “لأيلى” لترى “نوح” جالسًا جوارها ويحتضن يدها بين راحتى يديه ويدلك يديها و”ليلى” جالسة في الجهة الأخرى جانبها لتتذكر حديث “عليا” لها وما حدث لتدمع بضعف وهى تلتف نحو “ليلى” لتختبي في حضنها من أعين الجميع وتقول:-
-طلعيهم برا يا ليلى، أنا مش عاوزة أشوف حد
نظرت “ليلى” له ولأسماء الواقفة بعيدًا فغادرت في صمت بينما “نوح” ينظر لها بدهشة من طلبها وأختباها في صديقتها بدل منه هو ثم غادر الغرفة بهدوء، جهشت باكية بضعف مع صديقتها دون أن تتفوه بكلمة واحدة وما سبب حالتها وبكاءها ولما غادرت غرفتها من البداية…
____________________
جمعت “عليا” أغراضها في الصباح وغادرت بطفلها قبل أن يستيقظ أحد لتراها “ليلى” وهى في طريق خروجها سيرًا على الأقدام لتتجاهلها وتكمل الطريق، ذهبت تتجول في المكان لكى تجلب الكتب التي طلبتها “عهد” دون أن تعرف السبب فظلت تنظر في الهاتف على الخريطة لتدرك أي طريق يجب أن تسلك، رأها “عطيه” وهو يخرج من الكافى بكوب قهوة ورقي ليذهب نحوها وهو يقول:-
-بدورى على حاجة؟
رفعت “ليلى” نظرها له بأغتياظ من هذا الرجل ذو العباءة والعمة ولحيته الخفيفة ويملك زوج من العيون البنية البندقية الواسعة وأنف حاد ببشرة متوسطة البياض ثم قالت بضيق وهى تدفعه بعيدًا عن طريقها:-
-وأنت مالك حد طلب مساعدتك دا انت حشري أوى
أغلق قبضة يده اليسرى بغضب مكتوم قبل أن يفقد أعصابه ويسكب كوب القهوة على رأسها بسبب لسانها السليط وردودها التي تسبب الجلطة للأخرين ثم قالت وهو يكز على أسنانه:-
-هم بنات مصر جليلين الرباية أكدة
سمعته لتتسع عينيها بصدمة من سبه لها ثم أستدارت له بوجه حاد وعابس وعينيها تبث ن,ار على وشك ألتهمه ووضعت سبابتها في وجهه وهى تقول:-
-سمعتك يا مترين وعمارة ثلاثة دور أنت
كتم ضحكاته من وصفها لطوله وقال بحدة مُصطنعة:-
-أنا غلطان أنى جولت أساعدك وأنتِ غريبة في بلدنا
تمتمت وهى تغادر من أمامه غاضبة منه:-
-مبقاش إلا واحد قليل الذوق زيك ويساعدنى
كبث غضبه وصعد إلى سيارته وهو يقول:-
-أنا همشي جبل ما أعصابى تفلت منى وأرزعها كف خماسي
أكملت سيرها على الرصيف وهو يتابعها بسيارته من بعيد مُبتسمًا على حيرتها في الطرق، فتاة طويلة القامة بعينى خضراء وبشرة بيضاء ترتدة بنطلون جينز أسود وقميص نسائي طويل يصل لركبتيها فضفاض لونه أبيض وعليه رسومات بألوان مختلفة وتضع حزام حول خصرها النحيف وترتدي حذاء رياضي أبيض اللون وتلف حجاب من الشيفون برتقالي، كانت جميلة بطالتها الأنيقة وألوانها الربيعية الجميلة، أكملت سيرها حتى وصلت للمكتبة فتبسم وأنطلق في طريقه إلى العمل وهو يحاول تخمين أسم هذه الفتاة..
___________________
أستعد “نوح” للخروج من غرفته وهى تراقبه عن كثب بنظراتها لتستوقفه بضيق قائلة:-
-نوح
أستدار لها بهدوء ليراها تغادر الفراش فأسرع لها لكى يأخذ يدها لتمنعه وهى تسأله بغضب مكبوح:-
-أنت خطفت يونس عشان تجبر عليا على العملية
تنحنح ببرود شديد ثم قال بثقة:-
-اه مكنش عندي حل تانى وخيتك كانت عنيدة
صاحت في وجهه بأختناق شديد يؤلمها من الداخل:-
-وأنا كنت أشتكيت لك مرضي ولا قولتلك ساعدنى
تحدث بنبرة هادئة أمام صراخها هاتفًا:-
-وأنا كنت هستنى مرتى تجولي أنها تعبانة ولا أستنى لما تدخلى المستشفى وتجعى منى
حدقت به ببرود شديد ثم قالت:-
-وهو أنا مراتك يا نوح ولا أنت بتسمى اللى إحنا فيه دا جواز، دا غش وكدب ونفاق وأنا بحذرك يا نوح بيه أوعى تتداخل في حياتى تانى ولا تتصرف في حاجة تخصنى بهمجية وتخلف من عقلك تانى
مسك يدها بغضب شديد من أهانتها له وقال بصراخ قوى:-
-أنا ماسك نفسي عنك بالعافية يا عهد عشان تعبانة لكن متختبرش صبرىعليكى أكتر من أكدة وجولتها جبل كدة وهجولها تانى ولأخرة مرة وأنتِ بتتحددي ويايا تتحدى بأدب لأنى لحد دلوجت معاوزش أوركي وشي التانى والهجمية على حج
تركها وغادر الغرفة لتجلس على الفراش بتعب وظلت سجينة غرفتها حتى المساء..
_____________________
-في حد عاجل يا ناس يهب في مرته أكدة
قالها “عطيه” وهو يسير مع “نوح” في طريق عودتهم من العمل ليقول “نوح” بضيق:-
-هي اللى لسانها ساعات بيفلت منها وأنا متعودتش أن واحدة ست صوتها يعلى عليا
تذكر “عطيه” ردود “ليلى” عليه فتبسم وهو يقول:-
-شكل بنات مصر كلتهما أكدة، ما علينا خلينا في وكستك .. هتعمل أيه؟
هز “نوح” كتفيه بحيرة ويقول:-
-مخابرش
تأفف “عطيه” بغيظ من صديقه فقيد الرومانسية وقال:-
-اه يا جلبى عليك دا الله يكون في عونها، أتحرك يا نوح خدلها ورد وشيكولاته ويا سلام على هدية حلو من ذوجك اللى أنا خابر أنه معدوم وأعتذر
رفع “نوح” قبضته في وجه “عطيه” ليكاد أن يلكمه على سخريته منه ثم قال:-
-هي شيكولاتة وواحدة بس كمان ويبجى كتر خيرى
تركه “عطيه” بضيق وهو يغادر قائلًا:-
-أنا غلطان أنى بتحدد وياكى في المشاعر وأ،ت عديمها أنا مروح جبل ما أتجلط منك
غادر وتركه ليكمل “نوح” طريقه للمنزل وعندما دخل رأها تقف في الشرفة بغرفته فتنهد بهدوء وهو يدخل المنزل ليرى “حمدى” جالسًا على السفرة، رمقه “نوح” بوجه حاد غليظ ثم قال:-
-بالهنا يا عمى
أزدرد “حمدى” لقمته بأغتياظ شديد ليتابع “نوح” وهو يصعد الدرج:-
-كُل من مالى هو العم وولد اخوه أيه ما هم واحد برضو
قالها بسخرية ليثير غضب “حمدى” لترك “حمدى” الملعقة من يده بقوة وقال:-
-منك لله يابويا
دخل “نوح” للغرفة بهدوء ثم نزع وشاحه ووضعه على الأريكة ثم عمته وعينيه على الشرفة مُنتظر أن تخرج لأجله لكنها لم تفعل، دخل المرحاض ليأخذ حمام دافيء ويبدل ملابسه ليرتدى عباءة باللون الزيتونى ووجدها لا تزال بالخارج فتنهد بهدوء ثم سار نحوها ووقف أمامها فرفعت نظرها به بصمت وهى عاقدة لذراعيها أمام صدرها فقال عفوية:-
-مش سجعانة الهواء بارد عليكى .. هجبلك حاجة تحطيها عليكى
أستوقفته بنبرة باردة حادة تقول:-
-مش عايزة
عاد للوقوف أمامها بأرتباك شديد وهو لا يعلم كيف يعتذر من الأخرين ثم قال بلطف:-
-أخليهم يحضرولك العشاء
أجابته بحدة اكثر قائلة:-
-أتعشيت
كانت تتابع ربكته وتوتره بعينيها لكن قلبها الأحمق يتسارع من وسامته ووجهه المبلل ويتلألأ من المياه وشعره المبعثر وتتساقط منه قطرات المياه على وجنته لتحسد هذه القطرات على حقها بلمس وجنته أم هي زوجته ولا يحق لها بالأقتراب منه أو مسح تلك القطرات الباردة عنه، نشبت الغيرة نيرانها في قلبها الصغير من هذه القطرات لكنها تصطنع البرود أمامه فماذا ستقول أو بما ستخبره بأن قلبها فتح أبوابه لهذا الرجل الجليدى، كاد أن يتحدث لكن نظراتها تربكه أكثر وتزيد من توتره الشديد ولم تكتفى “عهد” بنظراتها بل صدمته عندما أقتربت خطوة تجاه وأدخلت ذراعيها أسفل ذراعيه لتستكن في حضنه فأتسعت عينيه على مصراعيها بدهشة بينما هي أغلقت عينيها لتشرد مع دقات قلبها فقد أرادت أن تتأكد مما يحدث لها في حضوره وكانت دقات قلبها تتسارع وحرارة جسدها تترفع وتسير القشعريرة في جسدها كاملًا لتدمع عينيها بضعف وهى تبتعد عنه بعد أن تأكدت بأنها هويت رجل الصعيد ذو القلب الحديدى، نظر “نوح” لها ليرى دمعة تتلألأ في عينيها ليعتقد بأن صراخه بها صباحًا هو سبب بكاءها فرفع يده إلى وجنتها بحنان يضع خصلات شعرها خلف اذنها فنظرت “عهد” بعينيه وبدأت ضربات قلبها تتسارع وتتجاوز المعدل الطبيعي، تحدث “نوح” بلطف وهو ينظر بها:-
-حجك على رأسي يا عهد، غلطة مهتتكررش تانى
تذكرت صياحه عليها فى الصباح لكنها لا تكترث كثيرًا لشيء أخر سوى وسامتها وحنانه معها، أومأت له بنعم ليقول:-
-تحبى نطلع نتعشي سوا برا وتغيري جوا
هزت رأسها بلا، تحدث بهيام وهو يمسح على رأسها بيده قائلًا:-
-وجت ما تحبى تخرجى جوليلى ولو حابة تعملى اي حاجة جوليلى أنا عاوزك تكونى مبسوطة وسعيدة
سألته بنبرة هادئة وهى تنظر إلى عينيه ودقات قلبها تكاد تهزمها بعد أن نشب الحُب جذوره بقلبها الصغير:-
-بجد!
أومأ لها بجدية وثقة من حديثه ثم قال بلطف:-
-أكيد أنا عاوزك أسعد واحدة فى الدنيا ما دام السعادة دى أجدر اجدمها لك يبجى هعملها عشانك ولأجل عيونك يا عهد، أنتِ مش واخدة بالك أنك أهم وأغلى حد عندى ولا ايه
صمتت قليلًا لينظر إلى الأمام حتى لا يخجلها أكثر فنظرت إلى وجهه بحُب ثم جمعت شجاعتها وهى لا تعرف كيف ستفارق حبيبها لتقول:-
-طلقنى يا نوح
ألتف لها بصدمة ألجمته وهو لا يُصدق ما يسمعه منها ليقول بجدية:-
-أنتِ واعية للى بتجولي يا عهد
تنهدت بهدوء قبل أن تتحدث وهى على يقين بأنها تكن له المشاعر لكن برود قلبه المتحجر معها لن تتحمله فقالت:-
-لو عايزنى سعيدة طلقنى.. أنا عارفة يا نوح أن اللى بينا ميندرجش تحت بند الجواز، عارفة أنك مجبورة عليا وأنا واحدة اتفرضت عليك، باين أوى أنك بتغصب نفسك على المعاملة بينا وبتجبر نفسك على معاملتى بلطف، خلينا نصلح الوضع دا وطلقنى أنت ترجع لحياتك وأنا كمان أرجع لحياتى
لم يتمالك غضبه الذي نشب حربه بين ضلوع صدره من طلبها للأنفصال عنه وهى تتحدث بالهراء أى معاملة يُجبر حاله عليها وأى لطف مُصطنع يفعله، كل هذا هراء أحمق لا تتدرك حقيقته، مسك ذراعها بقوة جاذبها نحوه بقوة لتلتصق بصدره، حدق بعينيها العسليتين بغضب يتطاير من عينيه، أزدردت لعابها الجاف بصعوبة من نظرته فسمعت صوته يقول بنبرة قوية:-
-انهى حياة اللى عاوزة ترجعي ليها، فرض وإجبار!! .. دا شيء ميخصكيش فاهمة ولو الطلاج هو سعادتك يبجى خليكى تعيسة وطلاج مفيش، أنا مهطلجيش يا عهد وطريجك الوحيد عشان تأخدى حريتك منى هو موتى، ويا ريت مسمعش الكلام دا منك تانى
ترك يدها بقوة وأستدار لكى يغادر فتمتمت “عهد” بصراخ وعناد شديد قائلة:-
-بس أنا مش هعيش حياتى كلها معاك كدة، دى مش سعادة
توقفت قدميه لكى يسمعها وعندما انهى حديثه قال بحدة دون أن يلتف لها:-
-وأنتِ مالكيش حياة غير ويايا يا عهد وأعتبري نفسك تعيسة مدى الحياة
غادر الغرفة تاركها خلفه لتضرب باب الشرفة بيدها وهى تستدير لكى تنظر إلى الأمام غاضبة من بروده وهى لا تستطيع تحمله أكثر…..
____________________
جاء الطبيب في الصباح لفحصها في المنزل وتطهير جرحها وبعد أن غادر تحدثت “عهد” إلى “ليلى” بغموض دون أن يسمعها أحد لتغادر “ليلى” المكان دون أن تتفوه بكلمة، دلفت “أسماء” لها ثم قالت:-
-كيفك النهاردة؟
تبسمت “عهد” في وجهها بعفوية وقالت:-
-بخير وشكرًا ليكى يا أسماء على اللى عملتيه
تبسمت “أسماء” بسمة حزينة ثم قالت:-
-أي حد مكانى كان هيعمل اللى عملته
أومأت “عهد” لها وأستدارت “أسماء” لكى تغادر فأستوقفتها “عهد” بحديثها تقول”:-
-أنا مكرهتكش لحظة يا أسماء وعارفة أن اللى جواكى ليه مش الخير وأن بسببى أنا وأختى قلبك أتكسر بس صدقينى مفيش جرح بيدوم العمر كله وبكرة السعادة تجي لك لغاية عندك وتمحى أيام التعب
أستدارت “أسماء” لها بدهشة من حديثها وهى لا تفهم شيء منه فألتزمت “عهد” الصمت تمامًا وأكتفت ببسمة رقيقة لتغادر “أسماء”
____________________
ظل “نوح” يكابر قلقه وهو يعلم بأن الطبيب سيأتى لها اليوم لكنه غاضب حقًا منها وتفكيرها في الأنفصال، تأفف “على” من شرود ابنه في العمل ثم قال بصياح:-
-يا نوح؟
فاق من شروده وتفكيره بها بحرج أمام والده ليقول “على”:-
-فينك يا ولدى
تنهد “نوح” بخفوت شديد ثم قال:-
-هو أنا وحش جوى يا أبويا
تعجب “على” من سؤاله الغريب ثم قال:-
-ليه بتجول أكدة يا نوح؟
تأفف “نوح” بحيرة ثم وقف وقال بحدة:-
-أنا ماشي
غادر المحجر شاردًا وهو يتساءل ويكاد عقله يقتله من التفكير في سبب واحد جعلها تفكير في الأنفصال عنه وهل العيش معه صعب وشاق لها بالقدر الكافى لطلب الطلاق منه؟ تساءل بماذا أخطا لتطلب الرحيل؟ لم يهملها يومًا وكان سندًا قوي لها، لم يقبل الأهانة لها من أحد ووقف أمام الجميع لأجل كرامتها وعاملها برفق وإحسان فلما ترغب بالمغادرة، وصل للمنزل شاردًا ومهموم ولم يتحدث مع أحد ولا والدته بل صعد إلى غرفته وعندما ولج للداخل دهش من جمالها وهى ترتدي فستان أسود اللون بقط وطويل وتسدل شعرها بحرية على ظهرها ويغطى وجنتها اليسري وتضع مساحيق التجميل، سارت نحوه ببسمة رقيقة وكأن يستمع لطقطق كعبها العالى تقترب منه وهو يحدق بها بهيام وعينى لامعة، وقفت أمامه بخجل وهى ترفع يدها لتضع خصلات شعرها خلف أذنها اليمنى وتقول:-
-أتعشيت؟
نظر لطاولة العشاء الموجودة في الخلف وعليها طعام وكوبان من العصير ويزينها شمعتين يضيوا الغرفة ليقول بنبرة هادئة:-
-لا
تبسمت وهى تأخذ يده للطاولة ثم جلس يتناول الطعام في صمت وهو يختلس النظر لها يتعجب من حالتها التي تبدلت من ليلة وضحاها ويبدو أنها تفتح صفحة جديدة معه، أنهى طعامه أولاً لينزع عمته وهو ينظر إليها فتركت الشوكة من يدها ثم وقفت لتسير نحوه ومدت يدها له وقالت:-
-ممكن ترقص معايا
أومأ لها بنعم ثم وضع يديه في يدها ووقفا معًا يرقصان سلو على أغنية أجنبية ويديه تحيط خصرها بينما تضع يديها على أكتافه وتنظر في عينيه تحفر ملامحه في ذاكرة عقلها وقلبها حتى توقفت عن الرقص ويديها تتسلل إلى وجنته وأقتربت خطوة أكثر نحوه لتضع قبلة على لحيته بخفة ثم قالت بنبرة دافئة:-
-أعتبر دا أعتذارى وشكرى ليك يا نوح، أنت فعلا تحتاج أنى أشكرك على كل لحظة كنت جنبى فيها ومعايا كفاية أنك أجمل حد دخل حياتى
أخذ رأسها بين يديه ليقربها له ثم وضع قبلة على جبينها بدلال ثم قال:-
-وأنتِ أغلى من حياتى كلها يا عهدى
أرتجف جسدها من قبلته وتنفست الصعداء بخجل شديد من هذه القبلة ثم تبسمت بلطف لأجله لتسقط بسمتها سحرها على قلب هذا الرجل الجليدى لتذيب هذا الجليد فشعر “نوح” بخفقة قلبه تتسارع لأول مرة لأجلها ليعلم بأن قلبه فتح بابه للتو ليرحب بها ويستقبلها بداخله الآن وللأبد..
أستيقظ “نوح” صباحًا وكان بفراشه فتذكر أمس عندما نامت بين ذراعيه، نظر جواره ببسمة وكان الفراش فارغًا، وقف من مكانه وهو يعتقد بأنها في المرحاض لكنه لم يجد لها أثر بداخله ليتذكر ما حدث أمس فأتسعت عينيه بصدمة عندما أدرك بأنها لم تكن تفتح صفحة جديدة معه وتأخذ خطوة نحوه بل كانت تودعه، فتح خزانة الملابس الخاصة بها وكانت فارغة ومعدات التصوير لخاصة بها أختفى لقد غادرت بعيدًا ورحلت عنه للأبد…….
يتبــــع….
#هويتُ_رجل_الصعيد
الفصل التاسع (9)
__بعنــــــوان “لقـــاء”__
كانت تدرك “عهد” بأن كبريائه سيمنعه من البحث عنها أو المجيء لها للعتاب وما توقعته حدث لم يأتي لمنزلها أبدًا لرؤيتها أو أخذها بالقوة إلى الصعيد فرغم كل هذا ما زالت زوجته لكنه تجاهلها أكثر ببرود وهذا التجاهل كاد أن يقتلها كلما مرت الأيام، سنة كاملة مرت وهو لا يكثرت لشأنها باتًا، وقفت خلف المنصة مُرتدي زى التخرج وطاقية على رأسها لتنظر إلى هاتفها بتوتر إلى صورته وهى نائمة جواره وهو غارق في نومه، هذه الصورة الوحيدة التي ألتقطتها له في ليلتها الأخيرة في الصعيد لتتطلع بصورته كلما أشتاقت له، وضعت الهاتف في جيبها بعد أن سمعت أسمها لتتقدم ببسمة حزينة تستلم شهادتها ثم وقفت مع زملاءها و”ليلى” تحتضن شهادتها وهى لا تكترث للحاضرين فهى لا تملك منهم شخص واحد فحتى أختها لم تأتى لحفل تخرجها ولم تسأل عنها الفترة الماضية بل قطعت كل الوصال معها وكانت “ليلى” تتحدث مع أصدقاءها وتتضحك بسعادة فأتسعت عينيها بصدمة قاتلة وتلاشت بسمتها وهى تنكز “عهد” في ذراعها للتجاهل “عهد” وهى تتحدث مع زميل لها يقف جوارها بالجهة الأخرى، مسكت “ليلى” فك وجه “عهد” بقوة لتدير رأسها للأمام فأتسعت عينيها بهلع مُصدومة من رؤية “نوح” يقف على الدرجات بين المقاعد ويحمل باقة ورود وردية لها لكن ملامحه تشتاط غضبًا بعد أن رأها تتحدث لهذا الشاب وتبتسم له تلك البسمة التي جعلت قلبه يخفق لها في ليلتهم الأخيرة، أزدردت لعابها بخوف شديد وهى تراه يقترب أكثر وتذكرت كيف كان يلكم “خالد” لأجلها فنظر إلى هذا الشاب الواقف جوارها بعد أن مسك ذراعها يناديها لأنها تجاهلت حديثه فجأة، توقف “نوح” بغضب أكثر عندما لمسها هذا الشاب ثم تابع خطواته لتسحب ذراعها من هذا الشاب وتركض إليه قبل أن يصل هو إليها ويقتل زميلها صعد على المسرح لتتوقف أمامه وهى تقول بخوف:-
-أنت رايح فين؟
لم يُجيبها بل كان نظره ثابتًا على هذا الشاب وأنفاسه العالية تضرب وجهها لتأخذه من يده للأسفل بصعوبة من بنيته الجسدية وتقول:-
-تعال يا نوح
أخذته للخارج بغيظ ثم تركت يده وهى تقف على الدرج الخاص بالمبنى ونظرت له بضيق وتقول:-
-مش هتبطل الهمجية دى
مسك يدها بغضب شديد وهو يقول بنبرة غليظة:-
-همجية عشان شايف واحد بيحط يده على مرتى
أجابته بأختناق شديد من عصبيته الحادة وتقول:-
-محدش يعرف أنى متجوزة وبعدين أنت أيه اللى جابك
ألقى باقة الورود لها بغضب وقال بحدة:-
-جاي أخد مرتى اللى هربت من بيتى
مسكت باقة الورد بعفوية ثم قالت بأختناق:-
-أنا طلبت الطلاق
أقترب خطوة نحوها أكثر ثم قال:-
-مش جولتلك بلاش تشوفى وشي التانى، لتكونى فاكرة أن طول السنة دى مكنتش جادر أجيبك أنا بس هملتك بمزاجى عشان تخلصي جامعتك وميضعش عليكى التخرج لكن من اللحظة دى أعتبري نفسك خسرتى حريتك يا عهد لأن اللى هتشوفى منى مشوفتهوش في عمرك كله
أقترب أكثر منها بغضب لتشعر بأنه على وشك ألتهمها وأصابها الخوف منه ومن نظراته لأول مرة ليتابع حديثه بتهديد:-
-أستعدى عشان تشوفى الهمجية اللى على حج
مسك يدها بقوة وسار وهو يجذبها خلفه وهى تحاول منعه والفرار منه لتقول بخوف منه:-
-نوح سبنى بدل ما أصوت وألم عليك الناس
نظر لها بنظرة شر ثم قال:-
-أعمليها يا عهد وأنا بدل ما أجرك على رجلك أشيلك وأرميكى في العربية
أقترب خطوة نحوها ليقول بسخرية:-
-أكيد وحشك أنى أشيلك
تنحنحت بحرج منه لتتنازل عن مقاومته فتبسم بخبث وشر ثم سار بها وهى تتابعه ثم أدخلها السيارة وأنطلق بها مُتجهًا للصعيد بها….
___________________
__منزل الصيــــاد__
صاح “حمدى” بأختناق شديد وهو يقف من مكانه قائلًا:-
-يعنى حجى في ورث ابويا في البيت بس والمحاجر والأراضي والمال كلتهما لك أنت وولدك يا على
تحدث “على” بنبرة هادئة محاولًا إرضاء أخاه الأكبر قائلًا:-
-خد حجك في البيت وبعدها يحلها ربنا يا حمدى
ألقى “حمدى” العقد من يده بضيق شديد ويقول بانفعال:-
-يأخد حجى كله ياما هيرجعه كله بطريجتى لكن ترمي ليا عضمة زى الك,لب لا
أتاهم صوته القوى من بعيد يقول بقسوة وحزم:-
-ومين جال أنك هتأخد حاجة أصلًا
نظر الجميع تجاه الباب وكان “نوح” واقفًا وهى بيديه ليُدهش الجميع بحضورها، اقترب “نوح” إليهما ليأخذ العقد من فوق الطاولة ويمزقه بببرود ثم قال بتحدي وهو ينظر بوجه عمه:-
-ولا جرش واحد يا عمى من مالى وملكى
تركه ليعود لها، لم يتمالك “حمدى” غضبه أكثر فهو تحمل سنة كافية تحت رحمة “نوح” ليخرج مسدسه من جيبه وأطلق النار على “نوح” ففزع الجميع بينما سقط “نوح” أرضًا بعد أن أصابت الرصاصة ذراعه لتفزع “عهد” بهلع شديد وهى تسرع نحوه بخوف شديد وتقول بتلعثم مذعورة:-
-نوح أنت كويس..
أربت على يدها بلطف متناسي غضبه منه ثم وقف على قدمه وهو يستدير لعمه بغضب شديد يكتم ألمه به ثم قال:-
-على موتى يا عمى تأخد جنيه وحتى بعد موتى مش هطول حاجة
هرع “على” نحو ابنه وخرجت “سلمى” على صوت طلق النار لتصدم عندما رأت ذراع “نوح” ينزف فصرخت بهلع ليقول “نوح” بلطف:-
-متخافيش يا أمى عمى بس مبيعرفش ينشل زين
غادر المنزل وحدها لتسرع “عهد” خلفه وقبل أن يقود سيارته صعدت معه فنظر لها ليرى عينيها تبكى بخوف فأنطلق للمستشفى بصمت دون أن يتفوه بكلمة واحدة…
____________________
مسك “على” أخاه من ملابسه بقوة وهو يقول:-
-هي حصلت تضرب ولدى بالنار
كان “حمدى” غاضبًا ليقول بصراخ وتهديد:-
-والمرة الجاى في رأسه لو مدنيش حجى يا على
تركه “على” بغضب وقسوة تملكته بعد أن رأى أخاه يطلق النار على ابنه دون خوف أو أن يرحم أخه..
___________________
كان “نوح” يجلس على الفراش والطبيب يخرج الرصاصة من ذراعه في قسم الطوارئ وهى تقف في الخلف تبكى بصمت والخوف تملك منها ليبتسم “نوح” بخفة فهو أشتاق لرؤية ضعفها وخوفها ليسحب بسمته ويقول بحدة شديدة:-
-متخافيش لسه مبجتيش أرملة
نظر الطبيب له بدهشة من طريقة مؤاساته لزوجته التي رأت زوجها يُطلق النار عليه ثم غادر، أقتربت “عهد” منه بخوف ثم قالت:-
-أنت كنت عايز رصاصة في لسانك
وقف “نوح” بهدوء وقميصه الأبيض تلوث من ال,,,دماء فنظر لها بمكر شديد يقول:-
-مهتساعدنيش وأنا مريض، على الأجل ردى الدين اللى عملته وياكى وأنتِ مريضة
أقتربت “عهد” منه لتمسك يديه بقلب مقبوض ما زالت لا تصدق بأنها رأت ذلك الرجل يطلق ال,,نار على حبيبها بكل قسوة وسقوطه أمامها، تبسم “نوح” بخبث شديد وهو يتواعد لها بالأنت
قام من هروبها منه، أخذته وعادت للمنزل وكانت “سلمى” في ذعر على ابنها وفور دخولهما هرعت إليه بقلق تقول:-
-أنت زين يا ولدى
أومأ لها بنعم لتتنفس الصعداء بإرتياح شديد بينما وقفت “أسماء” بدهشة من رؤية “عهد” وأتسعت عينيها بصدمة لتركض للأعلى دون أن تتفوه بكلمة واحدة وهى تدرك ان عودة “عهد” تعنى موت حُبها للأبد..
صعد “نوح” للغرفة بمساندتها وهو يدعى المرض والضعف، جلس بفراشه لتتركه فقال:-
-معلش أتعبك وتجيب ليا تي شيرت
رمقته بذهول وهو يدعى الضعف أمامها لتتأفف “عهد” بضيق وهى تكز على أسنانها وتقول:-
-عيونى
أحضرت له تى شيرت بنصف كم رمادى اللون وأعطته له فنظر لها ببرود ثم بدأ يفتح أزرار قميصه وهو يصدر صوت أنين ألم مُصطنع ونبرته صوت عالية، تنهدت بضيق وهى تعطيه ظهرها وتقول:-
-أستحملى يا عهد
ألتفت ثم جلست جواره وهى تساعده في فتح بقية الأزرار لتتطلع بملامحها بشغف مُشتاقًا لها لكنه يكن الغضب الشديد من هروبها منه بعد أن أعترف لها بأنها بمثابة حياته وهذا أشبه بالأعتراف بالحب فكيف لها أن تأخذ قلبه وعقله وتهرب بعيدًا دون ان تكترث لحاله، أغمضت عينيها بخجل شديد وهى تنزع القميص عن أكتافه لتظهر عضلات صدره وذراعيه القوية فتبسم على وجنتها التي زُينت بلون الدم وكأن كل خلايا دماءها تتدقف إلى وجنتيها فكانت فائقة الجمال في خجلها وحياءها، وضعت التي شيرت في رأسه بحذر وترفع عينيها بوجهه دون أن تختلس النظر إلى جسده وضربات قلبها تتسارع وهى لا تقوى على سرعتهم، أبعدت سريعًا هاربة إلى المرحاض بعد أن أنهت ما تفعله، تنفست الصعداء وهى تقف أمام المرآة ثم غسلت وجهها مرارًا وتكرارًا بالمياه الباردة ربما تقل حرارته، نظرت لصورتها في المرآة لتضع يديها على وجنتيها بأرتباك شديد ثم قالت مُحدثة نفسها:-
-أهدى يا عهد، أستحملى أسبوع وبعدها أطلبى الطلاق تانى .. أسبوع بس عشان مريض
__________________
أتسعت عينى “خالد” بصدمة وهو يقول:-
-عهد رجعت
تبسمت “حورية” بمكر شيطانية فقالت بشر:-
-كيف ما بجولك، نوح رجعها وشكلها اكدة كانت غضبانة منه مش بتدرس في مصر كيف ما جالنا
تبسم “خالد” بسعادة وحماس ويقول:-
-يعنى بينتهم مشاكل ونوح مكنش مقعدها في مصر عشان كليتها كيف ما ضحك علينا كلنا
أومأ له بنعم ثم قالت:-
-أيوة أكدة.. هتعمل ايه؟
وقف من مكانه ويفكر بشر ومكر خبيث مُتمتمًا:-
-بكرة تعرفى أخوكى هيعمل أيه؟
_____________________
أخذت “عهد” الوسادة وسارت نحو الأريكة لكى تنام عليها ليستوقفها “نوح”. وهو يقف من الفراش:-
-بتعملى ايه؟ مش رجولة أنيم مرتى على الكنبة
أجابته وهى تضع الوسادة على الأريكة ببرود:-
-أنت تعبان ولازم ترتاح خليك في السرير
تبسم ببرود شديد وقال بسخرية يثير غضبها أكثر:-
-ومين اللى جال أنى هنام على الكنبة، الفرشة كبيرة أهى وتسعنا إحنا الأتنين
رمقته بخجل ثم قالت بأرتباك شديد وتلعثم:-
-لا شكرًا أنا هرتاح هنا
سار نحوها لتمد ذراعيها للأمام تستوقفه بسرعة وتقول:-
-رايح فين خليك هنا
صعد للفراش وقال بخبيث يثير خوفها:-
-براحتك نامى مكان ما تحبى مهغصبش عليكى بس خدوى يالك في فأر والد ثلاثة تحت الكنبة متبجيش تيجى تصحينى ومتزعجهوش
أتسعت عينيها على مصراعيها وهى تبتعد عن الأريكة بهلع فتبسم عليها بعد أن صدقت كذبته، أغمض عينيه يدعي النوم فرفعت جسدها على أطراف أصابعها تنظر عليه لتراه مغمض العينين ثم نظرت للأريكة بخوف وذهبت للفراش لتنام بحافته بعيدًا عنه لكنها صُدمت عندما طوقها بذراعيه على سهو دون سابق أنذار لتتحدث بغضب منه وهى تحاول مقاومته قائلة:-
-بتعمل أيه .. أبعد يا نوح
لم يُجيبها لتحاول التسلل من بين ذراعيه فشد عليها بقوة بعد أن ألتفت له لتتطلع بملامحه وهو مُغمض العينين وقلبه ينبض بجنون له ومن قربه فقال بألم حقيقى:-
-عهد أنتِ بتضربى الجرح وبجد بتوجعينى
توقفت عن المقاومة وسكنت يديها على صدره لتهدأ تمامًا خوفًا عليه من أن يتألم فكيف لها أن تقبل بألمه وهى تشعر بثغزات في قلبها من أجل ألمه ومرضه، شعرت بأنفاسه الدافئة تضرب وجهها فقشعرت بحُب وشوقها إليه يصارعها، تمتمت بصوت خافت قائلة:-
-أنت كدبت عليا مفيش فأر صح
فتح عينيه ببطيء لتتقابل أعينهما فرأى الغضب ساكن في وجهها العابس والقلق عليه يحتل عينيها فقال بهمس شديد:-
-أتمنى ميكنش حد غيرى جالك أنك كيف القمر في غضبك يا عهد
لم تستطيع النظر له أكثر وقلبها يكاد يقتلها شوقًا لحبيبه وكيف فكر عقلها الأحمق بالهرب بعيدًا عنه وسبب الألم لقلبها وأنهك روحها في الفراق والغربة بعيدًا عن موطنها فأغمضت عينيها حتى لا تُهزم أمام عينيه، وضع رأسه على رأسها بهدوء وهو يستنشق عبيرها بأشتياق وحنان ثم أغمض عينيه ليغوص في نومه هو الأخر…
___________________
وصلت فتاة غجرية صباحًا أمام منزل الصياد وسألت “خلف” من خلف البوابة الحديدية تقول:-
-هو دا بيت الصياد
أومأ “خلف” لها بنعم ثم قال:-
-أيوة عاوزة مين؟
غادرت الفتاة دون أن تجيبه فتعجب “خلف” لها لكنه لم يهتم كثيرًا بها وعاد لجلوسه مع الغفر ويكمل فطاره، وقفت الفتاة خلف شجرة قريبة من المنزل وهى تحدق به وهتفت بالهاتف بجدية:-
-أنا مستنية قدام الدار أهو بس زى ما أتفجنا وحياة امى بعد العملية دى لو ما كتب عليا يا خالد لأكون جاتلك وشاربة من دمك
أنهت الحديث معه وهى تنظر للمنزل قائلة:-
-يلا يا حورية طلعيها من الدار خلينا نخلص في اليوم دا
___________________
خرجت “عهد” من باب المطبخ وهى تحمل صنية الإفطار لكى تصعد بها لكن أستوقفتها “حورية” قبل أن تصعد وتقول:-
-على فين يا عهد
رمقتها “عهد” ببرود شديد وهى لا تحب هذه الفتاة منذ أول لقاء وقالت:-
-مالكيش دعوة يا حورية
وضعت قدمها على الدرج لتمسك “حورية” يدها بخفة وقالت:-
-أستنى بس أنا كنت عاوزة منك خدمة
نظرت “عهد” لها ببرود شديد مُنتظرة أن تكمل حديثها فتابعت “حورية” ببسمة مُصطنعة:-
-كنت عاوزاكى تيجى ويايا أشترى كتب لأسماء تحسن من نفسيتها وأنا خابرة انك أحسن واحدة ممكن تساعدنى في الكتب
تعجبت “عهد” لطلبها ثم قالت ببرود:-
-أستنى طيب
صعدت للأعلى ووضعت صنية الإفطار وهى تنظر على المرحاض وهو ما زال بالداخل ثم خرجت من الغرفة، تبسمت “حورية” بحماس شديد وهى قد نجحت في مهمتها بعد أن رأت “عهد” تنزل الدرج لكى تذهب معها، وصلت “عهد” أمامها لتقول “حورية” بحماس وهى تمسك يدها:-
-يلا بينا
جذبت “عهد” ذراعها من يد “حورية” وتقول بجدية صارمة:-
-أستنى بس
مدت ورقة لها فنظرت “حورية” للورقة بتعجب فقالت “عهد” بحدة:-
-دى أسماء كتب ممكن تشترى ودا أخر للى ممكن أعمله مع ناس ضربوا جوزى بالنار وأخر مرة تطلبى منى طلب يا حورية
ألتفت لكى تصعد لتشتاط “حورية” غضبًا من هذه الفتاة فهى كانت على بُعد خطوة واحدة من أنتقامهم من “نوح” وتنفيذ خطتهم، دخلت “عهد” للغرفة بضيق لترى “نوح” جالس على الأريكة ويجفف شعره بالمنشفة، كان يرفع يد واحد ويجفف شعره ليشعر بشيء يجذب المنشفة وعندما رفع نظره رأها تأخذ المنشفة منه فتطلع بها صامتًا وهى تجفف شعره بيديها وتقف أمامه ناظرة للأسفل بسبب جلوسه وشعرها مسدول على الجانبين، تأملها بعيني دافئة لتنظر إلى عينه بالخطأ لتقابل عينيه وكأنه يعانقها بنظراته ويحيطها بهم، ظلت تنظر إلى عينيه ليرفع يده يمسك معصمها المتشبث برأسه ثم جذبها إليه بقوة لتسقط على قدمه فأزدردت لعابها الجاف في حلقها بتوتر شديد ليقول “نوح” هامسًا لها:-
-أعاقبك كيف يا عهد عشان أرضي غضبى المحبوس جوايا منك
أنزلت يدها بالمنشفة والأخرى وضعتها على لحيته تداعبها بلطف ثم همهمت بحنان:-
-أنا عارفة أنى زعلتك لما مشيتى بس…
قطع حديثها بنبرة هادئة يصحح جملتها وفكرها قائلًا:-
-وجعتنى مش زعلتنى
كان النظر به من قرب لأقصي أحلامها وأجمل لحظات عمرها لكن أيحق لها أن تكون بهذا القرب منه والحدود بين قلوبهما كالمشرق والمغرب، تابعت حديثها بهدوء:-
-وجعتك يا نوح بس عشان دا الصح إحنا عايشين مع بعض وبينا مسافات وحدود، عايشين مع بعض ولما بيضيق بيا الحال بروح أشتكى همى لصاحبتى مش جوزى ولما بقع في مشكلة بخاف أحكي لك، حزنى وأوجاعى بشاركهم مع غيرك وأنت كما زي كم مرة جيت تشكي ليا مكر عمك وكرهه ليكى، عمرك حكيت ليا عن مراتك اللى ماتت وكنت بتحبها ولا لا، حياتنا كانت عبارة عن مرضي وعلاجه بس شوية ضعف شاركتهم معاك وبس، أزاى عايزنى أعيش معاك وأنا بعيدة عنك
رفع يده إلى وجنتها ليضع خصلات شعرها خلف أذنها بحنان ثم قال بعفوية:-
-نقرب يا عهد
قطعته بجدية حاسمة أمرها من جديد:-
-نتطلق يا نوح
أشتاط غضبًا من كلمتها ثم أبعدها عنه ووقف وهو يقول بغضب سافر ونبرة صوت قوية:-
-دا الحل عندك، بدل ما نقرب من بعض لا نطلق وخلاص عشان الهانم عاوزة تعيش حياتها في مصر مع اللى تضحك معهم ويبسطوا مش أكدة
وقفت بغضب من حديثه عنها ثم قالت:-
-أنت بتحبنى يا نوح
صاح في وجهها بأختناق شديد قائلًا:-
-لا ومهحبكيش يا عهد واصل
ألقت المنشفة في وجهه بضيق من حديثه وقالت:-
-يبقى هفضل أطلب الطلاق منك لحد ما أموت يا نوح
صرخ بها وهو يدخل للشرفة بعناد قائلًا:-
-يبجى موتى أحسن وأسهل
أتسعت عينيها بصدمة قاتلة من جملته ثم جلست على الأريكة بضيق وكل منهم يلتهب بركان الغضب بداخله فكلاهما عاشقان لكن لم يجرأ أحد منهم للأعتراف للأخر
______________________
كانت “ليلى” واقفة في محطة القطار المتجه للصعيد وتتحدث بالهاتف لتقول:-
-متقلقيش كله هيكون تمام
صاحت مؤظفة الدار بأختناق شدي قائلة:-
-فهميها أنها ماضية عقد ولو الكتاب متسلمش في ميعاد أنا هلجأ للحل القانوني
أومأ “ليلى” بالأيجاب وتقول:-
-متقلقيش وقبل ميعاده كمان هيكون عندك
أغلقت الخط معها بعد محاولات كثيرة ثم صعدت على متن القطار ذاهبة إلى صديقتها…
______________________
ظل في الشرفة مُنذ الصباح وي,حرق في سجائر كثيرة غاضبًا منه لتتنازل هي عن كبرياء وتدخل له بهدوء وتقول:-
-مش هتتدخل الجوا برد عليكى ولازم ترتاح وكفاية سجاير بقى
أجابها وهو ينظر للأمام دون ان يتطلع بها قائلًا:-
-مالكيش صالح بيا والله اللى أعرفه أن اللى عاوزة تتطلج ميخصهاش جوزها يموت من البرد يموت من الدخان مالهاش فيه
كزت على أسنانها وهى تغلق قبضتها قبل أن تضرب رأسه الغليظ بها ثم قال بعناد شديد :-
-أنا غلطانة أنى عبرتك وقلقت عليك، خليك هنا لحد ما تجمد
أستدارت لكى تدخل لتسمعه يتمتم قائلًا:-
-مفيش حد أهنا مجمد غير جلبك الخبيث
لم تتمالك أعصابها أكثر أمام بروده وردوده الباردة لتصفع كتفه بيدها بقوة وهى تقول:-
-متنرفزنيش عليك
تألم من ضربتها وصُدم من جرأتها فلم يفعلها من قبل أحد، هرعت بخوف من ألمه لتجلس أمامه على الأرض بقلق شديد وهى تقول:-
-أنا اسفة والله
تبسم بسخرية على حالها فحتى عنادها هُزم أمام خوفها وقلقها عليه فلما تكابر وتتشبث بالأنفصال عنه وهى تكاد تموت خوفًا عليه ليقول بهدوء:-
-ما أنتِ بتعرفى تخافى عليا أهو لزومه أيه العناد بجى
رفعت نظرها له بحرج من حديثه وأظهار قلقها أمامه فقالت وهى تقف:-
-مخوفتش على فكرة أنا بس بحاول أتحمل مسئولية اللى عملته لكن انت مش مهم وأى حد مكانك هقلق نفس القلق
تأفف بضيق منها ثم قال بشجن:-
-أدخلى جوا يا عهد جبل ما أعصابى تفلت في الليلة المنيلة دى لأنى مش فايج لحالاتك المزاجية
تنهدت بضيق من عناده على البقاء في الخارج ثم مسكت ذراعيه بقوة وهى تحاول إيقافه وتقول:-
-قوم يا نوح
ظل جالسًا بثقة من ضعف جسدها فهى لن تقوى على تحريكه من مكانه لتيأس من نجاحها في جذبه لتترك ذراعه بأستسلام ثم تسللت يدها إلى راحة يده بلطف تحتضنها بدفء وكانت باردة كالثلج فقالت بعفوية وقد تنازلت عن نبرة عنادها والمشدة معه:-
-تعال يا نوح
نظر ليديهما المتشابكة ونبرة صوتها الدفء يتسلل إلى قلبه فتنازل هو الأخر عن عناده ليقف معها فدخلت به وجعلته يجلس على السرير ثم جلست أمامه وقالت بهدوء:-
-ممكن نأجل كل حاجة لحد ما تخف وتبطل عناد
نظر لها بصمت لتتابع حديثها بعفوية:-
-خلاص أنا أسفة وفعلاً قلقانة عليك ومش هقلق كدة على أي حد ..خلاص؟!
أومأ لها بنعم بعد ان صححت ما قالته مُنذ قليل، تبسمت وأحضرت له العلاج ليأخذه فقال بهدوء:-
-حجك عليا مجصدش أنك تموتى بعد الشر عنك
تبسمت في وجهه بخفة فمُنذ قليل كان كلاهما مليء بالمشاحنات والعناد والآن يغمرها الدفء والحُب
__________________
ترجلت “ليلى” من القطار وخرجت مع الركاب لخارج المحطة لتُصدم بـ “خالد” فتطلع بها بمكر خبيث……..
يتبــــع….
#هويتُ_رجل_الصعيد
الفصل العاشر (10)
___ بعنـــوان ” خطــوة نحـو القلـب” ___
أخذها “خالد” إلى سيارته وهو يقول:-
-وعهد تعرف أنك جاية؟
أجابته “ليلى” بنبرة جادة وهى تسير خلفه:-
-لا تليفونها مقفول
تبسم “خالد” بمكر شديد وفتح لها باب السيارة الأخر وقال:-
-أتفضلى
صعدت للسيارة وذهب “خالد” إلى مقعد السائق وصعد وهو يفكر كيف تكون هذه الفتاة الأعز على قلب “عهد” وإذا أخذها سيكون سبب كافى بأن تأتى “عهد” له فتبسم بخبث وهو يضغط على زر التشغيل لكن قبل أن ينطلق فتح باب السيارة الأيسر ورأى وجه “عطيه” يشتاط غضبًا ويفتح لها حزام الأمان دون ان يأخذ أذنها ثم قال بغضب:-
-أنزلى
جذبها من يدها بغضب وأنزلها ليترجل “خالد” غاضبًا ويقول:-
-أيه اللى بتعمله دا يا عطيه
كانت مصدومة من ظهوره المفاجى أمامها وتنظر له بصمت دون ان تتفوه بكلمة واحدة وعندما سمعت جملة “خالد” قالت بتمتمة:-
-اسمك عطيه
تجاهل تمتمتها ويرمق “خالد” وهو يلتف إليه حول السيارة حتى وقف أمامه ليقول “عطيه” بغضب شديد وصوت خشن:-
-بعد عنها يا خالد وأتجى شري
أقترب “خالد” منه خطوة بثقة وقال:-
-أنت بتهددنى بجى
أقترب “عطيه” منه خطوة أكثر بدون خوف ونظرة تحدي تحتل عينيه ثم قال:-
-أعتبره كيف ما تحب
جذبها من يدها بقوة وسار بعيدًا ليتأفف “خالد” بضيق ويغلق باب السيارة، توقفت “ليلى” بضيق من فعلته ثم جذبت يدها من قبضته بقوة وقالت بانفعال:-
-أنت مجنون ولا عبيط بصفتك أيه أن شاء الله تجرنى وراك كدة ولا تتدخل فى شئون
رفع يده أمام وجهها ليغلق قبضته قبل أن تفلت أعصابه عليها فهو غاضب كافية منها على ركوب سيارة مع رجل غريب والأن تغضبه أكثر بردودها الغليظة، تحدث بضيق شديد منها:-
-وبصفته ايه ان شاء الله عشان تركبى معه، ليكون اخوكى فى الرضاعة
عقدت ذراعيها أمام صدرها بضيق وقالت ساخرة من حديثه:-
-لا كان معايا فى المدرسة
أغمض عينيه بضيق والغيرة ألتهمت كيانه وعقله عندما رأى تركب مع رجل غريب وليس بأى رجل بل أقل بكثير من أن ينال لقب رجل، ألتف مُستديرًا ثم قال:-
-أركبى هوصلك
أستوقفته بجملته الغليظة المستفزة تقول:-
-وأنت أخويا فى الرضاعة عشان أركب معاك
كز على أسنانه وهو يلتف لها ثم مسك كم قميصها وجذبها بقوة حتى ادخلها سيارته وأغلق الباب بقوة ينفث به غضبه لتفزع من صوت الباب وقوته وأزدردت لعابها الجاف فى حلقها بخوف من غضبه …
_________________
كان “نوح” جالسًا على الأريكة والشرفة مفتوح تعبأ الغرفة بضوء الصباح وينظر تجاه الفراش عليها وهى نائمًا كملاك بريء وتزين فراشها كفراشة ربيعية جميلة ملونة فتبسم وهو يفكر كيف يقظها، سار نحوها ثم جلس على الفراش خلف ظهرها يتطلع بملامح وجهها عن قرب فرفع ذراعه ببطيء ليداعب أنفها بسبابته لتتذمر على مداعبته وهى نائمة فتبسم بلطف عليها ثم نكز كتفها من الخلف بقوة وهو يقول بنبرة غليظة:-
-جومى .. جومى يا عهد
تذمرت على إيقاظه لها فحركت جسدها بضيق وهى تقول:-
-سبنى أنام يا نوح
نكزها مرة أخرى وكأنه يتعمد أن يثير غضبها ويقول:-
-جومى بجولك.. جومى جهزيلى الفطار
صرخت به غاضبة دون أن تفتح عينيها :-
-فطار ايه دا اللى بتصحينى من الفجر عشانه
تبسم خلسًا عليها وهو كلما أغضبها كلما زادت جمالًا وأحب غضبها أكثر فقال:-
فجر ايه الساعة 7 الصبح
فتحت عينيها بضيق أكثر وهى ترغب بالمزيد من النوم وجسدها مُرهق فهو لم يتركها تنام مبكرًا ولم تنال إلا ساعتين من النوم بعد صلاة الفجر، تحدثت غاضبة بإرهاق شديد:-
-7 وبتصحينى يا مفترى يا ظالم دا أنت منيمنى بعد صلاة الفجر.. قوم يا نوح من جنبى قبل ما أرتكب فيك جناية
دفعته بقوة من الفراش ليسقط منه فوقف ماسكًا بذراعه المصاب وهذه الزوجة لا تهتم لمرضه ولا لصحته فقط تهتم لنومها، أتسعت عينه وهو يقف بعيدًا ويراها تعود لنومها وتضع الوسادة فوق رأسها، أشتعل الغضب به وهو يراها تكمل نومه دون أن تهتم له فعاد مُجددًا للجلوس جوارها وهو يقول بصياح فى أذنها ويديه تشد الوسادة عنها:-
-والفطار يا عهد
تأففت “عهد” بضيق أكثر لتقول:-
-صوم يا نوح
أتسعت عينيه بذهول من حديثها وتشبثها بالنوم أكثر منه فقال بصدمة:-
-نعم ياخيتى
تمتمت بصوت مبحوح وهى على وشك النوم مرة أخرى مُتعبة جدًا:-
-صوم يا نوح وكله فى ميزان حسناتك
نظر بها بصمت وفى أقل من دقيقتين كانت غرقت فى نومها بتعب ليتبسم عليها بحُب فأبعد خصلات شعرها عن وجنتها وأعاد الغطاء على جسدها ثم أنحنى ليضع قبلة على وجنتها بدلال وقلبه يرفرف فرحًا على وجوده جوارها، سنة كاملة من الفراق مرت عليه وهو كاد أن يفقد عقله من التفكير بها والإشتياق لها لكن كبريائه كان يمنعه من الذهاب لها والآن أصبحت جواره فلن يُفلتها أو يتركها ترحل بعيدًا مرة أخرى، شعرت بشيء على وجنتها عندما قبلها وكانت لحيته تضيقها فتذمرت مرة أخرى وهى تستدير له غاضبة ثم قالت:-
-يا نوح عاوزة أنام
أرتبك من يقظتها فى التو من أن تكون شعرت بقبلته فأخفى ربكته أمام حدته وهو يقول غيظًا:-
-أنا جعان جوم يا عهد ولا أصوم عشان جناب السفيرة عزيزة اللى متجوزها عايزة تتخمد، جومى حضري الفطار أنا ورايا شغل مفاضيش لك
تأففت بضيق من نبرته الحادة الغليظة وهكذا يقظته له فقالت وهى تضرب الفراش بقدميها من إلحاحه الكثير:-
-يا صبر أيوب على دا فطار على الصبح، أقولك روح لحُسنة تجهزه
جذبها من أكتافها ليجعلها تجلس على الفراش فجلست مغمضة العينين وجسدها مُرتخى تماما بين يديه وهتف بنبرة غليظة:-
-حُسنة أيه هو أنا متجوزك انتِ ولا متجوزة حُسنة
فتحت عينيها بأنفعال وأبعدت يديه عنها ثم قالت:-
-يا دى النيلة على متجوزك، يا عم هو أنا قولتلك تتجوزنى .. ما قولتلك طلقنى
حدق بها بعينيه وأشتعلت نيران الغضب بداخله وهى ما زالت تتفوه بهذه الكلمة فقال بجدية:-
-ببُعدك يا عهد نجوم السماء أجرب لك من أنى أطلجك وأوعى خيالك المريض دا يفهمك أن لما تهملنى وتتجاهلينى هزهج وأطلجك … لا يا عهد دا أنا أتجوز عليكى تخدمنى ولا أطلجك
دفعها على الفراش وهو يتابع حديثه بنفس درجة الحدة قائلًا:-
-أتخمدى يا عهد
وضعت الوسادة على رأسها وهى لا تبالى لدفعه لها فجسدها مُرهق كفاية لكى تكترث لشيء أخرى مما أثار غضبه أكثر فهو لا يعلم بأنها لم تنال قسط من النوم قبل حفلة تخرجها وأمس عندما أحضرها لم تنم، تبسم بمكر بعد أن خطر على عقله فكرة خبيثة ليقول وهو يغادر الفراش:-
-أنا أروح أخلى أسماء تجهزلى الفطار والله أتوحشت فطارها
سمعته جملته وهى تضع الغطاء على رأسها فأبعدت الغطاء عنها ثم جلست صارخة عليه تناديه:-
-خد هنا يا نوح ..
نزلت من الفراش وسارت أمامه وهو يبتسم بداخله بعد أن نجحت خطته فى إيقاظها لكنه أصطنع البرود أمامها فقالت وهى تقف أمامه بغيرة تلتهم قلبها وهو يخبرها بأنه ذاهب إلى امرأة أخرى:-
-أسماء مين دى اللى رايح لها وقرف أيه دى اللى هتأكل من أيدها، انت عاوز مرت عمك وبناتها يقولوا عنى أيه، طب أبقى أعملها يا نوح وأطفح حتى بوق مياه من أيدها وأنت والله ما تشوف وشي تانى ولا تعرف لي طريق
عادت للفراش ليغتاظ من تجاهلها وفى النهاية عادت للفراش، دق باب الغرفة فذهب لكى يفتح الباب وكانت “حُسنة” لتخبره بأن “ليلى” جاءت، دخل للداخل وبدل ملابسه ليقول وهو يلف عمته:-
-صاحبتك جت تحت
أنتفضت من الفراش فرحًا وأمتلت بالحماس وهى تركض للخارج فأتسعت عينيه بصدمة من النشاط التى ملأها فجأة من أجل صديقتها لكن عندما حدثها هو كانت مليئة بالكسل والخمول….
_____________________
وقف “حمدى” مع رجال الجبال بداخل الجبل يفحص الأسلحة الجديدة ثم قال بحماس:-
-تسلم يدكم يا رجالة
نظر للصناديق ثم سأل بفضول وهو يغادر المخزن:-
-وصلك كام صندوج
-13 صندوج وكلهم من نوع النوع اللى شوفته دا
أومأ لهم بنعم ثم قال:-
-حلو جوى متخرجش منهم حاجة إلا لما اجولك
أومأ له بنعم ثم غادر “حمدى” الجبل مُبتسمًا بسعادة بعد أن حصل على صفقة جديدة ولم يبالى بما فعله أمس وضرب “نوح” بالرصاص ولم يشعر بأى تأنيب ضمير بل هو على وشك فعل المزيد لأخذ حقه…
____________________
__منزل الصيــــــاد__
تحدثت “ليلى” بصوت هاديء:-
-ما دام مخلصتيش الكتاب يبقى تخلصيه يا عهد أنتِ ماضية عقد
تنهدت “عهد” بتعب وهى تجلس جوارها على الأريكة فى الصالون ثم قالت بضيق:-
-مش قادرة يا ليلى، حقيقى مش عارفة أكمل واقفة فى النفس ومش عارفة اكمل
أتاها صوت “سلمى” تقول:-
-حاولى يا عهد، حسب اللى فهمته أنك زينة جوى فى شغلك
تبسمت “ليلى” بحماس وقالت بعفوية:-
-أوى أوى يا طنط
وقفت من مكانها وجلست بجوار “ليلى” وهى تفتح الهاتفعلى أحد فيديوهات “عهد” وجعلتها تشاهد “عهد” وهى تتحدث بمهارة وثقة أمام الكاميرا فتبسمت “سلمى” بفخر شديد من هذه الفتاة التى أصبحت زوجة لأبنها دون ان يختارها احد لأنها كانت وما زالت الافضل له من وجه نظر الجميع عدا عمه وعائلته..
صعدت “ليلى” مع “سلمى” بعد أن تحمست كثيرًا لرؤية المزيد عن “عهد”، ضحكت “عهد” عليهما وجاءت “حُسنة” تضع القهوة امامها فهى بحاجة إلى المزيد من القهوة لتصارع نومها وتعبها، أرتشفت الكثير فى هدوء لكن لم يدوم هدوئها كثيرًا عندما جلست “حورية” جوارها لتقول:-
-أيه اللى رجعك يا عهد؟
تعجبت “عهد” من سؤالها فأبعدت الفنجان عن شفتيها ثم نظرت إلى “حورية” بعدم فهم السبب من سؤالها العجيب لتقول:-
-قصدك أيه؟
وضعت “حورية” قدم على الأخر ثم قالت:-
-بجولك أيه اللى رجعك ما دام مبتحبيش نوح ولا جوازه تم وأنتِ فاهمة جصدى زين يبجى رجعتى ليه ما كنتي خليكى بعيد وتهمل نوح للى بتحبه ورايده
وقفت “عهد” من مكانها بأشمئزاز من حديثها وأشتاطت غضبًا من هذه المرأة الماكرة وقالت بجدية:-
-اللى هى مين أختك؟ وبعدين أنتِ بتتحشرى فى اللى ميخصكيش ليه مش ملاحظة أنك بتتحشرى بين راجل ومراته
وقفت “حورية” تثير أستفزازها اكثر وهى تقول:-
-وأنتِ بجى مرته صوح يا عهد ولا بالاسم كدة
لم تتمالك “عهد” غضبها أكثر فصاحت بانفعال وعقدت حاجبها قائلة:-
-مالكيش فيه وبعدين لتكونى فاكرة أن نوح هيفكر يبص لأختك المعفنة دى، الراجل يا حبيبتى مبيبصش للى مدلوقة عليه وأنتِ أختك متتوصاش فى الدلقة، وأخر مرة يا حورية إياكِ تتدخلى فى حياتى أنا أو جوزى
أستدارت “عهد” لكى تغادر لكن أستوقفها صوت “أسماء” الواقفة على باب المطبخ بعد أن سمعت حديثهما وإهانة “عهد” لها فقالت:-
-بكرة تشوفى يا عهد نوح هيبص لي ولا لا ما هو الراجل برضو مبيبصش للمرة اللى تهمله وتطلعه من داره من غير فطار مثلًا
أتسعت عينيها على مصراعيها بغضب وهذه الفتاة تخبرها بأنها ستأخذ زوجها منها لتشعر بأختناق فى صدرها وغيرة تلتهم قلبها وتذكرت حديثهما صباحًا عندما أخبرها بأن ستزوج من أخرى وذهابه إلى “أسماء” فغادرت المنزل غاضبة بقلب مُرتجف خوفًا من أن تفقده إلى أخرى….
وقفت “حورية” خلف أختها وقالت بمكر:-
-جدعة يا خيتى ولو جمدتى جلبك هبابة كمان هتجدرى تأخدى نوح منها
تمتمت “أسماء” بغضب كامن بداخلها وحبها يشتعل لهيبه بقلبها قائلة:-
-عندك حج يا حورية أنا لازم أحرب عشان جلبى وحُبي ومستسلمة واصل لحد ما نوح يكون جوزى، هى مش أحسن منى فى حاجة
اربتت “حورية” علي كتفها بحماس وقالت بمكر تبخ سمها فى أذنها:-
-جدعة يا خيتى، هى مش أحسن منك أبدًا ومفهاش حاجة تحليها عندك، أنتِ بس لازم تديها على رأسها عشان تخاف منك…
_____________________
خرج “على” من الجامع مُتكأ على عكازه الخشبي ويسير مع صديقه فقال بجدية:-
-خلى ولدك يوزع الورث بالحج يا على عشان حمدي مهيسكتش أمبارح ضربه بالنار وربك سترها ومتعرفش المرة الجاية هيعمل أيه؟
تنهد “على” تنهيدة معبأة بالخبيات واليأس ثم قال:-
-نوح مهيرضش يديله المال الحلال عشان يغرجه فى الحرام ويكبر الحلال بالحرام
أربت صديقه على كتفه بخفة ثم قال بتحذير:-
-أتحدد وياه، نوح هيسمع منك يا على ولدك طيب وعلى طول فى حاله
نظر “على” إليه بضجر ثم قال:-
-طيب!! نوح مهيسمعش من حد وراسه ناشفة، نوح ما هيوزعش الأرض والمحاجر، ولدى فى حاله لكن اللى يجرب من حاله دا بيأكله بأسنانه ويولع فيه، أنا جلجان جوى عليه وعلى حبايبه ربك يسترها
سار مع صديقه إلى أحد التجار لكى يباشر عمله بعد صلاة العصر….
_____________________
وقف “نوح” من مكتبه وهو يقول:-
-أتحكم فى عصيبتك يا عطيه معها مفيش ست بتحب الراجل اللى يتعصب عليها
نظر “عطيه” له ثم سأله بضيق:-
-يعنى عاوز تفهمنى أن عمرك ما أتعصبت على مرتك
تبسم “نوح” وهو يفتح باب المكتب ويشرد فى تفاصيل زوجته المتمردة فقال:-
-عمرى يا عطيه، أنا فى عز عصبيتى وأنفعالى بأجى جدامها وأنسي كل العصبية و….
صمت عن الحديث عندما رأها تأتى هناك وسط عمال المحجر فدفع “عطيه” بعيدًا وهو يقول:-
-هوينا بجى
سار نحوها وعندما وصل إليها أتسعت عينيه على مصراعيها عندما رأها قادمة تبكى ودموعها لوثت وجنتيها الحمراء، أخذها من يدها إلى مكتبه وهى صامتة ودموعها تنهمر بينما قلبه دب به الفزع والقلق مما أبكاها هكذا، وقف أمامها يتطلع بها وهى تنظر للأرض باكية وعينيها تورمت من البكاء وما زالت بملابس أمس بنطلون جينز وتي شيرت أبيض فوقه جاكيت أزرق اللون وفى حالة فوضوى، شعر بالغيرة من ملابسها وخروجها من المنزل أمام الرجال هكذا فأخذ عبائته الموجودة على المقعد ليضعها على أكتافها بلطف وأخرج شعرها من الخلف، جفف دموعها بأنامله ورفع رأسها له بيديه لتتقابل عيونهما وكانت تبكى بقوة قهرًا فأرتجف قلبه فزعًا بعد أن رأها بهذه الحالة عندما جاءت إليه باكية وضعيفة، أخذ وجهها بين راحتى يديه ثم قال بنبرة دافئة:-
-حصل أيه؟ أيه بكاكى أكدة
لم تجيبه بل زاد بكاءها وهى ترتعش بخوف شديد فوضع خصلات شعرها خلف أذنها بغضب من رؤيتها حزينة هكذا وقلبه يحترق مع حرارة دموعها ثم قال بنبرة دافئة:-
-احكي ليا حصل أيه؟ معلون أى حاجة تزعلك وتبكيكى يا عهد، أنا فاكر أن جولتلك أنى معاوزش غير أنك تكوني سعيدة ومبسوطة، بتبكى ليه وأيه اللى خرجك من دارك كدة فى الحالة دى
تمتمت “عهد” بضعف وسط شهقاتها قائلة:-
-نوح
جفف دموعها بأبهاميه برفق وحدثها بلهجة ناعمة ونبرة دافئة تطمئن قلبها المُرتجف خوفًا:-
-عيون نوح وروحه ليكى يا عهدى
أنهمرت دموعها أكثر من لطفه الذي يحتوي أوجاعها بمهارة وأتقان وكأن زوجها الصارم الشرس يتقن جيدًا سُبل أحتوائها وكيفية زرع الطمأنينة بداخل قلبها وروحها البريئة ثم غمغمت باكية:-
-أنت مش هطلقنى صح؟!
نظر بعينيها العسليتين الباكيتين وخرج منه ضحكة خافتة عليها فى قبل مُغادرته صباحًا كانت ثابتة على قرارها وطلب الأنفصال والأن جاءت إلى عمله باكية بخوف من أن ينفصل عنها ليقول بجدية وثقة:-
-صح مفيش طلاج
ما زال يحتضن رأسها بيديه لتتشبث بساعديه بخوف وقالت راجية وقد تنازلت عن كبريائها قليلًا:-
-يعنى مش هتتجوز عليا يا نوح، أوعاك تعملها وأنا على ذمتك هتكسرنى وتوجعنى يا نوح وجع عمرى ما هقدر أغفره ولا أتحمله… لو عاوز تتجوز أسماء طلقنى قبلها
مسح على شعرها بلطف وقد فهم سبب بكاءها ومجيئها فيبدو أنها تشاجرت مع أحدهن فى المنزل وأخبروها بأنه سيتجوز ابنه عمه فقال بجدية وثقة:-
-أنا مهتجوزش غيرك يا عهد لا وأنتِ على ذمتى ولا وأنتِ بعيد عنى، أنا مهتجوزش بعدك طول عمرى ولحد مماتى.. مفيش غيرك، حتى بعنادك وخناقاتنا اللى كترت والمشاحنات اللى بينا مهسبكيش، خانقينى وعاندينى وطلعى روحى وزعلنى كل يوم لكن أبعدك عنى لا فأهدي يا عهد وأطمنى أنتِ هتفضلى جارى لأخر نفس فيا….
مسحت أنفها الذي سال من كثرة بكائها بدلال بعد أن طمأن قلبها وأحتواء حزنها المشتعل بداخلها ثم قالت بعفوية:-
-خلاص أنا مش زعلانة
ضحك عليها بخفة لتنظر إلى ضحكاته الساحرة التى زادته وسامة وخطفت قلبها عاشقًا له أكثر ويجدد حُب داخلها فى التو وشردت بهما لأول مرة ترأه يضحك أو يبتسم فنظر إلى شرودها به وقال مُتعجبًا:-
-ما لك؟
أجابته بدون وعى شاردة بوسامته وضحكاته التى زادته جمالًا على جماله:-
-أول مرة أعرف أنك بتعرف تضحك يا نوح
مسك ذقنها بلطف وهو يداعبها بأبهامه وقال بهيام:-
-وأنا وأول مرة أعرف أن أسمى زين جوى أكدة
أنفجرت ضاحكة عليه بسعادة ليتأمل ضحكاتها بهيام وهذه الفتاة ستجلب الكثير من المشاعر لقلبه والعشق يسكنه لأجلها ويرفرف قلبه فرحًا لرؤيتها هكذا، خجلت من نظراته فقالت بخجل:-
-أحم أنا هروح
مسك يدها قبل أن تغادر لتلف تنظر له مرة أخرى لتُصدم عندما أخذ خطوة لها وما زالت يده متشبثة بيدها ثم وضع شفتيها على جبينها بلطف تاركًا لها قبلة ناعمة تذيب قلبها وكبريائها اللعين، خفق قلبها بسرعة جنونية وشفتيها مُلتصقة بجبينها ليتلاشي عنادها الماكر وتكفىُ عن التمرد أكثر معه، أبتعد عنها وجسدها يقشعر خجلًا من فعلته ثم نظر إلى عينيها وقال هامسًا لها:-
-أنا مهروحش لغيرك يا عهد ومتسمعيش لحد غيرى واصل
أومأت له بنعم دون أن تتفوه بكلمة واحدة فقط أغلقت يدها على قبضته لينظر إلى يديهما المتشابكة بعد أن بادلت يده عناق يدها ثم نظر لها مُبتسمًا وقال:-
-عهد
حدثته بعفوية وعينيها تحتضن عينيها بنظراتها الدافئة المليئة بالحب ويفيض منهما لأجله:-
-أنا مش عايزة أطلق يا نوح متطلقنيش
هز رأسه بالموافقة لأجلها ثم غادرت المكتب وعلى أكتافها عبائته السوداء، كانت تسير فى البلد والعشق يغمرها ويتراقص قلبها وعقلها وكل ما بها هائمًا بالهوى وقد غلبها الهوي ولم تنتبه وسط سعادتها إلي هذه المرأة الغجرية التى تسير خلفها تمكر لها وتنظر حولها بخوف من أن يراها أحد حتى تأكدت بألا يراها أحد ثم أقتربت من خلف “عهد” أكثر……
يتبــــع