«يا كُل كُلي»
بقلمي روز أمين
🔹الفصل السادس🔹
نظرت إليه لتتنفس براحة وكأنها كانت تنتظر حديثهُ،إبتسمت وتحدثت باطمئنان:
-من يوم خطوبتنا وأنا كنت حاسة إن فى واحدة تانية فى حياتك، أنا مش غبية يا محمود، برودة إيدك وإنت بتلبسني الدبلة ونظرة عيونك المطفية أكدوا لي شكوكي، والنهاردة في الفرح إتأكدت لما شفت غيرتك ونظراتك وإنتَ بتبص عليها
ثم استرسلت متسائلة بفطانة:
-مش هي بردوا البنت اللي كانت قاعدة على التربيزة اللي قصادنا؟
اومأ بخفة لتنفس هي ثم استكملت:
-وانا مش هكذب عليك وهصارحك بالحقيقة، أنا واشرف إبن خالتي بنحب بعض جداً وهو إتقدم لي من فترة،لكن بابا الله يسامحة رفض بحجة إنه عاوز يجوزني لظابط شرطة من شدة حُبه لمجال شغله، بعدها إنتَ إتقدمت لي وحصلت الخطوبة، بس أنا كمان مقدرتش أحبك ولا أنسى اشرف، وبصراحة إنتَ ريحتني جداً بكلامك ده وادتني أمل إن بابا يوافق علي أشرف لما يتقدم لي تاني
شعورًا هائلاً بالراحة قد إحتاح روحه ليبتسم ويتحدث:
-ربنا يوفقك يا سارة، وان شاء الله سيادة اللواء يتفهم ويوافق على خطوبتك لإبن خالتك
عاد محمود إلى محافظة الغربية وفي اليوم التالي ذهب إلى منزل والد جنة فى المنزل وجلس بحضرته ووالدة جنة التي اصرت على الجلوس بغرفة الضيافة معهما لمساندت ذاك الشاب بعدما ترجتها جنة،ظل يقنعه بشتى الطرق متحدثًا:
-أنا جيت لحضرتك تاني بعد ما فسخت خطوبتي من البنت اللي بابا أجبرني على خطوبتها بسبب تهديدك
تنهد محمد ليهتف الاخر بترجي:
-ارجوك ياعمى حاول تفهمني، انا بحب بنت حضرتك ولو ماتجوزتهاش عمرى ماهتجوز،كدة إنتَ بتحكم عليا اعيش حياتي وحيد،والله ياعمى مستعد ارضيك بكل الطرق، قولي بس ايه اللى يرضيك وانا هعمله؟
تنهدت سامية متأثرة بنبراته الصادقة بحديثه ليتحدث محمد بأسى:
-يا ابني بلاش تصعبها عليا،انا كمان مفيش في إيدي حاجة أعملهالك،الموضوع اكبر مني ومنك
تحدث متلهفًا:
-أنا مستعد أبوس إيدك قدام البلد كلها لو ده هيرضيك ويصلح اللي حصل زمان،بس بلاش تحرمنى من الإنسانه الوحيدة اللي قلبي دق لها
تأثر محمد بمشاعره وتأكد من عشقه لابنته وبأن إبنته ستكون بأمان وسيفعل كل ما بجهده لاسعادها،استغل محمود مشاعر محمد المتذبذبة ليتحدث بوعدٍ صادق:
-والله العظيم هحطها في عنيا، عمري ما هزعلها في يوم ولا هخليك تندم إنك وافقت تجوزهالي
نظرت إليه سامية تترجاه بعينيها بأن يمنح قلب ذاك العاشق وقلب ابنتها فرصة للحياة، يعلم جيدًا عشق ابنته لذاك الوسيم وهذا وراء رفضها الدائم لاي شاب يتقدم لخطبتها، تنهد ثم تحدث بهدوء وتخبط داخلي:
-ادينى اسبوع يا ابني وانا هبقي أرد عليك، سيب لى بس رقم تليفونك وانا هكلمك
وكأن كلماتهِ أحيت روحه من جديد بعدما كانت تحتضر،تفوه متلهفًا:
– أنا هاجى لحضرتك تانى ياعمى علشان أعرف رأيك
أجابهُ بهدوء:
-ملوش لازمة تيجي، أنا هبقى أبلغك برأيى فى التلفون
وقف محمود ثم وجه الشكر الجزيل إلى محمد وتحرك بجانب سامية التي رافقته للخارج، وأثناء مرورهُ بردهة المنزل وجد تلك الجميلة تخرج من إحدى الغُرف لتلتقي الأعيُن وتسرح في سماء عشقهما،إنتفض جسدها ورعشة لذيذة أصابتها ليرتبك داخلها، تحمحم وتخطى وقوفها سريعًا إحترامًا لحُرمة المنزل وظل بطريقه حتى وصل لباب المنزل الخارجي ليلتف ناظرًا إلى سامية ثم تحدث باحترام مصافحًا إياها:
-بعد إذنك يا خالتي، ومتشكر قوي لوقفتك معايا
شرفت يا حضرة الظابط…قالتها بابتسامة عذبة لينصرف وقد تسلل الأمل داخل قلبه لينعش روحه من جديد،بالكاد تحرك خطوتان ليجد علي بوجهه،توقف ثم رمقهُ بنظرة حادة ليتخطاه الأخر قاصدًا طريقهُ كي يقطع عليه فرصة الشجار المحتم إذا تحدثا، إلتف ينظر عليه باستغراب لثواني ثم انطلق للداخل بعد أن ضغط على حاله لأقصى درجة كي لا يجذبهُ من تلابيب حلته ويُكيل له الكثير من الضربات كي يريح قلبه،ازداد حنقه عندما وجد والدتهُ تقف بمقابل شقيقته المتبسمة بسعادة، انطلق بسرعة الريح ليجذبها من ذراعها ويهزها معنفًا إياها بالحديث:
-الواد ده كان بيعمل إيه هنا، إنطقي؟
سيب أختك يا علي… نطقتها سامية بحدة ليهتف الأخر حانقًا:
-مش هسيبها غير لما اعرف الزفت ده كان بيعمل ايه في بيتنا؟
كانت ترتعب بين يداي ذاك الغاضب الذي تركها سريعًا بعدما استمع لصوت والده مصيحاً باسمه، ولج إلى حجرة الضيافة وجد والده يتوسط الأريكة بجلوسه، أشار له ليجاورهُ ليستجيب الأخر ثم سألهُ باحترام:
-إبن عبدالله التهامي كان بيعمل ايه هنا يا حاج؟
اخرج والده زفرة قوية توحي لمدى تشتت روحهُ ثم نظر إليه ليتحدث بهدوء:
-جاي يطلب إيد أختك
انتهى من جملتهُ ليهتف الأخر بحدة:
-تاااني، هو الواد ده معندوش دم، هو مش جه قبل كدة واترفض مرتين
ليستطرد بشرٍ ظهر بعيناه:
-شكله كدة مبيجيش بالذوق، اللي زيه محتاج علقة محترمة تفوقه
علي، إهدي واسمع كلامي للأخر وبطل عصبيتك اللي مودياك في داهية دي… هكذا تحدث والدهُ بحدة ليسترسل بنبرة أهدى:
-الولد عاوز أختك وباين من إصراره إنه شاريها بجد
اتسعت عينان علي ليتساءل بارتياب:
-كلامك ده ملوش عندي غير معنى واحد يا حاج، وهو إنك موافق!
ولجت سامية من الباب لتنضم إليهما وتجاورهما الجلوس،تنهد الأب وتحدث بنبرة هادئة:
-أنا فعلاً بدأت أفكر في الموضوع، ولا أنتَ عاجبك حال أختك اللي عمالة ترفض في العرسان، ولا شكلها اللي بقى مطفي زي ما يكون ميت لها عزيز، من الأخر يا ابني جنة عاوزة الولد ومش هتوافق بحد تاني حتى لو كان مين
هتف بعصبية:
-تتقطم رقبتها يا حاج، هنجوزها لذكريا غصب عنها، مش على أخر الزمن حتة بت هتمشينا على مزاجها؟
إوعى تتكلم كدة على أختك تاني… هكذا هتفت والدتها ليتحدث هو مبررًا:
-يعني إنتِ عاجبك الدلع الماسخ بتاعها ده يا ماما، من امتى البنات بتختار بنفسها اللي هتتجوزه
بدفاعٍ عن إبنتها تحدثت بنبرة جادة:
-ده حقها اللي الدين حللهولها يا ابني
لتسترسل بتبكيت:
-إنتَ ناسي مراتك عملت إيه علشان تخلي امها توافق عليك بعد ما كانت مقرية فاتحتها على ابن خالتها، وقفت قدام اهلها واجبرتهم يوافقوا عليك
دي غير دي يا ماما، أنا ومراتي مكانش بينا تار ودم… كان هذا مبرره ليتحدث أبيه مبرراً:
-ما هو أنا علشان الموضوع ده بالذات أنا بدأت أفكر تاني في طلب ابن عبدالله التهامي
هتف الشاب معترضًا برعونة:
-أبوس إيدك بلاش يا حاج، الموضوع ده لو تم هنتذل ونصغر في عيون الناس
تحدث ابيه برزانة:
-فين الذُل في كدة يا ابنى، الناس جاية ومادة لنا اديها بالخير وشاريين نسبنا، إيه المانع إن احنا كمان نمد لهم ادينا ونمحي الموضوع ونفتح صفحة جديدة مع بعض
وجد التذمر بعيناي صغيره فاسترسل كاشفًا عما يؤرقه:
-يا ابني أنا راجل كبرت في السِن وعاوز ارتاح واموت وانا مطمن عليك إنتَ واخواتك
بعد الشر عليك يا حاج…نطقتها ماجدة فتحدث علي متسائلاً بجدية:
-طب واعمامي،تفتكر هيوافقوا بالنسب ده؟
تنهد الأب وتحدث بحكمة:
-إعمامك سيبهم عليا أنا هعرف أتفاهم معاهم،ومتنساش إن اعمامك خايفين على ولادهم زي ما أنا خايف عليكم ويمكن اكتر
تعمق بالنظر إلى نجله ليسترسل بتذكيرٍ:
-إنتَ ناسي اللي عمله سامي إبن عمك السنة اللي فاتت، لما حاول يتربص لإبن عطية التُهامي وهو راجع من شغله بالليل، ولولا ستر ربنا اللي خلى عزت اخوه يسمعه وهو بيتفق مع ياسر إبن عمك أمين وجه قال لي ولحقتهم قبل ما يطلعوا يستنوه محدش عارف الحكاية كانت هتوصل لإيه
تنهد علي باستسلام وذلك لصحة حديث والده وفضل الصمت،اتجه محمد إلى الحمام توضأ ثم قام بتأدية صلاة الإستخارة وطلب العون من الله ثم توجه للنوم مباشرةً، باليوم التالي جمع محمد أشقاءهُ وجميع رجال العائلة وشبابهم وتحدث إليهم بالموضوع، بالبداية اعترض البعض وخصوصًا أن منهم من كان يريدها زوجةً لنفسه وبالفعل قد تقدم الكثير منهم لخطبتها وقُوبل الطلب بالرفض كالعادة، بالنهاية وافق جميع العائلة على رأي محمد وأيدوه لكي ينتهوا من ذاك الثأر اللعين ويغلقوا ذاك الباب للأبد
بعد مرور أربعة أيام منذ زيارة محمود لمنزل محمد الأنصاري، كان يعمل داخل مكتبه الخاص بعمله كضابط شرطة، اتاه اتصال فرفع هاتفهُ الجوال ينظر بشاشته لتجحظ عينيه فور رؤيته هوية المتصل، فقد رأى نقش اسم والد جوهرتهُ الثمينة وعلى الفور أجاب على الهاتف قائلاً بنبرة ظهرت متلهفة:
-السلام عليكم
أجابهُ محمد بوقارٍ:
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ازيك ياحضرة الضابط
بخير يا عمى محمد الحمدلله… ليسترسل متلهفًا:
-حضرتك فكرت في طلبي لأيد جنة
تنهد محمد ليجيبهُ بهدوء:
-أيوة يا أبني،ما أنا متصل بيك علشان أبلغك بقراري.
إبتلع محمود لعابه وانتظر مترقبًا لتمر الثواني عصيبة عليه قبل أن يسترسل الأخر برزانة:
-بلغ الحاج عبدالله إننا في انتظاركم بكرة بعد أذان العشاء علشان تشرفونا وتشربوا معانا الشاي
لم يصدق ما استمعته اذنيه ليتساءل ببلاهة اراد بها التأكُد:
-يعني أبلغ أبويا وأقول له إن حضرتك وافقت يا عمي محمد ولا أبلغه بإيه بالظبط؟
ابتسم محمد على تلبك الشاب ليبلغهُ صراحتًا:
-أيوة يا ابني موافق، وربنا يعمل اللي فيه الصالح
هتف بحبورٍ ظهر جليًا بصوتهِ الحماسي:
-ربنا يخليك يا عمي الحاج، أنا مش عارف اشكرك ازاي،أوعدك إنك مش هتندم أبداً على قرارك، وهعمل كل اللي في وسعي علشان أخلي جنة اسعد إنسانة في الدنيا كلها
سعد محمد كثيرًا بعد استماعه لوعود ذاك العاشق، بينما أغلق الاخر الهاتف وعلى الفور أبلغ والده الذي سعد كثيرًا بذاك الحدث الهام وشكر نجلهُ معبرًا له عن امتنانه لاصراره لاتمام تلك الزيجة التي ستُنهي الخلافات وتُغلق باب الماضي للأبد، بالفعل ذهب عبدالله بصحبة أنجاله ورجال عائلته فاستقبلهم محمد وعائلته بكثيرًا من الترحاب واتفقا على موعد قراءة الفاتحة فاقترح عبدالله أن يعقدوا القران بحيث يكون إتمام الزواج خلال أربعة أشهر فور إنتهاء جنة من اختبارات نهاية العام،بالفعل تم عقد القران داخل حفل كبير اقيم خارج منزل محمد الأنصاري حضره جميع أهل البلدة ليكونوا شاهدين على غلق تلك الصفحة السوداء وفتح أخرى جديدة بين العائلتين
أما داخل المنزل كان تجمع نساء العائلتين بل البلدة بأكملها لحضور حفل عقد القران، خرجت جنة من غرفتها بعدما انتهت متخصصة الميك أب من وضع اللمسات الأخيرة من الزينة لها، التفتت جميع أنظار النسوة لتلك الجميلة التي خرجت عليهم بكامل اناقتها وسحرها، وقفت عفاف لاستقبال عروس نجلها الغالي وأقبلت عليها لتسحبها لداخل أحضانها وهي تتحدث قائلة بانبهار:
-بسم الله ماشاء الله، إيه القمر ده
أبعدتها عن حضنها لتنظر لها واسترسلت بما أخجل جنة وجعل وجنتيها تتلونان باللون الوردي:
-كان عنده حق محمود لما حارب الدنيا كلها علشانك
تبسمت خجلاً لتتحدث بصوتٍ مبحوح:
-متشكرة يا طنط
أقبلت منى عليها وتحدثت وهي تحتضنها بحفاوة:
-ألف مبروك يا قلبي، وأخيرًا يا جنة
إبتسمت لها لتردد:
-وأخيرًا يا مُنى
تلقت التهنئة من الجميع ثم جلست بالمكان المخصص لها وابتدين النسوة بالغناء والتصفيق حتى استمعن لصوت إطلاق النار بالخارج مما يعني إنتهاء المأذون الشرعي من عقد القران فتعالت الزغاريد تعبيراً عن فرحتهم
أما بالخارج، انتهى عقد القران ليقف محمود يتلقى المباركات من محمد الأنصاري وأشقائه وأبناء عمومته، الجميع قدم التهنئة إلا ذاك الواقف بعيدًا ويبدوا على وجههِ علامات الضيق، اقترب عليه وتحدث بنبرة هادئة:
-إيه يا على،مش هتبارك لي ولا إيه؟
رمقهُ بنظرة جادة فاسترسل وهو يبتسم باسطًا يده بالسلام:
-خلاص بقى يا على، فكها شوية وابتسم لله يا اخي، إحنا خلاص بقينا أهل ونسايب ومينفعش نفضل قافشين من بعض كدة
شبح ابتسامة ظهر فوق ثغره ليمد يده يقابل خاصته وتحدث بنبرة هادئة:
-مبروك يا حضرة الظابط
ابتسامة واسعة زينت ثغره واقترب عليه ليجذبه داخل احضانه ليتحدث بدعابة نال بها استحسان الأخر:
-المباركة متنفعش على الناشف كدة يا أبو نسب
تنهيدة هادئة خرجت من أعماق صدر محمد الذي كان يتابع نجلهُ وزوج ابنته الحديث ليتنهد براحة بعدما اطمئن قلبه، استأذن محمود من والد عروسه ليذهب لعروسه بالداخل فوافق وبعث معه نجله الاصغر ليصطحبه للداخل، كانت تجلس وسط الجميع تشعر بسعادة الدنيا، ارتجف جسدها وشعرت بفراشاتٍ تداعبُ أسفل معدتها فور رؤيتها لفارس أحلامها الذي طل من البوابة الرئيسية ليحوم بعينيه وسط الجميع باحثاً عن حبيبته التي وبالأخير ظفر بها، تحرك إليها وكأنهُ منساقًا حتى وصل لعندها، قابلتهُ والدتهُ التي احتضنته وقبلت وجنتيه وأيضاً خالته وجميع اقاربه، تحرك صوب سامية التي قبلت وجنتيه لتتحدث بحبورٍ ظهر بعينيها:
-الف مبروك يا حبيبي
رفع كف يدها ليقبلهُ وتحدث بتمني:
-إدعي لي ربنا يتمم لي فرحتي على خير يا ماما
نطقها وهو ينظر لتلك المنتظرة دورها وهي تتطلع عليه بسعادة ممزوجة بخجلٍ شديد مما زاد من توهج وجنتيها ليزيد من اشتعال روح ذاك العاشق، تحرك إليها ليقف مقابلاً لها متأملاً بجمال عينيها للحظاتٍ مرت على كلاهما كدهرٍ، تناسا من حولهما ليسرح كلًا منهما بعينين الأخر ويتوه داخل بحورهم الغريقة، وبدون سابق إنذار جذبها ليسكنها بأحضانه منساقًا لأمر الهوىّ،أغمضت عينيها لتتنعم بأولى أحضانه الحلال ليُشدد هو من ضمته لها،استفاقا على حاليهما عندما تعالت الأصوات المداعبة لهما ليبتعد عنها ثم بسط كفاه وأحاط بهما وجنتيها ليتعمق بمقلتيها متحدثًا بحالة عالية من الوله:
-مبروك يا جنة
الله يبارك فيك يا محمود…نطقتها بعينين يملؤهما خجلاً ممزوجًا بعشقٍ هائل،وأثناء وقوفه قبالتها اتجه إليهم أشرف إبن عمها والذي كان قد طلب يدها للزواج سابقًا وكالعادة رفضت عرضه،إقتحم حفل النساء وتوجه إليهم وبكل حِدة نظر لها وتحدث وهو يُبسط يده لمصافحتها:
-مبروك يا جنة
إشتعل داخل محمود من ذاك الوقح الذي اقتحم خصوصية النساء وخصوصًا جنة التي كانت تاركة لشعرها العنان دون ارتدائها للحجاب على إعتبار أنهُ حفل نسائي ولن تطأهُ قدم أية رجُل،ومازاد من إحتقان غضبه هو رؤيتهُ لتلك الجنة وهي تتأهب ببسط ذراعها لتبادلهُ المصافحة،جن جنونه وبلمح البصر وقف أمامها ليُخبأها خلف ظهره ثم رمق أشرف بنظراتٍ نارية ليهتف بنبرة حادة:
-إنتَ مين سمح لك تدخل بين الستات وتقف قدام جنة وهي من غير حجاب؟
نعم يا حبيبي، إنتَ عاوز تمنعني من دخول بيت عمي… جملة حادة نطق بها أشرف بغضبٍ حاد لتهتف سامية بنبرة مرتبكة لتهدأة الوضع:
-كلام إيه بس يا ابني اللي بتقوله ده، محمود مايقصدش
إقتربت عفاف من نجلها تحاول تهدأته ليهتف ومازالت تلك المرتابة تحتمي خلف ظهره كأنهُ حِصنها المنيع:
-لا اقصد يا ماما،البيوت ليها حُرمة ودخولها ليه أصول
هتف غاضبًا:
-لا يقصد يا مرات عمي واتجرأ ونطقها
واسترسل متهكمًا تحت همهمات النسوة:
-عيشنا وشوفنا يا ولاد،جه اليوم اللي إبن التُهامية بيطرد ولاد الأنصاري من بيوتهم
بس العيب مش عليك يا حضرة الظابط، العيب على الرجالة اللي وافقوا بالمسخرة دي
واسترسل مبدلاً الأدوار:
-مع إن أنا اللي المفروض اسألك، إنتَ إيه اللي مدخلك بيوتنا وداخل تدوس في وسط حريمنا
أجابهُ بقوة وحِدة:
-والله انا داخل ابارك لمراتي ومستأذن من صاحب البيت وأخو مراتي هو اللي دخلني لحد هنا واستأذنا من الستات قبل ما ندخل، إنتَ بقى داخل ليه؟!
كاد أن يتحدث لولا صوت محمد الأنصاري الذي صدح من خلفهما وهو يهتف بحِدة بعدما بعثت ليلى بإبن خالتها الصغير،ليستدعى والدها كي يفض ذاك الإشتباك قبل أن يتحول لساحة معركة حسبما خطط له أشرف:
-فيه إيه يا أشرف، إيه اللي مدخلك عند الحريم وصوتك عالي ليه؟
ارتبك بوقفته وبلحظة تحولت ملامحهُ من غاضبة إلى حزينة مستكينة ثم تحدث بصوتٍ خفيض يشتكي محمود:
-انا كنت داخل أبارك لجنة يا عمي، لقيت حضرة الظابط وقف في وشي ومنع بنت عمي إنها تسلم عليا زي ما انتَ شايف كدة،ومكفهوش كدة بس،ده كمان طردني من بيتك،يرضيك كدة يا عمي
كاد محمود ان يتحدث اوقفته إشارة من كف محمد الذي تحدث بحدة إلى أبن شقيقه لعلمه بمكره:
-وإحنا من أمتى بندخل نسلم على الحريم في الأفراح يا أشرف،ما أنتَ عارف إن فيه بنات كتير بيبقوا واخدين راحتهم ومطمنين إن محدش هيدخل غريب
واسترسل لرؤيتهُ الإعتراض في عينه:
-طب محمود داخل يسلم على عروسته وأنا اللي سمحت له يدخل بعد ما اتصلت بمرات عمك وامنت الدنيا هنا والبنات ستروا نفسهم، إنتَ بقى تدخل ليه
وهنا قرر محمود التدخل ليتحدث باحترام:
-أنا لما طلبت منك ادخل طلبت علشان أبارك لمراتي يا عمي، وعمري ما أجرؤ إني أطرد حد من بيتك وبصفتي إيه أصلاً هطرده، لكن أنا بتكلم في اللي يخصني، لما تكون جنة قاعدة براحتها من غير حجاب وألاقي الاستاذ أشرف داخل عليها من غير إحم ولا دستور، طبيعي أقوله يخرج علشان أستر مراتي
حصل خير يا ابني، قدامي على برة يا أشرف… تحركا للخارج فالتفت محمود للخلف ينظر على تلك المنكمشة خلفه ممسكة بحلة بدلته ليرمقها بحدة لم يستطع مداراتها، اقترب ليميل على أذنها هامسًا بنبرة تحمل حممًا بركانية:
-حسابك معايا بعدين،أنا هعرفك إزاي تمدي إيدك لراجل وتقفي قدامه بشعرك
قال كلماته الغاضبة لينطلق للخارج تحت ارتعاب قلب تلك العاشقة التي ترقرقت الدموع بعينيها.
يتبع.