منوعات

بقلم زكيه محمد ج 1

,

الفصل الاول.

في منزل بسيط في إحدى الأحياء الشعبية فتحت عينيها على أثر خطوط أشعة الشمس الذهبية المنبعثة من الشرفة الخاصة بها ، و اختلطت بخصلاتها فصبغتها باللون البني اللامع ، كما أعطت بشرتها الناصعة لمعة خاصة . نهضت بتثاقل وهى تتثائب و تتمطأ بكسل ، نظرت فى الساعة وجدتها السابعة فهتفت بصوت ناعس :- بسرعة كدة جات سبعة دول يدوب خمس دقايق اللي نمتهم بعد الفجر.

التقطت منشفتها و دلفت للمرحاض لتغتسل ، و الذي طلبت بتصميمه خصيصاً داخل غرفتها على الرغم من ظروفهم المعيشية المتوسطة ولكنها أصرت على ذلك منذ أن علمت بنوايا ابن خالتها الدنيئة تجاهها . بعد وقت اغتسلت ، وارتدت ملابسها الفضفاضة الباهتة وحجاباً طويلاً ، ثم التقطت حقيبتها بعد أن تأكدت من وجود متعلقاتها بها وتوجهت للباب وفتحته بالمفتاح بعد أن أوصدته جيداً كما تفعل في كل ليلة لتحظى بالأمن و تنام قريرة العين.

وضعت حقيبتها على الطاولة، ومن ثم دلفت للمطبخ لتعد وجبة الإفطار لخالتها المر..

يضة ، وذلك السمج الذي تمقته. انسجمت في إعداد الطعام ، و شعرت فجأة بأن هناك أنفاس ساخنة تحرق وجنتها ، سحبت السكين بسرعة واستدارت ورفعتها في وجهه قائلة بتهديد :- لو قربت يا حاتم سنتي كمان ه ك أنت فاهم ؟

رفع يده باستسلام قائلاً بخبث :- بس في ايه يا رحيق دة جزاتي يعني بصبح عليكي .

جعّدت أنفها بضيق قائلة:- لا يا سيدي صبح من بعيد مش لازم طريقتك القذرة دي هوووف ..

أردف بخبث :- بالراحة على أعصابك يا جميل ليحصلك حاجة .

نفخت وجنتيها بضجر قائلة :- ممكن إذا تكرمت تطلع برة على ما أحضر الفطار ؟

مسح على صدره قائلاً وهو يتلاعب بحاجبيه :- ماشي يا قمر أنت تؤمر . قال ذلك ثم خرج ، بينما قبضت على مقبض السكين الذي بيدها بشدة وهتفت بكره :- ربنا ياخدك يا أخي بني آدم حقير سايب أمه اللي بتموت جوة و عمال يقل أدبه .
ثم أضافت بخوف مبهم :- يا رب اشفيها هي اللي بتحميني منه أنا مش عارفة هعمل إيه لو راحت وسابتني .
بعد ان انتهت توجهت للغرفة المتواجد بها خالتها المريضة بالكلى ، والتي اشتد عليها المرض منذ يومين ولزمت الفراش . دلفت للداخل و على وجهها ابتسامة عذبة عندما وجدتها متيقظة ، وتستند بظهرها على الفراش فهتفت بحنان :- صباح الفل عليكي يا خالتي أخبارك إيه النهاردة ؟

ابتسمت لها بدورها وهتفت بخفوت :- الحمد لله يا بنتي هو أحسن من امبارح شوية .

ساعدتها على النهوض قائلة بحنو :- طيب يلا يا ستي علشان أساعدك تروحي الحمام . ثم أضافت بمرح :- ده أنا عملتلك فطار إنما إيه أول ما تاكلي هترجعي علطول ..

ضحكت بوهن قائلة :- جاتك إيه يا رحيق يا بت أنا مش قدك مش قادر أضحك.

أردفت بلهفة :- معلش يا خالتي لو كنت تعبتك وأنا ما أقصدش.
ربتت على يدها بحنو قائلة :- انتِ عمرك ما تعبتني يا بنتي بالعكس دة انتِ شايلاني على كفوف الراحة لو ليا بنت ما كنتش هتعمل كدة معايا .
ثم أضافت بحزن :- ربنا يقدرني و أرد جميلك دة يا بنتي .
أردفت بعبوس :- جميل إيه يا خالتي انِت زي أمي الله يرحمها بالظبط، انتِ اللي عوضتيني عن غيابها ما تقوليش كدة تاني هزعل منك، ولو في حد بيرد جميل هيبقى أنا مش أنتِ.

ابتسمت لها بحنو و تساءلت بداخلها:- يا ترى الأيام هتعمل فيكي إيه لو ربنا افتكرني ؟ يا رب حلها من عندك خايفة أقولها وخايفة اسكت مش عارفة أعمل إيه ؟! يا رب وكلت الأمر إليك .

خرجت تسندها بعد أن فرغت من كل شئ، فسحبت لها المقعد لتجلس عليه ، و هتفت بصوت مختنق :- يا حاتم …حاتم تعال أفطر .

أردفت صفية بتساءل :- هو لسه ما صحيتش ولا ايه؟!
أردفت بتوتر :- لا صحي يا خالتي بس هو جوه.

هزت رأسها بتفهم قائلة :- طيب روحي ناديه علشان يلحق يفطر ويروح يشوف شغله .

مطت شفتيها بتهكم قائلة بخفوت :- شغل ! هو دة بيعمّر في حتة الحشاش المعفن دة !
ثم هتفت بصوت عالٍ :- حاتم تعال أفطر ما ليش دعوة بعد كدة .
جلست إلى جوار خالتها ، ثم شرعت في تناول طعامها ، بينما أخذت الأخرى تطالعها بأسى وهي تعلم تمام العلم السبب خلف رفضها للذهاب ناحية غرفته ، كما تعلم جيداً بنوايا ابنها البذيئة ، وتعلم ما يريد فعله ؛ لذلك يجب أن تضعها في مأمن قبل أن تصعد روحها لخالقها.

خرج يزفر بضيق من فشل مخططه ، فهو توقع أن تقودها قدميها إلى غرفته لكي تستدعيه لتناول الطعام ، و عندها يحتجزها في غرفته و يفعل بها ما يشاء ، و لكن ذهب كل ذلك سدى ، فقد خالفت كل توقعاته .

جلس على المقعد قبالتهن، و شرع في تناول الطعام بغيظ مكبوت، بينما راقبته هي بابتسامة ظافرة . أردفت صفية بحنو :- هتنزلي بردو النهاردة يا رحيق ؟

اومأت بنعم قائلة بأمل :- أيوة يا خالتي إدعيلي ألاقي شغلانة المرة دي .

خرج صوته الساخر قائلاً :- جرا إيه يا ست الأبلة متخرجة ليكي شهر و عاوزة تشتغلي ! دة إنتي قلبك جامد بقى ، و شكلك عايشة في مية البطيخ.

تأففت بضيق قائلة :- أومال عاوزني أحط إيدي على خدي ؟! أديك شايف الحال ولا البيه مش واخد باله !

أردف بتهكم :- و يا ترى هتشتغلي إيه ؟ هي الحكومة هتعينك أبلة بالسرعة دي ! مش شايفة اللي قبلك رجالة كمان متلقحين على القهاوي وانتي عملالي سبع رجالة في بعض !

جزت على أسنانها ب شديد قائلة :- أنا مليش دعوة بحد ، أنا ليا مستقبلي اللي هبنيه خطوة بخطوة هبتديه و مش هسمح لأمثالك يرجعوني ورا بكلامهم دة .

رفع حاجبه بتهكم قائلاً وهو يوجه حديثه لوالدته :- شايفة يا أما اهه اللي إحنا بنربيها و بنصرف عليها بتقل أدبها و بتعض اليد اللي إتمدتلها صحيح زي القطط تاكل وتنكر .

أدمعت عيناها بقهر قائلة :-شوف صرفت كام يا حاتم وأنا هدفعوا .

ضحك بسخرية قائلاً :- لا يا شيخة ! منين يا حسرة ؟! يكونش اتفتحتلك طاقة القدر وأنا ما أعرفش !

تدخلت صفية تهتف بتعب :- ما يصحش يا ابني اللي بتقوله ده دي بنت خالتك بردو من لحمنا ودمنا.

نهضت تاركة طعامها ، و هي تحاول قدر المستطاع أن لا تزرف دموعها أمامهم ، و هتفت بتماسك :- أنا ماشية يا خالتي زمان آلاء مستنياني .

تبخرت كالبخار حينما نطقت بكلماتها ، و طوت درجات السلم بخطوات سريعة ، و قلبها ينزف من الداخل بجراحه المتعددة ، فهي بلا أب ولا أم ، تركاها بمفردها تعاني الويلات ، وعاشت مع خالتها التي عالتها حتى كبرت بعد وفاة والدتها وهي في سن العاشرة ، ودون أب ، وكلما تسأل عنه يخبروها بأنه سافر لبلاد الخليج ، ولم يعد حتى الآن.

واجهت المصاعب بمفردها دون أن تجد سنداً لها، و على الرغم من أن خالتها تعاملها بالمودة والحنان إلا أنها لم تكن تشاركها أسرارها و أوجاعها التي تؤرقها في لياليها الطويلة . تعودت أن لا تتحدث مع أحد عن شيء يخصها أو يمثل صعوبة لها ، كانت تجتاز كل ذلك بالصبر والمثابرة ، فشكلتها الأيام أن تكون قوية ، و أن يكون لديها صبراً طويلاً ، و أن مهما بلغت الصعوبات فلا بد من مخرج طالما هي مع الله . لقد علمتها الحياة أن تترك جروحها خلفها و تمضى قدماً وأن الحياة لا تقف على أحد وعليها أن تسير للأمام ، وتسعى بكل طاقتها للوصول إلى ما تبغيه ، وأنه لايوجد مجال للوقوف و البكاء على اللبن المسكوب.

مسحت عبراتها سريعاً ، وهي تمر أمام الورشة الخاصة لتصليح السيارات ، والتي يعمل حاتم بها، نفخت بضيق حينما سمعت تطاول أحد الجالسين ، والذي يتأملها بوقاحة قائلاً :- إمتى هتحن علينا يا أبيض يا أجنبي أنت ؟
لم ترد عليه فهي قد اعتادت عليه من قوله لتلك العبارات ، وكم من المرات التي أتى لطلب يدها من خالتها ، ولكنها ترفضه دائماً ، و منذ ذلك الحين وهو يمني نفسه بأن توافق و تقبل به زوجاً لها .

وصلت لآخر الشارع فوجدت زميلتها آلاء تنتظرها فهتفت بمرح :- إيه دة كل دة تأخير يا ست رحيق مخصوم منك تلات أيام .

ابتسمت لها بخفوت قائلة بتهكم :- مش لما نشتغل الأول يا أختي !

هتفت بتمني :- إن شاء الله هتظبط المرة دي ، يلا بينا .

______________________________________

جعّدت وجهها بتذمر ، وهي تلوح بيديها في الهواء ظناً منها أن الفاعل بعض الذبابات إلى أن ذلك الشيء لم يتوقف مانعاً إياها من أخذ قسط وافي من الراحة ، فتحت عينيها قائلة بضيق :- يووه دبان رخم مش عارفة أتخمد منك ….. إلى أنها انتبهت لذلك صوت الملائكي الذي هتف بضيق ، وهو يربت على ذراعها كي تستيقظ :- ماما اثحى ماما ….

نهضت و جلست نصف جلسه وجدته ويقبع بين ذراعها وانهالت عليه بوابل من القبلات في جميع أنحاء وجهه قائلة من بين القبلة والأخرى :- حبيب ماما وروح ماما وعقل ماما أنت يا ميدو يا جميل.

أنهت كلماتها ، ثم أخذت تدغدغه ببطنه فتعالت ضحكات الصغير قائلاً بتقطع :- بث …بث ..خلاث يا ماما بطني وجعني ..

توقفت فوراً قائلة بلهفة :- اسم الله عليك يا قلبي يلا يا بطل أكيد جعان .

أومأ بموافقة قائلاً :- اه جعان ماما يلا قومي.

نهضت بسرعة قائلة :- حاضر يا حبيب ماما أديني قومت أهو .

خرجت للخارج و وجدت والدها ووالدتها على طاولة الطعام ، فألقت عليهم تحية الصباح فردوها بهدوء ، بينما هتف والدها بعدم رضا :- مش تقومي تشوفي طلبات الواد بدل ما أنتي نايمة كدة !

هتفت بهدوء :- والله غصب عني يا بابا راحت عليا نومة من شغل امبارح .

تدخلت والدتها قائلة بحنو :- خلاص يا حاج حصل خير روحي حضري الأكل لابنك يا حبيبتي .

أومأت بحزن ، ومن ثم حملت الصغير و ولجا سوياً للمطبخ ، و تكبح دموعها بصعوبة، فهي منذ أن توفي زوجها وهو يعاملها بخشونة وأحياناً ما تفلت منه زمام الأمور ويهذي بكلمات تزيد من أوجاعها حينما يقول إنها ” وش فقر ” ” اترملت بدري بدري ” “هتقعدلي في البيت ” ، و كثيراً من تلك الكلمات التي تزيد من اتساع فوهة جراحها .

نظرت لطفلها ذو الثلاث أعوام ، والذي بمثابة حبل النجاة لها في بحر الألم الذي تغرق بداخله ، أنه هو الوحيد الذي يرطب تلك الغرز المنتشرة في قلبها ، و هو الوحيد من بني جنسه القادر على جعلها تُشفى بابتسامة واحدة منه . أما الدواء الحقيقي يتمثل في قربها من الله ، والتعبد له ، والدعاء بأن يلهمها الصبر على تلك الاختبارات التي تاتيها واحداً تلو الآخر ، ولم تخرج إلا بقول واحد ” الحمد لله ” .

وضعت صغيرها على المقعد ، و بدأت تعد له وجبة الإفطار التي يفضلها طفلها ، و هي تبتسم له و تبعث له القبلات في الهواء وسط تعالي ضحكاته الرنانة .

بعد وقت عادت به تحمله على ذراع ، والآخر يحمل طبق ” الكورن فليكس” ، ثم جلست قبالتهم ، وشرعت في اطعام الصغير.

نشب صراع بداخلها أتخبره بذلك الطلب أم تصمت ؟!
ازدادت دقات قلبها مع وتيرة أنفاسها العالية ، فا بت شبح ابتسامة تزين ثغرها ، ورفعت رأسها تجاه والدها قائلة بحذر :- بابا كككنت عاوزة أقولك حاجة ..

ترك الخبز الذي بيده قائلاً بانتباه :- خير يا مريم !

حبست أنفاسها ، و أخذت نفساً عميقاً قائلة بسرعة :- بابا كنت عاوزة أشتغل ….

و قبل أن تكمل حديثها أردف ب :- شغل إيه دة إن شاء الله ! هو إحنا من امتى عندنا الكلام دة ؟!

أردفت بروية وهي تضم الصغير الخائف إلى صدرها :- يا بابا أنا واخدة كلية حرام أقعد من غير شغل و….

قاطعها قائلاً ب :- أظن الكلية دي أخدتيها في بيت جوزك الله يرحمه وقتها مكانش ليا يد في الموضوع و طول ما انتي هنا تحت طوعي يبقى تنفذي أوامري لما أبقى أموت أبقي اصرفي على نفسك .

هتفت بلهفة :- ألف بعد الشر عنك يا بابا .

نهض مغمغماً بسخط :- أبقي عقلي بنتك يا توحيدة، أنا نازل الوكالة بالإذن .

قال ذلك ثم انصرف مسرعاً ، بينما هتف الصغير و هو ينظر لوالدته بخوف بعد أن كان يخفي وجهه في عنقها خوفاً من صراخ جده :- جدو مثي يا ماما ؟

هزت راسها وهي ترقص على رقص خليجي حنان ايوه يا روح ماما مشي ما تخافش يلا علشان تكمل باقي أكلك .

أردف بتذمر :- جدو أيوب وحث بث جدو موثى حلو ، جدو أيوب علطول بيزعق.

ابتسمت بخفوت قائلة :- لا يا حبيبي جدو أيوب كمان حلو بس أنا زعلته علشان كدة زعق هبقى أصالحه بعدين.

أومأ ببراءة ثم فتح ثغره ليلتقط الطعام ، بينما هتفت توحيدة بعتاب :- و بعدين معاكي يا مريم مش هنفضها من السيرة دي بقى ؟!

قطبت جبينها بحزن قائلة :- يا ماما أنا الحمد لله جبت تقدير امتياز السنة دي بعد طلوع الروح إني أكمل يقوم دلوقتي يقولي مفيش شغل !
وتنهدت بأسى قائلة بدموع تهدد بالهطول :- حرام عليكم كفاية تغصبوني على كل حاجة ، علطول ماشية بمزاجكم ، خلوني أمشي بمزاجي و لو لمرة واحدة .
نهرتها بحدة قائلة :- قصدك إيه يا بت بغصبينك دي ها قصدك إيه ؟

مسحت عبراتها الخائنة بالعهد، فقد عاهدتها ألا تسقط مجدداً أمام أحد ، و لكنها خانتها ، و ت ببنود العهد عرض الحائط ؛ لذلك قامت بتجفيفها بقسوة ، و كأنها تعاقبها على ما فعلت ، و نظرت لوالدتها قائلة بوجع :- أبداً يا ماما انتوا عمركم ما غصبتوني على حاجة أنا محقوقالكم .

جلست تطعم الصغير ، بينما أخذت توحيدة تهز رأسها بيأس وحزن ، و هي تعلم تماماً ما تقصده من حديثها ، فهي تقصد بذلك زواجها من ابن عمها الذي كان يكبرها حينها بأربعة عشر عاماً ، طلبها عمه لابنه فوافق والدها على الفور دون أن يعرف رأيها ، وكان عمرها ثمانية عشر عاماً ، و ظلت معه لمدة عامين إلى أن توفاه الله بحادث سيارة قبل عامين في الإسكندرية حيث كانت تعيش معه هناك إلى جوار مقر عمله ، و انتقلت عند أهلها مجدداً، و أكملت دراستها وسط اعتراض والدها ، لولا تدخل عمها و شقيقها في الأمر ، و عندما أنهت الدراسة و طلبت منه أن تعمل رفض كالعادة .

شعرت بالحزن الشديد تجاه ابنتها التي نال الحزن منها ما يكفي ، تلك الوردة المنطفئة قبل أوانها ذات الاثنين و عشرين عاماً ، تحملت المسؤلية منذ الصغر و لا زالت .
زفرت بضيق فهي مكتوفة الأيدي أمام أيوب الصارم الذي لا يجرؤ أحد على اعتراض أوامره .

بعد أن انتهى من الطعام ، و اكتفت أمعائه الصغيرة ، قامت مريم بتنظيف البقايا الموجودة على الطاولة ، و بعد أن انتهت هتف أحمد بإلحاح :- ماما عاوز أروح عند جدو موثى و عمو إثلام .

أحدث سماع اسمه زوبعة شديدة بداخلها أطاحت بالمتبقي من قلبها المتهشم منذ سنوات بعد أن كُسِر على يدهم .
بادلته ابتسامة مرتجفة قائلة :- حاضر يا حبيبي تعالى ننزل تحت عند جدو موسى و تيتة عواطف .

صاح الصغير بحماس ، و هو يجذبها من يدها ، و يسير بها نحو الباب بخطوات سريعة :- هاااااااي ، يلا بثرعة يا ماما .

اومأت له باستسلام ، و نظرت لوالدتها قائلة :- ماما أنا هنزل تحت عند مرات عمي و عمي .

أنهت كلماتها ، و نزلت مع الصغير للأسفل ، و دقات قلبها تغني عن ألف سؤال ..

____________________________________

ارتدى ملابسه الخاصة بالعمل ، و كان على وشك الخروج إلا أنه سمع طرقات على الباب فتوجه ليرى من بالباب ، و ما إن فتحه وجد جارتهم سميحة ، و التي هتفت بود :- ازيك يا حاتم يا ابني ؟

ابتسم بتكلف قائلاً بصوت أجش :- أهلاً يا خالتي أم سما الحمد لله بخير ازيك إنتي؟

أردفت بود :- الحمد لله رضا يا ابني ، أومال فين أم حاتم و رحيق مش جوة ولا إيه ؟

أردف بنفي وهو يتنحى قليلاً من أمامها لتدلف للداخل :- لا أمي جوة في الصالة إتفضلي . ثم أضاف بغيظ مخفي :- أما رحيق راحت تدور لها على شغل هي و صحبتها .

أومأت له بتفهم قائلة :- و ماله يا ابني ربنا يفتحها عليهم قادر يا كريم .

أردف بهدوء :- طيب أدخلي انتي يا خالتي أنا نازل الشغل .
دلفت للداخل، تصيح باسمها ، فأتاها صوتها قائلة بتعب :- تعالي يا سميحة أنا هنا .

تقدمت ناحية الصوت ، و هتفت بابتسامة مشرقة ، وهي تصافحها :- إزيك يا أم حاتم ؟ عاملة إيه دلوقتي ؟ العلاج ماشي كويس معاكي ؟

أردفت بوهن ، و تمسك بجانبها :- أهو الحمد لله ماشي لحد ما أقبض آخر الشهر و أروح أغسل .

أردفت بأسى :- يا حبيبتي لسة هتستني لآخر الشهر ؟!

ذمت شفتيها بحزن جلي قائلة :- اعمل ايه يا سميحة ما إنتي عارفة البير و غطاه ، أجيب منين ؟ أنا كل اللي هاممني دلوقتي رحيق لو حصلي حاجة هتروح لمين و مين اللي هيبقى جنبها ؟! خايفة عليها أوي دي أمانة أمنتني عليها أختي قبل ما تموت ، حاسة إني هموت و هسيبها…

قاطعتها قائلة بلهفة :- تفي من بوقك يا صفية متقوليش كدة إن شاء الله هتخفي و تبقي زي الفل و أنتي بنفسك اللي هتلبسيها الطرحة ..

نظرت للأعلى و أردفت برجاء :- يا رب ، دي تبقى أمنيتي الوحيدة و بعدها ربنا ياخد عمري علطول مش مشكلة علشان لما أروح لفاطمة أقولها حافظتلك على الأمانة زي ما طلبتي.

أومأت بخفوت ، و رسمت خطوط الأسى على وجهها ، وهي تشعر بالشفقة تجاهها ، فجمعت رباط جأشها قائلة بحذر :- طيب يا أختي أنتوا دورتوش على أبوها اللي راح الخليج وما رجعش ده لحد دلوقتي؟!

لمع الدمع بعينيها حينما أتتها تلك الذكرى فهتفت بتهكم :- لا يا سميحة ما فيش أخبار عنه من وقت ما سابها هي وبنتها منعرفش عنه حاجة .

هزت رأسها بتعاطف قائلة بغل :- ربنا ياخذه راجل دون ده بدل ما يسأل عن بنته و يقول أربيها كأنه ما صدق و لقاها ! تلاقيه متجوز الواطي وعايش حياته والبنت اليتيمة دي يا عيني طافح الكوتة ، منه لله حسبي الله ونعم الوكيل في كل واحد ظالم بالشكل دة .

جففت دموعها بيدها وهي تمسك جانبها الذي أشتد عليه الألم ، فانتبهت لها الأخرى فهتفت بذعر :- مالك يا صفية أروح أنادي حاتم من تحت بسرعة يشوف دكتور؟

هزت رأسها بالنفى قائلة بوهن :- لا ملوش لزوم اقعدي يا سميحة أنا عاوزاكي في موضوع مهم فيه حياة أو موت بس فيكي من يكتم السر ؟

شهقت ب ة قائلة بعتاب :- أخص عليكي يا أم حاتم بقى بتشكي فيا دة إحنا أهل !

أردفت بتوضيح :- أنا مش قصدي كدة ، أنا مش عاوزة أي مخلوق خلقه ربنا يعرف اللي هقولهولك دة لأن محدش يعرف بالسر دة أبداً ، والكلام اللي هاقوله خطير لو طلع الدنيا هتتقلب أنا هحكيلك سر كتماه يجي من خمسة عشر سنة آن الأوان أنه يطلع ، هطلعه بس عشان البنت الغلبانة دي اللي ملهاش ضهر من بعدي .

أردفت بحذر ، و دقات قلبها تزداد بقلق :- ماشي يا أختي قولي سرك في بير يا حبيبتي .

نظرت لها مطولاً ، و بدأت تقص عليها ما يجثو فوق صدرها طول تلك السنوات بعيون يسيل منها الدمع كالشلال ، وهي تخبرها بمعاناة شقيقتها الراحلة ، وما عانته من ويلات ، بينما اتسعت أعين ذلك الواقف ب ة عندما كان في طريقه للعودة لأخذ هاتفه الذي نساه ، و وقف كالتمثال حينما التقطت أذنه ذلك السر الخطير ، وعينيه تزداد اتساعاً كلما قصت والدته بالمزيد ، و لا يصدق ما يسمعه ، أيعقل ما سمع للتو !

انتهت من سردها قائلة برجاء :- أمانة عليكي يا سميحة ما تقولي لحد دي أمانة حافظي عليها من بعدي .

مسحت دموعها قائلة بصوت متحشرج :- اطمني يا أختي سرك في بير و رحيق هتفضل أمانة و زي بناتي بالظبط و مش هخلي حد يهوب ناحيتها ولا يأذيها اطمني يا أختي و حطي في بطنك بطيخة صيفي .

أومأت لها بخفوت قائلة :- تعيشي يا سميحة بنت أصول بصحيح .

نزل للأسفل و كأن على رأسه الطير ، و عقله في حالة ة ، ثم هتف بخبث :- بقى كله دة يطلع من ورا ست الحسن والجمال دي ! لا دة الواحد يقعد على رواقة بقى و يتكتك و يشوف هيعمل إيه ، لازم استفاد من ورا المصلحة دي كويس أوي و أبقى مغفل لو سبت الفرصة تضيع مني ..

قابل مدحت الذي هتف بمجرد أن رآه :- صباحو يا عمنا …
ثم جلس قبالته بينما هتف الآخر :- صباحك فل ، إيه مش ناوي تلين راس بنت خالتك دي و تخليها توافق ؟!

أردف بغيظ مكبوت :- أعملك إيه يعني ما هو على يدك دي رفضتك يجي خمس مرات ، و لما أمي بتسألها ليها بتقولها إنك متجوز و هي استحالة تتجوز واحد متجوز .

رفع حاجبه الذي يمر به خط طويل نتيجة لإحدى مشاجراته في المنطقة قائلاً باستنكار :- الله ! و فيها إيه أنا راجل مقتدر ، و أقدر أفتح بدل البيتين أربعة ، عمالة تتقنعر عليا ليه مش فاهم ، دة أنا هعيشها ملكة بدل العيشة اللي عيشاها دي .

جعّد وجهه بضيق قائلاً :- أهو العيشة اللي أنت شايفها دي عجباها يا مدحت .

غمغم ب :- لا بقولك إيه أنا عامل حساب للعيش و الملح اللي بينا ، هتعصلج معايا هوريك وشي التاني إحنا بينا إتفاق نسيت ولا أفكرهولك !

جز على أسنانه ب قائلاً بغيظ مكبوت :- لا فاكر يا مدحت ، بس أنت كمان استنى عليا مهلة كدة أكون جبتلك الفلوس كلها .

كاد أن يصل حاجبه أعلى رأسه، و هو ينظر له بدهشة قائلاً :- نعم نعم ! قولت إيه ؟! عيد اللي قولته تاني كدة !

أردف بضجر :- بقولك استنى عليا كام يوم و هجبلك الفلوس كلها لحد عندك .

نظر له قائلاً بسخرية لاذعة :- و دة منين إن شاء الله ! يكونش يلا سر ك محل دهب ولا تلك ! ما هو مش بعيد على الحشاشين اللي زيك .

أردف ب :- حوش أنت اللي شيخ جامع جرا إيه يا مدحت ما إحنا دافنينه سوا بتلبش بالكلام ليه بقى دلوقتي و بتسيحلي في المنطقة ؟

هدر ب :- علشان مبقتش حاتم اللي أنا أعرفه فين كلامك ليا اللي اتفقنا عليه ؟

تأفف بضجر قائلاً :- و بعدين معاك يا مدحت ما تهدى و تخلي صباحيتك تعدي الله ! هو المدام عكننتها عليك في البيت جاي تطلعه علينا هنا !

نهض من مكانه ب كالمرجل ، ثم جذبه من تلابيب ملابسه قائلاً :- لا دة أنت كمان عاوز تتربى ياض وأنا اللي هعلمك الرباية كويس .

قال ذلك ثم انهال عليه ي ه ، و الآخر يسدد و يتلقى ، و سرعان ما تحول الأمر إلى شجار عنيف تجمع أهل المنطقة على أثره ، حيث وقفت السيدات في الشرفات و النوافذ يراقبن الموقف بفضول من الأعلى .
تقدم أحدهم و حاول الفصل بينهما قائلاً بروية :- استهدى بالله كدة يا مدحت أنت و حاتم و أخذوا الشيطان .

و حينما لم يستطع الفصل بينهما نظر للملتفين حولهم قائلاً بحدة :- ما تساعدوني بدل ما انتوا واقفين كدة تتفرجوا مش فيلم هو ..

و بالفعل استجاب له البعض ، و تقدموا ناحية ساحة الشجار ، و استطاعوا الفصل بينهما فصاح مدحت ب المكبل بواسطة بعض الرجال :- سيبوني عليه أعلمه الأدب .

أردف حاتم بنفس ال وهو يحاول الوصول له :- تعلم على مين يالا دة أنا أشرحك مكانك ..

أردف ب :- طب و ديني و ما أعبد لو ما جبت الفلوس يا حاتم لأكون ك بأيدي .

صرخ ب :- على الجزمة هتاخدها فلوسك أنت هتزلني بيها .

تدخل أحدهم قائلاً :- خلاص يا ابني وحد الله كدة منك ليه ، ويلا كل واحد يشوف مصلحته .

أنصرف الجمع الغفير المنتشر ، بينما هتف صاحب الورشة بغلظة :- من النهاردة ملكومش أكل عيش عندي روحوا كلوا عيش في حتة تانية .

أخذا يتفرسان ببعضهما البعض بكره شديد ، ثم انصرف كلاً منهما إلى وجهة مختلفة ، و بداخلهم حقد يتصاعد كألسنة اللهب ………………..

الفصل الثاني

وقفت أمام الشقة الخاصة بعمها ، فرفع الصغير ذراعيه للأعلى قائلاً بتذمر :- ماما شليني عاوز أرن الجرث .

ضحكت بخفة على مشاغبة الصغير ، و بالفعل امتثلت لطلبه ، و قامت بحمله ، فوضع الصغير أصبعه على زر الجرس ولم يتوقف أبداً عن الضغط .

فتحه إسلام ، وما إن رآه حمله بسرعة بين ذراعي والدته بينما كتمت الأخرى انفاسها حينما كان مقترباً منها لأخذ الصغير حتى لا يسلبها منها في كل مرة عندما يهجم بضرواة على أوتار قلبها فتزيد من دقاته الصاخبة .

نظرت أرضاً كي لا تلتقي عيناها بعينيه فيقرأ فيهما سطور العشق المسطرة منذ زمن فيفتضح أمرها ، و عندها سيلومها الجميع أنست زوجها بتلك السرعة لتقع في غرام شقيقه ! و لكنهم لا يعلمون أن عشقه يسكن في ثناياها منذ أن كانت طفلة ، و حاولت الكثير و الكثير أن تمحيه ، و لكن دون جدوى، فمهما هربت تجد طريقها مسدود .

فاقت من شرودها على صوته الذي ما زادها إلا عذاباً حينما هتف بمرح و هو يقبل وجنة الصغير :- أهلاً أهلاً بحبيب عمو ، إزيك يا بطل ؟

هتف الصغير بابتسامة مشرقة :- كويث إثلام .

ضحك قائلاً :- ياض أنا عمك مش إسلام عيب كدة ، تعال يا بطل سلم على جدو و تيتة ..

ثم أضاف بهدوء و هو يوجه حديثه لمريم :- تعالي يا مريم هتفضلي عند الباب كتير !

أومأت له بخفوت ، ثم دلفت خلفهم و ألقت التحية على الموجودين فردوها عليها ببشاشة وجه .
انشغلوا بالطفل فهو عوض الله لهم عن ابنهم الفقيد ، فابتسمت بخفوت و لمع الدمع بعينيها سريعاً ما شكلت طبقة كرستالية محتهم على الفور ، و جاهدت في رسم إبتسامة واسعة على وجهها ، و لا تعلم إلى متى ستصمد ؟

هتف موسى الذي يضع الصغير على قدميه :- فطرت ولا لسة يا أبو حميد ؟

أومأ الصغير بنعم قائلاً :- أيوة يا جدو الحمد لله ، يلا علشان نروح تحت الكوالة .

ضحك الجميع على نطقه الخاطئ فأردف موسى :- اسمها وكالة يا أحمد وكالة ، تمام يا بطل و ماله أهو تتشرب الصنعة من وأنت صغير .

قال ذلك ثم نهض قائلاً ممسكاً بيد الصغير :- يلا كمان يا إسلام علشان تحصلنا زمان عمك فتح الوكالة بدري هو و محمود .

أردف إسلام بطاعة :- حاضر يا بابا ..

غادر بهدوء بصحبة الصغير ، بينما هتفت عواطف بحب :- تعالي يا مريم افطري مع إسلام .

هزت رأسها بنفي قائلة :- تسلمي يا مرات عمي أنا فطرت مع أحمد بالهنا كلوا أنتوا .

توجهت و جلست على الأريكة بالقرب منهم ، تقضم أظافرها بتوتر ، شُلّت حواسها ، و جحظت عيناها ب ة ، و توقفت ات قلبها حينما سمعت زوجة عمها تقول :- بقولك إيه يا إسلام يا ابني أنت أهو ما شاء الله خلصت كليتك ليك سبع سنين و شقتك بقت جاهزة من مجاميعه ، ها فاضل إيه تاني يا حبيبي مستني إيه ؟! نفسي أفرح بيك يا ضنايا بعد ما أخوك الغالي فارقنا مبقاش ليا إلا أنت و أختك .

زفر بضيق قائلاً بشبح ابتسامة :- حاضر يا أما أديني وقت أظبط أموري و هبقى أشوف .

أردفت بلهفة :- ما تقلقش أنا عندي ليك حتة عروسة إنما إيه جمال و أدب و ….

قاطعها قائلاً بضجر :- خلاص يا أما هبقى أشوف أنا نازل الوكالة عند أبويا ..

أنهى كلماته و نزل مسرعاً و تلقائياً وجد عينيه تقع على منزل تلك التي نقضت العهد ، عندما عاهدته بأنها ستكمل معه الطريق ، و لكنها تركته في بدايته حينما أتتها الفرصة للعيش في منطقة أكثر رقياً من هذه المنطقة مع هذا الثرى الذي تشبثت به بقوة لينتشلها من هذه المنطقة الشعبية .
ابتسم بسخرية ، و هز رأسه بندم على ما كنّه من مشاعر لها ، و نزل للأسفل ليتابع عمله بالوكالة ، حيث أنه يدير قسم الحسابات و يشرف على البضاعة بعملهم الخاص .

شعرت بالصقيع يسري في أوصالها فارتجفت بقوة وكأنها في الشتاء رغم حرارة الجو .
دمار تام خيم على مدينة قلبها فأصبحت عبارة عن كوم تراب . ماذا تنتظر ؟! أستظل توهم نفسها بالمزيد من الأحلام التي من المستحيل تحقيقها الآن !

شحب وجهها كالموتى ، و تأكدت اليوم أنه لن يكون لها مثل كل مرة كانت تُمني حالها فيها . تحجرت الدموع بعينيها ، و هدأت وتيرة أنفاسها ، و كم تمنت الموت في هذه اللحظة لتنال الراحة بدلاً من دوامة العذاب التي تغرق فيها .

اقتربت منها عواطف قائلة بابتسامة عذبة :- إيه رأيك يا مريم في بنت عم صالح أسماء ؟

هزت رأسها بضياع قائلة :- ها …بتقولي إيه ؟

لاحظت حالتها فأردفت بقلق :- مريم مالك يا بنتي ؟ وشك أصفر كدة ليه ؟

نهضت تتحامل على ذاتها قائلة بنفس الحالة :- أنا طالعة فوق ماما عاوزة تغسل السجاد وهساعدها ..

و بالفعل تركت المكان بسرعة حتى لا تنهار أمامها ، لم تجد غيرها صديقتها الوحيدة بالشقة المقابلة لهم فطرقت الباب سريعاً ففتحته والدة بثينة التي هتفت بقلق هي الأخرى :- في إيه يا مريم يا بنتي ، حد جرالوا حاجة ؟

هزت رأسها بنفي قائلة بضعف وهي على وشك الصراخ :- لا مفيش …مفيش ..عاوزة بثينة بس..

أومأت بتعجب قائلة :- طيب تعالي هي قاعدة جوة في أوضتها كويس أنها مارحتش الشغل النهاردة .

توجهت بسرعة لغرفتها ، بينما أخذت تتطلع لها الأخرى بدهشة ، و لكن هزت رأسها بهدوء فلتعرف ما بها من ابنتها لاحقاً .

فتحت الباب على حين غرة ، فقفزت الأخرى في مكانها على أثره و ما إن رأتها هتفت بذعر :- مريم مالك يا حبيبتي ؟

احتضنتها بقوة ، وهنا سمحت لنفسها بالانهيار ، إذ سقطت جميع حصونها التي تتظاهر بالقوة ، و انخرطت في موجة بكاء غير معهودة منها .

أتت والدتها على صوت البكاء قائلة بقلق :- في إيه يا بثينة مالها مريم ؟

هتفت بقلق :- والله ما أنا عارفة يا أما ، سيبينا دلوقتي لحد ما تهدى و هعرف مالها .

أومأت بموافقة قائلة :- ماشي وأنا هروح اعملها حاجة تشربها تهديها .

بعد فترة هدأت وتيرة بكائها فأردفت بثينة بهدوء :- ها يا مريومة مش هتقوليلي مالك بقى ؟

أردفت بصوت متحشرج و قد خيم الحزن على كل خلية بداخلها :- تعبت أوي يا بثينة مبقتش قادرة استحمل خلاص جبت آخري .

أردفت بقلق :- ليه بس فيه إيه ؟

ضحكت بمرار قائلة :- أقولك إيه ولا إيه خليني كاتمة أحسن يمكن روحي تطلع و ارتاح بدل الغلب اللي أنا فيه .

شهقت بصوت عال و أردفت باستنكار :- بقى هي دي مريم اللي أنا أعرفها ! لا لا مش هي أبداً فين مريم القوية اللي بمية راجل .

أردفت بتعب :- خلاص مريم معادتش قادرة تمثل دور مش دورها أنا بقف قدامهم ساكتة و جوايا خراب .

ربتت على ظهرها بحنو قائلة :- أهدي بس و قوليلي في إيه ؟

مسحت عبراتها ب قائلة بكذب :- بابا مش راضي يخليني أشتغل ، هو أنا واخدة الشهادة عياقة يعني !

أردفت بحذر :- طيب بس أهدي كدة الأول ، يعني إنتي مش عارفاه هي أول مرة ! لا لا مش دة السبب أنا عارفاكي كويس ، ها في ايه تاني ؟

هتفت بخزي من حالها و وجع :- مرات عمي جابت لإسلام عروسة و شكله هيوافق عليها المرة دي .

أردفت ب ة :- بتقولي إيه؟ طب طب وإنتي؟! إزاي ؟

أجابتها بحرقة :- زي الناس يا بثينة هو من حقه يتجوز ولا هيفضل كدة يعني !

هزت رأسها بنفي قائلة:- لا مش قصدي كدة بس …بس وإنتي ؟

أغلقت عينيها ب قائلة بقلب ذبيح تلطخت اعماقها بدمائه :- عادي يا بثينة و إيه الجديد ؟! قلبي أتعود على كدة فمبقتش فارقة خلاص ، أنا هعيش لأحمد وبس كفاية الأنانية اللي أنا فيها دي .

أردفت بشفقة :- خلاص يا حبيبتي متعمليش في نفسك كدة أدي الله و أدي حكمته .

هزت رأسها بحزن قائلة :- و نعم بالله خلاص يا بثينة أنا مش هفكر فيه تاني ، أنا كل مرة بيجي في بالي بحس قد إيه إني واحدة خاينة لجوزها اللي ما صدقت يم.وت علشان تلوف على أخوه .

زفرت بثينة بحزن قائلة :- خلاص بقى يا مريم كفاية تحملي نفسك فوق طاقتها ما إحنا كلنا عارفين انك اتجوزتيه غصب عنك .

ابتسمت بمرار قائلة :- انتوا مين اللي عارفين يا بثينة ؟! هو إحنا هنضحك على بعض ! محدش يعرف حاجة عن الموضوع دة غيرك بس فمتعمميش و تقولي احنا ، على العموم يلا مجاتش عليه و لا جديد عليا إني أتوجع ، معلش يا بثينة تعباكي معايا علطول.

قطبت جبينها بعبوس قائلة :- عيب عليكي إنتي صاحبتي متقوليش كدة .

أردفت بود :- ربنا يخليكي يا بسبس والله من غيرك مكنتش هعرف اعمل ايه ، طيب أنا همشي دلوقتي علشان محدش يحس بغيابي أصل ما قولتش لحد .

هتفت بسرعة :- طيب استني أمي بتعمل العصير .

– لا معلش أبقي سلميلي عليها أنا مروحة أشوفك بعدين .

وما إن همت لترحل عاجلتها بسؤال أعاد الحزن لها مجدداً و كأنها والدته و هو لا يريد تركها :- هي صحيح مين دي اللي أم إسلام عاوزة تجوزهاله؟

ابتسمت بوجع قائلة :- أسماء بنت عم صالح .

اتسعت عينيها بدهشة قائلة :- أسماء !

أومأت بموافقة قائلة بتهكم :- أيوة أسماء صغيرة و متجوزتش قبل كدة يعني مناسبة له كتير ، بالإذن يا بثينة .

قالت ذلك ثم غادرت بخطوات أشبه بالسلحفاة عائدة أدراجها بعد أن جففت دموعها ، و جاهدت في رسم إبتسامة باهتة سرقتها خلسة من الزمن ، و طرقت الباب لتفتحه توحيدة ، فدلفت لغرفتها مباشرة بينما وقفت والدتها تطالع أثرها بقلب جريح على حال ابنتها التي تراها كالشاه المذبوحة وهي تقف تشاهدها دون أن تمد لها يد العون .

رفعت انظارها للسماء تتضرع إلى الله بأن يخفف عن ابنتها و يرزقها كل الخير .

دلفت لغرفتها بخطوات بطيئة، و ألقت بنفسها ب على الفراش ، و أخذت تحدق في سقف الغرفة التي شهدت على الكثير من معاناتها طوال تلك السنوات .
بهتت ملامحها كعجوز في الثمانين تحمل من الهموم مما يفوق الجبال ، و زادت هالاتها السوداء حول عينيها البندقية الواسعة ، و نقص وزنها كثيراً عما كانت عليه سابقاً .

تحملت الكثير دون أن تشكو ، لا تحب أن تشارك غيرها أوجاعها لأنها تخصها وحدها ، ولن يشعر أحد بالحزن لذا لم تتحدث .
ابتسمت بسخرية ، لمن ستتحدث ؟ لوالدها كي ي ها إن علم أنها تحب شقيق زوجها الراحل ! ، ام لوالدتها التي تتبع والدها في كل شئ تجنباً ل ه ! ، واما لشقيقها الذي ورث الطباع الحادة من والده !

أخذت تبحر بذاكرتها للخلف ، تمر عند كل مرسى به حدث أو ذكرى ، زادت من وتيرة بكائها المكتوم الذي لا يدري به أحد من الأساس ، تود أن تصرخ و تثور ولكن إن فعلت ستصبح عاقة لهما ، وهي لا تريد ذلك أبداً ، لا تريد أن تقطع أي حبل يوصلها بطريق الله ، لذلك توافق والدها على أي قرار يتخذه حتى وإن كان هذا سيضر بمصلحتها ، أو يعارض رغبتها .

أخذت تنتحب بصمت لتفرغ شحنتها السلبية ، و لتنهار الآن لكي تستطيع أن تقف على قدميها قوية في الأيام المقبلة التي ستشهد على م ها بالبطيئ .

___________________________________

صعد للأعلى بوجه متجهم للغاية ، و اغلق الباب خلفه بقوة ، و جلس بإهمال على أحد المقاعد المتهالكة ، و أخذ يهز قدمه ب ية شديدة.

تحاملت والدته على نفسها و أخذت تسير حتى وصلت لعنده ، و جلست بتعب قبالته قائلة بوهن :- بردو دي عمايل تعملها يا ابني بتقطع عيشك بأيدك !

هتف بانفعال :- يعني كنتي عاوزاني أعمل إيه يا أما ! دا ابن **** عاوز الحرق .

هزت رأسها بأسى قائلة :- يعني من كتر الشغل دا الواحد بيتعلق في قشاية في زمان ما يعلم بيه إلا ربنا.

أردف ب :- كله من بت أختك لو رضيت تتجوزني مكانش دة حصل .

جعّدت أنفها بغرابة قائلة باستنكار :- و إيه دخل دة بدة ؟! انت بتخلط الأمور ببعضها ليه؟ و يعني هي وافقت وأنا قلت لا ، البت مش راضية وأنا مش هغصبها على حاجة يا ابن بطني .

نظر لها بخبث قائلاً :- ماشي يا أما براحتها .

تأوهت بألم قائلة :- آه ألحقني يا حاتم هموت مش قادرة جنبي واجعني ..
قالت ذلك ثم فقدت وعيها على الفور …

______________________________________

نزل من طيارته الخاصة ، يحاوطونه الحراس الخاصين به كالحصون الفولاذية المنيعة ، يمشي بخطوات سريعة عندما أتى له اتصالاً أثناء رحلته إلى بلجيكا في صفقة عمل بمرض عمه الشديد الذي يرقد في الفراش لا حول له ولا قوة .
صعد للسيارة بسرعة ، و جلس في المقعد الخلفي، بينما أنطلق السائق حيث مكان عمه بالمشفى الضخم الخاص بهم .

بعد وقت توقفت السيارة أمام المشفى ، و نزل السائق يسرع بفتح الباب الخلفي ، فنزل ببرود كحالته ، و مشي بخطوات للداخل حتى ابتلعه المبنى .

استقل المصعد متوجهاً للطابق المتواجد به عمه و البقية وما إن رآهم هتف بجمود و هو يقف بثباته المعتاد :- عمي حالته إيه دلوقتي ؟

هتفت ناريمان زوجة عمه ببكاء :- حالته متأخرة أوي يا مراد مفيش أمل أنه يمشي تاني .

قوس حاجبيه ب مكبوت قائلاً بحدة :- و البهايم اللي هنا وظيفتهم إيه ؟ لو مش عارفين يعملوا حاجة حالاً نسفره برة .

هتف والده بحزن :-يعني هيعملوا إيه اللي برة ؟! المستشفى هنا فيها أحسن الدكاترة كلهم قالوا إن حالته متأخرة .

زفر بضيق و استعاد ثباته قائلاً بجمود :- و جدي فين ؟
ثم نظر لجدته التي ورث منها الغطرسة قائلاً :- جدي فين يا نانا ؟

هتفت بهدوء :- تعبان شوية يا مراد ، قاعد جوة في الأوضة اللي جنب عمك .

أردف بهدوء :- طب أنا عاوز أشوفهم .

اقتربت ابنة عمه التي تغرق الدموع عينيها ، و هي تقدم على احتضانه، إلا أنه أوقفها بإشارة من يده بأن لا تقترب من تلك المنطقة المحظورة التي لم تقترب منها أي أنثى من قبل .

جزت على أسنانها بغيظ منه ، ودت لو تلكمه ، و لكن هيهات أن تعبث مع ذلك الجامد كالثلج . هتفت بدموع في محاولة منها لكسب عطفه نحوها :- بابا يا مراد خلاص مفيش أمل أنه يمشي تاني .

لم يتحدث بكلمة فهو غير جيد في تلك الأمور العاطفية، فهو كالآلة يتحرك بوقت ، و يعمل بوقت ، أو بالأحرى يقدس العمل و الوقت .

نظر لوالده قائلاً :- أنا هدخل أشوف جدي على ما يطلع الدكتور و نطمن على عمي .

استدار مولياً إياهم ظهره بينما هتف شادي بخفوت :- يخربيت برودك يا أخي إيه دة ؟!

بعد دقائق أتى الطبيب للإطمئنان على صحة مجدي و بعد أن فحص مؤشراته خرج و على وجهه إمارات الأسى فهتف عمران بلهفة :- طمني يا دكتور أخويا حالته إيه ؟

هز رأسه بحزن قائلاً :- للأسف العملية فشلت و فرصة أنه يمشي من تاني ضئيلة دة إن مكانتش مستحيلة مش قدامنا حاجة نعملها دلوقتي.

أتاه صوته الحاد قائلاً :- يعني إيه مش قدامك حاجة تعملها أنت بتهزر !

زفر الطبيب بضيق قائلاً :- يا باشمهندس مراد حالة عمك مفهاش أمل ، إحنا عملنا اللي علينا و زيادة ولو عاوز تاخده تسفره برة براحتك .

رُسم الأسى على الجميع فأردف الطبيب بهدوء :- هو فايق دلوقتي و طلب مني إنك تدخله لوحدك .
حالة من الدهشة و التعجب خيمت عليهم بما فيهم هو . أومأ بهدوء ثم دلف لغرفة عمه .

قطبت ميس جبينها بتعجب قائلة :- غريبة ! يا ترى عاوزه في إيه ؟

هز عمران كتفه بعدم معرفة قائلاً :- ما أعرفش يا ميس علمي علمك .

كانت تقف و بداخلها فضول لمعرفة سبب طلبه له بالداخل بمفرده ، و تمنت أن تقرأ الأفكار الآن لتعلم السبب و ترضي فضولها .

بعد وقت قضاه بالداخل ، خرج و وقف بعيداً عنهم قليلاً ، بينما أخذ البقية يتفرسونه بعمق لعلهم يستشفون أي شئ ، و لكن ملامح وجهه الجامدة حالت دون ذلك .

تقدمت منه زوجة عمه التي ي ها الفضول و هتفت بحذر :- هو …هو مجدي قالك إيه جوة ؟ يعني …يعني طمنا عليه هو كويس ؟

أردف بجمود :- اطمني يا مرات عمي هو كويس ، وهو وصاني عليكم وإني أخد بالي منكم .

هزت رأسها بهدوء ، و بداخلها غير مقتنع بما أملاه عليها ، و اشتعلت نيران غاضبة بداخلها نستها منذ زمن بعيد ، و جزت على أسنانها بغل إن كانت ما تفكر به صحيح .

______________________________________

تعبت قدميهما و صرخت باستغاثة كي يكفوا عن السير و ينالوا قسطاً من الراحة .

هتفت آلاء بصراخ و تذمر :- رحيق أبوس إيدك كفاية أنا رجليا ورمت مش قادرة خلاص أمشي تاني .

هتفت بتعب هي الأخرى :- يلا بس معلش تعالي على نفسك شوية مش هنرجع و أدينا فاضية .

هزت رأسها بنفي قائلة باعتراض :- لا ، لا كفاية أنا جبت آخري ، طب نرتاح شوية .

غمغمت بضيق :- خلاص يا آلاء تعالي نقعد تحت الشجرة هناك على ما رجل سيادتك تخف و ترتاح .

ابتسمت بسماجة قائلة :- ربنا يباركلك يا رب ، اللعب ربنا ينصرك ، اللهي …..

قاطعتها قائلة باستياء :- خلاص يا آلاء إنتي مش قاعدة على باب السيدة هنا قدامي .

ضحكت بخفة، ثم توجهتا تحت الشجرة ، و جلستا على. الأريكة الخشبية ، و هن يلتقطن أنفاسهن بتعب من السير الطويل .

أخذت تمسد على قدميها قائلة بتعب :- اه يا اني يا أما كان مالي ومال التعب دة بس يا ربي .

ابتسمت بألم قائلة :- معلش استحملي علشان خاطري أنا عاوزة ألاقي شغل بأي شكل من الأشكال و بسرعة إن شاء الله اشتغل خدامة بس أهو اسمه بشتغل .

أردفت بتوبيخ و تمني :- بس يا هبلة خدامة إيه دة كمان ! إنتي فاكرة إحنا لسة عايشين في عصر البهوات دة ولا إيه ؟ لا إن شاء الله هندور تاني وتالت و رابع و ربنا معانا. .

زفرت بضيق قائلة برجاء :- يااااارب …

بعد فترة نهضتا سوياً و أكملتا السير ، و بينما كانتا تبحثان اصتدمت رحيق بسيدة فهتفت بسرعة :- أنا آسفة ما أخدتش بالي .

ابتسمت لها بود قائلة :- لا عادي ولا يهمك ، واضح انك تعبانة …

تدخلت آلاء قائلة :- اه أصلنا بنلف من الصبح على شغل .

هتفت بدهشة :- إيه دة انتوا بتدوروا على شغل ؟!

أومأت بنعم فضحكت بخفة قائلة :- و اللي يجبلكم ؟

أردفت آلاء بمرح :- أديله بوسة كبيرة .

ضحكت بصخب عليها قائلة :- لا إنتي شكلك مشكلة . آه يا ستي ليكم عندي شغل .

هتفت رحيق بتعجب و قلق :- شغل إيه دة يا أستاذة ؟

أردفت بخفوت :- طيب هنتكلم كدة إحنا و واقفين ، تعالوا نقعد في أي كافيه قريب من هنا .

و حينما رأت التوتر مسطر في أعينهن أردفت بمرح :- متقلقوش تعالوا هعزمكم أنا زي أختكم ولا إيه ؟! تعالوا مش هخطفكم.

وزعن أنظارهن بينهن و بين تلك الماثلة ، و حسموا أمرهم أخيراً و توجهوا معها .

جلستا قبالتها بتوتر ملحوظ ، بينما أردفت هي بود :- ها بقى تحبوا تشربوا إيه ؟

أردفت رحيق بتوتر :- لا لا شكراً مفيش داعي .

قطبت جبينها قائلة بتذمر :- بت هو إنتي بخيلة ولا إيه ؟
ضحكت آلاء بمرح قائلة :- سيبك منها أنا عاوزة أشرب عصير مانجا ، و هاتيلها هي عصير فراولة أصلها بتعشقها .

دفعتها بقدمها بغيظ من تحت الطاولة فأردفت آلاء بتذمر :- في إيه يا بنتي هو أنا بكدب يعني ولا بكدب !

ضحكت بغيظ لتخفف من حدة الموقف، و وجدت لو ت ها في الحال ، بينما هتفت الأخرى بتهذيب :- هعرفكم بنفسي أنا سندس عامر خريجة تجارة إنجلش و بعد سنين من الكفاح فتحت ليا مكتب تسويق و مبيعات و محتاجة موظفين جداد ومن حظي لقيتكم في وشي .

نظرت رحيق لها بتردد قائلة :- أاا…هنبقى نشوف و نرد على حضرتك .

ضحكت بنعومة قائلة :: يا بنتي أسمي سندس و بس مش حضرتك ، هو أنتوا صحيح أسمكم إيه ؟

أردفت آلاء بمرح :- محسوبتك آلاء خريجة تربية قسم لغة إنجليزية و الأخت دي بقى رحيق مزة الدفعة و معايا في نفس التخصص .

ضحكت بخفة قائلة :- تشرفت بمعرفتكم يا قمرات .

أردفت رحيق بتعجب :- بس أظن إحنا تخصصنا مينفعش مع نوع الشغل عندك .

أردفت بروية :- بالعكس دة ينفع و بزيادة كمان هو أنتوا مش perfect في اللغة ولا إيه ؟!

أردفت آلاء بسرعة :- لا والله إحنا واخدين كورسات فيها جنب دراستنا تحبي تختبرينا ؟

هزت رأسها بهدوء قائلة :- اه إن شاء الله بس لما تشرفوني في الشركة بكرة ….
ثم مدت لهم بكارت قائلة :- و أدب الكارت و العنوان لو حبيتوا تيجوا أنا مستنياكم بعد أذنكم علشان ورايا مواعيد ضروري دلوقتي.

قالت ذلك ثم تركتهن يتخبطن في حيرتهن فهتفت آلاء :- مالك يا رحيق مصدرة الوش الخشب ليه ؟

أردفت ببساطة :- علشان بصراحة مش واثقة فيها ، إيه اللي ضمني أنها صادقة ؟

رفعت حاجبها قائلة باستنكار :-نعم يا أختي ! دة اللي هو إزاي يعني ؟ هو إنتي بتتفرجي على مسلسلات كتير ؟!

أردفت بضجر :- الحكاية مش كدة بس بصراحة أنا قلبي مش مطمن للموضوع دة .

أردفت بروية :- يا ستي نبقى نروح نشوفها و بعدين لو معجبناش الوضع نبقى نمشي ، متخافيش مش إحنا مع بعض ايه اللي قالقك؟

هزت رأسها بموافقة قائلة :- على رأيك ماشي بكرة نشوف إن شاء الله .

قاطع حديثهم رنين هاتف رحيق فالتقطته ، و ما إن رأت المتصل هتفت بضيق :- يوووه كانت نقصاك انت كمان .

أردفت بضحك :- ابن خالتك اللي مسجلاه التنح آه بس لو شافك طيب ردي ..ردي لا يكون في حاجة مهمة .

أومأت لها ثم أجابت على الهاتف ، و ما إن وضعته شحب وجهها ، و ظلت كالتمثال ، و تحدثت دموعها فقط حينما هطلت بغزارة كالشلال حينما أتاها رده قائلاً :- انتي فين ؟ أمي ماتت …ماتت ….

هتفت آلاء بقلق :- في إيه يا رحيق ؟ مالك يا حبيبتي ؟

سقط الهاتف من يدها و هتفت بضياع :- خالتي ماتت ..ماتت يا آلاء ماتت ..

عند هذه النقطة شعرت بأن الجدار الذي تحتمي خلفه أنهار فما عاد لها حصن يؤيها …

بعد مرور أسبوعين ، تجلس على الأريكة ، والحزن نال منها تلك المرة و طرحها أرضاً بأشد ما لديه من قوة .
ملابس سوداء ، سيدات من الجيران و الحي أتوا لتقديم العزاء ، تستقبلهم بجسد هربت منه الحياة . بجوارها تجلس صديقتها آلاء ، و على الجانب الآخر تجلس جارتها سميحة التي تساقطت دموعها حزناً على رفيقتها ، و كأنها كانت تشعر بقدوم ساعتها لذلك أوشت لها بذلك السر الكبير .

نظرت لرحيق بطرف عينيها قائلة بحزن و خفوت :- شيلتيني أمانة كبيرة أوي أنا مش قدها يا صفية ، ربنا يعيني و يقدرني .

هتفت آلاء بدموع :- قومي كلي يا رحيق ما تعذبيش نفسك ، فكرك كدة هي فرحانة يعني و مبسوطة ! قومي ربنا يهديكي .

هزت رأسها بنفي قائلة بصوت متحشرج :- مليش نفس يا آلاء .

أردفت بنفاذ صبر و هي توجه حديثها لسميحة :- قوليلك حاجة يا خالتي .

أردفت بحزن :- والله يا بنتي تعبت معاها ، سبيها دلوقتي على ما الستات تمشي .

احتضنت جسدها الهزيل بحماية ، و دموعها تتسرسل كحبات اللؤلؤ، قلبها ينزف بغزارة ، لقد فقدت تلك السيدة الحنون التي كانت بمثابة والدتها ، لم تبخل يوماً أن تظهر فيه عاطفة الأمومة نحوها في حبها و خوفها و معاملتها الحسنة لها ، تركتها وحيدة للأيام تقذفها من هنا و هناك وسط أمواجها العاتية ، ولا تعلم ما تخبئه لها الأيام .

بعد وقت غادرن النسوة ، و أحضرت آلاء لها الطعام فتناولت بعض اللقيمات تحت ضغط سميحة التي أصرت و بعد عناء من المماطلة رضخت لطلبها ، فتناولت القليل والذي كان كالعلقم بالنسبة لها .

صعد حاتم بعد أن استقبل الرجال بالأسفل الذين أتوا لتقديم واجب العزاء ، و ما إن دلف امسكت هي تلقائياً يد سميحة و كأنها حبل النجاة تتعلق به . شعرت الأخرى بها لتربت على يدها بحنو ، ولا تعلم حقيقة خوفها ، بينما هتفت بمواساة :- البقاء لله يا حاتم يا ابني شد حيلك .

هتف بصوت أجش :- الشدة على الله يا خالتي .

نهضت قائلة :- طيب همشي أنا و هبقى أجيلك الصبح .

هزت رأسها بنفي قائلة :- لا لا خليكي معايا يا خالتي بالله عليكي .

هتفت بهدوء وهي تربت على ظهرها :- حاضر يا بنتي حاضر .

أخذ يطالعها بغيظ شديد على موقفها هذا فانصرف مسرعاً للداخل لغرفته .

______________________________________

بعد مرور يومين تعالت الطرقات على الباب بصخب عندما كانت تطعم صغيرها فنهضت من مكانها بفزع و توجهت لترى من الطارق ، فأصابتها الدهشة عندما وجدتها أمامها ، ا بت شبح ابتسامة قائلة بهدوء :- إزيك يا أسماء عاملة إيه ؟ اتفضلي ..

هتفت بصوت مهزوز :- أاا…. أنا .. أنا عاوزة أتكلم معاكي لوحدنا .

قطبت جبينها بتعجب قائلة :- ماشي تعالي ادخلي .

دلفت و أغلقت الأخرى الباب و بداخلها ألف سؤال .
رحبت بها والدتها قائلة :- أهلاً وسهلاً يا أسماء ، عاملة إيه ؟ و أمك أخبارها إيه ؟

هزت رأسها بتوتر قائلة :- الحمد لله يا خالتي بخير .

هتفت مريم بهدوء :- ماما خلي بالك من أحمد على ما أشوف أسماء عاوزاني في إيه .

أومأت لها بخفوت ، بينما دلفت هي بها إلى غرفتها الخاصة ، و جلستا على الفراش فهتفت مريم بحذر :- ها أدينا قعدنا لوحدنا في إيه يا أسماء ؟ مش على بعضك كدة !

فركت يديها بتوتر وهي في حيرة من أمرها أتخبرها أم لا ! و لكنها حسمت أمرها أخيراً و نظرت لها قائلة بوجه شاحب :- إلحقيني في مصيبة ………….

ذئب يوسف
الفصل الثالث
اتسعت عيناها بذعر وهي تراقب هيئتها الشاحبة ، بدأت دقات قلبها تزداد، فامسكت يدها تضغط عليها برفق قائلة :- أهدي يا أسماء و كلميني براحة في إيه ؟

أرتجف بدنها قائلة بصوت مذبذب :- أنا …. أنا واقعة في مصيبة يا مريم ، ساعديني أبوس إيدك .

زادت ات قلبها بصخب ، و تتوقع الأسوأ فهتفت بقلق بالغ :- مصيبة إيه دي يا أسماء اتكلمي ما تخافيش .

سقطت دموعها برعب قائلة :- في واحد زميلي في الجامعة …. بب..بيهددني بصور ليا في أوضاع قذرة ، و بيهددني لو مجيتش ليه الشقة هيودي الصور دي لأهلي .

ت بيدها على صدرها ب قائلة بفزع :- يادي المصيبة ، إيه اللي إنتي هببتيه دة ؟! طب إزاي و علاقتك بالواد دة واصلة لحد فين ؟

أردفت بخزي :- كنا بنخرج مع بعض و لما عرفت اللي في دماغه بعدت عنه والله ، ومن يومها بيوقفلي في الراحة و الجاية يهددني ، أنا مش عارفة أعمل إيه ؟ ساعديني يا مريم إنتي عمرك ما بتقولي لا لحد في خدمة يطلبها منك .

السابقانت في الصفحة 1 من 7 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
4

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل